الإلهيات
يا فَاطِرَ الخَلْقِ البَدِيْعِ وكَافِلاً ... رِزْقَ الجَمِيْعِ سَحَابُ جُوْدِكَ هَاطِلُ
يا مُسْبغَ البرِّ الجَزِيْلِ ومُسَبِلَ الـ ... سِّتْرِ الجَمِيْلِ عَمِيْمُ طَوْلِكَ طَائِلُ
يا عَالِمَ السِّرِ الخَفِيّ ومُنْجِزَ الْـ ... وَعْدِ الوَفِيّ قَضَاءُ حُكْمِكَ عَادِلُ
عَظُمَتْ صِفَاتُكِ يَا عَظِيْمُ فَجَلَّ أَنْ ... يُحْصِي الثَّنَاءَ عَلَيْكَ فِيْهَا قَائِلُ
الذَّنْبُ أنْتَ لَهُ بِمَنِّكَ غَافِرٌ ... ولِتَوْبَةِ الَعاصِي بِحِلْمِكَ قَابِلُ
رَبٌّ يُرَبِيْ العَالَمِيْنَ بِبِرِّهِ ... وَنَوَالُهُ أبَدًا إِليْهمْ وَاصِلُ
يَأَتِْيكَ مِن ألْطَافِهِ الفَرَجُ الذِيْ ... لَمَ تَحْتَسِبْهُ وأنْتَ عَنْهُ غَافِلُ
يا مُوْجِدَ الأشْيَاءِ مَن ألَقْى إلَى ... أبْوَابِ غَيرِك فَهُو غٍِرٌ جَاهِلُ
ومَن اسْتَرَاحَ بِغَيرِ ذِكْرِكَ أَوْ رَجَا ... أحَدًا سِوَاكَ فَذَاكَ ظِل زَائِلُ
عَمَلٌ أرِيْدَ بِه سِوَاكَ فإنَّهُ ... عَمَلٌ وإنْ زَعَمَ المُرَائِيْ بَاطِلُ
وإذا رَضَيْتَ فَكُلُ شَيْءٍ هَيِنٌ ... وإذَا حَصَلْتَ فَكُلُ شَيْءٍ حَاصِلُ
أَنَا عَبْدُ سُوءٍ آبِقٌ كَلٌّ عَلَى ... مَوْلَاه أَوْزار الكَبَائِرِ حَامِلُ
قد أَثْقَلَتْ ظَهِرْي الذُنُوبُ وَسَوَّدَتْ ... صُحْفِي العُيُوبُ وسِتْرُ عَفْوِكَ شَامِلُ
هَا قَدْ أَتَيْتُ وَحُسْنُ ظَنِّيْ شَافِعِيْ ... وَوَسَائِليْ نَدَمٌ ودَمْعٌ سَائِلُ
فاغِفْرْ لِعَبْدِكَ مَا مَضَى وَارْزُقْهُ تَوْ ... فِيْقًا لِمَا تَرْضَى فَفَضْلُكَ كَامِلُ
وافْعَلْ بِهَ مَا أَنْتَ أهْلُ جَمِيْلِهِ ... والظَّنُّ كُلَّ الظَّنِّ أنكَ فَاعِلُ
وصَرَفْتُ إلى رَبِّ الأنام مَطَالِبي ... وَوَجَّهْتُ وَجِهي نَحْوَهُ وَمَآربي
إلى المَلكِ الأعْلَى الذَي لَيْسَ فَوقَهُ ... مَلِيْكٌ يُرَجَّى سَيْبُهٌ في الْمَتاعِبِ
إلَى الصَّمَد البَرَّ الذي فَاضَ جُوْدُهُ ... وعَمَّ الوَرَى طُرًا بجَزْلِ المَوَاهِبِ
مُقِيْليْ إذَا زَلَّتْ بِيَ النَّعْلُ عَاثِرًا ... وأسْمَحَ غَفَّارٍ وأكْرمَ وَاهِبِ
فَمَا زَالَ يُوْلِيْني الجَميْل تَلَطُّفًا ... ويَدْفَعُ عَنِّي في صُدُورِ النَّوائِبِ
ويَرْزُقُني طِفْلاً وكَهْلاً وقَبْلَهَا ... جَنْينًا ويَحْمِيْني وَبيَ المكَاسِبِ
إذَا أَغْلَقَ الأَمْلاَكُ دُوْني قُصُورَهُمْ ... ونَهْنَهَ عن غِشْيانهِمْ زجر حَاجِبِ
فزعت إلى بَابِ المُهَيْمِن طَارقًا ... مُدِلاً أنُادي باسْمِهِ غَيْرَ هَائِبِ
فَلَمْ أَلْفِ حُجَّابًا وَلم أَخْشَ مِنْعَةً ... ولَوْ كَانَ سُؤْليْ فَوْقَ هَامِ الكَواكِبِ
كَريْمٌ يُلَبيْ عَبْدَهُ كُلَّمَا دَعَا ... نَهَارًا ولَيْلاً فَي الدُجَى وَالغَياهِبِ
سَأسْألُهُ مَا شِئْتُ إنَّ يَمِيْنَهُ ... تَسِحُّ دِفَاقًا باللِّهَى والرَّغَائِبِ
فَحَسْبِيَ رَبِيْ في الهَزَاهِزِ مَلْجَاًّ ... وحِرْزًا إذَا خِيْفَتْ سِهِامُ النَّوائِبِ
يا مَنْ يُغِيْثُ الوَرَى مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا ... ارْحَمْ عِبادًا أكُفَّ الفَقْر قَدْ بَسَطُوا
عَوَّدْتَهُمْ بَسْطَ أرْزَاقٍ بلا سَبَبٍ ... سِوِى جَميلِ رَجَاءٍ نحوَهُ انْبَسَطُوا ...
وَعَدْتَ بالفَضْلِ في وِرْدٍ وفي صَدَرٍ ... بالجُودِ إنْ أَقْسَطُوا والحِلْمِ إنْ قَسَطُوا
عَوارِفُ ارْتَبَطَتْ شُمُّ الأُنوفِ بها ... وكلُ صَعْبٍ بقَيْدِ الجُوْدِ يَرْتَبِطُ
يا مَنْ تَعَرّفَ بالمَعروفِ فاعْتَرَفَتْ ... بِجَمِّ إنْعامِهِ الأطرافُ والوَسَطُ
وعالِمًٍا بخَفِيَّات الأمور فلا ... وَهْمٌ يَجُوزُ عليهِ لا ولا غَلَطُ
عَبْدٌ فَقِيرٌ بِبَابِ الجُوْدِ مُنْكَسِرًا ... مِنْ شأنِهِ أنْ يُوافي حِيْنَ يَنْضَغِطُ
مَهْمَا أتَى لِيَمُدَّ الكفَّ أَخْجَلهُ ... قَبَائحٌ وخَطَايَا أَمْرُها فَرَطُ
يا وَاسِعًا ضَاقَ خَطْوُ الخَلْقِ عنْ نِعَمٍ ... منه إذا خَطبُوا في شُكْرِها خَبَطُوا
وناشِرًا بِيَدِ الإِجْمالِ رَحْمَتَهُ ... فلَيْسَ يَلْحَقُ منه مُسْرِفًا قَنَطُ
ارْحَمْ عِبادًا بضَنْكِ العَيشِ ما لَهُمُوْا ... غَيرُ الدُجْنةِ لحُفٌ والثَّرى بُسُطُ
لكَنَّهم مِنْ ذُرَى عَلْياكَ في نَمَطٍ ... سَامٍ رفِيْع الذُرَى ما فَوقَه نَمَطُ
إلهيْ وَخَلاَّقِيْ وَسُؤْلِيْ وَمَوْئِليْ ... إليْكَ لدَى الإعسار واليْسْرِ أَفْزَعُ
إلهِيْ لَئِنْ خَيَّبْتَني وَطَرَدْتَنِيْ ... فَمَنْ ذَا الذيْ عَمَّا أُحَاذِرُ يَنْفَعُ
إِلهِيْ لَئِنْ جَلَّتْ وَجَمَّتْ خَطِيْئَتِيْ ... فَعَفْوُكَ عَن ذَنْبِيْ أَجَلُّ وَأَوْسَعُ
إلهِي لَئِنْ أَعْطَيْتُ نَفْسِي سُؤْلَهَا ... فَهَا أنا في رَوْضِ النَّدامَةِ أَرْتَعُ
إلهِيْ تَرَى حَالِيْ وَفْقْرِيْ وَفَاقَتِيْ ... وأَنْتَ مُنَاجَاتِيْ الخَفِيَّةَ تَسْمَعُ
إلهِيْ فلا تَقْطَعْ رَجَائِي وَلاَ تُزِغْ ... فؤادي فَلِي في سَيْبِ جُوْدِكَ مَطْمَعُ
إلهِيْ أجِرْنِيْ مِنْ عَذَابك إنَّني ... أَسِيْرٌ ذليلٌ خائِفُ لَك أخضعُ
إلهِيْ فَآنِسْنِيْ بتَلْقِيْنِ حُجَّتِيْ ... إذا كَان ليْ في القَبْر مَثْوىً وَمَضْجَعُ
إِلهِيْ لَئِنْ عَذَّبْتَنِي أَلْفَ حَجَّةً ... فَحَبْلُ رَجَائِيْ مِنْكَ لا يَتَقَطَّعُ
إلهِي أَذِقْنِيْ طَعْمَ عَفْوِكَ يَوْمَ لاَ ... بَنُوْنَ وَلا مَالٌ هُنَالِكَ يَنْفَعُ
إلهِيْ لَئِنْ لَم تَرْعَنيْ كُنْتُ ضَائِعًا ... وإنْ كُنْتَ تَرْعَانِي فَلَسْتُ أُضَيَّعُ
إلهِيْ إذَا لَمْ تَعْفُ عَن غَيْرِ مُحْسنٍ ... فَمَنْ لِمُسِيءٍ بالْهَوَى يَتَمتَّعُ
إلهِيْ لَئِنْ قَصَّرْتُ في طَلَبِ التُّقَي ... فَلَسْتُ سِوَى أَبْوَابِ فَضْلِكَ أَقْرَعُ
إلهِيْ أقِلْنِيْ عَثْرَتِيْ وَامْحُ زَلَّتِيْ ... فَإِنيْ مُقِرٌ خَائِفٌ مُتَضّرِّعُ
إلهِيْ لَئِنْ خَيَّبْتَنِي وَطَرَدتَنِيْ ... فَمَا حِيْلَتِيْ يَا رَبُ أَمْ كَيْفَ أَصنَعُ
إِلهِيْ حِليْفُ الحُبِّ باللَّيْلِ سَاهرٌ ... يُنَاجِيْ وَيَبْكِيْ والغَفُولُ يُهَجِّعُ
إلهِيْ لَئِنْ تَعْفُوُ فَعَفْوُكَ مُنْقِذِيْ ... وإنيْ يا رَبَّ الوَرَى لَكَ أخْضَعُ
كل شيء منكم عليكم دليل ... وضح الحق واستبان السبيل
أحدث الخلق بين كاف ونون ... من يكون المراد حين يقول
من أقام السماء سقفاً رفيعاً ... يرجع الطرف عنه وهو كليل
ودحا الأرض فهي بحر وبر ... ووعود مجهولة وسهول
وجبال منيفة شامخات ... وعيون معينة وسيول
ورياح تهب في كل جو ... وسحاب يسقي الجهات ثقيل
ودرار بكم وشمس وبدر ... ونجوم طوالع وأفول
حكمته تاهت البصائر فيها ... واعتراها دون الذهول ذهول
فالسماوات السبع والعرش والكر ... سي والحجب ذكرها التهليل
ممسك الطير في الهواء ومحيي ال ... حوت في الماء فهو كاف كفيل
سرمدي البقا أخيرٌ قديمٌ ... قصرت عن مدى علاه العقول
حيث لم يشتمل عليه مكان ... يحتويه أو غدوة وأصيل
من له الملك والملوك عبيد ... وله العز والعزيز ذليل
كل شيء سواه يفنى ويبلى ... وهو حي سبحانه لا يزول
ألفت بره البرايا فهم في ... رحمة ظلها عليهم ظليل
سيدي أنت مقصدي ومرادي ... أنت حسبي وأنت نعم الوكيل
أحي قلبي بموت نفسي وصلني ... وأنلني إن الكريم ينيل
وأجرني من كل خطب جليل ... قبل قول الوشاة صبر جميل
وافتقدني برحمة وأقلني ... من عثاري فإنني مستقيل
كيف يظمأ قلبي وعفوك بحر ... زاخر طافح عريض طويل
رب صفحاً فإن ذنبي كبير ... واصطباري على العذاب قليل
والرجا فيك والرضا منك فضل ... ولك المنُّ والعطاء الجزيل
لك الحمد يا مستوجب الحمد دائماً ... على كل حال حمد فان لدائم
وسبحانك اللهم تسبيح شاكر ... لمعروفك المعروف يا ذا المراحم
فكم لك من ستر على كل خاطئ ... وكم لك من بر على كل ظالم
وجودك موجود وفضلك فائض ... وأنت الذي ترجى لكشف العظائم
وبابك مفتوح لكل مؤمل ... وبرك ممنوح لكل مصادم
فيا فالق الأصاح والحب والنوى ... ويا قاسم الأرزاق بين العوالم
ويا كافل الحيتان في لج بحرها ... ومؤنس في الآفاق وحش البهائم
ويا محصي الأوراق والنبت والحصى ... ورمل القلا عداً وقطر الغمائم
إليك توسلنا بك اغفر ذنوبنا ... وخفف عن العاصين ثقل المظالم
وحبب إلينا الحق واعصم قلوبنا ... من الزيغ والأهواء يا خير عاصم
ودمر أعادينا بسلطانك الذي ... أذل وأفنى كل عاث وغاشم
ومن علينا يوم ينكشف الغطا ... بستر خطايانا ومحو الجرائم
إذا كان شكري نعمة الله نعمة ... علي له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله ... وإن طالت الأيام واتصل العمر
إذا عم بالسراء عم سرورها ... وخص بالضراء أعقبها الأجر
لله في الآفــــاق آيات *** لعل أقلها هو ما إليه هـداك
ولعل ما في النفس من آياته***عجب عجاب لو ترى عيناك
والكون مشحون بأسرار إذا***حاولت تفسيراً لها أعــياك
قل للطبيب تخطفته يد الردى*** يا عارف الأدواء من أرداك
قل للمريض نجا وعوني بعدما ***عجزت فنون الطب من عافاك
قل للصحيح يمـوت لا من علة*** من بالمنايا يا صحيح دهـاك
قل للبصير وكان يحـذر حفرة*** فهوى بها من ذا الذي أهواك
بل سائل الأعمى خطا بين الزحام***بلا اصطدام من يقود خطاك
قل للجنين يعيش معزولاً بلا *** راع ومرعى من الذي يرعاك
قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء *** لدى الولادة مـا الذي أبكـاك
