الجواس

 خَلِّه، تُنْضِ ليلَهُ الأَنْضاءُ ... فعَساه يَشفي جَواه الخُوَاءُ

ويُبِيد البَيْداء والعِيسَإِنّي ... مُشفقٌ أَنْ تُبيدَه البَيْداءُ

فقد استنجدتْ حَياه رُبا نَجْ ... د، وشامت بُروقه شَيْماء

وثَنَت نحوَه الثَّنِيَّةُ قلباً ... قُلَّباً، تستخفُّهُ الأَهواءُ

عاطفاتٍ إليه أَعطافَها، شَوْ ... قاً، كما تَلْفِتُ الطُّلَى الأَطلاءُ

دِمَنٌ دامَ لي بها اللهوُ حِيناً ... وصَفا لي فيها الهوى والهواءُ

وأَسرْت السَّرّاءَ فيها بقلب ... أَسَرَتْه من بَعدِها الضَّراءُ

فسقت عهدَها العِهادُ، ورَوَّت ... منه تلك النَّواديَ الأَنداءُ

وأَربَّتْ على الرُّبا من ثَراها ... ثَرَّةٌ، للرِّياض منها ثَراءُ

يستجمُّ الجُمام منها إذا ما ... نَزَح المُقْلَةَ البَكِيَّ البكاءُ

زمنٌ، كان لي عن الهَمّ هَمّ ... بالتَّصابي، وبالغَواني غَناءُ

ناضرٌكُلَّما تعطَّفتِ الأَع ... طافُ منه، تثنَّتِ الأَثْناءُ

وإِذا هَزَّت الكَعابُ كِعابَ ال ... خَطِّ، سَلَّتْ ظُبَى السَّيوفِ الظِّباءُ

في رياض، راضت خِلالَ جَلالَ ال ... دِّينِ أرواحهنَّ والصَّهْباءُ

شِيَمٌ، شامَها النَّسيمُ، فرَقَّت ... وجَفَتْ عن سموّها الأسماءُ

شابَ بالعُرْف عَرْفَهُنَّ، وقِدْماً ... خامر الخمرَ في الزُّجاجة ماءُ

ملك، خاطبَ الخُطوب برمز ... خَطُبَتْ من شِياته الفصحاءُ

وأمالَ الآمالَ عن كلّ حَيّ ... بعدَ أَنْ لم يكن لحَيّ رجاءُ

أَلْمَعِيٌّ، لو شامَ لامعَ أمر ... لأَرَتْه غروبَه الآراءُ

مُعرض العِرض عن عتاب، إِذا لم ... يَرُعِ الأروعَ الهِجانَ الهِجاءُ

لك من وجهه وكفَّيْه ماءا ... نِ: فهذا حَياً، وهذا حَياءُ

روَّض الأرضَ والنَّدِيَّ نَداه ... واعتفته الأَحياءُ والأَحياء

بِيَدٍ، أيّدت من الدَّهر ما انآ ... دَ، وكانت له اليدُ البيضاءُ

ويَراع، راعَ الذَّوابلَ بأساً ... ورعى المجدَ حين قلَّ الرِّعاءُ

كلَّما صلَّ، صالَ منه بِصّلٍ ... لا يُرَى للرُّقَى إليه ارتقاءُ

وإذا ماجَ ثُمَّ مَجَّ لُعاباً ... كان منه الشِّفاءُ والاشقاءُ

فعليه للسّائلين صِلاتٌ ... وعليه للصّائلينَ صِلاءُ

قد أصابوا لَدَيْه صَوْباً وصاباً ... فيهما راحةٌ لهم وعناءُ

ورَّثَته هَدْيَ الجدودِ جدودٌ ... ورَّثَتها آباءَها الآباءُ

معشرٌ، عاشروا الزَّمانَ ووَلَّوْا ... وعليه رِيٌّ بهم ورُواءُ

لو يُجارونَ جاريَ الغيثِ في الجو ... د، لمَا ناوَأَتْهُمُ الأَنواءُ

أنت صُنت العِراق إِذْ عَرَقَتْهُ ... بيَدَيْها مُلِمَّةٌ دَهْياءُ

وأَمامَ الإِمامِ قِدْماً تقدَّمْ ... تَ وأقدمتَ حينَ حانَ اللِقاءُ

بجِنانٍ، ما حَلَّ جَنْبَيْ جَبانٍ، ... واعتزامٍ، للموت فيه اعتزاءُ

أعربت عنه يَعْرُب و قُرَيْش ... واصطفته الملوكُ والخُلَفاءُ

باسطاً في ذرّا البسيطة جيشاً ... جاشَ منه صدرُ الفَضاءِ الفَضاءُ

نقع الجوَّ من جَواه بنَقْع ... نافسته على السًّموّ السَّماءُ

لم يَرِمْ عاريَ العَراء إلى أن ... نُشِرت منه في مَلاهُ المُلاءُ

كاد مَنْ كاده يَصُوب بِصَوْبٍ ... قَطْرُ أقطارِ دِيِمَتَيْه الدِّماءُ

يا أخا الجودِ والسَّماحِ، نِداءً ... فوقَ سَمْعِيهِ من نَداك نِداءُ

رائقاً، لا يُرِيقُ فيكم دمَ الأَمْ ... والِ، حتّى تحيا به العَليْاءُ

