المختار

 المختار

أَبَتْ لِي عِفَّتِي وأَبَى بَلائِي ... وأَخْذِي الحَمْدَ بالثَّمَنِ الرَّبِيحِ

وإِقْدامِي على المَكْرُوهِ نَفْسِي ... وضَرْبِي هامَةَ البَطَلِ المُشِيحِ

وَقَوْلِي كلَّما جَشَأَتْ وجاشَتْ ... مَكانَكِ، تُحْمَدِي أَو تَسْتَرِيحِي

لأُكْسِبَها مآثِرَ صالِحات ... وأَحْمِي بَعْدُ عن عِرْضٍ صَحِيحِ

بِذِي شُطَب كمِثْلِ المِلْحِ صافٍ ... ونَفْسٍ ما تَقِرُّ على القَبيحِ


إِذَا المَلِكُ الجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ ... مَشَيْنا إِليهِ بالسُّيوفِ نُعاتِبُهْ

وكُنَّا إِذا دَبَّ العَدُوُّ لِسُخْطِنا ... ورَاقَبَنا في ظاهِرٍ لا نُراقِبُهْ

دَلَفْنا له جَهْراً بكُلِّ مُثَقَّفٍ ... وأَبْيَضَ تَسْتَسْقِي الدِّماء مَضَاربُهْ

وجَيْشٍ كمِثْلِ الليلِ يَرْجُفُ بالقَنا ... وبالشَّوْكِ والخَطِّيِّ، حُمْرٌ ثَعالِبُهْ

غَدوْنا لهُ والشَّمسُ في سُتُراتِها ... تُطالِعُنا والطَّلُ لم يَجْرِ ذائِبُهْ

بِضَرْبٍ يَذُوقُ المَوْتَ من ذاقَ طَعْمَهُ ... وتُدْرِكُ مَنْ نَجَّى الفِرارُ مثَالِبُهْ

كَأَنَّ مُثارَ النَقْعِ فَوْقَ رُءُوسِنا ... وأَسْيافَنَا لَيْلٌ تَهاوَى كَواكِبُهْ

وأَرْعَنَ تَعْشَى الشَّمسُ دُونَ حَدِيدِه ... وتَخْلِسُ أَبْصارَ الكُماةِ كَتائِبُهْ

تَغَصُّ به الأَرضُ الفَضَاءُ إِذا غَدا ... تُزاحِمُ أَركانَ الجِبال مَناكِبُهْ

تَرَكْنا به كَلْباً وقَحْطانَ تَبْتَغِي ... مُجيراً مِن المَوْتِ المُطِلِّ مقَانِبُهْ

طعَنْتُ ابنَ عبدِ اللّهِ طَعْنَةَ ثائِرٍ ... لها نَفَذٌ لَوْلاَ الشَّعاعُ أَضاءها

مَلَكْتُ بها كَفِّي فأَنْهَرْتُ فَتْقَها ... يَرَى قائِمٌ مِنْ دُونِها ما وَراءها

يَهُونُ عَلَيَّ أَنْ تَرُدَّ جراحُها ... عُيُونَ الأَواسي إِذْ حَمدْتُ بَلاءها

وكنتُ امرءاً لا أَسْمَعُ الدَّهْرَ سُبَّةً ... أُسَبُّ بِها إِلاَّ كَشَفْتُ غِطاءها

وإِنِّيَ في الحَرْبِ العَوانِ مُوَكَّلٌ ... بإِقْدامِ نَفْسٍ لا أُرِيدُ بقَاءها

مَتَى يَأْتِ هذا المَوْتُ لم تُلْفَ حاجَةٌ ... لنَفْسِيَ إِلاَّ قد قَضَيْتُ قَضاءها

لئِنْ كنتُ مُحْتاجاً إلى الحِلْمِ إِنَّني ... إِلى الجَهْلِ في بَعْضِ الأَحايينِ أَحْوَجُ

ولِي فَرَسٌ لِلْحِلْمِ بالحِلْمِ ملْجَمٌ ... ولِي فَرَسٌ للْجَهْلِ بالجَهْل مُسْرَج

فمَنْ شاء تَقْوِيمِي فإِنِّي مقَوَّمٌ ... ومَنْ شاء تَعْويجي فإِنِّي مُعَوَّج

وما كنتُ أَرْضَى الجَهْلَ خِدْناً ولا أَخاً ... ولكنَّنِي أَرْضَى بهِ حينَ أُحْرَج

فإنْ قال بَعْضُ النَّاسِ: فيهِ سَماجَةٌ، ... لقَدْ صَدَقُوا، والذُّلُّ بالحرِّ أَسْمَج

أَقولُ لها، وقَدْ طارَتْ شعَاعاً ... مِن الأَبْطال: وَيْحكِ لا تُرَاعِي

فإِنَّكِ لو سَأَلْتِ بقَاء يَوْمٍ ... على الأَجَلِ الذي لَكِ لَنْ تُطاعي

فَصَبْراً في مَجالِ المَوْتِ صَبْراً ... فَما نَيْلُ الخُلُودِ بِمُسْتَطاعِ

ولا ثَوْبُ البقَاءِ بثَوْبِ عِزٍّ ... فيُطْوَى عن أَخِي الخَنَعِ اليَراع

سَبِيلُ المَوْتِ غايَةُ كُلِّ حَيٍّ ... فَداعِيهِ لأَهْلِ الأَرْضِ داعِي

ومَنْ لا يُعْتَبَط " ْ يَسْأَمْ ويَهْرَمْ ... وتُسْلمْهُ المَنُونُ إِلى انْقِطاعِ

وما للْمرءِ خَيْرٌ في حَياة ... إذا ما عُدَّ مِن سَقَطِ المتاع

لَعَمْرُكَ إِنَّنِي وأَبا رياحٍ ... على طُولِ التَّهاجُر مُنْذُ حِينِ

لأُبْغِضُهُ ويُبْغضُنِي وأَيْضاً ... يَرانِي دُونَهُ وأَراهُ دُونِي

فَلَوْ أَنَّا على حَجَرٍ ذُبحْنا ... جَرَى الدَّميَان بالخَبَر اليَقين

فإِمَّا أَنْ تَكُونَ أَخِي بحَقٍّ ... فأَعْرفَ منكَ غَثِّي مِن سَمِينِي

وإِلاَّ فاطَّرحْنِي واتَّخِذْنِي ... عَدُوّاً أَتَّقِيكَ وتَتَّقِينِي

وما أَدْري إِذا يَمَّمْتُ أَرْضاً ... أُريدُ الخَيْرَ أَيُّهُما يَلِينِي

أَأَلْخَيْرُ الذي أَنَا أَبْتَغِيه ... أَم الشَّرُّ الذي هو يَبْتَغِينِي


إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنَسْ مِن اللُّؤْمِ عِرْضَهُ ... فكُلُّ رِداءٍ يَرْتَدِيهِ جَمِيلُ

وإِنْ هُو لَمْ يَحْمِلْ على النَّفْسِ ضَيْمَها ... فَلَيْسَ إلى حُسْنِ الثَّناءِ سبيلُ

وقائِلَةٍ: ما بالُ أُسْرَةِ عادِيا ... تَبارَى، وفِيهمْ قِلَّةٌ وخُمُولُ

تُعَيِّرُنا أَنَّا قَلِيلٌ عَدِيدُنا ... فقلتُ لها: إِنَّ الكِرَامَ قَلِيلُ

وما ضَرَّنا أَنَّا قَلِيلٌ وجَارُنا ... عَزِيزٌ، وجارُ الأَكْثَرِينَ ذَلِيلُ

وما قَلَّ مَنْ كانَتْ بَقاياهُ مثْلَنا ... شَبابٌ تَسامَى لِلْعُلا وَكُهُولُ

لَنا جَبَلٌ يَحْتَلُّه مَنْ نُجِيره ... مُنِيفٌ، يَردُّ الطَّرْفَ وهْوَ كَلِيلُ

رَسَا أَصْلُه تَحْتَ الثَّرَى، وسَما بِهِ ... إِلى النَّجْمِ فَرْعٌ لا يُنال طَويل

هو الأَبْلَقُ الفَرْدُ الذي سارَ ذِكْرُهُ ... يَعِزُّ على مَنْ رَامهُ فيَطُولُ

وإِنَّا لَقَوْمٌ ما نَرَى القَتْلَ سُبَّةً ... إِذا ما رَأَتْهُ عامِرٌ وَسُلُولُ

يُقَرِّبُ حُبُّ المَوْتِ آجالنَا لَنا ... وتَكْرَهُهُ آجالُهُمْ فتَطُولُ

وما ماتَ مِنَّا سَيِّدٌ حَتْفَ أَنْفِهِ ... ولا طُلَّ مِنَّا حَيْثُ كانَ قَتِيلُ

تَسِيل على حَدِّ الظُّباتِ نُفُوسنا ... ولَيْسَتْ على غَيْرِ الظُّباتِ تَسِيلُ

صَفَوْنا فَلَمْ نَكْدَرْ، وأَخْلَصَ سِرَّنا ... إِناثٌ أَطابَتْ حَمْلَنا وفُحُولُ

عَلَوْنا إِلى خَيْرِ الظُّهُورِ، وحَطَّنا ... لِوَقْتٍ إِلى خَيْرِ البُطُونِ نُزُولُ

فنَحْنُ كماءِ المُزْنِ، ما فِي نِصابِنا ... كهَامٌ، ولا فِينا يُعَدُّ بَخِيلُ

ونُنْكِرُ إِنْ شِينَا على النَّاسِ قَوْلَهُمْ ... ولا يُنْكِرُونَ القَوْلَ حِينَ نَقُولُ

إِذا سَيِّدٌ مِنَّا خَلا قامَ سَيِّدٌ ... قَؤُولٌ لِما قال الكِرامُ فَعُولُ

وما أُخْمِدَتْ نارٌ لنَا دُونَ طارِقٍ ... ولا ذَمَّنا في النَّازِلِينَ نَزِيلُ

وَأيَّامُنا مَشْهُورَةٌ في عَدُوِّنا ... لَها غُرَرٌ مَعْلُومَةٌ وحُجُولُ

وأَسْيافُنا في كُلِّ شَرْقٍ ومَغْرِبٍ ... بِها مِن قِراعِ الدَّارِعينَ فُلُولُ

مُعَوَّدَةً أَلاَّ تُسَلَّ نِصالُها ... فتُغْمَدَ حتَّى يُسْتَباحَ قَبِيلُ

سَلِي، إِنْ جَهِلْت، النَّاسَ عَنَّا وعَنْهُمُ ... فلَيْسَ سَواءً عالِمٌ وجَهُولُ

فإِنَّ بَنِي الدَّيّان قُطْبٌ لقَوْمِهِمْ ... تَدُورُ رحَاهُمْ حَوْلَهُمْ وتَجُولُ

