إلامَ طَماعِيَةُ العاذِلِ 

ولا رأيَ في الحُبّ للعاقِلِ

يُرادُ مِنَ القَلْبِ نِسْيانُكُمْ 

وتأبَى الطّباعُ على النّاقِلِ

وإنّي لأعْشَقُ مِنْ أجْلِكُمْ 

نُحُولي وكلَّ امرىءٍ ناحِلِ

ولَوْ زُلْتُمُ ثُمّ لمْ أبْكِكُمْ 

بكَيْتُ على حُبّيَ الزّائِلِ

أيُنكِرُ خَدّي دُموعي وقَدْ 

جرَتْ منهُ في مَسلَكٍ سابِلِ

أأوّلُ دَمْعٍ جرَى فَوْقَهُ 

وأوّلُ حُزْنٍ على راحِلِ

وهَبْتُ السّلُوّ لِمَنْ لامَني 

وبِتُّ منَ الشّوْقِ في شاغِلِ

كأنّ الجُفُونَ على مُقلَتي 

ثِيابٌ شُقِقْنَ على ثاكِلِ

ولوْ كنتُ في أسرِ غَيرِ الهَوَى 

ضَمِنْتُ ضَمانَ أبي وائِلِ

فَدَى نَفسَهُ بضَمانِ النُّضارِ 

وأعطَى صُدورَ القَنَا الذّابِلِ

ومَنّاهُمُ الخَيْلَ مَجْنُوبَةً 

فَجِئْنَ بكُلّ فَتًى باسِلِ

كأنّ خَلاصَ أبي وائِلٍ 

مُعاوَدَةُ القَمَرِ الآفِلِ

دَعا فسَمِعتَ وكمْ ساكِتٍ 

على البُعدِ عِندَكَ كالقائِلِ

فَلَبّيْتَهُ بِكَ في جَحْفَلٍ 

لَهُ ضامِنٍ وبِهِ كافِلِ

خَرَجنَ منَ النّقْعِ في عارِضٍ 

ومنْ عرَقِ الرّكضِ في وابِلِ

فَلَمّا نَشِفْنَ لَقِينَ السِّياطَ 

بمِثْلِ صَفَا البَلَدِ الماحِلِ

شَفَنَّ لخَمْسٍ إلى مَنْ طَلَبنَ 

قُبَيْلَ الشُّفُونِ إلى نازِلِ

فَدانَتْ مَرافِقُهُنّ الثّرَى 

على ثِقَةٍ بالدّمِ الغاسِلِ

وما بَينَ كاذَتَيِ المُسْتَغِيرِ 

كمَا بَينَ كاذَتَيِ البائِلِ

فَلُقِّينَ كُلَّ رُدَيْنِيّةٍ 

ومَصبُوحَةٍ لَبَنَ الشّائِلِ

وجَيشَ إمَامٍ على ناقَةٍ 

صَحيحِ الإمامَةِ في الباطِلِ

فأقْبَلْنَ يَنْحَزْنَ قُدّامَهُ 

نَوافِرَ كالنّحْلِ والعاسِلِ

فلَمّا بدَوْتَ لأصْحابِهِ 

رَأت أُسْدُها آكِلَ الآكِلِ

بضَرْبٍ يَعُمّهُمُ جائِرٍ 

لَهُ فيهِمِ قِسمَةُ العادِلِ

وطَعْنٍ يُجَمِّعُ شُذّانَهُمْ 

كمَا اجتَمَعَتْ دِرّةُ الحافِلِ

إذا ما نَظَرْتَ إلى فارِسٍ 

تَحَيّرَ عَنْ مَذْهَبِ الرّاجِلِ

فظَلّ يُخَضِّبُ مِنها اللّحَى 

فَتًى لا يُعيدُ على النّاصِلِ

ولا يَسْتَغيثُ إلى ناصِرٍ 

ولا يَتَضَعْضَعُ مِنْ خاذِلِ

ولا يَزَعُ الطِّرْفَ عَنْ مُقدَمٍ 

ولا يرْجعُ الطَّرْفَ عنْ هائِلِ

إذا طَلَبَ التَّبْلَ لم يَشْأهُ 

وإنْ كانَ دَيْناً على ماطِلِ

خُذُوا ما أتاكمْ بهِ واعذِرُوا 

فإنّ الغَنيمَةَ في العاجِلِ

وإنْ كانَ أعجَبَكُم عامُكُمْ 

فعُودوا إلى حِمْصَ في القابِلِ

فإنّ الحُسامَ الخَضيبَ الذي 

قُتِلْتُمْ بهِ في يَدِ القاتِلِ

يَجودُ بمِثْلِ الذي رُمْتُمُ 

فلَمْ تُدْرِكوهُ على السّائلِ

أمامَ الكَتيبَةِ تُزْهَى بِهِ 

مَكانَ السّنانِ منَ العامِلِ

وإنّي لأعْجَبُ مِنْ آمِلٍ 

قِتالاً بكُمٍّ على بازِلِ

أقالَ لَهُ الله لا تَلْقَهُمْ 

بماضٍ على فَرَسٍ حائِلِ

إذا ما ضرَبْتَ بهِ هامَةً 

بَراها وغَنّاكَ في الكاهِلِ

ولَيسَ بأوّلِ ذي هِمّةٍ 

دَعَتْهُ لِمَا لَيسَ بالنّائِلِ

يُشَمّرُ لِلُّجِّ عَنْ ساقِهِ 

ويَغْمُرُهُ المَوْجُ في السّاحِلِ

أمَا للخِلافَةِ مِنْ مُشْفِقٍ 

على سَيفِ دَوْلَتِها الفاصِلِ

يَقُدّ عِداها بِلا ضارِبٍ 

ويَسْري إلَيهِمْ بِلا حامِلِ

ترَكْتَ جَماجِمَهمْ في النَّقَا 

وما يَتَحَصّلْنَ للنّاخِلِ

وأنْبَتَّ مِنْهُمْ رَبيعَ السّباعِ 

فأثْنَتْ بإحسانِكَ الشّامِلِ

وعُدْتَ إلى حَلَبٍ ظافِراً 

كَعَوْدِ الحُليّ إلى العاطِلِ

ومِثْلُ الذي دُسْتَهُ حافِياً 

يُؤثّرُ في قَدَمِ النّاعِلِ

وكَمْ لَكَ مِنْ خَبَرٍ شائعٍ 

لَهُ شِيَةُ الأبْلَقِ الجائِلِ

ويَوْمٍ شَرابُ بَنيهِ الرّدَى 

بَغيضِ الحُضورِ إلى الواغِلِ

تَفُكّ العُناةَ وتُغْني العُفاةَ 

وتَغفِرُ للمُذْنِبِ الجاهِلِ

فَهَنّأكَ النّصْرَ مُعْطيكَهُ 

وأرْضاهُ سَعْيُكَ في الآجِلِ

فَذي الدّارُ أخونُ من مُومِسٍ 

وأخدَعُ مِن كَفّةِ الحابِلِ

تَفَانَى الرّجالُ على حُبّها 

وما يَحْصُلُونَ على طائِلِ

.