كلَّما هزَّه السَّماحُ، تثنَّى ... بين أثنائه عليه الثَّناءُ

مِن فتىً، فاتَ أقوم القوم بالقَوْ ... لِ، ودانت لفضله الفضلاءُ

حاز صَفْوَ الصّفات، فالعِلمُ منه ... عَلَمٌ، والذَّكاء فيه ذُكاءُ

لكُمُ منه ذِمَّة اللهِإِنَّ ال ... حمدَ والذَّمَّ من سِواه سَواءُ

مستقلٌّ للمال، لا يَجْتَدِيه ... إِنَّما همَّةُ العليِّ العَلاءُ

همّةٌ نالَها، الثُّرَيّا علوّاً ... واستوى عندَه الثَّرى والثَّراءُ

لم يَطُلْها طَوْلُ السَّحاب، ولا جا ... زَتْ بمجرى أفلاكِها الجَوْزاءُ

همَّةٌ، نازعت إليك، وفي ذا ... كَ دليلٌ بأنّها عَلْياءُ

عزَفَت عن بني الزَّمان، ورامَتْ ... ك، فهم داؤها، وأنت الدَّواءُ

كُلَّ يومٍ يؤُمُّها منك جودٌ ... أحقرُ الجودِ عندَه الإِجداءُ

أمطرَ العِزَّ ناشئاً ومَلِيئاً ... واستوى المالُ عنده والماءُ

تستميلُ الآمالُ عِطْفَيْه عَطْفاً ... ويهُزُّ الرَّجاءَ منه الرَّجاءُ

أنا ذاك الدّاني البعيدُ مقاماً ... ومقالاً إِن أُفحِم الخُطَباءُ

لا أرى الشِّعرَ لي شِعاراً إذا ما ا ... أخَذّتْهُ دَأباً لها الأدباءُ

هو عندي نقصٌ وإن كان فضلاً ... وكثيرٌ من البحور الغُثاءُ

وإذا أحكم الرِّجالُ مقالاً ... حكمت لي بسبقه الحكماءُ

وقليلُ النَّوالِ عندي كثيرٌ ... وهِباتُ الدُّنيا لَدَيَّ هَباءُ

وإذا كنتَ أنت ذُخريَ للأي ... امِ، هانت في عينيَ الأشياءُ

وجدير أَنّي أنالُ بك المج ... دَ، فما للغنى لَدَيَّ غَناءُ

ويميناً ألا مددتُ يميناً ... ما دجا الليلُ، واستنار الضّياءُ

غيرَ أنّي أغارُ للمجد أنْ لا ... تُدرِكَ المالَ غارةٌ شَعْواءُ

.

إليك، فما خَطْبِي بهَيْن من الأَمْرِ ... وعنك، فما فتكي ببِدْع من الإِمْرِ

لَبِئْسَ الفتى مَن يردَعُ البؤسُ بأسَهُ ... وغَمْرُ الرِّجال مَنْ يبيت على غِمْرِ

ألست حصَبْتَ القلب يومَ مُحَصَّبٍ ... وأوطأته ب الجَمْرَتَيْنِ على الجمرِ

شنَنْت عليه ب الغُوَيْر إِغارةً ... سنَنْت بها سَبْيَ النُّفوسِ إلى الحشرِ

وثنَّيْت في يوم الثَّنِيِّ بنظرة ... ثَنَت حِلمه لولا التَّمَسُّكُ بالصَّبْرِ

حوادث، تُسليني عن الهجر والنَّوَى ... وأبرحُ شيءٍ ما جنته يدُ الهجرِ

شكور على النُّعْمى، صبور على البَلا، ... ذلول على الحسنى، جموح على القسرِ

وعُدْنا إلى القُربى، وعُذْنا من القِلى، ... وعُجْنا عن العُتبى، ومِلْنا إلى العُذرِ

وما أنا بالسّالي الجَمُوحِ على الهوى ... ولا أنا بالغالي الطَّمُوحِ إلى الوِزْرِ

ومثليَ مَن هبَّتْ به أَرْيَحِيَّة ... إلى اللهو، لكنّي أَغارُ على الفخرِ

ولا أقتضي بردَ الرُّضاب، وإِنْ ورى ... شُواظَ الثَّنايا الغُرِّ في قلبيَ الغِرِّ

ولي في ظُبَيّات العَقِيق وحسنِها ... مآربُ أُخرى غيرُ نُكْدٍ ولا نُكْرِ

تذكّرني ألحاظُها وقُدودُها ... عِناقَ الصِّفاحِ البِيضِ والأَسَل السُّمْرِ

وتُلهمني ألفاظُها وعُقودها ... بنظم القوافي في معاليك والشّعرِ

إليك عزيزَ الدِّينِ قسراً تعَسَّفت ... بنا البِيدَ أَنْضاءٌ مِراحٌ على الضَّمْرِ

مردَّدة بين الجَدِيل و شَدْقَمٍ ... كرائم يبدي سرّها كرم النَّجْرِ

تطيرُ بأيدٍ، في الفضاء، خوافقٍ ... كما خفَقَت في الجوّ قادمِتا نَسْرِ

مَرَقْنَ بنا من أرض كُوفانَ بُدَّناً ... خِفافاً، تَبارَى في الأَزِمَّة والضَّفْرِ

