المحفوظ

 النسيب

عمر بن أبي ربيعة:

تهيمُ إلى نُعمٍ فلا الشَّملُ جامعٌ ... ولا الحبلُ موصولٌ ولا القلبُ مقصرُ

ولا قربُ نعمٍ إن دنت لك نافعٌ ... ولا نأيُها يُسلي ولا أنت تصبرُ

إذا زُرتَ نعماً لم يزل ذو قرابةٍ ... لها كلَّما لاقيتهُ يتنمَّرُ

ألكني إليها بالسَّلام فإنَّني ... يشهَّر إلمامي بها ويُنكَّرُ

على أنَّها قالت غداة لقيتُها ... بمدفعِ أكنانٍ أهذا المُشهَّرُ؟

قفي فانظري يا أسمَ هل تعرفينهُ ... أهذا المغيريُّ الَّذي كان يُذكرُ؟

أهذا الَّذي أطريتِ نعتاً فلم أكن ... وعيشكِ أنساهُ إلى يوم أُقبرُ؟

لئن كانَ إياه لقد حال بيننا ... عن العهدِ، والإنسانُ قد يتغيَّرُ

فقالت: نعمْ لا شكَّ غيَّر لونه ... سرى اللَّيل يحيي نصَّه والتَّهجُّرُ

ومنها:

يمجُّ ذكيَّ المسكِ منها مفلَّجٌ ... نقيُّ الثَّنايا ذو غروب مؤشَّرُ

يرفُّ إذا تفترُّ عنه كأنَّهُ ... حصى بردٍ أو أقحوانٌ منوِّرُ

وترنو بعينيها إليَّ كما رنا ... إلى ربربٍ وسطَ الخميلةِ جؤذرُ

جميل بن معمر:

لقد فرحَ الواشونَ أن صرمت حبلي ... بثينةُ أو أبدتْ لنا جانبَ البخلِ

يقولون: مهلاً يا جميلُ، وإنَّني ... لأقسمُ مالي عن بثينةَ من مهلِ

أحلماً؟ فقبلَ اليومِ كان أوانهُ ... أم أخشى؟ فقبلَ اليوم أوعدتُ بالقتلِ

فيا ويح نفسيحسبُ نفسي الَّذي بها ... ويا ويح أهليما أُصيب به أهلي

خليليَّ فيما عِشتُما هل رأيتُما ... قتيلاً بكى من حُبِّ قاتله قبلي

عروة بن حزام:

جعلتُ لعرَّافِ اليمامةَ حكمهُ ... وعرَّاف نجدٍ إن هما شفياني

فما تركا من حيلةٍ يعرفانها ... ولا رقيةٍ إلا بها رقياني

فقالوا: شفاكَ الله والله مالنا ... بما حملت منك الضُّلوع يدانِ

فويلي على عفراء ويلاً كأنه ... على الصَّدر والأحشاء حدُّ سنانِ

فعفراء أحظى الناس عندي مودَّة ... وعفراءُ عنِّي المعرضُ المتداني

كأنَّ قطاة علِّقت بجناحها ... على كبدي من شدَّة الخفقانِ

فياربِّ أنت المستعانُ على الَّذي ... تحمَّلتُ من عفراءَ منذُ زمانِ

وإنِّي لأهوى الحشر إذ قيل إنَّني ... وعفراءَ يومَ الحشرِ ملتقيانِ

تحمَّلتُ من عفراءَ ما ليسَ لي به ... ولا للجبال الرَّاسياتِ يدانِ

.

أعدُّ اللَّيالي ليلةً بعد ليلةٍ ... وقد كنتُ دهراً لا أعدُّ اللَّياليا

ذكرتُكِ بالدَّيرينِ يوماً فأشرفتْ ... بناتُ الهوى حتَّى بلغنَ التَّراقيا

وأنتِ الَّتي إن شئت أشقيتِ عيشتي ... وإن شئتِ بعد الله أنعمتِ باليا

وأنتِ الَّتي ما من صديقٍ ولا عدا ... يرى نضوَ ما أبقيتِ إلاَّ رثى ليا

وما زلتِ بي يا بثنُ حتَّى لو أنَّني ... من الوجدِ أستبكي الحمامَ بكى ليا

وددتُ على حبِّ الحياةِ لو أنَّني ... يزاد لها في عُمرها من حياتيا

وما أحدثَ النَّأي المفرِّق بيننا ... سُلُوَّاً ولا طولُ اجتماعٍ تقاليا

ولا زادني الواشونَ إلاَّ صبابةً ... ولا كثرةُ الناهينَ إلاَّ تماديا

ألم تعلمي يا عذبةَ الماء أنَّني ... أظلُّ إذا لم أسقَ ماءكِ صاديا

لقد خِفتُ أن ألقى المنيَّةَ بغتة ... وفي النَّفس حاجاتٌ إليك كما هيا

الصِّمَّة القشيريُّ:

حننتَ إلى ريَّا ونفسكَ باعدتْ ... مزاركَ من ريَّا وشعباكُما معا

فما حسنٌ أن تأتي الأمرَ طائعاً ... وتجزعَ أن داعي الصَّبابةِ أسمعا

قفا ودِّعا نجداً ومن حلَّ بالحمى ... وقلَّ لنجدٍ عندنا أن يودَّعا

بكتْ عيني اليُسرى فلمّا زجرتُها ... عن الجهلِ بعد الحلمِ أسبلتا معا

ولما رأيتُ البِشرَ أعرضَ دُوننا ... وجالتْ بناتُ الشَّوقِ يحننّ نزعا

تلَّفتُّ نحو الحيِّ حتَّى وجدتني ... وجعتُ من الإصغاءِ ليتاً وأخدعا

وأذكرُ أيَّامَ الحمى ثمَّ أنثني ... على كبدي من خشيةٍ أن تصدَّعا

فليست عشيَّاتُ الحمى برواجعٍ ... إليكَ ولكن خلِّ عينيك تدمعا

كثيِّر بن عبد الرَّحمن:

خليليَّ هذا ربع عزَّة فاعقلا ... قلوصيكما ثمَّ ابكيا حيث حلَّتِ

وما كنتُ أدري قبل عزَّة ما البكا ... ولا موجعات البين حتَّى تولَّتِ

وكانت لقطع الحبل بيني وبينها ... كناذرة نذراً فأوفت وحلَّتِ

فقلت لها: يا عزُّ، كلُّ مصيبة ... إذا وطِّنت يوماً لها النَّفس ذلَّتِ

ولم يلقَ إنسان من الحبِّ ميعة ... تغمُّ ولا غمَّاء إلاَّ تجلَّتِ

كأنِّي أنادي صخرة حين أعرضت ... من الصُّمِّ لو تمشي بها العصم زلَّتِ

أباحتْ حمىً لم يرعهُ النَّاسُ قبلها ... وحلَّت تلاعاً لم تكن قبل حلَّتِ

وكنتُ كذي رجلين: رجل صحيحة ... ورجلٌ رمى فيها الزَّمان فشلَّتِ

هنيئاً مريئاً غير داءِ مخامرٍ ... لعزَّة من أغراضنا ما استحلَّتِ

فلا يحسبِ الواشونَ أنَّ صبابتي ... بعزَّة كانت غمرةً فتجلَّتِ

فو اللهِ ثمَّ اللهِ ما حلَّ قبلها ... ولا بعدَها من خُلَّة حيثُ حلَّتِ

ولا مرَّ من يومٍ عليَّ كيومها ... وإن عظُمت أيَّام أُخرى وجلَّتِ

فيا عجباً للقلبِ كيفَ اعترافُهُ ... وللنَّفسِ لمَّا وطِّنتْ كيف ذلَّتِ

وإنَّي وتهيامي بعزَّةَ بعدما ... تخلَّيتُ ممَّا بيننا وتخلَّتِ

لكالمرتجي ظلَّ الغمامة: كلَّما ... تبوَّأ منها للمقيل اضمحلَّتِ

العباس بن الاحنف

قَلبي إِلى ما ضَرَّني داعي

يُكِثرُ أَسقامي وَأَوجاعي

وَقَلَّما أَبقى عَلى ما أَرى

يوشِكُ أَن يَنعَناني الناعي

أَسلَمَني لِلوَجدِ أَشياعي

لَمّا سَعى بي عِندَها الساعي

كَيفَ اِحتِراسي مِن عَدُوّي إِذا

كانَ عَدُوّي بَينَ أَضلاعي

ما أَقتَلَ اليَأسَ لِأَهلِ الهَوى

لاسِيَّما مِن بَعدِ إِطماعِ

أبو فراس الحمداني:

إذا اللَّيلُ أضواني بسطتُ يد الهوى ... وأذللتُ دمعاً من خلائقهِ الكبرُ

تكادُ تضيءُ النَّارُ بين جوانحي ... إذا هي أذكتها الصَّبابة والفكرُ

معلِّلتي بالوصلِ والموتُ دونه ... إذا متُّ ظمآناً فلا نزلَ القطرُ

بدوتُ وأهلي حاضرون لأنَّني ... أرى أنَّ داراً لستِ من أهلها قفرُ

وحاربتُ قومي في هواكِ وإنَّهم ... وإيَّاي لولا حبُّك الماءُ والخمرُ

فإن يكُ ما قال الوشاةُ ولم يكن ... فقد يهدمُ الإيمانُ ما شيَّد الكفرُ

تُسائلني: من أنتَ؟ وهي عليمةٌ ... وهل بفتى مثلي على حالهِ نكرُ

فقلتُ: كما شاءتْ وشاءَ لها الهوى ... قتيلكِقالت: أيُّهم؟ فهم كثرُ

فأيقنتُ أن لا عزَّ بعدي لعاشقٍ ... وأنَّ يدي ممَّا علَّقتُ به صفر!ُ

الشَّريف الرَّضيّ:

يا ظبيةَ البانِ ترعى في خمائلهِ ... ليهنكِ اليوم أنَّ القلب مرعاكِ

الماءُ عندكَ مبذولٌ لشاربهِ ... وليس يرويكِ إلاَّ مدمعي الباكي

هبَّت لنا من رياح الغور رائحةٌ ... بعد الرُّقاد عرفناها بريَّاكِ

ثم انثنينا: إذا ما هزَّنا طربٌ ... على الرِّجال، تعلَّلنا بذكراكِ

سهمٌ أصابَ وراميه بذي سلمٍ ... من بالعراق، لقد أبعدتِ مرماكِ

حكت لحاظكِ ما في الرّيم من ملحٍ ... يوم اللِّقاء فكانَ الفضلُ للحاكي

أنتِ النَّعيمُ لقلبي والعذابُ له ... فما أمرَّكِ في قلبي وأحلاكِ

عندي رسائلُ شوقٍ لست أذكُرها ... لولا الرَّقيبُ لقد بلَّغتها فاكِ

هامت بك العين لم تتبع سواكِ هوىً ... من علَّم البينَ أنَّ القلب يهواك

لو كانت الَّلمَّة السوداءُ من عددي ... يوم الغميم لما أفلتِّ أشراكي

ابن زيدون:

أما رضاكِ فعلقٌ مالهُ ثمنٌ ... لو كان سامحني في وصلهِ الزمنُ

تبكي فراقك عينٌ أنتِ ناظرها ... قد لجَّ في هجرها عن هجركِ الوسنُ

إن الزَّمان الَّذي عهدي به حسنٌ ... قد حال مذ غابَ عنَّي وجهك الحسنُ

أنتِ الحياة فإن يقدر فراقكِ لي ... فليحفرِ القبرُ أو فليحضرِ الكفنُ

والله ما ساءني أني خفيت ضنىً ... بل ساءني أن سرِّي بالضَّنى علنُ

لو كان أمري في كتم الهوى بيدي ... ما كان يعلمُ ما في قلبي البدنُ

وقال أيضاً:

بنتم وبنَّا فما ابتلت جوانحنا ... شوقاً إليكم ولا جفَّت مآقينا

نكادُ حين تناجيكم ضمائرنا ... يقضي علينا الأسى لولا تأسِّينا

حالت لفقدكمُ أيَّامنا فغدت ... سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا

إذ جانبُ العيش طلقٌ من تألقنا ... ومورد اللَّهو صافٍ من تصافينا

ليبقَ عهدكمُ عهدَ السُّرور فما ... كنتم لأرواحنا إلاَّ رياحينا

لا تحسبوا نأيكم عنا يغيِّرنا ... إن طالما غيَّر النَّأيُ المحبِّينا

يا ساري البرقَ غاد القصر فاسقِ به ... من كان صرف الهوى والودِّ يسقينا

وسل هنالك: هل عنَّى تذكُّرنا ... إلفاً تذكُّره أمسى يعنِّينا

ويا نسيمَ الصَّبا بلِّغ تحيَّته ... من لو على البعد حيَّى كان يحيينا

ربيبَ ملكٍ كأنَّ الله أنشأه ... مسكاً وقدَّر إنشاءَ الورى طينا

يا روضةً طالما أجنت لواحظنا ... ورداً جناه الصِّبا غضّاً ونسرينا

لسنا نسمِّيك إجلالاً وتكرمةً ... وقدرك المعتلي عن ذاك يغنينا

إذا انفردت وما شوركت في صفةٍ ... فحسبك الوصفُ إيضاحاً وتبيينا

كأنَّنا لم نبت والوصل ثالثنا ... والسَّعد قد غضَّ من أجفان واشينا

سرَّان في خاطر الظَّلماء يكتمنا ... حتَّى يكاد لسان الصُّبح يفشينا

إنَّا قرأنا الأسى يوم النَّوى سوراً ... مكتوبةً وأخذنا الصَّبر تلقينا

لم نجفُ أفقَ سماءٍ أنتِ كوكبهُ ... سالين عنه ولم نهجرهُ قالينا

ولا اختياراً تجنَّبناك عن كثبٍ ... لكن عدتنا على كرهٍ عوادينا

وقال أيضاً:

أغائبةً عني وحاضرةً معي ... أناديكِ لمَّا عيل صبري فاسمعي

أفي الحقِّ أن أشقى بحبِّك أو أرى ... حريقاً بأنفاسي غريقا بأدمعي؟

ألا عطفةٌ تشفى بها نفسُ عاشقٍ ... جعلتِ الرَّدى منه بمرأى ومسمعِ

صليني بعض الوصل حتى تبيَّني ... حقيقةَ حالي ثم ما شئت فاصنعي

وقال أيضاً:

بيني وبينك ما لو شئت لم يضع ... سرٌّ إذا ذاعتِ الأسرارُ لم يذعِ

يا بائعاً حظَّه مني ولو بذلت ... لي الحياةُ بحظِّي منه لم أبعِ

يكفيكَ أنَّك لو حملت قلبي ما ... لا تستطيعُ قلوبُ النَّاس يستطعِ

ته أحتمل واستطل أصبر وعزَّ أهن ... وولِّ أُقبل وقل أسمع ومر أطعِ

وقال أيضاً:

أيوحشني الزَّمان وأنت أُنسي؟ ... ويظلمُ لي النَّهار وأنت شمسي؟

وأغرس في محبَّتك الأماني ... وأجني الموت من ثمراتِ غرسي؟

لقد جازيتِ غدراً عن وفائي ... وبعتِ مودتي ظلماً ببخسِ

ولو أنَّ الزَّمان أطاعَ حكمي ... فديتكِ من مكارههِ بنفسي

وقال أيضاً:

يا قمراً مطلعهُ المغربِ ... قد ضاق بي في حبُّك المذهبُ

أعتبُ في هجركَ لي ظالماً ... ويغلب الشَّوق فأستعتبُ

ألزمتني الذنبَ الذي جئته ... صدقتفاصفح أيها المذنبُ!