لَيْسَ الجَمالُ بِمِئْزَرٍ، ... فاعْلَمْ، وإِنْ رُدِّيتَ بُرْدَا

إِنَّ الجَمالَ مَعادِنٌ ... ومَناقِبٌ أَوْرَثْنَ مَجْدَا

أَعْدَدْتُ لِلحَدَثَانِ سا ... بِغَةً وعَدَّاءً عَلَنْدْى

نَهْداً، وذا شُطَبٍ يَقُ ... دُّ البَيْضَ والأَبْدَان قَدَّا

وَعِلْمِتُ أَنِّي يومَ ذا ... كَ مُنازِلٌ كَعْباً ونَهْدَا

قَوْمٌ إِذا لَبِسُوا الحَدِي ... دَ تَنَمَّرُوا حَلَقاً وقِدَّا

كُلُّ امْرِىءٍ يَجْرِي إلى ... يَوْمِ الهِياجِ بِما اسْتَعَدَّا

لَمَّا رَأَيْتُ نِساءَنا ... يَفْحَصْنَ بالمَعْزاءِ شَدَّا

وبَدَتْ لَمِيسُ كأَنَّها ... قَمَرُ السَّماءِ إِذا تَبَدّى

وبَدَتْ مَحاسِنُها التي ... تَخْفَى، وكانَ الأَمْرُ جِدّا

نازَلْتُ كَبْشَهُمُ ولَمْ ... أَرَ مِن نِزالِ الكَبْشِ بُدّا

هُمْ يَنْذِرُونَ دَمِي، وأَنْ ... ذِرُ إِنْ لَقِيتُ بأَنْ أَشُدّا

كَمْ مِن أَخٍ لِيَ صالِحٍ ... بَوَّأْتُهُ بِيَدَيَّ لَحْدا

ما إِنْ جَزِعْتُ ولا هَلِعْ ... تُ ولا يَرُدُّ بُكايَ زَنْدا

أَلْبَسْتُهُ أَثْوابَهُ ... وخُلِقْتُ، يومَ خُلِقْتُ، جَلْدا

أُغْنِي غَناء الذَّاهِبي ... نَ، أُعَدُّ لِلأَعْداءِ عَدّا

ذَهَبَ الذينَ أُحِبُّهُمْ ... وبَقِيتُ مَثْلَ السَّيْفِ فَرْدا

بَسَطَتْ رابعَةُ الحَبْلَ لنا ... فوَصَلْنا الحَبْلَ مِنْها فانْقَطَعْ

تَمْنَحُ المِرْآةَ وَجْهاً واضِحاً ... كشُعاعِ الشَّمْسِ في الغَيْمِ سَطَحْ

هَيَّجَ الشَّوْقَ خَيالٌ زائِرٌ ... مِن حَبِيبٍ خَفِرٍ فِيه قَدْعْ

شاحِط جازَ إِلى أَرْحُلِنا ... عُصَبَ الغاب طُرُوقاً لَمْ يُرَعْ

آنِسٍ كانَ إِذا ما اعْتَادَنِي ... حالَ دُونَ النَّوْمِ مِنِّي فامْتَنَعْ

وكذاكَ الحُبُّ ما أَشْجَعَهُ ... يَرْكَبُ الهَوْلَ ويَعْصِي مَنْ وَزَعْ

وأَبِيتُ الليلَ ما أَرْقُدُهُ ... وبِعَيْنَيَّ إِذا نَجْمٌ طَلعْ

فإِذا ما قُلْتُ: ليْلٌ قد مَضى، ... عَطف الأَوَّلُ مِنْه فرَجَعْ

يَسْحَبُ الليلُ نُجُوماً ظُلَّعاً ... فتوالِيها بَطِيئاتُ التَّبَعْ

كم جَشِمْنا دُون سَلْمى مَهْمَهاً ... نازِحَ الغوْرِ إِذا الآلُ لمعْ

وَفلاةٍ واضِحٍ أَقْرابُها ... بالِياتٌ مِثْلُ مُرْفَتِّ القَزَعْ

فَركِبْناها على مُجْهُولِها ... بصِلابِ الأَرْضِ فِيهِنَّ شَجَعْ

يَدَّرِعْنَ الليلَ يَهْوِينَ بنا ... كَهَوِيِّ الكُدْرِ صَبَّحْنَ الشَّرَعْ

مِن بَنِي بَكْرٍ بها مَمْلَكَةٌ ... مَنْظَرٌ فِيهمْ، وفِيهمْ مُسْتَمَعْ

مِن أُناسٍ لَيْس مِن أَخْلاقِهِمْ ... عاجِلُ الفُحْشِ ولا سُوءُ الجَزَعْ

وُزُنُ الأَحْلامِ إِنْ هُمْ وازَنُوا ... صادِقُو البَأَسِ إِذا البَأْسُ نَصَعْ

وإِذا ما حُمِلُّوا لَمْ يَظْلَعُوا ... وإِذا حَمَّلْتَ ذا الشِّفِّ ظَلَعْ

عادةً كانتْ لهمْ مَعْلُومَةً ... في قَدِيمِ الدَّهْرِ لَيْستْ بالبِدَعْ

رُبَّ مَنْ أَنْضَجْتُ غَيْظاً قَلْبَهُ ... قد تَمَنَّى لِيَ مَوْتاً لمْ يُطَعْ

ويَرانِي كالشَّجا في حَلْقِهِ ... عَسِراً مَخْرَجُهُ، ما يُنْتَزَعْ

مُزْبِدٌ يَخْطِرُ ما لَمْ يَرَنِي ... فإِذا أَسْمَعْتُهُ صَوْتِي انْقَمَعْ

ويُحَيِّينِي إِذا لاقَيْتَهُ ... وإِذا يَخْلُو لهُ لَحْمِي وَقَعْ

قد كَفانِي اللّهُ ما في نَفْسِهِ ... ومَتَى ما يَكْفِ شَيْئاً لَمْ يُضَعْ

أَنْفُضُ الغَيْبَ برَجْمٍ صائِبٍ ... لَيْس بالطَّيْشِ ولا بالمُرْتَجَعْ

كم مُسِرٍّ لِيَ حِقْداً قَلْبُهُ ... فإِذا قابَلَهُ شَخْصِي رَكَعْ

وَرِثَ البغضة عن آبائِهِ ... حافِظُ العَقْلِ لما كانَ اسْتَمَعْ

فسَعَى مَسْعاتَهُمْ في قَوْمِهِ ... ثُمَّ لمْ يَظْفَرْ ولا عَجْزاً وَدْعْ

زَرَعَ الدَّاءَ، ولَمْ يُدْرِكْ بهِ ... تِرَةً فاتَتْ، ولا وَهْياً رَقَعْ

مُقْعِياً يَرْدِي صَفاةً لَمْ تُرَمْ ... في ذُرَى أَعْيَطَ وَعْرِ المُطَّلَعْ

لا يَراها النَّاسُ إِلاَّ فَوْقَهُمْ ... فَهْيَ تَأَتِي كَيْف شاءتْ وتَدَعْ

وعَدُوٍّ جاهِدٍ ناضَلْتُهُ ... في تَراخِي النَّاسِ عنَّا والجُمَعْ

ساجِدِ المَنْخِرِ لاَ يَرْفَعُهُ ... خاشِعِ الطَّرْفِ، أَصَمَّ المُسْتَمَعْ

فتَساقَيْنا بِسُرٍّ ناقِعٍ ... في مَقامٍ لَيْسَ يَثْنِيهِ الوَرَعْ

فَرَّ منِّي هارِباً شَيْطانُهُ ... حيثُ لا يُعْطِي ولا شَيْئاً مَنَعْ

وَرَأَى منِّي مَقاماً صادِقاً ... ثابِتَ المَوْطِنِ كَتَّامَ الوَجَعْ

ولِساناً صَيْرَفِيّاً صارماً ... كحُسامِ السَّيْفِ ما مَسَّ قَطَعْ

المرار بن منقذ


عَجِبَتْ خَوْلَةُ إِذْ تُنْكِرُنِي ... أَمْ رَأَتْ خَوْلَةُ شَيْخاً قد كَبِرْ

وكَساهُ الدَّهْرُ شِيْباً ناصِعاً ... وتَحَقَّ الظَّهْرُ مِنْهُ فأُطِرْ

إِنْ تَرَى سِبَّا فإِنِّي ماجِدٌ ... ذُو بَلاءٍ حَسَنٍ، غَيْرُ غُمُرْ

ما أَنا اليومَ على شَيْءٍ مَضَى ... يا ابنةَ القَوْمِ تَوَلَّى بِحَسِرْ

قد لَبسْتُ الدَّهْرَ من أَفْنانِهِ ... كُلَّ فَنٍّ حَسَنٍ مِنْه حَبِرْ

كم تَرى مِن شانِىءٍ يَحْسُدُنِي ... قد وَراهُ الغَيْظُ في صَدْرٍ وَغِرْ

وحَشَوْتُ الغَيْظَ في أَضْلاعِهِ ... فَهْوَ يَمْشِي حَظَلاناً كالنَّقِرْ

لَمْ يَضِرْنِي، ولقَدْ بَلَّعْتُهُ ... قِطَعَ الغَيْظِ بِصابٍ وصَبِرْ

فهْوَ لا يَبْرَأُ ما في صَدْرِه ... مِثْلَ ما وَقَّدَ عَيْنَيْهِ النَّمِر

ويَرَى دُونِي، فلا يَسْطِيعُنِي،، ... خَرْطَ شَوءكٍ مِن قَتادٍ مُسْمَهِرْ

أَنا مِن خِنْدِفَ في صُيَّابِها ... حيثُ طابَ القِبْصُ مِنْهُ وكَثُرْ

ولِي النَّبْعَةُ مِن سُلاَّفِها ... ولِيَ الهامَةُ مِنْها والكُبُرْ

ولِيَ الزَّنْدُ الذي يُورَى بهِ ... إِنْ كَبا زَنْدُ لَئِيمٍ أَو قَصُرْ

وأَنا المَذْكُورُ في فِتْيانِها ... بِفَعالِ الخَيْرِ، وإِنْ فِعْلٌ ذُكِرْ

أَعْرِفُ الحَقَّ فلا أُنْكِرُهُ ... وكِلابِي أُنُسٌ غَيُرْ عُقُرْ

ر تَرَى كَلْبِيَ إِلاَّ آنِساً ... إِنْ أَتَى خابِطُ لَيْلٍ لَمْ يَهِرْ

كَثُرَ النَّاسُ فما يُنْكِرِهُمْ ... مِنْ أَسِيفٍ يَبْتَغِي الخَيْرَ وَحُرُّ

وَهَوَى الْقَلْب الَّذِي أَعْجَبَهُ ... صَورَةٌ أَحْسَنُ مَنْ لاثَ الأُزُرْ

راقَهُ مِنْها بَياضٌ ناصِعٌ ... يُؤْنِقُ العَيْنَ، وفَرْعٌ مُس بَكِرْ

جَعْدَةٌ فَرْعاءُ في جُمْجُمَة ... ضَخْمَةٍ تَفْرُقُ عَنْها كالضُّفُرْ

وَهْيَ هَيْفاءُ هَضِيمٌ كَشْحُها ... فَخْمَةٌ حيثُ يُشَدُّ المُؤْتَزَرْ

وإِذا تَمْشِي إِلى جارتِها ... لمْ تَكَدْ تَبْلُغُ حتَّى تَنْبَهِرْ

ثُمَّ تَنْهَدُّ على أَنْماطِها ... مِثْلَ ما مالَ كَثِيبٌ مُنْقَعِرْ

صُورَةُ الشَّمْسِ على صُورَتِها ... كُلَّما تَغْرُبُ شَمْسٌ أَو تَذُرْ

تَرَكَتْنِي لَيْس بالحَيِّ ولا ... مَيِّتٍ لاقَى وَفاةً فَقُبِرْ

ما أَنا الدَّهْرَ بِناسٍ ذِكْرَها ... ما غَدَتْ وَرْقاءُ تَدْعُو ساقَ حُرْ

وفِيهِمْ مَقاماتٌ حِسانٌ وُجُوهُها ... وأَنْدِيَةٌ يَنْتَابُها القَوْلُ والفِعْلُ

فإِنْ جِئْتَهُمْ أَلْفَيْتَ حَوْلَ بُيُوتِهمْ ... مَجالِسَ قد يُشْفَى بأَحْلامِها الجَهْل

بعَزْمَةِ مَأَمُورٍ مُطِيعٍ وآمِرٍ ... مُطاعٍ، فلا يُلْفَى لحَزْمِهِمُ مِثْلُ

على مُكْثِر بِهِمْ رِزْقُ مَنْ يَعْتَرِيهمْ ... وعندَ المُقِلِّينَ السَّماحَةُ والبَذْلُ

سَعَى بَعْدَهُمْ قَوْمٌ لِكَي يُدْركُوهُمُفلَمْ يَفْعَلُوا، ولَمْ يُلامُوا، ولَمْ يَأْلُوا

فما كانَ مِن خَيْرٍ أَتَوْهُ فإِنَّما ... تَوارَثَهُ آباءُ آبائِهِمْ قَبْلُ

وهَلْ يُنْبِتُ الخَ " ِّيَّ إِلاَّ وَشِيجُهُ ... وتُغْرَسُ إِلاَّ في مَنابِتها النَّخْلُ


نَجَوْتِ مِن حَلٍّ ومِن رِحْلَةٍ ... يا ناقَ إِنْ قَرّيْتِنِي مِن قُثَمْ

إِنَّكِ إِنْ بَلَّغْتِنِيهِ غداً ... عاشَ لنا اليُسْرُ وماتَ العَدَمْ

في باعِهِ طُولٌ، وفي وَجْهِهِ ... نُورٌن وفي العِرْنِين مِنْه شَمَمْ

لَمْ يَدْرِ مالاً، وبَلَى قد دَرَى ... فَعافَها، واعْتاضَ عَنْها نَعَمْ

أَصَمُّ عن ذِكْرِ الخَنا سَمْعُهُ ... وما عن الخبر بهِ مِن صَمَمْ

هذا الذي تَعْرِفُ البَطْحاءُ وَطْأَتَهُ ... والبَيْتُ يَعْرِفُهُ والحِلُّ والحَرَمُ