ورُحْنَ عن الزَّوْراء زُوراً نَوافراً ... كما مَرَّتِ النَّكْباء بالبلد القَفْرِ

ونكَّبْنَ أعلام العِراق ضَوارباً ... بأخفافها ما بينَ شِجْنَةَ والقصرِ

تلاعب أيديها كَلالاً، كأنَّها ... كواسرُ طيرٍ، رائحات إلى وَكزِ

تَتَبَّعُ آثار المكارم، مثلَما ... تَتَبَّعُ رُوّادُ الحَيا أثَرَ القَطْرِ

إلى أن أنَخْناها بعَرْصَة ماجدٍ ... أخي يَقَظات، لا ينامُ على وِتْرِ

طليقِ الغنى والوجه والكفّ والنَّدَى ... رَحيبِ الحِمى والحِلم والباع والصَّدْرِ

وَصُولٍ قَطُوعٍ، باسمٍ باسرٍ، نَدٍ ... صَليبٍ، مُبيحٍ مانعٍ، سَهِلٍ وَعْرِ

رقيقِ حواشي الحِلم، يعدو على الغِنى ... إذا ما سألناه، ويُعدِي على الفَقرِ

بكيدٍ خفّيٍ، حُوَّلِ الرّأيِ قلَّبٍ ... يروح على سرّ، ويغدو على جهرِ

وخَطْبٍ كجري السَّيْل، نَهْنَهْت غَرْبَه ... بعزمي، وأسبابُ القضاء به تجري

دعوت له وُدَّ الأخِلاّء مرّةً ... وبأسَ الكُماة الصِّيد والعَدَد الدَّثْرِ

فلمّا أبى نصري الزَّمان وأهلُه ... دعوت، على رُغْم الزَّمانِ، أبا نصرِ

دعوت فتى، لم يُسْلمِ الدَّهْرَ جارَه ... ولا رمَقَ الأضيافَ بالنّظر الشَّزْرِ

ولا حكَمت في قلبه سَوْرَة الهوى ... ولا رنّحت من عِطْفه نشوة الكِبرِ

يروح ويغدو عند الجارُ آمناً ... وتُمسي خطوبُ الدَّهر منه على ذُعْرِ

إذا انقبضت فوقَ اليَراعِ بَنانُه ... أرتك انبساطَ الجُودِ في سَعَة الوَفْرِ

بَنانٌإذا جالت على الطَّرس، خِلْتَها ... بُحوراً ومُزناً جُدْنَ بالدُّرّ والدَّرِّ

وما أنت إلا الشَّمسُ، تبسطُ نورَهانهاراً، وتُلقيه ظلاماً على البدر

وكم ليَ في عَلْياك غُرَّة مدحة ... تَكَشَّفُ عن أوضاحها بُهَمُ الفكرِ

غرائبلو يُلْقَى الظَّلامُ بذكرها، ... لأَغنت قوافيها عن الأنجم الزُّهْرِ

ولو فُصِّلت بالدُّرّ غُرُّ عقودِها ... وخُيِّرْت، لاخترت القَريض إلى الدُّرِ

ومثليَ من أهدى لمثلك مثلَها ... فإِنّي رأيتُ الحمد أنْفَسَ للذُّخْرِ

.

إِلامَ تَلَقّانا النَّوَى بعِنادِ؟ ... وترمي الليالي قُربنا بِبِعادِ؟

وحَتّامَ يَقضي البينُ فيَّ مرادَه ... وتمنَعُني الأيّامُ كلَّ مُرادِ؟

وما أشتكي إلا فراقَك، إِنَّه ... وَهَى جَلَدي عنه وقلَّ جِلادي

ومثلُك مَن يَشْجَى الخليلُ ببَيْنِه ... وأكثرُ إخوانِ الزَّمان أعادي

وأنت الفتى كلُّ الفتى، لا مضيِّعٌ ... لعهد، ولا ناسٍ لحفظ وِدادِ

ولا شامخٌ إن زادك الدَّهرُ رتبةً ... ولا ضاربٌ دونَ النَّدَى بسِدادِ

كريمٌ وأخلاقُ الزَّمانِ لئيمةٌ ... رَوِيٌّ وأخلافُ الغَمامِ صوادي

وإن هاجك الأعداءُ، أو هزَّك النَّدَى ... فأيّ حَيا نادٍ، وحَيَّةِ وادِ

.

يا مَنْ ترى الغيب فينا أَلْمَعِيَّتُهُ ... فالبعدُ في وَهْمه أدنى من الكَثَبِ

أما رأيت يدَ الدَّهْماء قاصرةً ... قد ناوشتْها فنالتها يدُ العَطَبِ

كأنّما يَدُها، عن رجلها خلَف، ... فكلَّما أقدمت، عادت على العَقِبِ

فما تَسير ببَرْحٍ غيرِ منقلِب ... فسيرُها راجع في كلّ منقَلَبِ

حتّى إذا هملجتْ بالقوم خيلُهُمُ ... عدلت عجزاً إلى التَّقريب والخَبَبِ

سارت بهم أنجم تنقضُّ مسرعةً ... وسار تحتيَ ليل العاشق الوَصبِ

فجُدْ بأشهبَ، مثلِ النّجم مُتَّقداً ... أو أشقرٍ، كأُوار النّار، ملتهبِ

أو أحمرٍ، كارعٍ في ماء غُرَّته ... كأنَّ كُمْتَتَهُ الإحراقُ في الذَّهَبِ

يبدو فيَكسِفُ من أنوار شُهْبِهِمُ ... والشَّمسُ إِن طلَعت غطَّت على الشُّهُبِ

مُجَنَّسٍ، مُعْلَمِ الجَدَّيْنِ، مفترع ... عالي المَناسِب بين التُّرْك و العربِ

لا خالصٍ عربيٍّ في أَرُومَتِهِ ... ولا بليدٍ، لئيمِ النَّجْرِ، مُؤْتَشِبِ

قد أخلصته بنو ذُهْل، وهذَّبه ... أبناءُ ساسانَ، فاستولى على الأدبِ

تظَلُّ في حسنه الأبصارُ حائرةً ... فليس ينفكّ من عُجْب ومن عَجبِ

يَزِين راكبه يوماً ومهديه ... كالرّوض يُثني على الأَنواء والسُّحًبِ

هذا الجوادُ، الَّذي مَنَّ الجواد به، ... فافخَرْ بما شئت من مجد ومن حسبِ

الكوفي:

وشادِنٍ، في الشّرب قد اُشرِبت ... وَجْنَتُه ما مَجَّ راوُوقُهُ

ما شُبِهّت يوماً أبارِيقُهُ ... بريِقه، إلا أبى رِيقُهُ

وقال لي الشريف الجليل: وله في عمك العزيز، رحمه الله تعالى، قصيدة، منها:

إذا هاجه الأعداء، أو هزَّه النَّدَى ... فأيُّ حَيا نادٍ، وحيَّة وادِ

وله في التجنيس، من قصيدة:

في جَحْفَل متعاضد متعاقد ... في قَسْطَل متراكب متراكمِ

ورأى العلى بلحاظ عاشٍ عاشقٍ ... ورمى العدا بشُوّاظ غاشٍ غاشمِ

وله:

يدٌ، لو تُباريها الرِّياحُ لغاية ... لَبَذَّ نسيمَ العاصفاتِ وَئيدُها

إذا ما غَوادي المُزنِ أخلف جَوْدُها ... وصوَّحَ نبتُ الأرضِ، أخلف جُودُها

ومنها:

كتائبُ، لكنَّ الرَّزايا نِبالُها. ... كواكبُ، لكنّ العطايا سُعودُها

وله:

محمّد و دُبَيْس أوْرَيا لهما ... زَنْدَ المَنوُنِ، ونَقْعُ الليلِ معتكرُ

برأي هذا وغيبُ الخَطْب مشتبه ... وبأسِ ذاك وغاب الخَطِّ مشتجرُ

غدا عليهم وفي قلب الوَغَى غَرَرٌ ... وراح عنهم وفي وجه العلى غُرَرُ

.

