المتنبي

  09, 2024
 هو الجدّ حتى تفضُل العينُ أختَها … وحتى يكون اليومُ لليوم سيّدا
وما قتل الأحْرار كالعفْو عنهُم … ومن لك بالحُرّ الذي يحفَظُ اليَدا
إذا أنت أكرَمت الكريمَ ملكتَه … وإن أنت أكرمْتَ اللئيم تمرّدا
أزِل حسَد الحُسّادِ عنّي بكبتِهم … فأنت الذي صيّرتَهم ليَ حُسَّدا
وما أنا إلا سمهريٌّ حملتَه … فزيّن معروضًا وراع مُسدَّدا
أجِزْني إذا أُنشِدْت شِعرًا فإنّما … بشِعري أتاكَ المادِحون مرَدَّدا
ودعْ كلَّ صوتٍ دون صوتي فإنّني … أنا الصائحُ المَحكيُّ والآخرُ الصّدى
تركتُ السُرى خلفي لمَن قلّ مالُه … وأنعلْتُ أفراسي بنُعماكَ عسْجَدا
وقيّدتُ نفسي في ذَراك محبّةً … ومن وجدَ الإحسانَ قيْدًا تقيّدا
إذا سأل الإنسانُ أيامه الغِنى … وكُنتَ على بُعدٍ جعلتك موعِدا
وقوله:
وأطمعَ عامرَ البُقيا عليهمْ … ونزّقها احتمالُك والوقارُ
وكانت بالتّوقّف عن رَداها … نُفوسًا في رَداها تُستشارُ
وكنت السّيفَ قائمهُ إليها … وفي الأعْداء حدُّك والغِرار
وظلّ الطّعنُ في الخيْلَين خَلسًا … كأنّ الموتَ بينهمُ اختصارُ
مضوْا مُتسابقي الأعضاء فيه … لأرؤسِهمْ بأرجُلِهم عِثار
إذا صرفَ النهارُ الضّوءَ عنهم … دَجا ليلان: ليلٌ والغُبار
وإن جُنحُ الظلامِ انجابَ عنهمْ … أضاءَ المشرفيّة والنهارُ
إذا فاتوا الرِّماح تناولتْهم … بأرماحٍ من العطشِ القِفارُ
يرون الموتَ قُدّامًا وخلْفًا … فيختارون والموتُ اضطِرارُ
إذا سلك السّماوةَ غير هادٍ … فقتْلاهُمْ لعينيْهِ منارُ
فمن طلب الطِّعان فذا عليٌ … وخيلُ الله والأسَلُ الحِرارُ
١٠٢
يراه الناسُ حيثُ رأتْه كعْبٌ … بأرضٍ ما لنازِلها استِتارُ
بنو كعْبٍ وما أثّرْتَ فيهم … يدٌ لم يُدْمِها إلا السِّوارُ
بها من قطْعه ألمٌ ونقْصٌ … وفيها من جلالَتِه افتِخارُ
لهم حقٌ بشِركِك في نِزارٍ … وأدنى الشِّرْكِ في نسبٍ جِوارُ
لعلّ بنيهُمُ لبَنيكَ جُندٌ … فأوّل قُرَّحِ الخيلِ المِهارُ
وقوله:
نزَلوا في مصارِعٍ عرفوها … يندُبون الأعمام والأخوالا
تحمِلُ الريح بينهم شعَرَ الها … مِ وتُذري عليهمُ الأوصالا
تُنذِر الجسمَ أن يُقيم لديْها … وتُريه لكلّ عُضْو مِثالا
أبصَروا الطّعْن في القُلوب دِراكا … قبل أن يُبصِروا الرّماح خَيالا
ينفُض الرّوْعُ أيدِيًا ليس تدري … أسُيوفًا حملْن أم أغْلالا
وإذا ما خلا الجبانُ بأرضٍ … طلب الطّعْنَ وحْدَه والنِّزالا
إنّ دون التي على الدّرْب والأحْ … دَبِ والنّهرِ مِخلَطًا مِزْيالا
غَصَبَ الدّهرَ والمُلوكَ عليها … وبَناها في وجْنةِ الدّهرِ خالا
إنما أنفُسُ الأنيس سِباعٌ … يتفارسْن جهْرةً واغتِيالا
من أطاقَ التِماس شيءٍ غِلابًا … واغتِصابًا لم يلتمِسْهُ سؤالا
وقوله:
قادَ الجيادَ الى الطِّعان ولم يقُدْ … إلا الى العادات والأوطانِ
إن خُليَتْ رُبطَتْ بآدابِ الوغى … فدعاؤها يُغني عن الأرْسانِ
في جحْفَل ستَر العيونَ غُبارُه … فكأنّما يُبصِرْن بالآذانِ
يرْمي بها البلدَ البعيد مظفّرٌ … كلُّ العبيد له قريبٌ دانِ
حتى عبرْن بأرسَناسَ سَوابحًا … ينشُرنَ فيه عَمائِمَ الفُرسانِ
يقمُصنَ في مثل المُدى من باردٍ … يذَرُ الفُحولَ وهنّ كالخِصيان
بحرٌ تعوّد أو يُذمُّ لأهلِه … من دهْره وطوارِقِ الحِدثانِ
فتركتَه وإذا أذَمّ من الوَرى … راعاكَ واستَثْنى بني حمْدانِ
نظروا الى زُبَرِ الحديد كأنما … يصعدْن بين مناكِبِ العِقْبانِ
وفوارِسٍ يُحيي الحِمامُ نفوسَها … فكأنها ليست من الحيوانِ
١٠٤
مازِلتَ تضربُهم دِراكًا في الذُرى … ضرْبًا كأنّ السيف فيه اثنانِ
خصّ الجماجمَ والوجوهَ كأنّما … جاءتْ إليك جسومُهم بأمانِ
وقوله:
لو كلّتِ الخيلُ حتى لا تحمّلُه … تحمّلَتْه الى أعدائه الهِمَمُ
يحُبٌ تمرّ بحِصن الرّانِ مُمسكةً … وما بها البُخلُ لولا أنها نِقمُ
وشُزّبٍ أحمت الشِّعرى شكائمها … ووسّمتْها على آنافِها الحكَمُ
ترمي على شفَراتِ الباتِراتِ بهم … مكامِنُ الأرض والغيطانُ والأكَمُ
وما يصدُّك عن بحرٍ لهم سَعةٌ … وما يردّك عن طوْدٍ لهم شمَمُ
ضربْتَه بصدورِ الخيلِ حاملةً … قومًا إذا تلِفوا قُدْمًا فقد سلِموا
وفيها:
هنديةٌ إن تصغِّرْ معشَرًا صَغُروا … بحدِّها أو تعظِّمْ معْشَرًا عظُموا
قاسَمتَها تلَّ بِطريقٍ فكان لها … أبطالُها ولك الأطفالُ والحُرَم
وقد تمنّوا غَداةَ الدّرْب في لجَبٍ … أن يُبصروك فلمّا أبصروك عَموا
فكان أثبتَ ما فيهم جُسومُهُم … يسقُطنَ حولكَ والأرواحُ تنهزِمُ
إذا توافقتِ الضّرْبات صاعدةً … توافقتْ قُلَلٌ في الجوّ تصطدِمُ
لا يأمَلُ النفَسَ الأقصى لمُهجتِه … فيسرِق النّفَسَ الأدنى ويغتنِمُ
ألقَتْ إليك دِماءُ الرومِ طاعتَها … فلو دعوْت بلا ضرْبٍ أجابَ دمُ
يُسابقُ القتلُ فيهم كلّ حادثة … فما يُصيبهُم موتٌ ولا هرَمُ
ألهى الممالكَ عن فخرٍ قفلْتَ به … شُرْبُ المُدامةِ والأوتارُ والنّغمُ
مقلَّدًا فوقَ شُكَّرِ الله ذا شُطَب … لا تُستَدامُ بأمضى منهما النِّعمُ
وقوله:
يا أعدلَ الناس إلا في معاملتي … فيك الخصام وأنت الخصمُ والحكمُ
إذا رأيت نيوبَ الليثِ بارزةً … فلا تظنّنّ أن الليثَ يبتسمُ
ومهجةٍ مُهجتي من همِّ صاحبِها … أدركتُها بجوادٍ ظهرُه حرمُ
رجلاه في الركضِ رِجْلٌ واليَدان يدٌ … وفعلُه ما تُريدُ الكفُّ والقدَمُ
يا من يعزّ علينا أن نفارقهمْ … وِجدانُنا كل شيء بعدَكم عدمُ
ما كان أخلقَنا منك بتكرِمةٍ … لو أنّ أمرَكمُ من أمرِنا أمَمُ
١٠٦
إن كان سرّكمُ ما قال حاسِدُنا … فما لجُرحٍ إذا أرضاكمُ ألمُ
وبيننا لو رعيتُم ذاك معرفةٌ … إنّ المعارِف في أهل النُهى ذمَمُ
ما أبعدَ العيبَ والنُقصانَ من شيَمي … أنا الثُريّا وذانِ الشّيبُ والهرمُ
ليتَ الغَمامَ الذي عندي صواعقُه … يُزيلهنّ الى مَن عندَه الدِّيَمُ