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه*** فاسأله من ذا بالسموم حشــاك
واسأله كيف تعيش يا ثعبان *** أو تحيى وهذا السـم بملء فاك
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت ***شهداً وقل للشهد من حلاّك
بل سائل اللبن المصفى كان بين*** دم وفرث من الذي صفـاك
وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا*** ميت فاسـأله من أحيـاك
قل للهواء تحسه الأيدي ويخفى ***عن عيون الناس من أخفـاك
قل للنبات يجـف بعد تعهـد *** ورعـاية من الجفان رمـاك
وإذا رأيت النبت في الصحراء *** يربو وحده فاسأله من أرباك
وإذا رأيت البدر يسري ناشراً *** أنواره فاسأله من أســراك
واسأل شعاع الشمس يدني *** وهو أبعد كل شيء ما الذي أدناك
قل للمرير من الثمار من الذي *** بالمر من دون الثمار غـذاك
وإذا ترى الجبل الأشم مناطحاً*** قمم السحاب فسله من أرساك
وإذا ترى صخراً تفجر بالمياه*** فاسأله من بالماء شق صفاك
وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال*** جرى فسله من الذي أجراك
وإذا رأيت البحر بالملح الأجاج *** طغى فسله من الذي أطغاك
وإذا رأيت الليل يغشى داجياً *** فاسأله من يا ليل حاك دجاك
وإذا رأيت الفجر ضاحكاً *** فاسأله من يا صبح ساق ضحاك
هذه عجائب طالما أخذت بها *** عيناك وانفتحـت بها أذنـاك
يا أيها الماء المهين من الذي سـواك ***ومن الذي في ظلمة الأحشاء قد والاك
ومن الذي تعصي ويغفر دائماً *** ومن الذي تنسى ولا ينساك
يا أيها الإنسان مهلاً ما الذي *** بالله جـل جـلاله أغـراك
الله ما زال دون سائر خلقة *** وإلى الهدى والنور قاد خطاك
بك أستجير ومن يجير سواك***فأجر ضعيفاً يحتمي بحمـاك
يا مدرك الأبصار والأبصار*** لا تـدري له.. ولكنه إدراك
أتراك عين في الدّنا ولها *** مدىً لا تستطيع إذا به رؤياك
إن لم تكف عيني تراك فإنني*** في كل شيء أستبين علاك
لكن ما أرجو أراك إلهنا في ***جنة هي دار من أرضـاك
يا رب أذنبت وآذتنـي *** ذنوب ما لـها من غـافر إلاّك
يا غافر الذنب العظيم وقابلاً *** لتوب قلـب تائب ناجاك
أتردّه وتردّ صادق توبتي *** حاشاك ترفض تائباً حاشاك
يا ربّ جئتك نادماً أبكي*** على ما قدمته يداي لا أتبـاك
أخشى من العرض الرهيب عليك***يا رب وأخشى منك إذ ألقــاك
يا ربّ عدت إلى رحابك تائباً ***مستسلماً مستمسكاً بعـراك
إني أويت لكل مأوىً في الحياة *** فما رأيت أعزّ من مأواك
وتلمّست نفسي السبيل إلى*** النجاة فلم تجد منجى سوى منجاك
وبحثت عن سرّ السعادة جاهداً *** فوجدت هذا السرّ في تقواك
فليرضى عنيّ الناس أو لا *** أنا لم أعد أسعى لغير رضاك
أدعوك يا ربّ لتغفر حوبتي *** وتعينني وتمدّني بهــداك
فاقبل دعائي واجب رجاتي*** ما خاب يوماً من دعا ورجاك
أي لحن مسلسل رقراق راح ينساب في مدى الآفاقِ
أيقظ الكون حين منبثق الفجر على غمرةٍ من الأشواقِ
وإذا الحب ملء هذا الوجود الرحب يسري في روعةٍ وانطلاقِ
وإذا الكائنات يغرقها الوجد الإلهي في سنى الإشراقِ
والجبال الشماء تشخص نحو الله سكرى في ذهلة المشتاقِ
وندى الفجر في الرياض الحوالي أدمع الشوق رقرقت في المآقي
أي لحنٍ مخلدٍ سرمدي من لحون الآزال والآبادِ
أي لحنٍ قد صيّر الكون أغرودة حبٍ رخيمة الإنشادِ
يا لهذا النشيد تنطلق الأرواح فيه من ربقة الأجسادِ
يا لهذا النشيد يوغل في أعماق ذاتي محطماً أصفادي
يا لقيدي الأرضي يسحقه اللحن ويذروه حفنةً من رمادِ
وإذا الروح في تجرده يسمو مشعاً كالكوكب الوقادِ
عانق اللحن مصعداً وتوارى يتخطى شواسع الأبعادِ
غارقاً في صفائه قد تغشته غواشي غيبوبةٍ وامتدادِ
كلما رنّ في السكون صدى تسبيحة الله رائع الترديدِ
وسرت في الأثير أنغامها الطهر وأوغلن في الفضاء البعيدِ
أهطعت أنفسٌ وذابت قلوبٌ يزدهيها الفناء في المعبودِ
وتسامى الشعور يلهب فيها خلجات الإيمان والتوحيدِ
يا لهذا الصفاء يا لتجلي الله .. يا روعة الجلال الفريدِ
لكأني بالكون يهتف: يا ربُّ، ويمضي مستغرقاً في الشرودِ
لكأني أحسُّ وشك اتصالي .. لكأني أشمُّ عطر الخلودِ
=========================
همَّت الفُلْك واحتواها الماءُ
وَحَداها بمن تقل الرجاءُ
ضرب البحر ذو العباب حواليها
سماءً قد اكبرتها السماءُ
رَبِّ ان شئت فالفضاء مضيق
واذا شئت فالمضيق فضاءُ
فاجعل البحر عصمة وابعث الرحمةَ
فيها الرياح والانواءُ
انت أُنْسٌ لنا اذا بعد الأُنْس
وانت الحياة والاحياء
يتولى البحار مهما ادلهمت
منك في كل جانب لَأْلاءُ
واذا ما علت فذاك قيام
واذا ما رَغَتْ فذاك دعاءُ
فاذا راعها جلالك خَرَّت
هيبة فهي والبساط سواء
الحمد لله لا شريك له
من لم يقلها فنفسه ظلما
المُولج الليل في النهار
وفي الليل نهارا يُفَرِّج الظُلما
الخافض الرافع السماء على الأرض
ولم يبن تحتها دَعَما
الخالق البارئ المصور في الأرحام
ماء حتى يصير دما
من نطفة قدَّها مقدرها
يخلق منها الأبشار والنسما
ثم عظاما أقامها عصبٌ
ثُمَّتَ لحما كساه فالتأما
ثم كسا الريش والعقائق أبشارا
وجلدا تخاله أَدَما
والصوت واللون والمعايش والأخلاق
شتى و فرق الكَلِما
ثُمَّتَ لا بد أن سيجمعكم
والله جهرا شهادةً قَسَما
فائتمروا الآن ما بدا لكم
واعتصموا إن وجدتم عصما
في هذه الأرض والسماء ولا
عصمة منه إلا لمن رحما
سرت نفحات الحق من جانب القدس
فطارت حمامات القلوب من الحبس
وفاح عبير الوصل من ذلك الحمى
صباحا ولكنا شممناه من الأمس
ونادى منادي الطور موسى كليمه
لنعليك فاخلع أنت بالجانب القدسي
عرائس عرفان فأد صداقها
وما هو إلا نزع وصفك والنفس
وإياك والشرك الخفي فإنه
حجاب لدى الأفراد عن وحدة الجنس
ودع عنك نوع الغين فالعين واحد
إليه توجه بالبصيرة والحس
وخل خيال الفرق فالجمع مورد
لأضهل الهيام الشاربين من الكأس
فما ثم إلا واحد فاض جوده
على كل ذرات الوجود بلا لبس
توضأ بماء الغيب واغسل بسره
عن القلب غين العين أو درن الرجس
وإن كنت من أهل الحجاب عن اللقا
تيمم صعيدا بالبراهين والدرس
وصل صلاة العارفين فإنها
لروحك معراج إلى ذلك الكرسي
وصم عن سراه واعتكف في شهوره
وحج إليه تارك الجن والأنس
وزك عن الإشراك أعمالك التي
عملت لتجني باللقا ثمر الغرس
وسر في سلوك القوم واختر مؤدبا
على السنة الغراء والمنهج الأنسي
ولازم طريق الشرع ما دمت أنه
حياتك في الدنيا ونورك في الرمس
------------------------------
إذا ما علا يأْسي يغالب لي الرجا
ويحجب من رَيَّا الرضا ما تأرَّجا
سللت على اليأس الرجيم عزيمتي
حساما فألقته قتيلا مُضَرَّجا
وقلت لنفسي لا تراعي لأَزْمَة
فكم نَفَّس الرحمان كَرْبا وفَرَّجا
وميلي إلى الصبر الجميل فإنه
لَيَنْصُرُ من للصبر مالَ وعرَّجا
وديني بتقوى الله يجعلْ بلطفه
لك الله من كل المضايق مخرجا
وإذ ما كرهت الأمر فارْضَيْ وسَلِّمي
ففي طَيِّهِ المحبوبُ يأتيك مُدْرجا
فهذي سبيل إن هديتَ لقصدها
وجدت إلى مرقى السعادة معرجا
أما إنني إمَّا دَجَا الخطْبُ مُبْصِرٌ
سراج رجائي في دياجيه مُسْرَجا
ولي ثقة بالله أعلم أنها
تُسَهِّل صعبي إن زماني حَرَّجا
رجائي رجا عبد تأدب دائما
لصدق الرجا في ربه وتخرجا
وعندي يقين أن أجمل صنعة
يوافي بأجمال الصنائع من رجا
وحالي بشكر الله حالٍ بِحِلْيَةٍ
تَبَلَّجَ مرأى حسنها وتَبَرَّجا
تَبَارَكَ مَنْ شُكْرُ الوَرَى عَنْهُ يَقْصُرُ ... لِكَوْنِ أَيَادِي جُوْدِهِ لَيْسَ تُحْصَرُ
وَشَاكِرُهَا يَحْتَاجُ شُكْرَاً لِشُكْرِهَا ... كَذَلِكَ شُكْرُ الشُّكْرِ يَحْتَاجُ يُشْكَرُ
فَفِيْ كُلِّ شُكْرٍ نِعْمَةٌ بَعْدَ نِعْمَةٍ ... بِغَيْرِ تَنَاءٍ دُوْنَهَا الشُّكْرُ يَصْغُرُ
فَمَنْ رَامَ يَقْضِيِ حَقٍّ وَاجِبِ شُكْرهَا ... تَحَمَّلَ ضِمْنَ الشُّكْر مَا هُو أَكْبَرُ
تَسَبِّحُهُ الحِيْتَانُ في الْمَا وفي الْفَلاَ ... وُحُوْشٌ وَطَيْرٌ في الهَوَاء مُسَخَّرُ
وَفي الفُلْكِ وَالأَمْلاَكِ كُلٌ مُسَبِّحٌ ... نَهَارَاً وَلَيْلاً دَائِمَاً لَيْسَ يَفْتُرُ
تُسَبِّحُ كُلُّ الكَائِنَاتِ بحَمْدِهِ ... سَمَاءٌ وَأَرْضٌ وَالجِبَالُ وَأَبْحَرُ
جَمْيَعًا وَمَنْ فِيْهنَّ وَالكُلُّ خَاشِعٌ ... لِهَيْبَتِهِ العُظْمَى وَلاَ يَتَكَبَّرُ
لَهُ كُلُّ ذرَّاتِ الوُجُوْدِ شَوَاهِدٌ ... عَلَى أنهُ البَارِيْ الإِلَهُ المُصَوِّرُ
دَحَا الأَرْضَ وَالسَّبْعَ السَّمَاوَاتِ شَادَهَا ... وَأَتْقَنَهَا لِلْعالَمِيْنَ لِيَنْظُرُوا
وَأَبْدَعَ حُسْنَ الصُّنْعِ في مَلَكُوْتِهَا ... وَفي مَلَكُوْتِ الأَرْضِ كَيْ يَتَفَكَّرُوا
وَأَوْتَدَهَا بِالرَّاسِيَاتِ فَلَمْ تَمِدْ ... وَشًقَّقَ أَنْهَارَاً بِهَا تَتَفَجَّرُ
وَأَخْرَجَ مَرْعَاهَا وَبَثَّ دَوَابَهَا ... وَلِلْكُلِّ يَأَتِي مِنْهُ رَزْقٌ مُقَدَّرُ
مِنْ الحَبِّ ثُمَّ الأبِّ والقَضْبِ وَالكَلاَ ... وَنَخْلٍ وَأَعْنَابٍ فَوَاكِهُ تُثْمِرُ
فأَضْحَتْ بِحُسْنِ الزَّهْرِ تَزْهُوْ رِيَاضُهَا ... وَفِي حُلَلٍ نَسْجُ الرَّبِيْعِ تَبَخْتَرُ
وَزَانَ سَمَاءً بِالمَصَابِيْحِ أَصْبَحَتْ ... وأَمْسَتْ بِبَاهِي الحُسْنِ تَزْهُوْ وَتُزْهَرُ
تَرَاهَا إِذَا جَنَّ الدُّجَى قَدْ تَقَلَّدَتْ ... قَلاَئِدَ دُرِّيٍّ لِدُرٍّ تُحَقِّرُ ...