أيَنفع في الخَيْمَةِ العُذّلُ 

وَتَشْمَلُ مَن دَهرَها يَشمَلُ

وَتَعْلُو الذي زُحَلٌ تَحْتَهُ 

مُحالٌ لَعَمْرُكَ مَا تُسألُ

فَلِمْ لا تَلُومُ الذي لامَهَا 

وَمَا فَصُّ خاتَمِهِ يَذْبُلُ

تَضِيقُ بشَخْصِكَ أرجاؤهَا 

وَيَركُض في الواحِدِ الجَحفَلُ

وَتَقصُرُ ما كُنتَ في جَوفِهَا 

وَيُركَزُ فيها القَنَا الذُّبَّلُ

وَكَيفَ تَقُومُ على راحَةٍ 

كَأنّ البِحارَ لَهَا أُنْمُلُ

فَلَيْتَ وَقَارَكَ فَرّقْتَهُ 

وَحَمّلْتَ أرضَكَ مَا تَحْمِلُ

فَصارَ الأنَامُ بِهِ سَادَةً 

وَسُدْتَهُمُ بالّذي يَفْضُلُ

رَأت لَونَ نُورِكَ في لَونِهَا 

كَلَونِ الغَزَالَةِ لا يُغْسَلُ

وَأنّ لَهَا شَرَفاً بَاذِخاً 

وَأنّ الخِيامَ بِها تَخجَلُ

فَلا تُنْكِرَنّ لَها صَرعَةً 

فَمِن فَرَحِ النّفسِ ما يَقتُلُ

وَلَو بُلّغَ النّاسُ ما بُلّغَت 

لخانَتْهُمُ حَولَكَ الأرجُلُ

وَلمّا أمَرتَ بتَطْنيبِهَا 

أُشيعَ بأنّكَ لا تَرحَلُ

فَمَا اعْتَمَدَ الله تَقْويضَهَا 

وَلَكِنْ أشارَ بِما تَفْعَلُ

وَعَرّفَ أنّكَ مِن هَمّهِ 

وَأنّكَ في نَصْرِهِ تَرفُلُ

فَمَا العَانِدُونَ وَما أثّلُوا 

وَمَا الحَاسِدُونَ وما قَوّلُوا

هُمُ يَطْلُبُونَ فَمَا أدرَكُوا 

وَهُمْ يَكْذِبُونَ فمَن يَقْبَلُ

وَهُمْ يَتَمَنّوْنَ مَا يَشْتَهُونَ 

وَمِن دونِهِ جَدُّكَ المُقْبِلُ

وَمَلْمُومَةٌ زَرَدٌ ثَوبُهَا 

وَلَكِنّهُ بالقَنَا مُخْمَلُ

يُفاجىءُ جَيْشاً بِهَا حَيْنُهُ 

وَيُنْذِرُ جَيْشاً بِهَا القَسطَلُ

جَعَلْتُكَ في القَلْبِ لي عُدّةً 

لأنّكَ في اليَدِ لا تُجْعَلُ

لَقَد رَفَعَ الله مِن دَولَةٍ 

لهَا مِنْكَ يا سَيفَها مُنصُلُ

فإن طُبِعَت قَبلَكَ المُرهَفَاتُ 

فإنّكَ مِن قَبْلِها المِقْصَلُ

وَإن جادَ قَبْلَكَ قَومٌ مَضَوا 

فإنّكَ في الكَرَمِ الأوّلُ

وَكَيْفَ تُقَصّرُ عَن غايَةٍ 

وَأُمّكَ مِن لَيْثِهَا مُشْبِلُ

وَقَد وَلَدَتْكَ فَقَالَ الوَرَى 

ألم تَكُنِ الشّمسُ لا تُنْجَلُ

فَتَبّاً لِدِينِ عَبيدِ النّجومِ 

وَمَن يَدّعي أنّهَا تَعْقِلُ

وَقَد عَرَفَتْكَ فَمَا بَالُهَا 

تَراكَ تَراهَا ولا تَنْزِلُ

وَلَو بِتُّمَا عِنْدَ قَدْرَيْكُمَا 

لَبِتَّ وأعْلاكُمَا الأسْفَلُ

أنَلْتَ عِبادَكَ مَا أمّلَت 

أنَالَكَ رَبُّكَ مَا تَأمُلُ

.

أَتَظعَنُ يا قَلبُ معَ من ظَعَنَ حَبيبَينِ أَندُبُ نَفسي إِذَن

ولِم لا تُصابُ وحربُ البَسُو سِ بينَ جُفُونِي وبين الوَسَنْ

وهل أنا بعدَكُمَا عائِشٌ وقد بِنتَ عنِّي وبَانَ السَكَنُ

فِدَي ذَلكَ الوَجهِ بَدرُ الدُجَي وذاك التَثَنِّي تَثَنّي الفِنَن

فما للفُرَاقِ وما للجميعِ وما للرِيَاحِ وما للدِمَنْ

كَأَن لم يكُن بَعدَ ما كان لي كما كان لي بعد أن لم يكن

ولم يسقِنِي الرَاحَ مَمزُوجةً بِمَاءِ اللِثَى لا بماء المُزَن

لها لون خدَّيهِ في كَفِّهِ وريحُكَ يا جَعفَرَ بن الحَسَن

كأَنَّ المَحَاسِنَ غَارَت عَليك فسَلَّت عَلينا سُيوفَ الفِتَنِ

فَلم يَركَ الناسُ إلا غَنُوا بمرآك عن قول هذا ابن من

ولو قُصِدَ الطفلُ في طَيِّئٍ لشَارَكَ قَاصِدَهُ في اللبن

فما البحر في البَرِّ إلا يَداكَ وما الناسُ في الناس إلا اليَمَن


.