وإنَّ من أعجب ما مرَّ بي ... أنَّ عذابي فيك مستعذبُ

وقال أيضاً:

يا نازحاً وضميرُ القلبِ يهواه ... أنستكَ دنياكَ عبداً أنتَ دنياهُ

ألهتكَ عنه فكاهاتٌ تلذُّ بها ... فليس تجري ببالٍ منك ذكراهُ

علَّ اللَّيالي تبقني إلى أملٍ ... الدَّهرُ يعلم والأيَّام معناهُ

وقال أيضاً:

سأحبُّ أعدائي لأنَّك منهم ... يا من يصحُّ بمقلتيه ويسقمُ


أصبحت تسخطني وأمنحُك الرِّضا ... محضاً وتظلمُني فلا أتظلَّمُ

يا من تألَّفَ ليلهُ ونهارهُ ... فالحسنُ بينهما مضيءٌ مظلمُ

قد كان في شكوى الصَّبابةِ راحةٌ ... لو أنَّني أشكو إلى من يرحمُ

الفخر

طرفة

إذا القومُ قالوا مَن فتًى خلتُ أنَّني ... دُعيتُ فلمْ أكسَلْ ولم أتبلَّدِ

ولستُ بمحلالِ التِّلاعِ مخافةً ... ولكنْ مَتَى يسترفِد القومُ أرفِدِ

وإنْ أُدعَ للجُلَّى أكُنْ من حُماتِها ... وإن يأتكَ الأعداءُ بالجَهد أجهدِ

أنا الرَّجُلُ الضَّربُ الَّذي تعرفونَهُ ... خُشاشاً كرأسِ الحيَّة المُتوقّدِ

وآليتُ لا ينفكُّ كَشْحي بطانَةً ... لعَضْبٍ رقيقِ الشّفرتين مهنَّدِ

أخي ثقةٍ لا ينثَنِي عن ضَريبةٍ ... إذا قيلَ مهلاً قالَ حاجزُهُ قدِي

حسامٌ إذا ما قُمتُ مُنتصراً بهِ ... كَفَى العَوْدَ منهُ البدءُ ليس بمعضَدِ

إذا ابتدرَ القومُ السِّلاحَ وجدْتَني ... مَنيعاً إذا بلَّتْ قوائمُه يَدِي

عنترة

هلاَّ سألتِ القومَ يا ابنةَ مالكٍ ... إن كنتِ جاهلةً بما لم تعلمِي

يُخبركِ مَنْ شهدَ الوقيعةَ أنَّني ... أغشى الوَغَى وأعفُّ عند المغنمِ

ومدجَّجٍ كرِهَ الكُماةُ نزالَهُ ... لا مُمعنٍ هَرَباً ولا مستسلِمِ

جادتْ يدايَ لهُ بعاجِلِ طعنةٍ ... بمثقَّفٍ صَدْقِ القناةِ مقوَّمِ

فشككتُ بالرُّمحِ الطَّويل إهابَهُ ... ليسَ الكريمُ علَى القَنَا بمُحرَّمِ

وتركتهُ جزر السِّباعِ ينُشْنَهُ ... ما بينَ قلَّةِ رأسِهِ والمعصمِ

لمَّا رأيتُ القومَ أقبلَ جمعهمْ ... يتذامَرُون كررتُ غيرَ مُذمَّمِ

يدعونَ عنترَ والرّماحُ كأنَّها ... أشطانُ بئرٍ في لَبانِ الأدهمِ

ما زلتُ أرميهمْ بثُغرةِ نحرِهِ ... ولبَانهِ حتَّى تسربَلَ بالدَّمِ

لسَّموأل بن عاديا:

إذا المرءُ لمْ يدنسْ منَ اللُّؤمِ عِرضهُ ... فكلُّ رداءٍ يرتديهِ جمِيلُ

وإنْ هو لمْ يحملْ على النَّفسِ ضَيمَها ... فليسَ إلى حسنِ الثَّناءِ سبِيلُ

تُعيِّرنا أنَّا قليلٌ عديدُنا ... فقلتُ لها إنَّ الكرامَ قلِيلُ


وما قلَّ منْ كانتْ بقاياهُ مثلنا ... شبابٌ تَسامى للعُلا وكهولُ

وما ضرَّنا أنَّا قليلٌ وجارُنا ... عزيزٌ وجارُ الأكثرينَ ذلِيلُ

لنا جبلٌ يحتلُّهُ مَن نجيرُهُ ... منيفٌ يردُّ الطَّرفَ وهوَ كلِيلُ

رَسَا أصلهُ تحتَ الثَّرى وسَمَا بهِ ... إلى النَّجمِ فرعٌ لا يُنالُ طوِيلُ

وإنَّا لقومٌ لا نَرَى القتلَ سُبَّةً ... إذا ما رأتهُ عامرٌ وسَلولُ

يقرِّبُ حبَّ الموتِ آجالَنا لنا ... وتكرَهُهُ آجالهمْ فتطُولُ

وما ماتَ منَّا سيِّدٌ حتفَ أنفهِ ... ولا طُلَّ منَّا حيثُ كانَ قتِيلُ

تسيلُ على حدِّ الظُّباتِ نُفوسنا ... وليستْ على غيرِ الظُّباتِ تسِيلُ

صَفَونا فلم نكدرْ وأخلص سِرَّنا ... إناثٌ أطابتْ حملَنَا وفُحُولُ

عَلَونا إلى خيرِ الظُّهورِ وحطَّنا ... لوقتٍ إلى خيرِ البطونِ نزُولُ

فنحنُ كماءِ المزنِ ما في نِصابنا ... كَهامٌ ولا فينا يعدُّ بَخيلُ

وننكرُ إنْ شئنا على النَّاسِ قولهمْ ... ولا ينكرونَ القولَ حينَ نقُولُ

إذا سيِّدٌ منَّا خلا قامَ سيِّدٌ ... قؤولٌ بما قالَ الكرامُ فعُولُ

وما أُخمدتْ نارٌ لنا دونَ طارقٍ ... ولا ذمَّنا في النَّازلينَ نزِيلُ

وأيَّامنا مشهورةٌ في عدوّنا ... لها غُررٌ مشهورةٌ وحُجُولُ

وأسيافُنا في كلِّ شرقٍ ومغربٍ ... بها منْ قراعِ الدَّارعينَ فلُولُ

معوَّدةٌ ألاَّ تُسلَّ نِصالُها ... فتُغمَدَ حتَّى يُستباحَ قبيلُ

ابن الإطنابة:

أبتْ لي عفَّتي وأَبَى بلائي ... وأخذي الحمدَ بالثَّمنِ الرَّبيحِ

وإجشامي علَى المكروهِ نَفسي ... وضَرْبي هامةَ البطلِ المُشيحِ

وقولي كلَّما جَشأتْ وجاشتْ ... مكانكِ تُحْمَدي أوْ تستريحي

لأدفعَ عن مآثرَ صالحاتٍ ... وأحْمي بعدُ عن عِرضٍ صحيحِ

الحُصين بن الحُمام المُرّي:

تأخرتُ أسْتبقي الحياةَ فلمْ أجدْ ... لمِثلي حياةً مثلَ أنْ أتقدَّما

نُفلِّقُ هاماً من رجالٍ أعزَّةٍ ... عَلَيْنا وهُم كانُوا أعَقَّ وأظلما

نحاربهم نستودع البِيضَ هامَهُمْ ... ويستودِعونا السَّمهريَّ المُقوَّما

ولسنا على الأعقابِ تَدمى كُلُومنا ... ولكنْ على أقدامِنا تقطُرُ الدّما

سعيد بن ناشب:

سأغسلُ عنّي العارَ بالسَّيْفِ جالباً ... عليَّ قضاءُ اللهِ ما كانَ جالِبا

وأذهلُ عن دارِي وأجعلُ هَدْمها ... لعِرضيَ من باقي المذمَّةِ حاجِبا

ويصغُرُ في عَيْني تِلادي إذا انثنتْ ... يَميني بإدراكِ الَّذي كنتُ طالِبا

فإن تهدِمُوا بالغَدْر دارِي فإنَّها ... تُراثُ كريمٍ لا يُبالي العَواقبا

أخي عَزَماتٍ لا يريدُ علَى الَّذي ... يهمُّ بهِ من مُفظعِ الأمرِ صاحبا

إذا همَّ لم تُردعْ عزيمةُ همِّهِ ... ولم يأتِ ما يأتي من الأمرِ هائِبا

فيا لَرازمٍ رشَّحُوا بي مُقدَّماً ... إلى الموتِ خوَّاضاً إليهِ الكتائبا

إذا هَمَّ ألْقى بين عَينيهِ عزمَهُ ... ونكّبَ عن ذِكرِ العواقبِ جانِبا

ولمْ يستشرْ في أمرهِ غيرَ نفسِهِ ... ولم يرضَ إلاَّ قائم السَّيْفِ صاحِبا

بشار

إذا الملكُ الجبَّارُ صعَّرَ خدَّهُ ... مَشَينا إليهِ بالسُّيوفِ نُعاتبُهْ

وكنَّا إذا دبَّ العدوُّ لسُخطنا ... وظاهَرَنا في ظاهرٍ لا نراقبُهْ

دَلَفنا لهُ جهراً بكلِّ مثقَّفٍ ... وأبيضَ تستسقي الدِّماءَ مضاربُهْ

وجيشٍ كمثلِ الليلِ يرجُفُ بالحَصَى ... وبالشَّوكِ والخطِّيِّ حمرٍ ثعالبُهْ

غَدَونا لهُ والشَّمْسُ في خِدرِ أُمِّها ... تطالعُنا والطَّلُّ لم يجرِ ذائبُهْ

بضربٍ يذوقُ الموتَ مَن ذاقَ طعمَهُ ... وتُدركُ من نجَّى الفرارُ مثالبُهْ

كأنَّ مُثارَ النَّقعِ فوقَ رؤوسهمْ ... وأسيافَنَا ليلٌ تهاوَى كواكبُهْ

بَعَثنا لَهُم نارَ الفُجاءةِ إنَّنا ... بَنُو الموتِ خفَّاقٌ عَلَيْنا سبائبُهْ

فراحُوا فريقاً في الإسارِ ومثلُهُ ... قتيلٌ ومثلٌ لاذَ بالبحرِ هاربُهْ

وأرعَنَ يغْشى الشَّمْسَ لونُ حديدِهِ ... وتخلِسُ أبصارَ الكُماةِ كتائبُهْ

تغصُّ به الأرضُ الفضاءُ إذا غَدَا ... تُزاحمُ أركانَ الجبالِ مناكبُهْ

تَرَكنا بهِ كلْباً وقحطانَ تبتغي ... مُجيراً منَ القتلِ المُطلِّ مقانبُهْ

الحمدانيّ:

وإنِّي لنزَّالٌ بكلِّ مَخُوفةٍ ... كثيرٌ إلى نُزَّالِها النَّظَرُ الشَّزْرُ

وإنِّي لجرَّارٌ لكلِّ كتيبةٍ ... معوَّدةٍ أنْ لا يُخلَّ بها النَّصرُ

فأظمأُ حتَّى ترتَوي البِيضُ والقَنَا ... وأسغَبُ حتَّى يشبَعَ الذِّئبُ والنَّسرُ

ويا رُبَّ دارٍ لمْ تَخَفني مَنيعةٍ ... طلعتُ عَلَيْها بالرَّدى أنا والفجرُ

ولا باتَ يُطْغيني بأثوابِهِ الغِنَى ... ولا باتَ يَثنيني عن الكرمِ الفقرُ

وما حاجَتي بالمالِ أبْغي وُفُورهُ ... إذا لمْ أَفْر عِرضي فلا وفَرَ الوفرُ

سيذكُرني قَومي إذا جدَّ جدُّهمْ ... وفي اللَّيلةِ الظَّلماءِ يُفتقدُ البدرُ

ولو سدَّ غَيري ما سَدَدتُ اكتَفَوْا بهِ ... وما كانَ يغلُو التِّبرُ لو نَفَق الصُّفرُ

ونحنُ أُناسٌ لا توسُّطَ عندَنَا ... لنا الصَّدرُ دونَ العالمينَ أو القبرُ

المعري

ألا في سبيلِ المجدِ ما أنا فاعلُ ... عفافٌ وإقدامٌ وحزمٌ ونائلُ

أعندي وقدْ مارستُ كلَّ حقيقة ... يصدّقُ واشٍ أو يخيَّبُ سائلُ

تعدُّ ذُنُوبي عندَ قومٍ كثيرةً ... ولا ذنبٍ لي إلاَّ العُلا والفواضلُ

كأنِّي إذا طلتُ الزَّمَانَ وأهلَهُ ... رجعتُ وعندِي للأنامِ طوائلُ

وقدْ سارَ ذِكْري في البلادِ فمنْ لهمْ ... بإخفاءِ شمسٍ ضوؤُها متكاملُ

وأنِّي وإنْ كنتُ الأخيرَ زمانُهُ ... لآتٍ بما لمْ تستطعْهُ الأوائلُ

وأغدُو ولو أنَّ الصَّباحَ صوارمٌ ... وأسْري ولوْ أنَّ الظَّلامَ جحافلُ

وأيُّ جوادٍ لمْ يُحلَّ لجامُهُ ... ونِضْوٍ يمانٍ أغفلتْهُ الصَّياقلُ


وإنْ كانَ في لبسِ الفَتَى شرفٌ لهُ ... فما السَّيْفُ إلاَّ غمدُهُ والحمائلُ

ولي منطقٌ لمْ يرضَ لي كُنْهَ مَنْزلي ... على أنَّني فوقَ السِّماكينِ نازلُ

لَدَى موطنٍ يشتاقُهُ كلُّ سيّدٍ ... ويقصُرُ عنْ إدراكِهِ المتناولُ

ينافسُ يومي فيَّ أمْسي تشرُّفاً ... وتحسُدُ أسْحاري عليَّ الأصائلُ

المدح

زهير

علَى مُكثريهمْ رزقُ مَن يعْتريهمُ ... وعند المُقلِّينَ السَّماحةُ والبَذْلُ

وإنْ جئتهمْ ألفيتَ حولَ بيوتهمْ ... مجالسَ قدْ يُشفَى بأحلامِها الجهلُ

وإنْ قامَ فيهمْ حاملٌ قالَ قاعدٌ ... رَشَدتَ فلا غُرمٌ عليكَ ولا خذلُ

سعى بعدهُم قومٌ لكي يدركوهُمُ ... فلم يفعلُوا ولم يُلاقوا ولم يألوا

فما يكُ من خير أتَوْهُ فإنَّما ... توارثهُ آباءُ آبائهم قبلُ

وهل يُنبتُ الخَطّيّ إلاَّ وشيجُهُ ... وتُغرسُ إلاَّ في منابتها النَّخلُ

حسان

لله درُّ عصابةٍ نادمتهمْ ... يوماً بجلّقَ في الزَّمَان الأوّلِ

أولادُ جفنةَ حول قبرِ أبيهمِ ... قبرِ ابن ماريةَ الكريمِ المفضلِ

بيضُ الوجوهِ كريمةٌ أحسابهمْ ... شمّ الأنوفِ من الطِّراز الأوّلِ

يغشونَ حتّى ما تهرّ كلابهُمْ ... لا يسألونَ عن السَّوادِ المُقْبلِ

المُلحقين فقيرهم بغنيّهِمْ ... والمشفقين على السَّقيمِ المُرْملِ

مروان

حليفُ النَّدَى معنُ بنُ زائدة الَّذي ... تُعَلُّ بحوضَيْهِ الظِّماءُ وتُنْهلُ

تجنّب لا في القولِ حتَّى كأنَّهُ ... حرامٌ عليهِ قولُ لا حينَ يُسألُ

شريكيَّةٌ صَوْلاتهُ مطريَّةٌ ... مُجرَّبةٌ فيها السِّمامُ المثمَّلُ

تشابهَ يوماهُ عَلَيْنا فأشْكَلا ... فلا نحنُ ندري أيّ يوميه أفضلُ

أيومُ نداهُ الغمر أم يومُ بأسهِ ... وما منهُما إلاَّ أغرُّ مُحجَّلُ

بنو مطرٍ يومَ اللِّقاءِ كأنَّهمُ ... أسودٌ لها في غيل خَفّانَ أشبلُ

هم يمنعون الجارَ حتَّى كأنَّما ... لجارهُم بين السِّماكينِ منزلُ

بهاليلُ في الإسلامِ سادوا ولم يكنْ ... كأوّلهمْ في الجاهليّةِ أوَّلُ

هم القومُ إن قالوا أصابوا وإن دُعوا ... أجابوا وإن أعطَوا أطابوا وأجزلوا

وما يستطيعُ الفاعلون فعالهُمْ ... وإنْ أحسنوا في النّائباتِ وأجْمَلوا

تُلاثُ بأمثالِ الجبالِ حُباهمُ ... وأحلامهُمْ منها لدى الوزنِ أثقلُ

بشار

دعاني إلى عُمرٍ جودُهُ ... وقولُ العشيرةِ بحرٌ خِضَمْ

ولولا الَّذي زَعَموا لم أكنْ ... لأحمدَ رَيْحانةً قبلَ شَمّ

فتًى لا يبيتُ على دِمنةٍ ... ولا يشرَبُ الماءَ إلاَّ بدَمْ

إذْ أيقظتْكَ حروبُ العِدا ... فنبِّهْ لها عُمَراً ثمَّ نَمْ

أبو جُوَيرية:

لو كانَ يقعدُ فوق الشَّمسِ منْ كرمٍ ... قومٌ بأوَّلهمْ أوْ مجدهمْ قَعدوا

أوْ خلَّدَ الجود أقواماً ذوي حسبٍ ... فيما يُحاولُ من آجالهمْ خَلَدوا

قومٌ سِنانٌ أبوهمْ حين تَنْسبُهُم ... طابُوا وطابَ من الأولادِ ما وَلَدوا

جِنٌّ إذا فزِعُوا إنسٌ إذا أمِنُوا ... مُرَزَّؤنَ بهاليلٌ إذا احْتَشَدوا

مُحَسّدون علَى ما كانَ من نِعَمٍ ... لا ينزعُ اللهُ منهمْ مالَهُ حُسِدوا

نجوتِ نْ حلٍّ ومنْ رحلةٍ ... يا ناقُ إنْ قرَّبْتني من قُثَمْ

إنَّكِ إنْ بلَّغْتنيهِ غداً ... عاشَ لنا اليسرُ وماتَ العَدَمْ

في باعِهِ طولٌ وفي وجههِ ... نورٌ وفي العِرْنينِ منهُ شَمَمْ

لمْ يدرِ ما لا وبلى قد دَرَى ... فعافَهَا واعتاضَ منها نَعَمْ

أصمُّ عن ذكرِ الخَنَا سمعُهُ ... وما عَن الخيرِ بهِ مِنْ صَمَمْ

أبو تمام

إليكَ جزعنا مغرِبَ المُلكِ كلَّما ... وسطْنا مَلاً صلَّتْ عليكَ سباسبُهْ

إلى ملكٍ لم يلقِ كَلْكل بأسهِ ... على ملكٍ إلاَّ وللذُّلِّ جانبهْ

إلى سالبِ الجبَّارِ بيضةَ مُلكهِ ... وآملهُ غادٍ عليهِ فسالبُهْ

سما للعلا من جانبَيْها كلَيْهما ... سُموَّ عُبابِ البحرِ جاشَتْ غواربُهْ

فنوَّلَ حتَّى لم يجدْ من يُنيلهُ ... وحاربَ حتَّى لم يجدْ من يُحاربُهْ

وذو يقظاتٍ مُستمرٍّ مريرُها ... إذا الخطبُ لاقاها اضمحلَّتْ نوائبُهْ

فيا أيُّها السَّاري اسرِ غيرَ مُحاذرٍ ... جَنانَ ظلامٍ أوْ ردًى أنتَ هائبُهْ

فقدْ بثَّ عبد الله خوفَ انتقامهِ ... على اللَّيل حتَّى ما تدبُّ عقاربُهْ

إذا ما امرؤٌ ألْقى بربعكَ رَحْلهُ ... فقد طالبَتْهُ بالنَّجاحِ مطالبُهْ

وقال أيضاً من قصيدةٍ:

رواحِلُنا قد بزَّنا الهمُّ أمرَها ... إلى أن حسِبْنا أنَّهنَّ رواحلُهْ

إذا خلعَ اللَّيلُ النَّهارَ رأيتَها ... بإرْقالها في كلِّ وجهٍ تُقاتلُهْ

إلى قطبِ الدُّنيا الَّذي لو بمدْحِهِ ... مدحْتُ بني الدُّنيا كفَتْهُمْ فضائلُهْ

جلا ظلماتِ الظُّلمِ عن وجهِ أمَّةٍ ... أضاءَ لها من كوكبِ الحقِّ آفلُهْ

لقد حانَ من يُهدي سُوَيداءَ قلبهِ ... لحدّ سنانٍ في يدِ الله عاملُهْ

إذا مارقٌ بالغدرِ حاولَ غَدْرةً ... فذاك حريٌّ أن تئيمَ حلائلُهْ

وإنْ يبن حيطاناً عليهِ فإنَّما ... أولائكَ عُقَّالاتهُ لا معاقلُهْ

بِيُمْنِ أبي إسحاق طالتْ يدُ الهدى ... وقامتْ قناةُ الدِّينِ واشتدَّ كاهلُهْ

هو البحرُ من أيِّ النَّواحي أتيتهُ ... فَلُجَّتهُ المعروفُ والجودُ ساحلُهْ

تعوَّدَ بسطَ الكفِّ حتَّى لوَ انَّهُ ... دعاها لقبضٍ لم تُجِبْهُ أناملُهْ

ولو لم يكن في كفِّهِ غيرُ نفسهِ ... لجادَ بها فليتَّقِ الله سائلُهْ

ديمةٌ سمحةُ القيادِ سَكوبُ ... مُستغيثٌ بها الثَّرى المكروبُ

لو سعتْ بُقعةٌ لإعظامِ نُعْمى ... لَسَعى نحوَها المكانُ الجَديبُ

لذَّ شُؤبوبها وطابَتْ فلو تَسْ ... طيعَ قامتْ فعاتبتْهَا القلوبُ

فهو ماءٌ يجري وماءٌ يليهِ ... وعزالٍ تنشا وأخرى تذوبُ

أيُّها الغيثُ حيِّ أهلاً بِمغْدا ... كَ وعندَ السُّرى وحينَ تؤوبُ

لأبي جعفرٍ خلائقُ يحكي ... هِنَّ قد يُشبهُ النَّجيبَ النَّجيبُ

أنتَ فينا في ذا الأوانِ غريبٌ ... وهو فينا في كلِّ وقتٍ غريبُ

خُلقٌ مشرقٌ ورأيٌ حسامٌ ... وودادٌ عذبٌ وريحٌ جَنوبُ

ما الْتقى وفرُه ونائلهُ مذْ ... كانَ إلاَّ ووفْرُهُ المَغْلوبُ

فهو مُدْنٍ للجودِ وهو بغيضٌ ... وهو مقصٍ للمالِ وهو حبيبُ

البحتريّ من قصيدة:

أحيى الخليفةُ جعفرٌ بفعالهِ ... أفعالَ آباءٍ لهُ وجُدودِ

ولهُ وراءَ المُذنبينَ ودونهُمْ ... عفوٌ كظلِّ المُزنةِ الممدودِ

وأناةُ مُقتدرٍ تُكَفْكفُ بأسهُ ... وقفاتُ حلمٍ عندهُ موجودِ

أمْسَكْنَ من رمقِ الجريحِ ورُمْنَ أن ... يُحْيينَ من نفسِ القتيل المودي

حاطَ الرَّعيَّة حينَ ناط أُمورها ... بثلاثةِ بَكروا وُلاة عُهودِ

لن يجهلَ السَّاري المحجَّةَ بعدما ... رُفعتْ لنا منهم بدورُ سعودِ

نعتدُّ عزَّكَ عِزَّ آلِ محمدٍ ... ونرى بقاءكَ من بقاءِ الجودِ

وقال أيضاً من قصيدةٍ:

اليومَ أُطلعَ للخلافةِ سعدُها ... وأضاء فيها بدْرُها المُتهلِّلُ

لبسَتْ جلالةَ جعفرٍ فكأنَّها ... سحَرٌ تجلَّلهُ النَّهارُ المُقبلُ

جاءتْهُ طائعةً ولم يُهْزز لها ... رُمحٌ ولم يًشهر عَلَيْها مُنصلُ

أوما تَرَى حُسنَ الزَّمان وما بدا ... وأعادَ في أيَّامه المُتوكِّلُ

أشرقْنَ حتَّى كادَ يُقْتبسُ الدُّجَى ... ورطُبْنَ حتَّى كادَ يجري الجندَلُ

ملكٌ أذلَّ المعتدين بوطأةٍ ... ترسو على كبدِ الزَّمان وتثْقُلُ

نفسٌ مُشيَّعةٌ ورأيٌ مُحصدٌ ... ويدٌ مؤيَّدةٌ وقولٌ فيصلُ

ولهُ وإن غدَتِ البلادُ عريضةً ... طرفٌ بأطرافِ البلادِ موكَّلُ

اللهُ مكَّنَ للخليفةِ جعفرٍ ... ملْكاً يحسِّنُهُ الخليفَةُ جعفرُ

عمَّتْ فواضلكَ البريَّةَ فالتقَى ... فيها المقلُّ على الغِنَى والمكثرُ

بالبرِّ صُمتَ وأنتَ أفضَلُ صائمٍ ... وبسنَّةِ اللهِ الرَّضيَّةِ تفطرُ

فانعمْ بيومِ الفطرِ عيناً إنَّه ... يومٌ أغرُّ منَ الزَّمَانِ مشهَّرُ

أظهرتَ عزَّ الملكِ فيه بجحفلٍ ... لجِبٍ يحاطُ الدِّينُ فيهِ وينصَرُ

خِلنا الجبالَ تسيرُ فيهِ وقد غدتْ ... عدداً يسيرُ بها العديدُ الأكثَرُ

فالخيلُ تصهَلُ والفوارسُ تدَّعي ... والبِيضُ تلمَعُ والأسنَّةُ تزهَرُ

والأرضُ خاشعةٌ تميلُ بثقلِها ... والجوُّ معتكرُ الجوانبِ أغبَرُ

حتَّى انتهيتَ إلى المُصلَّى لابساً ... ثوبَ الهُدى يبدُو عليكَ ويظهَرُ

ومشيتَ مِشيةَ خاشعٍ متواضعٍ ... للهِ لا تزْهى ولا تتكبَّرُ

فلَوَ أنَّ مُشتاقاً تكلَّفَ فوقَ ما ... في وسعِهِ لسَعَى إليكَ المنبَرُ

الرثاء

أبو ذؤيب الهذلي:

أمنَ المنون وريبه تتوجَّعُ ... والدَّهرُ ليس بمعتبٍ من يجزعُ

أودى بنيَّ وأعقبُوني حسرةٌ ... بعد المماتِ وعبرةٌ ما تقلعُ

سبقُوا هويَّ وأعنقوا لهواهُمُ ... فتُخرِّموا ولكلِّ جنبٍ مصرعُ

ولقد حرصتُ بأن أدافعُ عنهمُ ... فإذا المنيَّة أقبلتْ لا تُدفعُ

وإذا المنيَّة أنشبتْ أظفارها ... ألفيتَ كلَّ تميمةٍ لا تنفعُ

وتجلُّدي للشَّامتين أريهمُ ... أنِّي لريبِ الدَّهرِ لا أتضعضعُ

حتَّى كأنِّي للحوادثِ مروةً ... بصفا المُشقَّر كلَّ يومٍ تقرعُ

دريد بن الصِّمَّة من قصيدة:

أمرتُهُمُ أمري بمُنعرجِ اللِّوى ... فلم يستبينُوا الرُّشدَ إلا ضُحى الغدِ

فقلتُ لهُمْ: ظُنُّوا بألفيْ مدجَّجٍ ... سراتُهُمُ بالفارسيِّ المُسرَّدِ

فلمَّا عصوني كنتُ منهمْ وقد أرى ... غوايتهُم وأنَّني غيرُ مُهتدِ

وهل أنا إلاَّ من غزيَّة إن غوتْ ... غويتُ وإن ترشُد غزيَّة أرشُدِ

تنادَوا فقالُوا: أردتِ الخيلُ فارِساً ... فقلتُ: أعبدُ اللهِ ذلكُمُ الرَّدي

فجئتُ إليه والرِّماحُ تنُوشُه ... كوقعِ الصَّياصي في النَّسيج المُمدَّدِ

فطاعنتُ عنهُ الخيلَ حتَّى تبدَّدت ... وحتَّى علاني حالِكُ اللَّونِ أسودِ

قتالَ امرئٍ آسى أخاهُ بنفسهِ ... ويعلمُ أنَّ المرءَ غيرُ مخلَّدِ

فإن يكُ عبدُ اللهِ خلَّى مكانهُ ... فما كانَ وقَّافاً ولا طائشَ اليدِ

صبا ما صبا حتَّى علا الشَّيبُ رأسهُ ... فلمَّا علاهُ قال للباطلِ: أبعدِ

وهوَّنَ وجدي أنَّما هو فارطٌ ... أمامي وأنَّي هامةُ اليومِ أو غدِ

الأعجم:

قُلْ للقوافلِ والغُزيِّ إذا غَزَوا ... والباكرينَ وللمجدِّ الرِّائحِ

إن السَّماحة والمروءةَ ضُمِّنا ... قبراً بمروَ على الطَّريق الواضحِ

فإذا مررتَ بقبرهِ فاعقر بهِ ... كُومَ الهجانِ وكُلَّ طرفٍ سابحِ

وانضحْ جوانبَ قبرهِ بدمائِها ... فلقدْ يكونُ أخا دمٍ وذبائحِ

يا من بمغدى الشمس من حيِّي إلى ... ما بينَ مطلعِ قرنِها المتنازحِ

ماتَ المغيرةُ بعد طولِ تعرُّضٍ ... للموتِ بينَ أسنَّةٍ وصفائحِ

والقتلُ ليسَ إلى القتالِ ولا أرى ... حيَّاً يُؤخَّر للشَّفيقِ النَّاصحِ

محمد بن مناذر من قصيدة:

كلُّ حيٍّ لاقي الحِمام فمودي ... مالحيٍّ مؤمَّلٌ من خُلودِ

لا تهابُ المنونُ شيئاً ولا تُب ... قِي على والدِ ولا مولودِ

أين ربُّ الحصنِ الحصينِ بسورا ... ءَ وربُّ القصرِ المنيفِ المشيِد

شادَ أركانَهُ وبوَّبهُ با ... بي حديدٍ وحفَّهُ بجنودِ


كانَ يُهدى إليهِ ما بينَ صنعا ... ء فمصرِ إلى قُرى يبرودِ

وترى خلفهُ زرافاتِ خيلٍ ... حافلاتٍ تعدُو بمثلِ الأسُودِ

فرمى شخصهُ فأقصدَهُ الدَّه ... رُ بسهمٍ من المنايا سديدِ

ثُمَّ لم يُنجهِ من الموتِ حصنٌ ... دونهُ خندقٌ وبابا حديدِ

وملوكٌ من قبلهِ عمرُوا الأر ... ضَ أُعِينُوا بالنَّصرِ والتأييدِ

فلو أنَّ الأيَّامَ أخلدنَ حيَّاً ... لعلاءٍ أخلدنَ عبدَ المجيدِ

ما درى نعشُهُ ولا حاملوهُ ... ما على النَّعشِ من عفافٍ وجودِ

ويحَ أيدٍ حثتْ عليهِ وأيدٍ ... دفنتهُ ما غَّيبت في الصَّعيدِ

حين تمَّت آدابهُ وتردَّى ... برداءٍ من الشَّبابِ جديدِ

وسقاهُ ماءُ الشبيبةِ فاهت ... زَّ اهتزازَ الغُصنِ النَّدي الأملودِ

وسمت نحوهُ العيونُ وما كا ... نَ عليهِ لزائدٍ من مزيدِ

وكأنِّي أدعوهُ وهو قريبٌ ... حين أدعوهُ من مكانٍ بعيدِ

فلئنْ صارَ لا يجيبُ لقد كا ... ن سميعاً هشَّاً إذا هو نودي

يا فتىً كانَ للمقاماتِ زيناً ... لا أراهُ في المحفلِ المشهودِ

فبرغمي كُنتَ المقدَّمِ قبلي ... وبكرهِي دُلِّيتَ في ملحودِ

كُنتَ لي عصمةً وكنتَ سماءً ... بكَ تحيا أرضي ويخضُّر عودي

أشجع السلميّ:

مضى ابن سعيدٍ حين لم يبقَ مشرقٌ ... ولا مغربٌ إلاَّ لهُ فيهِ مادحُ

وما كنتُ أدري ما فواضلُ كفِّهِ ... على النَّاسِ حتَّى غيَّبتهُ الصَّفائحُ

وأصبحَ في لحدٍ من الأرضِ ميتاً ... وكانت به حيَّاً تضيقُ الصَّحاصحُ

سأبكيكَ ما فاضت دُمُوعي فإن تغِضْ ... فحسبُك منِّي ما تُجنُّ الجوانحُ

كأنْ لم يمتْ حيٌّ سواكَ ولم تقُم ... على أحدٍ إلا عليكَ النَّوائحُ

لئنْ حسُنتْ فيكَ المراثي وذكرُها ... لقد حسُنت من قبلُ فيكَ المدائحُ

أحقٌّ أنَّه أودى يزيدُ ... تأمَّل أيُّها النَّاعي المشيدُ


أحامي المجدِ والإسلامِ أودى ... فما للأرضِ ويحكَ لا تميدُ

تأمَّل هل ترى الإسلامَ مالت ... دعائمهُ وهل شابَ الوليدُ

وهل شيمتْ سيوفُ بني نزارٍ ... وهل وُضِعتْ عن الخيلِ اللُّبودُ

وهل تسقي البلادَ عشارُ مزنٍ ... بدَّرتِها وهل يخضُّر عُودُ

أما هُدَّت لمصرعهِ نزارٌ ... بلى وتقَّوضَ المجدُ المشيدُ

وحلَّ ضريحهُ إذ حلَّ فيهِ ... طريفُ المجدِ والحسبُ التليدُ

أما واللهِ ما تنفكُّ عيني ... عليكَ بدمعِها أبداً تجودُ

أبعدَ يزيدَ تختزنُ البواكي ... دُموعاً أو تصانُ لها خُدودُ

فإن يهلكْ يزيدُ فكلُّ حيٍّ ... فريسٌ للمنيَّة أو طريدُ

ألم تعجبْ لهُ أنَّ المنايا ... فتكنَ بهِ وهنَّ لهُ جنودُ

لقد عزَّى ربيعةَ أنَّ يوماً ... عليها مثلَ يومكَ لا يعودُ

حبيب

كذا فليجلَّ الخطبُ وليفدحِ الأمرُ ... فليسَ لعينٍ لم يفضْ ماؤُها عذرُ

وما كانَ إلا مالَ من قلَّ مالهُ ... وذخراً لمن أمسى وليسَ له ذخرُ

توفِّيت الآمالُ بعد محمَّدٍ ... وأصبحَ في شغلٍ عن السَّفرِ السَّفرُ

وما كان يدري مجتدي جُود كفِّهِ ... إذا ما استهلَّت أنَّه خُلِق العسرُ

ألا في سبيلِ الله من عُطِّلت له ... فِجاجُ سبيلِ اللهِ وانثغرَ الثَّغرُ

فتىً كلَّما فاضت عيونُ قبيلةٍ ... دماً ضحكت عنه الأحاديثُ والذِّكرُ

فتىً ماتَ بين الضَّرب والطَّعن ميتةً ... تقومُ مقامَ النَّصرِ إذ فاتهُ النَّصرُ

وما ماتَ حتَّى ماتَ مضربُ سيفهِ ... من الضَّربِ واعتلَّت عليهِ القنا السُّمرُ

وقد كان فوتُ الموتِ سهلاً فردَّهُ ... إليهِ الحفاظُ المرُّ والخلقُ الوعرُ

ونفسٌ تعافُ العارَ حتَّى كأنَّه ... هو الكفرُ يومَ الرَّوعِ أو دونَهُ الكفرُ

فأثبتَ في مستنقعِ الموتِ رجلهُ ... وقال لها: من تحتِ أخمصكِ الحشرُ

تردَّى ثيابَ الموتِ حمراً فما أتى ... لها اللَّيلُ إلاَّ وهي من سُندسٍ خضرُ

كأنَّ بني نبهانَ يوم وفاتهِ ... نجومُ سماءٍ خَرَّ من دُونِها البدرُ

سقى الغيثُ غيثاً وارتِ الأرضُ شخصهُ ... وإن لم يكنْ فيهِ سحابُ ولا قطرُ

وكيفَ احتمِالي للسَّحابِ صنيعةً ... بإسقائِها قبراً وفي لحدهِ البحرُ

مضى طاهرَ الأثوابِ لم تبق روضةٌ ... غداةَ ثوى إلاَّ اشتهتْ أنَّها قبرُ

ثوى في الثَّرى من كانَ يحيا به الثَّرى ... ويغمرُ صرفَ الدَّهرِ نائلهُ الغمرُ

عليكَ سلام الله وقفاً فإنَّني ... رأيتُ الكريمَ الحُرَّ ليسَ لهُ عمرُ

التِّهاميّ من قصيدةٍ:

حكمُ المنيّة في البريَّة جارِ ... ما هذه الدُّنيا بدارِ قرارِ

بينا يرى الإنسانُ فيها مُخبراً ... حتَّى يرى خبراً من الأخبارِ

والنَّفسُ إن رضيت بذلك أو أبتْ ... منقادةٌ بأزِمَّة الأقدارِ

طبعت على كدرٍ وأنت تريدُها ... صفواً من الأقذارِ والأكدارِ

وإذا رجوتَ المستحيلَ فإنَّها ... تبني الرَّجاءَ على شفيرٍ هارِ

العيشُ نومٌ والمنيَّةُ يقظةٌ ... والمرءُ بينهما خيالٌ سارِ

فاقضوا مآربكمْ عجالاً إنَّما ... أعماركمْ سفرٌ من الأسفارِ

وتراكضُوا خيلَ الشَّباب وبادروا ... أن تُستردَّ فإنَّهنَّ عوارِ

ليس الزَّمانُ وإن حرصتَ مسالماً ... خلقُ الزَّمانِ عداوة الأحرارِ

إنِّي وُترتُ بصارمٍ ذي رونقٍ ... أعددتهُ لطلابةِ الأوتارِ

أُثني عليهِ بإثره ولو أنَّه ... لم يُعتبطْ أثنيتُ بالآثارِ

يا كوكباً ما كانَ أقصرَ عمرهِ ... وكذاكَ عمرُ كواكبِ الأسحارِ

وهلالَ أيَّام مضى لم يستدرْ ... بدراً ولم يمهلْ لوقتِ سرارِ

عجلَ الخسوفُ إليه قبلَ تمامهِ ... فمحاهُ قبلَ مظنَّةِ الإبدارِ

واستلَّ من أترابهِ ولداتهِ ... كالمقلةِ استُلَّت من الأشفارِ

وكأنَّ قلبي قبره وكأنَّه ... في طيِّه سرٌّ من الأسرارِ

إن يُحتقر صغراً فربَّ مفخَّمٍ ... يبدو ضئيلَ الشَّخص للنُّظَّارِ

إنَّ الكواكبَ في عُلوِّ مكانها ... لتُرى صغاراً وهي غير صغارِ

ولد المعزَّى بعضهُ فإذا انقضى ... بعضُ الفتى فالكلُّ في الآثارِ

أبكيهِ ثم أقولُ معتذراً له ... وفِّقتَ حين تركتَ ألأمَ دارِ

جاورتُ أعدائي وجاورَ ربَّه ... شتَّان بين جوارهِ وجواري

أشكُو بعادكَ لي وأنت بموضعٍ ... لولا الرَّدى لسمعتَ فيه سراري

والشَّرقُ نحو الغربِ أقربُ شقَّةً ... من بُعدِ تلك الخمسةِ الأشبارِ

هيهاتَ قد علقتكَ أشراكُ الرَّدى ... واعتاق عمركَ قاطعُ الأعمارِ

المعرِّي:

صاح هذي قبورنا تملأ الرُّح ... ب فأين القبورُ من عهدِ عادِ

خفِّف الوطءَ ما أظنُّ أديم ال ... أرض إلاَّ من هذه الأجسادِ

وقبيحٌ بنا وإن قدُم العه ... د هوانُ الآباءِ والأجدادِ

سرْ إن اسطعت في الهواء رويداً ... لا اختيالاً على رفاتِ العبادِ

ربَّ لحدٍ قد صارَ لحداً مراراً ... ضاحكٍ من تزاحم الأضدادِ

ودفينٍ على بقايا دفينٍ ... في طوالِ الأزمان والآبادِ

فاسألِ الفرقدين عمَّن أحسَّا ... من قبيل وآنسا من بلادِ

كم أقاما على زوالِ نهار ... وأنارا لمدلجٍ في سوادِ

تعبٌ كلُّها الحياة فما أع ... جبُ إلا لراغبٍ في ازديادِ

إنَّ حزناً في ساعة الموت أضعا ... فُ سرورٍ في ساعةِ الميلادِ

خلُقَ النَّاسُ للبقاءِ فضلَّت ... أمةٌ يحسبونهُم للنَّفادِ

إنَّما يُنقلونَ من دارِ أعما ... ل إلى دار شقوةٍ أو رشادِ

زحلٌ أشرفُ الكواكبِ داراً ... من لقاء الرَّدى على ميعادِ

ولنارِ المرِّيخ من حدثان الد ... هر مطفٍ وإن علت في اتِّقادِ

والثُّريَّا رهينةٌ بافتراق الش ... مل حتَّى تعدُّ في الأفرادِ

قطري

أقول لها وقد طارت شعاعاً ... من الأبطال ويحك لا تراعي

فإنك لو سألت بقاء يوم ... على الأجل الذي لك لم تطاعي

فصبراً في مجال الموت صبراً ... فما نيل الخلود بمستطاع

وما للمرء خير في حياة ... إذا ما عد من سقط المتاع

لشهاب الدين السهروردي


أبداً تحن إليكم الأرواح ... ووصالكم ريحانها والراح

وقلوب أهل ودادكم تشتاقكم ... وإلى لذيذ لقائكم ترتاح

وارحمنا للعاشقين تكلفوا ... ستر المحبة والهوى فضاح

بالسر إن باحوا تباح دماؤهم ... وكذا دماء البائحين تباح

وإذا هم كتموا تحدث عنهم ... عند الوشاة المدمع السفاح

وبدت شواهد للسقام عليهم ... فيها لمشكل أمرهم إيضاح

خفض الجناح ولكم وليس عليكم ... للصب في خفض الجناح جناح

فإلى لقاكم نفسه مرتاحة ... وإلى رضاكم طرفه طماح

عودوا بنور الوصل من غسق الجفا ... فالهجر ليل والوصال صباح

صافاهم فصفوا له فقلوبهم ... في نورها المشكاة والمصباح

وتمتعوا فالوقت طاب لقربكم ... راق الشراب ورفت الأقداح

يا صاح ليس على المحب ملامة ... إن لاح في أفق الوصال صباح

لا ذنب للعشاق إن غلب الهوى ... كتمانهم فنمى الغرام فباحوا

سمحوا بأنفسهم وما بخلوا بها ... لما دروا أن السماح رباح

ودعاهم داعي الحقائق دعوة ... فغدوا بها مستأنسين وراحوا

ركبوا على سنن الوفاء ودموعهم ... بحر وشدة شوقهم ملاح

والله ما طلبوا الوقوف ببابه ... حتى دعوا وأناهم المفتاح

لا يطربون لغير ذكر حبيبهم ... أبداً فكل زمانهم أفراح

حضروا وقد غابت شواهد ذاتهم ... فتهتكوا لما رأوه وصاحوا

أفناهم عنهم وقد كشفت لهم ... حجب البقا فتلاشت الأرواح

الاعزازي

صاح في العاشقين بالكنانه ... رشأ في الجفون منه كنانه

بدوي بدت طلائع لحظي ... هـ فكانت فتاكة فتانه

رد منا القلوب منكسرات ... عندما راح كاسراً أجفانه

وغزانا بقامة وبعين ... تلك سيافة وذي طعانه

وأرانا وقد تبسم برقاً ... فأريناه ديمة هتانه

فهو يقضي على النفوس ولم تق ... ض من الوصل في هواه لبانه

سافر الوجه عن محاسن بدر ... مائس القد عن معاطف بانه

لست أدري أراكة هز من أع ... طافه الهيف أم لوى خيزرانه

خطرات النسيم تجرح خدي ... هـ ولمس الحرير يدمي بنانه

قال لي والدلال يعطف منه ... قامة كالقصيب ذات ليانه

هل عرفت الهوى فقلت وهل أن ... كر دعواه قال فاحمل هوانه

لأبي فراس


أراك عصي الدمع شيمتك الصبر ... أما للهوى نهي عليك ولا أمر

بلى أنا مشتاق وعندي لوعة ... ولكن مثلي لا يذاع له سر

إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى ... وأذللت دمعاً من خلائقه الكبر

تكاد تضيء النار بين جوانحي ... إذا هي أذكتها الصبابة والفكر

معللتي بالوعد والموت دونه ... إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر

تسائلني من أنت وهي عليمة ... وهل بفتى مثلي على حاله نكر

فقلت كما شاءت وشاء الهوى لها ... قتيلك قالت أيهم فهم كثر

وقالت لقد أزرى بك الدهر بعدنا ... فقلت معاذ الله بل أنت لا الدهر

لأبي تمام


أنت في حل فزدني سقما ... أفن جسمي واجعل الدمعا دما

وارض لي الموت بهجريك فإن ... ألمت نفسي فزدها ألما

محنة العاشق في ذل الهوى ... فإذا استودع سراً كتما

ليس منا من شكا علته ... من شكا ظلم حبيب ظلما

لأبي بكر بن عمار في المعتضد بالله


ملك إذا ازدحم الملوك بمورد ... ونحاه لا يردون حتى يصدرا

أندى على الأكباد من قطر الندى ... وألذ في الأجفان من سنة الكرى

يختار إذ يهب الخريدة كاعباً ... والطرف أجرد والحسام مجوهرا

قداح زند المجد لا ينفك عن ... نار الوغى إلا إلى نار القرى

لا خلق أقرأ من شفار حسامه ... إن كنت شبهت المواكب أسطرا

أيقنت أني من نداه بجنة ... لما سقاني من نداه الكوثرا

وعلمت حقاً أن ربعي مخصب ... لما سألت به الغمام الممطرا

ملك يروقك خلقه أو خلفه ... كالروض يحسن منظراً أو مخبرا

أقسمت باسم الفضل حتى شمته ... فرأيته في بردتيه مصورا

وجهلت معنى الجود حتى زرته ... فقرأته في راحتيه مفسرا

فاح الثرى متعطراً بثنائه ... حتى حسبنا كل ترب عنبرا

وتتوجت بالزهر صلع هضابه ... حتى ظننا كل هضب قيصرا

هصرت يدي غصن الندى من كفه ... وجنت به روض السرور منورا

ألسيف أفصح من وزياد خطبة ... في الحرب إن كانت يمينك منبرا

أثمرت رمحك من رؤوس كماتهم ... لما رأيت الغصن يعشق مثمرا

وصبغت درعك من دماء ملوكهم ... لما علمت الحسن يلبس أحمرا

من ذا ينافحني وذكرك صندل ... أوردته من نار فكري مجمرا

لصفي الدين الحلي


ورد الربيع فمرحباً بوروده ... وبنور بهجته ونور وروده

وبحسن منظره وطيب نسيمه ... وأنيق ملبسه ووشي بروده

فصل إذا افتخر الزمان فإنه ... إنسان مقلته وبيت قصيده

يغني المزاج عن العلاج نسيمه ... باللطف عند هبوبه وركوده

يا حبذا أزهاره وثماره ... ونبات ناجمه وحب حصيده

وتجاوب الأطيار في أشجاره ... كنبات معبد في مواجب عوده

والغصن قد كسي الغلائل بعد ما ... أخذت يدا كانون في تجريده

نال الصبا بعد المشيب وقد جرى ... ماء الشبيبة في منابت عوده

والورد في أعلى الغصون كأنه ... ملك تحف به سراة جنوده

وكأنما القداح سمط لآلئ ... هو للقضيب قلادة في جيده

والياسمين كعاشق قد شفه ... جور الحبيب بهجره وصدوده

وانظر لنرجسه الجني كأنه ... طرف تنبه بعد طول هجوده

واعجب لآذريونه وبهاره ... كالتبر يزهو باختلاف نقوده

وانظر إلى المنظوم من منثوره ... متنوعاً بفص

وله وعقودهأو ما ترى الغيم الرقيق وما بدا ... للعين من أشكاله وطروده

والسحب تعقد في السماء مآتماً ... والأرض في عرس الزمان وعيده

ندبت فشق لها الشقيق جيوبه ... وازرق سوسنها للطم خدوده

والماء في تيار دجلة مطلق ... والجسر في أصفاده وقيوده

والغيم يحكي الماء في جريانه ... والماء يحكي الغيم في تجعيده

فابكر إلى روض الصراة وظلها ... فالعيش بين بسيطه ومديده

لابن سناء الملك


سواي يهاب الموت أو يرهب الردى ... وغيري يهوى أن يعيش مخلدا

ولكنني لا أرهب الدهر إن سطا ... ولا أحذر الموت الزؤام إذا عدا

ولو مد نحوي حادث الدهر كفه ... لحدثت نفسي أن أمد له يدا

توقد عزمي يترك الماء جمرة ... وحيلة حلمي تترك السيف مبردا

وفرط احتقاري للأنام لأنني ... أرى كل عار من حلى سؤددي سدى

ويأبى إبائي أن يراني قاعداً ... وإني أرى كل البرية مقعدا

وأظمأ إن أبدى لي الماء منه ... ولو كان لي نهر المجرة موردا

ولو كان إدراك الهدى بتذلل ... رأيت الهدى أن لا أميل إلى الهدى

وقدماً بغيري أصبح الدهر أشيبا ... وبي وبفضلي أصبح الدهر أمردا

وإنك عبدي يا زمان وإنني ... على الرغم مني أن أرى لك سيدا

وما أنا راض أنني واطئ الثري ... ولي همة لا ترتضي الأفق مقعدا

ولو علمت زهر النجوم مكانتي ... لخرت جميعاً نحو وجهي سجدا

أرى الخلق دوني إذا أراني فوقهم ... ذكاء وعلماً واعتلاء وسؤددا

وبذل نوالي زاد حتى لقد غدا ... من الغيظ منه ساكن البحر مزبدا

ولي قلم في أنملي إن هززته ... فما ضرني أن لا أهز المهندا

إذا صال فوق الطرس وقع صريره ... فإن صليل المشرفي له صدى

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التذكرة