فَيَا نَاظِرًا زَهْرَ البَسَاتِيْنَ دُوْنَهَا ... أَظُنُّكَ أَعْمَى لَيْسَ لِلْحُسْنِ تَبْصِرُ
وَيَا مَنْ لَهَا إِنَّ المَحَاسِنَ كلَّهَا ... بدَارٍ بهَا مالا عَلَى القَلْبِ يَخْطُرُ
وَلاَ سمِعَتْ أُذْنٌ وَلاَ الْعَيْنُ أَبْصَرَتْ ... وَمَا تشْتهيْهِ النَّفْسُ في الحَالِ يَحْضُرُ
المديح النبوية
حملتك آمنة الحصان فلم تجد ... عب ءا كعبء الحاملات ثقيلا
وولدت مختونا وذلك آية ... لا تقبل التأويل والتعليلا
ورأت لك الاحبار والرهبان في ال ... توراة وصفا طابق الإنجيلا
واستبشروا بك إذ ظهرت وبشّروا ... الّا قليلا حرّفوا ما قيلا
وكذاك بشّرت الهواتف في الرّبى ... بك والكواهن أجملت تفصيلا
والجنّ ترمي بالكواكب بعد ان ... كانت تطيق الى السماء وصولا
وخمود بيت النار من آياتك ال ... لاتي تردّ الطرف عنك كليلا
وكذا بحيرة ساوة غارت وقد ... كانت جوانبها تفوت الميلا
وكذلك الايوان أعظم معجز ... بهر العقول وحيّر المعقولا
لما هوت شرفاته وانشقّ مر ... تجس البناء مشطرا مخذولا
واسترضعتك حليمة فرأت من ال ... بركات ما أغنى أخا وخليلا
وبيمن وجهك صدّ خالقك العدا ... عن بيت كعبته وردّ الفيلا
وأسرّ للعمّ الشفيق بأنّ لاب ... ن أخيك شأنا في الوجود جليلا
فاحذر عليه من اليهود فإنّهم ... إن يقدروا يوما عليه اغتيلا
وأضاءت الدنيا واشرق نورها ... وبدا الهدى وغدا الضلال ضئيلا
وأتاك بالوحي الامين وانت في ... اقصى حرا متبتلا تبتيلا
فوعيت ما أوحى وقد ألقى به ... قولا من الذكر الحكيم ثقيلا
نورا كأنّ بكلّ قلب حله ... لضياء باطنه به قنديلا
عجز الورى عنه فما اسطاعوا له ... حاشاه تشبيها ولا تمثيلا
أبكي بذكر حمى العتيق وحاجر ... حتى لقد أدمى البكاء محاجري
وبذكر سلع تستهلّ مدامعي ... شوقا اليه كالسحاب الماطر
أترى أرى ذاك الحمى الزاهي الذي ... بالشوق أسماني وأسهر ناظري
وتقرّ عيني بالزمان وقربه ... وتسرّ في ذاك المقام سرائري
لم لا وفيه احمد الهادي الذي ... بالحقّ أرسل والبهاء الباهر
المصطفى البرّ البشير محمد ... ذو الفضل والذكر الرفيع العاطر
من اشرف الآباء كان وأطهر ال ... أصلاب نبعته وطيب عناصر
قد خصّه الرحمن منه بأنعم ... لا تنتهي وفضائل ومآثر
وهو الشفيع غدا اذا ما نوقش ال ... جاني واوقف ثمّ وقفة حائر
وله الفضيلة والوسيلة واللّوا ... والحوض في يوم المعاد الآخر
ويا خاتم الرسل الكرام ومن له ... أعلى مزايا فيهم ومفاخر
من لا تكون شفيعه في عرضه ... فأتت مساعيه كصفقة خاسر
أنت المؤمّل عند عرض جرائمي ... ومعوّلي يوم الحساب وجابري
فاذا افتقدت ذخائري في محشري ... فمحبتي لك من أجلّ ذخائري
صلّى عليك الله ما نسخ الدّجى ... ضوء الصّباح المستنير الظاهر
سبحان من جعل الكواكب زينة ... وبهنّ في ظلم الليالي يهتدى
سبحان من رفع السماوات العلى ... والارض مهدها لاصناف الورى
سبحان من شقّ البحار بقدرة ... سبحان من أرسى الجبال على الثرى
سبحان من خلق العباد فمن رضي ... عنه استقلّ ومن تسخطه هوى
بعث النبيين الهداة، فمهدوا ... سبل اليقين واوضحوا طرق الهدى
واختار ملّتنا، وشرف ديننا ... بعلى محمد النبي المصطفى
خير البريّة محتدا واجلّهم ... نفسا واقصى الخلق في التقوى مدى
ختم النبوّة واستقام لدينه ... وعلى أوامره التي اوحى جرى
ما هان قطّ ولا صبا لنقيضة ... كلّا، ولا وعد الندى الا وفى
آثاره مشهورة، وخلاله ... مشكورة، وصفاته تعيي الثنا
شهد الخلائق كلّهم بكماله ... وعنا لرتبته الفراقد والسّها
ودعا الى التوحيد فانقادت له ... أسد الشرى طوعا وفرسان الوغى
لما اتى بالبينات تواضعوا ... قصدا وحلّوا في المتابعة الحبى
ما قال شعرا منذ كان ولا روى ... يوما اقاصيص القرون ولا تلا
صلّى عليه الله ما هبت صبا ... او جنّ ليل او بدا وضح الضّحى
هذا ثنائي وهو دون محلّه ... من ذا ينال بكفة بدر الدّجى؟
تذكر بالسّفح بانا وظلّا ... فأجرى المدامع وبلّا وطلّا
يرجّي زمانا تولى يعود ... وليس يعود زمان تولّى
كئيب تحمل ما لا يطيق ... له الفخر من ألم البين حملا
يبيت يكابد آلامه ... وأسقامه وكما بات ظلّا
وضيّع اوقاته في عسى ... وماذا تفيد عسى او لعلّا؟
ويشرب من ماء أجفانه ... على الظمأ البرح نهلا وعلّا
أحبتنا اكثر العمر راح ... عتابا فلا تتبعوه الاقلّا
وعودوا عسى ان يعود السرور ... فمنذ توليتم عنه ولىّ
ولا تحسبوا القلب يسلاكم ... فمن مثلكم مثله ما تسلّى
مللتم دنوّي وما عادتي ... اذا ملّني سادتي ان أملّا
وما خنت مذ كنت ميثاقكم ... ولست أخون وحاشا وكلّا
أذلّ لكم علّكم تعطفون ... عليّ وما شيمتي أن أذلّا
فيا بين مهلا فلو انّ لي ... بقية صبر لما قلت مهلا
فحيّا الحيا أحدا والبقيع ... وحيّا القرين ومن فيه حلّا
وسقى المدرّج ثمّ العقيق ... وسلعا وأرض قبا والمصلّى
منازل ما أطيب العيش في ... رباها على كلّ حال وأحلى
اذا سرت عنها أرى السهل وعرا ... وان زرتها ارى الوعر سهلا
وكيف أقول سقاها الحيا ... وأخشى عليها مدى الدهر محلا
وفيها الجواد الذي كفّه ... من السحب أندى وأجدى وأعلى
أجلّ العباد وأعلاهم ... وما خلّف دنيا وأخرى محلّا
نبيّ سخيّ حييّ وفيّ ... أبرّ البريّة قولا وفعلا
وسيم عليه يلوح القبول ... وسيما السعادة مذ كان طفلا
وخفّ على أمة حمله ... بلطف الاله فلم يشك ثقلا
تجلّى فأخجل بدر السما ... واشرقت الارض لمّا تجلى
وطهّره الله خلقا وخلقا ... وقولا وفعلا وفرعا وأصلا
وأثنى بما هو اهل له ... عليه وما زال للمدح أهلا
ومعجز كلّ نبيّ مضى ... ومعجزه أبد الدّهر يتلى
أذلّ الملوك له ربّه ... فكم بين أسرى لديه وقتلى
وطابت بتربته طيبة ... وحلّ بها الخير علوا وسفلا
أمات الذّحول بها لطفه ... فلم يبق بين الفريقين ذحلا
له الحوض طوبى لمن نال من ... هـ ريّا وويل لمن عنه ولّى
وما زال يملأ ارض العدو ... وفي طاعة الله خيلا ورجلا
ويسقي عداه كؤوس الحمام ... سقاة المنية دورا ونزلا
ويبذل مهجته طالبا ... رضا الله اذ ظهر الحقّ بذلا
فلله كم من ذليل أعزّ ... وفي الله كم من عزيز أذلّا
وفكّ أسيرا وآوى طريدا ... وعافى مريضا وأغنى مقلّا
وشقّ له القمر المستنير ... والشمس ردّت وناهيك فضلا
وسبّح في راحتيه الحصى ... لربّ العباد تعالى وجلّا
وحنّ اليه حنين العشار ... جذيع قديم وقد كان ذبلا
وناول في يوم بدر قضيبا ... لبعض الصحابة فارتدّ نصلا
وقد سجدت سرحة اذ رأته ... وأخرى اتته فلبّته عجلى
وخبّر عن كلّ شيء يكون ... بعد وعن كلّ ما كان قبلا
عجبت لمن يتعامى عن ال ... براهين وهي من الشمس أجلى
ويقلع في وجه تيار بحر ... هواه عنادا وبغيا وجهلا
أفي الحقّ شك اذا وفّق ال ... إله وقد صحّ عقلا ونقلا
يريدون ان يطفئوا نوره ... بأفواههم ضلّ شانيه ضلا
مدحت محمدا المصطفى ال ... كريم الحليم الحكيم الأجلّا
لعلّي في حوضه في غد ... اذا جئته ظاميا لا أخلّى
محمد، نحن كما قد علمت ... ضيوفك والضيف يحتاج نزلا
وما ذكروا عنك لا في الحياة ... ولا في الممات وحاشاك بخلا
هلم القرى وقرانا النجاة ... بدا العرض اذ يرجع العزّ ذلّا
وقفنا ببابك نشكو اليك ... من الكرب والكرب قد عمّ كلّا
وأنّى نظرت لنا نظرة ... تلاشى بها كربنا واضمحلّا
لم أقدّم وسيلة فيه إلّا ... حبّ خير الورى الشفيع الماحي
سيد العالمين دنيا وأخرى ... أشرف الخلق في العلا والسّماح
سيد الكون من سماء وأرض ... سرّه بين غاية وافتتاح
زهرة الغيب مظهر الوحي معنى ال ... نّور كنه المشكاة والمصباح
آية المكرمات قطب المعالي ... مصطفى الله من قريش البطاح
أول الأنبياء تخصيص زلفى ... آخر المرسلين بعث نجاح
صفوة الخلق أرفع الرّسل قدرا ... وسراج الهدى وشمس الفلاح
من لميلاده بمكة ضاءت ... من قرى قيصر جميع الضواحي
وخبت نار فارس وتداعت ... من مشيد الإيوان كلّ النواحي
من رقى في السّماء سبعا طباقا ... ورأى آي ربّه في اتّضاح
ودنا منه قاب قوسين قربا ... ظافرا في العلا بكلّ اقتراح
من هدى الخلق بين حمر وسود ... وجلا ليل غيّهم بالصّباح
من يجير الورى غدا يوم يجزى ... كلّ عاص وطائع باجتراح
من إلى حوضه وظلّ لواه ... يلجأ الناس بين ظام وضاحي
أحمد المجتبى حبيبا وأنّى ... فوق عزّ الحبيب مرمى طماح؟
في أناجيله المسيح تلاه ... باسمه والكليم في الألواح
ولكم حجّة وبرهان صدق ... في سماع أتى بها والتماح
إنّ في النجم والنبات لآيا ... بهرت، والجماد والأرواح
معجزات فتن المدارك وصفا ... وحسابا كالزّهر أو كالصباح
يا رواة القريض والشعر عجزا ... ما عسى تدركون بالأمداح
إنما حسبنا الصلاة عليه ... وهي للفوز آية استفتاح»
أصغى إلى الوجد لما جدّ عاتبه ... صبّ له شغل عمّن يعاتبه»
معاهد شرّفت بالمصطفى فلها ... من فضله شرف تعلو مراتبه
محمد المجتبى الهادي الشفيع إلى ... ربّ العباد أمين الوحي عاقبه
أوفى الورى ذمما أمساهم همما ... أعلاهم كرما جلّت مناقبه
هو المكمّل في خلق وفي خلق ... زكت حلاه كما طابت مناسبه
جاءت تبشّرنا الرّسل الكرام به ... كالصبح تبدو تباشيرا كواكبه
تطابق الكون في البشرى بمولده ... وطبّق الأرض أعلاما تجاوبه
له مقام الرضى المحمود شاهده ... في موقف الحشر إذ نابت نوائبه
والرّسل تحت لواء الحمد يقدمها ... محمد أحمد السامي مراتبه
له الشفاعات مقبولا وسائلها ... إذا دهى الأمر واشتدت مصاعبه
والحوض يروي الصّدى من عذب مورده ... لا يشتكي غلّة الظمان شاربه
محامد المصطفى لا ينتهي أبدا ... تعدادها هل يعدّ القطر حاسبه
فضل تكفّل بالدارين يوسعها ... نعمى ورحمى فلا فضل يناسبه
حسبي التوسّل منها بالذي سمحت ... به القوافي وجلّتها غرائبه
ثمّ الصلاة على خير البرية ما ... سارت إليه بمشتاق ركائبه»
بعد المزار ولوعة الأشواق ... حكما بفيض مدامع الآفاق»
يا ساريا والليل ساج عاكف ... يفري الفلا بنجائب ونياق
عرّج على مثوى النبيّ محمد ... خير البرية ذي المقام الراقي
ورسول ربّ العالمين ومن له ... حفظ العهود وصحّة الميثاق
الظاهر الآيات قام دليلها ... والطاهر الأخلاق والأعراق
بدر الهدى وهو الذي آياته ... وجبينه كالشمس في الإشراق
الشافع المقبول من عمّ الورى ... بالجود والإرفاد والإرفاق
الصادق المأمون أكرم مرسل ... سارت رسالته إلى الآفاق
أعلى الكرام ندى وأبسطهم يدا ... قبضت عنان المجد باستحقاق
وأشدّ خلق الله إقداما إذا ... حمي الوطيس وشمّرت عن ساق
أمضاهم والخيل تعثر في الوغى ... وتجول سبحا في الدّم المهراق
من صيّر الأديان دينا واحدا ... من بعد إشراك مضى ونفاق
وأحلّنا من حرمة الإسلام في ... ظلّ ظليل وارف الأوراق