لقد هدَّ ركن الأرض فَقْدُ ابن أحمدٍ ... وهيهاتَ ما خَلقٌ عليها بخالدِ

وما تُخْلف الأيّامُ مثلَ ابن أحمد ... على النّاس، إلا أن يكونَ ابن حامد

وهَبْنِيَ طال الدَّهرُ واعتضتُ غيرَه ... أليس من المعروف نشرُ المحامدِ

وأنشدني أيضاً لوالده، في التجنيس:

قالوا: نرى قوتة مصفَّرة، ... وما دَرَوْا ما بك يا قُوتَهْ

قد كنت بالأمس لنا دُرَّةً ... فصِرتِ فينا اليومَ ياقُوتَهْ

أنتِ حياةُ القلب، بل قُوتُه ... فكيف يسلو عنكِ يا قُوتَهْ

وأنشدني لوالده أيضاً:

ورُبَّ إِشارةٍ عُدَّت كلاماً ... وصوتٍ لا يُعَدّ من الكلامِ

وأنشدني له أيضاً:

لَئِن بسَطَ الزَّمانُ يَدَيْ لئيمٍ ... فصبراً للذَّي صنَعَ الزَّمانُ

فكم في الأرض من عبدٍ هَجِينٍ ... يقبِّل كفَّه حُرٌّ هِجانُ

وقد يعلو على الرّأس الذُّنابى ... كما يعلو على النّار الدُّخَانُ

وأنشدني لوالده أيضاً:

لَئِن غدوتُ مقيماً في رُبوعكمُ ... وقد دعتني رُبوعُ المجد والشَّرَفِ

فالماءُ في حجر، والتِّبْرُ في تُرُب، ... والبدرُ في سَدَف، والدُّرُّ في صَدَفِ

وله:

ولقد نظَرت إلى الزَّمان بمُقْلَة ... نظري إلى أهل الزَّمان قَذاتُها

وعجِبت من أكل الحوادث للورى ... وهمُ بنو الدُّنيا، وهُنَّ بناتُها

تنشو جُسومُهمُ بلحم أخيهِمُ ... مثل الرِّئال: غِذاؤها أخواتها

أبو العز نصر بن محمد بن مبادر النحوي النيلي ذكره السمعاني وقال: كان شيخاً فاضلاً، عارفاً بالنحو واللغة.

وأنشدني لنفسه على باب داره ب النيل:

هل الوَجدُ إلا أن ترى العين منزلا ... تحمَّملَ عنه أهلُه فتبدَّلا؟

عَقَلْنا به غُزْرَ الدُّموعِ، وطالما ... عهِدناه للغِيد الأَوانس مُعْقِلا

إذا نحن أَلمْمَنْا له، انبعث الجَوى ... يحمّلنا داءً من الهمّ مُعْضِلا

أقول لمسلوب الجَلادة، لم يَقُلْ: ... خلا قلبُه من لاعج الشَّوْق، أولا:

أظُنّك لو أشرفت ب النِّيل مائلا ... على سُبُل، أضحى بها الدّمع مُسْبَلا

وآنست من آثار آل مُعَيَّة ... معاهدَ، كانت للمكارم منزلا،

لأَلْفيتَ ما بين الجوانح والحَشا ... فؤاداً، بأسباب الغرام موكَّلا

وغاديتَ يوماً بالكآبة أَيْوَماً، ... وساريتَ ليلاً بالصَّبابة أَلْيَلا

ألا أيُّها اللاحي على ما أُجِنُّه ... هل أنْتَ مُعيِرِي ناظراً متأمِّلا؟

أُريك محلاً، ما أحاطت رُبوعُه ... من القوم إلا مُفْضِلاً أو مُفَضَّلا

من الفاطميّين الَّذينَ وَلاؤهم ... عُراً لذوي التَّقْوى، نَجاءً ومَوْئِلا

إلى الحسن، بن المصطفى طوَّحَتْ بهم ... عُلىً، شرُفت من أن تقاس بها عُلَى

وأحوى حَوَى رِقَي برِقَّةِ لفظهِ ... وغادَرَني إِلْفَ السُّهادِ بغَدْرِهِ

تصدًَّى لِقتلي بالصُّدودِ وإِنَّني ... لَفي أسْرِه مُذْ حازَ قلبي بأَسْرهِ

أُصدّقُ منه الزُّورَ خوفَ ازْوِرارِه ... وَأَرضَى استماعَ الهُجْرِ خِيفةَ هَجْرهِ

