المحفوظ
النسيب
شهاب الدين السهروردي
أبدًا تحن إليكم الأرواح … ووصالكم ريحانها والراح
وقلوب أهل ودادكم تشتاقكم … وإلى لذيذ لقائكم ترتاح
بالسر إن باحوا تباح دماؤهم … وكذا دماء البائحين تباح
وإذا هم كتموا تحدث عنهم … عند الوشاة المدمع السفاح
وبدت شواهد للسقام عليهم … فيها لمشكل أمرهم إيضاح
خفض الجناح ولكم وليس عليكم … للصب في خفض الجناح جناح
فإلى لقاكم نفسه مرتاحة … وإلى رضاكم طرفه طماح
عودوا بنور الوصل من غسق الجفا … فالهجر ليل والوصال صباح
صافاهم فصفوا له فقلوبهم … في نورها المشكاة والمصباح
وتمتعوا فالوقت طاب لقربكم … راق الشراب ورفت الأقداح
يا صاح ليس على المحب ملامة … إن لاح في أفق الوصال صباح
لا ذنب للعشاق إن غلب الهوى … كتمانهم فنمى الغرام فباحوا
سمحوا بأنفسهم وما بخلوا بها … لما دروا أن السماح رباح
ودعاهم داعي الحقائق دعوة … فغدوا بها مستأنسين وراحوا
ركبوا على سنن الوفاء ودموعهم … بحر وشدة شوقهم ملاح
والله ما طلبوا الوقوف ببابه … حتى دعوا وأناهم المفتاح
لا يطربون لغير ذكر حبيبهم … أبدًا فكل زمانهم أفراح
حضروا وقد غابت شواهد ذاتهم … فتهتكوا لما رأوه وصاحوا
أفناهم عنهم وقد كشفت لهم … حجب البقا فتلاشت الأرواح٨
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم … إن التشبه بالكرام فلا
الاعزازي
صاح في العاشقين بالكنانه ... رشأ في الجفون منه كنانه
بدوي بدت طلائع لحظي ... هـ فكانت فتاكة فتانه
رد منا القلوب منكسرات ... عندما راح كاسراً أجفانه
وغزانا بقامة وبعين ... تلك سيافة وذي طعانه
وأرانا وقد تبسم برقاً ... فأريناه ديمة هتانه
فهو يقضي على النفوس ولم تق ... ض من الوصل في هواه لبانه
سافر الوجه عن محاسن بدر ... مائس القد عن معاطف بانه
لست أدري أراكة هز من أع ... طافه الهيف أم لوى خيزرانه
خطرات النسيم تجرح خدي ... هـ ولمس الحرير يدمي بنانه
قال لي والدلال يعطف منه ... قامة كالقصيب ذات ليانه
هل عرفت الهوى فقلت وهل أن ... كر دعواه قال فاحمل هوانه
ابن زيدون
أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا ... وناب عن طيب لقيانا تجافينا
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا ... شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا
يكاد حين تناجيكم ضمائرنا ... يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
حالت لبينكم أيامنا فغدت ... سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا
إذ جانب العيش طلق من تألفنا ... ومورد اللهو صاف من تصافينا
وإذ هصرنا غصون الأنس دانية ... قطوفها فجنينا منه ما شينا
ليسق عهدكم عهد السرور فما ... كنتم لأرواحنا إلا رياحيناا
إن الزمان الذي ما زال يضحكنا ... أنساً بقربهم قد عاد يبكينا
غيظ العدى من تساقينا الهوى فدعوا ... بأن نغص فقال الدهر آمينا
فانحل ما كان معقوداً بأنفسنا ... وانبت ما كان موصولاً بأيدينا
وقد نكون وما يخشى تفرقنا ... فاليوم نحن وما يرجى تلاقينا
لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا ... أن طالما غير النأي المحبينا
والله ما طلبت أهواؤنا بدلاً ... منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا
يا ساري البرق غاد القصر فاسق به ... من كان صرف الهوى والود يسقينا
عليك مني سلام الله ما بقيت... صبابة منك تخفيها فتخفينا
أيوحشني الزمان وأنت أنسي ... ويظلم لي النهار، وأنت شمسي
وأغرس في محبتك الأماني ... فأجني الموت من ثمرات غرسي
لقد جازيت غدرا عن وفائي ... وبعت مودتي ظلما ببخس
ولو أن الزمان أطاع حكمي ... فديتك من مكارهه بنفسي
ودع الصبر محب ودعك. ذائع من سره ما استودعة
يقرع السن على ان لم يكن. زاد في تلك الخطى اذ شيعة
يا اخا البدر سناء وسنى. رحم الله زمانا اطلعك
ان يطل بعدك ليلي فلكم. بت اشكو قصر الليل معك
.
ابن زريق
لا تعذليه فإن العذل يولعه ... قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه
جاوزت في نصحه حداً أضر به ... من حيث قدرت أن النصح ينفعه
فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلاً ... من عنفه فهو مضني القلب موجعه
قد كان مضطلعاً بالخطب يحمله ... فضلعت بخطوب البين أضلعه
يكفيه من روعة التنفيذ أن له ... من النوى كل يوم ما يروعه
ما آب من سفر إلا وأزعجه ... عزم إلى سفر بالرغم يزمعه
قد قسم الله بين الناس رزقهم ... لا يخلق الله من خلق يضيعه
أستودع الله في بغداد لي قمراً ... بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
ودعته وبودي لو يودعني ... صفو الحياة وأني لا أودعه
ابن الخياط
خذا من صبا نجد أماناً لقلبه ... فقد كاد رياها يطير بلبه
وإياكما ذاك النسيم فإنه ... متى هب كان الوجد أيسر خطبه
خليلي لو أحببتما لعلمتما ... محل الهوى من مغرم القلب صبه
وفي الركب مطوي الضلوع على جوى ... متى يدعه داعي الغرام يلبه
إذا خطرت من جانب الرمل نفحة ... تناول منها داءه دون صحبه
الشريف الرضي
يا ظبية البان ترعى في خمائله ... ليهنك اليوم أن القلب مرعاك
الماء عندك مبذول لشاربه ... وليس يرويك إلا مدمع الباكي
هبت لنا من رياح الغور رائحة ... بعد الرقاد عرفناها برياك
ثم انثنينا إذا ما هزنا طرب ... على الرحال تعللنا بذكراك
حكت لحاظك ما في الرئم من ملح ... يوم اللقاء وكان الفضل للحاكي
سهم أصاب وراميه بذي سلم ... من بالعراق لقد أبعدت مرماك
كأن طرفك يوم الجزع يخبرنا ... بما انطوى عنك من أسماء قتلاكاابن
لك منزل في القلب ليس يحله ... إلا هواك وعن سواك أجله
يا من إذا جليت محاسن وجهه ... علم العذول بأن ظلماً عذله
الوجه بدر دجى عذارك ليله ... والقد غصن نقا وشعرك ظله
هذه جفونك أعربت عن سحرها ... وعذار خدك كاد ينطق نمله
عار لمثلي أن يرى متسلياً ... وجمال وجهك ليس يوجد مثله
هل في الورى حسن أهيم بحبه ... هيهات أضحى الحسن عندك كله
أشكو الغرام وأنت عني غافل ... ويجد بي وجدي وطرفك هازل
يا بدر كم سهرت عليك نواظر ... يا غصن كم ناحت عليك بلابل
البدر يكمل كل شهر مرة ... وهلال وجهك كل يوم كامل
وحلوله في قلب برج واحد ... ولك القلوب جميعهن منازل
قتل النفوس محرم لكنه ... حل إذا كان الحبيب الفاعل
أرضى فيغضب قاتلي فتعجبوا ... يرضى القتيل وليس يرضى القاتل
غيري على السلوان قادر ... وسواي في العشاق غادر
لي في الغرام سريرة ... والله أعلم بالسرائر
ومشبه بالغصن قلبي ... لا يزال عليه طائر
حلو الحديث وإنها ... لحلاوة شقت مرائر
أشكو وأشكر فعله ... فاعجب لشاك منه شاكر
لا تنكروا خفقان قلبي ... والحبيب لدي حاضر
ما القلب إلا داره ... ضربت له فيها البشائر
يا ليل ما لك آخر ... أبداً ولا للشوق آخر
يا ليل طل يا شوق دم ... إني على الحالين صابر
لي فيك أجر مجاهد ... إن صح أن الليل كافر
طرفي وطرف النجم فيك ... كلاهما ساه وساهر
يهنيك بدرك حاضر ... يا ليت بدري كان حاضر
حتى يبين لناظري ... من منهما زاه وزاهر
بدري أرق محاسناً ... والفرق مثل الصبح ظاهر
قيس بن الملوّح:
يقولونَ لو عزّيتَ قلبَك لارْعوَى ... فقلتُ وهل للعاشقينَ قُلوبُ
ولو أنَّ ما بي بالحصى فلقَ الحصى ... وبالريحِ لم يُسْمَع لهنَّ هُبوبُ
ولو أنَّ أنفاسي أصابتْ بحرّها ... حديداً إذاً كانَ الحديدُ يذوبُ
ولو أنَّني أستغفرُ اللهَ كلّما ... ذكرتُكِ لم تُكتبْ عليّ ذُنوبُ
ولو أنَّ ليلَى تطلُعُ الشَّمْسُ دونها ... وكنتُ وراءَ الشَّمس حينَ تَغيبُ
لحدَّثْتُ نفسي أنْ تَريع بها النَّوى ... وقلتُ لنفسي أنَّها لقَريبُ
دعاني الهَوَى والشوقُ لمّا ترنّمتْ ... هَتوفُ الضُّحى بينَ الغصونِ طَروبُ
تُذكّرني ليلَى وقد شطَّ دارُها ... وعادَتْ عَوادٍ بيننا وخُطوبُ
الخبزارزي:
كلُّ الهَوَى صعْبٌ ولكنّني ... بُليتُ بالأصعبِ من أصعبهْ
أذابني الحبّ فلو زُجّ بي ... في ناظر النَّائم لم ينتبِهْ
وكان لي قبل الهَوَى خاتَمٌ ... فالآنَ لو شئتُ تمنطقتُ به
وزارني طيفُك حتَّى إذا ... أرادَ أنْ يمضي تعلقتُ به
يا منْ إذا أقبلَ قال الوَرَى ... هذا أميرُ الحُسْنِ في موكبه
عبدُك لا تسألُ عن حاله ... حَلّ بأعْدائك ما حلَّ بهْ
يا صاحِ ما طلعَتْ شمسٌ ولا غربَتْ ... إلاَّ وأنتَ مُنى قلبي ووَسْواسي
ولا تنفستُ محزوناً ولا فَرِحاً ... إلاَّ وذكركَ مقرونٌ بأنفاسي
ولا هممتُ بشربِ الماءِ من عطش ... إلاَّ رأيتُ خيالاً منك في الكاسِ
ولا جلستُ إلى قومٍ أُحدّثهُم ... إلاَّ وأنتَ حديثي بين جُلاّسي
أُكاتمُ وجدِي وما ينكتمْ ... فمنْ لوْ شُكيتُ إليهِ رحِمْ
وإنِّي علَى حسنِ ظنِّي بهِ ... لأحذرُ إنْ بُحتُ أنْ يحتشمْ
وقدْ علمَ النَّاسُ أنِّي لهُ ... محبٌّ وأحسبهُ قدْ علمْ
ولِي عندَ رؤيتهِ نظرةٌ ... تُحقِّقُ ما ظنَّهُ المتَّهمْ
العباس بن الأحنف
تمنَّى رجالٌ ما أحبُّوا وإنَّما ... تمنَّيتُ أنْ أشكُو إليها وتسمعَا
أرَى كلَّ معشوقينِ غيرِي وغيرَها ... قدِ استعذَبا طعمَ الهوَى وتمتَّعا
وإنِّي وإيَّاها علَى حدِّ رقبةٍ ... وتفريقِ شملٍ لمْ نبتْ ليلةً معَا
وإنِّي لأنهَى النَّفسَ عنها ولمْ تكنْ ... بشيءٍ منَ الدُّنيا سواها لتقْنَعا
جميل بثينة
