باب
الذم والهجو، والشتم، والاغتياب وما شاكل ذلك أنس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: أيها الناس أن دماءكم وأموالكم، وأعراضكمعليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إياكم والغيبة، كان الله حرم أكل لحم الإنسان، كما حرم ماله ودمه.
أبو الدرداء رفعه: من ذكر امرء بما ليس فيه ليعيبه حبسه الله في نار جهنم حتى يأتي ينفذ مما قال فيه.
جابر رفعه: إياكم والعيبة فإن الغيبة أشد من الزنا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الرجل يزني فيتوب، فيتوب الله عز وجل عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر لهحتى يغفر له صاحبها.
عمر رضي الله عنه: ما يمنعكم إذا رأيتم من خرق أعراض المسلمين أن تعربوا عليه؟ قالوا: تخاف سفهه، قال: ذلك أدنى أن لا تكونوا شهداء. التعريب على الرجل: الرد عليهوالتقبيح، وهو من العرب وهو الفساد، لأنك تفسد عليه قوله وتبطله.
أنس: من اغتاب المسلمين وآكل لحومهم بغير حق، وسعى بهم إلى السلطان جئ به يوم القيامة مزراقة عيناه، ينادي بالويل والبثور والنوامة، يعرف أهله ولا يعرفونه.
هشام بن عبد الملك بن مروان لعبد الله بن عمرو بن الوليد المعيطي
أبلغ أبا وهب إذا ما لقيته ... بأنك شر الناس عيباً لصاحب
فتبدى له بشراً إذا ما لقيته ... وتلسعه بالغيب لسع العقارب
وعد خالد بن صفوان الفرزدق فسوفه، فتهدده، فقال: أن هذا قد جعل أحدى يديه سطحاً، وملأ الأخرى سلحاً، وقال: أن عمرتم سلحي وإلا لطخكم بسلحي.
صادف الشعبي قوماً في المسجد يغتابونه، فأخذ بعضادتي الباب وقال متمثلاً:
هنيئاً مريئاً غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا ما استحلت
قاول الحماني بلال بن جرير فقال له: يا ابن أم حكيم! فقال بلال: ما تذكر من ابنة دهقان، وأخيذة رماح، وعطية ملك، ليست كأمك التي بالمروت تغدو على أثر ضأنها،كأنمان عقباها حافرا حمار؛ فقال الحماني: أنا أعلم بأمك، وإنما عتب عليها الحجاج في أمر الله أعلم به، فحلف أن يدفعها إلى الأم العرب، فلما رأى أباك لم يشك.
قيل لنصيب هلا هجوت فلاناً وقد حرمك؛ قال: لآني كنت أحق بالهجاء منه إذ رأيته موضعاً لمدحي.
أبو حنش النميري لجريد:
ولو لا أن يقال هجا نميراً ... ولم يسمع لشاعرها جواباً
رغبنا عن هجاء بني كليب ... وكيف بشاتم الناس الكلابا
كان عبد الله بن الزبير يسب نقيفاً إذا فرغ من خطبته فيقول: قصار الخدود، لئام الجدود، سود الجلود بقية قوم ثمود.
تقول العرب: فلان لا ينير ولا يسدي، ولا يعيد ولا يبدي، ولا يحيي ولا يردي.
أعرابي ما يحث إلى لقائك، ولا تزف نعام القلوب إلى طلعتك، ولا تثنى خناصر الشمال بك ما تظمأ من الجنب. وهو لصدق الرنة بالجنب من العطش، وعادة الأعراب أن يثنواالخمس من اليمين ثم من اليسار، فأراد أنه لا يعد فيمن يعد رأساً لا أولاً ولا آخراً.
قيل لأبي العيناء: هل بقي في دهرنا من يقلي؟ قال: نعم في البئر.
قال الحجاج للشعبي: يا عامر أرب وافر وعقل فاخر. لعله قال له ذلك على أثر ما غاضه من خروجه مع عبد الرحمن، وإلا فقد علم الحجاج أن عقيله إلى عقل الشعبي سراجفاتر إلى ضياء باهر، وليس بأول ظلم ارتكبه.
قيل لجرير: أن الطرماح قد هجا الفرزق، وقد كبر وضعت، فلو أجبت عنه؛ فقال: صدى الفرزدق يفي بطيء كلنا، وقد أردت ذلك فخفت أن يقال: اجتمع فحلا مضر علىمخنث طيء.
قيل لأعرابي فلان يعيبك، فقال: ذاك المائل عن المجد رجلاً، الملطي باللؤم وجهاً، قد ينبح الكلب القمر.
شتم رجل حكيماً، فقيل له: هلا غضبت! فقال: كفاه خسه أن يشتم ولا يشتم.
الحكم بن قنبر:
ومن دعا الناس إلى ذمه ... ذموه بالحق وبالباطل
مقالة السوء إلى أهلها ... أسرع من منحدر سائل
تساب بدويان، فقال أحدهما لصاحبه: أراك والله تعطس عن أنف طالما جدع على الهوان. فقال صاحبه: والله لئن لم نكف عني شر لسانك، ولم تستر دوني عورة نسبك لاصدعن صفاتك بمعول لا ينبو عن مضربه، ولا حصدن رأسك بمنجل لا ينثني عن مأخذه. فقال الأول: لا تسعر نارنا، ولا تطلب عوارنا، فإن سفه الجاهل بالسانه وسفه. اللبيبه في يده، وكأني بك وقد وعيت مني كلاماً يمنعك الشراب البارد، ويشمت بك الصادر والوارد، وقل من تمرد على العافية ألا تمرد عليه البلاء. فانقلب عنه مغيظاً يهمهم.
حكيم: أبصر الناس بعوار الناس المعور.
بعض السلف: عجباً لمن قيل فيه الخير وليس فيه كيف يفرح؟ عجباً لمن قيل فيه الشر وهو فيه كيف يغضب؟ قيل لشبيب بن شيبة: ما بال عبد الله بن الأهتم يتنقصك؟ قال:لأنه شقيقي في النسب، وجارى في البلد، وشريكي في الصناعة.
إسحاق بن خلف البهراني في بني زياد بن أبيه:
كيت يزهى بنو زياد وفيهم ... ميسم ظاهر بألعى الأنوف
أنت يكفيك أن يقال زياد ... ي فترمى بالواضح المألوف
قيل لبعض ولد أبي لهب: العن معاوية، فقال، ما أشغلني يتبت! قال أبو حنيفة رحمه الله: أنت مطوياً خير منك منشوراً.
الضرب في الجناح والسب في الرياح.
أو سعتهم سباً وأودوا بالأبل.
قال المتوكل لأبي العيناء: ما بقي في المجلس أحد إلا ذمك غيري. فقال:
إذا رضيت عني كرام عشيرتي ... فلا زال غضباباً علي لئامها
وقال له: ما تقول في محمد بن مكرم والعباس بن رستم؟ فقال: هما الخمر والميسر اثمهما أكبر من نفعهما.
لما هجا محمد بن حازم محمد بن حميد الطائي وأفرط اتفقت على ابن حازم محنة اختفى فيها. فوجه إليه ابن حميد بعشرة الآف، وعشرة أثواب، ويرزون بسرجه ولجامه،وغلام رومي، وكتب إليه: أكرمك الله وابقاك، ذو الأدب تبعثه قدرته على نعت الشيء بخلاف هيئته، ويحمله التظرف على هجاء بعض أخوانه في حال دعابته، وليس ما شاعمن هجانك لنا يجري سوى هذا المجرى منا، وقد بلغني من خبرك ما لا غضاضة عليك فيه، مع كبر نفسك وأدبك، إلا عند العامة من الجهال، الذين لا يكرمون ذوي الأخطارإلا على الأموال دون الآداب، ونخن شركاء فيما ملكنا، وقد وجهت إليك ما استفتحت به أن بساطك وأن قل ليكون سبباً إلى غيره.
فرد ابن حازم ما وجه إليه، وكتب:
وفعلت فعل ابن المهلب إذ ... كعم الفرزدق بالنى الغمر
فبعث بالأموال ترغبني ... كلا ورب الشفع والوتر
لا ألبس النعماء من رجل ... ألبسته عاراً على الدهر
بعضهم: بت ليلة في البصرة مع المسجديين، فلما كان وقت السحر حركهم واحد فقال: إلى كم هذا النوم عن اعرض الناس؟ قيل لرجل: ما صنع بك فلان؟ قال: متعني لذةالشكوى.
أعرابي: فلان لا يخاف عاجل عار، ولا آجل نار، كالبهيمة تأكل ما وجدت، وتنكح ما لحقت.
وذكر آخر قوماً فقال: سلخت أقفاؤهم بالهجاء، ودبغت جلودهم باللؤم.
آخر: هو عبد البدن، حر الثياب، عظيم الرواق، صغير الأخلاق، الدهر يرفعه، ونفسه تضعه، لا أمس ليومه، ولا قديم لقومه.
قيل لرجل: كيف رأيت فلاناً؟ قل: طويل العنان في اللؤم، قصير الباع في الكرم، وثاباً على الشر، زمناً عن الخير.
أعرابي: من عاب سفلة فقد رفعه، ومن عاب شريفاً فقد وضع نفسه.
كان الجنيد من كبا العمال. وكان يعطي الناس الجوائز السنية ويشتمهم. فقصده شاعر فقال: أعطوا هذا الماص بضر أمه سبعين ألفاً، فقال:
يعطى على شتمة وأن صغرت ... سبعين ألفاً طوبى لمن شتمه
قام رجل إلى سليمان بن عبد الملك فقال: إني مملك بابنه عمي على مائتي دينار، فإن رأى أمير المؤمنين أن يسلفينها، فقال: يا ابن اللخناء، أقسطار أنا حتي أسلفك؟ بلأهب لك مائتي دينار، ومائتي دينار، ولم يزل يكررها حتى انقطع نفسه على ثلاثة آلاف دينار؛ فقبضها، فأتاه الناس يهنؤونه، فقال: أين قوله يا ابن اللخناء؟ فبلغ ذلكسليمان فقال صدق، وددت أني افتديتها بأضعافها ولم أقلها.
نظر بعض السلف إلى رجل يفحش، فقال له: يا هذا إنك تملي على حافظيك كتاباً، فانظر ماذا تقول.
بعضهم: ذم من شئت فهو للذم موضع.
عمر رضي الله عنه: ولو أن امرء كان أقوم من القدح لوجدت له من الناس غامزاً، وما ضرت كلمة لم يكن لها حقيقة.
أبو عبيدة: الأم الناس الأغفال الذين لم يهجوا ولم يمدحوا.
قيل لسقراط: هل من إنسان لا عيب فيه؟ قال: لو كان إنسان لا عيب فيه لكان لا يموت.
ابن عباس: ما الأسد الضاري في فريسته بأسرع من الدنئ في عرض السري.
شاعر:
ومطروفة عيناه في عيب نفسه ... فإن بان عيب من أخيه تبصرا
الرفاء وهو ابن در.
ولو أن دارك أنبتت لك واحتشت ... ابراً يضيق بها فناء المنزل
وأتاك يوسف يستعيرك ابرة ... لليخيط قد قميصه لم تفعل
رابعة: الإنسان إذا نصح لله في نفسه أطلعه الجبار على مساوئ عمله، فشاغل بها من دون خلقه.
قال عبد الله بن عروة لابنه: أنه والله ما بنت الدنيا شيئاً إلا هدمه الدين، ولابنى الدين شيئاً فاستطاعت الدنيا هدمه، ألا ترى إلى علي عليه السلام ما تقول فيه خطباء بنيأمية من ذمه وعيبه؟ والله كأنما يأخذون بناصيته رفعاً إلى السماء أو ما رأيت ما يندبون به موتاهم؟ والله لكأنما يندبون به جيف حمير.
كان يقال: ما استب اجلان إلا غلب ألأمهما.
وعن بعض الحكماء: لا أحب أن أكون في حرب الغالب فيه شر من المغلوب.
قالوا: الورع في المنطق أشد منه في الذهب والفضة، لأنك أن استودعك أخوك مالاً لم تحدثك نفسك بخيانة، وأنت تغتابه ولا تبالي.
سمع علي بن الحسين رجلاً يغتاب، فقال: ويحك، إياك والغيبة فإنها أدام كلاب الناس، من كف عن أعراض الناس أقاله الله عثرته يوم القيامة.
شتم رجل الزهري فقال: أن كنت كما قلت فهو شر لي، وأن لم أكن كما قلت فهو شر لك. وكان يقول: متى قلت لمملوك أخزاك الله فهو حر.
وعن طلحة بن عبيد الله أنه دعا أبا بكر وعمر وعثمان رضي له عنهم، فأبطأ عليهم الغلام بشيء أراده، فقال: يا غلام، فقال لبيك، فقال لا لبيك. فقال أبو بكر: ما سرني أنيقلتها وأن لي الدنيا. وقال عمرك ما سرني أني قلتها وأن لي نصف الدنيا، وقال عثمان: ما سرني أني قلتها وأن لي حمر النعم. وصمت عليها طلحة، فلما خرجوا باع صيعةبخمسة عشر ألفاً وتصدق بها.
قيل لابن سيرين: مالك لا تقول في الحجاج شيئاً؟ قال: أقول فيه حتى ينجيه الله لتوحيده ويعذبني باغتيابه. وكان جعل عل نفسه إذا اغتب تصدق بدينار.
وقال له رجل: أننا ننال منك فاجعلنا في حل، فقال: ما كنت لأحل لكم ما حرم الله عليكم، وكان مدح أحداً قال: هو كما شاء الله، وإذ أراد أن يذمه قال: هو كما علم الله.
معاوية بن قرة: كان أفضلهم عندهم أسلمهم صدراً وأقلهم نمية.
الأحنف: في خلقان، لا اغتاب جليسي إذا غاب عني، ولا أدخل في أمر قوم لا يدخلونني فيه.
قيل لرجل من العرب: من السيد فيكم؟ قال: الذي إذا أقبل خبناء، وإذا أدبر اغتبناه.
كان ابن عون إذا ذكر عنده الرجل بعيب قال: أن الله رحيم.
القاضي احمد بن أبي دؤاد في محمد بن عبد الملك بن الزيات
أحسن من خمسين بيتاً سدى ... جمعك معناهن في بيت
ما أحوج الملك إلى مطرة ... تغسل عنه وضر الزيت
خالد الزبيدي:
إذا نمري طالب الوتر كفه ... عن الوتر أن يلقى طعاماً فيشيعا
إذا نمري ضاق بيتك فاقره ... مع الكلب زاد الكلب وازجرهما معاً
قيل للربيع بن خثيم: ما نراك تعيب أحداً؛ قال: لست عن نفسي راضياً فأتفرغ لذم الناس، وأنشد:
لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها ... لنفسي في نفسي عن الناس شاغل
عبد الله المبارك: قلت لسفيان: ما أبعد أبا حنيفة عن الغيبة؟ ما سمعته يغتاب أحداً قط؛ قال: هو والله أعقل من أن يسلط على حسناته ما يذهب بها.
محمد بن سوقة: ما أحسب رجلاً يفرغ لعيوب الناس إلا من عقلة غفلها عن نفسه.
سئل فضيل عن غيبة الغاسق المعلن، أله غيبة؟ فقال: لا تشتغل بذكره، ولا تعود لسانك الغيبة، عليك بذكر الله، وإياك وذكر الناس، فإن ذكر الناس داء، وذكر الله شفاء.
خزاعي بن عوف:
ولست بدى ثرب في الصدي ... ق مناع خير وسبابها
ولا من إذا كان في مجلس ... أضاع العشيرة واغتابها
ولكن أطاوع ساداتها ... ولا أتعلم ألقابها
زياد الأعجم:
أني لأكرم نفسي أن أكلفها ... هجاء جرم ولما يهجهم أحد
ماذا يقول لهم من كان هاجيهم ... لا يبلغ الناس ما فيهم وأن جهدوا
فضيل: الغيبة فاكهة القراء، وكان يقول: ما لعنت إبليس قط، وكان يكره إذا كان عالمان في قبيلة أن يفضل أحدهما على الآخر.
ومر بابن سيرين طبيبان ذميان، فقيل له أيهما أطب؟ فقال أخاف أن تكون غيبة.
الأوزاعي: عدنا مكحولاً فقال: اللحوق بمن يرجى خيره خير من البقاء مع من لا يؤمن شره.
ما نار في اليبس بأسرع من الغيبة في الحسنات.
اعتب رجل رجلاً عند معروف الكرخي فقال: اذكر القطن إذا وصعوه على عينيك.
رأت أم البهلول ابن سيأبه فقالت: قبح الله هذا، لو كان داء لما برئ منه.
كان بين سعد بن مالك وبين خالد بن الوليد كلام، فذهب رجل يقع في خالد عند سعد، فقال: له، أن ما بيننا لا يبلغ ديننا.
لقمان: يا بني، قد دحرجت الحجارة، وقطعت الصخور، فلم أجد شيئاً أثقل من كلمة السوء ترسخ في القلب كما يرسخ الحديد في الماء.
قال حماد عجرد في بشار:
والله ما الخنزير في نتنه ... بربعه في النتن أو خمسه
بل ريحه أطيب من ريحه ... ومسه ألين من مسه
ووجهه أحسن من وجهه ... ونفسه أفضل من نفسه
وعوده أكرم من عوده ... وجنسه أكرم من جنسه
فقال بشار: ويلي على الزنديق لقد نفث ما في صدره؛ قيل: وكيف ذاك أبا معاذ؛ قال: ما أراد إلا قول الله تعالى: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم فأخرج الجحوديةمخرج هجائي.
روي انه لم يجزع جزعه من قوله فيه:
ويا أقبح من قرد ... إذا ما عمي القرد
وأنه بكى لما سمعه، وقل: يراني فيصفني، ولا أراه فأصفه.
جرى في الغواية إلى الغاية، وفي مخالفة النهي إلى النهاية.
مضغوه بالألسنة الجاذبة، ولا كوه في الأحناك الكاذبة.
كثير:
وسعي إلي بغيب عزة نسوة ... جعل الآله خدودهن نعالها
فلان ما يرتح للمدح، ولا يرتاح للذم.
قال ابن مناذر لرجل: مالك أصل فاحفره، ولا فرغ فاهصره.
آخر: لم أجد حسباً فأثلمه، ولا بناء فأهدمه.
توبة:
رماني وليلى الأخيلية قومها ... بأشياء لم تخلق ولم أدر ما هيا
فلان عناما القذاع، عري من حلية التقوى، ومحي عنه طابع الهدى، لا تثنيه يد المراقبة، ولا تكفه خيفة المحاسبه.
قيل لإسماعيل بن حماد: أي اللحمان أطيب؟ قال: لحوم الناس، هي والله أطيب من لحوم الدجاج والدراج، يعني التفكه بأعراضهم واغتيابهم.
مر المسيح في الحوار بين على جيفه كلب، فقال بعضهم: ما أشد نتن ريحه! فقال: هلا قلت: ما أشد بياض أسنانه.
حسل بن عرفطة:
ليهنك بغض في الصديق وظنة ... وتحديثك الشيء الذي أنت كاذبه
وأنك مشنوء إلى كل صاحب ... بلاك ومثل الشر يكره جانبه
وأنك مهداء الخنا نطف الثنا ... شديد السباب رافع الصوت غالبه
فلم أر مثل الجهل أدنى إلى الردى ... ولا مثل بغض الناس غمض صاحبه
ابن المعتز: لا تذكر الميت بسوء فتكون الأرض أكتم منك عليه.