شرّ البلادِ مكانٌ لا صديقَ به … وشرّ ما يكسِبُ الإنسان ما يصِمُ
وشرّ ما قنصَتْه راحتي قنَصٌ … شُهْبُ البُزاةِ سواءٌ فيه والرّحَمُ
ويقول:
الناسُ ما لم يروك أشباه … والدهرُ لفظٌ وأنت معناهُ
والجودُ عينٌ وأنت ناظرها … والبأس باعٌ وأنت يُمناهُ
تُنشدُ أثوابُنا مدائِحَه … بألسُنٍ ما لهنّ أفواهُ
إذا مررنا على الأصمِّ بها … أغنَتْه عن مِسمَعَيْه عيناهُ
يا راحِلًا كلّ من يودِّعُه … مودِّعٌ دينَه ودُنياهُ
إن كان فيما نراه من كرَمٍ … فيكَ مزيدٌ، فزادَك اللهُ
وقوله:
وفارسُ الخيل من خفّت فوقّرها … في الدّرب والدمُ في أعطافِها دُفَعُ
فأوحَدَته وما في قلبِه قلقٌ … وأغضبتْه وما في لفظِه قذَعُ
قاد المقانِبَ أقصى شُربِها نهَلٌ … على الشّكيم وأدنى سيرِها سرَعُ
لا يعتَقي بلدٌ مسراهُ عن بلدٍ … كاموتِ ليس له ريٌّ ولا شِبعُ
يطمِّع الطيرَ فيهم طول أكلِهم … حتى تكادَ على أحيائِهم تقعُ
ذمّ الدُمُستُق عينيه وقد طلعت … سودُ الغَمام فظنّوا أنها قزَعُ
فيها الكُماة التي مفطومُها رجلٌ … على الجياد التي حوليُّها جذَعُ
كأنها تتلقهم لتسلُكهم … فالطّعن يفتح في الأجواف ما تسُع
إذا دعا العِلْجُ عِلجًا حال بينهُما … أظْمى تُفارِق منه أختَها الضِّلَعُ
لا تحسبوا من أسرْتُم كان ذا رمَقٍ … فليس يأكلُ إلا الميتةَ الضَّبُعُ
وإنما عرّض الله الجنودَ بكم … لكي يكونوا بلا فسْل إذا رجعوا
وهل يشينُك وقتٌ أنت فارسُه … وكان غيرُك فيه العاجزُ الضّرعُ
من كان فوق محلِّ الشمسِ موضعُه … فليس يرفعُه شيءٌ ولا يضعُ
لا يُسلمُ الكرّ في الأعقابِ مهجتَه … إن كان أسلمَها الأصحابُ والشِّيَعُ
وما حمِدتُك في هوْلٍ ثبتّ له … حتى بلوتُك والأبطالُ تمتَصِعُ
١٠٨
فقد يُظنّ شُجاعًا من به خرَقٌ … وقد يُظنّ جبانًا من به زمَعُ
وقوله:
خليليّ إني لا أرى غير شاعرٍ … فلِمْ منهمُ الدّعوى ومنّي القصائدُ
فلا تعجَبا إن السيوفَ كثيرةٌ … ولكنّ سيفَ الدولة اليوم واحدُ
له من كريم الطبع في الحرب منتضٍ … ومن عادةِ الإحسانِ والصّفحِ غامدُ
ولما رأيتُ الناس دون محلّه … تيقنت أن الدهر للناس ناقدُ
ومن شرفِ الإقدامِ أنّك فيهم … على القتل موموقٌ كأنّك شاكِدُ
وأنّ دمًا أجريتَه بك فاخِرٌ … وأنّ فؤادًا رُعْتَه لكَ حامِدُ
وكلٌ يرى طُرْقَ الشجاعة والنّدى … ولكنّ طبعَ النفس للنّفس قائِدُ
نهبْتَ من الأعمار ما لو حويْتَه … لهُنِّئتِ الدُنيا بأنّك خالدُ
وقوله - يرثي عبدًا لسيف الدولة:
ومن سرّ أهل الأرض ثم بكى أسًى … بكى بعيونٍ سرّها وقُلوبِ
سُبِقنا الى الدنيا فلو عاش أهلُها … منِعْنا بها من جيئَةٍ وذهوبِ
وأوفى حياةِ الغابرين لصاحِبٍ … حياةُ امرئٍ خانتْه بعد مَشيبِ
وفيها:
فإن يكنِ العِلقَ النفيسَ فقدتَه … فمن كفِّ مِتلافٍ أغرّ وهوبِ
كأنّ الرّدى عادٍ على كلّ ماجدٍ … إذا لم يعوِّذْ مجدَه بعُيوبِ
ولولا أيادي الدهر في الجمع بيننا … غفَلْنا فلم نشعُر له بذُنوبِ
تسَلّ بفِكرٍ في أبيك فإنما … بكيتَ وكان الضّحكُ بعدَ قريبِ
وقوله:
نزلنا عنِ الأكوارِ نمشي كرامةً … لمن بان عنهُ أن نُلمّ به ركْبا
نذمّ السّحابَ الغرَّ في فعلِها به … ونُعرِضُ عنها كلّما طلعتْ عتْبا
ومن صحِبَ الدُنيا طويلًا تقلّبتْ … على عينِه حتى يرى صدقَها كِذبا
ذكرتُ به وصْلًا كأنْ لم أفُز به … وعيشًا كأني كنتُ أقطعُه نهْبا
وقوله فيها:
مضى بعد ما التفّ الرِّماحان ساعةً … كما يتلقّى الهُدْب في الرّقْدةِ الهُدْبا
ولكنه ولّى وللطّعْن سَورةٌ … إذا ذكرتْها نفسُه لمسَ الجَنْبا
أرى كلَّنا يبغي الحياةَ بسعيهِ … حريصًا عليها مُستَهامًا بها صبّا
فحبّ الجبانِ النّفسَ أوردَهُ التُقى … وحبّ الشُجاعِ النفسَ أوردهُ الحرْبا
ويختلف الرّزقانِ والفعلُ واحدٌ … الى أن يُرى إحسانُ هذا لِذا ذنْبا
وفيها:
ولم نفترِقْ عنه الإسنّة رحمةً … ولم يترُكِ الشامَ الأعادي له حُبّا
ولكنْ نَفاها عنهُ غيرَ كريمةٍ … كريمُ الثنا ما سُبّ قطّ ولا سَبّا
وجيشٌ يُثنّي كل طوْد كأنّه … خريقُ رياحٍ واجهتْ غُصُنًا رطْبا
كأنّ نجومَ الليلِ خافتْ مُغارَه … فمدّتْ عليه من عجاجتهِ حُجْبا
١١٠
ويقول - يذكر رسول صاحب الروم:
رأى ملكُ الروم ارتياحَك للنّدى … فقامَ مقام المُجتَدي المتملّقِ
وخلّى الرماحَ السّمهريّة صاغرًا … لأدْربَ منه بالطّعانِ وأحذَقِ
وكاتبَ من أرض بعيدٍ مرامُها … قريبٍ على خيلٍ حوالَيك سُبَّقِ
وقد سار في مسْراك منها رسولُه … فما سار إلا فوقَ هامٍ مفلَّقِ
وكنتَ إذا كاتبتَه قبل هذه … كتبتَ إليه في قَذال الدُمُستُقِ
وهل ترك البيضُ الصّوارم منهمُ … حبيسًا لفادٍ أو رفيقًا لمُعتِقِ
وقوله:
فلوْ خُلِق الناس من دهرِهم … لكانوا الظّلامَ وكنتَ النّهارا
أشدّهُم في النّدى هِزّة … وأبعدُهُم في عُدوٍّ مُغارا
سما بك همّي فوق الهُمومِ … فلستُ أعدّ يَسارًا يسارا
ومن كنتَ بحْرًا له يا عل … يّ فلم يقبَلِ الدُرَّ إلا كِبارا
وعندي لك الشُرَّدُ السّائرا … تُ لا يختصِصْنَ من الأرضِ دارا
وكنّ إذا سِرْن من مِقوَلي … وثبْنَ الجِبالَ وخُضْنَ البِحارا
وقوله:
وكيف تنوبُك الشّكوى بداءٍ … وأنت المُستَغاثُ لِما ينوبُ
ملِلْتَ مُقامَ يومٍ ليس فيه … طِعانٌ صادِقٌ ودمٌ صَبيبُ
وما بك غير حُبِّك أن تراها … وعِثْيَرُها لأرجُلها جَنيبُ
مجلّحَةً لها أرضُ الأعادي … وللسُمْر المناحِرُ والجُنوبُ
وقوله:
المجدُ عوفيَ إذ عوفيتَ والكرَمُ … وزال عنك الى أعدائك الألمُ
صحّتْ بصحّتِك الغاراتُ وابتهجتْ … بها المكارِمُ وانهلّتْ بها الديَمُ
ولاح برقُك لي من عارضَي ملِكٍ … ما يسقُطُ الغيثُ إلا حيث يبتسِمُ
وما أخصّك في بُرء بتهنئَةٍ … إذا سلِمْت فكل الناسِ قد سلِموا
وقوله:
ما الدّهر عندكَ إلا روضةٌ أُنُفٌ … يا مَن شمائلُه في دهرِه زهَرُ