لقد فرحَ الواشونَ أن صرمت حبلي ... بثينةُ أو أبدتْ لنا جانبَ البخلِ
يقولون: مهلاً يا جميلُ، وإنَّني ... لأقسمُ مالي عن بثينةَ من مهلِ
أحلماً؟ فقبلَ اليومِ كان أوانهُ ... أم أخشى؟ فقبلَ اليوم أوعدتُ بالقتلِ
فيا ويح نفسي! حسبُ نفسي الَّذي بها ... ويا ويح أهلي! ما أُصيب به أهلي
خليليَّ فيما عِشتُما هل رأيتُما ... قتيلاً بكى من حُبِّ قاتله قبلي
وقال أيضاً:
خليليَّ عوجا اليوم حتَّى تسلما ... على عذبةِ الأنيابِ طيَّبةِ النَّشرِ
وبوحا بذكري عند بثنةَ وانظرا ... أترتاحُ يوماً أم تهشُّ إلى ذكري
أعوذُ بك اللَّهمَّ أن تشحطَ النَّوى ... ببثنةَ في باقي حياتي ولا حشري
وجاور إذا ما متُّ بيني وبينها ... فيا حبَّذا موتي إذا جاورتْ قبري
هي البدرُ حسناً والنَّساءُ كواكبٌ ... وشتَّان مابين الكواكبِ والبدرِ
لقد فُضِّلت ليلى على النَّاسِ مثلما ... على ألفِ شهرٍ فضِّلت ليلةُ القدرِ
كثيِّر
لا تغدرنَّ بوصلِ عزَّة بعدما ... أخذتْ عليكَ مواثقاً وعهودا
إنَّ المحبَّ إذا أحبَّ حبيبهُ ... صدقَ الصَّفاء وأنجزَ الموعودا
الله يعلمُ لو أردتُ زيادةً ... في حبِّ عزَّة ما وجدتُ مزيدا
رهبانُ مكَّةَ والَّذين رأيتهمْ ... يبكونَ من حذرِ العذابِ قعودا
لو يسمعونَ كما سمعتُ كلامها ... خرَّوا لعزَّةَ خاشعينَ سجودا
ابن الدمينة
ألا يا صبا نجدٍ متى هجت من نجدِ ... لقد زادني مسراكَ وجداً على وجدي
أأن هتفتْ ورقاءُ في رونقِ الضُّحى ... على فننٍ غضِّ النَّبات من الرَّندِ
بكيتَ كما يبكي الوليدُ ولم تكنْ ... جليداً وأبديتَ الَّذي لم تكن تُبدي
وقد زعموا أن المحبَّ إذا دنا ... يملّ وأنَّ النَّأي يشفي من الوجدِ
بكلٍّ تداوينا فلم يُشفَ ما بنا ... على أنَّ قربَ الدَّار خيرٌ من البعدِ
على أنَّ قربَ الدَّار ليس بنافعٍ ... إذا كان من تهواهُ ليس بذي ودِّ
أليسَ قليلاً نظرةُ إن نظرتُها ... إليكِ؟ وكلاَّ ليس منكِ قليلُ
فيا خلَّة النَّفس الَّتي ليسَ دونها ... لنا من أخلاءِ الصَّفاءِ خليلُ
ويا من كتمنا حبَّهُ لم يطع بهِ ... عذولٌ ولم يؤمن عليهِ دخيلُ
أما من مقامٍ أشتكي غُربةَ النَّوى ... وخوفَ العدا فيه إليكِ سبيلُ
فديتكِ أعدائي كثيرٌ وشقَّتي ... بعيدٌ وأشياعي لديكِ قليلُ
وكنتُ إذا ما جئتُ جئتُ لعلَّةٍ ... فأفنيتُ عِلاَّتي فكيفَ أقولُ؟
فما كلَّ يومٍ لي بأرضكِ حاجة ... ولا كلَّ وقتٍ لي إليك سبيلُ
قالت: مرضتُ فعدتها فتبرَّمتْ ... وهي الصَّحيحةُ والمريضُ العائدُ
والله لو أنَّ القلوبَ كقلبها ... ما رقَّ للولدِ الصَّغيرِ الوالدُ
إن كانَ ذنبي في الزِّيارةِ فاعلمي ... إنِّي على كسبِ الذُّنوب لجاهدُ
ألقيتَ بينَ جفونِ عيني فرقةً ... فإلى متى أنا ساهرٌ يا راقدُ
يقعُ البلاءُ وينقضي عن أهلهِ ... وبلاءُ حبِّكِ كلَّ يومٍ زائدُ
الفخر
أبو فراس الحمدانىّ
راك عصي الدمع شيمتك الصبر. اما للهوى نهي عليك ولا امر
وقالَ أصيحابي: " الفرارُ أوالردى ؟ فقُلتُ: هُمَا أمرَانِ، أحلاهُما مُرّ
سيذكرني قومي اذا جد جدهم. وافي الليلة الظلماء يفتقد البد
ونحن أناس لا توسّط عندنا ... لنا الصدر دون العالمين أو القبر
تهون علينا في المعالى نفوسنا ... ومن خطب الحسناء لم يغله المهر
السموأل
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها ... فليس إلى حسن الثناء سبيل
تعيرنا أنا قليل عديدنا ... فقلت لها إن الكرام قليل
وما قل من كانت بقاياه مثلنا ... شباب تسامى للعلى وكهول
وما ضرنا أنا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل
الحصين بن الحمام
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد ... لنفسي حياة مثل أن أتقدما
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا تقطر الدما
نفلّق هاما من رجال أعزّة ... علينا وهم كانوا أعقّ وأظلماا
صبرنا وكان الصبر منا سجيّة ... بأسيافنا يقطعن كفّا ومعصما
فلست بمبتاع الحياة بسبّة ... ولا مرتق من خشية الموت سلما
وقال المقنع الكندي محمد بن عمير:
وإن الذي بيني وبين بني أبي ... وبين بني عمي لمختلف جدا
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهموإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم ... وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
لابن سناء الملك
سواي يهاب الموت أو يرهب الردى ... وغيري يهوى أن يعيش مخلدا
ولكنني لا أرهب الدهر إن سطا ... ولا أحذر الموت الزؤام إذا عدا
ولو مد نحوي حادث الدهر كفه ... لحدثت نفسي أن أمد له يدا
توقد عزمي يترك الماء جمرة ... وحيلة حلمي تترك السيف مبردا
وفرط احتقاري للأنام لأنني ... أرى كل عار من حلى سؤددي سدى
ويأبى إبائي أن يراني قاعداً ... وإني أرى كل البرية مقعدا
وأظمأ إن أبدى لي الماء منه ... ولو كان لي نهر المجرة موردا
ولو كان إدراك الهدى بتذلل ... رأيت الهدى أن لا أميل إلى الهدى
وقدماً بغيري أصبح الدهر أشيبا ... وبي وبفضلي أصبح الدهر أمردا
وإنك عبدي يا زمان وإنني ... على الرغم مني أن أرى لك سيدا
وما أنا راض أنني واطئ الثري ... ولي همة لا ترتضي الأفق مقعدا
ولو علمت زهر النجوم مكانتي ... لخرت جميعاً نحو وجهي سجدا
أرى الخلق دوني إذا أراني فوقهم ... ذكاء وعلماً واعتلاء وسؤددا
وبذل نوالي زاد حتى لقد غدا ... من الغيظ منه ساكن البحر مزبدا
ولي قلم في أنملي إن هززته ... فما ضرني أن لا أهز المهندا
إذا صال فوق الطرس وقع صريره ... فإن صليل المشرفي له صدى
لقطري بن الفجاءة
أقول لها وقد طارت شعاعاً ... من الأبطال ويحك لا تراعي
فإنك لو سألت بقاء يوم ... على الأجل الذي لك لم تطاعي
فصبراً في مجال الموت صبراً ... فما نيل الخلود بمستطاع
وما للمرء خير في حياة ... إذا ما عد من سقط المتاع
لصفي الدين الحلي
سلي الرماح العوالي عن معالينا ... واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا
وسائلي العرب والأتراك ما فعلت ... في أرض قبر عبيد الله أيدينا
لما سعينا فما رقت عزائمنا ... عما تروم ولا خابت مساعينا
يا يوم وقعة زوراء العراق وقد ... دنا الأعادي كما كانوا يدينونا
بضمر ما ربطناهامسومة ... إلا لنغزو بها من بات يغزونا
وفتية إن نقل أصغوا مسامعهم ... لقولنا أو دعوناهم أجابونا
قوم إذا استخصموا كانوا فراعنة ... يوماً وإن حكموا كانوا موازينا
تدرعوا العقل جلباباً فإن حميت ... نار الوغى خلتهم فيها مجانينا
إذا ادعوا جاءت الدنيا مصدقة ... وإن دعوا قالت الأيام آمينا
إن الزرازير لما قام قائمها ... توهمت أنها صارت شواهينا
ظنت تأني البزاة الشهب عن جزع ... وما درت أنه قد كان تهوينا
ذلوا بأسيافنا طول الزمان فمذ ... تحكموا أظهروا أحقادهم فينا
لم يغنهم مالنا عن نهب أنفسنا ... كأنهم في أمان من تقاضينا
أخلوا مساجد من أشياخنا وبغوا ... حتى حملنا فأخلينا الدواوينا
ثم انثنينا وقد ظلت صوارمنا ... تميس عجبا وتهتز القنا لينا
وللدماء على أثوابنا علق ... بنشره عن عبير المسك يغنينا
إنا لقوم أبت أخلاقنا شرفاً ... أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا
بيض صنائعنا سود وقائعنا ... خضر مرابعنا حمر مواضينا
لا يظهر العجز منا دون نيل منى ... ولو رأينا المنايا في أمانينا
قلبي إلى ما ضرَّني داعِ ... يكثرُ أسقامي وأوجاعي
وقلَّ ما أبقى على ما أرى ... يُوشكُ أن ينعاني النَّاعي
كيفَ احتراسي من عدوٍّ إذا ... كان عدوِّي بين أضلاعي؟
جرى السَّيل فاستبكانيَ السَّيل إذ جرى ... وفاضت له من مقلتيَّ غروبُ
وما ذاكَ إلاَّ أن تيقَّنتُ أنَّه ... يمرُّ بوادٍ أنتِ منه قريبُ
يكونُ أُجاجاً دونكمْ فإذا انتهى ... إليكم تلقَّى طيبكمْ فيطيبُ
فيا ساكني شرقيَّ دجلة كلكمْ ... إلى القلبِ من أجلِ الحبيب حبيبُ
لقد شقينا لأن دُمنا كذا أبدا ... إذا سعينا لإصلاحِ الهوى فسدا
ما تطرفُ العينُ إلاَّ وهي باكيةٌ ... لو كنتُ أبكي بماءِ البحرِ قد نفدا
يا ربَّ ذي حسدٍ لي فيك يظهرهُ ... لو كانَ يعلمُ حظِّي منكَ ما حسدا
بن وهبون:
إن سرتُ عنك ففي يديك قيادي ... أو بنتُ عنك فما يبينُ فؤادي
صيَّرت فكري في بعادك مؤنسي ... وجعلتُ لحظي في ودادِك زادي
وعليَّ أن أذري دموعي كلَّما ... أبصرتُ شبهكِ في سبيل بعادي
كم في طريقي من قضيبٍ ناعمٍ ... أبكي عليه ومن صباحٍ بادِ
تلقاك في طيِّ النَّسيمِ تحيتي ... ويصوبُ في ديم الغمامِ ودادي
المديح
مسلم بن الوليد
سدَّ الثُّغورَ يزيد بعد ما انفرجَت ... بقائم السَّيف لا بالختلِ والحِيَلِ
موفٍ على مهجٍ في يومِ ذي رهجٍ ... كأنَّهُ أجلٌ يسعى إلى أملِ
ينالُ بالرِّفْقِ ما يعيا الرِّجالُ به ... كالموتِ مُستعجلاً يأتي على مهلِ
يكسو السُّيوفَ دِماءَ النَّاكثينَ به ... ويجعلُ الهامَ تيْجانَ القنا الذُّبُلِ
قد عوَّدَ الطَّيرَ عاداتٍ وثِقْنَ بها ... فهنَّ يَتْبَعْنهُ في كلِّ مُرتحلِ
تراهُ في الأمنِ في درْعٍ مُضاعفةٍ ... لا يأمنُ الدَّهرَ أن يُدعى على عجلِ
إذا انتضى سيفَهُ كانتْ مسالكُهُ ... مسالكَ الموتِ في الأبْدانِ والقُلَلِ
فالدَّهرُ يَغْبطُ أُولاهُ أواخرَهُ ... إذْ لم يكنْ كان في أعصارهِ الأُولِ