أحُلْماً نَرَى أمْ زَماناً جَديدَا 

أمِ الخَلْقُ في شَخصِ حيٍّ أُعيدَا

تَجَلّى لَنا فأضَأنَا بِهِ 

كأنّنا نُجُومٌ لَقينَ سُعُودَا

رَأيْنا بِبَدْرٍ وآبائِهِ 

لبَدْرٍ وَلُوداً وبَدْراً وَليدَا

طَلَبْنا رِضاهُ بتَرْكِ الّذي 

رَضِينا لَهُ فَتَرَكْنا السّجُودَا

أمِيرٌ أمِيرٌ عَلَيْهِ النّدَى 

جَوادٌ بَخيلٌ بأنْ لا يَجُودَا

يُحَدَّثُ عَن فَضْلِهِ مُكْرَهاً 

كأنّ لَهُ مِنْهُ قَلْباً حَسُودَا

ويُقْدِمُ إلاّ عَلى أنْ يَفِرّ 

ويَقْدِرُ إلاّ عَلى أنْ يَزيدَا

كأنّ نَوالَكَ بَعضُ القَضاءِ 

فَما تُعْطِ منهُ نجِدْهُ جُدودَا

ورُبّتَما حَمْلَةٍ في الوَغَى 

رَدَدتَ بها الذُّبّلَ السُّمرَ سُودَا

وهَوْلٍ كَشَفْتَ ونَصلٍ قصَفْتَ 

ورُمْحٍ تَركْتَ مُباداً مُبيدَا

ومَالٍ وهَبْتَ بِلا مَوْعِدٍ 

وقِرْنٍ سَبَقْتَ إلَيْهِ الوَعِيدَا

بهَجْرِ سُيُوفِكَ أغْمادَهَا 

تَمَنّى الطُّلى أن تكونَ الغُمودَا

إلى الهَامِ تَصْدُرُ عَنْ مِثْلِهِ 

تَرَى صَدَراً عَنْ وُرُودٍ وُرُودا

قَتَلْتَ نُفُوسَ العِدَى بالحَديـ 

ـدِ حتى قَتَلتَ بهنَّ الحَديدَا

فأنْفَدْتَ مِنْ عَيشِهِنّ البَقاءَ 

وأبْقَيْتَ ممّا ملَكْتَ النّفُودَا

كأنّكَ بالفَقْرِ تَبغي الغِنى 

وبالموْتِ في الحرْبِ تَبغي الخلودَا

خَلائِقُ تَهْدي إلى رَبّهَا 

وآيَةُ مَجْدٍ أراها العَبيدَا

مُهَذَّبَةٌ حُلْوَةٌ مُرّةٌ 

حَقَرْنَا البِحارَ بها والأسُودَا

بَعيدٌ عَلى قُرْبِهَا وَصْفُهَا 

تغولُ الظّنونَ وتُنضِي القَصيدَا

فأنْتَ وَحيدُ بَني آدَمٍ 

ولَسْتَ لفَقْدِ نَظيرٍ وَحيدَا

.

