ديوان المتنبي


قافية الهمزة

قال — وقد طلب إليه سيف الدولة إجازة أبيات لأبي ذر سهل بن محمد الكاتب:١
الْقَلْبُ أَعْلَمُ يَا عَذُولُ بِدَائِهِ
 
وَأَحَقُّ مِنْكَ بِجَفْنِهِ وَبِمَائِهِ٢
فَوَمَنْ أُحِبُّ لَأَعْصِيَنَّكَ فِي الْهَوَى
 
قَسَمًا بِهِ وَبِحُسْنِهِ وَبَهَائِهِ٣
أَأُحِبُّهُ وَأُحِبُّ فِيهِ مَلَامَةً
 
إِنَّ الْمَلَامَةَ فِيهِ مِنْ أَعْدَائِهِ٤
عَجِبَ الْوُشَاةُ مِنَ اللُّحَاةِ وَقَوْلِهِمْ
 
دَعْ مَا بَرَاكَ ضَعُفْتَ عَنْ إِخْفَائِهِ٥
مَا الْخِلُّ إِلَّا مَنْ أَوَدُّ بِقَلْبِهِ
 
وَأَرَى بِطَرْفٍ لَا يَرَى بِسِوَائِهِ٦
إِنَّ الْمُعِينَ عَلَى الصَّبَابَةِ بِالْأَسَى
 
أَوْلَى بِرَحْمَةِ رَبِّهَا وَإِخَائِهِ٧
مَهْلًا فَإِنَّ الْعَذْلَ مِنْ أَسْقَامِهِ
 
وَتَرَفُّقًا فَالسَّمْعُ مِنْ أَعْضَائِهِ٨
وَهَبِ الْمَلَامَةَ فِي اللَّذَاذَةِ كَالْكَرَى
 
مَطْرُودَةً بِسُهَادِهِ وَبُكَائِهِ٩
لَا تَعْذُلِ الْمُشْتَاقَ فِي أَشْوَاقِهِ
 
حَتَّى يَكُونَ حَشَاكَ فِي أَحْشَائِهِ١٠
إِنَّ الْقَتِيلَ مُضَرَّجًا بِدُمُوعِهِ
 
مِثْلُ الْقَتِيلِ مُضَرَّجًا بِدِمَائِهِ١١
وَالْعِشْقُ كَالْمَعْشُوقِ يَعْذُبُ قُرْبُهُ
 
لِلْمُبْتَلَى وَيَنَالُ مِنْ حَوْبَائِهِ١٢
لَوْ قُلْتَ لِلدَّنِفِ الْحَزِينِ فَدَيْتُهُ
 
مِمَّا بِهِ لَأَغَرْتَهُ بِفِدَائِهِ١٣
وُقِيَ الْأَمِيرُ هَوَى الْعُيُونِ فَإِنَّهُ
 
مَا لَا يَزُولُ بِبَأْسِهِ وَسَخَائِهِ١٤
يَسْتَاسِرُ الْبَطَلُ الْكَمِيَّ بِنَظْرَةٍ
 
وَيَحُولُ بَيْنَ فُؤَادِهِ وَعَزَائِهِ١٥
إِنِّي دَعَوْتُكَ لِلنَّوَائِبِ دَعْوَةً
 
لَمْ يُدْعَ سَامِعُهَا إِلَى أَكْفَائِهِ١٦
فَأَتَيْتَ مِنْ فَوْقِ الزَّمَانِ وَتَحْتِهِ
 
مُتَصَلْصِلًا وَأَمَامِهِ وَوَرَائِهِ١٧
مَنْ لِلسُّيُوفِ بِأَنْ تَكُونَ سَمِيَّهَا
 
فِي أَصْلِهِ وَفِرِنْدِهِ وَوَفَائِهِ١٨
وَعَلِيٌّ الْمَطْبُوعُ مِنْ آبَائِهِ١٩

واستزاده سيف الدولة فقال أيضًا:

عَذْلُ الْعَوَاذِلِ حَوْلَ قَلْبِ التَّائِهِ
 
وَهَوَى الْأَحِبَّةِ مِنْهُ فِي سَوْدَائِهِ٢٠
يَشْكُو الْمَلَامُ إِلَى اللَّوَائِمِ حَرَّهُ
 