إذا الشَّريكيُّ لم يفخرْ على أحدٍ ... تكلَّمَ الفخرُ عنهُ غيرَ مُنتحَلِ
الزَّائديُّونَ قومٌ في رماحهِمُ ... خوفُ المخيفِ وأمنُ الخائف الوجلِ
كبيرهُمْ لا تقومُ الرَّاسياتُ له ... حلماً وطفلهمُ في هدْيِ مُكتهلِ
فاسلمْ يزيدُ فما في الملك من وهنٍ ... إذا سلمْتَ وما في الدِّينِ من خللِ
لله من هاشمٍ في أرضهِ جبلٌ ... وأنتَ وابنكَ رُكْنا ذلك الجبلِ
تشاغلَ النَّاس بالدُّنيا وزُخْرُفها ... وأنتَ من بذلك المعروفَ في شُغلِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
لولا يزيدُ وأيّامٌ له سلفَتْ ... عاشَ الوليدُ مع الغاوينَ أعْواما
سلَّ الخليفةُ سيفاً من بني مطرٍ ... يمضي فيخترقُ الأجسادَ والهاما
كالدَّهرِ لا ينثني عمَّا يهمُّ بهِ ... قد أوسعَ النَّاسَ إنْعاماً وإرغاما
تظلَّمَ المالُ والأعْداءُ من يدهِ ... لا زالَ للمالِ والأعداءِ ظلاَّما
أردى الوليدَ هُمامٌ من بني مطرٍ ... يزيدهُ الرَّوعُ يومَ الرَّوع إقْداما
صمصامةٌ ذكرٌ يعدو به ذكرٌ ... في كفّه ذكرٌ يفري به الهاما
يُمضي المنايا كما يُمضي أسنَّتهُ ... كأنَّ في سرجه بدراً وضرغاما
لا يستطيعُ يزيدٌ من طبيعتهِ ... عن المنيَّةِ والمعروفِ إحجاما
أذكرتَ سيفَ رسول الله سُنَّتهُ ... وبأسَ أوَّل من صلَّى ومن صاما
إن يشكرِ النَّاس ما أوليْتَ من حسنٍ ... فقد وسعْتَ بني حوَّاءَ إنعاما
وقال بشَّار بن برد من قصيدةٍ:
إنَّما لذَّةُ الجوادِ ابنِ سلْمٍ ... في عطاءٍ ومركبٍ للِّقاءِ
ليسَ يعطيكَ للرَّجاءِ ولا الخوْ ... فِ ولكنْ يلذُّ طعمَ العطاءِ
يسقُطُ الطَّيرُ حيثُ ينتثرُ الحَ ... بُّ وتُغشى منازلُ الكرماءِ
فَعَلى عُقبَةَ السَّلامُ مُقيماً ... وإذا سارَ تحتَ ظلّ اللِّواءِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
دعاني إلى عُمرٍ جودُهُ ... وقولُ العشيرةِ بحرٌ خِضَمْ
ولولا الَّذي زَعَموا لم أكنْ ... لأحمدَ رَيْحانةً قبلَ شَمّ
فتًى لا يبيتُ على دِمنةٍ ... ولا يشرَبُ الماءَ إلاَّ بدَمْ
إذْ أيقظتْكَ حروبُ العِدا ... فنبِّهْ لها عُمَراً ثمَّ نَمْ
وقال عليّ بن جَبَلة من قصيدةٍ:
كلُّ منْ في الأرضِ من ملكٍ ... بين باديهِ إلى حضرِهْ
مستعيرٌ منكَ مكرمةً ... يكتسيها يومَ مفتَخَرِهْ
إنَّما الدُّنيا أبو دُلَفٍ ... بينَ مبداهُ ومحتَضَرِهْ
فإذا ولَّى أبو دُلَفٍ ... ولَّتِ الدُّنيا على أثرِهْ
رجوزةٍ:
كأنَّهُ الرَّعدُ إذا الرَّعدُ قصفْ
كأنَّهُ البرقُ إذا البرقُ خطفْ
كأنَّهُ الموتُ إذا الموتُ أزِفْ
إلى الوَغَى تحملُهُ الخيلُ القُطُفْ
إن سارَ سارَ المجدُ أوْ حلَّ وقفْ
انظُرْ بعينيكَ إلى أسنَى الشَّرفْ
وروضةِ المجدِ ومرعاهُ الأُنُفْ
هلْ نالَهُ بقدرةٍ أوْ بكُلَفْ
خلْقٌ من النَّاسِ سِوى أبي دُلَفْ
مخلّد بن بكّار
يطلُعُ النَّجمُ على صَعْدته ... فإذا واجه نحراً أفَلا
يُعشبُ الصَّلْدُ إذا سالمَهُ ... وإذا حاربَ روضاً أمْحلا
سُخطُ عبد الله يُدْني الأجلا ... ورضاهُ يتعدَّى الأملا
ملكٌ لو نُشرَتْ آلاؤهُ ... وأياديهِ على اللَّيل انْجلى
حطَّ رَحْلي في ذراهُ جودهُ ... وتمشَّى في نَداهُ الخَيْزلى
وقال محمد بن وهيب الحِمْيَري:
ثلاثةٌ تُشرق الدُّنيا ببهجتهِمْ ... شمسُ الضُّحَى وأبو إسحاق والقمرُ
فالشَّمْسُ تحكيهِ في الإشراقِ طالعةً ... إذا تقطَّعَ عن إدراكها البصرُ
والبدرُ يحكيه في الظَّلماءِ مُنْبلجاً ... إذا اسْتنارتْ لياليهِ به الغُررُ
يحكي أفاعيلهُ في كلِّ نائبةٍ ... الغيثُ واللَّيثُ والصَّمْصامةُ الذَّكرُ
فالغيْثُ يحكي ذَرى كفَّيه مُنْهمراً ... إذا استهلَّ بصوبِ الدِّيمةِ المطرُ
ورُبَّما صالَ أحياناً على حنقٍ ... شبيهَ صولَتهِ الضِّرْغامةُ الهَصِرُ
والهُنْدوانيُّ يحكي من عزائمهِ ... صريمةَ الرَّأيِ منهُ النَّقْضُ والمِرَرُ
وأنتَ جامعُ ما فيهنَّ من حسنٍ ... فقد تكاملَ فيكَ النَّفعُ والضَّررُ
البحتري
أحيى الخليفةُ جعفرٌ بفعالهِ ... أفعالَ آباءٍ لهُ وجُدودِ
ولهُ وراءَ المُذنبينَ ودونهُمْ ... عفوٌ كظلِّ المُزنةِ الممدودِ
وأناةُ مُقتدرٍ تُكَفْكفُ بأسهُ ... وقفاتُ حلمٍ عندهُ موجودِ
أمْسَكْنَ من رمقِ الجريحِ ورُمْنَ أن ... يُحْيينَ من نفسِ القتيل المودي
حاطَ الرَّعيَّة حينَ ناط أُمورها ... بثلاثةِ بَكروا وُلاة عُهودِ
لن يجهلَ السَّاري المحجَّةَ بعدما ... رُفعتْ لنا منهم بدورُ سعودِ
نعتدُّ عزَّكَ عِزَّ آلِ محمدٍ ... ونرى بقاءكَ من بقاءِ الجودِ
وقال أيضاً من قصيدة
اليومَ أُطلعَ للخلافةِ سعدُها ... وأضاء فيها بدْرُها المُتهلِّلُ
لبسَتْ جلالةَ جعفرٍ فكأنَّها ... سحَرٌ تجلَّلهُ النَّهارُ المُقبلُ
جاءتْهُ طائعةً ولم يُهْزز لها ... رُمحٌ ولم يًشهر عَلَيْها مُنصلُ
أوما تَرَى حُسنَ الزَّمان وما بدا ... وأعادَ في أيَّامه المُتوكِّلُ
أشرقْنَ حتَّى كادَ يُقْتبسُ الدُّجَى ... ورطُبْنَ حتَّى كادَ يجري الجندَلُ
ملكٌ أذلَّ المعتدين بوطأةٍ ... ترسو على كبدِ الزَّمان وتثْقُلُ
نفسٌ مُشيَّعةٌ ورأيٌ مُحصدٌ ... ويدٌ مؤيَّدةٌ وقولٌ فيصلُ
ولهُ وإن غدَتِ البلادُ عريضةً ... طرفٌ بأطرافِ البلادِ موكَّلُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
خلافةُ جعفرٍ أمْنٌ وفضلٌ ... وعدلٌ لم يزلْ يَسَعُ الأناما
غريبُ المكرماتِ تَرَى لديهِ ... رقابَ المالِ تُهتضمُ اهْتضاما
إذا وهبَ البُدورَ رأيتَ وجهاً ... يُخالُ لحُسنه البدرَ التَّماما
غنيٌّ أن يُفاخرَ أوْ يُسامي ... جليلٌ أن يُفاخَرَ أوْ يُسامى
غمرْتَ النَّاسَ إفضالاً وفضلاً ... وإنعاماً مُمِرّاً وانتقاما
مكارم قد وزنَتْ بها ثبيراً ... فلم يرجُح وطُلتَ بها شِماما
فلو جُمعَ الأئمّةُ في مكانٍ ... تكونُ به لكنتَ لهمْ إماما
السري
أعزمتكَ الشّهابُ أمِ النهارُ ... أراحتكَ السّحابُ أمِ البحارُ
خُلقتَ منيّةً ومنىً فأضحتْ ... تمورُ بكَ البسيطةُ أو تمارُ
تُحلّي الدينَ أو تحمي حماهُ ... فأنتَ عليه سورٌ أو سوارُ
سيوفكَ من شُكاةِ الثَّغر برءٌ ... ولكنْ للعدَا فيها بَوارُ
وكفَّاكَ الغمامُ الجَودُ يسري ... وفي أحشائهِ ماءٌ ونارُ
يسارٌ من سجيّتها المَنَايا ... ويُمنى من عطيّتها اليسارُ
حضرْنا والملوكُ له قيامٌ ... تغضُّ نواظراً فيها انكسارُ
وزُرْنا منهُ ليثَ الغابِ طَلْقاً ... ولم نَرَ قبلَهُ ليثاً يُزارُ
فكانَ لجوهرِ المجدِ انتظامٌ ... وكانَ لجوهرِ الجودِ انتثارُ
فعشتَ مخيَّراً لكَ في الأماني ... وكانَ على العدوِّ لكَ الخيارُ
فضيفُكَ للحيا المنهلِّ ضيفٌ ... وجارُكَ للرَّبيعِ الطَّلقِ جارُ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
كالغيثِ يُحيي إنْ همَى والسَّيلِ يُر ... دي إنْ طَمَا والدَّهْرِ يُصمي إنْ رَمَى
شتَّى الخِلال يروحُ إمَّا سالباً ... نِعَمَ العِدا قسراً وإمَّا مُنعما
مثل الشِّهابِ أصابَ فجّاً مُعشباً ... بحريقِهِ وأضاءَ فجّاً مُظلما
أو كالغمامِ الجَوْدِ إن بعثَ الحيا ... أحْيى وإن بعثَ الصَّواعقَ أضْرما
أو كالحسامِ إذا تبسَّم مَتنُهُ ... عَبَس الرَّدَى في حدِّهِ فتجهَّما
كَلِف بدُرّ الحمدِ ينظمُ سلكَهُ ... حتى يُرى عقداً عليهِ مُنظَّما
ويلمُُّ من شَعث العُلا بشمائلٍ ... أحْلى من اللَّعَسِ الممنَّعِ واللَّمى
ولرُبَّ يومٍ لا تزالُ جيادُهُ ... تطأُ الوَشيجَ مخضَّباً ومُحطَّما
لأبي تمام في المعتضد بالله
إلى قطب الدنيا الذي لو بفضله ... مدحت بني الدنيا كفتهم فضائله
من البأس والمعرف والجود والتقى ... عيال عليه رقهن شمائله
هو البحر من أي النواحي أتيته ... فلحبه المعروف والجود ساحله
تعود بسط الكف حتى لو أنه ... ثناها لقبض لم تطعه أنامله
ولو لم يكن في كفه غير نفسه ... لجاد بها فليتق الله سائله
وله في المعتصم بالله
وأضحت عطاياه نوازع شرداً ... تسائل في الآفاق عن كل سائل
مواهب جدن الأرض حتى كأنما ... أخذن بأهداب السحاب الهواطل
وقد ظللت عقبان أعلامه ضحى ... بعقبان طير في الدماء نواهل
أقامت مع الرايات حتى كأنها ... من الجيش إلا أنها لم تقاتل
وله في المعتضد بالله
السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في ... متونهن جلاء الشك والريب
فتح تفتح أبواب السماء له ... وتبرز الأرض في أثوابها العشب
غادرت فيهم بهيم الليل وهو ضحى ... يقله وسطها صبح من اللهب
حتى كأن جلابيب الدجى رغبت ... عن لونها وكأن الشمس لم تغب
أجبته معلناً بالسيف منصلتاً ... ولو أجبت بغير السيف لم تجب
لمحمد بن هانئ في جعفر بن علي بن غلبون
فتقت لكم ريح الجلاد بعنبر ... وأمدكم فاق الصباح المسفر
وجنيتم ثمر الوقائع يانعاً ... بالنصر من ورق الحديد الأخضر
وضربتم هام الكماة ورعتم ... بيض الخدور بكل ليث مخدر
أبني العوالي السمهرية والسيو ... ف المشرقية والعديد الأكثر
من منكم الملك المطاع كأنه ... تحت السوابع تبع في حمير
القائد الخيل العتاق شوازباً ... خزراً إلى لحظ السنان الأخزر
شعث النواصي حشرة آذانها ... قب الأياطل داميات الأنسر
تنبو سنابكه عن عفر الثرى ... فيطأن في خد العزيز الأصعر
في فتية صدأ الدروع عبيرهم ... وخلوقهم علق النجيع الأحمر
لا يأكل السرحان شلو طعينهم ... مما عليه من القنا المتكسر
أنسوا بهجران الأنيس كأنهم ... في عبقري البيد جنة عبقر