وأستعذبُ التّعذيبَ منه وكُلَّما ... أَجَدَّ عذابي جَدَّ بي حُبُّ بِرّهِ

تناسى ذِمامي والتَّناسي مَذَمَّةٌ ... وَأحْفَظَ قلبي وهو حافظُ سِرّهِ

له منّيَ المدحُ الّذي طابَ نَشْرُهْ ... ولي منه طَيُّ الُودِّ من بعدِ نَشرهِ

ولولا تَثنّيهِ ثَنَيْتُ أَعِنَّتي ... بِداراً إلى مَنْ أجتلي نورَ بدرهِ

وإِنّي على تصريف أمري وأمره ... أَرى المُرَّ حُلْواً في انقيادي لأمرِهِ

طَيْف أَلَمَّ به وَهنْأ فأحياهُ ... لمَا حَباه برَؤياه ورَيّاهُ

سرى إليه يُسَرِّي الهَمَّ عنه فما ... أَسَرَّهُ عندَ مَسْراه وأسراهُ

أَعَجِبْ به كيف وافَى غيرَ محتشِمٍ ... ومَنْ هداه وَأهداه وهدّاهُ

من بعدِ ما كان عَنَّى المُسْتَهامَ به ... حتّى استهلَّتْ لمِا عاناه عيناهُ

ظبيٌّ له مُرُّ إِدلالٍ يقبِّحْهُ ... وإِنّما الحسنُ جَلاه وحَلاهُ

أزورُه وَهْوَ مُزوَرٌّ وأَنصَحُه ... ويستريبُ وأغشاهُ وأخشاهُ

في كلّ يومٍ له إِضرامُ مَلْحَمة ... يَصْلَى بها مَنْ تولاه ومالاهُ

حُسامُه حين يسطو لَحْظُ مُقْلَتِهِ ... لكنّ صارِمَه جَفْناه جَفْناهُ

وزُجُّه يومَ يبدو الطَّعن مُسْتَعِراً ... أَزَجُّهُ وقَناه فيه أَقناهُ

يرعى القلوبَ ولا يرعى لِعاشقه ... ولو أَلَبَّ بمغَنْاه وَأغناهُ

وقَلَّما لاحظَ المعشوق عهد هَوىً ... وإِنْ أخو الوجدِ واتاه وآتاهُ

وعُذَّلٍ فيه لي لو أَنَّهُم نظَرُوا ... وكيف زانَ اللَمى فيه لمَا فاهوا

فقلت لا تَعْذُ لوا فيمن تغضُّبُه ... يُردي المحبَّ ولو حَيّاهْ أَحيْاهُ

لو حاوَرَ الفَطِنَ النِّحْريرَ حارَ له ... ولاحَ للصّخر خَدّاه لَخَدّاهُ

وعيشِه وَهْوَ في شرع الهوى قَسَم ... إِنّي على بُعد مَهْواهُ لأَهْوَاهُ

ويزدهيني تَزاهي وَرْدِ وَجْنَتِه ... وإِنْ حمانيَ مَجْناه ومَجْلاهُ

وكم تعرَّضَ للقلب المعذَّب من ... مستعذَب الدَّلّ لَوْلاهُ لَوَالاهُ

يا صاحِبَيَّ انْهَدا بي نحوَ معهدِه ... فالقلبُ صَبٌّ بمَرْآهُ ومَرْعاهُ

واستخبِراهُ بلطف مَنْ أَباح له ... نقضَ العهودِ وأقساهُ وأقصاهُ

واستعطِفاهُ لِمَتْبُولِ الفؤادِ لَقىً ... عساه يُنعِش مُلْقاه بمَلْقاهُ

فإِنْ سختْ لي يداه فاشكُرا يدَهُ ... وإِنْ سَطَتْ بيَ كَفّاه فكُفّاهُ

واستصرِخا بنصيرِ الدّين تعتلقا ... من الذِّمام بأَوْفاهُ وَأوْفاهُ

هو المُجيبُ دْعَا الدّاعي فكم أَمَلٍ ... نادى نَداهُ فأنضاهُ وأمضاهُ

وكم إليه لَجا من دهره وَجِلٌ ... فعَمَّهُ الأَمْنُ إِذْ أَلْجاه والْجاهُ

طَوْدٌ أَشَمُّ فأَمّا حِينَ تسألُه ... فما أَرَقَّ مُحَيّاهُ وَأحيْاهُ

يُعطيك عفواً هنيئاً إِنْ هفوتَ وإنْ ... جشَّمَتَهُ الصَّعبَ سَنَّاهُ وَأسْناهُ

لا بالضَّجُورِ إذا طافَ الوفودُ به ... ولا الضَّنِينِ بجَدْواهُ وعَدْواهُ

قد جَرَّبَتْ يُمْنَ يُمْناه العُفاةُ كما ... تعوَّدت يُسْرَ يُسْراهُ أَساراهُ

وسائلٍ ليَ عن مَغْناه قلتُ له ... قولاً يحِقّقُ عن مَغناه مَعْناهُ

هو النُّضَارُ المُصَفَّى سِرُّ جوهرِه ... والنّاسُ من بعدُ أَشباهٌ وأَشباهُ

قَيْلٌ علا قُلَّةَ العلياء منفرداً ... من الفخار بأَسْماهُ وسِيماهُ

لو عاش يحيى أو الفضلُ ابنهُ وبَغَى ... محلَّه لَتَخطّاهُ وخَطّاهُ

مؤيَّدُ الرَّأيِ والرّاياتِ معتضِدٌ ... باليُمْن والنَّجْحُ مغْزاه ومَغْزاهُ

مُغْرىً بنُصرة دينِ اللهِ منتدبٌ ... لِوَقْمِ مَنْ كان ناواهُ وقاواهُ

توطَّدَ الملكُ إِذْ وُلِيّ إِيالتَهُ ... واستبشرت حينَ راعاه رَعاياهُ

وقامَ بالأمر مُذْ نِيطت عُراه به ... قيامَ مضطلعٍ قَوّاهُ تقواهُ


وأذعنَ العدلُ حتّى أَمَّ مذهبَه ... مَنْ كان قِدماً تعدّاه وعاداهُ

وجدَّدَ الجودَ حتَى لاحَ مَعْلَمُهُ ... للمُجْتَدِينَ وطَرّاه وَأطْراهُ

فالدِّينُ والملكُ والأَقوامُ قاطبةً ... راضونَ عن سعيه واللهِ واللهُ

سعدَ الملوكِ استمعْ مدحاً أُتِيتَ به ... من خادمِ لك أنشاه ووَشّاهُ