حبّي إليك وسيلتي وذخيرتي ... إنّي من الأعمال ذو إملاق
قسما بطيب تراب طيبة إنّه ... مسك الأنوف وإثمد الأحداق
وعليك يا خير الأنام تحية ... تحيي النفوس بنشرها الفتّاق»
فيروزجُ الصبحِ أمْ ياقوتة ُ الشفقِ، … بدَتْ فهَيّجَتِ الوَرقاءَ في الوَرَقِ
أمْ صارِمُ الشّرقِ لمّا لاحَ مُختَضِباً، … كما بَدا السّيفُ مُحمَراً من العلَقِ
ومالتِ القضبُ، إذْ مرّ النسيمُ بها، … سَكرَى كما نُبّهَ الوَسنانُ من أرَقِ
والغيمُ قد نشرتْ في الجوّ بردتُه … ستراً تمدُّ حواشيهِ على الأفُقِ
والسحُّبُ تَبكي، وثَغرُ البَرّ مُبتَسِمٌ، … والطّيرُ تَسجَعُ من تيهٍ ومن شَبَقِ
فالطّيرُ في طرَبٍ، والسُّحبُ في حَربٍ، … والماءُ في هربٍ، والغصنُ في قلقِ
وعارضُ الأرضِ بالأنوارِ مكتملٌ، … قد ظلّ يشكرُ صوبَ العارِضِ الغدِقِ
وكلّلَ الطلُّ أوراقَ الغصونِ ضُحًى … كما تكلل خدُّ الخودِ بالعرقِ
وأطلَقَ الطّيرُ فيها سَجْعَ مَنطِقه، … ما بَينَ مُختَلِفٍ منهُ ومُتّفِقِ
والظلُّ يسرقُ بينَ الدوحِ خطوتَه، … وللمِياهِ دَبِيبٌ غَيرُ مُستَرَقِ
وقد بدا الوردُ مفتراً مباسمُهُ، … والنرجِسُ الغضُّ فيها شاخصُ الحدقِ
من أحمرٍ ساطعٍ، أو أخضرٍ نضرٍ، … أو أصفرٍ فاقعٍ، أو أبيضٍ يققِ
وفاحَ من أرجِ الأزهارِ منتشراً … نشرٌ تعطرَ منهُ كلُّ منتشقِ
كأنّ ذكرَ رسولِ اللهِ مرّ بها، … فأكسبتْ أرجاً من نشرهِ العبقِ
مَحمّدُ المُصطفَى الهادي الذي اعتصَمَتْ … بهِ الورَى ، فهداهم أوضحَ الطرُقِ
ومن لهُ أخذَ الله العهودَ على … كلّ النّبييّنَ من بادٍ ومُلتَحِقِ
ومَن رَقي في الطِّباقِ السّبعِ مَنزِلَة ً، … ما كانَ قطّ إليها قبلَ ذاكَ رَقي
ومَن دَنا فتَدَلّى نَحوَ خالِقِهِ، … كقابِ قَوسَينِ أو أدنَى إلى العُنُقِ
ومَن يُقَصِّرُ مدحُ المادِحينَ لَهُ … عَجزاً ويَخرَسُ رَبُّ المَنطِقِ الذَّلقِ
ويُعوِزُ الفِكرُ فيهِ إنْ أُريدَ لَهُ … وصفٌ، ويفضلُ مرآهُ عن الحدقِ
علاً مدحَ اللهُ العليُّ بها … فقال إنكَ في كلٍّ على خلقِ
يا خاتمَ الرسلِ بعثاً، وهي أولُها … فضلاً، وفائزُها بالسبقِ والسبقِ
جمعتَ كلّ نفيسٍ من فضائلهمْ، … مِن كلّ مُجتَمِعٍ منها ومُفترِقِ
وجاءَ في محكمِ التوارة ِ ذكرُك والـ … ـإنجيلِ والصّحُفِ الأولى على نَسَقِ
حمى دينك الدنيا وأقطعك الرضا … وتوجك العلياء وألبسك الحمدا
وطهر منك القلب لما استخصه … فجلله نورا وأوسعه رشدا
دعاه فما ولى هداه فما غوى … سقاه فما يظمى جلاه فما يصدا
تقدمت مختارا تأخرت مبعثا … فقد شملت علياؤك القبل والبعدا
وعلة هذا الكون أنت وكلما … أعاد فأنت القصد فيه وما أبدا
وهل هو إلا مظهر أنت سره … ليمتاز في الخلق المكب من الأهدى
ففي عالم الأسرار ذاتك تجتلي … ملامح نور لاح للطور فانهدا
وفي عالم الحس اغتديت مبوأ … لتشفي من استشفى وتهدي من استهدى
فما كنت لولا أن ثبت هداية … من الله مثل الخلق رسما ولا حدا
بماذا عسى يثني عليك مقصر … ولم يأل فيك الوحي مدحا ولا حمدا
بماذا عسى يجزيك هاو على شفى … من النار قد أسكنته بعدها الخلدا
عليك صلاة الله يا خير مرسل … وأكرم هاد أوضح الحق والرشدا
أقول والدمع من عينيّ منسجم ... لمّا رأيت جدار القبر يستلم
والناس يغشونه باك ومنقطع ... من المهابة أو داع فملتزم
فما تمالكت أن ناديت من حرق ... في الصدر كادت لها الأحشاء تضطرم
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهنّ القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم
وفيه شمس التّقى والدين قد غربت ... من بعد ما أشرقت من نورها الظلم
حاشا لوجهك أن يبلى وقد هديت ... في الشرق والغرب من أنواره الأمم
لقيت ربّك والإسلام صارمه ... ماض وقد كان بحر الكفر يلتطم
فقمت فيه مقام المرسلين إلى ... أن عزّ فهو على الأديان يحتكم
لئن رأيناه قبرا إنّ باطنه ... لروضة من رياض الخلد تبتسم
طافت به من نواحيه ملائكة ... تغشاه في كلّ يوم ثم تزدحم
لو كنت أبصرته حيا لقلت له ... لا تمش إلّا على خدي لك القدم
إن مات أحمد فالرحمن خالقه ... حيّ ونعبده ما أورق السّلم»
ويا نسيم الصّبا برّد لظى كبدي ... فإنّ ذيلك بالأنداء مبلول
واحمل رسايل أشواقي لطيبة لا ... زالت تحثّ لها النّجب المراسيل
سلّم على ربعها المحروس إنّ لها ... مجدا له برسول الله تأثيل
محمد خير مبعوث لأمته ... في الحشر والنشر تقديم وتفضيل
وكان يدعى نبيا حيث آدم لم ... يكن له قبل خلق الطين تشكيل
وكم له آية في الناس قد ظهرت ... لسردها جمل فينا وتفصيل
كم قد تحنّث يوما في حرى فأتى ... إليه من عند ربّ العرش جبريل
وقال قم فأت هذا الخلق تنذرهم ... فعقلهم عن سراج الحقّ معقول
فجاءهم بكتاب ليس يدخله ... شكّ على أنه لم يبق تضليل
وحي إليه من الله العظيم له ... عليه في كلّ حين منه تنزيل
باق على الدهر غضّ في تلاوته ... وما سواه على التكرار مملول
يا خاتم الرسل هل لي وقفة بمنى ... تقضى المنى عندها والقصد والسّول
وهل أزور ضريحا أنت ساكنه ... تسري إليك بي العيس المراقيل
حتى أروّى بلثم التّرب فيك حشا ... هيهات يشفي الظما من حرّها النيل
فكن شفيعي فإن تشفع فإني من ... لحدي إلى جنّة الفردوس منقول
مالي سوى حبّك المرجوّ من عمل ... أنفقت عمري وهذا فيه محصول
عليك صلّى إله الخلق ما نفحت ... ريح الشّمال وروض الحزن مطلول
وما حكى فيك ربّ النّظم ممتدحا ... بانت سعاد فقلبي اليوم متبول»
إليك رسول الله شوقي مجدّدا ... فيا ليتني يمّمت صدر الركائب
حبيبي شفيعي منتهى غايتي التي ... أرجّي ومن يرجوه ليس بخائب
محمد المختار والحاشر الذي ... بأحمد حاز المجد من كلّ جانب
رؤوف رحيم خصّنا الله باسمه ... وأعظم بماح في الثناء وعاقب
رسول كريم رفع الله قدره ... وأعلى له قدرا رفيع الجوانب
وشرّفه أصلا وفرعا ومحتدا ... يزاحم آفاق السما بالكواكب
سراج الهدى ذو الجاه والمجد والعلا ... وخير الورى الهادي الكريم المناسب
هو المصطفى المختار من آل هاشم ... وذو الحسب العدّ الرفيع المناصب
هو المصطفى المختار من آل هاشم ... وذو الحسب العدّ الرفيع المناصب
إمام النبيين الكرام وإنه ... لكالبدر فيهم بين تلك المواكب
بشير نذير مفضل متطوّل ... سراج منير بزّ نور الكواكب
عظيم المزايا ماله من مماثل ... كريم السّجايا ماله من مناسب
جليل جميل الخلق والخلق ماله ... نظير ووصف الله حجّة غالب
له معجزات مالها من معارض ... وآيات صدق مالها من مغالب
لقد شرّف الله الوجود بمرسل ... له في مقام الرّسل أعلى المراتب
وشرّف شهرا فيه مولده الذي ... جلا نوره الأسنى دياجي الغياهب
فشهر ربيع في الشهور مقدّم ... فلا غرو أنّ الفخر ضربة لازب
إلهي مالي بعد رحماك مطلب ... أراه بعين الرّشد أسنى المطالب
سوى زورة القبر الشريف وإنّه ... لموهبة فاقت جميع المواهب
عليه سلام الله ما لاح كوكب ... وما رافق الأظعان حادي الركائب»
دع عنك تعنيفي وذق طعم الهوى ... فإذا عشقت فبعد ذلك عنّف
برح الخفاء بحبّ من لو، في الدّجى ... سفر اللّثام، لقلت: يا بدر اختف «1»
وإن اكتفى غيري بطيف خياله ... فأنا الذي بوصاله لا أكتفي
وقفا عليه محبتي ولمحنتي ... بأقلّ من تلفي به لا أشتفي
وهواه وهو أليّتي وكفى به ... قسما أكاد أجلّه كالمصحف «2»
لو قال تيها: قف على جمر الغضا ... لوقفت ممتثلا ولم أتوقّف «3»
أو كان من يرضى بخدّي موطئا ... لوضعته أرضا ولم استنكف
لا تنكروا شغفي بما يرضى وإن ... هو بالوصال عليّ لم يتعطّف
لو أسمعوا يعقوب ذكر ملاحة ... في وجهه نسي الجمال اليوسفي
أولو رآه عائدا أيوب في ... سنة الكرى قدما من البلوى شفي
كملت محاسنه فلو أهدى السّنا ... للبدر عند تمامه لم يخسف
ولقد صرفت لحبّه كلّي على ... يد حسنه فحمدت حسن تصرّفي
فالعين تهوى صورة الحسن التي ... روحي بها تصبو إلى معنى خفي
أسعد أخيّ وغنّني بحديثه ... وانثر على سمعي حلاه وشنّف
لأرى بعين السمع شاهد حسنه ... معنى فأتحفني بذاك وشرّف
وعلى تفنّن واصفيه بحسنه ... يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف»
إذا القلب ثار أثار ادكارا ... لقلبي فأذكى عليه أوارا
أحنّ اشتياقا لريح سرت ... وأبدي هياما لبرق أنارا
حنينا وشوقا إلى معلم ... حوى شرفا خالدا لا يجارى
به أسكن الله أسمى الورى ... نبيا كريما وصحبا خيارا
هو المصطفى المنتقى المجتبى ... أرى معجزات وآيا كبارا
يحقّ علينا ركوب البحار ... وجوب القفار إليه ابتدارا
فيا فوز من فاز في طيبة ... بلثم المغاني جدارا جدارا
وألصق خدا على تربها ... وأكمل حجّا بها واعتمارا
وأهدى السلام لخير الأنام ... على حين وافى عليه مزارا
فيا هادي الخلق دار نعيم ... تناهت جمالا وطابت قرارا
لأنت الوسيلة والمرتجى ... ليوم يرى الناس فيه سكارى
وما هم بسكارى ولكنهم ... دهتهم دواه فهاموا حيارى
فصلّى الإله، رسول الهدى ... عليك وأبقى هداك منارا
وقدّس ربي ثرى روضة ... يعمّ الجهات سناها انتشارا
أعير شذا المسك منها الثّرى ... بل المسك منه شذاه استعارا
هنيئا لمن بهداك اهتدى ... ومغناك وافى وإياك زارا»
أسرفن في هجري وفي تعذيبي ... وأطلن موقف عبرتي ونحيبي
يا سيد الرّسل الكرام ضراعة ... تقضي منى نفسي وتذهب حوبي
عاقت ذنوبي عن جنابك والمنى ... فيها تعلّلني بكلّ كذوب
هب لي شفاعتك التي أرجو بها ... صفحا جميلا عن قبيح ذنوبي
إنّ النجاة وإن أتيحت لامرىء ... فبفضل جاهك ليس بالتّسبيب
إني دعوتك واثقا بإجابتي ... يا خير مدعوّ وخير مجيب
قصّرت في مدحي فإن يك طيّبا ... فبما لذكرك من أريج الطّيب
ماذا عسى يبغي المطيل وقد حوى ... في مدحك القرآن كلّ مطيب»
يا ساريا والليل ساج عاكف ... يفري الفلا بنجائب ونياق
عرّج على مثوى النبيّ محمد ... خير البرية ذي المقام الراقي
ورسول ربّ العالمين ومن له ... حفظ العهود وصحّة الميثاق
الظاهر الآيات قام دليلها ... والطاهر الأخلاق والأعراق
بدر الهدى وهو الذي آياته ... وجبينه كالشمس في الإشراق
الشافع المقبول من عمّ الورى ... بالجود والإرفاد والإرفاق
الصادق المأمون أكرم مرسل ... سارت رسالته إلى الآفاق
أعلى الكرام ندى وأبسطهم يدا ... قبضت عنان المجد باستحقاق
وأشدّ خلق الله إقداما إذا ... حمي الوطيس وشمّرت عن ساق
أمضاهم والخيل تعثر في الوغى ... وتجول سبحا في الدّم المهراق
من صيّر الأديان دينا واحدا ... من بعد إشراك مضى ونفاق
وأحلّنا من حرمة الإسلام في ... ظلّ ظليل وارف الأوراق
حبّي إليك وسيلتي وذخيرتي ... إنّي من الأعمال ذو إملاق