وكان محمد عبد الملك بن صالح إذا ذكر الميت عند سوء كفوا عن أسارى الثرى.
الريبة عار والغيبة نار، ومن عن الريبة كف عن الغيبة.
محمد بن حرب: أول من عمل الصابون سليمان، وأول من عمل القراطيس يوسف وأول من عمل السويق ذو القرنين، وأول من خبز الجرادق نمرود، وأول من كتب فيالقراطيس الحجاج، وأول من بني مدينة في الإسلام الحجاج، وأول من اغتاب إبليس اغتاب آدم.
سامع الغيبة أحد المغتابين.
أبو نواس:
ما حطك الواشون عن رتبة ... عندي ولا ضرك متاب
كأنما أثنوا ولم يعلنوا ... عليك عندي بالذي عابرا
آخر:
أبا حسن يكفيك ما فيك شاتماً ... لعرضك من شتم الرجال ومن شتمي
أوحى الله إلى موسى أن المغتاب إذا تاب فهو آخر من يدخل الجنة، وإن أصر فهو أول من يدخل النار.
اشكاب: لا تأمن من كذب لك أن يكذب عليك، ومن اغتاب عندك غيرك أن يغتابك عند غيرك.
كان أبو الطيب الطاهري يهجو ابني سامان فقال له نصر بن أحمد يوماً: يا أبا الطيب إلى متى تأكل خبزك بلحوم الناس؟ فخجل ولم يعد.
برزجمهر، قال لولده: لا تكونوا عيابين فتكونوا عند الناس إذا أذنبتم أشد عيباً، وأقل عذراً.
علي رضي الله عنه: من نظر في عيوب الناس فأنكرها، ثم رضيها لنفسه فذلك الأحمق بعينه.
الحسن: ذم الرجل لنفسه في العلانية مدح لها في السر.
قال الحجاج لابن القرية: من شر الناس؟ قال: الذي يطلب عثرات الناس وهو مصر على الذنوب.
هجا الفرزدق سنان بن سنان الحرامي، فأخذه قومه فربطوه وجاؤا به إلى الفرزدق، وقالوا: هذا أسيرك فافعل به ما شئت، وأنا قد برئنا إليك من جرمه، وإياك وأعرضنا. فقال له: ما دعاك إلى هجائي؟ قال: الحين، قال: أفتعود؟ قال: لا، قال: فاذهب. وقال:
ومن يك خائفاً فرطات شعري ... فقد أمن الهجاء بنو الحرام
هم قادوا سفيههم وخافوا ... قلائد مثل أطواق الحمام
مبارك العلوي:
آبى فلا امدح اللئام معا ... ذا الله مدح اللئام لي دنس
لكن ساهجوهم وإن رغمت ... مما أقول المناخر الفطس
العباس بن يزيد الكندي:
لو اطلع الغراب على تميم ... وما فيهم من السوءات شابا
أتى ابن فسوة عبد الله بن عباس يستوصله، فلم يصله، فقال:
أتيت ابن عباس أرجى نواله ... فلم يرج معروفي ولم يخش منكري
فليت قلوصي عريت أو رحلتها ... إلى حسن في داره وابن جعفر
فقال به عبد الله بن جعفر: أنا اشتري منك عرض ابن عمي، فقال: اشتر ولا تؤخر. فوصله حتى كف.
سمع أعرابي قوله تعالى: الأعراب أشد كفراً فامتعض؛ ثم سمع: ومن الأعراب من يؤمن بالله: فقال: الله أكبر! هجانا الله ثم مدحنا، وكذلك فعل الشاعر حيث يقول:
هجوت زهيراً ثم إني مدحته ... وما زالت الأشراف تهجي وتمدح
لما قام السفاح قال له أحمد بن يوسف: لو أمرت بلعن معاوية على المنابر كما سن اللعن على علي عليه السلام؛ فأبى وتمثل يقول لبيد:
فلما دعاني عامر لأسبهم ... أبيت وأن كان ابن عيساء ظالما
لو تأمل رجل أفعال فلان ثم اجتنبها لا ستغنى عن الآدب أن يطلبها.
لو أن رجلاً تجنب أخلاقه لقيل قد مد المجد عليه رواقه.
دخل أبو الهندي على أسد بن عبد الله بن كرز البجلي، وعنده رجل من جرم على سريره؛ فتناول أبا الهندي، فقال له أسد: مهلاً يا أخا جرم فإن له لساناً لا يطق؛ فقال أبوالهندي: كم الكبائر؟ قال: بلغني أنهن أربع: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله. قال أبو الهندي: بلغني أنهن خمس: تجفاف علىبعير، وسراج في شمس، ولبن في باطية، وخمر في علبة، وجرمي على سرير. فبهت الجرمي.
سأل الفرزدق سيد غدانة عطية بن جعال أن يكف عن هجو قومه، فأجابه ثم قال:
أبني غدانة أنني حررتكم ... فوهبتكم لعطية بن جعال
لو لا عطية لاجتدعت أنوفكم ... من بين الأم آنف وسبال
فقال عطية: سبحان الله! ما أسرع ما رجعت في عطيتك! الفيض بن أبي صالح:
ليس في العير يوم عبر أبي سف ... يان تباً لتلكم من عير
لا ولا في النفير يوم قريش ... حين جدت وأزمعت بالنفير
ذم أعرابي قوماً فقال: هم أقل الناس ذنوباً إلى أعدائهم، وأكثرهم جرماً إلى أصدقائهم، يصومون عن المعروف، ويفطرون على المنكر، ألسن عامرة من الوعد، وقلوب خربةمن المجد.
آخر: أن فلاناً يكاد يعدي بلؤمه من سمي باسمه، ولئن خيبني فلرب قفيه كريمة ضاعت في رجال لئيم.
الحسن: عاش المسلمون برهة من زمانهم وأن الرجل ليحرم غيبة أخيه ودرهمه وسوطه أن يجده ملقى في الأرض حتى يرده عليه، فبيناهم كذلك إذ طعن الشيطان طعنةفنفرت القلوب فصارت وحشا، فإذا هو يستحل دم أخيه ماله، وهو بالأمس يحرم غيبته ودرهمه وسوظه.
علي عليه السلام رفعه: من بهت مؤمناً أو مؤمنة، أو قال فيه ما ليس فيه، أقامه الله على تل من نار حتى يخرج مما قال فيه.
علي عليه السلام: الغيبة جهد العاجز. ومنه أخذ المتنبي.
أكبر نفسي عن جزاء بغيبة ... وكل اغتياب جهد من لا له جهد
أبو يزيد العبدي:
ولقد قتلتك بالهجاء فلم تمت ... أن الكلاب طويلة الأعمار
وأراك تنجني فتسرب جاهداً ... كالكلب ينبح كامل الأقمار
وقف قوم بباب عدي بن الرقاع ليها جوه فقالت لهم بنت له صغيرة:
تجمعتم من كل أوب ووجهة ... على واحد لازلتم قرن واحد
قال الكندي لرجل: أنت والله ثقيل الظل، مظلم الهواء، جامد النسيم.
كلثوم بن أوفي التميمي المعروف بابن قسيمة:
إذا لم يرج قومك منك خيراً ... تجود به ولا خلقاً رغيباً
وكنت عليهم أسداً مدلاً ... وعن أعدائهم درعاً هيوباً
وسبهم العدد فلم تنكسر ... عليه وكنت بعد لهم سبوبا
وأن منيتهم خيراً وعسراً ... وفيت به وكنت به طبيبا
وأن منيتهم شراً وعسراً ... لقومك كنت مخلافاً كذوباً
وأن فسدوا رضيت وأن تراضوا ... ظللت لذاك محتزناً كئيباً
وأن أطعمت بعضهم طعاماً ... مننت به وكنت له طلوباً
فليت الحي قد حفروا بفأس ... قليباً ثم أعمرت القليبا
حكيم قال لرجل: مذكم لسعتك عقرب أو لدغتك حية؟ قال: ما أذكر شيئاً من ذلك؛ قال: فمتى عهدك بمن أغتابك وسبك، وكتم محاسنك، ونشر مساوئك، وسعى في هلاكك؟قال: أقرب عهد.
وقف جدي على سطح، فمر به ذئب فشتمه، فقال له الذئب: أنت لا تشتمني إنما يشتمني المكان الذي أنت به.
شاعر:
توف ملاحاة الشيوخ وذمهم ... فإن لهم علماً برد المئالب
ذكر خالد بن صفوان اليمانية فقال: ما منكم إلا ناسج برد، وسائس قرد، ودابغ جلد، وراكب غرد، غرقتهم فأرة، وللكتهم امرأة، ودل عليهم الهدهد. قالوا العرد البغل.
هو سيد قريع، بتقديم الراء: أبو الدرداء رضي الله عنه: احذروا الناس، فما ركبوا ظهر بعير ألا أذبروه، ولا ظهر جواد إلا عقروه، ولا قلب مؤمن إلا خربوه.
المخرق بن الممزق:
أنا المخرق أعراض اللئام كما ... كان الممزق أعراض اللئام أبي
مخلد بن علي السلامي الحوراني:
على أبوابه من كل وجه ... قصدت له أخو مر بن أد
أخو لحم أعارك منه ثوباً ... هنيئاً بالقميص لك الأجد
أبوك أراد أمك حين زفت ... فلم توجد لأمك بنت سعد
يعني أن أبوابه مضببة مغلقة، لأن أخا مر هو ضبة، وأخوكم جذام، أر أنه مجذوم، وبنت سعد هي عذرة، أراد لم تكن عذراء.
قال رجل لابن سيرين: إني شتمتك فاجعلني في حل. قال: ما كنت لا حل لك ما حرم الله عليك.
كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامل له: بلغني أن قبلك قوم يسبون أبا بكر وعمر فمن قامت عليه بينة عادلة فاضربه ضرب المستطيل في عرض أخيه وهو ساكت.
عامر بن عبد الله بن الزبير: ألا أن الدنيا لم تبن شيئاً إلا هدمته الآخرة، وأن الآخرة لم تبن شيئاً فهدمته الدنيا، وأن بثي أمية لعنو عليا على منابرهم سبعين سنة فما زادهالله إلا رفعة ونبلاً.
استب رجلان، فقال أحدهما: لو قطع زبك ثم علق لم تبق زانية إلا عرفته. وقال الآخر: ما ولدت زانية بالكوفة ولداً إلا وفيه شبه منك. فلم يوجبوا عليها حداً.
عن معاوية بن قرة: كأن أفضلهم عن السلف أسلمهم صدأ، وأقلهم غيبة.
سب عبيد الله بن عمر المقداد فقال عمر: علي نذر أن لم أقطع لسانه فلا يسب أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أراد رجل تطليق امرأته، فقيل له: ما عيبها؟ فقال هل يتكلم أحد بعيب امرأته؟ فلما طلقها قيل له: ما كان عيبها؟ قال هي امرأة غيري، ما لي ومالها؟ عن بعض الصالحين أنهسمع غيبة من امرأة فصاح: الحريق! فازدحم الناس على بابه فلم يروا شيئاً، فقالوا له، فقال: وقع الحريق في وفيها وفي أهلي، وما ملكت يدي حين اغتابت.
كان بعض الصلحاء يضع في كمه الفانيذ، فإذا رأى أحداً يغتاب، يذكر أحداً بسوء لقمه الفانيذة، وقل: هذا أحلى مما تكلمت به فاتركه.
بلغ الحسن البصري أن فلاناً قد اغتابك، فأهدي إليه طبقاً من رطب. فأتاه الرجل وقال: اغتبتك فأهديت إلي؟ فقال الحسن: قد أهديت إلى حسناتك فأردت أن أكافئك.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: ليلة أسري بي إلى السماء رأيت قوماً يأكلون الجيف، فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس.
فضيل: لكل شيء ديباج، وديباج القراء ترك الغيبة.
مر عمرو بن العاص على بغل ميت، فقال لأصحابه: والله لئن يأكل أحدكم من هذا حتى يملأ بطنه خير له من أن يأكل لحم أخيه.
النبي صلى الله عليه وسلم: من اغتيب غيبة غفر الله نصف ذنوبه.
أبو هريرة: لئن أقوم إلى كوز ماء فأشربه في رمضان أحب إلي من أن اغتاب مسلماً.
أحمد بن أبي الحوارى: سمعت سفيان بن عيينة يقول: اسمعوا ما أقول لكم فإنه أنفع لكم من الحديث: لو أن رجلاً أصاب من مال رجل شيئاً فلم يرده عليه في حياته، فتاببعد موته وجاء إلى ورثته حتى جعلوه في حل لكنا نرى أن ذلك كفارة له، ولو أصاب من عرض رجل، فتاب بعد موته، وجاء إلى ورثته، وإلى جميع أهل الأرض فجعلوه في حللم يصر في حل، ولم ينج من صاحبه، فافهموا ما يقال لكم، فعرض المؤمن أشد من ماله.
وعن طاووس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بجعفر وهو يحجم في رمضان، فقال: أفطر الحاجم والمحجوم. فقال جعفر للحجام: امسح عني فوالله ما احتجمت حتىرأيت رسول الله يحتجم في شهر رمضان. قال جعفر: فلحقت رسول الله فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، ما احتجمت حتى رأيتك تحتجم في رمضان فممرت آنفاً فقلتأفطر الحاجم والمحجوم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنشدك بالله يا جعفر هل كنت أنت والحجام تغتايان مسلماً؟ فقال: اللهم نعم. فقال: لغيبتكما إياه أفطرتما. أنالغيبة تفطر الصائم وتفسد الوضوء والصلاة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الباب الثالث والأربعون في الهجاء ومقدماته
القصد من الهجاء الوقوف على ملحه وما فيه من ألفاظ فصيحة ومعان بديعة لا التشفي بالاعراض والوقوع فيها وليس الهجاء دليلا على إساءة المهجو ولا صدق الشاعرفيما رماه به فما كل مذموم بذميم وقد يهجي الانسان بهتانا وظلما أو عبثا أو ارهابا
قال المتوكل لأبي العيناء كم تمدح الناس وتذمهم قال ما أحسنوا وأساؤا
وقد رضي الله تعالى على عبد من عبيده فمدحه فقال نعم العبد إنه أراب وغضب على آخر فقال مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم قيل الزنيم الملصق بالقوم وليسمنهم وقال دعبل في المأمون بعد البيعة له وقتل الأمين
( إني من القوم الذين همو همو ... قتلوا أخاك وشرفوك بمقعد )
( شادوا لذكرك بعد طول خموله ... واستنقذوك من الحضيض الأوهد )
فقال المأمون ما أبهته ليت شعري متى كنت خاملا وفي حجر الخلافة ربيت وبدرها غذيت
ولما قتل جعفر بن يحيى بكى عليه أبو نواس فقيل له أتبكي على جعفر وأنت هجوته فقال كان ذلك لركوب الهوى وقد بلغه والله أني قلت
( ولست وإن أطنبت في وصف جعفر ... بأول إنسان خري في ثيابه )
فكتب يدفع إليه عشرة آلاف درهم يغسل بها ثيابه
ومن العبث بالهجو ما روي أن الحطيئة هم بهجاء فلم يجد من يستحقه فقال
( أبت شفتاي اليوم إلا تكلما ... بسوء فلا أدري لمن أنا قائله )
( أرى بي وجها قبح الله خلقه ... فقبح من وجه وقبح حامله )
وعبث بأمه فقال
( تنحي فاجلسي عنا بعيدا ... أراح الله منك العالمينا )
( أغربالا إذا استودعت سرا ... وكانونا على المتحدثينا )
( حياتك ما علمت حياة سوء ... وموتك قد يسر الصالحينا )
وقال رجل ما أبالي أهجيت أم مدحت فقال له الأحنف أرحت نفسك من تعب الكرام
وقال رجل لآخر إن هجوتني أتموت ابنتي قال لا قال أفتخرب ضيعتي قال لا قال فرجلي مع ساقي إلى حلقي في حر أمك قال ولم تركت رأسك قال لأنظر ما تصنع وأناأقول إنما يخشى من الهجو من يخاف على عرضه وأما من لا يخاف على عرضه فقد يستوي عنده المدح والذم وبئس الرجل ذاك
وكان الرجل من نمير إذا قيل له ممن الرجل يقول من نمير وأمال بها عنقه فلما هجاهم جرير بقوله
( فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا )
صار إذا قيل لأحدهم ممن الرجل يقول من بني عامر وما لقيت قبيلة من العرب بهجو ما لقيت نمير بهجو جرير
وهجا ابن سام رجلا فقال
( يا طلوع الرقيب من غير إلف ... يا غريما أتى على ميعاد )
( يا ركودا في وقت غيم وصيف ... يا وجوه التجار يوم كساد )
وقصد ابن عيينة قبيصة المهلبي واستماحه فلم يسمح له بشيء فانصرف مغضبا فوجه إليه داود بن يزيد بن حاتم فترضاه وأحسن إليه فقال في ذلك
( داود محمود وأنت مذمم ... عجبا لذاك وأنتما من عود )
( ولرب عود قد يشق لمسجد ... نصفا وباقيه لحش يهودي )
( فالحش أنت له وذاك بمسجد ... كم بين موضع مسلح وسجود )
( هذا جزاؤك يا قبيص لأنه ... جادت يداه وأنت قبل حديد )
وله هجاء في خالد
( أبوك لنا غيث يغيث بوبله ... وأنت جراد لست تبقي ولا تذر )
( له أثر في المكرمات يسرنا ... وأنت تعفي دائما ذلك الأثر )
وقال المبرد في حقه لم يجتمع لأحد من المحدثين في بيت واحد هجاء رجل ومدح أبيه إلا له
ولما قعد حماد عجرد لتأديب ولد الأمين قال بشار بن برد
( قل للأمين جزاك الله صالحه ... لا يجمع الله بين السخل والذيب )
( السخل يعلم أن الذئب آكله ... والذئب يعلم ما بالسخل من طيب )
وقال فيه أيضا
( يا أبا الفضل لا تنم ... وقع الذئب في الغنم )
( إن حماد عجرد ... شيخ سوء قد اغتنم )
( بين فخديه حربة ... في غلاف من الأدم )
( إن رأى ثم غفلة ... يجمع الميم بالقلم )
فشاعت الأبيات فأمر الأمين باخراج حماد
وقال رجل لأخيه لأبويه لأهجونك هجاء يدخل معك في قبرك قال كيف تهجوني وأبوك أبي وأمك أمي قال أقول
ذ 6
( بني أمية هبوا طال نومكمو ... إن الخليفة يعقوب بن داود )
( ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا ... خليفة الله بين الماء والعود )
فدخل يعقوب على المهدي فأخبره أن بشارا هجاه فاغتاظ المهدي وانحدر إلى البصرة لينظر في أمرها فسمع أذانا في ضحى النهار فقال انظروا ما هذا وإذا به بشار وهوسكران فقال له يا زنديق عجب أن يكون هذا من غيرك ثم أمر به فضربه سبعين سوطا حتى أتلفه بها وألقي في سفينة فقال عين الشمقمق تراني حيث يقول ألقي في سفينةفقال عين الشمقمق تراني حيث يقول