ما ينتهي لك في أيامِه كرَمٌ … فلا انتهى لك في أعوامِه عُمرُ
فإنّ حظّك من تكرارِها شرَفٌ … وحظَّ غيرِك منهُ الشّيبُ والكبَرُ
١١٣
وقوله يذكر رسول صاحب الروم:
وأنّى اهتدى هذا الرسولُ بأرضِه … وما سكنَتْ مذْ سِرْتَ فيها القساطِلُ
ومن أيِّ ماءٍ كان يسقي جيادَهُ … ولم تصْفُ من مزْجِ الدماءِ المناهِلُ
أتاك يكادُ الرأسُ يجحَدُ عُنقَه … وتنقدُّ تحت الدِّرْعِ منه المفاصِلُ
فما بلّغَتْه ما أراد كَرامةٌ … عليكَ ولكن لم يخِبْ لك سائل
وأكبَرَ منه همّةً بعثَتْ به … إليك العِدى واستنظَرتْهُ الجحافلُ
فأقبلَ من أصحابه وهْو مُرسَلٌ … وعاد الى أصحابه وهو عاذِلُ
إذا عاينتْك الرُسْلُ هانت نفوسُها … عليها وما جاءت به والمُراسِلُ
وقد زعموا أنّ النجومَ خوالِدٌ … ولو حاربَتْه ناحَ فيها الثّواكِلُ
وما كان أدناه له لو أرادَها … وألطَفَها لو أنّه المُتناوِلُ
وقوله:
طلبتَهم على الأمواه حتى … تخوّفَ أن تُفتّشهُ السّحابُ
وتسأل عنهم الفلَواتِ حتى … أجابكَ بعضُها وهُم الجوابُ
إذا ماسِرْتَ في آثار قومٍ … تخاذلَتِ الجماجِم والرِّقابُ
ولو غيرُ الأمير غَزا كِلابًا … ثناهُ عن شموسِهمُ ضَبابُ
ولاقى دون ثايهمُ طِعانًا … يُلاقي عنده الذئبَ الغُرابُ
وخيلً تغتذي ريحَ الموامي … ويكفيها من الماءِ السّرابُ
ويقول:
هلِ الحدَثُ الحمْراءُ تعرِفُ لونَها … وتعلمُ أيُّ السّاقيَينِ الغمائمُ
سقَتْها الغمامُ الغُرُّ قبل نُزولِه … فلما دنا منها سقتْها الجماجِمُ
وكان بها مثلُ الجُنونِ فأصبحَتْ … ومن جُثثِ القتْلى عليه تَمئمُ
طريدةُ دهْرٍ ساقَه فرددْتَها … على الدّين بالخطّيِّ والدّهرُ راغِمُ
تُفيتُ اللّيالي كل شيء أخذتَه … وهنّ لما يأخُذن منك غوارِمُ
أتوك يجرّون الحديدَ كأنّهم … سَروا بجِيادٍ ما لهنّ قوائمُ
وقفتَ وما في الموت شكٌ لواقفٍ … كأنك في جفْنِ الرّدى وهو نائمُ
تمرّ بك الأبطالُ كلمى هزيمةً … ووجهُك وضّاحٌ وثغرُك باسمُ
ضممت جناحيهم الى القلب ضمّةً … تموت الخوافي تحتها والقوادِمُ
بضرْبٍ أتى الهاماتِ والنّصرُ غائبٌ … وصار الى اللّبّات والنصرُ قادِمُ
وقوله:
ودانت له الدُنيا فأصبح جالسًا … وأيامُه فيما يُريدُ قيامُ
وكل أناسٍ يتبعون إمامَهُم … وأنتلأهلِ المكرُماتِ إمامُ
ورُبّ جوابٍ عن كتابٍ بعثْتَه … وعُنوانُه للناظِرينَ قَتامُ
١١٥
تضيقُ به البيداءُ من قبل نشرِه … وما فُضَّ بالبيداءِ عنه ختامُ
وربّوا لك الأولادَ حتى أصبْتَها … وقد كعبَتْ بنتٌ وشبّ غُلمُ
جرى معك الجارون حتى إذا انتهَوا … الى الغاية القُصوى جريْتَ وقاموا
وقوله:
للنّفسِ أخلاقٌ تدلّ على الفتى … أكان سخاءً ما أتى أم تساخِيا
خُلقْتُ ألوفًا لو رحلْتُ الى الصِّبا … لَفارَقْتُ شيبي موجَعَ القلبِ باكِيا
فإنّ دموعَ العين غُدرٌ بربِّها … إذا كنّ إثْرَ الغادِرين جوارِيا
وجُرْدًا مددْنا بين آذانِها القَنا … فبتْن خِفافًا يتّبعْن العَواليا
تماشى بأيْدٍ كلّما وافَتِ الصّفا … نقشْن به صدْر البُزاةِ حوافِيا
وتنظُر من سودٍ صوادِقَ في الدُجى … يرَينَ بعيداتِ الشُخوص كما هِيا
وتنصِبُ للجَرسِ الخفيّ سوامعًا … يخلنَ مُناجاة الضّمير تنادِيا
تجاذِبُ فرسانَ الصّباح أعنّةً … كأنّ على الأعناقِ منها أفاعِيا
قواصِدَ كافورٍ توارِك غيرِه … ومنْ قصد البحرَ استقلّ السّواقِيا
فجاءتْ بنا إنسانَ عينِ زمانِه … وخلّتْ بَياضًا خلفَها ومآقِيا
نحوز عليها المُحسنين الى الذي … نرى عندَهم إحسانَهُ والأيادِيا
وقوله:
وما زال أهلُ الدهر يشتبهون لي … إليك فلما لُحتَ لي لاح فَردُهُ
١١٦
ويومٍ كليلِ العاشقينَ كمنْتُه … أراقبُ فيه الشمسَ أيّانَ تغرُبُ
وعيني الى أذنَيْ أغرَّ كأنّه … من الليلِ باقٍ بين عينيْه كوكبُ
له فضلةٌ عن جسمِه في إهابه … تجيءُ على صدرٍ رحيبٍ وتذهَبُ
شققْتُ به الظّلماءَ أُدْني عِنانَه … فيَطْغى وأُرخيهِ مِرارًا فيلعَبُ
وأصرَعُ أيّ الوحشِ قفَّيتُه به … وأنزِلُ عنه مثلَه حين أركَبُ
وما الخيلُ إلا كالصديقِ قليلةٌ … وإن كثُرَتْ في عينِ من لا يجرِّبُ
إذا لم تُشاهِدْ غيرَ حُسنِ شياتِها … وأعضائِها فالحُسنُ عنكَ مغيَّبُ
وفيها:
يُريد بك الحُسّاد ما اللهُ دافِعٌ … وسُمرُ العوالي والحديدُ المذرَّبُ
إذا طلبوا جدْواكَ أُعطوا وحُكِّموا … وإن طلبوا المجْدَ الذي فيك خُيبوا
ولو جاز أن يحْووا عُلاك وهبْتَها … ولكن من الأشياء ما ليس يوهَبُ
وأظلَمُ أهلِ الظُلمِ من بات حاسدًا … لمَن بات في نَعمائه يتقلّبُ
ويُغنيكَ عمّا ينسُب الناسُ أنه … إليك تناهى المكرُماتُ وتنسَبُ
وتعذُلُني فيكَ القوافي وهمّتي … كأني بمدْح قبلَ مدحِكَ مذنِبُ
وقوله:
رأيتُكم لا يصونُ العِرضَ جارُكُم … ولا يدِرُّ على مرْعاكُم اللبَنُ
جزاءُ كلِّ قريبٍ منكُم ملَلٌ … وحظُّ كل محِبٍ منكُمُ ضغَنُ
١١٨
وتغضبون على من نال رِفدَكُمُ … حتى يعاقبَهُ التنْغيصُ والمِنَنُ
فغادرَ الهجْرُ ما بيني وبينكُمُ … يهْماء تكذِبُ فيها العينَ والأذُنُ
تحْبو الرّواسمُ من بعدِ الرّسيم بها … وتسألُ الأرض عن أخفافِها الثّفِن
سهرتُ بعد رحيلي وحشةً لكُم … ثم استمرّ مريري وارعَوى الوسنُ
وإن بُليت بودٍّ مثلِ ودِّكُمُ … فإنني بفِراقٍ مثلِه قمِنُ
وقوله:
برغم شَبيبٍ فارقَ السيفَ كفُّه … وكانا على العِلاّت يصطحبان
كأنّ رقابَ الناسِ قالت لسيفِه … رفيقُك قيسيٌ وأنت يماني
وهل ينفعُ الجيشَ الكثيرَ التفافُهُ … على غيرِ منصورٍ وغيرِ مُعانِ
ثنى يدَه الإحسانُ حتى كأنّها … وقد قُبضَتْ كانت بغيرِ بَنانِ
وقوله:
عُيون رواحلي إن حِرتُ عيني … وكلّ بُغامِ رازِحةٍ بفغامي
فقد أرِدُ المياهَ بغيرِ هادٍ … سوى عدّي لها برْقَ الغَمامِ
ولما صارَ ودُّ الناسِ خِبًّا … جزَيتُ على ابتِسامٍ بابتِسامِ
وصرتُ أشكّ فيمَن أصطَفيه … لعِلمي أنّه بعضُ الأنامِ