يُثني عليك وقد حَفَّتْ لُهاكَ به ... ثناءَ راضٍ بما أولاه مولاهُ

ولو خلا فكرُه ممّا تَوَزَّعَهُ ... أهدى من الشِّعر أَعلاه وأَغلاهُ

لكِنّ خاطرّهُ المشدوهَ بَلْبَلَهُ ... صَرْفُ الزَّمانِ وَأَصْداه وَأصْداهُ

وأنت أنت فغَفْراً إِن عثَرتَ على ... عيب فذو الفضل ما استَوْراه واراهُ

ورُبَّ نُعماك عندي فالكريم إِذا ... ما أُودِعَ العُرْفَ والاهُ ووالاهُ

واشدُدْ يداً بِسديدِ الحضرة اليَقُظِ الْ ... أَمين فيما تولاه وولاهُ

فاقَ الرّجالَ بأخلاق مهذَّبة ... وفاتَ مَنْ كانَ جاراه وباراه

ودانَ بالنُّصح حتّى لا خَفاءَ بما ... أخفاه منه وأبداهُ وَأدّاهُ

وكافِهِ منك بالحُسْنَى فمَنْ خَبَرَ الْ ... كافي المُناصِحَ واستَكْفاه كافاه

ودُمْ مَنيعَ الحِمى مستمتعاً أبداً ... من النَّعيم بأَصْفاهُ وَأضْفاهُ

ما أَمَّ وجِهةَ بيتِ الله معتمِرٌ ... يمحو بخَطْوِ مَطاياه خَطاياهُ

وله:

كم ظِباءٍ بحاجِرِ ... فتَنَت بالمَحاجِرِ

ونفوسٍ نفائِسٍ ... جُذِرتْ لِلْجَآذِرِ

وشُجونٍ تظافرتْ ... عندَ كشفِ الظَّفائرِ

وتَثَنٍّ لخاطرٍ ... هاجَ وَجْداً بخاطري

وعِذارٍ لأَجله ... عاذِلي صارَ عاذِري

وشَطاطٍ لأجله ... شَطَّ إِدلالُ هاجِري

وقوله:

رِئمٌ برامَةَ قد أقام قيامتي ... بقَوامه واقتادَني بِزمامِهِ

لولا احْوِرارُ جُفونِه ما حارَ لي ... لُبٌّ ولا بَلْبَلْتُهُ بمَرامهِ

يَزْوَرُّ خوفَ رقيبهِ وقريبهِ ... من أَنْ يُحَيِّيَ مُسْلِماً بسلامهِ

ولو أنَّه حَيّا لأَحَيْا مُهْجَتي ... وَأسا كُلومَ حُشاشَتِي بكلامهِ

فبليَّتي من عينِه وعيوينه ... وشِكايتي من قومه وقَوامهِ

وله:

أودعَ القلبَ بَلابِلْ ... رَشَأٌ من أرض بابِلْ

عدَلَ الحسنُ عليه ... وَهْوَ عن عدليّ عادِلْ

غادرٌ غادَرَ دمعي ... مُهْمَلاً في الخدّ هامِلْ

طال فيه اللَوْمُ والسُّؤْ ... مُ ولم أَحْظَ بطائلْ

كلَّ يومٍ هو صائلْ ... بالغَدايا والأَصائلْ

ومُدِلٌّ بتَجَنّ ... مالَه فيه دلائلْ

فاسْلُ عمّن هو سائِلْ ... عن غِيلاً للغَوائلْ

أيُّ نفعٍ بوِصالٍ ... من جميلٍ لا يُجامِلْ

الحصكفي

أَلَبَّ داعي الهوى وَهْنَاً فلَبّاها ... قلبٌ أتاها ولولا ذِكرُها تاها

تَلَتْ علينا ثناياها سُطورَ هوىً ... لم نَنْسَها مُذْ وَعَيْناها وَعَيْناها

وعَرَّفْتنا معانيها التي بَهَرَتْ ... سُبْلَ الغرام فَهِمْنا إذ فَهِمْناها

عِفْتُ الأَثام وما تحت اللِّثامِ لها ... وما اسْتَبَحْتُ حِماها بل حُمَيّاها

يا طالبَ الحُبّ مَهْلاً إنّ مَطْلَبه ... يُنسي بأكثره اللاهي به اللهَ

ولا تَمَنَّ أُموراً غِبُّها عَطَبٌ ... فَرُبَّ نفسٍ مُناها في مَناياها

فَأَنْفَعُ العُدَد التقوى وأرْفَعُها ... لأَنْفُسٍ إن وَضَعْناها أَضَعْناها

أَطِعِ الهوى فالعقلُ خازٍ خازمُ ... والجهل يُغري وهو هازٍ هازمُ

الخازي السائس القاهر، يقال خزاه إذا ساسه وقهره، وأما أخزاه بالألف فهو من الخزي.

واعْملْ فحرفُ الشَّرط صُنعُك والرَّدى ... عنه جوابٌ وهو جازٍ جازمُ

المعنى أن الموت جواب الشرط، والشرط هو العمل، وحروف الجزاء تجزم، فكذلك الموت يجزم المستقبل.

وإذا عَلَوْتَ فَواصِ بالعلمِ العُلى ... تَكْمُل فخيرُ القومِ عالٍ عالمُ

واصِ بمعنى واصِل، واصاه أي واصله.

وابْسُط يَدَيْك فإنّ قابض كَفِّه ... في بَسْطَةِ الإثْراءِ عادٍ عادِمُ

واكتُمْ نوالك فالكريم نوالُه ... غَيثٌ وجُنْحُ الليلِ ساجٍ ساجمُ

معناه كن كالغيث الساجم ليلاً فهو يُغني ولا يرى:

وإذا شَكَوْتَ إلى امرئٍ وَشَكَمْتَه ... كَرِهَ الندى لا كان شاكٍ شاكمُ

شكمته أعطيته، والشَّكم العطاء.

واسْلُ الدَّنايا تَسْلَمِ العُقْبى غداً ... في مَنْزِلَيْك، فكلُّ سالٍ سالمُ

يا ساخِط الأقْسام يَأْمُلُ رزقةً ... يَرْضَى بها والدهر قاسٍ قاسمُ

اِقْنَعْ بجِيدٍ عاطلٍ وانْظِم له ... عِقْدَ الصَّلاحِ فكلُّ حالٍ حالمُ

من الحلُم وهو ما يراه النائم.