ومشوا على قطع النفوس كأنما ... تمشي سنابك خيلهم في مرمر
قوم يبيت على الحشايا غيرهم ... ومبيتهم فوق الجياد الضمر
وتظل تسبح في الدماء قبابهم ... فكأنهن سفائن في أبحر
فحياضهم من كل مهجة ضالع ... وخيامهم من كل لبدة قسور
وكفاك من حب السماحة أنها ... منهم بموضع مقلة من محجر
لأبي بكر بن عمار في المعتضد بالله
ملك إذا ازدحم الملوك بمورد ... ونحاه لا يردون حتى يصدرا
أندى على الأكباد من قطر الندى ... وألذ في الأجفان من سنة الكرى
يختار إذ يهب الخريدة كاعباً ... والطرف أجرد والحسام مجوهرا
قداح زند المجد لا ينفك عن ... نار الوغى إلا إلى نار القرى
لا خلق أقرأ من شفار حسامه ... إن كنت شبهت المواكب أسطرا
أيقنت أني من نداه بجنة ... لما سقاني من نداه الكوثرا
وعلمت حقاً أن ربعي مخصب ... لما سألت به الغمام الممطرا
ملك يروقك خلقه أو خلفه ... كالروض يحسن منظراً أو مخبرا
أقسمت باسم الفضل حتى شمته ... فرأيته في بردتيه مصورا
وجهلت معنى الجود حتى زرته ... فقرأته في راحتيه مفسرا
فاح الثرى متعطراً بثنائه ... حتى حسبنا كل ترب عنبرا
وتتوجت بالزهر صلع هضابه ... حتى ظننا كل هضب قيصرا
هصرت يدي غصن الندى من كفه ... وجنت به روض السرور منورا
لمروان بن أبي حفصة في معين بن زائدة
تجنب لا في القول حتى كأنه ... حرام عليه قول لا حين يسأل
تشابه يوماه علينا فأشكلا ... فلم نك ندري أي يوميه أفضل
أيوم نداء الغمر أم يوم بأسه ... وما منهما إلا أغر محجل
بها ليل في الإسلام سادوا ولم يكن ... كأولهم في الجاهلية أول
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا ... أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا
وما يستطيع الفاعلون فعالهم ... وإن أحسنوا في النائبات وأجملوا
الهجاء
يابنَ أبي الجهمِ احتقب هذا اللطفْ ... فإنَّ فيه طرفةً من الطرفْ
يا جثةَ التلِّ ويا وجه الهدفْ ... يا روثةَ الفيلِ ويا لحمَ الصدفْ
يا جرةَ البيتِ قضاءً وسلفْ ... يا ليلةَ الخانِ إذا الخانُ وكفْ
يا حربَّ آبٍ عندَ سكانِ الغرفْ ... يا سوء كيلٍ وغلاءٍ وحشفْ
يا طيرةَ الشؤمِ ويا فألَ التلف ... يا ثلج ماءٍ مالحٍ فيه جيفْ
يا خزف التنورِ يا شرَّ الخزف ... يا سدةً في المنخرين من نغفْ
يا توبة الفقرِ ويا سنَّ الخرف ... منْ كان يشكو منْ هوى ومن شغفْ
فإنني منك لبغضاء وشف ... أدناهما منكَ الشقاءُ والدنفْ
بيتك بيتٌ نطفٌ كلَّ النطف ... لا يلتقي فيه العفافُ والشرفْ
بلْ تلتقي فيه بظورٌ وقلفْ ... كم طائرٍ أغفلتهُ حتى جدفْ
أحسنُ ما هرَّ به سوء الصلف ... لا زلتَ من دهركَ في شرِ كنفْ
يوليكَ منه جنفاً بعدَ جنْف ... ما لك في بغضك إن متَّ خلفْ
وقال الناجم
يابنَ أبي الجهمِ استمع على مهل ... ظرائفاً أهديتها على عجل
من نكتِ الشعرِ الرصين المنتخلْ ... يغرقنَ في بحرٍ خضمٍ لا وشلْ
يا شبهَ ماءِ البئرِ برداً وثقلْ ... يا ليلةَ الهجرانِ هجرانَ المللْ
يا بكرةَ العاشقِ جاءتْ بالعذلْ ... يا فرقة الخلانِ يا صدَّ الخلل
يا كربَ الطلقِ ويا ثقلَ الجبل ... يا حيرةَ المملقِ أعيتهُ الحيلْ
يا نكرَ المفيقِ من أدهى العلل ... يا قوةَ اليأسِ ويا ضعفَ الأملْ
يا ريثةَ الرزقِ ويا وشكَ الأجلْ ... يا زحلَ الدهرِ ومريخَ الدول
ويا قذى الأعينِ لا كحلَ المقلْ ... يا ياسمينَ السقمِ لا وردَ الخجل
بل يا سماد الحش حقاً لا مثلْ ... يا كلَّ مذكورٍ كريهٍ وبخلْ
أقسمُ لولا أنَّ بي عنك كسل ... لجدَّ فيك الشعرُ طوراً وهزلْ
ممزقاً عرضكَ تمزيقَ السملْ ... لا زلتَ من دهرك في شرِ محلْ
يليك منه وجلٌ بعد وجلْ ... ما لكَ في بغضكَ إنْ متَّ مثل
إلا بنوك العررُ النوكَى السفلْ
جحظة
يا لفظة النّعى بموت الخليل ... يا وقفة التّوديع بين الحمول
يا شربة اليارج يا أجرة ال ... منزل يا وجه العذول الثفيل
يا طلعة النّعش ويا منزلا ... أقفر من بعد الأنيس الحلول
يا نهضة المحبوب عن غضبة ... يا نعمة قد آذنت بالرّحيل
يا كتابا جاء من مخلف ... للوعد مملوءا بعذر طويل
يا بكرة الثّكلى إلى حفرة ... مستودع فيها عزيز الثكول
يا وثبة الحافظ مستعجلا ... بصرفه القينات عند الأصيل
ويا طبيبا قد أتى باكرا ... على أخى سقم بماء البقول
يا شوكة في قدم رخصة ... ليس إلى إخراجها من سبيل
يا عشرة المجذوم في رحله ... ويا صعود السّعر عند المعيل
يا ردّة الحاجب عن قسوة ... ونكسة من بعد برء العليل
أنت عندي عربيٌّ ... ليس في هذا كلامُ
عربيٌّ عربيٌّ ... عربيٌّ والسّلامُ
شعر إبطيك وساقي ... ك خزامى وثمامُ
وقذى عينك صمغ ... ونواصيك ثغامُ
وضلوع الصَّدر من خل ... قك نبع وبشامُ
لو تحرَّكت كذا لأن ... جفلت منك نعامُ
وحمام يتغنَّى ... حبَّذا ذاك الحمامُ
أنا ما ذنبي إن كذَّ ... بني فيك الأنامُ؟
وبدت منك سجايا ... نبطيَّات لئامُ
وقفاً يحلف ما إن ... أعرقت فيك الكرامُ الرثاء
أبو تمام
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر
توفيت الأمال بعد محمد وأصبح في شغل عن السفر السفر
وما مات حتى مات مضرب سيفه من الضرب واعتلت عليه القنا السمر
فاثبت في مستنقع الموت رجله وقال لها من تحت اخمصك الحشر
تردى ثياب الموت حمرا فما دجا الليل إلا وهي من سندس خضر
كان بني نبهان يوم وفاته نجوم سماء خر من بينها البدر
غدا طاهر الاثواب لم تبق روضة غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر
متمم بن نويرة
وكنّا كندْمانَيْ جذيمةً حقبةً ... منَ الدهرِ حتى قيلَ لن يتصدعا
وعشنا بخيرٍ في الحياةِ وقبلنا ... أصابَ المنايا رَهطَ كِسْرَى وتبعا
فلما تفرَّقْنا كأنِّي ومالكاً ... لطولِ اجتماعٍ لمْ نبتْ ليلةً معا
الهذلي
أَمِنَ المَنونِ وَريبِها تَتَوَجَّعُ * وَالدَهرُ لَيسَ بِمُعتِبٍ مِن يَجزَعُ
وَإِذا المَنِيَّةُ أَنشَبَت أَظفارَها * أَلفَيتَ كُلَّ تَميمَةٍ لا تَنفَعُعُ
وَتَجَلُّدي لِلشامِتينَ أُريهِمُ * أَنّي لَرَيبِ الدَهرِ لا أَتَضَعضَعُ
وَالنَفسُ راغِبِةٌ إِذا رَغَّبتَها * فَإِذا تُرَدُّ إِلى قَليلٍ تَقنَعُ
ابن الانباري
علوَّ في الحياةِ وفي الممات ... لحقٌ أنتَ إحدى المعجزات
كأنّ النَّاس حولك حين قاموا ... وفودُ نداك أيام الصلاتِ
ولمّا ضاقَ بطنُ الأرضِ عن أن ... يضمَّ علاكَ من بعدِ الوفاةِ
أصاروا الجوَّ قبرك واستعاضوا ... عن الأكفان ثوب السّافيات
لعظمك في النّفوس تبيت ترعى ... بحراَّس وحفّاظ ثقاب
وتوقدُ حولك النّيرانُ ليلاً ... كذلك كنتَ أيَّامَ الحياة
ولو أني قدرتُ على قيام ... بفرضك والحقوق
ملأت الأرض من نظم القوافي ... ونحتُ بها خلاف النائحاتِ
ولكنّي أصبّرُ عنك نفسي ... مخافةَ أنْ أعدَّ من الجناةِ
عليك تحيةُ الرّحمن تترى ... برحماتٍ غواد رائحات
التهامي
حكم المنية في البرية جارِ ***** ما هذه الدنيا بدار قرارِ
بينا يرى الإنسان فيها مخبرا ***** حتى يُرى خبراً من الأخبار
طُبعتْ على كدر وأنت تريدها ***** صفواً من الأقذار والأكدار
ومُكلّفُ الأيام ضد طباعها ***** مُتطلبٌ في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما ***** تبني الرجاء على شفيرٍ هار
فالعيش نوم والمنية يقظة ***** والمرء بينهما خيالٌ سار
ياكوكبا ما كان أقصر عمره ***** وكذاك عمر كواكب الأسحار
جاورت اعدائي وجاور ربه. شتان بين جواره وجواري
أشجع بن عمرو السلمي:
مضى ابن سعيد حين لم يبق مشرق ... ولا مغرب إلا له فيه مادح
وما كنت أدري ما فواضل كفه ... على الناس حتى غيبته الصفائح
فأصبح في لحد من الأرض ميتا ... وكانت به حيا تضيق الصحاصح
سأبكيك ما فاضت دموعي، فإن تغض ... فحسبك مني ما تجن الجوانح
فما أنا، من زرء وإن جل، جازع ... ولا بسرور بعد موتك فارح
كأن لم يمت حي سواك، ولم تقم ... على أحد إلا عليك النوائح
لئن حسنت فيك المراثي وذكرها ... لقد حسنت من قبل فيك المدائح
وقال عبدة بن الطبيب، إسلامي
عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما
فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما
لابن النبيه في ولد الناصر أحمد أمير المؤمنين
ألناس للموت كخيل الطراد ... فالسابق السابق منها الجواد
والله لا يدعو إلى داره ... إلا من استصلح من ذي العباد
والموت نقاد على كفه ... جواهر يختار منها الجياد
والمرء كالظل ولابد أن ... يزول ذاك الظل بعد امتداد
لا تصلح الأرواح إلا إذا ... سرى إلى الأجساد هذا الفساد
أرغمت يا موت أنوف القنا ... ودست أعناق السيوف الحداد
كيف تخرمت علياً وما ... أنجده كل طويل النجاد
نجل أمير المؤمنين الذي ... من خوفه يرعد قلب الجماد
مصيبة أذكت قلوب الورى ... كأنما في كل قلب زناد
نازلة جلت فمن أجلها ... سن بنو العباس لبس السواد
مأتمة في الأرض لكنها ... عرس على السبع الطباق الشداد
فالخود في المسح لها رنة ... والحور تجلى في مروط الحداد
طرقت يا موت كريماً فلم ... يقنع بغير النفس للضيف زاد
قصفته من سدرة المنتهى ... غصناً فشلت يد أهل الفساد
يا ثالث السبطين خلفتني ... أهيم من همي في كل واد
يا نائماً في غمرات الردى ... كحلت أجفاني بوبيل السهاد
يا ضجيع الترب أقلقتني ... كأنما فرشي شوك القتاد