هذا ابنُ خَيْرِ عِبادِ اللّهِ كُلِّهِمُ ... هذا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ

إِذا رَأَتْهُ قُريْشٌ قالَ قائِلُها ... إِلى مَكارِمِ هذا يَنْتَهِي الكَرَمُ

يَكادُ يُمْسِكُهُ، عِرْفانَ راحَتِهِ، ... رُكْنُ الحَطِيمِ إِذا ما جاء يَسْتَلِمُ

مَنْ يَعْرِفِ اللّهَ يَعْرِفْ أَوَّلِيَّةَ ذا ... الدِّينُ مِن بَيْتِ هذا نالَهُ الأُمَمُ

فلَيْسَ قَوْلُكَ مَنْ هذا بِضائِرِهِ ... العُرْبُ تَعْرِفُ مَن أَنْكَرْت والعَجَمُ

هذا ابنُ فاطمة إِنْ كُنتَ جاهِلَهُ ... بجَدِّهِ أَنْبِياءُ اللّهِ قد خُتِمُوا

لو يَعْلَمُ البَيْتُ مَن قد جاء يَلْثِمُهُ ... لَظَلَّ يَلْثِمُ مِنْه ما وَطِي القَدَمُ

يَنْشَقُّ نُورُ الهُدَى عن نُورِ غُرَّتِهِكالشَّمْسِ تَنْجابُ عن إِشْراقِها الظُّلَمُ

ما قالَ لا قَطُّ إِلاَّ في تَشَهُّدِهِ ... لَوْلا التَشَهُّدُ كانتْ لاءهُ نَعَمُ

يَنْمِي إِلى ذِرْوَةِ المَجْدِ التي قَصُرَتْ ... عن نَيْلِها عَرَبُ الإسْلامِ والعَجَمُ

إِنْ عُدَّ أَهْلُ التُّقَى كانُوا أَئِمَّتَهُمْأَو قِيلَ: مَن خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ قِيلَ: هُم

مَنْ جَدُّهُ دانَ فَضْلُ الأَنَّبياءِ لهُ ... وفَضْلُ أُمَّتِهِ دانَتْ لهُ الأُمَمُ

لا يُخْلِفُ الوَعْدُ، مَيْمُونٌ نَقِيَبتُهُ، ... رَحْبُ الفِناءِ، أَرِيبٌ حينَ يَعْتَزِمُ

مِن مَعْشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ، وبُغْضُهُمُ ... كُفْرٌ، وقُرْبُهُمُ مَنْجىً ومُعْتَصَمُ

مُقَدَّمٌ بَعْدَ ذِكْرِ اللّهِ ذِكْرُهُمُ ... في كُلِّ دِينٍن ومَخْتُومٌ بهِ الكَلِمُ

يُسْتَدْفَعُ البؤْسُ والبَلْوَى بحُبِّهِمُ ... ويُسْتَرَبُّ بهِ الإِحْسانُ والنِّعَمُ

همُ الغُيُوثُ إِذا ما أَزْمَةٌ أَزَمَتْوالأُسْدُ أُسْدُ الشَّرَى والبَأْسُ مُحْتَدِمُ

يَأْبَى لَهُمْ أَنْ يَحُلَّ الذَّمُّ ساحَتَهُمْخِيمٌ كَرِيمٌ وأَيْدٍ بالنَّدَى هُضُمُ


للّهِ دَرُّ عِصابَةٍ نادَمْتُهُمْ ... يوماً بجِلِّقَ في الزَّمان الأَوَّلِ

أَوْلادُ جَفْنَةَ حَوْلَ قَبْرِ أَبيهمُ ... قَبْرِ ابن مارِيَةَ الجَوادِ المُفْضِلِ

بِيضُ الوُجُوهِ، كَرِيمَةٌ أحْسابُهُمْ ... شُمُّ الأُنُوفِ مِن الطِّرازِ الأَوَّلِ

يُغْشَوْنَ، حتَّى ما تَهِرُّ كِلابُهُمْ، ... لا يَسْأَلُونَ عن السَّوادِ المُقْبِلِ

يَسْقُونَ مَن وَرَدَ البَرِيصَ عليهمُ ... بَرَدَى يُصَفَّقُ بالرَّحيقِ السَّلْسَلِ

المُلْحِقينَ فَقِيرَهُمْ بغَنِيِّهِمْ ... والمُشْفِقِينَ على الضَّعِيفِ المُرْمِل

والضَّارِبِينَ الكَبْشَ يَبْرُقُ بَيْضُهُ ... حتَّى يَطِيحَ بهِ بَنانُ المَفْصِلِ

كِلْتَاهُما حَلَبُ العَصِير، فعاطِنِي ... بزُجاجَةٍ أَرْخاهُما لِلْمِفْصَلِ

بزجاجةٍ رَقَصَتْ بِما في قَعْرِها ... رَقَصَ الَقلُوصِ براكِبٍ مُسْتَعْجل

كَلُّ مَن في الأَرْضِ مِن مَلِكٍ ... بيْنَ بادِيهِ إِلى حَضَرِهْ

مُسْتَعِيرٌ مِنْكَ مَكْرُمَةً ... يَكْتَسِيها يومَ مُفْتَخَرِهْ

إِنَّما الدُّنْيا أَبُو دُلَفٍ ... بَيْنَ مَبْداهُ ومُحْتَضَرِهْ

فإِذا وَلَّى أَبو دُلَفٍ ... وَلَّتِ الدُّنْيا على أَثَرِهْ

مَلِكٌ تَنْدَى أَنامِلُهُ ... كانْبِلاجِ النَّوْءِ عن مَطَرِهْ

مُسْتَهِلٌّ عن مَواهِبِهِ ... كابْتِسامِ الرَّوْضِ عن زَهَرِهْ

المَنايا في مَقانِبهِ ... والعَطايا في ذَرَى حُجَرِهْ


وإِنَّ التي نَكَّبْتُها عن مَعاشِرٍ ... عَلَيَّ غِضابٍ أَنْ صَدَدْتُ كما صَدُّوا

أَتَتْ آلَ شَمّاسِ بنِ لأَيٍ وإِنَّما ... أَتاهُمْ بِها الأَحْلامُ والحَسَبُ العِدُّ

أبُوهُمْ وَدَى عَقْلَ المُلُوكِ تَكَلُّفاً ... وما لَهُمُ مِمَّا تَكَلَّفَهُ بُدُّ

أُولئكَ قَوْمٌ إِنْ بَنَوْا أَحْسَنُوا البِناوإِنْ عاهَدُوا أَوْفَوْا، وإِنْ عَقَدُوا شَدُّوا

وإِنْ كانَتْ النُّعْمَى عليهمْ جَزَوْابِها ... وإِنْ أَنْعَمُوا لا كَدَّرُها ولا كَدُّوا

وإِنْ قالَ مَوْلاهُمْ على جُلِّ حادِثٍمِن الدَّهْرِ: رُدُّوا فَضْلَ أَحْلامِكُمْ رَدُّوا

مَطاعِينُ في الهَيْجَا، مكاشِيفُ للدُّجَى ... بَنَى لَهُمْ آباؤُهُمْ وبَنَى الجَدُّ

يَسُوسُونَ أَحْلاماً بَعِيداً أَناتُها ... وإِنْ غَضِبُوا جاء الحَفِيظَةُ والجِدُّ

أَقِلُّوا عليهمْ، لا أَباً لأَبيكُمُ ... مِن اللَّوْمِ أَو سُدُّوا المَكانَ الذي سَدُّوا


دَعانِي إِلى عُمَرٍ جُودُهُ ... وقَوْلُ العَشِيرَةِ بَحْرٌ خِضَمْ

وَلَولا الذي خَبُرُوا لَمْ أَكُنْ ... لأَمْدَحَ رَيْحانَةً قَبْلَ شَمْ

إِذا أَيْقَظَتْكَ حُرُوبُ العِدَى ... فنَبِّهْ لَها عُمَراً ثُمَّ نَمْ

فَتىً لا يَنامُ على دِمْنَةٍ ... ولا يَشْرَبُ الماءَ إِلاَّ بدَمْ

لْ لِلْقَوافِلِ والغَزِيَّ إذا غَزَوْا ... والباكِرينَ وللمُجِدِّ الرِّائِحِ

إنَّ السَّماحَةَ والشَّجاعَةَ ضُمِّنا ... قَبْراً بِمَرْو على الطَّرِيقِ الواضِحِ

وإذا مَرَرْتَ بقَبْرِهِ فاعْقِرْ به ... كُومَ الهِجانِ وكُلَّ طِرْفٍ سابِحِ

وانْضَحْ جَوانِبَ قَبْرِهِ بدِمائِها ... فَلقَدْ يكُون أخا دَمٍ وذبائِحِ

ماتَ المُغِيَرةُ بَعْدَ طُولِ تَعَرُّضٍ ... للقَتْلِ بَيْنَ أَسِنَّةٍ وصَفائِحِ

فانْعَ المُغِيَرةَ للمُغِيرَة إذْ بَدَتْ ... شَعْواءَ مُحْجِرَةً لِنْبحِ النَّابِحِ

مَلِكٌ أَغَرُّ مُتَوَّجٌ يَسْمُو له ... طَرْفُ الصَّدِيقِ، وغُضَّ طَرْفُ الكاشِحِ

يَا لَهْفتا يا لَهْفتا لكَ كُلَّما ... خِيفَ الغِرارُ على المُدِرِّ الماسِحِ

فَلقَدْ فَقَدْت مُسَوَّدًا ذا نَجْدَةٍ ... كالبَدْرِ أَزْهَرَ ذا جَداً ونَوافِحِ

كانَ المِلاكَ لِدِينِنا ورجَاءَنا ... ومَلاذَنا في كُلِّ خَطْبٍ فادِحِ

ضَى ابنُ سَعِيدٍ حينَ لَمْ يَبْقَ مَشْرِقٌ ... ولا مُغْرِبٌ إلاَّ له فِيهِ مادِحُ

وما كُنْتُ أَدْرِي ما فواضِلُ كَفِّهِ ... على النّاسِ حتى غَيَّبَتْه الصَّفائِحُ

فأَصْبَحَ في لَحْدٍ مِن الأَرْضِ مَيِّتاً ... وكانَتْ به حَيًّا تَضِيقُ الصَّحاصِحُ

سأَبْكِيكَ ما فاضَتْ دُمُوعِي، فإنْ تَغِضْ ... فَحَسْبُكَ مِنِّي ما تُجِنُّ الجَوانِحُ

فما أنا، مِن زُرْءٍ وإنْ جَلَّ، جازِعٌ ... ولا بسُرورٍ بَعْدَ مَوْتِكَ فارِحُ

كَأَنْ لَمْ يَمُتْ حَيٌّ سِواكَ، ولَمْ تَقُمْ ... على أحَدٍ إلاَّ عليكَ النَّوائِحُ

لَئِنْ حَسُنَتْ فَيكَ المَراثِي وذِكْرُها ... لقَدْ حَسُنَتْ مِن قَبْلُ فِيكَ المَدائِحُ