( إن بشار بن برد ... تيس أعمى في سفينة )
فلما مات ألقيت جثته في الماء فحمله الماء فأخرجه إلى الدجلة فجاء بعض أهله فحملوه إلى البصرة وأخرجت جنازته فما تبعه أحد وتباشر عامة الناس بموته لما كان يلحقهممن الأذى منه
وخاصم أبو دلامة رجلا فارتفعا إلى عافية القاضي فلما رآه أبر دلامة أنشد يقول
( لقد خاصمتني دهاة الرجال ... وخاصمتها سنة وافيه )
( فا أدحض الله لي حجة ... ولا خيب الله لي قافيه )
( ومن خفت من جوره في القضاء ... فلست أخافك يا عافيه )
فقال عافية لأشكونك إلى أمير المؤمنين ولأعلمنه أنك هجوتني قال له أبو دلامة إذا والله يعزلك
قال ولم قال لأنك لا تعرف الهجاء من المدح قال فبلغ ذلك المنصور فضحك وأمر له بجائزة
ودخل أبو دلامة على المهدي وعنده إسماعيل بن علي وعيسى بن موسى والعباس بن محمد وجماعة من بني هاشم فقال له المهدي والله لئن لم تهج واحدا ممن في هذاالبيت لأقطعن لسانك
فنظر إلى القوم وتحير في أمره وجعل ينظر إلى كل واحد فيغمزه بأن عليه رضاه قال
أبو دلامة فازددت حيرة فما رأيت أسلم لي من أن أهجو نفسي فقلت
( ألا أبلغ لديك أبا دلامة ... فلست من الكرام ولا كرامه )
( جمعت دمامة وجمعت لؤما ... كذاك اللؤم تتبعه الدمامه )
( إذا لبس العمامة قلت قردا ... وخنزيرا إذا نزع العمامه )
فضحك القوم ولم يبق منهم أحدا إلا أجازه
وقال ابن الأعرابي إن أهجى بيت قاله المحدثون قول محمد بن وهب في محمد بن هاشم
( لم تند كفاك من بذل النوال كما ... لم يند سيفك مذ قلدته بدم )
وهجا بعضهم القمر فقال يهدم العمر ويوجب أجرة المنزل ويشجب الألوان ويقرض الكتان ويضل الساري ويعين السارق ويفضح العاشق
ولابن منقذ في أبي طليب المصري وقد احترقت داره
( أنظر إلى الأيام كيف تسوقنا ... قسرا إلى الأقدار بالأقدار )
( ما أوقد ابن طليب قط بداره ... نارا وكان خرابها بالنار )
وكان للوجيه بن صورة المصري دلال الكتب دار بمصر موصوفة بالحسن فاحترقت فقال فيها ابن المنجم
( أقول وقد عاينت دار ابن صورة ... وللنار فيها وهجة تتضرم )
( فما هو إلا كافر طال عمره ... فجاءته لما استبطأته جهنم )
وقد أحسن الأديب كمال الدين علي بن محمد بن المبارك الشهير بابن الأعمى في ذم دار كان يسكنها حيث قال
( دار سكنت بها أقل صفاتها ... أن تكثر الحشرات في جنباتها )
( الخير عنها نازح متباعد ... والشر دان من جميع جهاتها )
( من بعض ما فيها البعوض عدمته ... كم أعدم الاجفان طيب سناتها )
( وتبيت تسعدها براغيث متى ... غنت لها رقصت على نغماتها )
( رقص بتنقيط ولكن قافه ... قد قدمت فيه على أخواتها )
( وبها ذباب كالضباب يسد عين ... الشمس ما طربي سوى غناتها )
( أين الصوارم والقنا من فتكها ... فينا وأين الأسد من وثباتها )
( وبها من الخطاف ما هو معجز ... أبصارنا عن وصف كيفياتها )
( وبها خفافيش تطير نهارها ... مع ليلها ليست على عاداتها )
( وبها من الجرذان ما قد قصرت ... عنه العتاق الجرد في حملاتها )
( وبها خنافس كالطنافس أفرشت ... في أرضها وعلت على جنباتها )
( لو شم أهل الحرب منتن فسوها ... أردى الكماة الصيد عن صهواتها )
( وبنات وردان وأشكال لها ... مما يفوت العين كنه ذواتها )
( أبدا تمص دماءن ا فكأنها ... حجامة لبدت على كاساتها )
( وبها من النمل السليماني ما ... قد قل ذو الشمس عن ذراتها )
( وما راعني شيء سوى وزغانها ... فتعوذوا الله من لدغاتها )
( سجعت على أوكارها فظننتها ... ورق الحمام سجعن في شجراتها )
( وبها زنابير تظن عقاربا ... حر السموم أخف من زفراتها )
( وبها عقارب كالأقارب ر تع ... فينا حمانا اله لدغ حماتها )
( كيف السبيل إلى النجاة ولا نجاة ... ولا حياة لمن رأى حياتها )
( منسوجة بالعنكبوت سماؤها ... والأرض قد نسجت على آفاتها )
( فضجيجها كالرعد في جنباتها ... وترابها كالرمل في خشناتها )
( والبوم عاكفة على أرجائها ... والدود يبحث في ثرى عرصاتها )
( والجن تأتيها إذا جن الدجى ... تحكي الخيول الجرد في حملاتها )
( والنار جزء من تلهب حرها ... وجهنم تعزى إلى لفحاتها )
( شاهدت مكتوبا على أرجائها ... ورأيت مسطورا على جنباتها )
( لا تقربوا منها وخافوها ولا ... تلقوا بأيديكم إلى هلكاتها )
( أبدا يقول الداخلون ببابها ... يا رب نج الناس من آفاتها )
( قالوا إذا ندب الغراب منازلا ... يتفرق السكان من ساحاتها )
( وبدارنا ألفا غراب ناعق ... كذب الرواة فأين صدق رواتها )
( صبرا لعل الله يعقب راحة ... للنفس إذ غلبت على شهواتها )
( دار تبيت الجن تحرس نفسها ... فيها وتندب باختلاف لغاتها )
( كم بت فيها مفردا والعين من ... شوق الصباح تسح من عبراتها )
( وأقول يا رب السموات العلا ... يا رازقا للوحش في فلواتها )
( أسكنتني بجهنم الدنيا ففي ... أخراي هب لي الخلد في جناتها )
( واجمع بمن أهواه شملي عاجلا ... يا جامع الأرواح بعد شتاتها )
ولبعضهم في بلان
( أشكوا إلى الله بلانا بليت به ... مست أنامله ظهري فأدماني )
( فلا يدلك تدليكا بمعرفة ... ولا يسرح تسريحا باحسان )
وللشيخ شمس الدين البدوي في بلان أيضا
( وبلان له ظهر يباهي ... به حد الشفار المرهفات )
( هرى جسمي فالبسه نجيعا ... على حلل الستور السابلات )
( ورام يلين أعضائي برفق ... فأيبسها وكسر فوقحاني )
( ولم أنظر له أبدا جميلا ... وذلك من عظيم المهلكات )
( وأعمى مقلتي بصنان أبط ... يفوح به على كل الجهات )
( فلا تجعل إلهي مثل هذا ... يغسلني إذا حانت وفاتي )
ولبعضهم في حمام
( وحمام دخلناه لأمر ... حكى سقرا وفيها المجرمونا )
( فيصطرخوا يقولوا أخرجونا ... فإن عدنا فانا ظالمونا )
وللشريف أبي يعلى الهاشمي البغدادي في نظام الملك يهدده بالهجاء يقول
( أيجمل يا نظام الملك أني ... أعاود من ذراك كما قدمت )
( وأصدر عن حياضك وهي نهب ... فأفواه السقاة وما وردت )
( يدل على فعالك سوء حالي ... ويخبر عن نوالك إن كتمت )
( إذا استخبرت ماذا نلت منه ... وقد عم الورى كرما سكت )
وممن عرض بالهجو في شعره الخوارزمي قال في أبي جعفر
( أبا جعفر لست بالمنصف ... ومثلك إن قال قولا يفي )
( فإن أنت أنجزت لي ما وعدت ... وإلا هجيت وأدخلت في )
( وقد علم الناس ما بعد في ... فغط الحديث ولا تكشف )
ومدح السراج الوراق إنسانا فلم يجزه فكتب يعرض له بالهجاء ويهدده يقول
( أعد مدحي علي وخذ سواه ... فقد أتعتبتني يا مستريح )
( ولا تغضب إذا أنشدت يوما ... سواه وقيل لي هذا صحيح )
وله أيضا يقول
( أعد مدحا كذبت عليك فيه ... وقد عوفيت بالحرمان عنه )
( ولكني سأصدق فيك قولا ... فلا يصعب عليك الحق منه )
وقال بعضهم في حجاج قدموا ولم يهدوا إليه شيئا
( مضوا ليحجوا والوجوه كأنها ... تكاد لفرط البشر أن توضح السبلا )
( وعادوا كأن القار فوق وجوههم ... فلا مرحبا بالقادمين ولا سهلا )
( وجاؤا وما جادوا بعود أراكة ... ولا وضعوا في كف طفل لنا نقلا )
وقال آخر
( إذا رمت هجوا في فلان تصدني ... خلائق قبح عنه لا تتزحزح )
( تجاوز قدر الهجو حتى كأنه ... بأقبح ما يهجى به المرء يمدح )
وهجا بعضهم امرأة فقال
( لها جسم برغوث وساق بعوضة ... ووجه كوجه القرد بل هو أقبح )
( تبرق عينيها إذا ما رأيتها ... وتعبس في وجه الضجيع وتكلح )
( لها منظر كالنار تحسب أنها ... إذا ضحكت في أوجه الناس تلفح )
( إذا عاين الشيطان صورة وجهها ... تعوذ منها حين يمسي ويصبح )
ولبعضهم في عظيم أنف
( لك وجه وفيه قطعة أنف ... كجدار قد دعموه ببغله )
( وهو كالقبر في المتال ولكن ... جعلوا نصفه على غير قبله )
وفيه أيضا
( رأينا للزكي جدار أنف ... يضاهي في تشامخه الجبالا )
( تصدى للهلاك لكي يراه ... فلولا عظمه لرأى الهلالا )
ولبعضهم في أبخر مخنث
( قالوا فلان به نتن فقلت لهم ... يا قوم قد حار فكري في مساويه )
( يا قوم لا تعجبوا من نتن نكهته ... فالأير يدفع ما فيه إلى فيه )
ولصفي الدين الحلي
( رأى فرسي اصطبل عيسى فقال لي ... قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلي )
( به لم أذق طعم الشعير كأنني ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل )
( تقعقع من برد الشتاء أضالعي ... لما نسجتها من جنوب وشمال )
وله أيضا
( ليهتك إن لي ولدأا وعبدا ... سواء في المقال وفي المقام )
( فهذا سابق من غير سين ... وهذا عاقل من غير لام )
وله في طبيب يدعى إسحاق
( مباضع إسحق الطبيب كأنها ... لها بفناء العالمين كفيل )
( معودة أن لا تسل نصالها ... فتغمد حتى يستباح قتيل )
وله في أحمق طويل اللسان
( لو أن قوة وجهه في قلبه ... قنص الأسود وجندل الأبطالا )
( أو كان طول لسانه بيمينه ... أفنى الكنوز وأنفذ الأموالا )
وهجا اعرابي رجلا ثم مدحه فقال
( إني مدحتك من فساد قريحتي ... وعلمت أن المدح فيك يضيع )
( لكن رأيت المسك عند فساده ... يدني إلى بيت الخلا فيضوع )
وقيل لبعضهم ما تقول في فلان وفلان قال هما الخمر والميسر إثمهما أكبر من نفعهما
وقيل لرجل كيف وجدت فلانا قال طويل اللسان في اللؤم قصير الباع في الكرم وثابا على الشر مناعا للخير
وسمع أعرابي قوله تعالى ( الأعراب أشد كفرا ونفاقا ) فانتفض ثم سمع قوله تعالى
( ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر )
فقال الله أكبر هجانا ثم مدحنا وكذلك قال الشاعر
( هجوت زهيرا ثم إني مدحته ... وما زالت الأشراف تهجى وتمدح )
استب رجلان فقال أحدهما للآخر لو قطع زبك وعلق لم تبق زانية بالكوفة إلا عرفته
وقال أبو زيد العبدي
( ولقد قتلتك بالهجاء فلم تمت ... إن الكلاب طويلة الأعمار )
وقال المتوكل لأبي العيناء ما بقي أحد في المجلس إلا هجاك وذمك غيري فقال
( إذا رضيت عني كرام عشيرتي ... فلا زال غضبانا علي لئامها )
الهجاء والمذمة
الهجاء مرهبة للكريم، ومحلبة من اللئيم، وهو على الشاعر أجدى من المديح المضرع، فلذلك بالغ فيه من جعله الذريعة إلى نيل مباغيه.
قال عمر بن الخطاب رضوان الله عليه للحطيئة: ويلك لا تهج الناس، فقال: إذن أموت وأطفالي جوعاً. فاشترى منه عمر رضي الله عنه أعراض المسلمين فقال:
وأخذت أطراف الكلام فلم تدع ... شتماً يضر ولا مديحاً ينفع
وحميتني عرض اللئيم فلم يخف ... ذمي وأصبح آمناً لا يفزع
والمقصود من ذكر الهجاء الوقوف على ملحه وما فيه من ألفاظ فصيحة، ومعان بديعة، لا التشفي بالأعراض والرتعة فيها، وليس الهجاء دليلاً على إساءة المهجو ولا صدقالشاعر فيما رماه به، فما كل مذموم بذميم، ولا كل ملوم بمليم، وقد يهجي الإنسان بهتاً وظلماً، أو تقرباً إلى عدو، أو عبثاً، أو إرهاباً لمن يخشى الشاعر سطوته فيجبن عنهجائه:
كذي العر يكوى غيره وهو راتع
وقد يهجى جزاء عن فعل خص الهاجي ولم يعم، وليس في ذلك كله عار يلحق الأعقاب، ولا في الوقوف عليه غيبة يحصل بها العقاب.
أهدي إلى سيف الدولة صدقة بن منصور بن مزيد الأسدي كتاب ففتحه لينظر فيه، فوقعت عينه منه على هجاء بني أسد، فأطبقه وقال:
وما زلت الأشراف تهجى وتمدح
قال المتوكل لأبي العيناء: كم تمدح الناس وتذمهم، قال: ما أحسنوا أو أساؤا. وقد رضي الله عن عبد فمدحه فقال: نعم العبد إنه أواب وغضب على آخر فزناه، فقال ويحكأيزني الله أحداً؟ فقال: نعم قال الله عزّ وجلّ: " مناعٍ للخير أثيم عتل بعد ذلك زنيم " القلم: 12 - 13 والزنيم الملصق بالقوم وليس منهم، وهو مأخوذ من الزنمة، والزنمتان ماتدلى في حلق المعز، وقيل من آذانها.
قال دعبل في المأمون بعد البيعة وقتل الأمين:
إني من القوم الذي همُ هم ... قتلوا أخاك وشرفوك بمقعد
شادوا بذكرك بعد طول خموله ... واستنقذوك من الحضيض الأوهد
فقال المأمون: ويحه ما أبهته!! متى كنت خاملاً وفي حجر الخلافة ربيت، وبدرها رضعت.
وقد أحسن الزبرقان بن بدر إلى الحطيئة وأكرم ضيافته في سنة غبراء حطمت الأموال وذهبت بالخف والحافر، فوعده بنو أنف الناقة القريعيون، وكانوا أعداء الزبرقان، أنيزيدوا في البر على ما فعله الزبرقان، فحمله الطمع والجشع على أن أرضاهم بهجائه فقال:
ما كان ذنب بغيض لا أبا لكم ... في بائس جاء يحدو آخر الناس
جار لقوم أطالوا هون منزله ... وغادروه مقيماً بين أرماس
ملوا قراه وهرته كلابهم ... وجرحوه بأنياب وأضراس
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
وهي أكثر من هذا فاستعدى الزبرقان عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأنشده الأبيات فقال: ما أسمع هجاء وإنما هي معاتبة، فقال الزبرقان: أو ما بلغ من مروءتي إلاأن آكل واشرب؟ فدعا حسان فسأله عن الشعر فقال: ما هجاه ولكن سلح عليه.
ولما قتل جعفر بن يحيى بكاه أبو نواس وجزع عليه وقال: اليومَ والله ذهبت المروءة والأدب، فقيل له: أتقول هذا وكنت تهجوه وتقطعه من قبل؟ فقال: ذاك لركوب الهوى. أيكونأكرم من جعفر وقد رفع إليه صاحب الخبر أني قلت:
ولست وإن اطنبت وفي وصف جعفر ... بأول إنسان خري في ثيابه
فوقع في رقعته: يدفع إليه عشرة آلاف درهم يغسل بها ما ذكر أنه نال ثيابه. وكان أبو نواس مائلاً إلى الفضل بن الربيع ومنحرفاً عن البرامكة.
ومن العبث بالهجو ما روي أن الحطيئة هم بهجاء فلم يدر من يستحقه فجعل يجول ويقول:
أبت شفتاي اليوم إلا تكلما ... بسوء فما أدري لمن أنا قائله
ثم اطلع في ركي فرأى وجهه فقال:
أرى لي وجهاً شوه الله خلقه ... فقبح من وجهٍ وقبح حامله
وهجاه أباه وأمه فقال:
ولقد رأيتك في النساء فسؤتني ... وأبا بنيك فساءني في المجلس
ومن هذا الفن أن شاعراً في زماننا هجا بعض الأعيان بأبيات مطبوعة تداولها الناس فحبس وعزر. وأراد الوزير أبو علي ابن صدقة أن يستكفه عن الزيادة فقال له: ماأردت إلى هجاء هذا الرجل؟ هل اجتديته فمنعك، أو مدحته فحرمك، أو كانت لك حكومة فمال فيها عليك؟ قال: كل ذلك لم يكن، بل قطع كان على عرضه وقفاي.
وضد هذا العبث بالأعراض قول صخر بن عمرو بن الشريد السلمي، وقد قتلت بنو مرة أخاه معاوية بن عمرو، فقال له قومه: ألا تهجوهم؟ فقال: ما بيننا أجل القذع، ولو لمأكف عن هجائهم إلا رغبة بنفسي عن الخنا لكففت. وقال:
تقول إلا تهجو فوارس هاشمٍ ... وما لي إذا أهجوهم ثم ما ليا
أبى الشتم أني قد أصابوا كريمتي ... وأن ليس إهداء الخنا من شماليا
وذي إخوة أقران بينهم ... كما تركوني واحداً لا أخا ليا
فأمسك عن هجائهم، وقد وتروه، صيانة وتكرماً.
وكان العرب في جاهليتها وإسلامها تتقي الهجاء اشد من اتقائها السلاح، حيث كانت تحامي عن أحسابها، وترغب في اقتناء المحامد الباقي ذكرها على أعقابها. ولذلكقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وغيرهما من الصحابة يهجون مشركي قريش: لهو أشد عليهم من وقع النبل.