أرى الأجداد تغلِبُها كثيرًا … على الأولادِ أخلاقُ اللّئامِ
وقوله:
وزائِرتي كأنّ بها حياء … فليس تزور إلا في الظلامِ
بذلْتُ لها المطارِفَ والحشايا … فعافتْها وباتت في عِظامي
يضيقُ الجِلدُ عن نفسي وعنها … فتوسِعهُ بأنواعِ السّقامِ
إذا ما فارقَتْني غسّلَتْني … كأنّا عاكِفانِ على حرامِ
كأنّ الصُبحَ يطردُها فتجري … مدامِعُها بأربعةٍ سِجامِ
أراقِبُ وقتَها من غيرِ شوقٍ … مُراقبةَ المَشوقِ المُستهام
ويصدُقُ وعدُها والصّدقُ شرٌ … إذا ألْقاكَ في الكُرَبِ العِطام
ومنها:
ألا يا ليتَ شعرَ يدي أتمسي … تصرّفُ في عِنانٍ أو زِمام
وهل أرمي هَواي براقصاتٍ … مُحلاّةِ المقاودِ باللُغامِ
فربّتما شفيتُ غليلَ صدري … بسيرٍ أو قناةٍ أو حُسامِ
وضاقتْ خطّةٌ فخلصْتُ منها … خلاصَ الخمرِ من نسْجِ الفِدامِ
١٢٠
وفارقتُ الحبيبَ بلا وداعٍ … وودّعتُ البِلادَ بِلا سلامِ
يقول ليَ الطّبيبُ أكلتَ شيئًا … وداؤك في شرابِك والطعامِ
وما في طبِّه أني جوادٌ … أضرَّ بجسمِه طولُ الجَمام
تعوّد أن يغبِّر في السّرايا … ويدخُل من قَتامٍ في قتامِ
فأُمسِكَ لا يُطالُ له فيرْعى … ولا هو في العَليقِ ولا اللّجامِ
فإنْ أمرَضْ فما مرِضَ اصطِباري … وإن أُحْمَم فما حُم اعتِزامي
وإنْ أسلَمْ فما أبقى ولكنْ … سلِمْتُ من الحِمام الى الحِمامِ
وقوله:
تسوِّد الشّمسُ منّا بيضَ أوجهِنا … ولا تسوّدُ بيضَ العذر واللّمَم
١٢٢
وكان حالُهما في الحُكم واحدةً … لوِ احْتكمنا من الدنيا الى حكَمِ
طردْتُ من مصرَ أيديها بأرجُلِها … حتى مرقْن بنا من جوْشَ والعلَمِ
في غِلمةٍ أخطرُوا أرواحَهم ورَضوا … بما لقينَ رِضا الأيْسار بالزّلَمِ
حتى رجَعتُ وأقلامي قوائلُ لي … المجدُ للسيفِ ليسَ المجدُ للقلَم
اكتُب بنا أبدًا بعد الكِتاب به … فإنما نحن للأسياف كالخدَمِ
منِ اقتضى بسوى الهِنديّ حاجتَهُ … أجابَ كلّ سؤالٍ عن هلٍ بلَمِ
توهّم القومُ أنّ العجزَ قرّبنا … وفي التّقرُّب ما يدْعو الى التُهَمِ
ولم تزَلْ قلةُ الإنصافِ قاطعةً … بين الرجالِ وإن كانوا ذوي رحِم
فلا زيارَة إلا أن تزورَهُم … أيْدٍ نشأنَ مع المصْقولَة الخُذُم
صُنّا قوائمها عنهمْ فما وقعتْ … مواقعَ اللؤْم في الأيدي ولا الكزَمِ
هوِّنْ على بصرٍ ما شقّ منظرُه … فإنما يقظتُ العينِ كالحُلُمِ
ولا تشَكَّ الى خلْقٍ فتُشمِتَه … شكْوى الجريح الى الغِرْبان والرّخَم
وقوله:
تزاحَم الجيشُ حتى لم يجِد سببًا … الى بساطِك لي سمْعٌ ولا بصرُ
فكنت أشهدَ مُختصٍّ وأغيَبَهُ … مُعايَنًا وعِياني كلّه خبَرُ
وقوله:
إنْ ترَيْني أدُمْتُ بعدَ بَياضٍ … فحَميدٌ من القناةِ الذبولُ
صحبَتْني على الفَلاةِ فتاةٌ … عادةُ اللّونِ عندها التّبديلُ
سترَتْكِ الحِجالُ عنها ولكنْ … بكِ منها منَ اللّمى تقْبيلُ
وقوله:
أخو الحرْبِ يُخدِم مما سَبى … قناهُ، ويخلَع مما سلَبْ
إذا حاز مالًا فقد حازَه … فتًى لا يُسرُّ بما لا يهَبْ
وقد علِمَتْ خيلُه أنّه … إذا همّ وهْو عليلٌ ركِبْ
أتاهُمْ بأوسَعَ من أرضِهِم … طِوالَ السّبيب قِصارَ العُسُبْ
ولا تعبُرُ الرّيحُ في جوّه … إذا لم تخَطّ القَنا أو تَئِبْ
وقوله - يصف السيف:
قلّدتني يمينُه بحُسامٍ … أعقبَتْ منه واحدًا أجدادُهْ
كلما استُلّ ضاحكَتْهُ إياةٌ … تزعُم الشمسُ أنها أرآدُهْ
١٢٤
مثّلوه في جفنِه خشيَةَ الفقْ … دِ ففي مثلِ أثْرِهِ أغمادُه
مُنعَلٌ لا منَ الحَفا ذهبًا يحْ … مِلُ بحْرًا فِرِنْدُهُ إزْبادُهْ
يَقسِمُ الفارِسَ المدجّجَ لا يسْ … لَمُ من شفرَتَيْهِ إلا بِدادُهْ
جمَع الدّهرُ حدَّهُ ويدَيْه … وثَنائِي فاستَجْمعتْ آحادُه
وقوله:
تبدِّل أيّامي وعيشي ومنزِلي … نجائِبُ لا يُفكِرْن في النّحْس والسّعدِ
وأوجُهُ فِتيانٍ حياءً تلثّموا … عليهنّ لا خوْفًا من الحرّ والبردِ
إذا لم تُجِزْهُم دارَ قومٍ مودّةٌ … أجازَ القَنا والخوفُ خيرٌ من الوُدِّ
ومن يصْحَبِ اسم ابنِ العميدِ محمّدٍ … يَسِرْ بين أنيابِ الأساوِدِ والأُسدِ
كفانا الرّبيعُ العِيسَ من برَكاتِه … فجاءَتْه لم تسمَعْ حُداءً سوى الرّعدِ
كأنّا أرادتْ شُكرَنا الأرضُ عنده … فلمْ يُخلِنا جوٌ هبطْناهُ من رِفْدِ
فتًى فاتَتِ العدْوى من الناس عينُه … فما أرمدَتْ أجفانَه كثرةُ الرُّمْدِ
يغيِّرُ ألوانَ اللّيالي على العِدى … بمنشورَة الرّاياتِ منصورةِ الجُندِ
ومبثوثةً لا تُتّقى بطليعَةٍ … ولا يفحتَمى منها بغوْرٍ ولا نجْدِ
يغِضْنَ إذا ما غِرْنَ في مُتفاقِدٍ … منَ الكُثْر غانٍ بالبعيدِ عن الحشدِ
حثَتْ كلّ أرضِ تُربةً في غُبارِه … فهنّ عليه كالطّرائِقِ في البُردِ
وقوله:
أروحُ وقد ختمْت على فؤادي … بحبِّك أن يحُلّ بهِ سِواكا
لعلّ اللهَ يجعلُه رَحيلًا … يُعينُ على الإقامةِ في ذَراكا
ولو أنّي استطعْتُ خفضْتُ طرْفي … فلم أُبصِرْ به حتى أراكا
وكم طرِبِ المَسامِع ليس يدري … أيعجَبُ من ثَنائي أم حُلاكا
وفي الأحبابِ مختَصٌ بوجدٍ … وآخرُ يدّعي معهُ اشتِراكا
إذا اشتبهَتْ دموعٌ في خدودِ … تبيّن مَن بكى ممّن تباكى
وأيّا شِئْتِ يا طُرُقي فكوني … أذاةً أو نَجاةً أو هلاكا
فلو سِرْنا وفي تَشرينَ خمسٌ … رأوْني قبلَ أن يرَوا السِّماكا
وقوله:
وما زِلتُ أطوي القلبَ قبل اجتماعِنا … على حاجةٍ بين السّنابِك والسُبْلِ
ولو لم تسِرْ سِرْنا إليكَ بأنفُسٍ … غرائِبُ يؤْثِرن الجِيادَ على الأهلِ
وخيلٍ إذا مرّت بوحْشٍ وروضةٍ … أبتْ رعْيَها إلا ومِرجَلُنا يغلي
وقوله:
١٢٦
قومٌ بُلوغُ الغُلام عندَهُمُ … طعْنُ نُحورِ الكُماة لا الحُلُمُ
كأنّما يولَد النّدى معهمْ … لا صِغَرٌ عاذِرٌ ولا هرَمُ
إذا تولّوا عَداوَةً كشَفوا … وإنْ تولّوا صَنيعةً كتَموا
تظنّ من فقدِك اعتِدادَهُم … أنهمُ أنْعَموا وما علِموا
إن برَقوا فالحُتوفُ حاضرةٌ … أو نطَقوا فالصّواب والحِكَمُ