مَضَى لِسَبِيلِهِ مَعْنٌ وأبْقَى ... مَحامِدَ لَنْ تَبِيدَ ولَنْ تُنالا

هَوَى الجَبَلُ الذي كانَتْ نِزارٌ ... تَهُدُّ مِن العَدُوِّ به جِبالا

فإن يَعْلُ البِلادَ به خُشُوعٌ ... فقَدْ كانَتْ تَطُولُ به اخْتِيالا

ولَمْ يَكُ طالِبُ المَعْرُوفِ يَنْوِي ... إلى غَيْرِ ابنِ زائِدَة ارْتِحالا

وكانَ النّاسُ كلُّهُمُ، لمَعْنٍ ... إلى أنْ زارَ حُفْرَتَهُ، عِيالا

ثَوَى مَنْ كانَ يَحْمِلُ كُلَّ ثِقْلٍ ... ويَسْبِقُ قَيْضُ راحَتِهِ السُّؤَالا

مَضَى لِسَبيلِهِ مَنْ كنتَ تَرْجُو ... بهِ عَثَراتُ دَهْرِكَ أَنْ تُقالا

فَلسْتُ بمالِكٍ عَبَراتِ عَيْنِي ... أَبَتْ بدُمُوعِها إلاَّ انْهِمالا

كَأَنَّ الشَّمْسَ يومَ أُصِيبَ مَعْنٌ ... مِن الإظْلامِ مُلْبَسَةٌ جلالا

يَرانا النّاسُ بَعْدَكَ فَلَّ دَهْرِ ... أَبَى لجُدُودنِا إلاَّ اغْتِيالا

فَلَهْفَ أبِي عليكَ إذا العطَايا ... جُعِلْنَ مُنىً كَواذِبَ واعْتِلالا

ولَهْفَ أبي عليكَ إذا الأُسارَى ... شَكَوْا حَلَقاً بأَسْوُقِهمْ ثِقالا

ولَهْفَ أبِي عليكَ إذا القَوافِي ... لِمُمتَدَحٍ بِها ذَهَبَتْ ضَلالا

أقمْنا باليمَامةِ بَعْدَ مَعْنٍ ... مُقاماً لا نُرِيدُ به زِيالا

وقُلْنا: أَيْنَ نَذْهَبُ بُعْدَ مَعْنِ، ... وقَدْ ذَهَبَ النَّوال فلا نَوالا

فما بَلَغَتْ أَكُفُّ ذَوِي العَطايا ... يَمِيناً مِن يَدَيْكَ ولا شِمالا

أبو تمام

إليكَ جزعنا مغرِبَ المُلكِ كلَّما ... وسطْنا مَلاً صلَّتْ عليكَ سباسبُهْ

إلى ملكٍ لم يلقِ كَلْكل بأسهِ ... على ملكٍ إلاَّ وللذُّلِّ جانبهْ

إلى سالبِ الجبَّارِ بيضةَ مُلكهِ ... وآملهُ غادٍ عليهِ فسالبُهْ

سما للعلا من جانبَيْها كلَيْهما ... سُموَّ عُبابِ البحرِ جاشَتْ غواربُهْ

فنوَّلَ حتَّى لم يجدْ من يُنيلهُ ... وحاربَ حتَّى لم يجدْ من يُحاربُهْ

وذو يقظاتٍ مُستمرٍّ مريرُها ... إذا الخطبُ لاقاها اضمحلَّتْ نوائبُهْ

فيا أيُّها السَّاري اسرِ غيرَ مُحاذرٍ ... جَنانَ ظلامٍ أوْ ردًى أنتَ هائبُهْ

فقدْ بثَّ عبد الله خوفَ انتقامهِ ... على اللَّيل حتَّى ما تدبُّ عقاربُهْ

إذا ما امرؤٌ ألْقى بربعكَ رَحْلهُ ... فقد طالبَتْهُ بالنَّجاحِ مطالبُهْ

وقال أيضاً من قصيدةٍ:

رواحِلُنا قد بزَّنا الهمُّ أمرَها ... إلى أن حسِبْنا أنَّهنَّ رواحلُهْ

إذا خلعَ اللَّيلُ النَّهارَ رأيتَها ... بإرْقالها في كلِّ وجهٍ تُقاتلُهْ

إلى قطبِ الدُّنيا الَّذي لو بمدْحِهِ ... مدحْتُ بني الدُّنيا كفَتْهُمْ فضائلُهْ

جلا ظلماتِ الظُّلمِ عن وجهِ أمَّةٍ ... أضاءَ لها من كوكبِ الحقِّ آفلُهْ

لقد حانَ من يُهدي سُوَيداءَ قلبهِ ... لحدّ سنانٍ في يدِ الله عاملُهْ

إذا مارقٌ بالغدرِ حاولَ غَدْرةً ... فذاك حريٌّ أن تئيمَ حلائلُهْ

وإنْ يبن حيطاناً عليهِ فإنَّما ... أولائكَ عُقَّالاتهُ لا معاقلُهْ

بِيُمْنِ أبي إسحاق طالتْ يدُ الهدى ... وقامتْ قناةُ الدِّينِ واشتدَّ كاهلُهْ

هو البحرُ من أيِّ النَّواحي أتيتهُ ... فَلُجَّتهُ المعروفُ والجودُ ساحلُهْ

تعوَّدَ بسطَ الكفِّ حتَّى لوَ انَّهُ ... دعاها لقبضٍ لم تُجِبْهُ أناملُهْ

ولو لم يكن في كفِّهِ غيرُ نفسهِ ... لجادَ بها فليتَّقِ الله سائلُهْ

البحتري

اللهُ مكَّنَ للخليفةِ جعفرٍ ... ملْكاً يحسِّنُهُ الخليفَةُ جعفرُ

عمَّتْ فواضلكَ البريَّةَ فالتقَى ... فيها المقلُّ على الغِنَى والمكثرُ

بالبرِّ صُمتَ وأنتَ أفضَلُ صائمٍ ... وبسنَّةِ اللهِ الرَّضيَّةِ تفطرُ

فانعمْ بيومِ الفطرِ عيناً إنَّه ... يومٌ أغرُّ منَ الزَّمَانِ مشهَّرُ

أظهرتَ عزَّ الملكِ فيه بجحفلٍ ... لجِبٍ يحاطُ الدِّينُ فيهِ وينصَرُ

خِلنا الجبالَ تسيرُ فيهِ وقد غدتْ ... عدداً يسيرُ بها العديدُ الأكثَرُ

فالخيلُ تصهَلُ والفوارسُ تدَّعي ... والبِيضُ تلمَعُ والأسنَّةُ تزهَرُ

والأرضُ خاشعةٌ تميلُ بثقلِها ... والجوُّ معتكرُ الجوانبِ أغبَرُ

حتَّى انتهيتَ إلى المُصلَّى لابساً ... ثوبَ الهُدى يبدُو عليكَ ويظهَرُ

ومشيتَ مِشيةَ خاشعٍ متواضعٍ ... للهِ لا تزْهى ولا تتكبَّرُ

فلَوَ أنَّ مُشتاقاً تكلَّفَ فوقَ ما ... في وسعِهِ لسَعَى إليكَ المنبَرُ

السَّريُّ الموصليّ من قصيدةٍ:

أعزمتكَ الشّهابُ أمِ النهارُ ... أراحتكَ السّحابُ أمِ البحارُ

خُلقتَ منيّةً ومنىً فأضحتْ ... تمورُ بكَ البسيطةُ أو تمارُ

تُحلّي الدينَ أو تحمي حماهُ ... فأنتَ عليه سورٌ أو سوارُ

سيوفكَ من شُكاةِ الثَّغر برءٌ ... ولكنْ للعدَا فيها بَوارُ

وكفَّاكَ الغمامُ الجَودُ يسري ... وفي أحشائهِ ماءٌ ونارُ

يسارٌ من سجيّتها المَنَايا ... ويُمنى من عطيّتها اليسارُ

حضرْنا والملوكُ له قيامٌ ... تغضُّ نواظراً فيها انكسارُ

وزُرْنا منهُ ليثَ الغابِ طَلْقاً ... ولم نَرَ قبلَهُ ليثاً يُزارُ

فكانَ لجوهرِ المجدِ انتظامٌ ... وكانَ لجوهرِ الجودِ انتثارُ

فعشتَ مخيَّراً لكَ في الأماني ... وكانَ على العدوِّ لكَ الخيارُ

فضيفُكَ للحيا المنهلِّ ضيفٌ ... وجارُكَ للرَّبيعِ الطَّلقِ جارُ

قصيدةٍ:

كالغيثِ يُحيي إنْ همَى والسَّيلِ يُر ... دي إنْ طَمَا والدَّهْرِ يُصمي إنْ رَمَى

شتَّى الخِلال يروحُ إمَّا سالباً ... نِعَمَ العِدا قسراً وإمَّا مُنعما

مثل الشِّهابِ أصابَ فجّاً مُعشباً ... بحريقِهِ وأضاءَ فجّاً مُظلما

أو كالغمامِ الجَوْدِ إن بعثَ الحيا ... أحْيى وإن بعثَ الصَّواعقَ أضْرما

أو كالحسامِ إذا تبسَّم مَتنُهُ ... عَبَس الرَّدَى في حدِّهِ فتجهَّما

كَلِف بدُرّ الحمدِ ينظمُ سلكَهُ ... حتى يُرى عقداً عليهِ مُنظَّما

ويلمُُّ من شَعث العُلا بشمائلٍ ... أحْلى من اللَّعَسِ الممنَّعِ واللَّمى

ولرُبَّ يومٍ لا تزالُ جيادُهُ ... تطأُ الوَشيجَ مخضَّباً ومُحطَّما

ابن زريق

لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ

قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ

جاوَزتِ فِي لَومهُ حَداً أَضَرَّبِهِ

مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ اللَومَ يَنفَعُهُ

فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً

مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ

قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطبِ يَحمِلُهُ

فَضُيَّقَت بِخُطُوبِ الدهرِ أَضلُعُهُ

يَكفِيهِ مِن لَوعَةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُ

مِنَ النَوى كُلَّ يَومٍ ما يُروعُهُ

ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُ

رَأيُ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ

كَأَنَّما هُوَ فِي حِلِّ وَمُرتحلٍ

مُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ

إِنَّ الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنىً

وَلَو إِلى السَدّ أَضحى وَهُوَ يُزمَعُهُ

تأبى المطامعُ إلا أن تُجَشّمه

للرزق كداً وكم ممن يودعُهُ

وَما مُجاهَدَةُ الإِنسانِ تَوصِلُهُ

رزقَاً وَلادَعَةُ الإِنسانِ تَقطَعُهُ

قَد وَزَّع اللَهُ بَينَ الخَلقِ رزقَهُمُ

لَم يَخلُق اللَهُ مِن خَلقٍ يُضَيِّعُهُ

لَكِنَّهُم كُلِّفُوا حِرصاً فلَستَ تَرى

مُستَرزِقاً وَسِوى الغاياتِ تُقنُعُهُ

وَالحِرصُ في الرِزاقِ وَالأَرزاقِ قَد قُسِمَت

بَغِيُ أَلّا إِنَّ بَغيَ المَرءِ يَصرَعُهُ

وَالدهرُ يُعطِي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُه

إِرثاً وَيَمنَعُهُ مِن حَيثِ يُطمِعُهُ

اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغدادَ لِي قَمَراً

بِالكَرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ

وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِي

صَفوَ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ

وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً

وَأَدمُعِي مُستَهِلّاتٍ وَأَدمُعُهُ

لا أَكُذبث اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ

عَنّي بِفُرقَتِهِ لَكِن أَرَقِّعُهُ

إِنّي أَوَسِّعُ عُذري فِي جَنايَتِهِ

بِالبينِ عِنهُ وَقلبي لا يُوَسِّعُهُ

رُزِقتُ مُلكاً فَلَم أَحسِن سِياسَتَهُ

وَكُلُّ مَن لا يُسُوسُ المُلكَ يَخلَعُهُ

وَمَن غَدا لابِساً ثَوبَ النَعِيم بِلا

شَكرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنزَعُهُ

اِعتَضتُ مِن وَجهِ خِلّي بَعدَ فُرقَتِهِ

كَأساً أَجَرَّعُ مِنها ما أَجَرَّعُهُ

كَم قائِلٍ لِي ذُقتُ البَينَ قُلتُ لَهُ

الذَنبُ وَاللَهِ ذَنبي لَستُ أَدفَعُهُ

أَلا أَقمتَ فَكانَ الرُشدُ أَجمَعُهُ

لَو أَنَّنِي يَومَ بانَ الرُشدُ اتبَعُهُ

إِنّي لَأَقطَعُ أيّامِي وَأنفِنُها

بِحَسرَةٍ مِنهُ فِي قَلبِي تُقَطِّعُهُ

بِمَن إِذا هَجَعَ النُوّامُ بِتُّ لَهُ

بِلَوعَةٍ مِنهُ لَيلى لَستُ أَهجَعُهُ

لا يَطمِئنُّ لِجَنبي مَضجَعُ وَكَذا

لا يَطمَئِنُّ لَهُ مُذ بِنتُ مَضجَعُهُ

ما كُنتُ أَحسَبُ أَنَّ الدهرَ يَفجَعُنِي

بِهِ وَلا أَن بِي الأَيّامَ تَفجعُهُ

حَتّى جَرى البَينُ فِيما بَينَنا بِيَدٍ

عَسراءَ تَمنَعُنِي حَظّي وَتَمنَعُهُ

بالله يامنزل القصف الذي درست

اثاره وعفت مذ غبت اربعه

هل الزمان معيد فيك لذتنا

أم الليالي التي مرت وترجعه

فِي ذِمَّةِ اللَهِ مِن أَصبَحَت مَنزلَهُ

وَجادَ غَيثٌ عَلى مَغناكَ يُمرِعُهُ

مَن عِندَهُ لِي عَهدُ لا يُضيّعُهُ

كَما لَهُ عَهدُ صِداقٍ لا أُضَيِّعُهُ

وَمَن يُصَدِّعُ قَلبي ذِكرَهُ وَإِذا

جَرى عَلى قَلبِهِ ذِكري يُصَدِّعُهُ

لَأَصبِرَنَّ لِدهرٍ لا يُمَتِّعُنِي

بِهِ وَلا بِيَ فِي حالٍ يُمَتِّعُهُ

عِلماً بِأَنَّ اِصطِباري مُعقِبُ فَرَجاً

فَأَضيَقُ الأَمرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ

عَل اللَيالي الَّتي أَضنَت بِفُرقَتَنا

جِسمي سَتَجمَعُنِي يَوماً وَتَجمَعُهُ

وَإِن تُنلُّ أَحَدَاً مِنّا مَنيَّتَهُ

فَما الَّذي بِقَضاءِ اللَهِ يَصنَعُهُ


ابن زيدون

أضْحَى التّنائي بَديلاً مِنْ تَدانِينَا،

وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينَا

ألاّ وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ، صَبّحَنا

حَيْنٌ، فَقَامَ بِنَا للحَيْنِ نَاعيِنَا

مَنْ مبلغُ الملبسِينا، بانتزاحِهمُ،

حُزْناً، معَ الدهرِ لا يبلى ويُبْلينَا

غِيظَ العِدا مِنْ تَساقِينا الهوَى فدعَوْا

بِأنْ نَغَصَّ، فَقالَ الدّهرًُ آمينَا

فَانحَلّ ما كانَ مَعقُوداً بأَنْفُسِنَاº

وَانْبَتّ ما كانَ مَوْصُولاً بأيْدِينَا

وَقَدْ نَكُونُ، وَمَا يُخشَى تَفَرّقُنا،

فاليومَ نحنُ، ومَا يُرْجى تَلاقينَا

يا ليتَ شعرِي، ولم نُعتِبْ أعاديَكم،

هَلْ نَالَ حَظّاً منَ العُتبَى أعادينَا

لم نعتقدْ بعدكمْ إلاّ الوفاء لكُمْ

رَأياً، ولَمْ نَتَقلّدْ غَيرَهُ دِينَا

ما حقّنا أن تُقِرّوا عينَ ذي حَسَدٍ

بِنا، ولا أن تَسُرّوا كاشِحاً فِينَا

كُنّا نرَى اليَأسَ تُسْلِينا عَوَارِضُه،

وَقَدْ يَئِسْنَا فَمَا لليأسِ يُغْرِينَا

بِنْتُم وَبِنّا، فَما ابتَلّتْ جَوَانِحُنَا

شَوْقاً إلَيكُمْ، وَلا جَفّتْ مآقِينَا

نَكادُ، حِينَ تُنَاجِيكُمْ ضَمائرُنا،

يَقضي علَينا الأسَى لَوْلا تأسّينَا

حَالَتْ لِفقدِكُمُ أيّامُنا، فغَدَتْ

سُوداً، وكانتْ بكُمْ بِيضاً لَيَالِينَا

إذْ جانِبُ العَيشِ طَلْقٌ من تألُّفِناº

وَمَرْبَعُ اللّهْوِ صَافٍ مِنْ تَصَافِينَا

وَإذْ هَصَرْنَا فُنُونَ الوَصْلِ دانية

ًقِطَافُها، فَجَنَيْنَا مِنْهُ ما شِينَا

ليُسقَ عَهدُكُمُ عَهدُ السّرُورِ فَما

كُنْتُمْ لأروَاحِنَžا إلاّ رَياحينَžا

لا تَحْسَبُوا نَأيَكُمْ عَنّا يغيّرُناº

أنْ طالَما غَيّرَ النّأيُ المُحِبّينَا!