وكان أحدهم في الفلاة القفر لا أنيس بها معه ولا قرين، يحمي نفسه عن كلمة يعاب بها حتى كأنه يتعبد بذلك من لا يخفى عليه خافيه، فمن ذلك أن حذيفة بن بدر لما فر فيحرب عبس وذبيان ونزل وأصحابه إلى جفر الهباءة يتبردون في حمارة القيظ، اقتص قيس بن زهير أثرهم حتى وقف عليهم في عدة فوارس، وهم في الجفر، فأيقنوا الهلاكفقال حذيفة: يا بني عبس فأين العقول والأحلام؟ فضرب حمل بن بدر بين كتفيه وقال: إياك ومأثور الكلام.
فانظر على هذه الحمية والنفس الأبية، منعه أن يستعطف ابن عمه، وهم متوقعون للقتل لئلا يؤثر عنهم ضراعة ورقة عند الموت. وأمثال ذلك كثير، وليس هذا موضع إيراده.
ومن مراقبتهم للشعر ما روي عن عبد الملك بن مروان أنه قال لولده حين حضرته الوفاة: أوصيكم بحسن جوار الشعراء، فإن للشعر مواسم لا تزداد على اختلاف الجديدينإلا جدة، وأيم الله ما أود أني هجيت بمثل قول الأعشى:
فما ذنبنا أن جاش بحر ابن عمكم ... وبحرك ساجٍ لا يوارى الدعامصا
تبيتون في المشتى ملاء بطونكم ... وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا
وإني ازددت إلى نعمتي أضعافها، ولوددت أني مدحت بهذه الأبيات من قول زهير:
لو كان يعقد فوق الشمس من كرم ... قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا
وأني زلت عن نعمتي كلها.
وقد قال أبو مسلم: ألأم الأعراض عرض لا يرتعي فيه حمد ولا ذم. وتلك أمة قد خلت وملة قد نسخت:
جدت أكف ليس ين ... بط ماءها إلا المساحي
وجلود قوم ليس تأ ... لم غير أطراف الرماح
ما شئت من مال حمىً ... يأوي إلى عرض مباح
والهجاء إنما يضع من النمرقة الوسطى. أما الخمول لا يقع الهجاء فيه موقعاً يضر، كما لا يرفعه المديح. قال رجل ما أبالي أهجيت أم مدحت، فقال الأحنف بن قيس: أرحتنفسك من حيث تعب الكرام.
وقال بعض النبط لبشار إن هجوتني تخرب ضيعتي؟ قال: لا، قال: فتموت عيشونة ابنتي؟ قال: لا قال: فرجلي مع ساقي إلى حلقي في حر أمك قال: ولم تركت رأسك؟ قاللأنظر إلى ما تصنع. وقال دعبل بل يروى لمسلم:
فاذهب فأنت طليق عرضك إنه ... عرض عززت به وأنت ذليل
وقال إبراهيم بن العباس:
نجا بك لؤمك منجى الذباب ... حمته مقاذره أن ينالا
وإنما ألما فيه بقول عويف القوافي:
قوم إذا ما جنى جانيهم أمنوا ... من لؤم أحسابهم أن يقتلوا قودا
وأما من علت درجته، وشاعت فضيلته فلا يفسده الهجاء، ولا يضع من شرفه، وقد مثلوا بمن هجي من العرب على هذه المنازل قالوا: لم يفسد الهجاء بني بدر، وبني عدس،وبني عبد المدان، وغيرهم من أشراف العرب. هجيت فزارة بأكل أير الحمار وبكثرة شعر القفا كقول الحارث بن ظالم:
فما قومي بثعلبة بن سعد ... ولا بفزارة الشعر الرقابا
فلم يضرهم ذلك. ثم افتخر به ومدحهم الشاعر به. قال مزرد بن ضرار:
منيع بين ثعلبة بن سعد ... وبين فزارة الشعر الرقاب
فما من كان بينهما بنكس ... لعمرك في الخطوب ولا بكاب
وأما قصة أير الحمار فإنما اللوم على المطعم لرفيقه ما لا يعرفه، فهل كان على الفزاري في حق الأنفة أكثر من قتل من أطعمه الجردان من حيث لا يدري.
وقد هجيت الحارث بن كعب، وكتب الهيثم بن عدي فيهم كتاباً، فما وضع ذلك منهم حتى كأنه قد كتبه لهم. ولما كانت نمير دون هؤلاء في الشرف وضعهم قول جرير:
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا
قال أبو عبيدة كان الرجل من بني نمير إذا قيل له: ممن الرجل؟ قال نميري كما ترى، حتى قال جرير بيته هذا فصار الرجل من بني نمير إذا قيل له: ممن الرجل؟ قال: منبني عامر. فعند ذلك قال الشاعر يهجو قوماً آخرين:
وسوف يزيدكم ضعةً هجائي ... كما وضع الهجاء بني نمير
ولما هجاهم أبو الرديني العكلي، فتوعدوه بالقتل، قال أبو الرديني:
توعدني لتقتلني نمير ... متى قتلت نمير من هجاها
فشد عليه رجل منهم فقتله.
وما لقيت قبيلة من العرب مهجوةً ما لقيت نمير من بيت جرير هذا.
ومن متوسطي الشرف في القبائل: عنزة وجرم وسلول وباهلة وغني، وهذه قبائل فيها فضل كثير، ومنها شعراء وفصحاء وفرسان مذكورون، فمحا ذلك الفضل هجاء الشعراءوغض منهم.
ومن الحبطات حسكة بن عتاب وعباد بن الحصين وولده وهم من الأشراف ففضح هذه القبيلة قول الشاعر:
رأيت الحمر من شر المطايا ... كما الحبطات شر بني تميم
وكذلك أفسد ظليم البراجم قول الشاعر:
إن أبانا فقحة لدارم ... كما الظيلم فقحة البراجم
وأهلك بني العجلان قول الشاعر:
إذا الله عادى أهل لؤم وقلة ... فعادى بني العجلان رهط ابن مقبل
قبيلة لا يغدرون بذمة ... ولا يظلمون الناس حبة خردل
ولا يردون الماء إلا عشيةً ... إذا صدر الوراد عن كل منهل
وأما قول الأخطل:
وقد سرني من قيس عيلان أنني ... رأيت بني العجلان سادوا بني بدر
فإن هذا البيت لم ينفع بني العجلان، كما لم يضر بني بدر، لأنه أخرجه مخرج الشماتة لأن صارت الذنابي قادة للرؤوس.
فأما من سلم من آفة الهجاء بالخمول فمثل غسان وعيلان من قبائل عمرو بن تميم، وثور أخوة عكل. وابتليت عكل لأنها أنبه منها سبباً وثور خاملة، ولعلها سفيان الثوريوالربيع بن خثيم ما عرفت.
قال الشعبي: شهدت زياداً وأتاه عامر بن مسعود بأبي علاثة التيمي فقال إنه هجاني قال: وما قال لك؟ قال، قال:
وكيف أرجي ثروها ونماءها ... وقد سار فيها خصية الكلب عامر
فقال أبو علاثة: ليس هكذا قلت، قال: فيكف قلت؟ قال: قلت:
وإني لأرجو ثروها ونماءها ... وقد سار فيها يأخذ الحق عامر
فقال زياد: قاتل الله الشاعر، ينقل لسانه كيف يشاء، والله لولا أن يكون سنة لقطعت لسانك. فقام قيس بن فهد الأنصاري فقال: أصلح الله الأمير، ما أدري من الرجل، فإنشئت حدثتك عن عمر بما سمعت منه، قال: وكان زياد يعجبه أن يسمع الحديث عن عمر، قال هاته: قال: شهدته وأتاه الزبرقان بن بدر بالحطيئة فقال: هجاني، قال: وما قاللك؟ قال:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
فقال عمر: ما أسمع هجاء ولكنها معاتبة، فقال الزبرقان: أو ما بلغ من مروءتي إلا أن آكل وأشرب؟ فقال عمر: علي بحسان، فجيء به، فسأله فقال: لم يهجه ولكن سلح عليه.
ويقال سأل لبيداً فقال: ما يسرني أنه لحقني من هذا الشعر ما لحقه وأن لي حمر النعم. فأمر به عمر فجعل في نقير في بئر، ثم ألقي عليه شيء فقال:
ماذا تقول لأفراخٍ بذي أمرٍ ... زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
ألقيت كاسيهم في قعر مظلمة ... فاغفر عليك سلام الله يا عمر
فأخرجه ثم قال: إياك وهجاء الناس. قال: إذن يموت عيالي جوعاً مكسبي هذا ومنه معاشي، قال: إياك والمقذع من القول، قال: وما المقذع؟ قال: أن تخاير بين الناس فتقولفلان خير من فلان، وآل فلان خير من آل فلان، قال: فأنت والله أهجى مني. ثم قال: لولا أن تكون سنة لقطعت لسانه، ولكن اذهب فأنت له يا زبرقان خذه، فألقى الزبرقانفي عنقه عمامة فاقتاده بها، وعارضته غطفان فقالوا: يا أبا شذرة، إخوتك وبنو عمك، هبه لنا، فوهبه لهم. فقال زياد لعامر بن مسعود قد سمعت ما روي عن عمر، وإنما هيالسنن، فاذهب به فهو لك، فألقى في عنقه حبلاً أو عمامة، وعارضته بكر بن وائل فقالوا له: إخوتك وجيرانك، فوهبه لهم.
وقال الأخطل: واسمه غياث بن غوث من بني تغلب:
ما زال فينا رباط الخيل معلمةً ... وفي كليب رباط الذل والعار
النازلين بدار الذل إن نزلوا ... وتستبيح كليب حرمة الجار
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم ... قالوا لأمهم بولي على النار
وهذا أهجى بيت قالته العرب، فإنه مع ما وصفهم به من اللؤم والدناءة وابتذال الأم جعل نارهم ضئيلة حقيرة تطفئها البولة.
وقال الأخطل أيضاً:
فلا تدخل بيوت بني كليب ... ولا تقرب لهم أبداً رحالا
ترى فيها لوامع بارقاتٍ ... يكدن ينكن بالحدق الرجالا
قصيرات الخطى عن كل خير ... إلى السوءات مسمحة عجالا
وقال أيضاً:
ونحن رفعنا عن سلول رماحنا ... وعمداً رغبنا عن دماء بني نصر
لو ببني ذبيان بلت رماحنا ... لقرت بهم عيني وباء بهم وتري
شفى النفس من قتلي سليم وعامر ... ولم يشفها قتلي غني ولا جسر
ولا جشم شر القبائل إنها ... كبيض القطا ليست بسودٍ ولا حمر
لعمري لقد لاقت سيلم وعامر ... على جانب الثرثار راغية البكر
ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت ... فدل عليها صوتها حية البحر
وقال أيضاً:
لعمرك إنا من زهير بن جندب ... لدانون لو أن القرابة تنفع
معاشر أما الخير منهم فمكفأ ... وأما إناء الشر منهم فمترع
وقال أيضاً:
سود الوجوه وراء القوم مجلسهم ... كأن قائلهم في القوم مسترق
البائتون قريباً دون أهلهم ... ولو يشاءون آبوا الحي أو طرقوا
وقال جرير:
أقول وذاكم للعجيب الذي أرى ... أمال بن مال ما ربيعة والفخر
محالفهم فقر قديم وذلة ... وبئس الحليفان المذلة والفقر
وقال أيضاً:
ألم تر أن الله أخزى مجاشعاً ... إذا ما أفاضت في الحديث المجالس
فما زال معقولاً عقال عن الندى ... وما زال محبوساً عن المجد حابس
وقال أيضاً:
ولا تعرفون الشر حتى يصيبكم ... ولا تعرفون الأمر إلا تدبراً
آخر:
فما إن في الحريش ولا عقيل ... ولا أولاد جعدة من كريم
أولئك معشر كبنات نعش ... رواكد لا تسير مع النجوم
لما فارقت عروة بن الورد امرأته الغفارية، وأثنت عليه بما أثنت، ورجعت إلى قومها، تزوجها رجل من بني عمها، فقال لها يوماً من الأيام: يا سلمى أثني علي كم أثنيت علىعروة، وقد كان قولها شهر فيه، فقالت: تكلفني ذلك فإني إن قلت الحق غضبت، ولا واللات والعزى لا أكذب. فقال: عزمت عليك لتأتيني في مجلس قومي فلتثنين علي بماتعلمين، وخرج وجلس في ندي القوم، وأقبلت، فرماها الناس بأبصارهم، فوقفت عليهم وقالت: أنعموا صباحاً، إن هذا عزم علي أن أثني عليه بما أعلم، ثم أقبلت فقالت: واللهإن شملتك لالتحاف، وإن شربك لاشتفاف، وإنك لتنام ليلة تخاف، وتشبع ليلة تضاف، وما ترضي الأهل ولا الجانب، ثم انصرفت. ولامه قومه وقالوا: ما كان أغناك عن هذاالقوم منها.
وقال الأخطل:
وإذا سما للمجد فرعا وائل ... واستجمع الوادي عليك فسالا
كنت القذى في سيل أكدر مزبدٍ ... قذف الأتي به فضل ضلالا
وقال أيضاً:
قبيلة كشراك النعل دارجة ... إن يهبطوا العفو لا يوجد لهم أثر
محلهم من بني تيم وإخوتهم ... حيث يكون من الحمارةِ الثفر
وقال الحكم بن عبدل الأسدي:
نكهت علي نكهة أخدري ... شتيم أعصل الأنياب ورد
فما يدنو إلى فيه ذباب ... ولو طليت مشافره بقند
وقال ذو الإصبع العدواني:
لو كنت ماء كنت لا ... عذب المذاق ولا مسوسا
ملحاً بعيد القعر قد ... فلت حجارته الفؤوسا
مناع ما ملكت يدا ... ك وسائلاً لهم لحوسا
وتبعه الشعراء في معنى البيت الأول فأكثروا، قال الآخر:
لو كنت ماء كنت غير عذب ... أو كنت سيفاً كنت غير عضب
أو كنت عيراً كنت عير ندب ... أو كنت لحماً كنت لحم كلب
وقال الآخر:
لو كنت ماء لم تكن طهوراً ... أو كنت برداً كنت زمهريرا
أو كنت ريحاً كانت الدبورا ... أو كنت مخاً كنت مخا ريرا
وقال ابن بسام في أخيه:
يا طلوع الرقيب ما بين إلف ... يا غريماً أتى على ميعاد
يا ركوداً في يوم غيم وصيف ... يا وجه التجار يوم الكساد
ولابن الرومي في مثله:
يا أبا القاسم الذي لست أدري ... أرصاص كيانه أم حديد
أنت عندي كماء بئرك في الصي ... ف ثقيل يعلوه برد شديد
وله أيضاً في مثله:
وثقيل جليسه في سياق ... ساعة منه مثل يوم الفراق
قد قضى الله موته منذ حين ... فاحتوى الموت روحه وهو باق
ولآخر مثله:
يمشي على الأرض مجتازاً فأحسبه ... لبغض طلعته يمشي على بصري
وقال أبو نواس في معناه:
لطلعته وخزة في الفؤاد ... كوخز المشارط في المحتجم
أقول له إذ أتى لا أتى ... ولا نقلته إلينا قدم
فقدت خيالك لا من عمىً ... وصوت كلامك لا عن صمم
وقال الناجم في هذا الفن
يا ابن ابي النجم تسمع في مهل ... طريفةً أهديتها على عجل
من نكت الشعر الرصين المنتخل ... يغرف من بحر خضم لا وشل
يا شبه البئر برداً وثقل ... يا ليلة المهجور هجران الملل
يا كرب الطلق ويا ثقل الجبل ... يا حيرة المملق اعيته الحيل
يا قوة اليأس ويا ضعف الأمل ... يا ضيقة الرزق ويا وشك الأجل
يا ياسمين السقم لا ورد الخجل ... أقسم لولا أن لي عنك شغل
لجد فيك الشعر طوراً وهزل ... ممزقاً عرضك تمزيق السمل
ولابن الحجاج قصيدة في عيسى بن مروان الكاتب النصراني أطال فيها جداً، وسلك فيها هذه السبيل وتغلغل في معانيها والآفات التي جرت عادته بابتداعها، وهيمشهورة اقتصرت منها على قوله:
يا هيضة عرضت لشي ... خ مقعد زمن ضرير
يا نتن ريح خرا اليهو ... د الفج في عيد الفطير
وفسا النصارى في التنه ... هس قبل صومهم الكبير
وجشا شيوخ المسلمي ... ن البخر في وقت السحور
يا عثرة القلم المرش ... ش بين أثناء السطور
يا ذل عان موثق ... في القد مغلول أسير
وقعت عليه بنو كلا ... بٍ والمشوم بلا خفير
يا ذلة المظلوم الأصم ... بح وهو معدوم النصير
يا فجأة المكروه في ال ... يوم العبوس القمطرير
يا حيرة الشيخ الأصم ... م وحسرة الحدث الضرير
يا قرحة في ناظر ... غطوا عليها بالذرور
يا طول حمى الربع تق ... طع قوة الشيخ الكبير
يا ضجرة المحموم بال ... غدوات من ماء الشعير
يا خيبة الأمل الطوي ... ل اغتر بالعمر القصير
يا وحشة الموتى إذا ... صاروا إلى ظلم القبور
يا مأتماً فيه تذا ... ل وجوه ربات الخدور
كلت مقاريض النوا ... ئح فيه من جز الشعور
خذها فقد ثبتت بلا ... ء يا ابن يعقوب المدير
مثل السجل كتابه ... يبقى إلى يوم النشور
أحببت أن تحظى بها ... فخرجت فيها من قشوري
وقال أبو نواس:
بنيت بما خنت الأمين سقاية ... فلا شربوا إلا أمر من الصبر
فما كنت إلا مثل بائعة استها ... تعود على المرضى به طلب الأجر
وله:
لو أن عرضك في تطهير قدرك ما ... داناك في المجد لا كعب ولا هرم
وقال الأخطل:
إذا ما التقينا عند بشر رأيتهم ... يغضون دوني الطرف بالحدق الخزر
وأوجه موتورين فيها كآبة ... فرغماً على رغم ووقراً على وقر
وقال:
الآكلون خبيث الزاد وحدهم ... والسائلين بظهر الغيب ما الخبر
قوم تناهت إليهم كل فاحشة ... وكل مخزية سبت بها مضر
وأقسم المجد حقاً لا يحالفهم ... حتى يحالف بطن الراحة الشعر
النصف الثاني من البيت الأول فيه معنى قول جرير:
وإنك لو رأيت عبيد تيمٍ ... وتيماً قلت أيهما العبيد
ويقضى الأمر حين تغيب تيم ... ولا يستأذنون وهم شهود
وقريب منه قول أوس بن حجر:
معازيل حلالون بالغيب وحدهم ... بعمياء حتى يسألوا الغد ما الأمر
فلو كنتم من الليالي لكنتم ... كليلة سر لا هلال ولا بدر
وقال الأخطل:
تعوذ هوازن بابني دخان ... هوازن إن ذا لهو الصغار
ابنا دخان: غني وباهلة ابنا يعصر وهو لقب لهم، ومثله،
لقد خزيت قيس وذل نصيرها
وقال طارق بن أثال الطائي:
ما إن يزال ببغداد يزاحمنا ... على البراذين أشباه البراذين
أعطاهم الله أموالاً ومنزلة ... من الملوك بلا عقل ولا دين
ما شئت من بغلةٍ سفواء ناجيةٍ ... ومن ثياب وقولٍ غير موزون
وذم رجل ابن التوأم فقال: رأيته مشحم النعل، درن الجورب، مغضن الخف، دقيق الجربان.