دفنت في التراب ولو أنصفوا ... ما كنت إلا في صميم الفؤاد
لو لم تكن أسخنت عيني سقت ... مثواك عيناي كصوب العهاد
دعبل
مدارسُ آياتٍ خلتْ من تلاوةٍ ... ومنزلُ حيّ مُقفرُ العرصاتِ
لآلِ رسولِ الله بالخيفِ من منىً ... وبالبيتِ والتَّعريفِ والجمراتِ
ديارُ عليٍّ والحسينِ وجعفرٍ ... وحمزةَ والسَّجَّاد ذي الثَّفناتِ
قِفا نسألِ الدَّار الَّتي خفَّ أهلُها ... متى عهدُها بالصَّومِ والصَّلواتِ
وأينَ الأُلى شطَّت به غُربةُ النَّوى ... أفانينَ في الآفاقِ مفترقاتِ؟
أُحبُّ قصيَّ الدَّار من أجلِ حُبِّهم ... وأهجرُ فيهم أُسرتي وبناتي
ألم تر أنَّي مُذ ثلاثينَ حِجَّةً ... أروحُ وأغدُو دائمَ الحَسراتِ؟
أرى فيئهُم في غيرهِمْ متقسَّماً ... وأيديهُم من فيئِهِم صفراتِ
إذا وُترُوا مدَّوا إلى واتريهمُ ... أكُفّاً عن الأوتارِ منقبضاتِ
قُصارايَ منهم أن أؤوبَ بغُصَّةٍ ... تردَّدُ بين الصَّدرِ واللَّهواتِ
كأنَّكَ بالأضلاعِ قد ضاقَ رُحبُها ... لما ضُمِّنتْ من شدَّةِ الزَّفراتِ
الخنساء
يؤرِّقُني التَّذكُّر حينَ أُمسي ... ويردعُني مع الأحزانِ نُكسي
على صخرٍ وأيُّ فتىً كصخرٍ ... ليومِ كريهةٍ وطعانِ حِلسِ
ولولا كثرةُ الباكينَ حولي ... على إخوانِهِم لقتلتُ نفسي
وما يبكُونَ مثلَ أخِي ولكنْ ... أعزِّي النَّفسَ عنهُ بالتَّأسي
يذكِّرُني طلوعُ الشَّمسِ صخراً ... وأبكيهِ لكلِّ غروبِ شمسِ
زياد الأعجم
قُلْ للقوافلِ والغُزيِّ إذا غَزَوا ... والباكرينَ وللمجدِّ الرِّائحِ
إن السَّماحة والمروءةَ ضُمِّنا ... قبراً بمروَ على الطَّريق الواضحِ
فإذا مررتَ بقبرهِ فاعقر بهِ ... كُومَ الهجانِ وكُلَّ طرفٍ سابحِ
وانضحْ جوانبَ قبرهِ بدمائِها ... فلقدْ يكونُ أخا دمٍ وذبائحِ
يا من بمغدى الشمس من حيِّي إلى ... ما بينَ مطلعِ قرنِها المتنازحِ
ماتَ المغيرةُ بعد طولِ تعرُّضٍ ... للموتِ بينَ أسنَّةٍ وصفائحِ
والقتلُ ليسَ إلى القتالِ ولا أرى ... حيَّاً يُؤخَّر للشَّفيقِ النَّاصحِ
وقال الحسين بن مطير الأسديّ:
ألِمَّا على معن فقُولا لقبرهِ ... سقتكَ الغوادي مربعاً ثمَّ مربعا
فيا قبرَ معنٍ أنتَ أوَّلُ حفرةٍ ... من الأرضِ خطَّت للسَّماحة مضجعا
ويا قبر معنٍ كيفَ واريتَ جُودهُ ... وقد كان مِنهُ البرُّ والبحرُ مترعا
بلى قد وسعتَ الجودَ والجودُ ميِّتُ ... ولو كان حيَّاً ضِقتَ حتَّى تصدَّعا
فتىً عشتُ في معرُوفهِ بعد موتهِ ... كما كان السَّيلِ مجراهُ مرتعا
ولمّا مضى معنٌ مضى الجودُ وانقضى ... وأصبحَ عرنينُ المكارمِ أجدعا
وقالت أخت الوليد بن طريف ترثيه:
أيا شجرَ الخابورِ مالكَ مورقاً ... كأنَّكَ لم تجزعْ على ابنِ طريفِ
فتىً لا يحبُّ الزَّادَ إلاَّ من التُّقى ... ولا المالَ إلا من قنا وسيوفِ
فقدناهُ فقدانَ الرَّبيع وليتنا ... فديناهُ من ساداتِنا بألوفِِ
عليكَ سلامُ اللهِ وقفاً فإنَّني ... أرى الموتَ وقَّاعاً بكُلِّ شريفِ
أحقٌّ أنَّه أودى يزيدُ ... تأمَّل أيُّها النَّاعي المشيدُ
أحامي المجدِ والإسلامِ أودى ... فما للأرضِ ويحكَ لا تميدُ
تأمَّل هل ترى الإسلامَ مالت ... دعائمهُ وهل شابَ الوليدُ
وهل شيمتْ سيوفُ بني نزارٍ ... وهل وُضِعتْ عن الخيلِ اللُّبودُ
وهل تسقي البلادَ عشارُ مزنٍ ... بدَّرتِها وهل يخضُّر عُودُ
أما هُدَّت لمصرعهِ نزارٌ ... بلى وتقَّوضَ المجدُ المشيدُ
وحلَّ ضريحهُ إذ حلَّ فيهِ ... طريفُ المجدِ والحسبُ التليدُ
أما واللهِ ما تنفكُّ عيني ... عليكَ بدمعِها أبداً تجودُ
أبعدَ يزيدَ تختزنُ البواكي ... دُموعاً أو تصانُ لها خُدودُ
فإن يهلكْ يزيدُ فكلُّ حيٍّ ... فريسٌ للمنيَّة أو طريدُ
ألم تعجبْ لهُ أنَّ المنايا ... فتكنَ بهِ وهنَّ لهُ جنودُ
لقد عزَّى ربيعةَ أنَّ يوماً ... عليها مثلَ يومكَ لا يعودُ
وقال أبو العلاء المعرِّي:
صاح هذي قبورنا تملأ الرُّح ... ب فأين القبورُ من عهدِ عادِ
خفِّف الوطءَ ما أظنُّ أديم ال ... أرض إلاَّ من هذه الأجسادِ
وقبيحٌ بنا وإن قدُم العه ... د هوانُ الآباءِ والأجدادِ
سرْ إن اسطعت في الهواء رويداً ... لا اختيالاً على رفاتِ العبادِ
ربَّ لحدٍ قد صارَ لحداً مراراً ... ضاحكٍ من تزاحم الأضدادِ
ودفينٍ على بقايا دفينٍ ... في طوالِ الأزمان والآبادِ
فاسألِ الفرقدين عمَّن أحسَّا ... من قبيل وآنسا من بلادِ
كم أقاما على زوالِ نهار ... وأنارا لمدلجٍ في سوادِ
تعبٌ كلُّها الحياة فما أع ... جبُ إلا لراغبٍ في ازديادِ
إنَّ حزناً في ساعة الموت أضعا ... فُ سرورٍ في ساعةِ الميلادِ
خلُقَ النَّاسُ للبقاءِ فضلَّت ... أمةٌ يحسبونهُم للنَّفادِ
إنَّما يُنقلونَ من دارِ أعما ... ل إلى دار شقوةٍ أو رشادِ
زحلٌ أشرفُ الكواكبِ داراً ... من لقاء الرَّدى على ميعادِ
ولنارِ المرِّيخ من حدثان الد ... هر مطفٍ وإن علت في اتِّقادِ
والثُّريَّا رهينةٌ بافتراق الش ... مل حتَّى تعدُّ في الأفرادِ
ابن النبيه
ألناس للموت كخيل الطراد ... فالسابق السابق منها الجواد
والله لا يدعو إلى داره ... إلا من استصلح من ذي العباد
والموت نقاد على كفه ... جواهر يختار منها الجياد
والمرء كالظل ولابد أن ... يزول ذاك الظل بعد امتداد
لا تصلح الأرواح إلا إذا ... سرى إلى الأجساد هذا الفساد
أرغمت يا موت أنوف القنا ... ودست أعناق السيوف الحداد
كيف تخرمت علياً وما ... أنجده كل طويل النجاد
نجل أمير المؤمنين الذي ... من خوفه يرعد قلب الجماد
مصيبة أذكت قلوب الورى ... كأنما في كل قلب زناد
نازلة جلت فمن أجلها ... سن بنو العباس لبس السواد
مأتمة في الأرض لكنها ... عرس على السبع الطباق الشداد
فالخود في المسح لها رنة ... والحور تجلى في مروط الحداد
طرقت يا موت كريماً فلم ... يقنع بغير النفس للضيف زاد
قصفته من سدرة المنتهى ... غصناً فشلت يد أهل الفساد
يا ثالث السبطين خلفتني ... أهيم من همي في كل واد
يا نائماً في غمرات الردى ... كحلت أجفاني بوبيل السهاد
يا ضجيع الترب أقلقتني ... كأنما فرشي شوك القتاد
دفنت في التراب ولو أنصفوا ... ما كنت إلا في صميم الفؤاد
لو لم تكن أسخنت عيني سقت ... مثواك عيناي كصوب العهاد وقال الشَّريف الرَّضيُّ:
أعلمتَ من حملوا على الأعوادِ ... أرأيتَ كيف خبا ضياءُ النادي
جبلٌ هوى لو خرَّ في البحرِ اغتدى ... من وقعهِ متتابعِ الإزبادِ
ما كنتُ أعلمُ قبلَ حطَّكَ في الثَّرى ... أنَّ الثرى يعلو على الأطوادِ
بعداً ليومك في الزَّمان فإنَّه ... أقذى العيونَ وفتَّ في الأعضادِ
لا ينفدُ الدَّمعُ الذي يبكى بهِ ... إنَّ القلوبَ له من الأمدادِ
طاحت بتلكَ المكرماتِ طوائحٌ ... وعدت على ذاكَ الجوادِ عوادي
والدَّهر تدخلُ نافذاتُ سهامهِ ... مأوى الصِّلال ومربضَ الآسادِ
أعزز عليَّ بأن يفارقَ ناظري ... لمعانَ ذاك الكوكبِ الوقَّادِ
أعزز عليَّ بأن نزلتَ بمنزلٍ ... متشابهِ الأمجادِ والأوغادِ
في عصبةٍ جُنبوا إلى آجالهم ... والدَّهرُ يُعجلهم عن الإروادِ
ضَربوا بمدرجةِ الفناءِ قبابهم ... من غيرِ أطنابٍ ولا أوتادِ
ركبٌ أناخوا لا يرجَّى منهمُ ... قصدٌ لإتهامٍ ولا إنجادِ
فتهافتُوا عن رحلِ كلِّ مذلَّل ... وتطاوحوا عن سرجِ كلِّ جوادِ
بادُونَ في صورِ الجميع وإنَّهم ... متفرّدونَ تفرُّد الآحادِ
مما يطيلُ الهمَّ أنَّ أمامنا ... طولُ الطَّريقِ وقلَّة الأزوادِ
عمري! لقد أغمدتُ منك مُهنّداً ... قي التُّربِ كان ممزق الأغمادِ
قد كنتُ أهوى أن أشاطركَ الرَّدى ... لكن أرادَ اللهُ غيرَ مرادي
ولقد كبا طرفُ الرُّقادِ بناظري ... أسفاً عليك فلا لعاً لرقادي
ثكلتكَ أرضٌ لم تلدْ لك ثانياً ... أنَّى ومثلُك معوزُ الميلادِ
من للفصاحةِ والبلاغةِ إن همى ... ذاك الغمامُ وعبَّ ذاك الوادي
من للممالكِ لا يزال يلمُّها ... بسدادِ أمرٍ ضائعٍ وسدادِ
من للموارقِ يستردُّ قلوبها ... بزلازلِ الإبراقِ والإرعادِ
وصحائفٍ فيها الأراقمُ كمَّنٌ ... مرهوبةٌ الإصدارِ والإيرادِ
تدمى طوائعُها إذا استعرضتها ... من شدَّةِ التَّحذيرِ والإيعادِ
حمرٌ على نظرِ العدوِّ كأنَّما ... بدمٍ يخطُّ بهنَّ لا بمدادِ
سوَّدتَ ما بين الفضاءِ وناظري ... وغسلتَ من عينيَّ كلَّ سوادِ
ليسَ الفجائعُ بالذَّخائرِ مثلها ... بأماجدِ الأعيانِ والأفرادِ
[وقال صفي الدين الحلي يرثي الملك ناصر الدين عمر]
بكى عليك الحسام والقلم ... وانفجع العلم فيك والعلم
وضجت الأرض فالعباد بها ... لاطمة والبلاد تلتطم
تظهر أحزانها على ملك ... جل ملوك الورى له خدم
أبلج غض الشباب مقتبل ال ... عمر ولكن مجده هرم
محكم في الورى وآمله ... يحكم في ماله ويحتكم
ويجتمع المجد والثناء له ... وماله في الوفود يقتسم
قد سئمت جوده الأنام ولا ... يلقاه من بذله الندى سأم
ما عرفت منه لا ولا نعم ... بل دونهن الآلاء والنعم
الواهب الألف وهو مبتسم ... والقاتل الألف وهو مقتحم
مبتسم والكماة عابسةٌ ... وعابس والسيوف تبتسم
يستصغر الغضب أن يصول به ... إن لم تجرد من قبله الهمم
ويستخف القناة يحملها ... كأنها في يمينه قلم
لم يعلم العالمون ما فقدوا ... منه ولا الأقربون ما عدموا
ما فقد فرد من الأنام كمن ... إن مات ماتت لفقده أمم
والناس كالعين إن نقدتهم ... تفاوتت عن نقدك القيم