وَيَصُدُّ حِينَ يَلُمْنَ عَنْ بُرَحَائِهِ٢١
وَبِمُهْجَتِي يَا عَاذِلِي الْمَلِكُ الَّذِي
 
أَسْخَطْتُ كُلَّ النَّاسِ فِي إِرْضَائِهِ٢٢
إِنْ كَانَ قَدْ مَلَكَ الْقُلُوبَ فَإِنَّهُ
 
مَلَكَ الزَّمَانَ بِأَرْضِهِ وَسَمَائِهِ٢٣
الشَّمْسُ مِنْ حُسَّادِهِ وَالنَّصْرُ مِنْ
 
قُرَنَائِهِ وَالسَّيْفُ مِنْ أَسْمَائِهِ٢٤
أَيْنَ الثَّلَاثَةُ مِنْ ثَلَاثِ خِلَالِهِ
 
مِنْ حُسْنِهِ وَإِبَائِهِ وَمَضَائِهِ٢٥
مَضَتِ الدُّهُورُ وَمَا أَتَيْنَ بِمِثْلِهِ
 
وَلَقَدْ أَتَى فَعَجَزْنَ عَنْ نُظَرَائِهِ٢٦

وقال يمدح الحسين بن إسحاق التنوخي، وكان قوم قد هَجَوْه، وعزوا الهجاء إلى أبي الطيب فكتب إليه يعاتبه، فكتب أبو الطيب إليه:

أَتُنْكِرُ يَا ابْنَ إِسْحَاقٍ إِخَائِي
 
وَتَحْسَبُ مَاءَ غَيْرِي مِنْ إِنَائِي٢٧
أَأَنْطِقُ فِيكَ هُجْرًا بَعْدَ عِلْمِي
 
بِأَنَّكَ خَيْرُ مَنْ تَحْتَ السَّمَاءِ٢٨
وَأَكْرَهُ مِنْ ذُبَابِ السَّيْفِ طَعْمًا
 
وَأَمْضَى فِي الْأُمُورِ مِنَ الْقَضَاءِ٢٩
وَمَا أَرْبَتْ عَلَى الْعِشْرِينَ سِنِّي
 
فَكَيْفَ مَلِلْتُ مِنْ طُولِ الْبَقَاءِ٣٠
وَمَا اسْتَغْرَقْتُ وَصْفَكَ فِي مَدِيحِي
 
فَأَنْقُصَ مِنْهُ شَيْئًا بِالْهِجَاءِ٣١
وَهَبْنِي قُلْتُ هَذَا الصُّبْحُ لَيْلٌ
 
أَيَعْمَى الْعَالِمُونَ عَنِ الضِّيَاءِ٣٢
تُطِيعُ الْحَاسِدِينَ وَأَنْتَ مَرْءٌ
 
جُعِلْتُ فِدَاءَهُ وَهُمُ فِدَائِي٣٣
وَهَاجِي نَفْسِهِ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ
 
كَلَامِي مِنْ كَلَامِهِمِ الْهُرَاءِ٣٤
وَإِنَّ مِنَ الْعَجَائِبِ أَنْ تَرَانِي
 
فَتَعْدِلَ بِي أَقَلَّ مِنَ الْهَبَاءِ٣٥
وَتُنْكِرَ مَوْتَهُمُ وَأَنَا سُهَيْلٌ
 
طَلَعْتُ بِمَوْتِ أَوْلَادِ الزِّنَاءِ٣٦
وقال يمدح أبا علي هارون بن عبد العزيز الأوراجي الكاتب، وكان يذهب إلى التصوف٣٧.
أَمِنَ ازْدِيَاركِ فِي الدُّجَى الرُّقَبَاءُ
 
إِذْ حَيْثُ أَنْتِ مِنَ الظَّلَامِ ضِيَاءُ٣٨
قَلَقُ الْمَلِيحَةِ وَهْيِ مِسْكٌ هَتْكُهَا
 
وَمَسِيرُهَا فِي اللَّيْلِ وَهْيَ ذُكَاءُ٣٩
أَسَفِي عَلَى أَسَفِي الَّذِي دَلَّهْتِنِي
 