قسما بطيب تراب طيبة إنّه ... مسك الأنوف وإثمد الأحداق
وعليك يا خير الأنام تحية ... تحيي النفوس بنشرها الفتّاق
نَبيُ تَسَامَى في الْمَشارقِ نُورُهُ ... فَلاَحَتْ هَوادِيِهِ لأهْل المَغَارِبِ
أَتَتْنَا بِهِ الأَنْبَاءُ قَبْلَ مَجِيئِهِ ... وَشَاعَتْ بِهِ الأخْبَارُ في كُلِّ جَانِبِ
وَرَامَ اسْتِرَاقَ السَّمْع جِنٌ فَزَيَّلَتْ ... مَقَاعدَهُمْ مِنْهَا رُجُومُ الْكَوَاكِب
هَدَانَا إلى مَا لَمْ نَكُنْ نَهْتَدِي لَهُ ... لِطُول العَمَى مِن وَاضِحَاتِ المذَاهِبِ
وَجَاءَ بِآيَاتٍ تبَيَّنَ أنَّهَا ... دَلاَئِلُ جَبَّارٍ مُثِيبٍ مُعَاقِبِ
فَمِنْهَا انْشِقَاقُ البَدْرِ حيْنَ تَعَمَّمَتْ ... شُعُوبُ الضِّيا مِنْهُ رُؤوسَ الأخَاشِبِ
وَمِنْهَا نُبُوعُ الماء بَيْنَ بَنَانِه ... وَقَدْ عَدِمَ الوُرَّادُ قُرْبَ المَشارِبِ
فَرَوَّى بِهِ جَمًا غَفِيرًا وَأَسْهَلَتْ ... بِأَعْنَاقِهِ طَوْعًا أَكُفُّ المذَانِبِ
وبِئْرٍ طَغَتْ بِالماء مِنْ مسِّ سَهْمِهِ ... وَمِنْ قَبْلُ لَمْ تَسْمَحْ بِمَذْقَةِ شَارِبِ
وَضَرْعٍ مَرَاهُ فَاسْتَدَرَّ وَلَمْ يَكُنْ ... بِهِ دِرَّةٌ تصْغَى إِلَى كَفِّ حَالِبِ
وَنُطْقٍ فَصِيحٍ مِنْ ذِرَاع مُبَينَةٍ ... لِكيْد عُدُوٍّ لِلْعَدَاوَةِ نَاصِبِ
وَمِنْ تِلْكُم الآياتِ وَحْيٌ أتىَ بِهِ ... قَرِيبُ المآتِي مُسْتَجِمُّ العَجَائِبِ
تَقاصَرتِ الأفْكَارُ عَنْهُ فَلَمْ يُطِعُ ... بَلِيغًا وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ خَاطِبِ
حَوَى كُلَّ عِلْمٍ وَاحْتوى كُلَّ حِكْمَةٍ ... وَفَاتَ مَرَامَ المُسْتَمِرِّ المُوارِبِ
أَتَانَا بِهِ لا َعَنْ رَويَّةِ مُرْتَئي ... وَلاَ صُحْفِ مُسْتَمْلٍ وَلاَ وَصْفِ كَاتِبِ
يُواتيِهِ طَوْرًا في إجَابَةِ سَائِلٍ ... وَإفْتَاءٍ مُسْتَفْتٍ وَوَعْظِ مُخَاطِبِ
وَإتْيَانِ بُرْهانِ وَفَرْضِ شَرَائِع ... وَقَصِّ أحادِيثِ وَنَصِّ مَآرِبِ
وَتَصْرِيفِ أمْثَالٍ وَتَثْبَيتِ حُجَّة ... وَتَعْرِيفِ ذِي جَحْد وَتَوْقِيفِ كَاذِب
وَفي مَجْمَعِ النَّادِي وَفي حَوْمَةِ الوَغَي ... وَعِنْدَ حُدوثِ المُعْضِلاَتِ الغَرَائِبِ
فيَأَتِي عَلى مَا شِئْتَ مِنْ طُرُقاتِهِ ... قَوِيمَ المَعانِي مُسْتِدرَّ الضَّرَائِبِ
يُصَدِّقُ مِنْهُ البَعْضُ بَعْضا كَأَنَّمَا ... يُلاحِظُ مَعْنَاهُ بِعَيْنِ المُرَاقِبِ
وعَجْزُ الوَرَى عَنْ أنْ يَجِيئُوا بمثْلِ مَا ... وَصَفْنَاهُ مَعْلُومٌ بِطُولِ التَّجارُبَ
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ أكْرَمَ مُنْجَبِ ... جَرَى في ظُهُورِ الطَّيِّبِينَ المنَاجِبِ
يا فَاطِرَ الخَلْقِ البَدِيْعِ وكَافِلاً ... رِزْقَ الجَمِيْعِ سَحَابُ جُوْدِكَ هَاطِلُ
يا مُسْبغَ البرِّ الجَزِيْلِ ومُسَبِلَ الـ ... سِّتْرِ الجَمِيْلِ عَمِيْمُ طَوْلِكَ طَائِلُ
يا عَالِمَ السِّرِ الخَفِيّ ومُنْجِزَ الْـ ... وَعْدِ الوَفِيّ قَضَاءُ حُكْمِكَ عَادِلُ
عَظُمَتْ صِفَاتُكِ يَا عَظِيْمُ فَجَلَّ أَنْ ... يُحْصِي الثَّنَاءَ عَلَيْكَ فِيْهَا قَائِلُ
الذَّنْبُ أنْتَ لَهُ بِمَنِّكَ غَافِرٌ ... ولِتَوْبَةِ الَعاصِي بِحِلْمِكَ قَابِلُ
رَبٌّ يُرَبِيْ العَالَمِيْنَ بِبِرِّهِ ... وَنَوَالُهُ أبَدًا إِليْهمْ وَاصِلُ
يَأَتِْيكَ مِن ألْطَافِهِ الفَرَجُ الذِيْ ... لَمَ تَحْتَسِبْهُ وأنْتَ عَنْهُ غَافِلُ
يا مُوْجِدَ الأشْيَاءِ مَن ألَقْى إلَى ... أبْوَابِ غَيرِك فَهُو غٍِرٌ جَاهِلُ
ومَن اسْتَرَاحَ بِغَيرِ ذِكْرِكَ أَوْ رَجَا ... أحَدًا سِوَاكَ فَذَاكَ ظِل زَائِلُ
عَمَلٌ أرِيْدَ بِه سِوَاكَ فإنَّهُ ... عَمَلٌ وإنْ زَعَمَ المُرَائِيْ بَاطِلُ
وإذا رَضَيْتَ فَكُلُ شَيْءٍ هَيِنٌ ... وإذَا حَصَلْتَ فَكُلُ شَيْءٍ حَاصِلُ
أَنَا عَبْدُ سُوءٍ آبِقٌ كَلٌّ عَلَى ... مَوْلَاه أَوْزار الكَبَائِرِ حَامِلُ
قد أَثْقَلَتْ ظَهِرْي الذُنُوبُ وَسَوَّدَتْ ... صُحْفِي العُيُوبُ وسِتْرُ عَفْوِكَ شَامِلُ
هَا قَدْ أَتَيْتُ وَحُسْنُ ظَنِّيْ شَافِعِيْ ... وَوَسَائِليْ نَدَمٌ ودَمْعٌ سَائِلُ
فاغِفْرْ لِعَبْدِكَ مَا مَضَى وَارْزُقْهُ تَوْ ... فِيْقًا لِمَا تَرْضَى فَفَضْلُكَ كَامِلُ
وافْعَلْ بِهَ مَا أَنْتَ أهْلُ جَمِيْلِهِ ... والظَّنُّ كُلَّ الظَّنِّ أنكَ فَاعِلُ
وصَرَفْتُ إلى رَبِّ الأنام مَطَالِبي ... وَوَجَّهْتُ وَجِهي نَحْوَهُ وَمَآربي
إلى المَلكِ الأعْلَى الذَي لَيْسَ فَوقَهُ ... مَلِيْكٌ يُرَجَّى سَيْبُهٌ في الْمَتاعِبِ
إلَى الصَّمَد البَرَّ الذي فَاضَ جُوْدُهُ ... وعَمَّ الوَرَى طُرًا بجَزْلِ المَوَاهِبِ
مُقِيْليْ إذَا زَلَّتْ بِيَ النَّعْلُ عَاثِرًا ... وأسْمَحَ غَفَّارٍ وأكْرمَ وَاهِبِ
فَمَا زَالَ يُوْلِيْني الجَميْل تَلَطُّفًا ... ويَدْفَعُ عَنِّي في صُدُورِ النَّوائِبِ
ويَرْزُقُني طِفْلاً وكَهْلاً وقَبْلَهَا ... جَنْينًا ويَحْمِيْني وَبيَ المكَاسِبِ
إذَا أَغْلَقَ الأَمْلاَكُ دُوْني قُصُورَهُمْ ... ونَهْنَهَ عن غِشْيانهِمْ زجر حَاجِبِ
فزعت إلى بَابِ المُهَيْمِن طَارقًا ... مُدِلاً أنُادي باسْمِهِ غَيْرَ هَائِبِ
فَلَمْ أَلْفِ حُجَّابًا وَلم أَخْشَ مِنْعَةً ... ولَوْ كَانَ سُؤْليْ فَوْقَ هَامِ الكَواكِبِ
كَريْمٌ يُلَبيْ عَبْدَهُ كُلَّمَا دَعَا ... نَهَارًا ولَيْلاً فَي الدُجَى وَالغَياهِبِ
سَأسْألُهُ مَا شِئْتُ إنَّ يَمِيْنَهُ ... تَسِحُّ دِفَاقًا باللِّهَى والرَّغَائِبِ
فَحَسْبِيَ رَبِيْ في الهَزَاهِزِ مَلْجَاًّ ... وحِرْزًا إذَا خِيْفَتْ سِهِامُ النَّوائِبِ
يا مَنْ يُغِيْثُ الوَرَى مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا ... ارْحَمْ عِبادًا أكُفَّ الفَقْر قَدْ بَسَطُوا
عَوَّدْتَهُمْ بَسْطَ أرْزَاقٍ بلا سَبَبٍ ... سِوِى جَميلِ رَجَاءٍ نحوَهُ انْبَسَطُوا ...
وَعَدْتَ بالفَضْلِ في وِرْدٍ وفي صَدَرٍ ... بالجُودِ إنْ أَقْسَطُوا والحِلْمِ إنْ قَسَطُوا
عَوارِفُ ارْتَبَطَتْ شُمُّ الأُنوفِ بها ... وكلُ صَعْبٍ بقَيْدِ الجُوْدِ يَرْتَبِطُ
يا مَنْ تَعَرّفَ بالمَعروفِ فاعْتَرَفَتْ ... بِجَمِّ إنْعامِهِ الأطرافُ والوَسَطُ
وعالِمًٍا بخَفِيَّات الأمور فلا ... وَهْمٌ يَجُوزُ عليهِ لا ولا غَلَطُ
عَبْدٌ فَقِيرٌ بِبَابِ الجُوْدِ مُنْكَسِرًا ... مِنْ شأنِهِ أنْ يُوافي حِيْنَ يَنْضَغِطُ
مَهْمَا أتَى لِيَمُدَّ الكفَّ أَخْجَلهُ ... قَبَائحٌ وخَطَايَا أَمْرُها فَرَطُ
يا وَاسِعًا ضَاقَ خَطْوُ الخَلْقِ عنْ نِعَمٍ ... منه إذا خَطبُوا في شُكْرِها خَبَطُوا
وناشِرًا بِيَدِ الإِجْمالِ رَحْمَتَهُ ... فلَيْسَ يَلْحَقُ منه مُسْرِفًا قَنَطُ
ارْحَمْ عِبادًا بضَنْكِ العَيشِ ما لَهُمُوْا ... غَيرُ الدُجْنةِ لحُفٌ والثَّرى بُسُطُ
لكَنَّهم مِنْ ذُرَى عَلْياكَ في نَمَطٍ ... سَامٍ رفِيْع الذُرَى ما فَوقَه نَمَطُ
إلهيْ وَخَلاَّقِيْ وَسُؤْلِيْ وَمَوْئِليْ ... إليْكَ لدَى الإعسار واليْسْرِ أَفْزَعُ
إلهِيْ لَئِنْ خَيَّبْتَني وَطَرَدْتَنِيْ ... فَمَنْ ذَا الذيْ عَمَّا أُحَاذِرُ يَنْفَعُ
إِلهِيْ لَئِنْ جَلَّتْ وَجَمَّتْ خَطِيْئَتِيْ ... فَعَفْوُكَ عَن ذَنْبِيْ أَجَلُّ وَأَوْسَعُ
إلهِي لَئِنْ أَعْطَيْتُ نَفْسِي سُؤْلَهَا ... فَهَا أنا في رَوْضِ النَّدامَةِ أَرْتَعُ
إلهِيْ تَرَى حَالِيْ وَفْقْرِيْ وَفَاقَتِيْ ... وأَنْتَ مُنَاجَاتِيْ الخَفِيَّةَ تَسْمَعُ
إلهِيْ فلا تَقْطَعْ رَجَائِي وَلاَ تُزِغْ ... فؤادي فَلِي في سَيْبِ جُوْدِكَ مَطْمَعُ
إلهِيْ أجِرْنِيْ مِنْ عَذَابك إنَّني ... أَسِيْرٌ ذليلٌ خائِفُ لَك أخضعُ
إلهِيْ فَآنِسْنِيْ بتَلْقِيْنِ حُجَّتِيْ ... إذا كَان ليْ في القَبْر مَثْوىً وَمَضْجَعُ
إِلهِيْ لَئِنْ عَذَّبْتَنِي أَلْفَ حَجَّةً ... فَحَبْلُ رَجَائِيْ مِنْكَ لا يَتَقَطَّعُ
إلهِي أَذِقْنِيْ طَعْمَ عَفْوِكَ يَوْمَ لاَ ... بَنُوْنَ وَلا مَالٌ هُنَالِكَ يَنْفَعُ
إلهِيْ لَئِنْ لَم تَرْعَنيْ كُنْتُ ضَائِعًا ... وإنْ كُنْتَ تَرْعَانِي فَلَسْتُ أُضَيَّعُ
إلهِيْ إذَا لَمْ تَعْفُ عَن غَيْرِ مُحْسنٍ ... فَمَنْ لِمُسِيءٍ بالْهَوَى يَتَمتَّعُ
إلهِيْ لَئِنْ قَصَّرْتُ في طَلَبِ التُّقَي ... فَلَسْتُ سِوَى أَبْوَابِ فَضْلِكَ أَقْرَعُ
إلهِيْ أقِلْنِيْ عَثْرَتِيْ وَامْحُ زَلَّتِيْ ... فَإِنيْ مُقِرٌ خَائِفٌ مُتَضّرِّعُ
إلهِيْ لَئِنْ خَيَّبْتَنِي وَطَرَدتَنِيْ ... فَمَا حِيْلَتِيْ يَا رَبُ أَمْ كَيْفَ أَصنَعُ
إِلهِيْ حِليْفُ الحُبِّ باللَّيْلِ سَاهرٌ ... يُنَاجِيْ وَيَبْكِيْ والغَفُولُ يُهَجِّعُ
إلهِيْ لَئِنْ تَعْفُوُ فَعَفْوُكَ مُنْقِذِيْ ... وإنيْ يا رَبَّ الوَرَى لَكَ أخْضَعُ
كل شيء منكم عليكم دليل ... وضح الحق واستبان السبيل
أحدث الخلق بين كاف ونون ... من يكون المراد حين يقول
من أقام السماء سقفاً رفيعاً ... يرجع الطرف عنه وهو كليل
ودحا الأرض فهي بحر وبر ... ووعود مجهولة وسهول
وجبال منيفة شامخات ... وعيون معينة وسيول
ورياح تهب في كل جو ... وسحاب يسقي الجهات ثقيل
ودرار بكم وشمس وبدر ... ونجوم طوالع وأفول
حكمته تاهت البصائر فيها ... واعتراها دون الذهول ذهول
فالسماوات السبع والعرش والكر ... سي والحجب ذكرها التهليل
ممسك الطير في الهواء ومحيي ال ... حوت في الماء فهو كاف كفيل
سرمدي البقا أخيرٌ قديمٌ ... قصرت عن مدى علاه العقول
حيث لم يشتمل عليه مكان ... يحتويه أو غدوة وأصيل
من له الملك والملوك عبيد ... وله العز والعزيز ذليل
كل شيء سواه يفنى ويبلى ... وهو حي سبحانه لا يزول
ألفت بره البرايا فهم في ... رحمة ظلها عليهم ظليل
سيدي أنت مقصدي ومرادي ... أنت حسبي وأنت نعم الوكيل
أحي قلبي بموت نفسي وصلني ... وأنلني إن الكريم ينيل
وأجرني من كل خطب جليل ... قبل قول الوشاة صبر جميل
وافتقدني برحمة وأقلني ... من عثاري فإنني مستقيل
كيف يظمأ قلبي وعفوك بحر ... زاخر طافح عريض طويل
رب صفحاً فإن ذنبي كبير ... واصطباري على العذاب قليل
والرجا فيك والرضا منك فضل ... ولك المنُّ والعطاء الجزيل
لك الحمد يا مستوجب الحمد دائماً ... على كل حال حمد فان لدائم
وسبحانك اللهم تسبيح شاكر ... لمعروفك المعروف يا ذا المراحم
فكم لك من ستر على كل خاطئ ... وكم لك من بر على كل ظالم
وجودك موجود وفضلك فائض ... وأنت الذي ترجى لكشف العظائم
وبابك مفتوح لكل مؤمل ... وبرك ممنوح لكل مصادم
فيا فالق الأصاح والحب والنوى ... ويا قاسم الأرزاق بين العوالم