يا طالب الجود قد قضى عمر ... فكل جود وجوده عدم
ويا منادي الندى ليدركه ... أقصر ففي مسمع الندى صمم
مضى الذي كان للأنام أبا ... فاليوم كل الأنام قد يتموا
وسار فوق الرقاب مطرحاً ... وحوله الصافنات تزدحم
مقلبات السروج شاخصةً ... لها زفير ذابت به اللجم
وحل دارا ضاقت بساكنها ... ودون أدنى دياره إرم
كأنه لم يطل إلى رتب ... تقتصر من دون نيلها الهمم
ولم يهمد للملك قاعدة ... بها عيون العقول تحتل
ولم تقبل له الملوك يدا ... ترغب في سلمها فتستلم
ولم يقد للحروب أسد وغى ... تسري بها من رماحها أجم
أين الذي كان للورى سنداً ... ورحب أكنافه لها حرم
أين الذي إن سرى إلى بلدٍ ... لا ظلم يبقى به ولا ظلم
أين الذي يحفظ الزمام لنا ... إن حفزت عند غيره الذمم
يا ناصر الدين وابن ناصره ... ومن به في الخطوب يعتصم
وصاحب الرتبة التي وطئت ... لها على هامة السهى قدم
يثني عليك الورى وما شهدوا ... من السجايا إلا بما علموا
يبكيك مألوفك التقى أسفاً ... وصاحباك العفاف والكرم
ابن عبدون
الدهر يفجع بعد العين بالأثر ... فما البكاء على الأشباح والصور؟
هوت بدارا وفلت غرب قاتله ... وكان عضباً على الأملاك ذا أثر
واسترجعت من بني ساسان ما وهبت ... ولم تدع لبني يونان من أثر
وألحقت اختها طسماً وعاد على ... عاد وجرهم منها ناقض المرر
وما أقالت ذوي الهيئات من يمن ... ولا أجارت ذوي الغايات من مضر
ومزقت سبأ في كل قاصية ... فما التقى رائح منهم بمبتكر
وأنفذت في كليب حكمها ورمت ... مهلهلاً بين سمع الأرض والبصر
ولم ترد على الضليل صحته ... ولا ثنت أسداً عن ربها حجر
يوم القليب بنو بدر فنوا وسعي ... قليب بدر بمن فيه إلى سقر
ومزقت جعفراً بالبيض واختلست ... من غيله حمزة الظلام للجزر
وأشرفت بخبيب فوق فارعه ... وألصقت طلحة الفياض بالعفر
وخضبت شيب عثمان دماً وخطت ... إلى الزبير ولم تستحي من عمر
ولا رعت لأبي اليقظان صحبته ... ولم تزوده إلا الضيح في الغمر
وأجزرت سيف أشقاها أبا حسن ... وأمكنت من حسين راحتي شمر
وليتها إذ فدت عمراً بخارجة ... فدت علياً بمن شاءت من البشر
وأنزلت مصعباً من رأس شاهقة ... كانت بها مهجة المختار في وزر
ولم تراقب مكان ابن الزبير ولا ... راعت عياذته بالبيت والحجر
وأوثقت في عراها كل معتمد ... واشرقت بقذاها كل مقتدر
وروعت كل مأمون ومؤتمن ... وأسلمت كل منصور ومنتصر
بني المظفر والأيام لا نزلت ... مراحلا والورى منها على سفر
يا هر فارقتنا ولم تعد ... وكنت منا بمنزل الولد
وكيف ننفك عن هواك وقد ... كنت لنا عدة من العدد
تمنع عنا الأذى وتحرسنا ... بالغيب من خنفس ومن جرد
وتخرج الفأر من مكامنها ... ما بين مفتوحها إلى السدد
يلقاك في البيت منهم عدد ... وأنت تلقاهم بلا عدد
وكان يجري ولا سداد لهمأمرك في بيتنا على سدد
حتى اعتقدت الأذى لجيرتنا ... ولم تكن للأذى بمعتقد
وحمت حول الردى بظلمهم ... ومن يحم حول حوضه يرد
وكان قلبي عليك مرتعدا ... وأنت تنساب غير مرتعد
تدخل برج الحمام متئدا ... وتخرج الفرخ غبر متئد
وتطرح الريش في الطريق لهم ... وتبلع اللحم بلع مزدرد
أطعمك الغي لحمها فرأى ... فتلك أربابها من الرشد
كادوك دهرا فما وقعت وكم ... أفلت من كيدهم ولم تكد
حتى إذا خاتلوك واجتهدوا ... وساعد النفس كيد مجتهد
صادوك غيظا عليك وانتقموا ... منك وزادوا ومن يصد يصد
ثم شفوا بالحديد أنفسهم ... منك ولم يربعوا على أحد
لم يرحموا صوتك الضعيف كما ... لم ترث منها لصوتها الغرد
فحين كاشفت وانتهكت وجا ... هرت وأسرفت غير مقتصد
أذاقك الموت من أذاق كما ... أذقت أطياره يدا بيد
كأنهم يقتلون طاغية ... كان لطاغوته من العبد
فلو أكبوا على القرامط أو ... مالوا على زكرويه لم يزد
يا من لذيذ الفراخ أوقعه ... ويحك هلا قنعت بالقدد
ما كان أغناك عن تسورك ال ... برج ولو كان جنة الخلد
لا بارك الله في الطعام إذا ... كان هلاك النفوس في المعد
كم أكلة داخلت حشا شره ... فأخرجت روحه من الجسد
أردت أن تأكل الفراخ ولا ... يأكلك الدهر أكل مضطهد
هذا بعيد من القياس وما ... أعزه في الدنو والبعد
ولم تكن لي بمن دهاك يد ... تقوى على دفعه يد الأبد
ولا تبين حشو جلدك عن ... د الذبح من طاقة ومن جلد
كأن حبلا حوى بحوزته جيداك للذبح كان من مسد
كأن عيني تراك مضطربا ... فيه وفي فيك رغوة الزبد
وقد طلبت الخلاص منه فلم ... تقدر على حيلة ولم تجد
فجدت بالنفس والبخيل بها ... كنت ومن لم يجد بها يجد
عشت حريصا يقوده طمع ... ومت ذا قاتل بلا قود
فما سمعنا بمثل موتك إذ ... مت ولا مثل عيشك النكد
عشنا بخير وكنت تكلؤنا ... ومات جيراننا من الحسد
ثم تقلبت في فراخهم ... وانقلب الحاسدون بالكمد
قد انفردنا بمأتم ولهم ... بعدك بالعرس أي منفرد
قد كنت في نعمة وفي سعة ... من المليك المهيمن الصمد
تأكل من فأر بيتنا رغدا ... وأين بالشاكرين للرغد
قد كنت بددت شملهم زمنأ ... فاجتمعوا بعد ذلك البدد
وفتتوا الخبز في السلال فكم ... تفتتت للعيال من كبد
فلو يبقوا لنا على سبد ... في جوف أبياتنا ولا لبد
وفرغوا قعرها وما تركوا ... ما علقته يد على وتد
ومزقوا من ثيابنا جددا ... فكلنا في مصائب جدد
فاذهب من البيت خير مفتقد ... واذهب من البرج شر مفتقد
ألم تخف وثبة الزمان وقد ... وثبت في البرج وثبة الأسد؟
أخنى على الدار فيه بالأمس ... ومن قبلها على لبد
ولم يدع في عراضها أحدا ... ما بين علياشها إلى السند
عاقبة البغي لا تنام وإن ... تأخرت مدة من المدد
من لم يمت يومه غده ... أو لا يمت في غد فبعد غد
والحمد لله لا شريك له ... فكل شيء يرى إلى أمد
وفيه أيضا:
يا هر بعث الحق بالباطل ... وصرت لا تصغي إلى عاذل
إذا أتيت البرج من خارج ... طارت قلوب الطير من داخل
علما بما تصنع في برجها ... فهي على خوف من الفاعل
قد كنت لا تغفل عن أكلها ... ولم يكن ربك بالغافل
فانظر إلى ما صنعت بعد ذا ... عقوبة المأكول بالآكل
ما زلت يا مسكين مستقتلا ... حتى لقد منيت للقاتل
قد كنت للرحمة مستأهلا ... إذ لم أكن منك بمستأهل
المتنبي
وا حر قلباه ممن قلبه شبم ... ومن بجسمي وحالي عنده سقم
ما لي أكتم حباً قد برى جسدي ... وتدعي حب سيف الدولة الأمم
إن كان يجمعنا حب لغرته ... فليت أنا بقدر الحب نقتسم
يا أعدل الناس إلا في معاملتي ... فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
أعيذها نظرات منك صادقة ... أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره ... إذا استوت عنده الأنوار والظلم
يا من يعز علينا أن نفارقهم ... وجداننا كل شيء بعدكم عدم
ما كان أخلقنا منكم بتكرمة ... لو أن أمركم من أمرنا أمم
إن كان سركم ما قال حاسدنا ... فما لجرح إذا أرضاكم ألم
وبيننا لو رعيتم ذاك معرفة ... إن المعارف في أهل النهى ذمم
كم تطلبون لنا عيباً فيعجزكم ... ويكره الله ما تأتون والكرم
ما أبعد العيب والنقصان من شرفي ... أنا الثريا وذان الشيب والهرم
ليت الغمام الذي عندي صواعقه ... يزيلهن إلى من عنده الديم
أرى النوى تقتضيني كل مرحلة ... لا تستقل بها الوخادة الرسم
لئن تركن ضميراً عن ميامنها ... ليحدثن لمن ودعتهم ندم
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ... أن لا تفارقهم فالراحلون
أرى ذلك القرب صار ازورارا ... وصار طويل السلام اختصارا
تركتني اليوم في خجلة ... أموت مراراً وأحيا مرارا
أسارقك اللحظ مستحيياً ... وأزجر في الخيل مهري سرارا
وأعلم أني إذا ما اعتذرت ... إليك أراد اعتذاري اعتذارا
للمتنبي في بدر بن عمار
أرج الطريق فما مررت بموضع ... إلا أقام به الشذا مستوطنا
لو تعقل الشجر التي قابلتها ... مدت محيية إليك الأغصنا
أقبلت تبسم والجياد عوابس ... يخببن بالحلق المضاعف والقنا
عقدت سنابكها عليها عثيراً ... لو تبتغي عنقاً عليه لأمكنا
والأمر أمرك والقلوب خوافق ... في موقف بين المنية والمنى
فعجبت حتى ما عجبت من الظبي=ورأيت حتى ما رأيت من السنى
وله
دخلتها وشعاع الشمس متقد ... ونور وجهك بين الخلق باهره
في فيلق من حديد لو قذفت به ... صرف الزمان لما دارت دوائره
تمضي المواكب والأبصار شاخصة ... منها إلى الملك الميمون طائره
قد حرن في بشر في تاجه قمر ... في درعه أسد تدمى أظافره
حلو خلائقه شوس حقائقه ... تحصى الحصى قبل أن تحصى مآثره
تضيق عن جيشه الدنيا ولو رحبت ... كصدره لم تبن فيها عساكره
يا من ألوذ به فيما أؤمله ... ومن أعوذ به مما أحاذره
ومن توهمت أن البحر راحته ... جوداً وأن عطاياه جواهره
لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره ... ولا يهيضون عظماً أنت جابره
وله في سيف الدولة
وقفت وما في الموت شك لواقف ... كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ... ووجهك وضاح وثغرك باسم
تجاوزت مقدار الشجاعة والنهى ... إلى قول قوم أنت بالغيب عالم
ضممت جناحيهم على القلب ضمة ... تموت الخوافي تحتها والقوادم
بضرب أتى الهامات والنصر غائب ... وصار إلى اللبات والنصر قادم
ألا أيها السيف الذي لست مغمداً ... ولا فيك مرتاب ولا منك عاصم
هنيئاً لضرب الهام والمجد والعلى ... وراجيك والإسلام أنك سالم