وقال العلاء بن المنهال الغنوي:
فليت أبا شريك كان حياً ... فيقصر حين يبصره شريك
ويترك من تدريه علينا ... إذا قلنا له هذا أبوك
ويحتمل خطأ هذا الشاعر في العروض لرشاقة الشعر، فإن عروضه من الوافر ويتم الوزن بحرف النفاذ، فإن فعل ذلك كان البيت الأول مرفوعاً والثاني منصوباً، وهذا لمتستعمله العرب في إقوائها المستهجن، فكيف يكون في مثل هذا الشعر اللين؟ وإن وقف على السكون كان الجزء الأخير من الوافر فعول، وهو غير جائز ولم يسمع: ضافأبو السليل العنزي بني حكم فخذاً من عنزة فقال:
أراني في بني حكم قصياً ... على قتر أزور ولا أزار
أناس يأكلون اللحم دوني ... وتأتيني المعاذر والقتار
وقال أخر:
شتى مراجلهم فوضى نساؤهم ... وكلهم لأبيه ضيزن سلف
وقال أخر:
لو كنت أحمل خمراً يوم زرتكم ... لم ينكر الكلب أني صاحب الدار
لكن أتيت وريح المسك تفغمني ... والعنبر الورد أذكيه على النار
فأنكر الكلب ريحي حين أبصرني ... وكان يعرف ريح الزق والقار
وقال علي بن جبلة العكوك:
أقاموا الديدبان على يفاعٍ ... وقالوا لا تنم للديدبان
فإن آنست شخصاً من بعيدٍ ... فصفق بالبنان على البنان
تراهم خشية الأضياف خرساًيقيمون الصلاة بلا أذان
وقال أبو مهوش الأسدي:
وبنو الفقيم قليلة أحلامهمثط اللحى متشابهو الألوان
لو يسمعون بأكلة أو شربةبعمان أضحى جمعهم بعمان
متأبطين بنيهم وبناتهمصعر الأنوف لريح كل دخان
وقال آخر:
وجيرةٍ لن ترى في الناس مثلهمإذا يكون لهم عيد وإفطار
إن يوقدوا يوسعونا من دخانهموليس يدركنا ما تنضج النار
وأنشد ثعلب:
فتى لرغيفه قرط وشنفومرسلتان من خرز وشذر
إذا كسر الرغيف بكى عليهبكا الخنساء إذ فجعت بصخر
ودون رغيفه الثناياوحرب مثل وقعة يوم بدر
وقال دعبل:
رأيت أبا عمران يبذل عرضهوخبز أبي عمران في أحرز الحرز
يحن إلى جاراته بع شبعهوجاراته غرثى تحن إلى الخبز
وقال أيضاً:
فضيف عمرو وعمرو يسهران معاًعمرو لبطنته والضيف للجوع
وقال أخر، ويروي لبعض آل المهلب:
قومٌ إذا أكلوا أخفوا كلامهم واستوثقوا من رتاج الباب والدار
لا يقبس الجار منهم فضل نارهمولا تكف يد عن حرمه الجار
وقال الفرزدق:
وما لكليب حين تذكر أولولا لكليب حين تذكر آخر
وقال ابن أبي عيينة:
لا تعدم العزل يا أبا الحسنولا هزالاً في دولة السمن
ولا انتقالاً من دار عافيةٍإلى ديار البلاء والفتن
ولا خروجاً إلى القفار من ال ... أرض وترك الأحباب والوطن
وقال أيضاً في عيسى بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس، وكان تزوج فاطمة بنت عمر بن حفص هزارمرد، وهو من ولد قبيصة بن أبي صفرة أخي المهلب:
أفاطم قد زوجت عيسى فأيقنيلديه بذل عاجل غير آجل
فإنك قد زوجت عن غير خبرةفتىً من بني العباس ليس بعاقل
فإن قلت من رهط النبي فإنهوإن كان حر الأصل عبد الشمائل
فقد ظفرت كفاه منك بطائلوما ظفرت كفاك منه بطائل
لعمري لقد أثبته في نصابهبأن رحت منه في محل الحلائل
وزوج إبراهيم بن النعمان بن بشير الأنصاري ابنته من يحيى بن أبي حفصة مولى عثمان بن عفان على عشرين الف درهم، فقال قائل يعيره:
لعمري لقد جللت نفسك خزيةوخالفت فعل الأكثرين الأكارم
ولو كان جداك اللذان تتابعاببدر لما راما صنيع الألائم
ويحيى هذا هو جد مروان بن أبي حفصة الشاعر. ويزعم النسابون أن أباه كان يهودياً اسلم على يد عثمان بن عفان، وكان ذا يسار. وتزوج يحيى هذا خولة بنت مقاتل بنطلبة بن قيس بن عاصم سيد أهل الوبر، ومهرها خرقاً، ففي ذلك يقول القلاخ بن حزنٍ:
لم أر أثواباً أجر لخزيةٍوألأم مكسواً وألأم كاسياً
من الخرق اللائي صببن عليكمبحجر المبقيات البواليا
وقال القلاخ أيضاً:
نبئت خولة فقالت حين أنكحهالطالما كنت منك العار أنتظر
أنحكت عبدين ترجو فضل مالهمافي فيك مما رجوت الترب والحجر
لله در جياد أنت سائسهابرذنتها وبها التحجيل والغرر
وقال آخر:
ألا يا عباد الله قلبي متيمبأحسن من صلى وأقبحهم بعلا
يدب على أحشائها كل ليلةدبيب القرنبي بات يقرو نقاً سهلا
القرنبي دويبة حمراء على هيئة الخنفس منطقة الظهر، وربما كان في ظهرها نقطة حمراء، وفي قوائمها طول على الخنفس، وهي ضعيفة المشي.
وهذه المقطعات المتناسبة المعاني ليست من فاخر الهجاء وإنما هي في معنى شاذ ربما يتفق مثله فيتمثل بها فيه، فأتيت بها على ما شرطت في الكتاب.
وقال بشار:
خليلي من كعبٍ أعينا أخاكماعلى دهره إن الكريم معين
ولا تبخلا بخل ابن قزعة إنهمخافة أن يرجى نداه حزين
كأن عبيد الله لم يلق ماجداًولم يدر أين المكرمات تكون
فقل لأبي يحيى متى تدرك العلىوفي كل معروف عليك يمين
قوله: في كل معروف عليك يمين مأخوذ من قول جرير:
ولا خير في مال عليه أليةولا في يمين عقدت بالمآثم
لما عزل مسلمة بن عبد الملك عن العراق ووليها عمر بن هبيرة قال الفرزدق:
راحت بمسلمة البغال عشيةفارعي فزارة لا هناك المرتع
ولقد علمت إذا فزارة أمرتأن سوف تطمع في الإمارة أشجع
وأرى الأمور تنكرت أعلامهاحتى أمية عن فزارة تنزع
فلما ولي خالد بن عبد الله القسري العراق بعد ابن هبيرة قال بعض بني أسد:
بكت المنابر من فزارة شجوهافاليوم من قسر تذوب وتجزع
وقال المبرد: أنشدني رجل من عبد القيس:
أباهل ينبحني كلبكموأسدكم ككلاب العرب
ولو قيل للكلب يا باهليعوى الكلب من لؤم هذا النسب
وقال المساور بن هند:
زعمتم أن إخوتكم قريشلهم إلف وليس لكم إلاف
أولئك أومنوا جوعاً وخوفاًوقد جاعت بنو أسدٍ وخافوا
وقال أخر:
إن يسمعوا ريبةً طاروا لها فرحاًعني وما سمعوا من صالحٍ دفنوا
صم إذا سمعوا خيراً ذكرت بهوإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
جهلاً علينا وجبناً عن عدوهملبئست الخلتان الجهل والجبن
وقال أبو الأسد في الحسن بن رجاء لما تولى الجبل:
فلأنظرن إلى الجبال وأهلهاوإلى منابرها بطرف أخزر
ما زلت تركب كل شيء قائمٍحتى اجترأت على ركوب المنبر
وقال إسماعيل بن عمار الأسدي:
بكت دار شجوها إذ تبدلتهلال بن مرزوق ببشر بن غالب
وهل هي إلا مثل عرس تبدلتعلى رغمها من هاشم في محارب
وقال آخر:
كاثر بسعدٍ إن سعداً كثيرةولا تبغ من سعد وفاء ولا غدرا
وقال آخر:
فسادة عبس في الحديث نساؤهاوسادة عبس في القديم عبيدها
وقال آخر:
أقولُ حين رأى كعباً ولحيتهلا بارك الله في بضع وستين
من السنين تملاها بلا حسبولا حياء ولا عقل ولا دين
وقال آخر:
أقام اللؤم وسط بني رياحمطيته وأقسم لا يريم
كذلك كل ذي سفر إذا ماتناهى عند غايته مقيم
وقال أخر:
ترى الشيخ منهم يمتري الأير باستهكما يمتري الثدي الصبي المجوع
خاصم أبو الحويرث السحيمي حمزة بن بيض إلى المهاجر بن عبد الله في طوي له، فقال أبو الحويرث:
غمضت في حاجة كانت تؤرقنيلولا الذي قلت فيها قل تغميضي
قال: وما قلت لك؟ قال:
حلفت بالله لي أن سوف تنصفنيفساغ في الحلق ريق بعد تجريض
قال: وأنا أحلف بالله لأنصفنك. قال:
فاسأل ألى عن ألى أن ما خصومهمأو كيف أنت وأصحاب المعاريض
قال: أوجعهم ضرباً. قال:
واسأل لجيماً إذا وافاك جمعهمهل كان بالبئر حوض قبل تحويضي
قال: فتقدمت الشهود فشهدت لأبي الحويرث فالتفت إلى ابن بيض فقال:
أنت ابن بيض لعمري لست أنكرهحقاً يقيناً ولكن من أبو بيض
إن كنت انبضت لي قوساً لترمينيفقد رميتك رمياً غير تنبيض
أو كنت خضخضت لي وطباً لتسقينيفقد سقيتك وطبا غير ممخوض
فأمسك عنه ابن بيض، فقيل له: ألا تجيبه؟ فقال: والله لو قلت: أبو بيض عبد المطلب بن هاشم لم ينفعني ذلك.
ذكر عند العباس بن علي رجل قد فارقه، فقال: دعوني أتذوق طعم فراقه، فهو والله الذي لا تشجي له النفس، ولا تدمع له العين، ولا يكثر في أثره الالتفات، ولا يدعى له عندفراقه بالسلامة.
وكتب كاتب في ذم والٍ: خوراً عند الأكفاء، وعجزاً عن الأعداء، وإسراعاً إلى الضعفاء، وكلباً على الفقراء، وإقداماً على البرية، واحتياجاً للرعية.
وقال الطرماح:
لو كان يخفى على الرحمن خافيةمن خلقه خفيت عنه بنو أسد
قوم أقام بدار الهون أولهمكما أقام عليه جذمة الوتد
ومن أبيات الطرماح:
لو حان ورد تميم ثم قيل لهاحوض الرسول عليه الأزد لم ترد
لو أنزل الله وحياً أن يعذبهاأن لم تعد لقتال الأزد لم تعد
لا عز نصر امرئ أضحى له فرسعلى تميم يريد النصر من أحد
وقال ابن أبي عيينة:
هل كنت إلا كلحم ميتدعا إلى أكله اضطرار
وقريب من هذا المعنى قول الآخر:
وما أهجوك أنك كفؤ شعريولكني هجوتك للكساد
وقول آخر:
غير اختيار قبلت برك بيوالجوع يرضي الأسود بالجيف
وقال آخر:
ألهى بن جشم عن كل مكرمةقصيدة قالها عمرو بن كلثوم
يفاخرون بها مذ كان أولهميا للرجال لفخر غير مسؤوم
إن القديم إذا ما ضاع آخرهكساعدٍ فله الأيام محطوم
وقال عرفجة بن شريك في أمية بن عبد الله بن خالد:
فلا غرو إلا من أمية إنهيمت بآباء كرام المحاتد
فلله آباء أمية نسلهملقد شانهم أفعاله في المشاهد
وقال سليمان بن قتة في سعيد بن عثمان بن عفان:
وكم من فتى كز اليدين مذمموكان أبوه عصمة الناس في المحل
ومثله قول الآخر:
لئن فخرت بآباء ذوي حسبلقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا
واحتذى ابن سكرة هذا الغرض فقال:
فإن كنت من هاشم في الذرىفقد ينبت الشوك وسط الأقاحي
وقال لقيط بن زرارة:
أغركم أني بأكرم شيمةٍرفيق وأني بالفواحش أخرق
وأنك قد باذذتني فغلبتنيهنيئاً مريئاً أنت بالفحش أحذق
وقال أعرابي:
كأني ونضوي عند باب ابن مسمعمن القر ذئبا قفرة هلعان
أبيت وصنبر الشتاء ينوشنيوقد مس برد ساعدي وبناني
فما أضرموا ناراً ولا عرضوا قرىًولا اعتذروا من عسرةٍ بلسان
وقال الفرزدق:
ولو يرمى بلؤم بني كليبٍنجوم الليل ما وضحت لسار
ولو لبس النهار بني كليبلدنس لؤمهم وضح النهار
وما يغدو عزيز بني كليبليطلب حاجة إلا بجار
وقال أيضاً:
قوم إذا احتضر الملوك وفودهمنتفت شواربهم على الأبواب
وقال أيضاً:
فإن تهج آل الزبرقان فإنماهجوت الطوال الشم من هضب يذبل
وقد ينبح الكلب النجوم ودونهفراسخ تنضي الطرف للمتأمل
أرى الليل يجلوه النهار ولا أرىعظام المخازي عن عطية تنجلي
وقال آخر:
وما يك من خيرٍ فلا تستطيعهوما يك من شر فإنك صاحبه
وقال يزيد بن المهلب:
لقد سرني للنفع أنك شافعيوقد ساءني للدهر أنك تشفع
وقال زياد الأعجم:
ماذا يقول لهم من كان هاجيهملا يبلغ الناس ما فيهم وإن جهدوا
وقال الخزرجي:
أيزيد إنك لم تزل في ذلةٍحتى لففت أباك في الأكفان
فاشكر بلاء الموت عندك إنهأودى بلؤم الحي من شيبان
وقال يحيى بن نوفل:
فوا عجباً حتى سعيد بن خالدله حاجبٌ بالباب من دون حاجب
وقال نهار بن توسعة:
كانت خراسان أرضاً إذا يزيد بهاوكل باب من الخيرات مفتوح
فبدلت بعده قرداً نطوف بهكأنما وجهه بالخل منضوح
وقال الأشهب بن رميلة النهشلي:
ألم ينه عني غالباً أن غالباًمن اللؤم أعمى ضل كل سبيل
وإني من القوم الحداد سيوفهموسيفك إلا في العلاة كليل
العلاة: السندان.
وقال زياد الأعجم:
قبيلة خيرها شرهاوأصدقها الكاذب الآثم
وضيفهم وسط أبياتهموإن لم يكن صائماً صائم
وقال أعرابي، وتروى لدعبل:
أضياف عمران في خصب وفي دعةوفي عطاء كثير غير ممنوع
وضيف عمرو وعمرو يسهران معاًعمرو لبطنته والضيف للجوع
وقال جميل بن معمر:
أبوك حباب سارق الضيف بردهوجدي يا حجاج فارس شمرا
بنو الصالحين الصالحون ومن يكنلآباء صدقٍ يلقهم حيث سيرا
فإن تغضبوا من قسمة الله حظكمفلله إذ لم يرضكم كان أبصرا
وقال زهير بن أبي سلمى وقد أسر الحارث بن ورقاء عبداً له وحبسه عنده:
إذا طمحت نساؤكم إليهأشظ كأنه مسد مغار
ولولا عسبه لرددتموهوشر منيحة أير معار
وقال آخر:
بنو عمير مجدهم دارهموكل قوم لهم مجد
كأنهم فقع بدويةليس لهم قبل ولا بعد
ذم أعرابي رجلاً فقال: صغير القدر، قصير الشبر، لئيم النجر، عظيم الكبر.
وذم آخر رجلاً فقال: ما الحمام على الإصرار، والدين على الإقتار، وشدة السقم في الأسفار، بأشد من لقاء فلان.
وذم الجاحظ رجلاً فقال: أنت والله أحوج إلى هوان من كريم إلى إكرام، ومن علم إلى عمل، ومن قدرة إلى عفو، ومن نعمة إلى شكر.
وقال أحمد بن المعذل لأخيه عبد الصمد: أنت كالإصبع الزائدة إن تركت شانت وإن قطعت آلمت.