أو حلَفوا بالغَموسِ واجتَهدوا … فقولهم: خاب سائِلي القسَمُ
أو ركِبوا الخيْلَ غير مُسرجةٍ … فإنّ أفخاذَهُم لها حُزُمُ
أو شهِدوا الحربَ لاقِحًا أخذوا … من مهَجِ الدّارِعين ما احْتَكموا
تُشرِقُ أعراضُهُم وأوجُهُهم … كأنها في نفوسِهم شيَمُ
أعيذُكُمُ من صُروفِ دهرِكُمُ … فإنّه في الكِرامِ متّهمُ
وقوله:
ملكٌ سِنانُ قناتِه وبنانُه … يتبارَيان دمًا وعُرْفًا ساكِبا
إنْ تلْقَه لا تلْقَ إلا جحْفَلًا … أو قسطَلًا أو طاعِنًا أو ضارِبا
وإذا نظرتَ الى السُهولِ رأيتَها … تحت الجِبالِ فَوارِسًا وجَنائِبا
وعَجاجةً تركَ الحديدُ سوادَها … زِنجًا تبسّم أو قَذالًا شائِبا
أغرُّ أعداؤهُ إذا سلِموا … بالهرَبِ استكثروا الذي فعلوا
يُقبلُهُمْ وجهَ كل سابحةٍ … أربَعُها قبلَ طرْفِها تصِلُ
جرْداءَ ملءَ الحِزامِ مُجفَرَةٍ … تكون مثلَيْ عسيبها الخُصَلُ
إن أدبرَت قلت: لا تَليلَ لها … أو أقبلت قلت: ما لها كفَلُ
سارٍ ولا قفْرَ في مواكِبهِ … كأنّما كلّ سبْسَبٍ جبَلُ
إنّك من معشرٍ إذا وهبوا … ما دون أعمارِهم فقد بخِلوا
كتيبةٌ لستَ ربّها نفَلٌ … وبلدَةٌ لستَ حلْيَها عطُلُ
ثم وصف خطأ الفاصِد فقال:
عُذرُ المَلومَينِ فيكَ أنّهُما … آسٍ جبانٌ ومِبضَعٌ بطَلُ
مددْتَ في راحةِ الطّبيبِ يدًا … وما دَرى يُقطَعُ الأملُ
خامرَهُ إذ مددْتَها جزَعٌ … كأنّ من حَذاقَةٍ عجِلُ
أبلَغُ ما يُطلَبُ النّجاحُ به الطّبْ … عُ وعندَ التعمّقِ الزّللُ
وقوله:
سبقْتَ السّابقين فما تُجارى … وحاوَزْتَ العُلوّ فما تُعالى
١٢٩
وأقسِم لو صلَحْت يمينَ شيء … لما صلَح العِبادُ له شِمالا
أقلِّبُ منكَ طرْفي في سماء … وإنْ طلعتْ كواكِبُها خِصالا
وقوله:
مَحكٌ إذا مطلَ الغَريمُ بدَيْنِه … جعلَ الحُسامَ بما أرادَ كَفيلا
أعْدى الزّمانَ سخاؤهُ فسَخا به … ولقدْ يكون بهِ الزّمانُ بَخيلا
ثم وصف الأسد فقال:
وقعتْ على الأُردُنِّ منه بَليّةٌ … نضدَتْ بها هامَ الرِّفاق تُلولا
متخضِّبٌ بدمِ الفوارسِ لابسٌ … في غيلهِ منْ لِبدتَيْهِ غِيلا
ما قوبلَتْ عيناهُ إلا ظُنّتا … تحت الدُجى نارَ الفريق حُلولا
يَطأ الثّرى مترَفِّقًا من تِيهه … فكأنّه آسٍ يجُسّ عَليلا
ويردّ غُفرَتَه الى يافوخِه … حتى تَصيرَ لرأسهِ إكليلا
وتظنّه ممّا يزمْجِر نفسُه … عنها بشدّةِ غيظهِ مشغولا
قصرَتْ مخافتُه الخُطى فكأنّما … ركِب الكميُّ جوادَه مشْكولا
ألْقى فريستَهُ وبرْبرَ دونَها … وقرُبْتَ قُرْبًا خالَهُ تطْفيلا
فتشابَه الخُلُقان في إقدامِه … وتخالَفا في بذْلِك المأكولا
أسدٌ يرى عُضوَيْه فيكَ كليْهما … متْنًا أزلّ وساعِدًا مفْتولا
فلم أر ضِرغاميْنِ أصدق منكما … عِراكًا إذا الهيّابةُ النِّكْس كذَبا
هزَبرٌ مشى يبغي هِزَبْرًا وأغلبٌ … من القومِ يغْشى باسِلَ الوجهِ أغْلبا
أذلّ بشَغْب ثم هالته صوْلَةٌ … رآك لها أمضى جَنانًا وأشْغَبا
فأحجَم لما لم يجدْ فيك مَطمَعًا … وأقدَم لما لم يجدْ عنك مهْرَبا
حملتَ عليه السيفَ، لا عزمُك انثنى … ولا يدُك ارتدّتْ ولا حدُّه نَبا
وكنتَ متى تجمَعْ يمينك تهتك الضْ … ضَريبةَ أو لا تُبق للسيف مضْربا
فاستوفى المعنى، وأجاد في الصِّفة، ووصل الى المراد. وأما أبو زبيد فإنما وصف خلْق الأسد وزئيره وجرأته وإقدامه، وكأنما هو مرعوب أو محذر، والفضل له على كل حال، لكن هذا غرضٌ لم يرُمْه، ومذهب لم يسلُكه.
وقوله:
نيطَتْ حمائِلُه بعاتِقِ محرَبٍ … ما كرّ قطّ وهلْ يكُرّ وما انثنى
أمضى إرادَته فسوْف له قدٌ … واستقْرَبَ الأقصى فثمّ لهُ هُنا
وقوله:
وجدْتُ المُدامةَ غلاّبَةً … تُهيِّجُ للقلْبِ أشواقَهُ
تُسيءُ منَ المرء تأديبَه … ولكنْ تحسِّنُ أخلاقَهُ
١٣٢
وأنفَسُ ما للفَتى لُبّهُ … وذو اللُّبِّ يكرَهُ إنْفاقَهُ
وقد مُتّ أمسِ بها موتَةً … ولا يشتَهي الموتَ مَن ذاقَهُ
وقوله:
قِرانٌ تلاقى الصّلْتُ فيه وعامرٌ … كما يتلاقى الهُندُوانيّ والنّصرُ
فجاءا به صلْتَ الجبينِ معظَّما … ترى الناسَ قُلاًّ حولَه وهمُ كُثرُ
وما زلتُ حتى قادَني الشّوْق نحوَه … يُسايرُني في كلّ ركْبٍ له ذِكرُ
وأستَكْبِرُ الأخبارَ قبلَ لِقائِه … فلما التقَيْنا صغّر الخبرَ الخُبرُ
أزالَت بكَ الأيامُ عتْبي كأنما … بَنوها لها ذنْبٌ وأنت له عُذرُ
وقوله:
وقَفنا كأنّا كلّ وجْدِ قُلوبِنا … تمكّن من أذوادِنا في القوائمِ
ودُسنا بأخْفافِ المطيّ تُرابَها … فلا زِلتُ أستشفي بلثْم المناسِمِ
ديارُ اللّواتي دارُهنّ عزيزةٌ … بطولِ القَنا يُحفَظْنَ لا بالتّمائِمِ
حِسانُ التثنّي ينقُشُ الوشْيُ مثلهُ … إذا مِسْنَ في أجسامهنّ النّواعِم
ويبسِمْن عن درّ تقلّدْن مثلَه … كأنّ التّراقي وشِّحَت بالمَباسِم
من الحِلمِ أن تستعمِلَ الجهلُ دونَه … إذا اتّسعتْ في الحِلمِ طُرْقُ المظالمِ
وأن ترِدَ الماءَ الذي شطرُه دمٌ … فتسْقي إذا لم يسْقِ من لم يُزاحمِ
ومن عرَفَ الأيامَ معرفتي بها … وبالنّاسِ روّى رمحَه غيرَ راحِم
وفيها:
وذي لجَبٍ لا ذو الجناحِ أمامه … بتاجٍ، ولا الوحشُ المُثارُ بسالِم
تمرّ عليه الشمسُ وهْي كليلةٌ … تُطالِعُه من بينِ ريشِ القَشاعِم
إذا ضوءُها لاقى من الطّيرِ فَرجةً … تدوَّر فوق البيضِ مثلَ الدّراهمِ
أرى دون ما بين الفراتِ وبرْقةٍ … ضِرابًا يمشّي الخيلَ فوق الجماجمِ
وطعْنَ غطاريفٍ كأنّ أكفّهم … عرفْن الرُدَينيّاتِ قبلَ المعاصِمِ
حمتْه على الأعداءِ من كلّ جانبٍ … سُيوفُ بني طُغْجِ بنِ جُفِّ القَماقمِ
هُمُ المحسِنون الكَرّ في حومةِ الوَغى … وأحسنُ منهُ كرّهُم في المكارمِ
ولولا احتِقارُ الأُسْدِ شبّهتهُم بها … ولكنها معدودةٌ في البهائم
كريمٌ نفضْتُ الناسَ لمّا لقيتُه … كأنهمُ ما جفّ من زادِ قادِم
وكاد سروري لا يَقي بنَدامتي … على تركِه في عُمريَ المُتقادِم