وَاللهِ مَا طَلَبَتْ أهْواؤنَا بَدَلاً

مِنْكُمْ، وَلا انصرَفتْ عنكمْ أمانينَا

يا سارِيَ البَرْقِ غادِ القصرَ وَاسقِ به

مَن كانَ صِرْف الهَوى وَالوُدَّ يَسقينَا

وَاسألْ هُنالِكَ: هَلْ عَنّى تَذكُّرُنا

إلفاً، تذكُّرُهُ أمسَى يعنّينَا؟

وَيَا نسيمَ الصَّبَا بلّغْ تحيّتَنَا

مَنْ لَوْ على البُعْدِ حَيّا كان يحيِينا

فهلْ أرى الدّهرَ يقضينا مساعفَة ً

مِنْهُ، وإنْ لم يكُنْ غبّاً تقاضِينَا

رَبيبُ مُلكٍ، كَأنّ اللَّهَ أنْشَأهُ

مِسكاً، وَقَدّرَ إنشاءَ الوَرَى طِينَا

أوْ صَاغَهُ وَرِقاً مَحْضاً، وَتَوجهُ

مِنْ نَاصِعِ التّبرِ إبْداعاً وتَحسِينَا

إذَا تَأوّدَ آدَتْهُ، رَفاهِيّة ً،

تُومُ العُقُودِ، وَأدمتَهُ البُرَى لِينَا

كانتْ لَهُ الشّمسُ ظئراً في أكِلّته،

بَلْ ما تَجَلّى لها إلاّ أحايِينَا

كأنّما أثبتَتْ، في صَحنِ وجنتِهِ،

زُهْرُ الكَوَاكِبِ تَعوِيذاً وَتَزَيِينَا

ما ضَرّ أنْ لمْ نَكُنْ أكفاءه شرَفاً،

وَفي المَوَدّة ِ كافٍ مِنْ تَكَافِينَا؟

يا رَوْضَة ً طالَما أجْنَتْ لَوَاحِظَنَا

وَرْداً، جَلاهُ الصِّبا غضّاً، وَنَسْرِينَا

ويَا حياة ً تملّيْنَا، بزهرَتِهَا،

مُنى ً ضروبَاً، ولذّاتٍ أفانينَا

ويَا نعِيماً خطرْنَا، مِنْ غَضارَتِهِ،

في وَشْيِ نُعْمَى، سحَبنا ذَيلَه حينَا

لَسنا نُسَمّيكِ إجْلالاً وَتَكْرِمَة ًº

وَقَدْرُكِ المُعْتَلي عَنْ ذاك يُغْنِينَا

إذا انفرَدَتِ وما شُورِكتِ في صِفَة ٍ،

فحسبُنا الوَصْفُ إيضَاحاً وتبْيينَا

يا جنّة َ الخلدِ أُبدِنْنا، بسدرَتِها

والكوثرِ العذبِ، زقّوماً وغسلينَا

كأنّنَا لم نبِتْ، والوصلُ ثالثُنَا،

وَالسّعدُ قَدْ غَضَّ من أجفانِ وَاشينَا

إنْ كان قد عزّ في الدّنيا اللّقاءُ بكمْ

في مَوْقِفِ الحَشرِ نَلقاكُمْ وَتَلْقُونَا

سِرّانِ في خاطِرِ الظّلماءِ يَكتُمُنا،

حتى يكادَ لسانُ الصّبحِ يفشينَا

لا غَرْوَ في أنْ ذكرْنا الحزْنَ حينَ نهتْ

عنهُ النُّهَى، وَتركْنا الصّبْرَ ناسِينَا

إنّا قرَأنا الأسَى، يوْمَ النّوى، سُورَاً

مَكتوبَة ً، وَأخَذْنَا الصّبرَ تَلْقِينَا

أمّا هواكِ، فلمْ نعدِلْ بمَنْهَلِهِ

شُرْباً وَإنْ كانَ يُرْوِينَا فيُظمِينَا

لمْ نَجْفُ أفقَ جمالٍ أنتِ كوكبُهُ

سالِينَ عنهُ، وَلم نهجُرْهُ قالِينَا

وَلا اخْتِياراً تَجَنّبْناهُ عَنْ كَثَبٍ،

لكنْ عَدَتْنَا، على كُرْهٍ، عَوَادِينَا

نأسَى عَليكِ إذا حُثّتْ، مُشَعْشَعَة ً،

فِينا الشَّمُولُ، وغنَّانَا مُغنّينَا

لا أكْؤسُ الرّاحِ تُبدي من شمائِلِنَا

سِيّما ارْتياحٍ، وَلا الأوْتارُ تُلْهِينَا

دومي على العهدِ، ما دُمنا، مُحافِظة ً،

فالحرُّ مَنْ دانَ إنْصافاً كما دينَا

فَما استعضْنا خَليلاً منكِ يحبسُنا

وَلا استفدْنا حبِيباً عنكِ يثنينَا

وَلَوْ صبَا نحوَنَا، من عُلوِ مطلعه،

بدرُ الدُّجى لم يكنْ حاشاكِ يصبِينَا

أبْكي وَفاءً، وَإنْ لم تَبْذُلي صِلَة ً،

فَالطّيفُ يُقْنِعُنَا، وَالذّكرُ يَكفِينَا

وَفي الجَوَابِ مَتَاعٌ، إنْ شَفَعتِ بهِ

بيضَ الأيادي، التي ما زِلتِ تُولينَا

لكِ منّا سَلامُ اللَّهِ ما بَقِيَتْ

صَبَابَة ٌ بِكِ نُخْفِيهَا، فَتَخْفِينَا


سبط ابن التعاويذي

سَقاكِ سارٍ مِنَ الوَسمِيِّ هَتّانُ

وَلا رَقَت لِلغَوادي فيكِ أَجفانُ

يا دارَ لَهوي وَأَطرابي وَمَلعَبِ أَت

رابي وَلِلَّهوِ وَالأَطرابِ أَوطانُ

أَعائِدٌ لي ماضٍ مِن جَديدِ هَوىً

أَبلَيتُهُ وَشَبابٌ فيكِ فَينانُ

إِذِ الرَقيبُ لَنا عَينٌ مُساعِدَةٌ

وَالكاشِحونَ لَنا في الحُبِّ أَعوانُ

وَإِذ جَميلَةُ توليني الجَميلَ وَعِندَ

الغانِياتِ وَراءَ الحُسنِ إِحسانُ

وَلي إِلى البانِ مِن رَملِ الحِمى طَرَبٌ

فَاليَومَ لا الرَملُ يُصبيني وَلا البانُ

وَما عَسا يُدرِكُ المُشتاقُ مِن وَطَرٍ

إِذا بَكى الرَبعَ وَالأَحبابُ قَد بانوا

كانوا مَعاني المَغاني وَالمَنازِلُ أَم

واتٌ إِذا لَم يَكُن فيهِنِّ سُكّانُ

لِلَّهِ كَم قَمَرَت لُبّي بِجَوِّكِ أَق

مارٌ وَكَم غازَلَتني فيكَ غِزلانُ

وَلَيلَةٍ باتَ يَجلو الراحَ مِن يَدِهِ

فيها أَغَنُّ خَفيفُ الروحِ جَذلانُ

خالٍ مِنَ الهَمِّ في خِلخالِهِ حَرَجٌ

فَقَلبُهُ فارِغٌ وَالقَلبُ مَلآنُ

يُذكي الجَوى بارِدٌ مِن ثَغرِهِ شَبِمٌ

وَيوقِظُ الوَجدَ طَرفٌ مِنهُ وَسنانُ

إِن يُمسِ رَيّانَ مِن ماءِ الشَبابِ فَلي

قَلبٌ إِلى ريقِهِ المَعسولِ ظَمآنُ

بَينَ السُيوفِ وَعَينَيهِ مُشارَكَةٌ

مِن أَجلِها قيلَ لِلأَغمادِ أَجفانُ

فَكَيفَ أَصحو غَراماً أَو أُفيقُ هَوىً

وَقَدُّهُ ثَمِلُ الأَعطافِ نَشوانُ

أَفديهِ مِن غَدِرٍ بِالعَهدِ غادَرَني

صُدودُهُ وَدُموعي فيهِ غُدرانُ

في خَدِّهِ وَثَناياهُ وَمُقلَتِهِ

وَفي عِذارَيهِ لِلمَعشوقِ بُستانُ

شَقائِقٌ وَأَقاحٍ نَبتُهُ خَضِلٌ

وَنَرجِسٌ عَبِقٌ غَضٌّ وَرَيحانُ

ما زالَ يَمزُجُ كَأسي مِن مَراشِفِهِ

بِقَهوَةٍ أَنا مِنها الدَهرُ سَكرانُ

وَاللَيلُ تَرمُقُني شَزراً كَواكِبُهُ

كَأَنَّهُ مِن دُنُوّي مِنهُ غَيرانُ

حَتّى تَوالَت تَؤُمُّ الغَربَ جانِحَةً

مِنها إِلَيهِ زَرافاتٌ وَأُحدانُ

كَأَنَّها نَقَدٌ بِالدَوِّ نَفَّرَها

لَمّا بَدا ذَنبُ السِرحانِ سِرحانُ

أَو فَلُّ جَيشٍ عَلى الأَعقابِ مُنهَزِمٍ

مالَت بِأَيديهِمُ لِلطَعنِ خِرصانُ

فَقامَ يَسحَبُ بُرداً ضَوَّعَت عَبَقاً

وَجهَ الثَرى مِنهُ أَذيالٌ وَأَردانُ

شَوطٌ مِنَ العُمرِ أَنضَيتُ الشَبيبَةَ في

مَيدانِهِ فَرَحاً وَالعُمرُ مَيدانُ

أَيّامَ شَرخُ شَبابي وَرَوضَةٌ أُنُفٌ

ما ريعَ مِنهُ بِوَخطِ الشَيبِ رَيعانُ

تَقِرُّ بي عَينُ نَدماني فَها أَنا قَد

أَمسَيتُ ما لي غَيرَ الهَمِّ نَدمانُ

فَلَيتَ شِعري أَراضٍ مَن كَلِفتُ بِهِ

أَم مُعرِضٌ هُوَ عَنّي اليَومَ غَضبانُ

مِن بَعدِ ما صِرتُ في حُبّي لَهُ مَثَلاً

فَسِرُّ وَجدي بِهِ في الناسِ إِعلانُ

وَسارَ مِن غَزَلي فيهِ وَمَدحِ أَمي

رِ المُؤمِنينَ أَبي العَبّاسِ ديوانُ

الناصِرِ الدينَ وَالحامي حِماهُ وَمَن

دانَت لَهُ الثَقَلانُ الإِنسُ وَالجانُ

فَلِلرَعِيَّةِ عَينٌ مِنهُ كَالِئَةٌ

وَلِلخِلافَةِ عَزمٌ مِنهُ يَقظانُ

خَليفَةٌ طاعَةُ الرَحمَنِ طاعَتُهُ

حَقّاً وَعِصيانُهُ لِلَّهِ عِصيانُ

إِذا تَمَسَّكتَ في الدُنيا بِطاعَتِهِ

فَما لِسَعيِكَ عِندَ اللَهِ كُفرانُ

تَسخو بِكُلِّ نَفيسٍ نَفسُهُ وَيَرى

أَنَّ النَفائِسَ لِلعَلياءِ أَثمانُ

رَبُّ الجِيادِ مِنَ النَقع المُثارِ لَها

بَراقِعٌ وَمِنَ الخِطّيِّ أَرسانُ

تَحذو قَوائِمَها التِبرَ النُضارَ فَمِن

نِعالِها لِلمُلوكِ الصيدِ تيجانُ

عِقبانُ خَيلٍ مِنَ الراياتِ تَحمِلُ عِق

باناً وَتَتبَعُها في الجَوِّ عِقبانُ

تُردي الأَعادي عَلَيها حينَ تَبعَثُها

قُبّاً كَما اِنبَعَثَت تَشتَدُّ ذُؤبانُ

فَاِعجَب لِمَيمونَةِ الأَعرافِ ميسَمُها

نَصرٌ وَفيها لِمَن عاداهُ خِذلانُ

لا يُغمِدُ السَيفَ إِلّا في الكَمِيِّ وَلا

يَستَصحِبُ النَصلَ إِلّا وَهوَ عُريانُ

يُذكي الأَسِنَّةَ في لَيلِ العَجاجِ كَما

يُذكى لِباغٍ في القِرى اللَيلِ نيرانُ

تَعشو السِباعُ إِلَيها حينَ يَرفَعُها

ظامي الحَشا وَخَميصُ البَطنِ طَيّانُ

تَستَطعِمُ البيضَ في كَفّيهِ مُحدِقَةً

بِهِ كَما أَحدَقَت بِالبَيتِ ضيفانُ

عَلى خُوانٍ مِنَ القَتلى كَأَنَّهُمُ

عَلى التَبايُنِ مِن حَولَيهِ إِخوانُ

فَيالَهُ مِن مُضيفٍ طالَما عُقِرَت

عَلى مَقاريهِ أَبطالٌ وَأَقرانُ

مُؤَيَّدُ العَزمِ مَنصورُ الكَتائِبِ أَم

لاكُ السَماءِ لَهُ في الأَرضِ أَعوانُ

نَمَتهُ مِن غالِبٍ غُلبٌ غَطارِفَةٌ

بيضُ المَآثِرِ وَالأَحسابِ غُرّانُ

أَئِمَّةٌ فَوقَ أَعوادِ المَنابِرِ أَح

بارٌ وَفي صَهَواتِ الخَيلِ فُرسانُ

صَومُ الهَواجِرِ هَجيراهُمُ وَلَهُم

إِذا سَجا اللَيلُ تَسبيحٌ وَقُرآنُ

حازوا تُراثَ رَسولِ اللَهِ وَاِتَّصَلَت

لَهُم بِدَوحَتِهِ الغَنّاءِ عيدانُ

حَلَفتُ بِالعيسِ أَمثالِ القِسِيِّ عَلى

أَكوارِها كَقِسِيِّ النَبعِ رُكبانُ

كَأَنَّها وَالمَوامي يَرتَمينَ بِها

نَواجِياً تَخبِطُ الظَلماءَ ظِلمانُ

مِن كُلِّ مُجفَرَةِ الجَنبَينِ تامِكَةٍ

كَأَنَّ ما ضَمَّ مِنها الرَحلُ بُنيانُ

أَذابَها لِلسُرى طَوعَ الأَزِمَّةِ إِع

مادٌ وَأَنحَلَها لِلسَيرِ إِدمانُ

حَتّى لَعادَت وَفي أَنساعِها ضُمُراً

مِنها نُسوعٌ وَفي الأَقرانِ أَقرانُ

تُهوي بِكُلِّ مُنيبِ القَلبِ تَحفِرُهُ

تَقِيَّةٌ مِلءُ جَنبَيهِ وَإِيمانُ

شُعثاً يَميلونَ مِن سُكرِ اللُغوبِ كَما

تَمايَلَت في ذُرى الأَحقافِ أَغصانُ