وقال آخر في قوم يصف حلوقهم بالدقة، وإنما يريد بذاك لؤمهم لأن السيد عند العرب يكون جهير الصوت:
كأن بني رالان إذ جاء جمعهمفراريج ألقي بينهن سويق
وأنشد الجاحظ:
حديث بني قرط إذا ما لقيتهمكنزوا الدبا في العرفج المتقارب
وقال آخر في خطيب:
مليءٌ ببهرٍ والتفات وسلعةومسحة عثنون وفتل أصابع
وأنشد ابن الأعرابي:
فذاك نكس لا بيض حجرهمخرق العرض جديد ممطره
في ليل كانون شديد خصرهعض بأطراف الزباني قمره
وقال آخر في أسود:
يا مشبهاً في لونه فعلهلم تعد ما أوجبت القسمه
خلقك من خلقك مستخرجوالظلم مشتق من الظلمه
مدح دعبل أبا نصر ابن حميد الطوسي فقصر في أمره، فقال يهجوه:
أبا نصير تحلحل عن مجالسنافإن فيك لمن جاراك منتقصا
أنت الحمار حروناً أن رفقت بهفإن قصدت إلى معروفه قمصا
إني هززتك لا آلوك مجتهداًلو كنت سيفاً ولكني هززت عصا
مر ابن الخياط بدار رجل كان يعرفه قبل ذلك بالضعة وخساسة الحال، وقد شيد ذلك الرجل بابه فطوح بناءه فقال:
أطله فما طول البناء بنافعٍإذا كان فرع الوالدين قصيراً
محمد بن وهيب الحميري في علي بن هشام، وكان قصده فلم يجد عنده ما أحب وتتايه عليه، والأبيات كثيرة نذكر مختارها:
لم تند كفك من بذل النوال كمالم يند سيفك مذ قلدته بدم
كنت امرءاً رفعته فتنة فعلاأيامها غادراً بالعهد والذمم
حتى إذا انكشفت عنه غياهبهاورتب الناس بالأحساب والقدم
مات التخلق وارتدتك مرتجعاًطبيعة نذلة الأخلاق والشيم
كذاك من كان لا رأس ولا ذنبكز اليدين حديث العهد بالنعم
هيهات لست بحمال الديات ولامعطي الجزيل ولا المرهوب في النقم
ولما بلغت هذه الأبيات علي بن هشام ندم على ما كان منه وجزع وقال: لعن الله اللجاج فإنه شر ما تخلقه الناس. ثم أقبل على أخيه الخليل بن هشام فقال: الله يعلم أنيلأدخل على الخليفة وعلي السيف وأنا مستحي، أذكر قول ابن وهيب في:
لم تند كفك من بذل النوال كما لميند سيفك مذ قلدته بدم
قال الفرزدق: لما اطردني زياد أتيت المدينة، وعليها مروان بن الحكم، فبلغه أني خرجت من دار ابن صياد، وهو رجل يزعم أهل المدينة أنه الدجال، فليس يكلمه أحد ولايجالسه، ولم أكن عرفت خبره، فأرسل إلي مروان فقال: أتدري ما مثلك؟ حديث تحدثت به العرب: أن ضبعاً مرت بحي قوم قد رحلوا، فوجدت مرآة فنظرت على وجهها فيهاوقالت: من شر ما طرحك أهلك. ولكن من شر ما طردك أميرك، فلا تقيمن بالمدينة بعد ثلاثة أيام. قال: فخرجت أريد اليمن، حتى إذا صرت بأعلى ذي قسي، وهو طريق اليمنمن البصرة، إذا رجل مقبل فقلت: من أين أوضع الراكب؟ قال: من البصرة. قلت: ما الخبر وراءك؟ قال: أتانا أن زياداً مات بالكوفة. قال: فنزلت عن راحلتي مسرعاً وسجدتوقلت: لو رجعت فمدحت عبيد الله بن زياد وهجوت مروان فقلت:
وقفت بأعلى ذي قسي مطيتيأميل في مروان وابن زياد
فقلت عبيد الله خيرهما أباًوأدناهما من رأفة وسداد
ومضيت لوجهي حتى أتيت بلاد بني عقيل، فوردت ماء من مياههم، فإذا بيت عظيم، وإذا امرأة سافر لم أر كحسنها وهيئتها قط، فدنوت فقلت: أتأذنين في الظل؟ فقالت:انزل فلك الظل والقرى. فأنخت وجلست إليها، قال: فدعت جارية لها سوداء كالراعية فقالت: ألطفيه شيئاً واسعي إلى الرعي فردي عليه شاة فاذبحيها له، وأخرجت إلي تمراًوزبداً قال: وحادثتها ما رأيت والله مثلها قط، فما أنشدتها شعراً إلا أنشدتني أحسن منه، فأعجبني المجلس والحديث، إذ أقبل فتى بين بردتين، فلما رأته رمت ببرقعها علىوجهها وجلست، وأقبلت عليه بوجهها وحديثها، ودخلني من ذلك غيظ فقلت للحين: يا فتى هل لك في الصراع؟ فقال: سوأة لك إن الرجل لا يصارع ضيفه. قال: فألححتفقالت له: ما عليك لو لاعبت ابن عمك؟ فقمت وقام، فلما رمى بردتيه إذا خلق عجيب، فقلت هلكت ورب الكعبة. فقبض علي ثم احتملني إليه فصرت في صدره، ثم احتملني،فوالله ما اتقيت الأرض إلا بظهر كتدي، وجلس على صدري، فما ملكت نفس أن ضرطت ضرطة منكرة، وثرت إلى جملي، فقال: أنشدك الله، فقالت المرأة: عافاك الله إنه الظلوالقرى، فقلت: أخزى الله ظلكم وقراكم. فمضيت فبينا أنا أسير إذ لحقني الفتى يجنب جنباً برحله وزمامه، ورحله من أحسن الرحال، فقال: يا هذا إنه ما سرني ما كان،وقد أراك أبدعت، أي كلت ركابك، فخذ هذا النجيب وإياك أن تخدع عنه، فقد والله أعطيت به مائتي دينار قلت: نعم آخذه، فأخبرني من أنت، ومن هذه المرأة قال: أنا توبة ابنالحمير وتلك ليلى الأخيلية، وقال الفرزدق: والله ما بي أن صرعتني ولكن كأني بابن الأتان، يعني جريراً، وقد بلغه خبري هذا فقال في يهجوني:
جلست إلى ليلى لتحظى بقربهافخانك دبر لا يزال خؤون
فلو كنت ذا حزم شددت وكاءهاكما سد خرقاء الدلاص قيون
قال فوالله ما مضى إلا أيام حتى بلغ جريراً الخبر فقال هذين البيتين.
انصرف الفرزدق من عند بعض الأمراء في غداة باردة، وأمر بجزور فنحرت ثم قسمها وأغفل امرأة من بني فقيم قسمها، فرجزت به فقال:
فيشلة هدلاء ذات شقشقمشرفة اليافوخ والمحوق
مدمجة ذات حفاف أحلقنيطت بحقوي قطم عشنق
أولجتها في سبة الفرزدق
قال أبو عبيدة: فبلغني أنه هرب فدخل في بيت حماد بن الهيثم. قم إن الفرزدق قال فيها بعد ذلك:
قتلت قتيلاً لم ير الناس مثلهأقلبه كالتومتين مسوراً
حلمت إليه طعنتي فطعنتهفغادرته بين الحشايا مكورا
ترى جرحه من بعدما قد طعنتهيفوح كمثل المسك خالط عنبرا
وما هو يوم الزحف بارز قرنهولا هو ولى يوم لاقى فأدبرا
بني دارم ما تأمرون بشاعربرود الثنايا ما يزال مزعفرا
إذا ما هو استلقى رأيت جهازهكمقطع عنق الناب أسود أحمرا
وكيف أهاجي شاعراً رمحه استهأعد ليوم الروع درعاً ومجمرا
فقالت المرأة: ألا أرى الرجال يذكرون مني هذا. فعاهدت الله ألا تقول شعراً. فسقطت.
قال أبان بن عبد الله النميري يوماً لجلسائه، وفيهم أبو نخيلة: والله لوددت أنه قيل في ما قيل في جرير بن عبد الله:
لولا جرير هلكت بجيلةنعم الفتى وبئست القبيلة
وإني أثيب على ذلك. فقال أبو نخيلة: هلم الثواب، فقد حضرني من ذلك ما تريد، فأمر له بدراهم فقال: اسمع يا طالب ما يخزيه:
لو لا أبان هلكت نميرنعم الفتى وليس فيها خير
كان عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير يهاجي فروة بن خميصة الأسدي، قال عمارة: فكنت يوماً جالساً مع المأمون فإذا أنا بهاتفٍ يهتف بي من خلفي ويقول:
نجى عمارة منا أن مدتهفيها تراخ وركض السابح النقل
ولو ثقفناه أوهينا جوانحهبذابل من رماح الخط معتدل
فإن أعناقكم للسيف مجلبةوإن مالكم المرعي كالهمل
قال: وهذا الشعر لفروة بن خميصة في. قال: فدخلني من ذلك ما قد علمه الله، وما علمت أن شعر فروة وقع إلى ما هناك. ثم خرج عليّ علي بن هشام من المجلس وهويضحك فقلت: أبا الحسن تفعل بي مثل هذا وأنا صديقك؟ فقال: ليس عليك في هذا شيء. قلت: من أين وقع لك؟ فقال: وهل بقي كتاب إلا وهو عندي؟ فقلت: يا أمير المؤمنينأأهجى وأنا في دارك وبحضرتك؟ فضحك، فقلت: يا أمير المؤمنين أنصفني، فقال: دع هذا وأخبرني بخبر هذا الرجل، وما كان بينك وبينه. فأنشدته قصيدتي فيه، فلماانتهيت إلى قولي:
ما في السوية إن تكر عليهموتكون يوم الروع أول صادر
اعجب المأمون هذا البيت فقال لي: ألهذه القصيدة نقيضه؟ قلت: نعم، قال: فهاتها، فقلت: أوذي سمعي بلساني؟ فقال: على ذلك، فأنشدته إياها، فلما بلغت إلى قوله:
وابن المراغة جاحر من خوفنابالوشم منزلة الذليل الصاغر
يخشى الرماح بأن تكون طليعةأو أن تحل به عقوبة قادر
قال أوجعك يا عمارة، قلت: ما أوجعته أكثر.
وقيل إن البيت من شعر عمارة كان سبب قتل فروة، ولما أنشده قال: والله لا قتلني إلا هذا البيت. فلما تكاثرت عليه الخيل يوم قتل قيل له: أنج بنفسك قال: كلا والله، لا حققتقول عمارة، فصبر حتى قتل. وكان أحسن الناس شعراً ووجهاً وقداً، لو كان امرأة لاشتجرت عليه بنو أسد، وقيل لعمارة، أقتلت فروة؟ فقال: والله ما قتلته، ولكني أقتلته، أيسببت له سبباً قتل به.
وكان عمارة يقول: ما هاجيت أحداً قط إلا كفيت مؤونته في سنة أو أقل سنة، إما أن يموت أو يقتل أو أفحمه، حتى هاجاني أبو الرديني العكلي فخنقني بالهجاء، ثم هجابني النمير فقال:
أتوعدني لتقتلني نميرمتى قتلت نمير من هاجها
فكفانيه بنو نمير وقتلوه، فقتلت به عكل، وهم يومئذ ثلاثمائة رجل، أربعة آلاف رجل من بني النمير، وقتلت لهم شاعرين: رأس الكبش وشاعراً آخر.
وهجا عمارة امرأة ثم أتته في حاجة بعد ذلك فجعل يعتذر إليها فقالت له: خفض عليك، فلو قتل الهجاء أحداً لقتلتك وقتل أباك وجدك.
أبو الأسد في أحمد بن أبي دواد:
أنت امرؤ غث الصنيعة رثهالا تحسن النعمى إلى أمثالي
نعماك لا تعدوك إلا في امرئفي مسك مثلك من ذوي الأشكال
فإذا نظرت إلى صنيعك لم أجدأحداً سموت به إلى الافضال
فاسلم لغير سلامة ترجى لهاإلا لسدك خلة الأنذال
وقال دعبل:
أنت الحمار حروناً إن رفقت بهوإن قصدت إلى معرفة قمصا
إني هززتك لا آلوك مجتهداًلو كنت سيفاً ولكني هززت عصا
دعبل:
وضعت رجالاً فما ضرهموشرفت قوماً فلم ينبلوا
أعرابي:
لا يوقدون النار إلا بسحرويسترون النار من غير حذر
ثمت لا توقد إلا بالبعر
بعث محمد بن حميد الطائي إلى محمد بن حازم الباهلي بعد أن كان قد هجاه وشهره بألف درهم وعشرة أثواب، فردها عليه وكتب إليه:
ولقد جنحت إلى مسالمتيوأنبت عند تفاقم الأمر
وحذوت حذو ابن المهلب إذقصد الفرزدق بالندى الغمر
وبعثت بالأموال ترغبنيكلا ورب الشفع والوتر
لا ألبس النعماء من رجلألبسته عاراً مدى الدهر
وقال أعرابي لابن عم له: والله ما جفانكم بعظام، ولا أجسامكم بوسام، ولا بدت لكم قط نار، ولا طولبتم بثار.
عاب أعرابي قوماً فقال: أقل الناس ذنوباً إلى أعدائهم، وأكثرهم إجراماً إلى أصدقائهم، يصومون عن المعروف، ويفطرون على الفحشاء.
بشر:
فإنكم ومدحكم بجيراًأبا لجأٍ كما امتدح الألاء
يراه الناس أخضر من بعيدوتمنعه المرارة والإباء
عبد الرحمن بن حسان
ذممت ولم تحمد وأدركت حاجتيتولى سواكم شكرها واصطناعها
أبى لك فعل الخير رأي مقصرونفس أضاق الله بالخير باعها
إذا هي حثته على الخير مرةًعصاها وإن همت بسوء أطاعها
ابن وكيع:
لئن نلت ما أملت منك فسرنيلقد ساءني أن صرت ممن يومل
آخر:
شنئتكم حتى كأنكم الغدروعفتكم حتى كأنكم الهجرُ
وما زلت أرشو الدهر صبراً على التيتسوء إلى أن سرني فيكم الدهر
ولولا وقفة للبين فيهامتاع من وداعٍ واعتناق
وآمال مسوفة لقلناكأنك قد خلقت من الفراق
وذم أعرابي رجلاً فقال: ليس له أول يحمل عليه، ولا آخر يرجع إليه، ولا عقل يزكو له عاقل لديه.
قال عصام الزماني في يحيى بن أبي حفصة يهجوه:
تنكر بطن حجر واقشعراوبدل بعد حلو العيش مرا
وبدل بعد سادته المواليكفى حجراً بذاك اليوم شرا
فقال يحيى بن أبي حفصة يرد عليه:
أإن ابصرت أنجمنا استنارتوغال النجم لؤمك فاستسرا
بكيت على الزمان وقلت مروما زال الزمان عليك مرا
فما فعلت بنو زمان خيراًوما فعلت بنو زمان شرا
وما خلقت بنو زمان إلاأخيراً بعد خلق الناس طرا
حدث أحمد بن عبد الله المعروف بصيني، راوية أم كلثوم بن عمرو العتابي، وكان سميراً لعبد الله بن طاهر قال: بينا أنا معه ذات ليلة إذ تذاكرنا الأدب وأهله وشعراءالجاهلية والإسلام، إلى أن صرنا إلى المحدثين، ثم ذكرنا دعبل بن علي الشاعر الخزاعي فقال لي عبد الله. ويحك يا صيني إني أريد أن أوعز إليك.بشيء تستره عليحياتي، فقلت: أصلح الله الأمير، وأنا عندك في موضع تهمة؟ قال: لا ولكن أطيب لنفسي أن توثق بأيمانٍ أركن إليها ويسكن قلبي عندها، فأخبرك، فقلت: أصلح الله الأمير،إذا كنت عنده في هذه الحال فلا حاجة له إلى إفشاء سره إلي، فاستعفيته مراراً فلم يعفني، فاستحييت من مراجعته وقلت: ليرَ الأمير رأيه، قال: يا صيني قل: والله، فأمرهاعلي غموساً ووكدها بالبيعة والطلاق، ثم قال لي: ويحك أشعرت أني أظن أن دعبلاً مدخول النسب، وامسك، فقلت: أعز الله الأمير، أفي هذا أخذت علي الأيمان والعهودوالمواثيق؟ قال:أي والله لأني رجل في نفسي حاجة، ودعبل رجل قد حمل على خذعه على عنقه، فهو لا يصيب من يصلبه عليه، وأتخوف إن بلغه أن يبقي علي من الخزي مايبقي على الدهر، وقصاراي أني إن ظفرت به وأمكنني ذلك منه وأسلمته اليمن، وما أراها تسلمه، لأنه اليوم لسانها وشاعرها والذاب عن أعراضها والمحامي عنها والمراميدونها، أن أضربه مائة سوط، وأثقله حديداً، وأصيره في مطبق باب الشام، وليس في ذلك عوض مما سار في من الهجاء وفي عقبي من بعدي، قال، قلت: أتراه كان يفعلويقدم عليك؟ قال: يا عاجز أهون عليه مما لم يكن، أتراه أقدم على سيدي هارون ومولاي المأمون وعلى أبي رحمه الله ولم يكن يقدم علي؟ قال، قلت: إذا كان الأمر على ماوصفه الأمير فقد وفق فيما أخذه علي.
قال: وكان دعبل لي صديقاً، فقلت: هذا قد عرفته، ولكن من أين قال الأمير إنه مدخول النسب؟ فوالله لعلمته في البيت الرفيع من خزاعة، وما أعلم فيها بيتاً أكرم من بيته إلابيت أهبان مكلم الذئب، وهن بنو دنيةً، فقال: كان دعبل غلاماً خاملاً أيام ترعرع لا يؤبه له، وكان بينه وبين مسلم بن الوليد الأنصاري إزار لا يملكان غيره شيئاً، فإذا أراددعبل الخروج جلس مسلم في البيت، وكذاك يفعل الآخر إذا خرج رفيقه، وكانا إذا اجتمعا لدعوة يتلازقان، يطرح هذا شيئاً منه عليه، والآخر مثله، وكانا يعبثان بالشعر إلىأن قال دعبل بن علي هذا الشعر.
أين الشباب وأية سلكا
فثقفه بعض المغنين فغنى به هارون الرشيد فاستحسنه واستجاد قوله:
ضحك المشيب برأسه فبكى
فقال للمغني: لمن هذا الشعر ويحك؟ قال: لبعض أحداث خزاعة ممن لا يؤبه له. قال هارون: ومن هو؟ قال: دعبل بن علي الخزاعي. قال: يا غلام أحضرني عشرة آلافدرهم، وحللاً مما ألبسها أنا، ومركباً من مراكبي خاصة يشبه هذا. ودعا صاحباً له وقال: اذهب بهذا حتى توصله إلى دعبل بن علي الخزاعي، وأجاز المغني بجائزة عظيمة،وتقدم إلى الرجل الذي بعثه إلى دعبل أن يعرض عليه المصير إلى هارون فإن صار وإلا أعفاه، فانطلق الرسول حتى أتى دعبلاً في منزله، وخبره كيف كان سبب ذكره،وأشار عليه بالمصير إليه، فانطلق معه، فلما مثل بين يدي هارون قربه واستنشده الشعر وأعجب به، فأقام عنده يمتدحه ويجري عليه الرشيد الإجراء السني، فكان الرشيدأول من جرأه على قول الشعر وبعثه عليه، فوالله ما كان إلا بقدر ما غيب الرشيد في حفرته إذ أنشأ يمتدح آل علي ويهجو الرشيد بقصيدة يقول فيها:
وليس حي من الأحياء نعلمهمن ذي يمانٍ ولا بكر ولا مضر
إلا وهم شركاء في مائهمكما تشارك أيسار على جزر
قتل وأسر ومنهبةفعل الغزاة بأرض الروم والخزر
أرى أمية معذورين إن قتلواولا أرى لبني العباس من عذر
أبناء حرب ومروان وأسرتهمبنو معيط ولاة الحقد والوغر
قوم قتلتم على الإسلام أولهمحتى إذا استمكنوا جازوا على الكفر
أربع بطوس على القبر الزكي بهاإن كنت تربع من دينٍ على وطر
قبران في طوس خير الناس كلهموقبر شرهم هذا من العبر
ما ينفع الرجس من قرب الزكي ولاعلى الزكي بقرب الرجس من ضرر
هيهات كل امرئ رهن بما اكتسبله يداه فخذ ما شئت أو فذر
يعني قبر هارون وعلي بن موسى الرضا. فوالله ما كافأه، وكان سبب نعمته بعد الله. فهذه واحدة يا صيني.