أرى ذلكَ القُرْبَ صارَ ازْوِرارَا 

وَصارَ طَوِيلُ السّلامِ اختِصارَا

تَرَكْتَنيَ اليَوْمَ في خَجْلَةٍ 

أمُوتُ مِراراً وَأحْيَا مِرارَا

أُسَارِقُكَ اللّحْظَ مُسْتَحْيِياً 

وَأزْجُرُ في الخَيلِ مُهري سِرارَا

وَأعْلَمُ أنّي إذا ما اعتَذَرْتُ 

إلَيْكَ أرَادَ اعْتِذاري اعتِذارَا

كَفَرْتُ مَكارِمَكَ البَاهِرا 

تِ إنْ كانَ ذلكَ مني اخْتِيارَا

وَلَكِنْ حَمَى الشّعْرَ إلاّ القَليـ 

ـلَ هَمٌّ حَمَى النّوْمَ إلاّ غِرارَا

وَما أنَا أسقَمْتُ جسمي بِهِ 

وَلا أنَا أضرَمتُ في القلبِ نَارَا

فَلا تُلزِمَنّي ذُنُوبَ الزّمَانِ، 

إلَيّ أسَاءَ وَإيّايَ ضَارَا

وَعِنْدي لَكَ الشُّرُدُ السّائِرا 

تُ لا يختَصِصْنَ منَ الأرْضِ دارَا

قَوَافٍ إذا سِرْنَ عَنْ مِقْوَلي 

وَثَبْنَ الجِبالَ وَخُضْنَ البِحارَا

وَلي فيكَ مَا لم يَقُلْ قَائِلٌ 

وَمَا لم يَسِرْ قَمَرٌ حَيثُ سَارَا

فَلَوْ خُلِقَ النّاسُ منْ دَهرِهِمْ 

لَكانُوا الظّلامَ وَكنتَ النّهارَا

أشَدُّهُمُ في النّدَى هِزّةً 

وَأبْعَدُهُمْ في عَدُوٍّ مُغَارَا

سَمَا بكَ هَمّيَ فوْقَ الهُمومِ 

فَلَسْتُ أعُدُّ يَسَاراً يَسَارَا

وَمَنْ كنتَ بَحْراً لَهُ يا عَليُّ 

لَمْ يَقْبَلِ الدُّرَّ إلاّ كِبَارَا


ألا كُلُّ مَاشِيَةِ الخَيْزَلَى 

فِدَى كلِّ ماشِيَةِ الهَيْذَبَى

وَكُلِّ نَجَاةٍ بُجَاوِيَّةٍ 

خَنُوفٍ وَمَا بيَ حُسنُ المِشَى

وَلَكِنّهُنّ حِبَالُ الحَيَاةِ 

وَكَيدُ العُداةِ وَمَيْطُ الأذَى

ضرَبْتُ بهَا التّيهَ ضَرْبَ القِمَا 

رِ إمّا لهَذا وَإمّا لِذا

إذا فَزِعَتْ قَدّمَتْهَا الجِيَادُ 

وَبِيضُ السّيُوفِ وَسُمْرُ القَنَا

فَمَرّتْ بِنَخْلٍ وَفي رَكْبِهَا 

عَنِ العَالَمِينَ وَعَنْهُ غِنَى

وَأمْسَتْ تُخَيّرُنَا بِالنّقا 

بِ وَادي المِيَاهِ وَوَادي القُرَى

وَقُلْنَا لهَا أينَ أرْضُ العِراقِ 

فَقَالَتْ وَنحنُ بِتُرْبَانَ هَا

وَهَبّتْ بِحِسْمَى هُبُوبَ الدَّبُو 

رِ مُستَقْبِلاتٍ مَهَبَّ الصَّبَا

رَوَامي الكِفَافِ وَكِبْدِ الوِهَادِ 

وَجَارِ البُوَيْرَةِ وَادي الغَضَى