ويا كافل الحيتان في لج بحرها ... ومؤنس في الآفاق وحش البهائم
ويا محصي الأوراق والنبت والحصى ... ورمل القلا عداً وقطر الغمائم
إليك توسلنا بك اغفر ذنوبنا ... وخفف عن العاصين ثقل المظالم
وحبب إلينا الحق واعصم قلوبنا ... من الزيغ والأهواء يا خير عاصم
ودمر أعادينا بسلطانك الذي ... أذل وأفنى كل عاث وغاشم
ومن علينا يوم ينكشف الغطا ... بستر خطايانا ومحو الجرائم
إذا كان شكري نعمة الله نعمة ... علي له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله ... وإن طالت الأيام واتصل العمر
إذا عم بالسراء عم سرورها ... وخص بالضراء أعقبها الأجر
لله في الآفــــاق آيات *** لعل أقلها هو ما إليه هـداك
ولعل ما في النفس من آياته***عجب عجاب لو ترى عيناك
والكون مشحون بأسرار إذا***حاولت تفسيراً لها أعــياك
قل للطبيب تخطفته يد الردى*** يا عارف الأدواء من أرداك
قل للمريض نجا وعوني بعدما ***عجزت فنون الطب من عافاك
قل للصحيح يمـوت لا من علة*** من بالمنايا يا صحيح دهـاك
قل للبصير وكان يحـذر حفرة*** فهوى بها من ذا الذي أهواك
بل سائل الأعمى خطا بين الزحام***بلا اصطدام من يقود خطاك
قل للجنين يعيش معزولاً بلا *** راع ومرعى من الذي يرعاك
قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء *** لدى الولادة مـا الذي أبكـاك
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه*** فاسأله من ذا بالسموم حشــاك
واسأله كيف تعيش يا ثعبان *** أو تحيى وهذا السـم بملء فاك
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت ***شهداً وقل للشهد من حلاّك
بل سائل اللبن المصفى كان بين*** دم وفرث من الذي صفـاك
وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا*** ميت فاسـأله من أحيـاك
قل للهواء تحسه الأيدي ويخفى ***عن عيون الناس من أخفـاك
قل للنبات يجـف بعد تعهـد *** ورعـاية من الجفان رمـاك
وإذا رأيت النبت في الصحراء *** يربو وحده فاسأله من أرباك
وإذا رأيت البدر يسري ناشراً *** أنواره فاسأله من أســراك
واسأل شعاع الشمس يدني *** وهو أبعد كل شيء ما الذي أدناك
قل للمرير من الثمار من الذي *** بالمر من دون الثمار غـذاك
وإذا ترى الجبل الأشم مناطحاً*** قمم السحاب فسله من أرساك
وإذا ترى صخراً تفجر بالمياه*** فاسأله من بالماء شق صفاك
وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال*** جرى فسله من الذي أجراك
وإذا رأيت البحر بالملح الأجاج *** طغى فسله من الذي أطغاك
وإذا رأيت الليل يغشى داجياً *** فاسأله من يا ليل حاك دجاك
وإذا رأيت الفجر ضاحكاً *** فاسأله من يا صبح ساق ضحاك
هذه عجائب طالما أخذت بها *** عيناك وانفتحـت بها أذنـاك
يا أيها الماء المهين من الذي سـواك ***ومن الذي في ظلمة الأحشاء قد والاك
ومن الذي تعصي ويغفر دائماً *** ومن الذي تنسى ولا ينساك
يا أيها الإنسان مهلاً ما الذي *** بالله جـل جـلاله أغـراك
الله ما زال دون سائر خلقة *** وإلى الهدى والنور قاد خطاك
بك أستجير ومن يجير سواك***فأجر ضعيفاً يحتمي بحمـاك
يا مدرك الأبصار والأبصار*** لا تـدري له.. ولكنه إدراك
أتراك عين في الدّنا ولها *** مدىً لا تستطيع إذا به رؤياك
إن لم تكف عيني تراك فإنني*** في كل شيء أستبين علاك
لكن ما أرجو أراك إلهنا في ***جنة هي دار من أرضـاك
يا رب أذنبت وآذتنـي *** ذنوب ما لـها من غـافر إلاّك
يا غافر الذنب العظيم وقابلاً *** لتوب قلـب تائب ناجاك
أتردّه وتردّ صادق توبتي *** حاشاك ترفض تائباً حاشاك
يا ربّ جئتك نادماً أبكي*** على ما قدمته يداي لا أتبـاك
أخشى من العرض الرهيب عليك***يا رب وأخشى منك إذ ألقــاك
يا ربّ عدت إلى رحابك تائباً ***مستسلماً مستمسكاً بعـراك
إني أويت لكل مأوىً في الحياة *** فما رأيت أعزّ من مأواك
وتلمّست نفسي السبيل إلى*** النجاة فلم تجد منجى سوى منجاك
وبحثت عن سرّ السعادة جاهداً *** فوجدت هذا السرّ في تقواك
فليرضى عنيّ الناس أو لا *** أنا لم أعد أسعى لغير رضاك
أدعوك يا ربّ لتغفر حوبتي *** وتعينني وتمدّني بهــداك
فاقبل دعائي واجب رجاتي*** ما خاب يوماً من دعا ورجاك
أي لحن مسلسل رقراق راح ينساب في مدى الآفاقِ
أيقظ الكون حين منبثق الفجر على غمرةٍ من الأشواقِ
وإذا الحب ملء هذا الوجود الرحب يسري في روعةٍ وانطلاقِ
وإذا الكائنات يغرقها الوجد الإلهي في سنى الإشراقِ
والجبال الشماء تشخص نحو الله سكرى في ذهلة المشتاقِ
وندى الفجر في الرياض الحوالي أدمع الشوق رقرقت في المآقي
أي لحنٍ مخلدٍ سرمدي من لحون الآزال والآبادِ
أي لحنٍ قد صيّر الكون أغرودة حبٍ رخيمة الإنشادِ
يا لهذا النشيد تنطلق الأرواح فيه من ربقة الأجسادِ
يا لهذا النشيد يوغل في أعماق ذاتي محطماً أصفادي
يا لقيدي الأرضي يسحقه اللحن ويذروه حفنةً من رمادِ
وإذا الروح في تجرده يسمو مشعاً كالكوكب الوقادِ
عانق اللحن مصعداً وتوارى يتخطى شواسع الأبعادِ
غارقاً في صفائه قد تغشته غواشي غيبوبةٍ وامتدادِ
كلما رنّ في السكون صدى تسبيحة الله رائع الترديدِ
وسرت في الأثير أنغامها الطهر وأوغلن في الفضاء البعيدِ
أهطعت أنفسٌ وذابت قلوبٌ يزدهيها الفناء في المعبودِ
وتسامى الشعور يلهب فيها خلجات الإيمان والتوحيدِ
يا لهذا الصفاء يا لتجلي الله .. يا روعة الجلال الفريدِ
لكأني بالكون يهتف: يا ربُّ، ويمضي مستغرقاً في الشرودِ
لكأني أحسُّ وشك اتصالي .. لكأني أشمُّ عطر الخلودِ
=========================
همَّت الفُلْك واحتواها الماءُ
وَحَداها بمن تقل الرجاءُ
ضرب البحر ذو العباب حواليها
سماءً قد اكبرتها السماءُ
رَبِّ ان شئت فالفضاء مضيق
واذا شئت فالمضيق فضاءُ
فاجعل البحر عصمة وابعث الرحمةَ
فيها الرياح والانواءُ
انت أُنْسٌ لنا اذا بعد الأُنْس
وانت الحياة والاحياء
يتولى البحار مهما ادلهمت
منك في كل جانب لَأْلاءُ
واذا ما علت فذاك قيام
واذا ما رَغَتْ فذاك دعاءُ
فاذا راعها جلالك خَرَّت
هيبة فهي والبساط سواء
الحمد لله لا شريك له
من لم يقلها فنفسه ظلما
المُولج الليل في النهار
وفي الليل نهارا يُفَرِّج الظُلما
الخافض الرافع السماء على الأرض
ولم يبن تحتها دَعَما
الخالق البارئ المصور في الأرحام
ماء حتى يصير دما
من نطفة قدَّها مقدرها
يخلق منها الأبشار والنسما
ثم عظاما أقامها عصبٌ
ثُمَّتَ لحما كساه فالتأما
ثم كسا الريش والعقائق أبشارا
وجلدا تخاله أَدَما
والصوت واللون والمعايش والأخلاق
شتى و فرق الكَلِما
ثُمَّتَ لا بد أن سيجمعكم
والله جهرا شهادةً قَسَما
فائتمروا الآن ما بدا لكم
واعتصموا إن وجدتم عصما
في هذه الأرض والسماء ولا
عصمة منه إلا لمن رحما
سرت نفحات الحق من جانب القدس
فطارت حمامات القلوب من الحبس
وفاح عبير الوصل من ذلك الحمى
صباحا ولكنا شممناه من الأمس
ونادى منادي الطور موسى كليمه
لنعليك فاخلع أنت بالجانب القدسي
عرائس عرفان فأد صداقها
وما هو إلا نزع وصفك والنفس
وإياك والشرك الخفي فإنه
حجاب لدى الأفراد عن وحدة الجنس
ودع عنك نوع الغين فالعين واحد
إليه توجه بالبصيرة والحس
وخل خيال الفرق فالجمع مورد
لأضهل الهيام الشاربين من الكأس
فما ثم إلا واحد فاض جوده
على كل ذرات الوجود بلا لبس
توضأ بماء الغيب واغسل بسره
عن القلب غين العين أو درن الرجس
وإن كنت من أهل الحجاب عن اللقا
تيمم صعيدا بالبراهين والدرس
وصل صلاة العارفين فإنها
لروحك معراج إلى ذلك الكرسي
وصم عن سراه واعتكف في شهوره
وحج إليه تارك الجن والأنس
وزك عن الإشراك أعمالك التي
عملت لتجني باللقا ثمر الغرس
وسر في سلوك القوم واختر مؤدبا
على السنة الغراء والمنهج الأنسي
ولازم طريق الشرع ما دمت أنه
حياتك في الدنيا ونورك في الرمس
------------------------------
إذا ما علا يأْسي يغالب لي الرجا
ويحجب من رَيَّا الرضا ما تأرَّجا
سللت على اليأس الرجيم عزيمتي
حساما فألقته قتيلا مُضَرَّجا
وقلت لنفسي لا تراعي لأَزْمَة
فكم نَفَّس الرحمان كَرْبا وفَرَّجا
وميلي إلى الصبر الجميل فإنه
لَيَنْصُرُ من للصبر مالَ وعرَّجا
وديني بتقوى الله يجعلْ بلطفه
لك الله من كل المضايق مخرجا
وإذ ما كرهت الأمر فارْضَيْ وسَلِّمي
ففي طَيِّهِ المحبوبُ يأتيك مُدْرجا
فهذي سبيل إن هديتَ لقصدها
وجدت إلى مرقى السعادة معرجا
أما إنني إمَّا دَجَا الخطْبُ مُبْصِرٌ
سراج رجائي في دياجيه مُسْرَجا
ولي ثقة بالله أعلم أنها
تُسَهِّل صعبي إن زماني حَرَّجا
رجائي رجا عبد تأدب دائما
لصدق الرجا في ربه وتخرجا
وعندي يقين أن أجمل صنعة
يوافي بأجمال الصنائع من رجا
وحالي بشكر الله حالٍ بِحِلْيَةٍ
تَبَلَّجَ مرأى حسنها وتَبَرَّجا
تَبَارَكَ مَنْ شُكْرُ الوَرَى عَنْهُ يَقْصُرُ ... لِكَوْنِ أَيَادِي جُوْدِهِ لَيْسَ تُحْصَرُ
وَشَاكِرُهَا يَحْتَاجُ شُكْرَاً لِشُكْرِهَا ... كَذَلِكَ شُكْرُ الشُّكْرِ يَحْتَاجُ يُشْكَرُ
فَفِيْ كُلِّ شُكْرٍ نِعْمَةٌ بَعْدَ نِعْمَةٍ ... بِغَيْرِ تَنَاءٍ دُوْنَهَا الشُّكْرُ يَصْغُرُ
فَمَنْ رَامَ يَقْضِيِ حَقٍّ وَاجِبِ شُكْرهَا ... تَحَمَّلَ ضِمْنَ الشُّكْر مَا هُو أَكْبَرُ
تَسَبِّحُهُ الحِيْتَانُ في الْمَا وفي الْفَلاَ ... وُحُوْشٌ وَطَيْرٌ في الهَوَاء مُسَخَّرُ
وَفي الفُلْكِ وَالأَمْلاَكِ كُلٌ مُسَبِّحٌ ... نَهَارَاً وَلَيْلاً دَائِمَاً لَيْسَ يَفْتُرُ
تُسَبِّحُ كُلُّ الكَائِنَاتِ بحَمْدِهِ ... سَمَاءٌ وَأَرْضٌ وَالجِبَالُ وَأَبْحَرُ
جَمْيَعًا وَمَنْ فِيْهنَّ وَالكُلُّ خَاشِعٌ ... لِهَيْبَتِهِ العُظْمَى وَلاَ يَتَكَبَّرُ
لَهُ كُلُّ ذرَّاتِ الوُجُوْدِ شَوَاهِدٌ ... عَلَى أنهُ البَارِيْ الإِلَهُ المُصَوِّرُ
دَحَا الأَرْضَ وَالسَّبْعَ السَّمَاوَاتِ شَادَهَا ... وَأَتْقَنَهَا لِلْعالَمِيْنَ لِيَنْظُرُوا
وَأَبْدَعَ حُسْنَ الصُّنْعِ في مَلَكُوْتِهَا ... وَفي مَلَكُوْتِ الأَرْضِ كَيْ يَتَفَكَّرُوا
وَأَوْتَدَهَا بِالرَّاسِيَاتِ فَلَمْ تَمِدْ ... وَشًقَّقَ أَنْهَارَاً بِهَا تَتَفَجَّرُ
وَأَخْرَجَ مَرْعَاهَا وَبَثَّ دَوَابَهَا ... وَلِلْكُلِّ يَأَتِي مِنْهُ رَزْقٌ مُقَدَّرُ
مِنْ الحَبِّ ثُمَّ الأبِّ والقَضْبِ وَالكَلاَ ... وَنَخْلٍ وَأَعْنَابٍ فَوَاكِهُ تُثْمِرُ
فأَضْحَتْ بِحُسْنِ الزَّهْرِ تَزْهُوْ رِيَاضُهَا ... وَفِي حُلَلٍ نَسْجُ الرَّبِيْعِ تَبَخْتَرُ
وَزَانَ سَمَاءً بِالمَصَابِيْحِ أَصْبَحَتْ ... وأَمْسَتْ بِبَاهِي الحُسْنِ تَزْهُوْ وَتُزْهَرُ
تَرَاهَا إِذَا جَنَّ الدُّجَى قَدْ تَقَلَّدَتْ ... قَلاَئِدَ دُرِّيٍّ لِدُرٍّ تُحَقِّرُ ...