وأما الثانية فإنه لما استخلف المأمون جعل يطلب دعبلاً إلى أن كان من أمر إبراهيم بن شكلة ما كان، وخروجه مع أهل العراق يطلب الخلافة، فأرسل إليه دعبل بشعر يقولفيه:
علم وتحليم وشيب مفارقطلسن ريعان الشباب الرائق
وإمارة في دولة ميمونةكانت على اللذات أشغب عائق
فالآن لا أغدو ولست برائحفي كبر معشوق وذلة عاشق
أنى يكون وليس ذاك بكائنيرث الخلافة فاسق عن فاسق
نعر ابن شكلة بالعراق وأهلهافهفا إليه كل أطلس مائق
إن كان إبراهيم مضطلعاً بهافلتصلحن من بعده لمخارق
قال: فضحك المأمون وقال: قد غفرنا لدعبل كل هجاء هجانا به بهذا البيت، وكتب له إلى طاهر أبي أن يطلب دعبلاً حيث كان ويعطيه الأمان. قال: فكتب أبي إليه فتحملإليه، وكان واثقاً بناحيته، وأقرأه كتاب المأمون، وأجازه بالكثير، وحمله إلى المأمون، وثبت المأمون في الخلافة، وأقبل يجمع الآثار في فضائل آل الرسول، قال: فتناهى إليهتناهى من فضائلهم قول دعبل:
مدارس آيات خلت من تلاوةومنزل وحي مقفر العرصات
لآل رسول الله بالخيف من منىًوبالركن والتعريف والجمرات
قال: فما زالت تتردد في صدر المأمون حتى قدم عليه دعبل، فقال له: أنشدني ولا بأس عليك، ولك الأمان من كل شيء فيها، فإني أعرفها وقد رويتها إلا أني أحب أنأسمعها من فيك، قال: فأنشده حتى إذا صار إلى هذا الموضع:
ألم تر أني مذ ثلاثون حجةًأروح وأغدو دائم الحسرات
أرى فيئهم في غيرهم متقسماًوأيديهم من فيئهم صفرات
فآل رسول الله نحف جسومهموآل زياد غلظ القصرات
بنات زياد في الخدور مصونةوبيت رسول الله في الفلوات
إذا وتروا مدوا إلى واتريهمأكفاً عن الأوتار منقبضات
فلو لا الذي أرجوه في اليوم أو غدتقطع قلبي إثرهم حسرات
قال: فبكى المأمون حتى جرت دموعه على نحره، وكان أول داخل إليه وآخر خارج من عنده.
فوالله إن شعرنا بشيء إلا وقد عتب على المأمون فأرسل إليه بشعر يقول فيه:
ويسومني المأمون خطة عاجزأو ما رأى بالأمس راس محمد
يوفي على هام الخلائق مثل ماتوفي الجبال على رؤوس القردد
لا تحسبن جهلي كحلم أبي فماحلم المشايخ مثل جهل الأمرد
إني من القوم الذي سيوفهمقتلت أخاك وشرفتك بمقعد
شادوا بذكرك بعد طول خمولهواستنقذوك من الحضيض الأوهد
قال: فوالله ما كافأه وما كافأ أبي بما أسدى إليه، وذلك أنه لما توفي أبي أنشأ يقول:
وأبقى طاهر فينا خلالاًعجائب تستخف لها الحلوم
ثلاثة إخوة لأب وأمتمايز عن ثلاثته أروم
فبعضهم يقول قريش قوميويدفعه الموالي والصميم
وبعض في خزاعة منتماهولاء غير مجهول قديم
وبعضهم يهش لآل كسرىويزعم أنه علج لئيم
لقد كثرت مناسبهم عليناوكلهم على حال مليم
قال: فهذه الثالثة يا صيني.
وأما الرابعة فإنه لما استخلف المعتصم دخل إليه دعبل ذات يوم فأنشده فقال: أحسنت والله يا دعبل، فسلني ما أحببت. قال: مائة بدرة قال: نعم، تمهلني مائة سنة وتضمنلي أجلي معها. قال: قد أمهلتك ما شئت، وخرج مغضباً فلقي خصياً للمعتصم قد كان عوده أن يدخل عليه مدائحه ويجعل له شيئاً من الجائزة فقال: ويحك إني كنت عندأمير المؤمنين وأغفلت حاجة لي أن أذكرها له، أفأذكرها في أبيات وتدخلها إليه؟ قال: ولي نصف الجائزة؟ فماكسه ساعة ثم أجابه فأخذ رقعة وكتب فيها:
بغداد دار الملوك كانتحتى دهاها الذي دهاها
ما غاب عنها سرور ملكأعاره بلده سواها
ما سر من را بسر من رابل هي بؤس لمن رآها
عجل ربي لها خراباًبرغم أنف الذي ابتناها
ثم ختم ودفعها على الخصي فلما نظر فيها المعتصم قال: من صاحب الرقعة؟ قال: دعبل وقد جعل لي نصف الجائزة، فطلب فكأن الأرض انطوت عليه. فقال للمعتصم:أخرجوا الخصي فأجيزوه بألف سوط نصف ما أردنا أن نجيز به دعبلاً، ثم لم يلبث أن كتب إليه من قم:
ملوك بني العباس في الكتب سبعةولم يأتنا عن ثامن لهم كتب
كذلك أهل الكهف في الكهف سبعةغداة ثووا فيه وثامنهم كلب
وإني لأزهي كلبهم عنك رغبةلأنك ذو ذنب وليس له ذنب
وهمك تركي عليه سماجةفأنت له أم وأنت له أب
كأنك إذ ملكتنا لشقائناعجوز عليها التاج والعقد والإتب
فقد ضاع أمر الناس حين يسوسهموصيف وأشناس وقد عظم الخطب
وإني لأرجو أن ترى من مغيبهامطالع شمس قد يغص بها الشرب
وإن ابن مروان سيثلم ثلمةًتعم جميع الناس ليس لها شعب
فهذه رابعة. وأما الخامسة فإن أحمد بن أبي دواد كان يعطيه الجزيل من ماله ويقسم له على أهل عمله فقال فيه:
أبا عبد الإله أصخ لقوليوبعض القول يصحبه السداد
ترى طسماً تعود به اللياليإلى الدنيا كما عادت إياد
قبائل جذ أصلهم فبادواوأودى ذكرهم زمناً فعادوا
وكانوا غرزوا في الصخر بيضاًفأمسكه كم غرز الجراد
فلما أن سقوا درجوا ودبواوزادوا حين جادهم العهاد
هم بيض الرماد انشق عنهموبعض البيض يشبهه الرماد
غداً يأتيك إخوتهم جديسوجرهم قصر وتعود عاد
فتعجز عنهم الأمصار ضيقاًوتمتلئ المنازل والبلاد
فلم أر مثلهم بادوا فعادواولم أر مثلهم قلوا فزادوا
توغل فيهم سفل وخوز ... وأوباش فهم لهم مداد
وأنباط السواد قد استحالوا ... بهم عرباً فقد خرب السود
فلو شاء الإمام أقام سوقاً ... فباعهم كما بيع السماد
وقال في ابن أبي دواد لما تزوج في عجل:
أيا للناس من خبر طريف ... تفرق ذكره في الخافقين
أعجل أنكحوا ابن أبي دواد ... ولم يتأملوا فيه اثنين
أرادوا نقد عاجله فباعوا ... رخيصاً عاجلاً نقداً بدين
بضاعة خاسر بارت عليه ... فباعك النواة التمرتين
ولو غلطوا بواحدة لقلنا ... يكون الوهم بين العاقلين
ولكن شفع واحدة بأخرى ... يدل على فساد المنصبين
لحا الله المعاش بفرج أنثى ... ولو زوجتها من ذي رعين
ولما أن أفاد طريف مال ... وأصبح رافلاً في الحلتين
تكنى وانتمى لأبي دوادٍ ... وقد كان اسمه ابن الزانيين
فردوه إلى فرج أبيه ... وزرياب فألأم والدين
وقال في أخيه رزين:
مهدت له ودي صغيراً ونصرتي ... وقاسمته مالي وبوأته حجري
وقد كان يكفيه من العيش كله ... رجاء ويأس يرجعان إلى فقر
وفيك عيوب ليس يحصي عديدها ... فأصغرها عيباً يجل عن الكفر
ولو انني أبديت للناس بعضها ... لأصبحت من بصق الأحبة في بحر
فدونك عرضي فاهج حياً فإن أمت ... فبالله إلا ما خريت على قبري
وقال في امرأته:
يا ركبتي خزز وساق نعامةٍ ... وزبيل كناس وشدق بعير
يا من أشبهها بحمى نافض ... قطاعة للقلب ذات زفير
صدغاك قد شمطا ونحرك يابس ... والصدر منك كجؤجؤ الطنبور
يا من معانقها يبيت كأنه ... في محبس قمل وفي ساجور
قبلتها فوجدت طعم لثاتها ... فوق اللسان كلسعة الزنبور
قال رجل لأخيه من أبويه: والله لأهجونك هجاء يدخل معك قبرك. قال: كيف تهجوني وأبي أبوك وأمي أمك؟ فقال:
غلام أتاه اللؤم من شطر نفسه ... ولم يأته من شطر أم ولا أب
فقال: قتلتني قتلك الله.
ومثله للمغيرة بن حبناء يهجو أخاه صخراً:
أبوك أبي وأنت أخي ولكن ... تباينت الطبائع والظروف
وأمك حين تنسب أم صدق ... ولكن ابنها طبع سخيف
وقال أبو تمام:
سمعت بكل داهية نآد ... ولم أسمع بسراج أديب
أما لو أن جهلك كان علماً ... إذن لنفذت في علم الغيوب
وما لك بالغريب يد ولكن ... تعاطيك الغريب من الغريب
وقال أيضاً:
وملك في كبره ونبله ... وسوقة في قوله وفعله
بذلت مدحي فيه باغي بذله ... فجذ حبل أملي من أصله
من بعد ما استعبدني بمطله ... ثم اغتدى معتذراً بجهله
يعجب من تعجبي من بخله ... يلحظني في جده وهزله
لحظ الأسير حلقات كبله ... حتى كأني جئته بعزله
يا واحداً منفرداً بعدلهألبسته الغنى فلا تمله
ما أقبح الجفن بغير نصلهوالشعر ما لم يك عند أهله
وكان أبو تمام والبحتري معاً، مع تقدمهما في الشعر وضروبه، ناقصي الحظ من الهجاء، ولا طائل لهما فيه. إلا أن ابن الرومي كان فيه غاية بل آية، زاد على من تقدمهبالتصرف في فنونه، والغوص على دقيق معان استنبطها لم يسبق إليها، ونهج السبيل لمن تبعه. وأنا جامع ها هنا جملة من أهاجيه متتابعةً.
فمن ذلك قوله:
صبراً أبا الصقر فكم طائرخر صريعاً بعد تحليق
زوجت نعمى لم تكن كفؤهافصانها الله بتطليق
لا قدست نعمى تسربلتهاكم حجة فيها لزنديق
وروي أنه اقتدح زناد هذا المعنى من رجل اجتاز به وهو يقول: لو كان ها هنا عدل في العطية، وقسم بالسوية، ما ملك أبو الصقر ما يملك.
وقال أيضاً:
وما تكلمت إلا قلت فاحشةًكأن فكيك للأعراض مقراض
مهما نطقت فنبل منك مرسلةوفوك قوسك والأعراض أغراض
إن مت عاش من الأعراض ميتهاوإن حييت فما للناس أعراض
وقال أيضاً:
نحن دم وأنت أقرن والل ... ه حسيب القرناء للجماء
لو علمت الخفي من كل علمجامعاً بينه وبين البغاء
أعجب الناس ما وعيت وقالواعسل طيب خبيث الوعاء
وقال:
إن كنت من جهل غير معتذروكنت من رد مدحي غير متئب
فأعطني ثمن الطرس الذي كتبتفيه القصيدة أو كفاره الكذب
وقال:
رأيتكم تستعدون السلاح ولاتقاتلون ولا يحمى لكم سلب
كالنخل يشرع شوكاً لا يذود بهعن حمله كف جان فهو منتهب
وقال من أبيات:
هل سبة يا أبا العباس نعلمهاإلا وأنت بها في الناس مسبوب
سميت أحمد مظلوماً ولست بهكلا ولكن من الأسماء مقلوب
وقال:
عجبت من معشر بعقوتناباتوا نبيطاً فأصبحوا عربا
مثل أبي الصقر إن فيه وفيدعواه شيبان آيةً عجبا
بيناه علجاً على جبلتهإذ مسه الكيمياء فانقلبا
يسترق السمع على قرنه الش ... شيطان في جو السموات
وقال:
إذا ما مدحت أبا صالحٍفأعدد له الشتم قبل المديح
فإني ضمينك عن لؤمهببخل عتيد وفعل قبيح
وأنى يجود ولا عرقهكريم ولا وجهه بالصبيح
وقال:
رددت علي مدحي بعد مطلوقد دنست ملبسه الجديدا
وقلت امدح به من شئت غيريومن ذا يقبل المدح الرديدا
ولا سيما وقد أعبقت فيهمخازيك اللواتي لن تبيدا
وما للحي في أكفان ميتلبوس بعد ما ملئت صديدا
وقال:
أصبح ذا والد وذا ولدمن بعد ما كان بيضة البلد
لما ادعى والداً فجاز لهتطلعت نفسه إلى ولد
وقال:
أثني عليك بمثل ريحك ميتاًوقد انصدعت وأنت منبوش الصدا
ولما صداك يسيل منه صديدهيوماً بأنتن منك حياً يجتدى
أسلمت نفسك للهجاء ولو غداأو راح يملك فديةً منك افتدى
وقال:
أشرجت قبلك من بغضي على حنقأضر من حرقات الحب في الجسد
عرضت حتى صرت لي غرضاقد يقدم العير من ذعر على الأسد
وقال أيضاً:
فقدتك يا ابن أبي طاهروأطعمت ثكلك قبل العشاء
فلا برد شعرك برد الشرابولا حر شعرك حر الصلاء
تذبذب فنك بين الفنونفلا للطبيخ ولا للشواء
وقال أيضاً:
ولعمري إن تأملناهمما علوا لكن طفوا مثل الجيف
جيف تطفو على بحر الغنىحين لا تطفوا خبيئات الصدف
وقال أيضاً:
يا من يقلب طوماراً ويلثمهماذا بقلبك من حب الطوامير
فيه مشابه من شيء تسر بهطولاً بطول وتدويراً بتدوير
وقال أيضاً:
ترى العمل الجسيم إذا تولىسياسته كعبد يستبيح
فإن هو بيع من أمم عليهوإلا فالإباق له شفيع
وقال في مغن:
وتغني كأن صوتك في أن ... فك صوت الزنبور في جوف كوز
وقال يهجو أبا سليمان الطنبوري:
كأنني طول ما أشاهدهأشرب كأسي ممزوجة بدم
إذا الندامى دعوه آونةًتنادموا كأسهم على ندم
وله يهجو قينة:
خضراء كالعقرب في صفرةنمشاء كالحية في رقطه
في الصوت منها أبداً بحةتوهمني أن بها خبطه
قميئة الخلق على أنهاأعتق في الدنيا من الحنطة
إذا رأت فيشلةً صخمةخرت لها قائلة حطه
وقال أيضاً:
فقدتك يا كنيزة كل فقدوذقت الموت أول من يموت
فقد أوتيت رحب قم وفرجكأنك من كلا طرفيك حوت
سأقترح عليك جهديفأحسن ما تغنين السكوت
وقال أيضا:
ريحها وهي حية ريح ميتٍبات في القبر ثم أبداه نبش
وتراها تستكتم الطيب والمر ... تك أسرار نتنها وهي تفشو
وجهها الأغبر المجدر يحكيجعس أمس أصاب أعلاه طش
جدري ما شانها وهو شينكل إثر في ذلك الوجه نقش
كل شيء محا حلاها فزينكل شيء وارى التراب ففرش
تتناغى وعودها بنهيقكنهيق الحمار ناغاه جحش
قلت مستهزئاً بها إذ تبدتأنت بلقيس لو أحاطك عرش
لا يعد الرشا لها نائكوهاهي أول بأن تناك وترشو
وقال أيضاً:
للحكل والغمرة في وجهها والجلجلونات شهادات زور
أعضاؤها تدعو إلى قطعهاكأنها مخلوقة من بظور
وقال أيضاً:
لقبها معشر مغنيةكعقرب الحش لقبت تمره
تجذر فلساً على الغناء ولاتسكت إلا وجذرها بدره
تنقط المحسنات في غرر ال ... أوجه طراً وأنت في النقره
وقال:
إن تطل لحية عليك وتعرضفالمخالي معروفة للحمير
علق الله في عذراك مخلا ... ة ولكنها بغير شعير
أيما كوسج يراها فيلقىربه بعدها صحيح الضمير
لو رأى مثلها النبي لأجرىفي لحى الناس سنة التقصير
وقال من أبيات:
لو جاء يحكي لون كل أب له لرأيت جلدته كيمنة عبقر
خذها إليك مشيحةً سيارةً تلقاك من بادٍ ومن متحضر
تغدو عليك بحاصب وبتارب وعلى الرواة بلؤلؤ متخير
كالنار تحرق من تعرض لفحها وتكون مرتفق امرئ متنور
وقال:
إذا ما جزى الأقوام خيراً فبئس ما جزيتم به أسلافكم آل طاهر
جنوا لكم أن تمدحوا وجنيتم بأفعالكم أن تشتموا في المقابر
وقال:
كان للكركدن قرن فأضحى قرنه عند قرنك اليوم مدرى
من يكن تاجه كتاجك هذا فليكن بابه كإيوان كسرى
وقال:
يا من إذا ما رأته عين والده بين الرجال اتقاهم بالمعاذير
أقسمت بالله أن لو كنت لي ولداً لما جعلتك إلا في المطامير
وقال:
عشقنا قفا عمرو وإن كان وجهه يذكرنا قبح الخيانة والغدر
فتى وجهه كالهجر لا وصل بعده وأما قفاه فهو وصل بلا هجر
وقال:
أتيتك مادحاً فهجوت شعري وكانت هفوة مني وغلطه
لقد أذكرتني مثلاً قديماً جزاء مقبل الوجعاء ضرطه
وقال:
وإن سكوتها عندي لبشرى وإن غناءها عندي لمعنى
فقرطها بعقرب شهرزور إذا غنت وطوقها بأفعى
وقال:
قاسيت منه ليلةً مذكورةً لولا دفاع الله لم تتكشف
وكأن ليلته علي لطولها باتت تمخض عن صباح الموقف
وقال:
يا أحمد بن سعيد لا تمت جزعاً فالحب طعمان ممرور ومعسول
نبئت أن محباً بات كعثبها زيداً بحكم النحو مفعول
غنت نهاراً وباتت زامرةٌ حتى الصباح وللأحوال تحويل
يا أحمد بن سعيد لو بصرت بها وصدعها لأيور القوم منديل
غدا عليها بنو اللذات فابتذلوا من سول نفسك ما صان السراويل
هون عليك فإن الأمر وافقها وكان منها اعتناق فيه تقبيل
إحدى المصائب فاصبر يا ابن أم لها وهل على حدثان الدهر تعويل
تساكرت كي يقول القائلون لها لا يسلب المرء إلا وهو مقتول
واعلم جزيت أبا العباس عارفةً أن المحب له تاج وإكليل
صبراً جميلاً فإن الصب مصطبر على القرون وإن أودي بها الطول
ولا تكلف فتىً أودى بعذرتها عقلاً فإن دم الاستاه مطلول
ولا تغاضب لتسفيل القريض لها فكل ما لقيت بالأمس تسفيل
لا تمتعض للتي قالت قوابلها قد التقت دجلة العوراء والنيل
وقال:
قال لما اشترى غلاماً كفاه كثرة الغرم واكتراء الرجال
صنت مالي عن الفساد بمالي حان لي أن أصون مالي بمالي
كان يستدخل الأيور حراماً فاستعف الفتى بأير حلال
وقال:
ذات فرج هو استها طائري شائع الذرع ليس بالمقسوم
ينظم الأكمة القلائد فيه ويرى الذر في الظلام البهيم
يسع السبعة الأقاليم طراً وهو في إصبعين من إقليم
كضمير الفؤاد يلتهم الدن ... يا وتحويه دفتا حيزوم
وهي قصيدة طويلة أكثرها مختار، وفيها مبالغات تحرجت في إيرادها.