وقوله:
وشامِخٍ منَ الجبالِ أقْوَدِ
فرْدٍ كيافوخِ البعيرِ الأصيَدِ
يُسارُ من مَضيقِه والجلْمَدِ
في مثلِ متْنث المسَدِ المعقّدِ
زُرْناهُ للأمرِ الذي لم يُعْهَدِ
للصّيدِ والنُزهةِ والتّمرّدِ
بكلّ مسْقيِّ الدّماءِ أسودِ
مُعاودٍ مقوّدٍ مقلَّدِ
كطالبِ الثأرِ وإن لم يحقِدِ
يقتُلُ ما يقتُلُه ولا يَدي
فثار من أخضرَ ممْطورٍ نَدي
كأنه بدْزُ عِذارِ الأمْردِ
فلم يكدْ إلا لحتْفٍ يهتدي
ولم يقعْ إلا على بطْنِ يدِ
وقوله:
فتًى علّمتهُ نفسُه وجُدودُه … قِراعَ العوالي وابتِذالَ الرغائِبِ
فقد غيّب الشُهّادَ عن كلّ موطِن … وردّ الى أوطانِه كلّ غائِبِ
كذا الفاطميّون النّدى في بَنانِهم … أعزُّ امِّحاءً من خُطوطِ الرّواجبِ
ألا أيها المالُ الذي قد أبادَه … تعزَّ فهذا فعلُه بالكتائِبِ
لعلّك في وقتٍ شغلْتَ فؤادَه … عن الجودِ أو كثّرْت جيشَ مُحاربِ
وقوله:
يرى الجُبناءُ أنّ الجُبْنَ عقلٌ … وتلكَ خديعةُ الطّبْعِ اللّئيمِ
وكم من عائِبٍ قولًا صحيحًا … وآفتُه من الفهْمِ السّقيمِ
ولكنْ تأخذُ الآذانُ منهُ … على قدْرِ القرائِحِ والعُلومِ
وقوله:
يا بَني الحارِثِ بن لُقمانَ لا تعْ … دَمكُمُ في الوغى مُتونُ العِتاقِ
بعثوا الرعْبَ في قُلوب الأعاد … يّ فكان القِتالُ قبلَ التّلاقي
وتكادُ الظُبى لِما عوّدوها … تنتَضي نفسَها الى الأعناقِ
وإذا أشفقَ الفوارسُ من وقْ … عِ القَنا أشفَقوا منَ الإشفاقِ
كلّ ذِمْرٍ يزيدُ في الموتِ حُسنًا … كبُدورٍ تمامُها في المُحاقِ
جاعِلٍ درعَهُ منيّتَه إنْ … لم يكنْ دونها منَ العارِ واقِ
كرمٌ خشّن الجوانبَ منهُمْ … فهْو كالماءِ في الشِّفارِ الرِّقاقِ
ومَعالٍ إذا ادّعاها سواهُمْ … لزمَتْهُ خيانَةُ السّراقِ
وقوله:
سرْ حلَّ حيث تحُلُّه النّوّارُ … وأراد فيكَ مُرادَك المِقْدارُ
وإذا ارتحلْتَ فشيّعتْكَ سلامةٌ … حيث اتّجهْتَ وديمةٌ مِدرارُ
وأراك دهرُك ما تُحاولُ في الفِدى … حتى كأنّ صُروفَه أنصارُ
أنت الذي بجحَ الزمانُ بذكرهِ … وتزيّنتْ بحديثِه الأسْمارُ
وقوله في بازٍ أطلق:
وطائرةٍ تتبّعُها المنايا … على آثارِها زجِلُ الجناحِ
١٣٧
كأنّ رؤوسَ أقلامٍ غِلاظ … مسحْنَ بريشِ جؤجُئِه الصِّحاحِ
فأقعَصَها بحُجْنٍ تحت صفرٍ … لها فعلُ الأسنّةِ والرّماحِ
كأنّ الريشَ منهُ في سِهامٍ … على جسدٍ تجسّم من رياحِ
فقلت: لكلّ حيٍّ يومُ سوءٍ … وإنْ حرِصَ النّفوسُ على الفَلاحِ
وقوله:
فواهِبٌ والرّماحُ تشجُرُه … وطاعنٌ والهِباتُ متّصلَهْ
وكلما آمنَ البلادَ سرى … وكلما خيفَ منزلٌ نزلَهْ
وكلما جاهرَ العدوَّ ضُحًى … أمكنَ حتى كأنهُ ختَلَه
وقوله:
أنا منكَ بين فضائلٍ ومكارمٍ … ومنَ ارتياحِكَ في غَمامٍ دائمِ
ومن احتقارِك كلّ ما تحْبو به … فيما ألاحظهُ بعينَي حالِم
إنّ الخليفةَ لم يسمِّكَ سيفها … حتى ابتلاك فكنتَ عينَ الصّارمِ
فإذا تتوّجَ كنتَ دُرّةَ تاجِه … وإذا تختّم كنتَ فصّ الخاتَمِ
وإذا انتضاكَ على العِدى في معْرَكٍ … هلَكوا وضاقتْ كفّهُ بالقائمِ
أبدى سخاؤكَ عجْزَ كلِّ مشمّرٍ … في وصفِه وأضاق ذرْعَ الكاتِمِ
وقوله:
فكأنها والدمعُ يقطرُ فوقَها … ذهبٌ بسمْطَيْ لؤلُؤٍ قد رُصِّعا
نشرَتْ ثلاثَ ذوائبٍ من شعرِها … في ليلةٍ فأرَتْ لياليَ أربَعا
واستقبلَتْ قمرَ السّماءِ بوجهها … فأتْني القمريْنِ في وقتٍ مَعا
وقوله:
وشكيّتي فقدُ السّقامِ لأنه … قد كان لمّا كان لي أعضاءُ
مثلْتِ عينَك في حشايَ جراحةً … فتشابَها كِلتاهما نجْلاءُ
قوله: فتَشابها كان حقّه فتشابهتا، ولكن حمل الجراحة على الجرح والعين على العضو.
نفذَتْ عليّ السّابِريّ وربما … تنْدَقّ فيه الصّعدَةُ السّمْراءُ
وقوله:
كأنّ العيسَ كانت فوقَ جَفْني … مُناخاتٍ فلمّا سِرْنَ سالا
١٣٩
لبسنَ الوشيَ لا متجمِّلاتٍ … ولكنْ كيْ يصُنّ به الجَمالا
بدت قمَرًا ومالت خوطَ بانٍ … وفاحتْ عنبرًا ورنَتْ غَزالا
وقوله:
كانتْ منَ الكحْلاءِ سولي إنّما … أجَلي تمثّلَ في فؤاديَ سولا
أجِدُ الجَفاءَ على سواكِ مروءةً … والصّبْرَ إلا في نَواكِ جَميلا
وأرى تدلُّلكِ الكثيرَ محبَّبًا … وأرى قَليلَ تدلّلٍ ممْلولا
تشْكو روادِفَكِ المطيّةُ فوقَها … شكْوى التي وجدتْ هواكِ دَخيلا
وقوله:
الحبّ ما منع الكلامَ الألسُنا … وألذّ شكْوى عاشقٍ ما أعْلَنا
ليتَ الحبيبَ الهاجري هجْرَ الكرى … من غيرِ جُرمٍ واصِلي صلةَ الضّنى
بنّا فلوْ حليلتَنا لم تدْر ما … ألوانُنا ممّا امتُقِعْن تلوُّنا
وتوقّدتْ أنفاسُنا حتى لقد … أشفقْتُ تحتَرِقُ العواذلُ بينَنا
أفدي المودّعةَ التي أتبعْتُها … نظرًا فُرادى بينَ زفْراتٍ ثُنا
أنكرْتُ طارِقةَ الحوادثِ مرّةً … ثمّ اعترفْت بها فصارتْ ديدَنا
وقوله:
إلامَ طماعيةُ العاذلِ … ولا رأْيَ في الحبِّ للعاقِلِ
يُرادُ من القلبِ نسيانُكمْ … وتأبى الطِّباعُ على النّاقِل
وإني لأعشَقُ من عِشقِكُم … نُحولي وكلّ فتًى ناحِل
ولو زُلتُمُ ثمّ لم أبكِكُمْ … بكيتُ على حبّي الزّائلِ
أينكِرُ خدّي دُموعي وقد … جرتْ منه في مسلَكٍ سابِل
أأوّلُ دمْعٍ جرى فوقَه … وأوّلُ حُزنٍ على راحِلِ
وهبتُ السّلوَّ لمن لامني … وبتّ من الشّوقِ في شاغِل
كأنّ الجفونَ على مُقلتي … ثيابٌ شُقِقْنَ على ثاكِل
وقوله:
وما عشتُ من بعدِ الأحبّةِ سلوةً … ولكنّني للنّائِباتِ حَمولُ
وإنّ رحيلًا واحدًا حال بيننا … وفي الموتِ من بعدِ الرّحيل رحيلُ
إذا كان شمّ الرَّوْحِ أدنى إليكُمُ … فَلا برحَتْني روضةٌ وقَبولُ
وما شرَقي بالماءِ إلا تذكّرًا … لماءٍ به أهلُ الحبيبِ نُزولُ
يحرِّمُه لمْعُ الأسنّةِ فوقَه … فليسَ لظمآنٍ إليهِ وصولُ
أما في النّجومِ السّائراتِ وغيرِها … لعيني على ضوْءِ السماءِ دَليلُ
ألمْ يرَ هذا الليلُ عينيْكِ رؤيتي … فتظهرَ فيهِ رقّةٌ ونُحولُ