يَرجونَ مَكَّةَ وَالبَيتَ المُحَجَّبَ أَن

يَبدو لَهُم مِنهُ أَستارٌ وَأَركانُ

أَمّوا جَواداً إِذا حَلّوا بِهِ وَسِعَت

ذُنوبَهُم رَحمَةٌ مِنهُ وَرِضوانُ

وَالمُشعَراتِ الهَدايا في أَزِمَّتِها

مِنَ الغَوارِبِ أَنقاءٌ وَكُثبانُ

يَقتادُها في حِبالِ الذُلِّ خاضِعَةً

أَعناقُها أَنَّها لِلَّهِ قُربانُ

صوراً إِلى الشَعَراتِ البيضِ قَد خُضِبَت

مَشافِرٌ بِالدَمِ القاني وَأَدقانُ

لَولا وَلاءُ بَني العَباسِ ما ثَقُلَت

لِمُفلِسٍ مُخسِرٍ في الحَشرِ ميزانُ

أَنتُم وَقَد بَيَّنَ الفُرقانُ فَضلَكُمُ

بَينَ الهُدى وَضَلالِ البَغيِ فُرقانُ

يا ناشِرَ العَدلِ في الدُنيا وَمُنشِرَهُ

وَمَن بِهِ تَفخَرُ الدُنيا وَتَزدانُ

وَموسِعَ الدَهرِ وَالأَيّامُ إِن سَفِهَت

حِلماً يَخِفُّ لَهُ قُدسٌ وَثَهلانُ

لَم يَبقَ لِلجَورِ سُلطانٌ عَلى أَحَدٍ

أَنّى وَأَنتَ لِأَهلِ الأَرضِ سُلطانُ

قالوا القِرانُ وَطوفانُ الهَواءِ لَهُ

بِالشَرِّ عَن كَثَبٍ في الأَرضِ طُغيانُ

أَما لَهُم فيهِ بُرهانٌ وَطائِرُكَ المَيم

ونُ فيهِ لِدَفعِ الشَرِّ بُرهانُ

وَكَيفَ تَسطو اللَيالي أَو يَكونُ لَها

في عَصرِ مِثلِكَ إِرهاقٌ وَعُدوانُ

وَأَنتَ في كُلِّ عُلوِيٍّ لَهُ أَثَرٌ

مُؤَثَّرٌ وَعَلى الطوفانِ طوفانُ

سَعادَةٌ لَو أَحاطَ الخازِمِيُّ بِها

لَعادَ فيما اِدَّعاهُ وَهوَ خَزيانُ

فَاِسعَد بِها دَولَةً غَرّاءَ ما اِدَّرَعَت

بِمِثلِها حَميَرٌ قِدَماً وَساسانُ

وَاِسلَم تَدومُ لَكَ النُعمى فَإِنَّكَ ما

سَلِمتَ في جَذَلٍ فَالدَهرُ جَذلانُ

لا زِلتَ بَدرَ السَماءِ يَستَضِئُ بِهِ

وَيَهتَدي مُظلِمٌ مِنّا وَحَيرانُ

وَلا سَعى لَكَ صَرفُ الدَهرِ في حُرُمٍ

وَلا رَأى وَجهُ مَن يَرجوكَ حِرمانُ

ابن الرقعمق

قد سمعنا مقاله واعتذاره

وأقلناه ذنبه وعثاره

والمعاني لمن عنيت ولكن

بك عرضت فاسمعي يا جاره

من مراديه أنه أبد الده

ر تراه محللاً أزراره

عالم أنه عذاب من الل

ه مباح لأعين النظارة

هتك الله ستره فلكم هت

ك من ذي تستر أستاره

سحرتني ألحاظه وكذا ك

ل مليح لحاظه سحاره

وما على مؤثر التباعد والإع

راض لو آثر الرضى والزياره

وعلى أنني وإن كان قد عذ

ب بالهجر مؤثر إيثاره

لم أزل لا عدمته من حبيب

أشتهي قربه وآبى نفاره

لم يدع للعزيز في سائر الأر

ض عدواً إلا وأخمد ناره

فلهذا اجتباه دون سواه

واصطفاه لنفسه واختاره

لم تشيد له الوزارة مجداً

لا ولا قيل رفعت مقداره

بل كساها وقد تخرمها الده

ر جلالاً وبهجةً ونضاره

كل يوم له علىنوب الده

ر وكر الخطوب بالبذل غاره

ذو يد شأنها الفرار من البخ

ل وفي حومة الوغى كراره

هي فلت عن العزيز عداه

بالعطايا وكثرت أنصاره

هكذا كل فاضل يده تم

سي وتضحي نفاعة ضراره

فاستجره فليس يأمن إلا

من تفيا بظله واستجاره

فإذا ما رأيته مطرقاً يع

مل فيما يريده أفكاره

لم يدع بالذكاء والذهن شيئاً

في ضمير الغيوب إلا أناره

لا ولا موضعاً من الأرض إلا

كان بالرأي مدركاً أقطاره

زاده الله بسطة وكفاه

خوفه من زمانه وحذاره

ابن خفاجة

بَعَيشِكَ هَل تَدري أَهوجُ الجَنائِبِ

تَخُبُّ بِرَحلي أَم ظُهورُ النَجائِبِ

فَما لُحتُ في أولى المَشارِقِ كَوكَباً

فَأَشرَقتُ حَتّى جِئتُ أُخرى المَغارِبِ

وَحيداً تَهاداني الفَيافي فَأَجتَلي

وَجوهَ المَنايا في قِناعِ الغَياهِبِ

وَلا جارَ إِلّا مِن حُسامٍ مُصَمَّمٍ

وَلا دارَ إِلّا في قُتودِ الرَكائِبِ

وَلا أُنسَ إِلّا أَن أُضاحِكَ ساعَةً

ثُغورَ الأَماني في وُجوهِ المَطالِبِ

وَلَيلٍ إِذا ماقُلتُ قَد بادَ فَاِنقَضى

تَكَشَّفَ عَن وَعدٍ مِنَ الظَنِّ كاذِبِ

سَحَبتُ الدَياجي فيهِ سودَ ذَوائِبٍ

لِأَعتَنِقَ الآمالَ بيضَ تَرائِبِ

فَمَزَّقتُ جَيبَ اللَيلِ عَن شَخصِ أَطلَسٍ

تَطَلَّعَ وَضّاحَ المَضاحِكِ قاطِبِ

رَأَيتُ بِهِ قِطعاً مِنَ الفَجرِ أَغبَشاً

تَأَمَّلَ عَن نَجمٍ تَوَقَّدَ ثاقِبِ

وَأَرعَنَ طَمّاحِ الذُؤابَةِ باذِخٍ

يُطاوِلُ أَعنانَ السَماءِ بِغارِبِ

يَسُدُّ مَهَبَّ الريحِ عَن كُلِّ وُجهَةٍ

وَيَزحَمُ لَيلاً شُهبَهُ بِالمَناكِبِ

وَقورٍ عَلى ظَهرِ الفَلاةِ كَأَنّهُ

طِوالَ اللَيالي مُفَكِّرٌ في العَواقِبِ

يَلوثُ عَلَيهِ الغَيمُ سودَ عَمائِمٍ

لَها مِن وَميضِ البَرقِ حُمرُ ذَوائِبِ

أَصَختُ إِلَيهِ وَهوَ أَخرَسُ صامِتٌ

فَحَدَّثَني لَيلُ السُرى بِالعَجائِبِ

وَقالَ أَلا كَم كُنتُ مَلجَأَ قاتِلٍ

وَمَوطِنَ أَوّاهٍ تَبَتَّلَ تائِبِ

وَكَم مَرَّ بي مِن مُدلِجٍ وَمُؤَوِّبٍ

وَقالَ بِظِلّي مِن مَطِيٍّ وَراكِبِ

وَلاطَمَ مِن نُكبِ الرِياحِ مَعاطِفي

وَزاحَمَ مِن خُضرِ البِحارِ غَوارِبي

فَما كانَ إِلّا أَن طَوَتهُم يَدُ الرَدى

وَطارَت بِهِم ريحُ النَوى وَالنَوائِبِ

فَما خَفقُ أَيكي غَيرَ رَجفَةِ أَضلُعٍ

وَلا نَوحُ وُرقي غَيرَ صَرخَةِ نادِبِ

وَما غَيَّضَ السُلوانَ دَمعي وَإِنَّما

نَزَفتُ دُموعي في فِراقِ الصَواحِبِ

فَحَتّى مَتى أَبقى وَيَظعَنُ صاحِبٌ

أُوَدِّعُ مِنهُ راحِلاً غَيرَ آيِبِ

وَحَتّى مَتى أَرعى الكَواكِبَ ساهِراً

فَمِن طالِعٍ أُخرى اللَيالي وَغارِبِ

فَرُحماكَ يا مَولايَ دِعوَةَ ضارِعٍ

يَمُدُّ إِلى نُعماكَ راحَةَ راغِبِ

فَأَسمَعَني مِن وَعظِهِ كُلَّ عِبرَةٍ

يُتَرجِمُها عَنهُ لِسانُ التَجارِبِ

فَسَلّى بِما أَبكى وَسَرّى بِما شَجا

وَكانَ عَلى عَهدِ السُرى خَيرَ صاحِبِ

وَقُلتُ وَقَد نَكَّبتُ عَنهُ لِطِيَّةٍ

سَلامٌ فَإِنّا مِن مُقيمٍ وَذاهِبِ

صردر

أكذا يُجازَى ودُّ كلّ قرينِ

أم هذه شيمُ الظباءِ العِين

قُصًّوا علىَّ حديث من قتَلَ الهوى

إن التأسِّىَ رَوْحُ كلِّ حزينِ

ولئن كتمتم مشفقين فقُدوتى

بمصارع العُذرىِّ والمجنونِ

فوق الركابِ ولا أطيل مشبِّها

بَلْ ثَمَّ شهوةُ أنفسٍ وعيونِ

هُزتَّ قدودُهُمُ وقالت للصَّبا

هُزأً أعند البان مثلُ غصونى

وكأنما نقَلتْ مآزرُهم إلى

جَدَد الحمى الأنقاءَ من يبريَن

ووراء ذياك المقبَّلِ موردٌ

حصباؤه من لؤلؤ مكنونٍ

إِمّا بيوت النحل بين شفاههم

مضمومةً أو حانةُ الزَّرَجونِ

ترمِى بعينيك الفِجاجَ مقلِّبا

ذاتَ الشِّمال بها وذاتَ يمينِ

لو كنتَ زرقاء اليمامة ما رأت

من بارق حيّاً على جَيْروِن

شكواك من ليل النِّمام وإنما

أرَقى بليل ذوائبٍ وقرونِ

ومعنِّف في الوجد قلت له اتئد

فالدمعُ دمعى والحنينُ حنينى

ما نافعي إذا كان ليس بنافعي

جاهُ الصبا وشفاعةُ العشرينِ

لا تُطرِقن خجلا للومةِ لائم

ما أنت أوّلُ حازمٍ مفتونِ

أأسومهم وهم الأجانب طاعةً

وهواى بين جوانحى يُصبينى

دَيْنى على ظَبيَاتهم ما يُقتضَى

فبأىّ حُكْمٍ يقتضون رهونى

وخشِيتُ من قلبي الفِرارَ إليهمُ

حتى لقد طالبتُه بضمينِ

كلَّ النّكال أطيق إلا ذِلّةً

إنَّ العزيزَ عذابُه بالهونِ

يا عينُ مثلُ قَذاكِ رؤيُة معشرٍ

عارٍ على ديناهُمُ والدّينِ

لم يُشبهوا الإنسانَ إلا أنهم

متكوّنون من الحَما المسنونِ

نَجَسُ العيون فإن رأتهم مقلتى

طهَّرتُها فنزحتُ ماءَ جفونى

أنا إن هُمُ الذخائر دونهم

وهُمُ إذا عدّوا الفضائلَ دونى

لا يُشمِت الحسَّادَ أنَّ مطالبي

عادت إلىَّ بصفقةِ المغبونِ

لا يستديرُ البدرُ إلاّ بعد ما

أبصرتُه في الضُّمر كالعُرجونِ

هذا الطريقُ اللَّحْبُ زاجرُ ناقتى

واليمُّ قاذفُ فُلكىَ المشحونِ

فإذا عميدُ الملك حلاَّ ربعه

ظَفِرَا بفال الطائر الميمونِ

مَلكٌ إذا ما العزمُ حثَّ جيادَه

مرِحتْ بأزهرَ شامخِ العِرنينِ

يا عزَّ ما أبصرتُ فوق جبينه

إلا اقتضانى بالسجودِ جبينى

يجلو النواظرَ في نواحى دَسْته

والسرجِ بدرُ دجىً وليثُ عرين

عمَّت فواضلُه البريّةَ فالتقىَ

شكرُ الغنىِّ ودعوةُ المسكينِ

قالوا وقد شنُّوا عليه غارةً

أصِلاتُ جودٍ أم قضاءُ ديونِ

أمّا خزائنُ مالِهِ فمباحةٌ

فاستوهِبوا من علمه المحزونِ

كرمٌ إذا استفتيته فجوابهُ

منْعُ اللُّهَى كالمنع للماعونِ

ما الرزق محتاجا بعرصته إلى

طلبٍ وليس الأجرُ بالممنونِ

لو كان في الزمن القديم تظلَّمت

منه الكنوزُ إلى يدَىْ قارونِ

وإذا امرؤ قعدت به همَّاتُه

خلىَّ سبيلَ رجائِه المسجونِ

أقسمتُ أن ألقىَ المكارمَ عالما

أنِّى برؤيته أبَرُّ يمينى

شهِدتْ علاه أنَّ عنصُرَ ذاتهِ

مِسكٌ وعنصُرَ غيره من طينِ

ساس الأمورَ فليس تُخلَى رغبةٌ

من رهبة وبسالةٌ من لينِ

كالسيف رونقُ أَثْرِهِ في متنهِ

ومضاؤه في حدِّه المسنونِ

البحتري

صُنتُ نَفسي عَمّا يُدَنِّسُ نَفسي

وَتَرَفَّعتُ عَن جَدا كُلِّ جِبسِ

وَتَماسَكتُ حينَ زَعزَعَني الدَه

رُ التِماسًا مِنهُ لِتَعسي وَنَكسي

بُلَغٌ مِن صُبابَةِ العَيشِ عِندي