وَجَابَتْ بُسَيْطَةَ جَوْبَ الرِّدَا 

ءِ بَينَ النّعَامِ وَبَينَ المَهَا

إلى عُقْدَةِ الجَوْفِ حتى شَفَتْ 

بمَاءِ الجُرَاوِيّ بَعضَ الصّدَى

وَلاحَ لهَا صَوَرٌ وَالصّبَاحَ، 

وَلاحَ الشَّغُورُ لهَا وَالضّحَى

وَمَسّى الجُمَيْعيَّ دِئْدَاؤهَا 

وَغَادَى الأضَارِعَ ثمّ الدَّنَا

فَيَا لَكَ لَيْلاً على أعْكُشٍ 

أحَمَّ البِلادِ خَفِيَّ الصُّوَى

وَرَدْنَا الرُّهَيْمَةَ في جَوْزِهِ 

وَبَاقيهِ أكْثَرُ مِمّا مَضَى

فَلَمّا أنَخْنَا رَكَزْنَا الرّمَا 

حَ بَين مَكارِمِنَا وَالعُلَى

وَبِتْنَا نُقَبّلُ أسْيَافَنَا 

وَنَمْسَحُهَا من دِماءِ العِدَى

لِتَعْلَمَ مِصْرُ وَمَنْ بالعِراقِ 

ومَنْ بالعَوَاصِمِ أنّي الفَتى

وَأنّي وَفَيْتُ وَأنّي أبَيْتُ 

وَأنّي عَتَوْتُ على مَنْ عَتَا

وَمَا كُلّ مَنْ قَالَ قَوْلاً وَفَى 

وَلا كُلُّ مَنْ سِيمَ خَسْفاً أبَى

وَلا بُدَّ للقَلْبِ مِنْ آلَةٍ 

وَرَأيٍ يُصَدِّعُ صُمَّ الصّفَا

وَمَنْ يَكُ قَلْبٌ كَقَلْبي لَهُ 

يَشُقُّ إلى العِزِّ قَلْبَ التَّوَى

وَكُلُّ طَرِيقٍ أتَاهُ الفَتَى 

على قَدَرِ الرِّجْلِ فيه الخُطَى

وَنَام الخُوَيْدِمُ عَنْ لَيْلِنَا 

وَقَدْ نامَ قَبْلُ عَمًى لا كَرَى

وَكانَ عَلى قُرْبِنَا بَيْنَنَا 

مَهَامِهُ مِنْ جَهْلِهِ وَالعَمَى

لَقَد كُنتُ أَحسِبُ قَبلَ الخَصِيِّ 

أَنَّ الرُؤوسَ مَقَرُّ النُهى

فَلَمّا نَظَرتُ إِلى عَقلِهِ 

رَأَيتُ النُهى كُلَّها في الخُصى

وَماذا بمِصْرَ مِنَ المُضْحِكاتِ 

وَلَكِنّهُ ضَحِكٌ كالبُكَا

بهَا نَبَطيٌّ مِنَ أهْلِ السّوَادِ 

يُدَرِّسُ أنْسَابَ أهْلِ الفَلا

وَأسْوَدُ مِشْفَرُهُ نِصْفُهُ 

يُقَالُ لَهُ أنْتَ بَدْرُ الدّجَى

وَشِعْرٍ مَدَحتُ بهِ الكَرْكَدَنّ 

بَينَ القَرِيضِ وَبَينَ الرُّقَى

فَمَا كانَ ذَلِكَ مَدْحاً لَهُ 

وَلَكِنّهُ كانَ هَجْوَ الوَرَى

وَقَدْ ضَلّ قَوْمٌ بأصْنَامِهِمْ 

فأمّا بِزِقّ رِيَاحٍ فَلا

وَتِلكَ صُموتٌ وَذا ناطِقٌ 

إِذا حَرَّكوهُ فَسا أَو هَذى

وَمَنْ جَهِلَتْ نَفْسُهُ قَدْرَهُ 

رَأى غَيرُهُ مِنْهُ مَا لا يَرَى

.