لقيتُ بدرْبِ القُلّةِ الفجْر لُقيةً … شفتْ كمَدي والليلُ فيه قتيلُ
ويومًا كأنّ الحُسن فيه علامةٌ … بعثتِ بها والشمسُ منكِ رسولُ
وقوله:
دِمَنٌ تكاثرَتِ الهُمومُ عليّ في … عرَصاتِها كتكاثُرِ اللّوّامِ
فكأنّ كلّ سحابةٍ وكفتْ بها … تبكي بعينَي عُروةَ بن حِزامِ
ولطالَما أفنيتُ ريقَ كعابها … فيها وأفنَتْ بالعِتابِ كلامي
وقوله:
شاميّةٌ طالَما خلوْتُ بها … تُبصِرُ في ناظرِ مُحيّاها
فقبّلَتْ ناظري تُغالطُني … وإنما قبّلتْ به فاها
تبُلّ خدّيَّ كلّما ابتسمَتْ … من مطرٍ برقُه ثناياها
ما نفّضتْ في يدي غدائِرُها … جعلَتْه في المدامِ أفْواها
في بلدٍ تُضرَبُ الحِجالِ بهِ … على حِسانٍ ولسْن أشْباها
لَقيننا والحُمولُ سائِرةٌ … وهنّ درٌ فذُبْنَ أمْواها
كلّ مَهاةٍ كأنّ مُقلتَها … تقولُ إيّاكمُ وإيّاها
وقوله:
أوَما وجدْتُمْ في الصّراةِ مُلوحةً … ممّا أرقرِقُ في الفراتِ دُموعي
رحَل العزاءُ برحلَتي فكأنّما … أتبعتُه الأنفاسَ للتّشْييعِ
وقوله:
ما كنتُ أحسِبُ قبل دفنِك في الثّرى … أنّ الكواكبَ في التُرابِ تَغورُ
ما كنتُ آمُلُ قبلَ نعشِكَ أن أرى … رضْوى على أيدي الرِّجالِ تسيرُ
خرَجوا به ولكلّ باكٍ خلفَه … صعَقاتُ موسى يومَ دُكَّ الطّورُ
والشمسُ في كبدِ السماءِ مريضةٌ … والأرضُ واجفةٌ تكادُ تمورُ
وحفيفُ أجنحةِ الملائِكِ حولَه … وعُيونُ أهلِ اللاذقيّةِ صورُ
حتّى أتوْا جدَثًا كأنّ ضريحَه … في قلبِ كلّ موحّدٍ محْفورُ
كفَلَ الثّناءُ له بردِّ حياتِه … لمّا انطَوى فكأنّه منشورُ
وقوله:
نفَرٌ إذا غابتْ غُمودُ سُيوفِهمْ … عنها فآجالُ العِبادِ حُضورُ
وقوله:
ومن لم يعشقِ الدُنيا قديمًا … ولكنْ لا سبيلَ الى الوصالِ
نصيبُك في حياتِك من حبيبٍ … نصيبُك في منامِك من خَيالِ
رماني الدهرُ بالأرْزاءِ حتى … فؤادي في غِشاء من نِبالِ
فصِرْتُ إذا أصابتْني سِهامٌ … تكسّرتِ النِّصالُ على النِّصالِ
وهانَ فما أُبالي بالرّزايا … لأنّي ما انتفَعتُ بأنْ أُبالي
وهذا أوّلُ النّاعينَ طُرًّا … لأوّلِ مَيتَةٍ في ذا الجَلالِ
كأنّ الموتَ لم يفجَعْ بنفْسٍ … ولم يخطُرْ لمخلوقٍ ببالِ
صلاةُ اللهِ خالِقِنا حَنوطٌ … على الوجهِ المكفَّنِ بالجَمالِ
على المدْفونِ قبلَ التُرْبِ صوْنًا … وقبلَ اللّحْدِ في كرَمِ الخِلالِ
فإنّ لهُ ببَطْنِ الأرضِ شخْصًا … جديدًا ذِكْرُناهُ وهو بالي
وفيها:
أتتْهُنّ المصائِبُ غافِلاتٍ … فدمْعُ الحُزنِ في دمْعِ الدّلالِ
ولو كان النِّساءُ كمَن فقدْنا … لفُضِّلتِ النساء على الرّجالِ
وقوله:
أجدُ الحزنَ فيكَ حِفظًا وعقْلًا … وأراهُ في الخلْقِ ذُعْرًا وجهْلا
لك إلْفٌ يجرّه وإذا ما … كرُم الأصلُ كان للإلْفِ أصْلا
ووفاءٌ نبتّ فيه ولكنْ … لم يزلْ للوَفاءِ أهلُك أهْلا
إنّ خيرَ الدُموعِ عوْنًا لَدَمْعٌ … بعثتْهُ رعايةٌ فاستَهلاّ
أينَ ذي الرِّقّة التي لك في الحرْ … بِ إذا استُكْرِهَ الحديدُ وصلاّ
أينَ خلّفتَها غَداةَ لقيتَ الرْ … رُومَ والهامُ بالصّوارمِ تُفلى
قاسمَتْك المَنون شخصَينِ جَوْرًا … جعلَ القِسمُ نفسَه فيكَ عدْلا
فإذا قسْتَ ما أخذْنَ بما غا … دَرْنَ سرّى عنِ الفؤادِ وسلّى
وتيقّنتَ أنّ حظّكَ أوْفى … وتبيّنْتَ أنّ جدَّك أعلى
ولَعَمري لقد شغلْتَ المَنايا … بالأعادي فكيفَ يطلُبْنَ شُغْلا
وكم انتشْتَ بالسيوفِ من الدّهْ … رِ أسيرًا وبالنّوالِ مُقِلا
عدّها نُصرةً عليه فلمّا … صال ختْلًا رآهُ أدركَ تبْلا
وإذا لم تجدْ من الناسِ كُفْوًا … ذاتُ خِدْرٍ أرادتِ الموتَ بعْلا
ولذيذُ الحياةِ أنفَسُ في النّفْ … سِ وأشهى من أن يُمَلَّ وأحْلى
وإذا الشيخُ قال أفٍّ فما م … لَّ حياةً وإنما الضُعفَ ملاّ
آلةُ العيشِ صحّةٌ وشَبابٌ … فإذا ولّيا عنِ المرءِ ولّى
أبدًا تستردُّ ما تهَبُ الدُن … يا فيا ليْت جودَها كان بُخْلا
وهْيَ معشوقةٌ على الغدْرِ لا تحْ … فَظُ عهْدًا ولا تتمِّمُ وصْلا
كلّ دمْعٍ يسيلُ منها عليها … وبفَكِّ اليَدينِ عنها تُخَلّى
شيَمُ الغانِياتِ فيها فلا أدْ … ري لِذا أنّثَ اسْمَها الناسُ أم لا
يا مَليكَ الوَرى المفرِّقَ محْيا … ومَماتًا فيهمْ وعِزًّا وذُلاّ
قلّدَ اللهُ دولةً سيفُها أنْ … تَ حُسامًا بالمكْرُماتِ مُحلّى
فبِه أغنَتِ الموالي بذْلًا … وبهِ أفنَتِ الأعاديَ قتْلا
أيُّها الباهِرُ العُقولَ فما يُدْ … رَكُ وصْفًا أتعَبْتَ فِكري فمَهْلا
مَن تعاطى تشبُّهًا بكَ أعْيا … هُ ومَن دلّ في طريقِك ضلاّ
وإذا ما اشتهى خُلودَك داعٍ … قال لا زُلْتَ أو نَرى لك مِثْلا
وقوله:
النّومُ بعدَ أبي شُجاعٍ نافِرٌ … والليلُ مُعْيٍ والكواكِبُ ظُلَّعُ
إني لأجْبُنُ منْ فِراقِ أحبّتي … وتُحِسّ نفْسي بالحِمامِ فأشجُعُ
ويَزيدُني غضَبُ الأعادي قسوةً … ويُلمّ بي عتْبُ الصّديقِ فأجْزَعُ
تصْفو الحياةُ لجاهلٍ أو غافِلٍ … عما مضى منها وما يتوقَّعُ
ولمَن يُغالِطُ في الحقائقِ نفسَه … ويسومُها طلبَ المُحالِ فتطمَعُ
أين الذي الهَرَمانِ من بُنيانِه … ما يومُه ما قومُه ما المصْرَعُ
تتخلّفُ الآثارُ عن أصحابِها … حينًا ويدرِكُها الفَناءُ فتتْبعُ
وإذا حصلْتَ من السِّلاحِ على البُكا … فحشاكَ رُعْتَ به وخدّكَ تقْرَعُ
وقوله:
طوى الجزيرةَ حتى جاءَني خبرٌ … فزِعْتُ فيه بآمالي الى الكذِبِ
حتى إذا لم يدَعْ لي صدْقُه أمَلًا … شرِقْتُ بالدمعِ حتى كادَ يشرَقُ بي
تعثّرَتْ به في الأفْواهِ ألسُنُها … والبُردُ في الطُرْقِ والأقلامُ في الكتُبِ
فإن تكنْ تغلِبُ الغلْباءُ عُنصُرَها … فإن في الخمر معْنًى ليس في العِنَبِ
وما ذكرْتُ جميلًا من صنائِعِها … إلا بكيْتُ، ولا ودٌ بلا سببِ
فلا تنلْكَ الليالي إنّ أيديَها … إذا ضربْن كسرْنَ النّبْعَ بالغرَبِ
ولا يُعِنّ عدوًّا أنت قاهِرُهُ … فإنّهنّ يصِدْنَ الصّقْرَ بالخرَبِ