طَفَّفَتها الأَيّامُ تَطفيفَ بَخسِ

وَبَعيدٌ مابَينَ وارِدِ رِفَهٍ

عَلَلٍ شُربُهُ وَوارِدِ خِمسِ

وَكَأَنَّ الزَمانَ أَصبَحَ مَحمو

لًا هَواهُ مَعَ الأَخَسِّ الأَخَسِّ

وَاشتِرائي العِراقَ خُطَّةُ غَبنٍ

بَعدَ بَيعي الشَآمَ بَيعَةَ وَكسِ

لاتَرُزني مُزاوِلًا لِاختِباري

بَعدَ هَذي البَلوى فَتُنكِرَ مَسّي

وَقَديمًا عَهِدَتني ذا هَناتٍ

آبِياتٍ عَلى الدَنِيّاتِ شُمسِ

وَلَقَد رابَني ابنُ عَمّي

بَعدَ لينٍ مِن جانِبَيهِ وَأُنسِ

وَإِذا ماجُفيتُ كُنتُ جَديرًا

أَن أَرى غَيرَ مُصبِحٍ حَيثُ أُمسي

حَضَرَت رَحلِيَ الهُمومُ فَوَجَّه

تُ إِلى أَبيَضَ المَدائِنِ عَنسي

أَتَسَلّى عَنِ الحُظوظِ وَآسى

لِمَحَلٍّ مِن آلِ ساسانَ دَرسِ

أَذكَرتِنيهُمُ الخُطوبُ التَوالي

وَلَقَد تُذكِرُ الخُطوبُ وَتُنسي

وَهُمُ خافِضونَ في ظِلِّ عالٍ

مُشرِفٍ يَحسِرُ العُيونَ وَيُخسي

مُغلَقٍ بابُهُ عَلى جَبَلِ القَب

قِ إِلى دارَتَي خِلاطَ وَمُكسِ

حِلَلٌ لَم تَكٌ كَأَطلالِ سُعدى

في قِفارٍ مِنَ البَسابِسِ مُلسِ

وَمَساعٍ لَولا المُحاباةُ مِنّي

لَم تُطِقها مَسعاةُ عَنسٍ وَعَبسِ

نَقَلَ الدَهرُ عَهدَهُنَّ عَنِ ال

جِدَّةِ حَتّى رَجَعنَ أَنضاءَ لُبسِ

فَكَأَنَّ الجِرمازَ مِن عَدَمِ الأُن

سِ وَإِخلالِهِ بَنِيَّةُ رَمسِ

لَو تَراهُ عَلِمتَ أَنَّ اللَيالي

جَعَلَت فيهِ مَأتَمًا بَعدَ عُرسِ

وَهوَ يُنبيكَ عَن عَجائِبِ قَومٍ

لايُشابُ البَيانُ فيهِم بِلَبسِ

وَإِذا مارَأَيتَ صورَةَ أَنطا

كِيَّةَ اِرتَعتَ بَينَ رومٍ وَفُرسِ

وَالمَنايا مَواثِلٌ وَأَنوشَر

وانَ يُزجى الصُفوفَ تَحتَ الدِرَفسِ

في اخضِرارٍ مِنَ اللِباسِ عَلى أَص

فَرَ يَختالُ في صَبيغَةِ وَرسِ

وَعِراكُ الرِجالِ بَينَ يَدَيهِ

في خُفوتٍ مِنهُم وَإِغماضِ جَرسِ

مِن مُشيحٍ يَهوى بِعامِلِ رُمحٍ

وَمُليحٍ مِنَ السِنانِ بِتُرسِ

تَصِفُ العَينُ أَنَّهُم جِدُّ أَحيا

ءٍ لَهُم بَينَهُم إِشارَةُ خُرسِ

يَغتَلي فيهِم ارتِابي حَتّى

تَتَقَرّاهُمُ يَدايَ بِلَمسِ

قَد سَقاني وَلَم يُصَرِّد أَبو الغَو

ثِ عَلى العَسكَرَينِ شَربَةَ خُلسِ

مِن مُدامٍ تَظُنُّها وَهيَ نَجمٌ

ضَوَّأَ اللَيلَ أَو مُجاجَةُ شَمسِ

وَتَراها إِذا أَجَدَّت سُرورًا

وَارتِياحًا لِلشارِبِ المُتَحَسّي

أُفرِغَت في الزُجاجِ مِن كُلِّ قَلبٍ

فَهيَ مَحبوبَةٌ إِلى كُلِّ نَفسِ

وَتَوَهَّمتُ أَنَّ كِسرى أَبَروي

زَ مُعاطِيَّ وَالبَلَهبَذَ أُنسي

حُلُمٌ مُطبِقٌ عَلى الشَكِّ عَيني

أَم أَمانٍ غَيَّرنَ ظَنّي وَحَدسي

وَكَأَنَّ الإيوانَ مِن عَجَبِ الصَن

عَةِ جَوبٌ في جَنبِ أَرعَنَ جِلسِ

يُتَظَنّى مِنَ الكَآبَةِ إِذ يَب

دو لِعَينَي مُصَبِّحٍ أَو مُمَسّي

مُزعَجًا بِالفِراقِ عَن أُنسِ إِلفٍ

عَزَّ أَو مُرهَقًا بِتَطليقِ عِرسِ

عَكَسَت حَظُّهُ اللَيالي وَباتَ ال

مُشتَري فيهِ وَهوَ كَوكَبُ نَحسِ

فَهوَ يُبدي تَجَلُّدًا وَعَلَيهِ

كَلكَلٌ مِن كَلاكِلِ الدَهرِ مُرسي

لَم يَعِبهُ أَن بُزَّ مِن بُسُطِ الدي

باجِ وَاستَلَّ مِن سُتورِ المَقسِ

مُشمَخِّرٌ تَعلو لَهُ شُرُفاتٌ

رُفِعَت في رُؤوسِ رَضوى وَقُدسِ

لابِساتٌ مِنَ البَياضِ فَما تُب

صِرُ مِنها إِلّا غَلائِلَ بُرسِ

لَيسَ يُدرى أَصُنعُ إِنسٍ لِجِنٍّ

سَكَنوهُ أَم صُنعُ جِنٍّ لِإِنسِ

غَيرَ أَنّي أراه يَشهَدُ أَن لَم

يَكُ بانيهِ في المُلوكِ بِنِكسِ

فَكَأَنّي أَرى المَراتِبَ وَالقَو

مَ إِذا ما بَلَغتُ آخِرَ حِسّي

وَكَأَنَّ الوُفودَ ضاحينَ حَسرى

مِن وُقوفٍ خَلفَ الزِحامِ وَخِنسِ

وَكَأَنَّ القِيانَ وَسطَ المَقاصي

رِ يُرَجِّعنَ بَينَ حُوٍ وَلُعسِ

وَكَأَنَّ اللِقاءَ أَوَّلَ مِن أَم

سِ وَوَشكَ الفِراقِ أَوَّلَ أَمسِ

وَكَأَنَّ الَّذي يُريدُ اتِّباعًا

طامِعٌ في لُحوقِهِم صُبحَ خَمسِ

عُمِّرَت لِلسُرورِ دَهرًا فَصارَت

لِلتَعَزّي رِباعُهُم وَالتَأَسّي

فَلَها أَن أُعينَها بِدُموعٍ

موقَفاتٍ عَلى الصَبابَةِ حُبسِ

ذاكَ عِندي وَلَيسَت الدارُ داري

باِقتِرابٍ مِنها وَلا الجِنسُ جِنسي

غَيرَ نُعمى لِأَهلِها عِندَ أَهلي

غَرَسوا مِن زَكائِها خَيرَ غَرسِ

أَيَّدوا مُلكَنا وَشَدّوا قُواهُ

بِكُماةٍ تَحتَ السَنَّورِ حُمسِ

وَأَعانوا عَلى كَتائِبِ أَريا

طَ بِطَعنٍ عَلى النُحورِ وَدَعسِ

وَأَراني مِن بَعدُ أَكلَفُ بِالأَش

رافِ طُرًّا مِن كُلِّ سِنخِ وَأُسِّ

سَلامٌ عَلَيْكُمْ، لا وَفَاءٌ وَلاَ عَهْدُ،

أما لَكُمُ من هَجرِ أحبابكُمْ بُدُّ

أأحبَابَنا قَدْ أنجَزَ البَينُ وَعْدَهُ

وَشيكاً، وَلمْ يُنْجَزْ لنَا منكُمُ وَعْدُ

أأطلالَ دارِ العَامرِيّةِ باللّوَى،

سَقَتْ رَبعَكِ الأنوَاءُ، ما فعلَتْ هندُ؟

أدَارَ اللّوَى بَينَ الصريمَةِ والحمَى،

أمَا للهّوَى، إلاّ رَسيسُ الجَوَى قَصْدُ

بنَفْسِيَ مَنْ عَذّبْتُ نَفسِي بحُبّهِ،

وإنْ لمْ يكُنْ منهُ وِصَالٌ، وَلاَ وِدّ

حَبيبٌ مَنِ الأحبابِ شطّتْ بهِ النّوَى،

وأيُّ حَبيبٍ ما أتَى دونَهُ البُعْدُ

إذا جُزْتَ صَحْرَاءَ الغُوَيْرِ مُغَرِّباً،

وَجَازَتْكَ بَطْحَاءُ السّوَاجيرِ يا سَعْدُ

فقُلْ لبَني الضّحّاكِ: مَهْلاً، فإنّني

أنا الأُفْعُوَانُ الصِّلُّ والضّيغمُ الوَرْدُ

بَني واصلٍ مَهْلاً، فإنّ ابنَ أُختكم

لَهُ عَزَماتٌ هَزْلُ آرَائهَا جِدّ

متى هِجْتُمُوهُ لا تَهيجوا سوَى الرّدى،

وإنْ كانَ خِرْقاً ما يُحَلُّ لَهُ عَقْدُ

مَهيباً كَنَصْلِ السّيفِ لوْ قذفت بهِ

ذُرَى أجإٍ ظَلّتْ وأعلامُه وَهْدُ

يَوَدُّ رِجَالٌ أنّني كُنتُ بَعضَ مَنْ

طَوَتْهُ المنايا، لا أرُوحُ وَلا أغدُو

وَلَوْلا احتمَالي ثِقْلَ كُلّ مُلمّةٍ،

تَسُوءُ الأعادي، لم يَوَدّوا الذي وَدّوا

ذَرِيني وإيّاهُمْ، فحَسبي صَرَيمَتي

إذا الحَرْبُ لمْ يُقدَحْ لمُخْمِدِها زَنْدُ

وَلي صَاحبٌ عَضْبُ المَضَارِبِ صَارِمٌ،

طَوِيلُ النِجَادٍ، ما يُفَلُّ لَهُ حَدّ

وَبَاكِيَةٍ تَشْكُو الفرَاقَ بأدْمُعٍ

تُبَادِرَها سَحّاً، كَمَا انتَثَرَ العِقْدُ

رَشَادَكِ لا يُحْزِنْكِ بَينُ ابنِ همّةٍ

يَتُوقُ إلى العَلْيَاءِ لَيسَ لَهُ نِدّ

فَمَنْ كَانَ حُرّاً فَهْوَ للعَزْمِ والسُّرَى،

وَللّيلِ من أفعالِهِ، والكَرَى عَبدُ

وَلَيْلٍ، كأنّ الصّبحَ في أُخرَيَاتهِ،

حُشَاشَةُ نَصْلٍ، ضَمّ إفرِندَهُ غِمدُ

تَسَرْبَلْتُهُ والذّئْبُ وَسْنانُ هاجِعٌ،

بعَينِ ابنِ لَيلٍ، ما لهُ بالكَرَى عهدُ

أُثيرُ القَطا الكُدْرِيَّ عَنْ جَثَماتهِ،

وَتألَفُني فيهِ الثّعَالبُ، والرُّبْدُ

وأطْلَسَ مِلْءِ العَينِ يَحملُ زَوْرَهُ،

وأضْلاعُهُ منْ جَانبَيْهِ شَوًى نَهْدُ

لَهُ ذَنَبٌ مثلُ الرِّشَاءِ يَجُرّهُ،

وَمَتنٌ كَمَتنِ القَوْسِ أعوَجُ، مُنْأدّ

طَوَاهُ الطّوَى حَتّى استَمَرّ مَرِيرُهُ،

فَما فيهِ إلاّ العَظْمُ والرّوحُ والجِلْدُ

يُقَضْقِضُ عُصْلاً، في أسرّتها الرّدى،

كَقَضْقَضَةِ المَقْرُورِ، أرْعدَهُ البَرْدُ

سَمَا لي، وَبي منْ شدّةِ الجوعِ ما به،

ببَيداءَ لمْ تحسسْ بها عَيشَةٌ رَغْدُ

كلانا بها ذِئْبٌ يُحَدّثُ نَفْسَهُ

بصَاحبهِ، والجَدُّ يُتْعِسُهُ الجَدّ

عوَى ثمّ أقْعَى، وارتَجَزْتُ، فهِجْتُه،

فأقْبَلَ مثْلَ البَرْقِ يَتْبَعُهُ الرّعْدُ

فأوْجَرْتُهُ خَرْقَاءَ، تَحسبُ رِيشَها

على كوْكبٍ يَنقَضُّ واللّيلُ مُسوَدّ

فَما ازْدادَ إلاّ جُرْأةً وَصَرَامَةً،

وأيْقَنْتُ أنّ الأمْرَ منْهُ هوَ الجِدّ

فأتْبَعْتُهَا أُخرَى، فأضْلَلْتُ نَصْلَها

بحَيثُ يكونُ اللُّبُّ والرُّعبُ والحِقْدُ

فَخَرّ وَقَدْ أوْرَدْتُهُ مَنهَلَ الرّدَى

على ظَمَإٍ، لَوْ أنّهُ عَذُبَ الوِرْدُ

وَقُمْتُ فجَمّعتُ الحَصَى، فاشتَوَيتُه

عَلَيْهِ، وللرّمضَاءِ من تحته وَقْدُ

وَنلْتُ خَسيساً منهُ، ثمّ تَرَكْتُهُ،

وأقْلَعْتُ عَنهُ، وَهْوَ مُنْعَفِرٌ فَرْدُ

لَقَدْ حَكَمَتْ فينا اللّيالي بجَوْرِها،

وَحُكمُ بَناتِ الدّهرِ لَيسَ لَهُ قَصْدُ

أفي العَدلِ أنْ يَشقَى الكَرِيمُ بجَوْرِها،

ويأخُذَ منها صَفوَها القُعدُدُ الوَغْدُ

ذَرِينيَ من ضَرْبِ القِداحِ على السُّرَى،

فعَزْميَ لا يَثنيهِ نَحسٌ، ولا سَعدُ

سأحملُ نَفْسِي عندَ كلّ مُلمّةٍ

على مثلِ حدّ السّيفِ أخلَصَهُ الهندُ

ليَعْلَمَ مَنْ هَابَ السُّرى خَشيةَ الرّدى

بأنّ قَضَاءَ الله لَيسَ لَهُ رَدّ

فإنْ عشتُ مَحموداً فمثلي بغَى الغنى

ليَكسِبَ مالاً، أو يُنَثَّ لَهُ حَمْدُ

وإنْ مُتُّ لمْ أظفَرْ، فلَيسَ على امرِىءٍ

غَدا طالباً، إلاّ تَقَصّيهِ، والجُهْدُ


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التذكرة