للمتنبي في سيف الدولة
ضاق الزمان ووجه الأرض عن ملك ... ملء الزمان وملء السهل والجبل
فنحن في جذل والروم في وجل ... والثر في شغل والبحر في خجل
ليت المدائح تستوفي مناقبه ... فما كليب وأهل الأعصر الأول
خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به ... في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل
وقد وجدت مكان القول ذا سعة ... فإن وجدت لساناً قائلاً فقل
إن الهمام الذي فخر الأنام به ... خير السيوف بكفي خيرة الدول
تمسي الأماني صرعى دون مبلغه ... فما يقول لشيء ليت ذلك لي
أطاعن خيلاً من فوارسها الدهر ... وحيداً وما قولي كذا ومعي الصبر
وأشجع مني كل يوم سلامتي ... وما ثبتت إلا وفي نفسها أمر
تمرست بالآفات حتى تركتها ... تقول أمات الموت أم ذعر الذعر
وأقدمت إقدام الآتي كأن لي ... سوى مهجتي أو كان لي عنها وتر
ذر النفس تأخذ وسعها قبل بينها ... فمفترق جاران دارهما العمر
ولا تحسبن المجد زقا وقينة ... فما المجد إلا السيف والفتكة البكر
وتضريب أعناق الملوك وأن ترى ... لك الهبوات السود والعسكر المجر
وتركك في الدنيا دوياً كأنما ... تداول سمع المرء أنمله العشر
علي لأهل الجور كل طمرة ... عليها غلام ملء حيزومه غمر
يدير بأطراف الرماح عليهم ... كؤوس المنايا حيث لا تشتهي الخمر
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
والناس قد نبذوا الحفاظ فمطلق ... ينسى الذي يولى وعاف يندم
لا يخدعنك من عدو دمعه ... وارحم شبابك من عدو ترحم
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم
يؤذي القليل من اللئام بطبعه ... من لا يقل كما يقل ويلؤم
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ... ذا عفة فلعلة لا يظلم
ومن البلية عذل من لا يرعوي ... عن جهله وخطاب من لا يفهم
ومن العداوة ما ينالك نفعه ... ومن الصداقة ما يضر ويؤلم
والذل يظهر في الدليل مودة ... وأود منه لمن يود الأرقم
ومن يجعل الضرغام للصيد بازه ... تصيده الضرغام فيما تصيدا
وما قتل الأحرار كالعفو عنهم ... ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
ووضع الندى في موضع السيف بالعلى ... مضر كوضع السيف في موضع الندى
أعْدى الزَّمان سخاؤُه فسخا بِهِ ... ولقد يكونُ بِهِ الزَّمانُ بخيلا
وكأنَّ بَرْقاً في متونِ غمامةٍ ... هنديّهُ في كفّهِ مسلولا
أمُعفِّر اللّيثِ الهِزَبْرِ بسَوطِهِ ... لمن ادَّخرْتَ الصّارمَ المصقولا
وردٌ إذا وردَ البُحيرة شارباً ... وردَ الفراتَ زئيرُه والنيلا
مُتخضّبٌ بدمِ الفوارسِ لابسٌ ... في غيْلِهِ من لِبْدَتيْه غيلا
ما قوبلَتْ عيناهُ إلاَّ ظُنَّتا ... تحتَ الدُّجَى نارَ الفريقِ حُلولا
في وحدةِ الرُّهْبانِ إلاَّ أنَّهُ ... لا يعرفُ التَّحريمَ والتَّحليلا
يطأ البرى مُترفّقاً من تيهِهِ ... فكأنَّهُ آسٍ يجسُّ عليلا
ويرُدُّ عُفرتهُ إلى يافوخِهِ ... حتَّى تصير لرأسِهِ إكليلا
وتظنُّه ممّا يُزَمجرُ نفسُهُ ... عنها لشدَّةِ غيظِهِ مشغولا
قصرتْ مهابتُهُ الخُطى فكأنّما ... ركبَ الكميُّ جوادهُ مَشْكولا
ألقى فريستَهُ وبربر دونها ... وقربْتَ قُرْباً خالَهُ تَطْفيلا
فتشابه الخلقانِ في إقدامه ... وتخالفا في بَذْلكَ المأكولا
أسدٌ يرى عُضْوَيه فيكَ كليهما ... متناً أزلَّ وساعداً مفتولا
ما زالَ يجمعُ نفسَهُ في زورهِ ... حتَّى حسبْتَ العرضَ منهُ الطُّولا
ويدقُّ بالصَّدرِ الحِجارَ كأنّهُ ... يبغي إلى ما في الحضيض سبيلا
وكأنَّهُ غرَّتْهُ عينٌ فادّنى ... لا يُبصر الخطبَ الجليلَ جليلا
أنَفُ الكريمِ من الدَّنيَّةِ تاركٌ ... في عينِهِ العدد الكثير قليلا
سبق التقاءكَهُ بوثبةِ هاجمٍ ... لو لمْ تُصادمْهُ لجازكَ ميلا
خذلتْهُ قوَّتُه وقد كافحتَهُ ... فاستنْصَر التّسليمَ والتَّجديلا
قبضَتْ منيتُهُ يديْهِ وعُنقهُ ... فكأنَّما صادفتَهُ مغلولا
سمعَ ابن عمّته بِهِ وبحالِهِ ... فنجا يُهرولُ منكَ أمسِ مُهَولا
وأمرُّ ممّا فرَّ منهُ فرارهُ ... وكقتْلِهِ ألاّ يموتَ قتيلا
تلفُ الَّذي اتّخذ الجراءةَ خُلّةً ... وعظَ الَّذي اتّخذَ الفِرارَ خليلا
فِدًى لَكَ مَنْ يُقَصِّرُ عَنْ مَدَاكَا فَلَا مَلِكٌ إِذَنْ إِلَّا فَدَاكَا٤١
وَلَوْ قُلْنَا: فِدًى لَكَ مَنْ يُسَاوِي دَعَوْنَا بِالْبَقَاءِ لِمَنْ قَلَاكَا٤٢
وَآمَنَّا فِداءَكَ كُلَّ نَفْسٍ وَإِنْ كَانَتْ لِمَمْلَكَةٍ مِلَاكَا٤٣
وَمَنْ يَظُّنُّ نَثْرَ الْحَبِّ جُودًا وَيَنْصِبُ تَحْتَ مَا نَثَرَ الشِّبَاكَا٤٤
وَمَنْ بَلَغَ التُّرَابَ بِهِ كَرَاهُ وَقَدْ بَلَغَتْ بِهِ الْحَالُ السُّكَاكَا٤٥
فَلَوْ كَانَتْ قُلُوبُهُمُ صَدِيقًا لَقَدْ كَانَتْ خَلَائِقُهُمْ عِدَاكَا٤٦
لِأَنَّكَ مُبْغِضٌ حَسَبًا نَحِيفا إِذَا أَبْصَرْتَ دُنْيَاهُ ضِنَاكَا٤٧
أَرُوحُ وَقَدْ خَتَمْتَ عَلَى فُؤَادِي بِحُبِّكَ أَنْ يَحِلَّ بِهِ سِوَاكَا٤٨
وَقَدْ حَمَّلَتْنِي شُكْرًا طَوِيلًا ثَقِيلًا لَا أُطِيقُ بِهِ حِرَاكَا٤٩
أُحَاذِرُ أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمَطَايَا فَلَا تَمْشِي بِنَا إِلَّا سِوَاكَا٥٠
لَعَلَّ اللهَ يَجْعَلُهُ رَحِيلًا يُعِينُ عَلَى الْإِقَامَةِ فِي ذَرَاكَا٥١
وَلَوْ أَنِّي اسْتَطَعْتُ خَفَضْتُ طَرْفِي فَلَمْ أُبْصِرْ بِهِ حَتَّى أَرَاكَا٥٢
كَفَى بِكَ دَاءً أَنْ تَرَى الْمَوْتَ شَافِيَا وَحَسْبُ الْمَنَايَا أَنْ يَكُنَّ أَمَانِيَا١
تَمَنَّيْتَهَا لَمَّا تَمَنَّيْتَ أَنْ تَرَى صَدِيقًا فَأَعْيَا أَوْ عَدُوًّا مُدَاجِيَا٢
إِذَا كُنْتَ تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ بذِلَّةٍ فَلَا تَسْتَعِدَّنَّ الْحُسَامَ الْيَمَانِيَا٣
وَلَا تَسْتَطِيلَنَّ الرِّمَاحَ لِغَارَةٍ وَلَا تَسْتَجِيدَنَّ الْعِتَاقَ الْمَذَاكِيَا٤
فَمَا يَنْفَعُ الْأُسْدَ الْحَيَاءُ مِنَ الطَّوَى وَلَا تُتَّقَى حَتَّى تَكُونَ ضَوَارِيَا٥
حَبَبْتُكَ قَلْبِي قَبْلَ حُبِّكَ مَنْ نَأَى وَقَدْ كَانَ غَدَّارًا فَكُنْ أَنْتَ وَافِيَا٦
وَأَعْلَمُ أَنَّ الْبَيْنَ يُشْكِيكَ بَعْدَهُ فَلَسْتَ فُؤَادِي إِنْ رَأَيْتُكَ شَاكِيَا٧
فَإِنَّ دُمُوعَ الْعَيْنِ غُدْرٌ بِرَبِّهَا إِذَا كُنَّ إِثْرَ الْغَادِرِينَ جَوَارِيَا٨
إِذَا الْجُودُ لَمْ يُرْزَقْ خَلَاصًا مِنَ الْأذَى فَلَا الْحَمْدُ مَكْسُوبًا وَلَا الْمَالُ بَاقِيَا٩
وَلِلنَّفْسِ أَخْلَاقٌ تَدُلُّ عَلَى الْفَتَى أَكَانَ سَخَاءً مَا أَتَى أَمْ تَسَاخِيَا؟١٠
أَقِلَّ اشْتِيَاقًا أَيُّهَا الْقَلْبُ رُبَّمَا رَأَيْتُكَ تُصْفِي الْوُدَّ مَنْ لَيْسَ جَازِيَا١١
خُلِقْتُ أَلُوفًا لَوْ رَحَلْتُ إِلَى الصِّبَا لَفَارَقْتُ شَيْبِي مُوجَعَ الْقَلْبِ بَاكِيَا١٢
وَلَكِنَّ بِالْفُسْطَاطِ بَحْرًا أَزَرْتُهُ حَيَاتِي وَنُصْحِي وَالْهَوَى وَالْقَوَافِيَا١٣
وَجُرْدًا مَدَدْنَا بَيْنَ آذَانِهَا الْقَنَا فَبِتْنَ خِفَافًا يَتَّبِعْنَ الْعَوَالِيَا١٤
تَمَاشَى بِأَيْدٍ كُلَّمَا وَافَتِ الصَّفَا نَقَشْنَ بِهِ صَدْرَ الْبُزَاةِ حَوَافِيَا١٥
وَتَنْظُرُ مِنْ سُودٍ صَوَادِقَ فِي الدُّجَى يَرَيْنَ بَعِيدَاتِ الشُّخُوصِ كَمَا هِيَا١٦
وَتَنْصِبُ لِلْجَرْسِ الْخَفِيِّ سَوَامِعًا يَخَلْنَ مُنَاجَاةَ الضَّمِيرِ تَنَادِيَا١٧
تُجَاذِبُ فُرْسَانَ الصَّبَاحِ أَعِنَّةً كَأَنَّ عَلَى الْأَعْنَاقِ مِنْهَا أَفَاعِيَا١٨
بِعَزْمٍ يَسِيرُ الْجِسْمُ فِي السَّرْجِ رَاكِبًا بِهِ وَيَسِيرُ الْقَلْبُ فِي الْجِسْمِ مَاشِيَا١٩
قَوَاصِدَ كَافُورٍ تَوَارِكَ غَيْرِهِ وَمَنْ قَصَدَ الْبَحْرَ استَقَلَّ السَّوَاقِيَا٢٠
فَجَاءَتْ بِنَا إِنْسَانَ عَيْنِ زَمَانِهِ وَخَلَّتْ بَيَاضًا خَلْفَهَا وَمَآقِيَا٢١
نَجُوزَ عَلَيْهَا الْمُحْسِنِينَ إِلَى الَّذِي نَرَى عِنْدَهُمْ إِحْسَانَهُ وَالْأَيَادِيَا٢٢
فَتًى مَا سَرَيْنَا فِي ظُهُورِ جُدُودِنَا إِلَى عَصْرِهِ إِلَّا نُرَجِّي التَّلَاقِيَا٢٣
تَرَفَّعَ عَنْ عُونِ الْمَكَارِمِ قَدْرُهُ فَمَا يَفْعَلُ الْفَعْلَاتِ إِلَّا عَذَارِيَا٢٤
يُبِيدُ عَدَاوَاتِ الْبُغَاةِ بِلُطْفِهِ فَإِنْ لَمْ تَبِدْ مِنْهُمْ أَبَادَ الْأَعَادِيَا٢٥
أَبَا الْمِسْكِ ذَا الْوَجْهُ الَّذِي كُنْتُ تَائِقًا إِلَيْهِ وَذَا الْوَقْتُ الَّذِي كُنْتُ رَاجِيَا٢٦
لَقِيتُ الْمَرَوْرَى وَالشَّنَاخِيبَ دُونَهُ وَجُبْتُ هَجِيرًا يَتْرُكُ الْمَاءَ صَادِيَا٢٧
أَبَا كُلِّ طِيبٍ لَا أَبَا الْمِسْكِ وَحْدَهُ وَكُلَّ سَحَابٍ لَا أَخَصُّ الْغَوَادِيَا٢٨
يَدِلُّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كُلُّ فَاخِرٍ وَقَدْ جَمَعَ الرَّحْمَنُ فِيكَ الْمَعَانِيَا٢٩
إِذَا كَسَبَ النَّاسُ الْمَعَالِيَ بِالنَّدَى فَإِنَّكَ تُعْطِي فِي نَدَاكَ الْمَعَالِيَا٣٠
وَغَيْرُ كَثِيرٍ أَنْ يَزُورَكَ رَاجِلٌ فَيَرْجِعَ مَلْكًا لِلْعِرَاقَيْنِ وَالِيَا٣١
فَقَدْ تَهَبُ الْجَيْشَ الَّذِي جَاءَ غَازِيًا لِسَائِلِكَ الْفَرْدِ الَّذِي جَاءَ عَافِيَا٣٢
وَتَحْتَقِرُ الدُّنْيَا احْتِقَارَ مُجَرِّبٍ يَرَى كُلَّ مَا فِيهَا وَحَاشَاكَ فَانِيَا٣٣