وربما احتسَب الإنسانُ غايتَها … وفاجأتْهُ بأمرٍ غيرِ محتسَبِ
وما قضى أحدٌ منها لُبانتَهُ … ولا انتهى أربٌ إلا الى أرَبِ
ومن تفكّر في الدُنيا ومُهجتِه … أقامَه الفِكرُ بين العجْزِ والتّعبِ
وقوله:
نحن بَنو الموتِ فما بالُنا … نعافُ ما لا بدّ من شُرْبِه
تبخَلُ أيدينا بأرواحنا … على زمانٍ هنّ منْ كسْبِهِ
فهذه الأرواحُ من جوِّهِ … وهذه الأجسامُ من تُربِه
لو فكّر العاشِقُ في مُنتَهى … حُسنِ الذي يسْبيه لم يسْبِه
لم يُرَ قرْنُ الشمسِ في شرْقِه … فشكّتِ الأنفُسُ في غرْبِه
يموتُ راعي الضّأنِ في جهلِه … ميتَةَ جالينوسَ في طِبِّه
١٤٨
وربما زاد على عمرِه … وزادَ في الأمْنِ على سربِه
وغايةُ المُفرطِ في سِلمِه … كغايةِ المُفرِط في حرْبِه
فلا قضى حاجتَه طالبٌ … فؤادُهُ يخفِقُ من رُعبِه
حاشاك أن تضعُفَ عن حملِ ما … تحمّلَ السّائرُ في كُتْبِه
وقوله - يرثي جدته:
عرفْتُ الليالي قبلَ ما صنعَتْ بنا … فلما دهَتْني لم تزِدْني بها عِلْما
حَرامٌ على قلْبي السرورُ فإنني … أعدّ الذي ماتتْ بهِ بعدَها سمّا
تعجّبُ من حظّي ولفْظي كأنها … ترى بحروف السطرِ أغرِبَةً عُصْما
وتلثَمهُ حتى أصارَ مِدادُهُ … محاجِرَ عينَيْها وأنيابَها سُحْما
رَقا دمعُها الجاري وجفّتْ جُفونُها … وفارَقَ حُبّي قلبَها بعد ما أدْمى
ولم يُسْلِها إلا المنايا، وإنما … أشدُّ من السُقْمِ الذي أذهبَ السُقْما
وكنتُ قُبيلَ الموتِ أستعظِمُ النّوى … فقد صارتِ الصُغْرى التي كانتِ العُظمى
وما انسدّتِ الدنيا عليّ لِضيقِها … ولكنّ طرْفًا لا أراكِ به أعْمى
وقوله:
يا أختَ معتَنِقِ الفوارسِ في الوغى … لأخوكِ ثمّ أرقّ منكِ وأرحَمُ
يرْنو إليكِ مع العَفافِ وعندَهُ … أنّ المجوسَ تُصيبُ فيما تحْكُم
راعتْكِ رائِعةُ البَياضِ بعارِضي … ولوَ انّها الأولى لراعَ الأسْحَمُ
لو كان يمكنُني سفرْتُ عنِ الصِّبا … فالشّيبُ من قبْلِ الأوانِ تلثُّمُ
ولقد رأيتُ الحادِثاتِ فلا أرى … يقَقًا يُميتُ ولا سَوادًا يعصِم
والناسُ قد نبَذوا الحِفاظَ فمُطلَقٌ … ينْسى الذي يولى وعافٍ يندَمُ
لا يسلَم الشّرفُ الرّفيعُ من الأذى … حتى يُراقَ على جوانِبه الدّمُ
الظُلْمُ من شيَمِ النّفوسِ إن تجِدْ … ذا عِفّةٍ فلِعلّةٍ لا يظْلِمُ
ومنَ البليّة عذلُ من لا يرْعَوي … عن جهلِه وخِطابُ منْ لا يفهَمُ
ثم هجا وقال:
يحمي ابنُ كيْغَلغَ الطّريقَ وعِرسُهُ … ما بين رجلَيْها الطّريقُ الأعظمُ
يمشي بأربعةٍ على أعْقابِه … تحت العُلوجِ ومن وراءٍ يُلجَمُ
وجُفونُه ما تستقرُّ كأنّها … مطروفةٌ أو فُتَّ فيها حِصرِمُ
وإذا أشارَ محدِّثًا فكأنّها … قِردٌ يقهقهُ أو عجوزٌ تلطِمُ
يقْلي مُفارقةَ الأكفّ قَذالُهُ … حتى يكادَ على يدٍ يتعمّمُ
ومن العَداوةِ ما ينالُك نفْعُهُ … ومنَ الصّداقةِ ما يضُرُّ ويؤْلِمُ
وقوله:
من علّمَ الأسودَ المخْصيَّ مكرُمَةً … أقوْمُهُ البيضُ أم آباؤُهُ الصِّيدُ
أم أذنُه في يدِ النّخاسِ داميةً … أم قدرُهُ وهو بالفَلْسَيْنِ مردودُ
وقوله:
وأسود أمّا القلبُ منه فضيّقٌ … نخيبٌ وأما بطنُه فرَحيبُ
يموتُ به غيْظًا على الدّهْرِ أهلُه … كما مات غيْظًا فاتكٌ وشبيبُ
إذا ما عدِمتَ الأصلَ والعقلَ والنّدى … فما لحياةٍ في جنابكِ طيبُ
وقوله:
كأنّما مائِجُ الهواءِ به … بحْرٌ حوى مثلَ مائه عنَما
ناثرُهُ ناثِرُ السيوفِ دَمًا … وكلّ قولٍ يقولهُ حكَما
والحَيْلَ قد فصّلَ الضّياعَ بها … والنِّعَمَ السّابِغاتِ والنّقَما
فليُرنا الوردُ إن شكا يدَهُ … أحسنَ منه من جودِها سلِما
وقُل له لستَ خيرَ ما نثرَتْ … وإنما عوّذَتْ بكَ الكرَما
١٥١
ومن حُسنِ التخلّص وحسن الخروج قوله:
حدَقٌ يُذمُّ من القواتِل غيرَها … بدْرُ بنُ عمّارِ بنِ إسماعيلا
وقوله:
وهزٌ أطارَ النّومَ حتى كأنني … من السُكْر في الغرَزَينِ ثوبٌ شُبارِقُ
شدَوْا بابْنِ إسحاقَ الحُسينِ فصافحَت … ذَفاريَها كيرانُها والنّمارقُ
وقوله:
مرّتْ بنا بينَ تِربَيْها فقلت لها … من أينَ جانسَ هذا الشّادِنُ العرَبا
فاستضحكَتْ ثمّ قالت كالمُغيث يُرى … ليثَ الشّرى وهْوَ من عِجْلِ إذا انتسَبا
وقوله:
وحُبيتُ من خوصِ الرِّكابِ بأسوَدٍ … من دارِشٍ فغدوْتُ أمشي راكِبا
حالًا متى علِمَ ابنُ منصورٍ بها … حاءَ الزّمانُ إليّ منها تائِبا
وقوله:
جمح الزمانُ فما لذيذٌ خالصٌ … مما يشوبُ ولا سرورٌ كاملُ
حتى أبو الفضلِ بنُ عبد الله رؤْ … يتُه المُنى وهْيَ المَقامُ الهائلُ
وقوله:
ومقانِبٍ بمقانِبٍ غادرْتُها … أقْواتَ وحشٍ كنّ من أقْواتها
أقبلتُها غُرَرَ الجيادِ كأنما … أيدي بني عِمرانَ في جبَهاتِها
وقوله:
وغيثٍ ظنَنّا تحته أنّ عامرًا … عَلا لم يمُتْ أو في السّحابِ لهُ قبْرُ
وقوله:
إذا صُلْتُ لم أترُكْ مَصالًا لفاتِكٍ … وإن قلت لم أترُكْ مَقالًا لعالمِ
وإلا فخانَتْني القَوافي وعاقَني … عن ابن عُبَيدِ اللهِ ضُعفُ العزائِمِ
وقوله:
ولو كنتُ في أسْرِ غير الهوى … ضمِنتُ ضمانَ أبي وائِلِ
فَدى نفسه بضمانِ النُضارِ … وأعطى صُدورَ القَنا الذّابل
وقوله:
نودِّعهم والبيْنُ فينا كأنّهُ … قَنا ابْنِ أبي الهيجاءِ في قلبِ فيلَق
وقوله:
وتعذُّرُ الأحرار صيّر ظهْرها … إلا إليكَ عليّ ظهْرَ حرامِ
وقوله:
كلما رحّبتْ بنا الروضُ قُلنا … حلَبٌ قصدُنا وأنتِ السّبيلُ
فيكِ مرْعى جيادِنا والمطايا … وإليها وجيفُنا والذميلُ
والمسمَّوْنَ بالأمير كثيرٌ … والأميرُ الذي بها المأمولُ
وقوله:
لو أنّ فنّا خُسْرَ صبّحكم … وبرزْتِ وحْدَكِ عاقَهُ الغزَلُ
ما كنتِ فاعلةً وضيفُكمْ … ملِكُ الملوكِ وشأنُكِ البَخَلُ
أتمنِّعينَ قِرًى فتفتَضحي … أم تبذُلين له الذي بسَلُ
بل لا يحُلّ بحيث حلّ بهِ … بُخْلٌ ولا جوْرٌ ولا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التذكرة