أيَا خَدّدَ الله وَرْدَ الخُدودِ 

وَقَدّ قُدودَ الحِسانِ القُدودِ

فَهُنّ أسَلْنَ دَماً مُقْلَتي 

وَعَذّبْنَ قَلبي بطُولِ الصّدودِ

وكَمْ للهَوَى من فَتًى مُدْنَفٍ 

وكَمْ للنّوَى من قَتيلٍ شَهيدِ

فوَا حَسْرَتَا ما أمَرّ الفِراقَ 

وَأعْلَقَ نِيرانَهُ بالكُبُودِ

وأغْرَى الصّبابَةَ بالعاشِقِينَ 

وَأقْتَلَهَا للمُحِبّ العَميدِ

وَألْهَجَ نَفْسي لغَيرِ الخَنَا 

بحُبّ ذَواتِ اللَّمَى والنّهُودِ

فكانَتْ وكُنّ فِداءَ الأميرِ 

ولا زالَ مِنْ نِعْمَةٍ في مَزيدِ

لقَد حالَ بالسّيفِ دونَ الوَعيدِ 

وحالَتْ عَطاياهُ دونَ الوُعودِ

فأنْجُمُ أمْوالِهِ في النّحُوسِ 

وأنْجُمُ سُؤّالِهِ في السّعُودِ

ولَوْ لمْ أخَفْ غَيرَ أعْدائِهِ 

عَلَيْهِ لَبَشّرْتُهُ بالخُلُودِ

رَمَى حَلَباً بِنَواصِي الخُيُولِ 

وسُمْرٍ يُرِقْنَ دَماً في الصّعيدِ

وبِيضٍ مُسافِرَةٍ ما يُقِمْـ 

ـنَ لا في الرّقابِ ولا في الغُمُودِ

يَقُدْنَ الفَنَاءَ غَداةَ اللّقاءِ 

إلى كلّ جيشٍ كَثيرِ العَديدِ

فَوَلّى بأشياعِهِ الخَرْشَنيُّ 

كَشاءٍ أحَسّ بِزَأرِ الأسُودِ

يَرَوْنَ مِنَ الذّعر صَوْتَ الرّياحِ 

صَهيلَ الجِيادِ وخَفْقَ البُنُودِ

فَمَنْ كالأميرِ ابنِ بنْتِ الأميـ 

ـرِ أوْ مَنْ كآبائِهِ والجُدُودِ

سَعَوْا للمَعالي وَهُمْ صبْيَةٌ 

وسادوا وجادوا وهُمْ في المُهودِ

أمَالِكَ رِقّي ومَنْ شَأنُهُ 

هِباتُ اللُّجَينِ وعِتْقُ العَبيدِ

دَعَوْتُكَ عِندَ انْقِطاعِ الرّجَا 

ءِ والمَوْتُ مني كحَبل الوَريدِ

دَعَوْتُكَ لمّا بَراني البَلاءُ 

وأوْهَنَ رِجْليّ ثِقْلُ الحَديدِ

وقَدْ كانَ مَشيُهُما في النّعالِ 

فقَد صارَ مَشيُهُما في القُيُودِ

وكنت منَ النّاسِ في مَحْفِلٍ 

فَها أنَا في مَحْفِلٍ مِنْ قُرُودِ

تُعَجِّلُ فيّ وُجوبَ الحُدودِ 

وَحَدّي قُبَيلَ وُجوبِ السّجودِ

وقيل: عَدَوْتَ على العالمينَ 

بَينَ وِلادي وبَينَ القُعُودِ

فَما لَكَ تَقْبَلُ زُورَ الكَلامِ 

وقَدْرُ الشّهادَةِ قَدْرُ الشّهُودِ

فَلا تَسْمَعَنّ مِنَ الكَاشِحِينَ 

وَلا تَعْبَأنّ بِعِجْلِ اليَهُودِ

وكنْ فارِقاً بينَ دَعوَى أرَدتُ 

وَدَعوَى فَعَلْتُ بشَأوٍ بَعيدِ

وفي جُودِ كَفّيْكَ ما جُدْتَ لي 

بنَفسي ولوْ كنتُ أشْقَى ثَمُودِ

.