كم من فتىً جَعَلَ القناعة جُنَّةً ... دون المطامع فهو غانٍ غانمُ

وارفَعْ مَنارَ المُهتدي بك لا كمن ... يُولي ويُلْوي فهو هادٍ هادمُ

والهجو لا تَهْجُم على عِرْضٍ به ... سَفَهَاً فشَرُّ الناسِ هاجٍ هاجمُ

ترجو وترُجم غيرَ غافِرِ زَلَّةٍ ... بِئسَ الفتى يا صاحِ راجٍ راجمُ

أي شاتم من قوله تعالى: لأَرْجُمَنَّك أي لأشتُمنَّك.

حَسْبُ الظَّلوم على ذَميم مآلِه ... باللؤم فهو بكلّ نادٍ نادمُ

وإذا المُفيضُ دعا القِداح فإنّما ... سَهْمُ المُسالم وهو ناجٍ ناجمُ

المعنى أن طالب المسألة ينجو، وسهم الناجم أي الظاهر، والمفيض الذي يُجيل السهام.

وإذا وَقَيْتَ أخاك لم أرَ سُبَّةً ... وَقْمَ العِدى والشهمُ واقٍ واقمُ

كُن كالحُسامِ كَلا الرَّفيقَ وحَدُّه ... للضِّدِّ كَلْمٌ فهو كالٍ كالمُ

تُخُطي الحظوظُ ذوي النُّهى وينالُها ... فَدْمٌ من الخَيرات عارٍ عارمُ

والدهرُ يَحْكِي ثم يَحْكُم بعدما ... يُلْقي المَعاذر فهو حاكٍ حاكمُ

ونعى إليك العيشُ نفسَك خادِعاً ... لك بالنعومةِ فهو ناعٍ ناعمُ

فالغُفْل عند الخوف مُغْفٍ مُغْفِلٌ ... والجَلْدُ عند الأمن حازٍ حازمُ

.

يا خليليّ خلّياني ووجدي ... فملام العَذول ما ليس يُجْدي

ودعاني فقد دعاني إلى الحك ... م غَريم الغَرام للدّين عندي

فعساه يرِقُّ إذ ملك الرقّ ... بنقدٍ من وصَلْه أَو بوعد

ثمّ من ذا يُجيرُ منه إذا جا ... رَ ومن ذا على تَعدّيه يعدي

(لَئِن أصبَحت مَنبُوذًا … بأطراف خُراسان)

(ومجفوا نبت عَن لَذَّة … التغميض أجفاني)

(ومحمولا على الصعبة … من إعْراض سلطاني)

(ومخصوصا بحرمان … من الأعْيان أعياني)

(وصرف عِنْد شكواي … من الآذان آذانِي)

(ومكلوما بأظفار … ومكدوما بأسنان)

(وملقى بَين أخْفاف … وأظلاف توطاني)

(كَأن القَصْد من أحْداث … أزماني إزماني)

(فكم مارست فِي إصْلاح … شاني ما ترى شاني)

(وعاينت خطوبا جرعتني … ماء خطبان)

(أفادت شيب فودي … وأفنت نور أفناني)

(أغصتني بأرياقي … لَدى إيراق أغصاني)

(وقادتني إلى من هُوَ … عني عطفه ثانِي)

(سوى أنِّي أرى فِي الفضل … فَردا لَيْسَ لي ثانِي)

(كَأن البخت إذْ كشف … عني كانَ غطاني)

(وما خلاني إلّا … زَمانا فِيهِ خلاني)

(سأسترفد صبرى إنَّه … من خير أعواني)

٤ ‏(وأستنجد عزمي إنَّه … والحزم سيان)

(وأنضو الهم عَن قلبِي … وإن أنضيت جثماني)

(وأنجو بنجاتي إن … قَضاء الله نجاني)

(إلى أرضي الَّتِي أرْضى … وترضيني وترضاني)

(إلى أرض جناها من … جنى جنَّة رضوان)

(هَواء كهوى النَّفس … تصافاه صفيان)

(رخاء كرخاء شرد … الشدَّة عَن عاني)

(وماء مثل قلب الصب … قد ريع بهجران)

(رَفِيق الآل كالآل … وفِيه أمن إيمان)

(وترب هُوَ والمسك … لَدى التَّشْبِيه تربان)

(فَإن سلمني الله … وبالصنع تولاني)

(وأولاني خلاصا جامعا … شملي بخلصاني)

(وأرآني أودائي … وآواني لإيواني)

(وأوطأني أوطاني … وأعْطانِي أعْطانِي)

(وأخلى ذرعي الدَّهْر … وخلاني وخلاني)

(فَإنِّي لا أجد العود … ما عاد الجديدان)

(إلى الغربة حَتّى تغرب … الشَّمْس بشروان)

(فَإن عدت لَها يَوْمًا … فسجاني سجاني)