فَيَا نَاظِرًا زَهْرَ البَسَاتِيْنَ دُوْنَهَا ... أَظُنُّكَ أَعْمَى لَيْسَ لِلْحُسْنِ تَبْصِرُ
وَيَا مَنْ لَهَا إِنَّ المَحَاسِنَ كلَّهَا ... بدَارٍ بهَا مالا عَلَى القَلْبِ يَخْطُرُ
وَلاَ سمِعَتْ أُذْنٌ وَلاَ الْعَيْنُ أَبْصَرَتْ ... وَمَا تشْتهيْهِ النَّفْسُ في الحَالِ يَحْضُرُ
المديح النبوية
حملتك آمنة الحصان فلم تجد ... عب ءا كعبء الحاملات ثقيلا
وولدت مختونا وذلك آية ... لا تقبل التأويل والتعليلا
ورأت لك الاحبار والرهبان في ال ... توراة وصفا طابق الإنجيلا
واستبشروا بك إذ ظهرت وبشّروا ... الّا قليلا حرّفوا ما قيلا
وكذاك بشّرت الهواتف في الرّبى ... بك والكواهن أجملت تفصيلا
والجنّ ترمي بالكواكب بعد ان ... كانت تطيق الى السماء وصولا
وخمود بيت النار من آياتك ال ... لاتي تردّ الطرف عنك كليلا
وكذا بحيرة ساوة غارت وقد ... كانت جوانبها تفوت الميلا
وكذلك الايوان أعظم معجز ... بهر العقول وحيّر المعقولا
لما هوت شرفاته وانشقّ مر ... تجس البناء مشطرا مخذولا
واسترضعتك حليمة فرأت من ال ... بركات ما أغنى أخا وخليلا
وبيمن وجهك صدّ خالقك العدا ... عن بيت كعبته وردّ الفيلا
وأسرّ للعمّ الشفيق بأنّ لاب ... ن أخيك شأنا في الوجود جليلا
فاحذر عليه من اليهود فإنّهم ... إن يقدروا يوما عليه اغتيلا
وأضاءت الدنيا واشرق نورها ... وبدا الهدى وغدا الضلال ضئيلا
وأتاك بالوحي الامين وانت في ... اقصى حرا متبتلا تبتيلا
فوعيت ما أوحى وقد ألقى به ... قولا من الذكر الحكيم ثقيلا
نورا كأنّ بكلّ قلب حله ... لضياء باطنه به قنديلا
عجز الورى عنه فما اسطاعوا له ... حاشاه تشبيها ولا تمثيلا
أبكي بذكر حمى العتيق وحاجر ... حتى لقد أدمى البكاء محاجري
وبذكر سلع تستهلّ مدامعي ... شوقا اليه كالسحاب الماطر
أترى أرى ذاك الحمى الزاهي الذي ... بالشوق أسماني وأسهر ناظري
وتقرّ عيني بالزمان وقربه ... وتسرّ في ذاك المقام سرائري
لم لا وفيه احمد الهادي الذي ... بالحقّ أرسل والبهاء الباهر
المصطفى البرّ البشير محمد ... ذو الفضل والذكر الرفيع العاطر
من اشرف الآباء كان وأطهر ال ... أصلاب نبعته وطيب عناصر
قد خصّه الرحمن منه بأنعم ... لا تنتهي وفضائل ومآثر
وهو الشفيع غدا اذا ما نوقش ال ... جاني واوقف ثمّ وقفة حائر
وله الفضيلة والوسيلة واللّوا ... والحوض في يوم المعاد الآخر
ويا خاتم الرسل الكرام ومن له ... أعلى مزايا فيهم ومفاخر
من لا تكون شفيعه في عرضه ... فأتت مساعيه كصفقة خاسر
أنت المؤمّل عند عرض جرائمي ... ومعوّلي يوم الحساب وجابري
فاذا افتقدت ذخائري في محشري ... فمحبتي لك من أجلّ ذخائري
صلّى عليك الله ما نسخ الدّجى ... ضوء الصّباح المستنير الظاهر
سبحان من جعل الكواكب زينة ... وبهنّ في ظلم الليالي يهتدى
سبحان من رفع السماوات العلى ... والارض مهدها لاصناف الورى
سبحان من شقّ البحار بقدرة ... سبحان من أرسى الجبال على الثرى
سبحان من خلق العباد فمن رضي ... عنه استقلّ ومن تسخطه هوى
بعث النبيين الهداة، فمهدوا ... سبل اليقين واوضحوا طرق الهدى
واختار ملّتنا، وشرف ديننا ... بعلى محمد النبي المصطفى
خير البريّة محتدا واجلّهم ... نفسا واقصى الخلق في التقوى مدى
ختم النبوّة واستقام لدينه ... وعلى أوامره التي اوحى جرى
ما هان قطّ ولا صبا لنقيضة ... كلّا، ولا وعد الندى الا وفى
آثاره مشهورة، وخلاله ... مشكورة، وصفاته تعيي الثنا
شهد الخلائق كلّهم بكماله ... وعنا لرتبته الفراقد والسّها
ودعا الى التوحيد فانقادت له ... أسد الشرى طوعا وفرسان الوغى
لما اتى بالبينات تواضعوا ... قصدا وحلّوا في المتابعة الحبى
ما قال شعرا منذ كان ولا روى ... يوما اقاصيص القرون ولا تلا
صلّى عليه الله ما هبت صبا ... او جنّ ليل او بدا وضح الضّحى
هذا ثنائي وهو دون محلّه ... من ذا ينال بكفة بدر الدّجى؟
تذكر بالسّفح بانا وظلّا ... فأجرى المدامع وبلّا وطلّا
يرجّي زمانا تولى يعود ... وليس يعود زمان تولّى
كئيب تحمل ما لا يطيق ... له الفخر من ألم البين حملا
يبيت يكابد آلامه ... وأسقامه وكما بات ظلّا
وضيّع اوقاته في عسى ... وماذا تفيد عسى او لعلّا؟
ويشرب من ماء أجفانه ... على الظمأ البرح نهلا وعلّا
أحبتنا اكثر العمر راح ... عتابا فلا تتبعوه الاقلّا
وعودوا عسى ان يعود السرور ... فمنذ توليتم عنه ولىّ
ولا تحسبوا القلب يسلاكم ... فمن مثلكم مثله ما تسلّى
مللتم دنوّي وما عادتي ... اذا ملّني سادتي ان أملّا
وما خنت مذ كنت ميثاقكم ... ولست أخون وحاشا وكلّا
أذلّ لكم علّكم تعطفون ... عليّ وما شيمتي أن أذلّا
فيا بين مهلا فلو انّ لي ... بقية صبر لما قلت مهلا
فحيّا الحيا أحدا والبقيع ... وحيّا القرين ومن فيه حلّا
وسقى المدرّج ثمّ العقيق ... وسلعا وأرض قبا والمصلّى
منازل ما أطيب العيش في ... رباها على كلّ حال وأحلى
اذا سرت عنها أرى السهل وعرا ... وان زرتها ارى الوعر سهلا
وكيف أقول سقاها الحيا ... وأخشى عليها مدى الدهر محلا
وفيها الجواد الذي كفّه ... من السحب أندى وأجدى وأعلى
أجلّ العباد وأعلاهم ... وما خلّف دنيا وأخرى محلّا
نبيّ سخيّ حييّ وفيّ ... أبرّ البريّة قولا وفعلا
وسيم عليه يلوح القبول ... وسيما السعادة مذ كان طفلا
وخفّ على أمة حمله ... بلطف الاله فلم يشك ثقلا
تجلّى فأخجل بدر السما ... واشرقت الارض لمّا تجلى
وطهّره الله خلقا وخلقا ... وقولا وفعلا وفرعا وأصلا
وأثنى بما هو اهل له ... عليه وما زال للمدح أهلا
ومعجز كلّ نبيّ مضى ... ومعجزه أبد الدّهر يتلى
أذلّ الملوك له ربّه ... فكم بين أسرى لديه وقتلى
وطابت بتربته طيبة ... وحلّ بها الخير علوا وسفلا
أمات الذّحول بها لطفه ... فلم يبق بين الفريقين ذحلا
له الحوض طوبى لمن نال من ... هـ ريّا وويل لمن عنه ولّى
وما زال يملأ ارض العدو ... وفي طاعة الله خيلا ورجلا
ويسقي عداه كؤوس الحمام ... سقاة المنية دورا ونزلا
ويبذل مهجته طالبا ... رضا الله اذ ظهر الحقّ بذلا
فلله كم من ذليل أعزّ ... وفي الله كم من عزيز أذلّا
وفكّ أسيرا وآوى طريدا ... وعافى مريضا وأغنى مقلّا
وشقّ له القمر المستنير ... والشمس ردّت وناهيك فضلا
وسبّح في راحتيه الحصى ... لربّ العباد تعالى وجلّا
وحنّ اليه حنين العشار ... جذيع قديم وقد كان ذبلا
وناول في يوم بدر قضيبا ... لبعض الصحابة فارتدّ نصلا
وقد سجدت سرحة اذ رأته ... وأخرى اتته فلبّته عجلى
وخبّر عن كلّ شيء يكون ... بعد وعن كلّ ما كان قبلا
عجبت لمن يتعامى عن ال ... براهين وهي من الشمس أجلى
ويقلع في وجه تيار بحر ... هواه عنادا وبغيا وجهلا
أفي الحقّ شك اذا وفّق ال ... إله وقد صحّ عقلا ونقلا
يريدون ان يطفئوا نوره ... بأفواههم ضلّ شانيه ضلا
مدحت محمدا المصطفى ال ... كريم الحليم الحكيم الأجلّا
لعلّي في حوضه في غد ... اذا جئته ظاميا لا أخلّى
محمد، نحن كما قد علمت ... ضيوفك والضيف يحتاج نزلا
وما ذكروا عنك لا في الحياة ... ولا في الممات وحاشاك بخلا
هلم القرى وقرانا النجاة ... بدا العرض اذ يرجع العزّ ذلّا
وقفنا ببابك نشكو اليك ... من الكرب والكرب قد عمّ كلّا
وأنّى نظرت لنا نظرة ... تلاشى بها كربنا واضمحلّا
لم أقدّم وسيلة فيه إلّا ... حبّ خير الورى الشفيع الماحي
سيد العالمين دنيا وأخرى ... أشرف الخلق في العلا والسّماح
سيد الكون من سماء وأرض ... سرّه بين غاية وافتتاح
زهرة الغيب مظهر الوحي معنى ال ... نّور كنه المشكاة والمصباح
آية المكرمات قطب المعالي ... مصطفى الله من قريش البطاح
أول الأنبياء تخصيص زلفى ... آخر المرسلين بعث نجاح
صفوة الخلق أرفع الرّسل قدرا ... وسراج الهدى وشمس الفلاح
من لميلاده بمكة ضاءت ... من قرى قيصر جميع الضواحي
وخبت نار فارس وتداعت ... من مشيد الإيوان كلّ النواحي
من رقى في السّماء سبعا طباقا ... ورأى آي ربّه في اتّضاح
ودنا منه قاب قوسين قربا ... ظافرا في العلا بكلّ اقتراح
من هدى الخلق بين حمر وسود ... وجلا ليل غيّهم بالصّباح
من يجير الورى غدا يوم يجزى ... كلّ عاص وطائع باجتراح
من إلى حوضه وظلّ لواه ... يلجأ الناس بين ظام وضاحي
أحمد المجتبى حبيبا وأنّى ... فوق عزّ الحبيب مرمى طماح؟
في أناجيله المسيح تلاه ... باسمه والكليم في الألواح
ولكم حجّة وبرهان صدق ... في سماع أتى بها والتماح
إنّ في النجم والنبات لآيا ... بهرت، والجماد والأرواح
معجزات فتن المدارك وصفا ... وحسابا كالزّهر أو كالصباح
يا رواة القريض والشعر عجزا ... ما عسى تدركون بالأمداح
إنما حسبنا الصلاة عليه ... وهي للفوز آية استفتاح»
أصغى إلى الوجد لما جدّ عاتبه ... صبّ له شغل عمّن يعاتبه»
معاهد شرّفت بالمصطفى فلها ... من فضله شرف تعلو مراتبه
محمد المجتبى الهادي الشفيع إلى ... ربّ العباد أمين الوحي عاقبه
أوفى الورى ذمما أمساهم همما ... أعلاهم كرما جلّت مناقبه
هو المكمّل في خلق وفي خلق ... زكت حلاه كما طابت مناسبه
جاءت تبشّرنا الرّسل الكرام به ... كالصبح تبدو تباشيرا كواكبه
تطابق الكون في البشرى بمولده ... وطبّق الأرض أعلاما تجاوبه
له مقام الرضى المحمود شاهده ... في موقف الحشر إذ نابت نوائبه
والرّسل تحت لواء الحمد يقدمها ... محمد أحمد السامي مراتبه
له الشفاعات مقبولا وسائلها ... إذا دهى الأمر واشتدت مصاعبه
والحوض يروي الصّدى من عذب مورده ... لا يشتكي غلّة الظمان شاربه
محامد المصطفى لا ينتهي أبدا ... تعدادها هل يعدّ القطر حاسبه
فضل تكفّل بالدارين يوسعها ... نعمى ورحمى فلا فضل يناسبه
حسبي التوسّل منها بالذي سمحت ... به القوافي وجلّتها غرائبه
ثمّ الصلاة على خير البرية ما ... سارت إليه بمشتاق ركائبه»
بعد المزار ولوعة الأشواق ... حكما بفيض مدامع الآفاق»
يا ساريا والليل ساج عاكف ... يفري الفلا بنجائب ونياق
عرّج على مثوى النبيّ محمد ... خير البرية ذي المقام الراقي
ورسول ربّ العالمين ومن له ... حفظ العهود وصحّة الميثاق
الظاهر الآيات قام دليلها ... والطاهر الأخلاق والأعراق
بدر الهدى وهو الذي آياته ... وجبينه كالشمس في الإشراق
الشافع المقبول من عمّ الورى ... بالجود والإرفاد والإرفاق
الصادق المأمون أكرم مرسل ... سارت رسالته إلى الآفاق
أعلى الكرام ندى وأبسطهم يدا ... قبضت عنان المجد باستحقاق
وأشدّ خلق الله إقداما إذا ... حمي الوطيس وشمّرت عن ساق
أمضاهم والخيل تعثر في الوغى ... وتجول سبحا في الدّم المهراق
من صيّر الأديان دينا واحدا ... من بعد إشراك مضى ونفاق
وأحلّنا من حرمة الإسلام في ... ظلّ ظليل وارف الأوراق
حبّي إليك وسيلتي وذخيرتي ... إنّي من الأعمال ذو إملاق
قسما بطيب تراب طيبة إنّه ... مسك الأنوف وإثمد الأحداق
وعليك يا خير الأنام تحية ... تحيي النفوس بنشرها الفتّاق»
فيروزجُ الصبحِ أمْ ياقوتة ُ الشفقِ، … بدَتْ فهَيّجَتِ الوَرقاءَ في الوَرَقِ
أمْ صارِمُ الشّرقِ لمّا لاحَ مُختَضِباً، … كما بَدا السّيفُ مُحمَراً من العلَقِ
ومالتِ القضبُ، إذْ مرّ النسيمُ بها، … سَكرَى كما نُبّهَ الوَسنانُ من أرَقِ
والغيمُ قد نشرتْ في الجوّ بردتُه … ستراً تمدُّ حواشيهِ على الأفُقِ
والسحُّبُ تَبكي، وثَغرُ البَرّ مُبتَسِمٌ، … والطّيرُ تَسجَعُ من تيهٍ ومن شَبَقِ
فالطّيرُ في طرَبٍ، والسُّحبُ في حَربٍ، … والماءُ في هربٍ، والغصنُ في قلقِ
وعارضُ الأرضِ بالأنوارِ مكتملٌ، … قد ظلّ يشكرُ صوبَ العارِضِ الغدِقِ
وكلّلَ الطلُّ أوراقَ الغصونِ ضُحًى … كما تكلل خدُّ الخودِ بالعرقِ
وأطلَقَ الطّيرُ فيها سَجْعَ مَنطِقه، … ما بَينَ مُختَلِفٍ منهُ ومُتّفِقِ
والظلُّ يسرقُ بينَ الدوحِ خطوتَه، … وللمِياهِ دَبِيبٌ غَيرُ مُستَرَقِ
وقد بدا الوردُ مفتراً مباسمُهُ، … والنرجِسُ الغضُّ فيها شاخصُ الحدقِ
من أحمرٍ ساطعٍ، أو أخضرٍ نضرٍ، … أو أصفرٍ فاقعٍ، أو أبيضٍ يققِ