رِضاكَ رِضايَ الّذي أُوثِرُ 

وَسِرُّكَ سِرّي فَما أُظْهِرُ

كَفَتْكَ المُرُوءَةُ ما تَتّقي 

وَآمَنَكَ الوُدُّ مَا تَحْذَرُ

وَسِرُّكُمُ في الحَشَا مَيّتٌ 

إذا أُنْشِرَ السّرُّ لا يُنْشَرُ

كَأنّي عَصَتْ مُقْلَتي فيكُمُ 

وَكَاتَمَتِ القَلْبَ مَا تُبْصِرُ

وَإفْشَاءُ مَا أنَا مُسْتَوْدَعٌ 

مِنَ الغَدْرِ وَالحُرُّ لا يَغدُرُ

إذا مَا قَدَرْتُ عَلى نَطْقَةٍ 

فإنّي عَلى تَرْكِها أقْدَرُ

أُصَرّفُ نَفْسِي كَمَا أشْتَهي 

وَأمْلِكُهَا وَالقَنَا أحْمَرُ

دَوَالَيْكَ يا سَيْفَهَا دَوْلَةً 

وَأمْرَكَ يا خَيرَ مَنْ يَأمُرُ

أتَاني رَسُولُكَ مُسْتَعْجِلاً 

فَلَبّاهُ شِعْرِي الذي أذْخَرُ

وَلَوْ كانَ يَوْمَ وَغىً قاتِماً 

لَلَبّاهُ سَيْفيَ وَالأشْقَرُ

فَلا غَفَلَ الدّهْرُ عَن أهْلِهِ 

فإنّكَ عَيْنٌ بهَا يَنْظُرُ

.

يُذكّرُني فاتِكاً حِلْمُهُ 

وَشَيْءٌ مِنَ النّدّ فيهِ اسمُهُ

وَلَسْتُ بِنَاسٍ وَلَكِنّني 

يُجَدّدُ لي رِيحَهُ شَمُّهُ

وَأيَّ فَتىً سَلَبَتْني المَنُو 

نُ لم تَدْرِ ما وَلَدَتْ أُمُّهُ

وَلا مَا تَضُمّ إلى صَدْرِهَا 

وَلَوْ عَلِمَتْ هالَهَا ضَمُّهُ

بمِصْرَ مُلُوكٌ لَهُمْ مَالُهُ 

وَلَكِنّهُمْ مَا لَهُمْ هَمُّهُ

فأجْوَدُ منْ جُودِهِمْ بُخلُهُ 

وَأحْمَدُ مِنْ حَمْدِهِمْ ذَمُّهُ

وَأشرَفُ مِنْ عَيْشِهِمْ مَوْتُهُ 

وَأنْفَعُ مِنْ وَجْدِهِمْ عُدْمُهُ

وَإنّ مَنِيّتَهُ عِنْدَهُ 

لَكالخَمْرِ سُقّيَهُ كَرْمُهُ

فذاكَ الذي عَبَّهُ مَاؤهُ 

وَذاكَ الذي ذاقَهُ طَعْمُهُ

وَمَن ضاقَتِ الأرْضُ عَنْ نَفسه 

حَرًى أن يَضِيقَ بها جِسمُهُ

.

أنْوَكُ مِنْ عَبْدٍ وَمِنْ عِرْسِهِ 

مَنْ حَكّمَ العَبدَ على نَفسِهِ

وَإنّمَا يُظْهِرُ تَحْكِيمُهُ 

تَحَكُّمَ الإفْسَادِ في حِسّهِ

مَا مَنْ يَرَى أنّكَ في وَعْدِهِ 

كَمَنْ يَرَى أنّكَ في حَبْسِهِ

لا يُنْجِزُ الميعادَ في يَوْمِهِ 

ولا يَعي مَا قالَ في أمْسِهِ

وَإنّمَا تَحْتَالُ في جَذْبِهِ 

كَأنّكَ المَلاّحُ في قَلْسِهِ

فَلا تَرَجَّ الخَيرَ عندَ امْرِىءٍ 

مَرّتْ يَدُ النّخّاسِ في رَأسِهِ

وَإنْ عَرَاكَ الشّكُّ في نَفْسِهِ 

بحَالِهِ فانْظُرْ إلى جِنْسِهِ

فَقَلّ ما يَلْؤمُ في ثَوْبِهِ 

إلاّ الذي يَلْؤمُ في غِرْسِهِ

مَنْ وَجَدَ المَذْهَبَ عَنْ قَدْرِهِ 

لم يَجِدِ المَذهَبَ عَن قَنْسِهِ

.