(وللكوت الوحى الأحْمَر … القاني ألقاني) /

أرْدَتِ الصَّبرَ غادةٌ، وجْنتاها … لي ورْدٌ، وثغرُها لي وِرْدُ

كالقَضيب الرَّطيب حينَ تَصَدّى … والقضيبِ الرَّطيبِ حينَ تَصُدُّ

تتجنّى إذا جَنَتْ، وتَعَدّى … ثمَّ تنسى ذنوبَها وتَعُدُّ

ذلَّ قلبي، وقلَّ صحبيَ، إنْ لم … يُمْسِ سهمي وهْوَ الأسدُّ الأشَدُّ

ليس يَحْظى بصحبتي ووفائي … من رِفاقي إلاّ المُغِذُّ المُعِدُّ

ونجيبٌ، كأنّه في ظهور الن … جْب، من شدّة التوقُّد وقْدُ

أرى الدهر أغنى خطبه عن خطابه ... بوعظ شفى ألبابنا بلبابه

وجرد سيفا في ذباب مطامع ... تهافت فيها وهي فوق ذبابه

له قلب تهدي القلوب صواديا ... إليها وتعمى عن وشيك انقلابه

هو الليث إلا أنه وهو خادر ... سطا فأغاب الليث عن أنس غابه

إذا جال أنساك الرجال بظفره ... وإن صال أنساك النصال بنابه

فكم من عروش ثلها بشبوبه ... وكم من جيوش فلها بشبابه

ومن أمم ما أوزعت شكر عذبه ... فصب عليها الله سوط عذابه

وأشهد لم تسلم حلاوة شهده ... لصاب إليه من مرارة صابه

مبيد مباديه تغر، وإنما ... عواقبه مختومة بعقابه

ألم تر من ساس الممالك قادرا ... وسارت ملوك الأرض تحت ركابه

ودانت له الدنيا وكادت تجله ... على شهبها لولا خمود شهابه

أليس أتاه كالأتي حمامه ... وفاجأه ما لم يكن في حسابه

ولم يخش من أعوانه وعيونه ... ولا ارتاع من حجابه وحجابه

لقد أسلمته حصنه وحصونه ... غداة غدا عن كسبه باكتسابه

فلا فضة أنجته عند انقضاضه ... ولا ذهب أنجاه عند ذهابه

فحلت شمال الحين تأليف شمله ... وعفت جنوب البين إلف جنابه

وغودر شلوا في الضريح ملحبا ... وحيدا إلى يوم المآب لما به

يترجم عنه بالفناء فناؤه ... وما أوحشت من سوحه ورحابه

وعرج على الغض الشباب برمسه ... وسائله عن صنع الثرى بشبابه

ففي صمته تحت الجيوب إشارة ... تجيب بما يغني الفتى عن جوابه

سلا شخصه وراثه بتراثه ... وأفرده أترابه في ترابه

وأعجب من دهري، وعجب ذوي الفنا ... لعمرك فيه من عجيب عجابه

وحتى متى عتبي عليه ولم يزل ... يزيد أذى من زاده في عتابه

إذا كنت لا أخشى زئير سباعه ... فحتام يغري بي نبيح كلابه

يناصبني من لا تزيد شهادة ... عليه سوى بغضي بلؤم نصابه

إذا اغتابني فاشكره عني فإنما ... يقرظ مثلي مثله باغتيابه

ويرتاب بالفضل الذي غمر الورى ... وفي بعضه لو شئت كشف ارتيابه

وينحس شعري إن دبغت إهابه بهجوي فقد نزهته عن اهابه

تبا لطالب دنيا ... ثنى إليها انصبابه

ما يستفيق غراما ... بها وفرط صبابه

ولو درى لكفاه ... مما يروم صبابه

ونديم محضته صدق ودي ... إذ توهمته صديقا حميما

ثم أوليته قطيعة قال ... حين ألفيته صديدا حميما

خلته قبل أن يجرب إلفا ... ذا ذمام فبان جلفا ذميما

وتخيرته كليما فأمسى ... منه قلبي بما جناه كليما

وتظنيته معينا رحيما ... فتبينته لعينا رجيما

وتراءيته مريدا فجلى ... عنه سبكي له مريدا لئيما

وتوسمت أن يهب نسيما ... فأبى أن يهب إلا سموما

بت من لسعه الذي أعجز الرا ... قي سليما وبات مني سليما

وبدا نهجه غداة افترقنا ... مستقيما والجسم مني سقيما

لم يكن رائعا خصيبا ولكن ... كان بالشر رائعا لي خصيما

قلت لما بلوته ليته كا ... ن عديما ولم يكن لي نديما

بغض الصبح حين نم الى قل ... بي لأن الصباح يلفى نموما

ودعاني الى هوى الليل إذ كا ... ن سواد الدجى رقيبا كتوما

وكفى من يشي ولو فاه بالصد ... ق أثاما فيما أتاه ولوما

لعمرك ما تغني المغاني ولا الغنى ... إذا سكن المثري الثرى وثوى به

فجد في مراضي الله بالمال راضيا ... بما تقتني من أجره وثوابه

وبادر به صرف الزمان فإنه ... بمخلبه الأشغى يغول ونابه

ولا تأمن الدهر الخؤون ومكره ... فكم خامل أخنى عليه ونابه

وعاص هوى النفس الذي ما أطاعه ... أخو ضلة إلا هوى من عقابه

وحافظ على تقوى الإله وخوفه ... لتنجو مما يتقى من عقابه

ولا تله عن تذكار ذنبك وابكه ... بدمع يضاهي المزن حال مصابه

ومثل لعينيك الحمام ووقعه ... وروعة ملقاه ومطعم صابه

وإن قصارى منزل الحي حفرة ... سينزلها مستنزلا عن قبابه

فواها لعبد ساءه سوء فعله ... وأبدى التلافي قبل إغلاق بابه

أراني اليوم للأحباب شاكٍ ... وقدما كنت للأحباب شاكر

وما لي منهم أصبحت باكٍ ... أباكر بالمدامع كل باكر

نهاري لا يزال القلب ساهٍ ... وليلي لا يزال الطرف ساهر

أذاقوني عناداً طعم صاب ... وقالوا كن على الهجران صابر

وها قلبي إلى الأحباب صاغ ... يميل إلى رضاهم وهو صاغر

أحن إلى لقاهم كل عام ... وأرجو وصلهم في شعب عامر

أهيل الجود مقصد كل حاج ... وليس لهم عن الإحسان حاجر

سقى ربعاً حماهم كل غادٍ ... وصين جمالهم من كل غادر

فترت لواحظك المراض ولم تزل ... تلك الفواتر في القلوب فواتكا

اليوم أجهر بالعتاب فكم وكم ... أسبلت أذيالي على هفواتكا

وإذا التفت إلى هواك أفادني ... برد السلو تذكري جفواتكا

يا من وفاتي في فوات وصاله ... فت الحسان فوات قبل فواتكا

ترم من مماذق الود خيرا ... فبعيد من السراب الشراب

رونق كالحباب يعلو على الما ... ء ولكن تحت الحباب الحباب

عذبت في النفاق السنة القو ... م وفي الألسن العذاب العذاب


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التذكرة