وقال:
أضحى وزيراً أبو يعلى وحق له بعد المحاجم والمشراط والجلم
قد قال قوم وغاظتهم كتابته يا رب ليتك ما علمت بالقلم
وقال:
تبحثت عن أخباره فكأنما نبشت صداه بعد ثالثة الدفن
وقال ولم أجدها في مجموع شعره:
قبلك والدبر مذ بذلتهما تكفلا أن تعيش في رغد
وسعت هذا فعشت في سعةٍ وقام هذا فقام بالأود
وقال ابن بسام:
قلت لما رأيته في قصور مشرفات ونعمة لا تعاب
رب ما أبين التفاوت فيه منزل عامر وعقل خراب
وقال ابن لنكك البصري يهجو أبا رياش اليمامي وقد ولي عملاً:
قل للوضيع أبي رياش لا تبل ته كل تيهك بالولاية والعمل
ما ازددت حين وليت إلا خسة كالكلب أنجس ما يكون إذا اغتسل
وقال آخر:
وليتم فما أوليتهم الناس طائلاً ولا حزتم شكراً ولا صنتم حراً
فإن تفقدوا لا يؤلم الناس فقدكم وإن تذكروا لا يحسنوا لكم ذكرا
وقال محمد بن عبد الله الأصفهاني المنشئ:
قل للخصيبي قول من صدقه لا تفرحن بالوزارة الخلقه
إن كنت قد نلتها مفاجأة فهي على الكلب بعدها صدقه
ولآخر فيه:
ليهن الخصيبي أن الوزار ... ة بعد الخصيبي لا تعترض
ولو قيل للكلب من بعده بأن ستليها أبى وامتعض
وقال آخر:
أب دلف يا أكذب الناس كلهم سواي فإني في مديحك أكذب
وقال آخر:
إني امتدحتك كاذباً فأثبتني لما امتدحتك ما يثاب الكاذب
وقال الجهرمي:
مشى بغلامين عبد السلام يقيمان ما مال من جانبيه
وهل ينكرون لذي نعمة غلام له وغلام عليه
وقال كشاجم:
ومغن بارد النغ ... مة مختل اليدين
ما رآه أحد في دار قوم مرتين
وقال في خادم يسمى كافوراً:
حكيت سميك في برده وأخطأك اللون والرائحة
ابن لنكك في الرملي الشاعر:
إن الرميلي بعيد خاطره يشعر ما دامت له دفاتره
فالشعراء كلهم خواطره
وقال مخلد الموصلي:
أراكم تنظرون إلي شزراً كما نظرت إلى الشيب الملاح
تحدون الحداق إلي مقتاً كأني في عيونكم السماح
قال أبو العتاهية لابنه: يا بني إن لا تصلح لمشاهدة الملوك، قال: لم يا أبه؟ قال: لأنك حار النسيم، بارد المشاهدة، ثقيل الظل.
وقال آخر: أنت والله ثقيل الظل، مظلم الهواء، جامد النسيم.
قال أبو نواس:
إذا ما تنادوا للرحيل سعى بهم أمامهم الحولي من ولد الذر
زياد الأعجم:
إني لأكرم نفسي أن أكلفها هجاء جرم وما يهجوهم أحد
ماذا يقول لهم من كان هاجيهم ما يبلغ الناس ما فيهم ولو جهدوا
وله:
لو أن بكراً براه الله راحلة لكان يشكر منها موضع الذنب
ليسوا إليه ولكن يعلقون به كما تعلق راقي النخل بالكرب
آخر:
لو سابق الذر مشدوداً قوائمه يوم الرهان لكان الذر يسبقه
آخر:
قد ذممنا العبيد حتى إذا نح ... ن بلونا المولى حمدنا العبيدا
المساور بن هند:
شقيت بنو أسدٍ بشعر مساور إن الشقي بكل حبل يخنق
وصف رجل قوماً بالعي فقال: منهم من ينقطع كلامه قبل أن يصل إلى لسانه، ومنهم من لا يبلغ كلامه أذن جليسه، ومنهم من يقتسر الآذان فيحملها إلى الأذهان شراًطويلاً.
ذكر رجل امرأته فقال: مجفرة منكرة، منتفخة الوريد، كلامها وعيد، وبصرها حديد، وخيرها بعيد، وشرها شديد، سفعاء فوهاء، قليلةُ الإرعاء، كثيرة البكاء، سريعة الوثبة،حديدة الركبة، سمعمع سلفع، لا تروى ولا تشبع، مئناث كأنها بغاث، لا فوها بارد، ولا بطنها والد، ولا شعرها وارد، ولا عيبها واحد، ولا أنا إن ماتت عليها واجد. فقيل لها ماتقولين؟ أما تسمعين؟ فقالت لعنه الله مذكوراً قضمة خضمة، ضيق الصدر، قليل الصبر، لئيم النجر، كثير الفخر، عظيم الكبر.
أعرابي:
ومجلس ليس بشاف للقرم ولا بمعروف بأخلاق الكرم
ليس بمنسوب إلى الفرع الأشم جالسته من عوزٍ ومن عدم
فازددت منه سقماً على سقم
ابن المعتز:
بأنتن من هدهد ميتٍ أصيب فكفن في جورب
آخر:
يزداد لؤماً على المديحِ كما يزداد نتن الكلاب في المطر
أبو الفرج الأصفهاني:
كأنه التيس قد أودى به هرم فلا للحمِ ولا عسب ولا ثمن
أبو علي ابن عبدوس الرازي:
هم الكشوت فلا أصل ولا ورق ولا نسيم ولا ظل ولا زهر
سئل ابن عباس عن رجل فقال: هو فصل لا حر ولا برد، وهو عوسجة لا ظل ولا ثمر.
وقال آخر: هو كالسمرة التي قل ورقها وكثر شوكها، وصعب مرتقاها، لا كالكرمة التي حسن روقها، وطاب ثمرها، وسهل مجتناها. لا يؤمن خباله، ولا يرجى نواله، حديثه غثوسلاحه رث، عيال في الجدب، عدو في الخصب، قليل الخير، جم الضير.
شاعر:
ليس له ما خلا اسمه نسب كأنه آدم أبو البشر
آخر:
يقول سهل والدي صاعد فقل لسهل من أبو صاعد
للناس آباء وما ينتهي سهل إلى أكثر من واحد
ابن أبي عيينة في أخوين:
داود محمود وأنت مذمم عجباً لذاك وأنتما من عود
فلرب عود قد يشق لمسجد نصف وسائره لحش يهود
وقال الرضي:
وغافلين عن العلياء قائدهم في كل غي فتي العقل مكتهل
سنوا الخضاب حذارا أن نطالبهم بحكمة الشيب أو يقصيهم الغزل
عارين إلا من الفحشاء يسترهم ثوب الخمول وتنبو عنهم الحلل
قوم بأسماعهم عن منطقي صمم وفي لواحظهم عن منظري قبلُ
وقال أيضاً: كسبته الورق البيض أباً ولقد كان وما يدعى لأبْ وقال:
يقدم أعجاز النساء رجالكم إذا قدمت قومي صدور الذوابلِ
وقال:
يلوم وقد ألامُ وشر شيء إذا لاقاك لوم من مليمِ
وقال أبو قيس التميمي، وهو نهرواني الأصل والمولد:
نزلت على أبي عمرو فحيا وهيأ عنده فرش المقيلِ
وقال علي بالطباخ حتى يزيد من البوارد والبقول
فغداني برائحة الأماني وعشاني بميعاد جميل
وقال أبو القاسم الضرير ويروى لدعبل:
لا تحمدن حسناً في الجدود إن مطرتْ كفاه جزلاً ولا تذممه إن رزما
فليس يبخل إشفاقاً على جدةٍ ولا يجود لفضل الجود مغتنما
لكنها خطرات من وساوسه يعطي ويمنع لا بخلاً ولا كرما
وقال آخر:
وشرك حاضر في لك يومٍ وخيرك رمية من غير رامِ
وقال أبو الفرج ابن هند في مجد الدولة أبي طالب بن بويه:
لنا ملك ما فيه للملك آلةٌ سوى أنه يوم السلام يتوجُ
أقيم لإصلاح الورى وهو فاسدٌ وكيف استواء الظل والعود أعوجُ
كتب أبو العيناء إلى عيسى بن فرخانشاه: أنا أحمد الله تعالى على ما تأدت إليه أحوالك، ولئن كانت أخطأت فيك النعمة، لقد أصابت فيك النقمة، ولئن أبدت الأيام مقابحهابالإقبال عليك لقد أظهرت محاسنها بالانصراف عنك.
كتب رجل إلى ابن سيابة يسأله عن رجل فكتب في الجواب: هو والله غث في دينه، قذر في دنياه، رث في مروءته، سمج في هيئته، منقطع إلى نفسه، راضٍ عن عقله، بخيلبما وسع الله تعالى عليه من رزقه، كتوم لما آتاه الله من فضله، حلاف مهين لجوج، لا ينصف إلا صاغراً، ولا يعدل إلا راغماً، ولا يرفع نفسه عن منزلة إلا ذل بعد تعززه فيها.
ذم أعرابي رجلاً فقال: أنت والله ممن إذا سأل ألحف، وإذا سئل سوف، وإذا حدث حلف، وإذا وعد أخلف، تنظر نظر حسود، وتعرض إعراض حقود.
تذام قوم من العرب فقال أحدهم للآخر: هو الله خبيث الزاد، لاصق الزناد، قصير العماد، تباع للأزواد.
وقال الآخر: هو والله مناع للموجود، سآل عن المفقود، بكاء على المعهود، فناؤه واسع، وضيفه جائع، وشره شائع، وسره ذائع.
وقال لآخر: هو زري المنظر، سيئ المخبر، لئيم المكسر، يهلع إذا أعسر، ويبخل إذا أيسر، ويكذب إذا أخبر، إن عاهد غدر، وإن اؤتمن ختر، وإن قال أهجر وإن وعد أخلف،وإن سأل ألحف . يرى البخل حزماً، والسفاه حتماً، والمرزئة كلماً.
ذكر أعرابي رجلاً بقلة الحياء فقال: لو رضي الله عنه بوجهه الحجارة لرضها، ولو خلا بالكعبة لسرقها.
شاعر:
شربت مدامةً وسقيت خلاً لقد جاوزت في الفعل اللئاما
نبيذاً كان للممقور دهراً تفتت منه أكباد الندامى
فشبهناه وجهك فهو وجه عبوس قمطرير لن يراما
قال الحجاج لجرير والفرزدق: إيتياني في لباس آبائكما في الجاهلية، فلبس الفرزدق الديباج والخز، وقعد في قبة. وشاور جرير دهاة بني يربوع فقالوا: ما لباس آبائنا إلاالحديد، فلبس جرير درعاً، وتقلد سيفاً، وأخذ رمحاً، وركب فرساً لعباد بن الحصين، وأقبل في أربعين فارساً من بني يربوع. وجاء الفرزدق في هيأته فقال جرير:
لبست سلاحي والفرزدق لعبةٌ عليه وشاحاً كرج وجلاجلهْ
أعدوا مع الحلي الملاب فإنما جرير لكم بعل وأنتم حلائلهْ
فقال الفرزدق:
عجبت لراعي الضأن في حطميةٍ وفي الدرع عبد قد أصيبت مقاتلهْ
وما ألبسوه الدرع حتى تزيلتْ من الخزي دون الجلد منه مفاصلهْ
علي بن الجهم في أبي أحمد بن الرشيد:؟؟؟
يا أبا حمد لا ين ... جي من الشعر الفرارُ
لبني العباس أحلا ... مٌ عظامٌ ووقارُ
ولهم في الحرب إقدامٌ ورأيٌ واصطبارُ
ولهم ألسنةٌ تب ... ري كما تبري الشفارُ
ووجوهٌ كنجوم ال ... ليل تهدِي من يحارُ
ونسيم كنسيم الرْ ... روض جادته القطارُ
ولعطفيك عن المج ... د شماسٌ وازورار
إن تكن منهم بلا شك ... كٍ فللعود قتارُ
المساور بن هند العبسي:
ما سرني أن أمي من بني أسد وأن ربي ينجيني من النارِ
وأنهم زوجوني من بناتهم وأن لي كل يومً ألف دينارِ
نعمة بن عتاب التغلبي:
سموت ولم تكن أهلاً لتسمو ولكن دهرنا دهرُ انقلابِ
فضالة بن عبد الله الغنوي:
لئن أنت قد أعطيت خزاً تجرهُ تبدلته من فروة وإهابِ
فلا تيأسن أن تملك الناس إنني أرى أمةً قد آذنت بذهابِ
معن بن زائدة:
لا تيأسن من الخلافة بعدما خفق اللواء على ذؤابة حزقل
محمد بن بشير الخارجي:
أبى لك كسب الخير رأي مقصرٌ ونفس أضاق الله بالخير باعها
إذا هي حثته على الخير مرةً عصاها وإن همت بشر أطاعها
ونثبت ها هنا مقطعات في ذم القصار.
فمن ذلك قول أبي عثمان الناجم:
إن ابن عمار له قامة يطولها منقار فروجِ
ند إلينا دون أصحابه من ردم يأجوج ومأجوجِ
وله:
كأنه البرغوث لم يخطه في صغر الجثمان والقرصِ
وقال المصيصي:
تقطع دواجاً له سابغاً وريقة من ورق التوثِ
إني أراه في حشا أمه صور من نطفة برغوثِ
وقال أبو نواس:
بدت لنا في ثياب لبعتها تجر أثوابها لقلتها
وقال ابن الرومي:
قميئة الخلقة دحداحةٌ تطرحها القلة في المنسى
نكهتها تقتل جلاسها لقرب محشاها من المفسى
وقال:
قصيرة القامة دحداحة قامتها قامة فقاعهْ
تضل في السربال من قلة كصعوة في جوف قفاعهْ
وقال الناجم:
وقصير لا تعمل الش ... شمسُ ظلاً لقامتهْ
يعثر الناس في الطري ... ق به من دمامتهْ
وقال آخر:
أظن خليلي من تقارب شخصه يعض القراد باسته وهو قائمُ
وقال آخر:
وأقسم لو خرت من استك بيضةٌ لما انكسرت لقرب بعضك من بعضِ
ومما قيل في ذم النساء قول الشاعر:
أتوني بها قبل المحاق بليلةٍ فكان محاقاً كله ذلك الشهرُ
أما لك عمر إنما أنت حيةٌ إذا هي لم تقتل تعش آخر الدهرُ
ثلاثين حولاً لا أرى منك راحةً لهنك في الدنيا لباقيةُ العمر
شربت دماً إن لم أرعك بضرةٍ بعيدة مهوى القرطة طيبة النشر
وقال آخر:
رحلت أنيسة بالطلاق وعتقت من رق الوثاقِ
بانت فمل يألم لها قلبي ولم تبك المآقي
ودواء ما لا تشتهي ... ه النفس تعجيل الفراقِ
لو لم أرح بفراقها لأرحت نفسي بالإباقِ
وخصيت نفسي لا أري ... د حليلةً حتى التلاقي
وقال آخر:
لا تنكحن الدهر ما عشت أيماً مجربة قد مل مها وملتِ
تجود برجليها وتمنع درها وإن طلبت منها المودة هرتِ
وقال المتوكل الليثي:
ولا تنكحن الدهر إن كنت ناكحاً عشوزنة لم يبق إلا هريرها
تجود برجليها وتمنع مالها وإن غضبت راعَ الأسود زئيرها
إذا فرغت من أهل دار تبيرهم سمت سموةً أخرى لدارٍ تبيرها
وقال أعرابي:
يا رب صبرني على أم اللهمْ على جزور ذات سلح للقمْ
وهي إذا قلت كل قالت نعم كأنما تقذف في بحر خضم
سريعة السرط لحوسٌ للبرم قد هرمتني قبل أيام الهرمْ
من عالها فهو حري بالعدم
وقال الرحال:
فلا بارك الرحمن في عود أهلها عشيرة زفوها ولا فيك من بكر
ولا فرش ظوهرن من كل جانبٍ كأني ألوّي فوقهن على الجمرِ
ولا الزعفران حين مسحنها به ولا الحلي مها حين نيط إلى النحرِ
فيا ليت أن الذئب كان مكانها وإن كان ذا نابٍ حديدٍ وذا ظفر
وقال آخر:
جاريةٌ في جلدها سهكةٌ كأنها ملبسة جلد حوتْ
تحسبها للضعف من صوتها ذبابة في قبضة العنكبوتْ
وقال ابن المعتز يهجو زامرة:
قابلكم دهركم بزامرة تقدح في وجه كل سراءِ
فزبرطوا شدقها إذا نفختْ فذاك أولى بها من الناءِ
وقال دعبل:
إن ابن زبان له قينةٌ اربت على الشيطان في القبحِ
سوداء فوهاء لها شعرةٌ كأنها نمل على مسحِ
فلو بدت حاسرة في الضحى لاسود منها فلق الصبحِ
وقال أيضاً:
لا بارك الله في ليل يقربني إلى مضاجعةٍ كالدلك بالمسدِ
لقد لمست مُعراها فما وقعتْ مما لمست يدي إلا على وتدِ
من كل عضو لها عظمٌ تصك به جسم الضجيج فيضحي واهي الجسدِ
وقال أيضاً:
صدغاك قد شمطا ونحرك يابسٌ والصدر منك كجؤجؤ الطنبورِ
ينا من معانقها يبيت كأنه في محبسٍ قمل وفي ساجورِ
قبلتها فوجدت لذعة ريقها فوق اللسان كلدغة الزنبورِ
وقال آخر:
الاستُ رسحاء مشلول مناكبها كأن معلف شاةٍ في تراقيها
والثدي منها على الفخذين منسدل كأنه قربة قد سال ما فيها
وقال آخر:
أعوذ بالله من زلاء فاحشةٍ كأنما نيط ثوباها على عود
لا يمسك الحبل حقواها إذا انتطقت وفي الذنابى وفي العرقوبِ تحديد
وفي ضد ذلك: قول امرأة تزوجت بشيخ قصير:
أيا عجباً للخود يجري وشاحها تزف إلى شيخ من القوم تنبالِ
دعاها إليه أنه ذو قرابةٍ فويل الغواني من بني العم والخالِ
ولأخرى:
ومن صولة الأيام والدهر أن يرى غزال النقا في ذمة الظربانِ
وقالت حميدة بنت النعمان بن بشير:
وهل أنا إلا مهرة عربيةٌ سليلة أفراس تحللها بغلُ
فإن نتجت مهراً كريماً فبالحرى وإن يكُ إقرافٌ فما أنجب الفحلُ
هكذا يرويه من تجنب الأقواء، والرواية في قولها: فمن قبل الفحل.
وقد ذكرنا كلام امرأة عروة بن الورد في زوجها بعده فيما تقدم.
وهذه مقطعات من أهاجي شعراء عصرنا.
قال أبو منصور ابن الأصباغي:
قل للمغرب عن مواطنه إياك أن تأتي بني عوفٍ
قوم يموت الجار بينهم بالأنكدين الجوع والخوف
أبو تمام الدباس:
مات أبو حامد ومات جلال الد ... دين فاستحضر الهجا والمديحُ
كنت أهجو هذا وأمدح هذا فأنا اليوم خاطري مستريحُ
تعليقات