آخِرُ مَا المَلْكُ مُعَزّىً بِهِ 

هذا الذي أثّرَ في قَلْبِهِ

لا جَزَعاً بَلْ أنَفاً شابَهُ 

أنْ يَقْدِرَ الدّهْرُ على غَصْبِهِ

لَوْ دَرَتِ الدّنْيَا بمَا عِنْدَهُ 

لاستَحيَتِ الأيّامُ من عَتبِهِ

لَعَلّهَا تَحْسَبُ أنّ الذي 

لَيسَ لَدَيهِ لَيسَ من حِزْبِهِ

وَأنّ مَنْ بَغدادُ دارٌ لَهُ 

لَيسَ مُقيماً في ذَرَا عَضْبِهِ

وَأنّ جَدّ المَرْءِ أوْطانُهُ 

مَن لَيسَ منها لَيسَ من صُلبِهِ

أخَافُ أنْ تَفْطَنَ أعْداؤهُ 

فيُجْفِلُوا خَوْفاً إلى قُرْبِهِ

لا بُدّ للإنْسانِ من ضَجعَةٍ 

لا تَقْلِبُ المُضْجَعَ عن جَنبِهِ

يَنسى بها ما كانَ مِن عُجْبِهِ 

وَمَا أذاقَ المَوْتُ من كَرْبِهِ

نحنُ بَنُو المَوْتَى فَمَا بالُنَا 

نَعَافُ مَا لا بُدّ من شُرْبِهِ

تَبْخَلُ أيْدينَا بِأرْوَاحِنَا 

على زَمَانٍ هيَ من كَسْبِهِ

فَهَذِهِ الأرْوَاحُ منْ جَوّهِ 

وَهَذِهِ الأجْسامُ مِنْ تُرْبِهِ

لَوْ فكّرَ العاشِقُ في مُنْتَهَى 

حُسنِ الذي يَسبيهِ لم يَسْبِهِ

لم يُرَ قَرْنُ الشّمسِ في شَرْقِهِ 

فشَكّتِ الأنْفُسُ في غَرْبِهِ

يَمُوتُ رَاعي الضّأنِ في جَهْلِهِ 

مِيتَةَ جَالِينُوسَ في طِبّهِ

وَرُبّمَا زَادَ على عُمْرِهِ 

وَزَادَ في الأمنِ على سِرْبِهِ

وَغَايَةُ المُفْرِطِ في سِلْمِهِ 

كَغَايَةِ المُفْرِطِ في حَرْبِهِ

فَلا قَضَى حاجَتَهُ طالِبٌ 

فُؤادُهُ يَخفِقُ مِنْ رُعْبِهِ

أستَغْفِرُ الله لشَخْصٍ مضَى 

كانَ نَداهُ مُنْتَهَى ذَنْبِهِ

وَكانَ مَنْ عَدّدَ إحْسَانَهُ 

كأنّمَا أفْرَطَ في سَبّهِ

يُرِيدُ مِنْ حُبّ العُلَى عَيْشَهُ 

وَلا يُريدُ العَيشَ من حُبّهِ

يَحْسَبُهُ دافِنُهُ وَحْدَهُ 

وَمَجدُهُ في القبرِ مِنْ صَحْبِهِ

وَيُظْهَرُ التّذكيرُ في ذِكْرِهِ 

وَيُسْتَرُ التأنيثُ في حُجْبِهِ

أُخْتُ أبي خَيرِ أمِيرٍ دَعَا 

فَقَالَ جَيشٌ للقَنَا: لَبّهِ

يا عَضُدَ الدّوْلَةِ مَنْ رُكْنُها 

أبُوهُ وَالقَلْبُ أبُو لُبّهِ

وَمَنْ بَنُوهُ زَينُ آبَائِهِ 

كأنّهَا النّوْرُ عَلى قُضْبِهِ

فَخْراً لدَهْرٍ أنْتَ مِنْ أهْلِهِ 

وَمُنْجِبٍ أصْبَحتَ منْ عَقْبِهِ

إنّ الأسَى القِرْنُ فَلا تُحْيِهِ 

وَسَيْفُكَ الصّبرُ فَلا تُنْبِهِ

ما كانَ عندي أنّ بَدْرَ الدّجَى 

يُوحِشُهُ المَفْقُودُ من شُهْبِهِ

حاشاكَ أن تَضْعُفَ عن حَملِ ما 

تَحَمّلَ السّائِرُ في كُتْبِهِ

وَقَدْ حَمَلْتَ الثّقلَ من قَبْلِهِ 

فأغنَتِ الشّدّةُ عَنْ سَحْبِهِ

يَدْخُلُ صَبرُ المَرْءِ في مَدْحِهِ 

وَيَدْخُلُ الإشْفَاقُ في ثَلْبِهِ

مِثْلُكَ يَثْني الحُزْنَ عن صَوْبِهِ 

وَيَستَرِدّ الدّمعَ عن غَرْبِهِ

إيمَا لإبْقَاءٍ عَلى فَضْلِهِ؛ 

إيمَا لتَسْليمٍ إلى رَبّهِ

وَلم أقُلْ مِثْلُكَ أعْني بِهِ 

سِواكَ يا فَرْداً بِلا مُشْبِهِ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التذكرة