وفاحَ من أرجِ الأزهارِ منتشراً … نشرٌ تعطرَ منهُ كلُّ منتشقِ
كأنّ ذكرَ رسولِ اللهِ مرّ بها، … فأكسبتْ أرجاً من نشرهِ العبقِ
مَحمّدُ المُصطفَى الهادي الذي اعتصَمَتْ … بهِ الورَى ، فهداهم أوضحَ الطرُقِ
ومن لهُ أخذَ الله العهودَ على … كلّ النّبييّنَ من بادٍ ومُلتَحِقِ
ومَن رَقي في الطِّباقِ السّبعِ مَنزِلَة ً، … ما كانَ قطّ إليها قبلَ ذاكَ رَقي
ومَن دَنا فتَدَلّى نَحوَ خالِقِهِ، … كقابِ قَوسَينِ أو أدنَى إلى العُنُقِ
ومَن يُقَصِّرُ مدحُ المادِحينَ لَهُ … عَجزاً ويَخرَسُ رَبُّ المَنطِقِ الذَّلقِ
ويُعوِزُ الفِكرُ فيهِ إنْ أُريدَ لَهُ … وصفٌ، ويفضلُ مرآهُ عن الحدقِ
علاً مدحَ اللهُ العليُّ بها … فقال إنكَ في كلٍّ على خلقِ
يا خاتمَ الرسلِ بعثاً، وهي أولُها … فضلاً، وفائزُها بالسبقِ والسبقِ
جمعتَ كلّ نفيسٍ من فضائلهمْ، … مِن كلّ مُجتَمِعٍ منها ومُفترِقِ
وجاءَ في محكمِ التوارة ِ ذكرُك والـ … ـإنجيلِ والصّحُفِ الأولى على نَسَقِ
حمى دينك الدنيا وأقطعك الرضا … وتوجك العلياء وألبسك الحمدا
وطهر منك القلب لما استخصه … فجلله نورا وأوسعه رشدا
دعاه فما ولى هداه فما غوى … سقاه فما يظمى جلاه فما يصدا
تقدمت مختارا تأخرت مبعثا … فقد شملت علياؤك القبل والبعدا
وعلة هذا الكون أنت وكلما … أعاد فأنت القصد فيه وما أبدا
وهل هو إلا مظهر أنت سره … ليمتاز في الخلق المكب من الأهدى
ففي عالم الأسرار ذاتك تجتلي … ملامح نور لاح للطور فانهدا
وفي عالم الحس اغتديت مبوأ … لتشفي من استشفى وتهدي من استهدى
فما كنت لولا أن ثبت هداية … من الله مثل الخلق رسما ولا حدا
بماذا عسى يثني عليك مقصر … ولم يأل فيك الوحي مدحا ولا حمدا
بماذا عسى يجزيك هاو على شفى … من النار قد أسكنته بعدها الخلدا
عليك صلاة الله يا خير مرسل … وأكرم هاد أوضح الحق والرشدا
أقول والدمع من عينيّ منسجم ... لمّا رأيت جدار القبر يستلم
والناس يغشونه باك ومنقطع ... من المهابة أو داع فملتزم
فما تمالكت أن ناديت من حرق ... في الصدر كادت لها الأحشاء تضطرم
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهنّ القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم
وفيه شمس التّقى والدين قد غربت ... من بعد ما أشرقت من نورها الظلم
حاشا لوجهك أن يبلى وقد هديت ... في الشرق والغرب من أنواره الأمم
لقيت ربّك والإسلام صارمه ... ماض وقد كان بحر الكفر يلتطم
فقمت فيه مقام المرسلين إلى ... أن عزّ فهو على الأديان يحتكم
لئن رأيناه قبرا إنّ باطنه ... لروضة من رياض الخلد تبتسم
طافت به من نواحيه ملائكة ... تغشاه في كلّ يوم ثم تزدحم
لو كنت أبصرته حيا لقلت له ... لا تمش إلّا على خدي لك القدم
إن مات أحمد فالرحمن خالقه ... حيّ ونعبده ما أورق السّلم»
ويا نسيم الصّبا برّد لظى كبدي ... فإنّ ذيلك بالأنداء مبلول
واحمل رسايل أشواقي لطيبة لا ... زالت تحثّ لها النّجب المراسيل
سلّم على ربعها المحروس إنّ لها ... مجدا له برسول الله تأثيل
محمد خير مبعوث لأمته ... في الحشر والنشر تقديم وتفضيل
وكان يدعى نبيا حيث آدم لم ... يكن له قبل خلق الطين تشكيل
وكم له آية في الناس قد ظهرت ... لسردها جمل فينا وتفصيل
كم قد تحنّث يوما في حرى فأتى ... إليه من عند ربّ العرش جبريل
وقال قم فأت هذا الخلق تنذرهم ... فعقلهم عن سراج الحقّ معقول
فجاءهم بكتاب ليس يدخله ... شكّ على أنه لم يبق تضليل
وحي إليه من الله العظيم له ... عليه في كلّ حين منه تنزيل
باق على الدهر غضّ في تلاوته ... وما سواه على التكرار مملول
يا خاتم الرسل هل لي وقفة بمنى ... تقضى المنى عندها والقصد والسّول
وهل أزور ضريحا أنت ساكنه ... تسري إليك بي العيس المراقيل
حتى أروّى بلثم التّرب فيك حشا ... هيهات يشفي الظما من حرّها النيل
فكن شفيعي فإن تشفع فإني من ... لحدي إلى جنّة الفردوس منقول
مالي سوى حبّك المرجوّ من عمل ... أنفقت عمري وهذا فيه محصول
عليك صلّى إله الخلق ما نفحت ... ريح الشّمال وروض الحزن مطلول
وما حكى فيك ربّ النّظم ممتدحا ... بانت سعاد فقلبي اليوم متبول»
إليك رسول الله شوقي مجدّدا ... فيا ليتني يمّمت صدر الركائب
حبيبي شفيعي منتهى غايتي التي ... أرجّي ومن يرجوه ليس بخائب
محمد المختار والحاشر الذي ... بأحمد حاز المجد من كلّ جانب
رؤوف رحيم خصّنا الله باسمه ... وأعظم بماح في الثناء وعاقب
رسول كريم رفع الله قدره ... وأعلى له قدرا رفيع الجوانب
وشرّفه أصلا وفرعا ومحتدا ... يزاحم آفاق السما بالكواكب
سراج الهدى ذو الجاه والمجد والعلا ... وخير الورى الهادي الكريم المناسب
هو المصطفى المختار من آل هاشم ... وذو الحسب العدّ الرفيع المناصب
هو المصطفى المختار من آل هاشم ... وذو الحسب العدّ الرفيع المناصب
إمام النبيين الكرام وإنه ... لكالبدر فيهم بين تلك المواكب
بشير نذير مفضل متطوّل ... سراج منير بزّ نور الكواكب
عظيم المزايا ماله من مماثل ... كريم السّجايا ماله من مناسب
جليل جميل الخلق والخلق ماله ... نظير ووصف الله حجّة غالب
له معجزات مالها من معارض ... وآيات صدق مالها من مغالب
لقد شرّف الله الوجود بمرسل ... له في مقام الرّسل أعلى المراتب
وشرّف شهرا فيه مولده الذي ... جلا نوره الأسنى دياجي الغياهب
فشهر ربيع في الشهور مقدّم ... فلا غرو أنّ الفخر ضربة لازب
إلهي مالي بعد رحماك مطلب ... أراه بعين الرّشد أسنى المطالب
سوى زورة القبر الشريف وإنّه ... لموهبة فاقت جميع المواهب
عليه سلام الله ما لاح كوكب ... وما رافق الأظعان حادي الركائب»
دع عنك تعنيفي وذق طعم الهوى ... فإذا عشقت فبعد ذلك عنّف
برح الخفاء بحبّ من لو، في الدّجى ... سفر اللّثام، لقلت: يا بدر اختف «1»
وإن اكتفى غيري بطيف خياله ... فأنا الذي بوصاله لا أكتفي
وقفا عليه محبتي ولمحنتي ... بأقلّ من تلفي به لا أشتفي
وهواه وهو أليّتي وكفى به ... قسما أكاد أجلّه كالمصحف «2»
لو قال تيها: قف على جمر الغضا ... لوقفت ممتثلا ولم أتوقّف «3»
أو كان من يرضى بخدّي موطئا ... لوضعته أرضا ولم استنكف
لا تنكروا شغفي بما يرضى وإن ... هو بالوصال عليّ لم يتعطّف
لو أسمعوا يعقوب ذكر ملاحة ... في وجهه نسي الجمال اليوسفي
أولو رآه عائدا أيوب في ... سنة الكرى قدما من البلوى شفي
كملت محاسنه فلو أهدى السّنا ... للبدر عند تمامه لم يخسف
ولقد صرفت لحبّه كلّي على ... يد حسنه فحمدت حسن تصرّفي
فالعين تهوى صورة الحسن التي ... روحي بها تصبو إلى معنى خفي
أسعد أخيّ وغنّني بحديثه ... وانثر على سمعي حلاه وشنّف
لأرى بعين السمع شاهد حسنه ... معنى فأتحفني بذاك وشرّف
وعلى تفنّن واصفيه بحسنه ... يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف»
إذا القلب ثار أثار ادكارا ... لقلبي فأذكى عليه أوارا
أحنّ اشتياقا لريح سرت ... وأبدي هياما لبرق أنارا
حنينا وشوقا إلى معلم ... حوى شرفا خالدا لا يجارى
به أسكن الله أسمى الورى ... نبيا كريما وصحبا خيارا
هو المصطفى المنتقى المجتبى ... أرى معجزات وآيا كبارا
يحقّ علينا ركوب البحار ... وجوب القفار إليه ابتدارا
فيا فوز من فاز في طيبة ... بلثم المغاني جدارا جدارا
وألصق خدا على تربها ... وأكمل حجّا بها واعتمارا
وأهدى السلام لخير الأنام ... على حين وافى عليه مزارا
فيا هادي الخلق دار نعيم ... تناهت جمالا وطابت قرارا
لأنت الوسيلة والمرتجى ... ليوم يرى الناس فيه سكارى
وما هم بسكارى ولكنهم ... دهتهم دواه فهاموا حيارى
فصلّى الإله، رسول الهدى ... عليك وأبقى هداك منارا
وقدّس ربي ثرى روضة ... يعمّ الجهات سناها انتشارا
أعير شذا المسك منها الثّرى ... بل المسك منه شذاه استعارا
هنيئا لمن بهداك اهتدى ... ومغناك وافى وإياك زارا»
أسرفن في هجري وفي تعذيبي ... وأطلن موقف عبرتي ونحيبي
يا سيد الرّسل الكرام ضراعة ... تقضي منى نفسي وتذهب حوبي
عاقت ذنوبي عن جنابك والمنى ... فيها تعلّلني بكلّ كذوب
هب لي شفاعتك التي أرجو بها ... صفحا جميلا عن قبيح ذنوبي
إنّ النجاة وإن أتيحت لامرىء ... فبفضل جاهك ليس بالتّسبيب
إني دعوتك واثقا بإجابتي ... يا خير مدعوّ وخير مجيب
قصّرت في مدحي فإن يك طيّبا ... فبما لذكرك من أريج الطّيب
ماذا عسى يبغي المطيل وقد حوى ... في مدحك القرآن كلّ مطيب»
يا ساريا والليل ساج عاكف ... يفري الفلا بنجائب ونياق
عرّج على مثوى النبيّ محمد ... خير البرية ذي المقام الراقي
ورسول ربّ العالمين ومن له ... حفظ العهود وصحّة الميثاق
الظاهر الآيات قام دليلها ... والطاهر الأخلاق والأعراق
بدر الهدى وهو الذي آياته ... وجبينه كالشمس في الإشراق
الشافع المقبول من عمّ الورى ... بالجود والإرفاد والإرفاق
الصادق المأمون أكرم مرسل ... سارت رسالته إلى الآفاق
أعلى الكرام ندى وأبسطهم يدا ... قبضت عنان المجد باستحقاق
وأشدّ خلق الله إقداما إذا ... حمي الوطيس وشمّرت عن ساق
أمضاهم والخيل تعثر في الوغى ... وتجول سبحا في الدّم المهراق
من صيّر الأديان دينا واحدا ... من بعد إشراك مضى ونفاق
وأحلّنا من حرمة الإسلام في ... ظلّ ظليل وارف الأوراق
حبّي إليك وسيلتي وذخيرتي ... إنّي من الأعمال ذو إملاق
قسما بطيب تراب طيبة إنّه ... مسك الأنوف وإثمد الأحداق
وعليك يا خير الأنام تحية ... تحيي النفوس بنشرها الفتّاق
نَبيُ تَسَامَى في الْمَشارقِ نُورُهُ ... فَلاَحَتْ هَوادِيِهِ لأهْل المَغَارِبِ
أَتَتْنَا بِهِ الأَنْبَاءُ قَبْلَ مَجِيئِهِ ... وَشَاعَتْ بِهِ الأخْبَارُ في كُلِّ جَانِبِ
وَرَامَ اسْتِرَاقَ السَّمْع جِنٌ فَزَيَّلَتْ ... مَقَاعدَهُمْ مِنْهَا رُجُومُ الْكَوَاكِب
هَدَانَا إلى مَا لَمْ نَكُنْ نَهْتَدِي لَهُ ... لِطُول العَمَى مِن وَاضِحَاتِ المذَاهِبِ
وَجَاءَ بِآيَاتٍ تبَيَّنَ أنَّهَا ... دَلاَئِلُ جَبَّارٍ مُثِيبٍ مُعَاقِبِ
فَمِنْهَا انْشِقَاقُ البَدْرِ حيْنَ تَعَمَّمَتْ ... شُعُوبُ الضِّيا مِنْهُ رُؤوسَ الأخَاشِبِ
وَمِنْهَا نُبُوعُ الماء بَيْنَ بَنَانِه ... وَقَدْ عَدِمَ الوُرَّادُ قُرْبَ المَشارِبِ
فَرَوَّى بِهِ جَمًا غَفِيرًا وَأَسْهَلَتْ ... بِأَعْنَاقِهِ طَوْعًا أَكُفُّ المذَانِبِ
وبِئْرٍ طَغَتْ بِالماء مِنْ مسِّ سَهْمِهِ ... وَمِنْ قَبْلُ لَمْ تَسْمَحْ بِمَذْقَةِ شَارِبِ
وَضَرْعٍ مَرَاهُ فَاسْتَدَرَّ وَلَمْ يَكُنْ ... بِهِ دِرَّةٌ تصْغَى إِلَى كَفِّ حَالِبِ
وَنُطْقٍ فَصِيحٍ مِنْ ذِرَاع مُبَينَةٍ ... لِكيْد عُدُوٍّ لِلْعَدَاوَةِ نَاصِبِ
وَمِنْ تِلْكُم الآياتِ وَحْيٌ أتىَ بِهِ ... قَرِيبُ المآتِي مُسْتَجِمُّ العَجَائِبِ
تَقاصَرتِ الأفْكَارُ عَنْهُ فَلَمْ يُطِعُ ... بَلِيغًا وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ خَاطِبِ
حَوَى كُلَّ عِلْمٍ وَاحْتوى كُلَّ حِكْمَةٍ ... وَفَاتَ مَرَامَ المُسْتَمِرِّ المُوارِبِ
أَتَانَا بِهِ لا َعَنْ رَويَّةِ مُرْتَئي ... وَلاَ صُحْفِ مُسْتَمْلٍ وَلاَ وَصْفِ كَاتِبِ
يُواتيِهِ طَوْرًا في إجَابَةِ سَائِلٍ ... وَإفْتَاءٍ مُسْتَفْتٍ وَوَعْظِ مُخَاطِبِ
وَإتْيَانِ بُرْهانِ وَفَرْضِ شَرَائِع ... وَقَصِّ أحادِيثِ وَنَصِّ مَآرِبِ
وَتَصْرِيفِ أمْثَالٍ وَتَثْبَيتِ حُجَّة ... وَتَعْرِيفِ ذِي جَحْد وَتَوْقِيفِ كَاذِب
وَفي مَجْمَعِ النَّادِي وَفي حَوْمَةِ الوَغَي ... وَعِنْدَ حُدوثِ المُعْضِلاَتِ الغَرَائِبِ
فيَأَتِي عَلى مَا شِئْتَ مِنْ طُرُقاتِهِ ... قَوِيمَ المَعانِي مُسْتِدرَّ الضَّرَائِبِ
يُصَدِّقُ مِنْهُ البَعْضُ بَعْضا كَأَنَّمَا ... يُلاحِظُ مَعْنَاهُ بِعَيْنِ المُرَاقِبِ
وعَجْزُ الوَرَى عَنْ أنْ يَجِيئُوا بمثْلِ مَا ... وَصَفْنَاهُ مَعْلُومٌ بِطُولِ التَّجارُبَ
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ أكْرَمَ مُنْجَبِ ... جَرَى في ظُهُورِ الطَّيِّبِينَ المنَاجِبِ
تعليقات