وَمَا كُنْتَ مِمَّن أَدْرَكَ الْمُلْكَ بِالْمُنَى وَلَكِنْ بِأَيَّامٍ أَشَبْنَ النَّوَاصِيَا٣٤
عِدَاكَ تَرَاهَا فِي الْبِلَادِ مَسَاعِيًا وَأَنْتَ تَرَاهَا فِي السَّمَاءِ مَرَاقِيَا٣٥
لَبِسْتَ لَهَا كُدْرَ الْعَجَاجِ كَأَنَّمَا تَرَى غَيْرَ صَافٍ أَنْ تَرَى الْجَوَّ صَافِيَا٣٦
وَقُدْتَ إلَيْهَا كُلَّ أَجْرَدَ سَابِحٍ يُؤَدِّيكَ غَضْبَانًا وَيَثْنِيكَ رَاضِيَا٣٧
وَمُخْتَرَطٍ مَاضٍ يُطِيعُكَ آمِرًا وَيَعْصِي إِذَا اسْتَثْنَيْتَ لَوْ كُنْتَ نَاهِيَا٣٨
وَأَسْمَرَ ذِي عِشْرِينَ تَرْضَاهُ وَارِدًا وَيَرْضَاكَ فِي إِيرَادِهِ الْخَيْلَ سَاقِيَا٣٩
كَتَائِبَ مَا انْفَكَّتْ تَجُوسُ عَمَائِرًا مِنَ الْأَرْضِ قَدْ جَاسَتْ إِلَيْهَا فَيَافِيَا٤٠
غَزَوْتَ بِهَا دُورَ الْمُلُوكِ فَبَاشَرَتْ سَنَابِكُهَا هَامَاتِهِمْ وَالْمَغَانِيَا٤١
وَأَنْتَ الَّذِي تَغْشَى الْأَسِنَّةَ أَوَّلًا وَتَأَنَفُ أَنْ تَغْشَى الْأَسِنَّةَ ثَانِيَا٤٢
إِذَا الْهِنْدُ سَوَّتْ بَيْنَ سَيْفَيْ كَرِيهَةٍ فَسَيْفُكَ فِي كَفٍّ تُزِيلُ التَّسَاوِيَا٤٣
وَمِنْ قَوْلِ سَامٍ لَوْ رَآكَ لِنَسْلِهِ: فِدَى ابْنَ أَخِي نَسْلِي وَنَفْسِي وَمَالِيَا٤٤
مَدًى بَلَّغَ الْأُسْتَاذَ أَقْصَاهُ رَبُّهُ وَنَفْسٌ لَهُ لَمْ تَرْضَ إِلَّا التَّنَاهِيَا٤٥
دَعَتْهُ فَلَبَّاهَا إِلَى الْمَجْدِ وَالْعُلَا وَقَدْ خَالَفَ النَّاسُ النُّفُوسَ الدَّوَاعِيَا٤٦
فَأَصْبَحَ فَوْقَ الْعَالَمِينَ يَرَوْنَهُ وَإِنْ كَانَ يُدْنِيهِ التَّكَرُّمُ نَائِيَا
نعد المشرفية والعوالي ... وتقتلنا المنون بلا قتال
نصيبك في حياتك من حبيب ... نصيبك من منامك من خيال
رماني الدهر بالأرزاء حتى ... فؤادي في غشاء من نبال
فصرت إذا أصابني سهام ... تكسرت النصال على النصال
وهان فما أبالي بالرزايا ... لأني ما انتفعت بأن أبالي
وما أحد يخلد في البرايا ... بل الدنيا تؤول إلى زوال
ولو كان النساء كمن فقدنا ... لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب ... ولا التذكير فخر للهلال
وحالاتُ الزّمانِ عَلَيكَ شتى وحالُكَ واحدٌ في كلّ حالِ
فإن تَفُقِ الأنامَ وأنت منهم ... فإنَّ المسكَ بعضُ دم الغزالِ
وأفجع من فقدنا من وجدنا ... قبيل الفقد مفقود المثال
يدفن بعضنا بعضا وتمشي أواخرنا على هام الأوالي
عَذَلتُ أَهلَ العِشقِ حَتّى ذُقتُهُ ... فَعَجِبتُ كَيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ
وَعَذَرتُهُمْ وَعَرَفتُ ذَنبِيَ أَنَّني *** عَيَّرتُهُمْ فَلَقيتُ فيهِ ما لَقوا
أَبَني أَبينا نَحنُ أَهلُ مَنازِلٍ *** أَبَدًا غُرابُ البَينِ فيها يَنعَقُ
نَبكي عَلى الدُنيا وَما مِن مَعشَرٍ *** جَمَعَتهُمُ الدُنيا فَلَم يَتَفَرَّقوا
أَينَ الأَكاسِرَةُ الجَبابِرَةُ الأُلى *** كَنَزوا الكُنوزَ فَما بَقينَ وَلا بَقوا
1مِن كُلِّ مَن ضاقَ الفَضاءُ بِجَيشِهِ *** حَتّى ثَوى فَحَواهُ لَحدٌ ضَيِّقُ
1خُرسٌ إِذا نودوا كَأَن لَم يَعلَموا *** أَنَّ الكَلامَ لَهُم حَلالٌ مُطلَقُ
1وَالمَوتُ آتٍ وَالنُفوسُ نَفائِسٌ *** وَالمُستَغِرُّ بِما لَدَيهِ الأَحمَقُ
1وَالمَرءُ يَأمُلُ وَالحَياةُ شَهِيَّةٌ *** وَالشَيبُ أَوقَرُ وَالشَبيبَةُ أَنزَقُ
1وَلَقَد بَكَيتُ عَلى الشَبابِ وَلِمَّتي *** مُسوَدَّةٌ وَلِماءِ وَجهِيَ رَونَقُ
أُعيذُها نظراتٍ منك صادقةً ... أن تحسبَ الشحمَ فيمن شحمُهُ وَرمُ
وما انتفاعُ أخي الدنيا بناظِرِه ... إذا استوتْ عنده الأنوارُ والظلَمُ
إذا رأيتَ نيوب الليث بارزةً ... فلا تظُنَّنَّ أنَّ الليثَ يبتسمُ
إنْ كان سرَّكُمُ ما قال حاسدُنا ... فما لجرحٍ إذا أرضاكُمُ ألَمُ
وبيننا لو رعيتُم ذاك معرِفةٌ ... إن المعارف في أهل النهى ذممُ
شرُّ البلادِ مكانٌ لا صديقَ به ... وشرُّ ما يكسب الإنسان ما يصمُ
اذا ترحلت عن قوم وقد قدروا.... الا تفرقهم فالراحلون هم
ولمّا صار ودُّ الناس خِبّاً ... جزيتُ على ابتسامٍ بابتسامِ
وصرتُ أشكُّ فيمن أصطفيه ... لعلمي أنَّهُ بعض الأنام
وآنفُ من أخي لأبي وأمي ... إذا ما لم أجِدهُ من الكرامِ
أرى الأجداد تغلبُها كثيراً ... على الأولاد أخلاق اللئام
ولم أرَ في عيوب الناس شيئاً ... كنقص القادرين على التمامِ
اذا غامرت في شرف ملوم. فلا تقنع بما دون النجوم
فطعمُ الموت في أمرٍ حقيرٍ ... كطعم الموت في أمرٍ عظيمِ
يرى الجبناءُ أنَّ العجز فخرٌ ... وتلك خديعةُ الطبع اللئيمِ
وكل شجاعةٍ في المرء تغني ... ولا مثلَ الشجاعة في الحكيمِ
وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً ... وآفتُهُ من الفهم السقيمِ
ولكنْ تأخذ الآذانُ منه ... على قدر القرائح والفهومِ
الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهي المحل الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفس حرة ... بلغت من العلياء كل مكان
ولربما طعن الفتى أقرانه ... بالرأي قبل تطاعن الأقران
لولا العقول لكان أدنى ضيغم ... أدنى إلى شرف من الإنسان
وحيدٌ من الخّلان في كلِّ بلدةٍ ... إذا عظم المطلوبُ قلَّ المساعدُ
بذا قضت الأيامُ ما بين أهلها ... مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائدُ
وكلٌ يرى طرق الشجاعة والندى ... ولكنَّ طبعَ النفس للنفس قائدُ
فإنَّ قليل الحب بالعقل صالحٌ ... وإنَّ كثير الحب بالجهل فاسدُ
وما قتل الأحرارً كالعفو عنهم ... ومَنْ لك بالحرِّ الذي يحفظ اليدا
إذا أنتَ أكرمت الكريمَ ملكتَهُ ... وإنْ أنتَ أكرمتَ اللئيمَ تمرَّدا
ووضعُ الندى في موضع السيف بالعلى مضرٌكوضع السيف في موضع الندى
وقيَّدتُ نفسي في ذراكَ محبَّةً ... ومَنْ وَجَدَ الإحسانَ قيداً تقيَّدا
لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
لولا المشقَّةُ ساد الناس كُلهم ... الجودُ يُفقِرُ والإقدام قتّالُ
إنَّا لفي زمنٍ تركُ القبيحِ بهِ ... من أكثر الناس إحسانٌ وإجمالُ
ذكرُ الفتى عمره الثاني وحاجته ... ما فاته وفضولُ العيش أشغالُ
والهجرُ أقْتَلُ لي ممّا أراقبُهُ ... أنا الغريقُ فما خوفي من البللِ
خُذْ ما تراه ودعْ شيئاً سمعتَ به ... في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحلِ
لعل عتبَك محمودٌ عواقبُهُ ... وربَّما صحَّت الأجسامُ بالعِللِ
أفاضلُ الناسِ أغراض لذا الزمنِ ... يخلو من الهمِّ أخلاهم من الفطنِ
فقرُ الجهول بلا عقلٍ إلى أدبٍ ... فقر الحمار بلا رأسٍ إلى رَسَنِ
لا يعجبنَّ مضيماً حسنُ بزَّتهِ ... وهل يروقُ دفيناً جودةُ الكفنِ
غير أنَّ الفتى يُلاقي المنايا ... كالحاتٍ ولا يُلاقي الهوانا
ولو أنَّ الحياة تبقى لحيٍّ ... لَعَدَدْنا أضلَّنا الشجعانا
وإذا لم يكن من الموت بُدٌّ ... فمن العجز أن تكون جبانا
تصفو الحياة لجاهل أو غافل ... عما مضى منها وما يتوقع
والناس أنزل في زمانك منزلا ... من أن تعايشهم وقدرك أرفع
مَنْ كان فوق محل الشمس موضعُهُ ... فليس يرفعه شيءٌ ولا يضع
صبراً بني إسحاق عنه تكرُّماً ... إنَّ العظيمَ على العظيم صبَورُ
يمَّمْتُ شاسعَ دارهم عن نيِّةٍ ... إنَّ المحبَّ لمن يحبُّ يزورُ
لو كان سُكنايَ فيهِ منقصةً ... لم يكن الدرُّ ساكنَ الصدفِ
غير اختيارٍ قبلتُ برَّكَ بي ... والجوعُ يُرضي الأسُودَ بالجيفِ
أعزُّ مكانٍ في الدُّنى سرجُ سابحٍ ... وخير جليسٍ في الزمان كتابُ
إذا نلتُ منك الودَّ فالمالُ هيِّنٌ ... وكلُّ الذي فوق التراب ترابُ
العبدُ ليس لحرٍّ صالحٍ بأخٍ ... لو أنَّهُ في ثياب الحُرِّ مولود
لا تشترِ العبدَ إلا والعصا معه ... إنَّ العبيدَ لأنجاسٌ مناكيد
ولم تزلْ قلَّةُ الإنصافِ قاطعةً ... بين الأنام ولو كانوا ذوي رحمِ
وكُن على حذرٍ للناس تستُرُهُ ... ولا يغرُّك منهم ثغرٌ مبتسِمِ
كفى بك داءً أن ترى الموتَ شافياً ... وحسبُ المنايا أن يَكُنَّ أمانيا
قواصِدُ كافورٍ تواركُ غيرهِ ... ومَنْ قَصَدَ البحرَ استقلَّ السواقيا
نحن بنو الموتى فما بالنا ... نعاف ما لا بد من شربه
يموت راعي الضأن في جهله ... ميتة جالينوس في طبه
وقد فارق الناس الأحبَّةُ قبلنا ... وأعيا دواء الموت كلَّ طبيبِ
وجرمٍ جرَّه سفهاءُ قومٍ ... فحلَّ بغير جارمِهِ العذابُ
ومن نكد الدنيا على الحُرِّ أن يرى ... عدواً له ما من صداقته بُدُّ
إذا ساَء فعلُ المرءِ ساءت ظنونُهُ ... وصدَّق ما يعتادهُ من تَوَهُّم
كفى بجسمي نحولاً أنني رجل ... لولا مخاطبتي إياك لم ترني
عش عزيزاً أو مت وأنت كريمٌ ... بين طعنِ القنا وخفقِ البنُود
فَعُدْ بها لا عدمتُها أبداً ... خيرُ صلاتِ الكريمِ أعودُها
إذا قيل: رِفقاً، قال: للحلم موضعٌ ... وحلمُ الفتى في غير موضعه جهل
خليلُك أنتَ، لا مَنْ قُلتَ خِلّي ... وإن كثر التجمُّل والكلامُ
ومن يكُ ذا فمٍ مُرٍّ مريضٍ ... يجدْ مُراً به الماَء الزلالا
مَنْ يَهُنْ يسهلِ الهوانُ عليه ... ما لجرحٍ بمِّيتٍ ايلامُ
والغنى في يد اللئيم قبيحٌ ... قَدْرَ قُبّحِ الكريم في الإملاقِ
ما كل من طلب المعالي نافذا ... فيها ولا كل الرجال فحولا
اذا اعتاد الفتى خوض المنايا. فاهون ما يمر به الوحول
مَنْ أطاقَ التماس شيءٍ غلاباً ... واغتصاباً لم يلتمسهُ سؤالا
تعليقات