عَنْ عِلْمِهِ فَبِهِ عَلَيَّ خَفَاءُ٤٠
وَشَكِيَّتِي فَقْدُ السَّقَامِ لِأَنَّهُ
 
قَدْ كَانَ لَمَّا كَانَ لِي أَعْضَاءُ٤١
مَثَّلْتِ عَيْنَكِ فِي حَشَايَ جِرَاحَةً
 
فَتَشَابَهَا كِلْتَاهُمَا نَجْلَاءُ٤٢
نَفَذَتْ عَلَيَّ السَّابِرِيَّ وَرُبَّمَا
 
تَنْدَقُّ فِيهِ الصَّعْدَةُ السَّمْرَاءُ٤٣
أَنَا صَخْرَةُ الْوَادِي إذِاَ مَا زُوحِمَتْ
 
وَإِذَا نَطَقْتُ فَإِنَّنِي الْجَوْزَاءُ٤٤
وَإِذَا خَفِيتُ عَلَى الْغَبِيِّ فَعَاذِرٌ
 
أَنْ لَا تَرَانِي مُقْلَةٌ عَمْيَاءُ٤٥
شِيَمُ اللَّيَالِي أَنْ تُشَكِّكَ نَاقَتِي
 
صَدْرِي بِهَا أَفْضَى أَمِ الْبَيْدَاءُ٤٦
فَتَبِيتُ تُسْئِدُ مُسْئِدًا فِي نَيِّهَا
 
إِسْآدَهَا فِي الْمَهْمَهِ الْإِنضَاءُ٤٧
أَنْسَاعُهَا مَمْغُوطَةٌ وَخِفَافُهَا
 
مَنْكُوحَةٌ وَطَرِيقُهَا عَذْرَاءُ٤٨
يَتَلَوَّنُ الْخِرِّيتُ مِنْ خَوْفِ التَّوَى
 
فِيهَا كَمَا يَتَلَوَّنُ الْحِرْبَاءُ٤٩
بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي عَلِيٍّ مِثْلُهُ
 
شُمُّ الْجِبَالِ وَمِثْلُهُنَّ رَجَاءُ٥٠
وَعِقَابُ لُبْنَانٍ وَكَيْفَ بِقَطْعِهَا
 
وَهْوَ الشِّتَاءُ وَصَيْفُهُنَّ شِتَاءُ٥١
لَبَسَ الثُّلُوجُ بِهَا عَلَيَّ مَسَالِكِي
 
فَكَأَنَّهَا بِبَيَاضِهَا سَوْدَاءُ٥٢
وَكَذَا الْكَرِيمُ إِذَا أَقَامَ بِبَلْدَةٍ
 
سَالَ النُّضَارُ بِهَا وَقَامَ الْمَاءُ٥٣
جَمَدَ الْقِطَارُ وَلَوْ رَأَتْهُ كَمَا تَرَى
 
بُهِتَتْ فَلَمْ تَتَبَجَّسِ الْأَنْوَاءُ٥٤
فِي خَطِّهِ مِنْ كُلِّ قَلْبٍ شَهْوَةٌ
 
حَتَّى كَأَنَّ مِدَادَهُ الْأَهْوَاءُ٥٥
وَلِكُلِّ عَيْنٍ قُرَّةٌ فِي قُرْبِه
 
حَتَّى كَأَنَّ مَغِيبَهُ الْأَقْذَاءُ٥٦
مَنْ يَهْتَدِي فِي الْفِعْلِ مَا لَا تَهْتَدِي
 
فِي الْقَوْلِ حَتَّى يَفْعَلَ الشُّعَرَاءُ٥٧
فِي كُلِّ يَوْمٍ لِلْقَوَافِي جَوْلَةٌ
 
فِي قَلْبِهِ وَلِأُذْنِهِ إِصْغَاءُ٥٨
وَإِغَارَةٌ فِيمَا احْتَوَاهُ كَأَنَّمَا
 
فِي كُلِّ بَيْتٍ فَيْلَقٌ شَهْبَاءُ٥٩
مَنْ يَظْلِمِ اللُّؤَمَاءَ فِي تَكْلِيفِهِمْ
 
أَنْ يُصْبِحُوا وَهُمُ لَهُ أَكْفَاءُ٦٠
وَنَذِيمُهُمْ وَبِهِمْ عَرَفْنَا فَضْلَهُ
 
وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ٦١
مَنْ نَفْعُهُ فِي أَنْ يُهَاجَ وَضَرُّهُ
 
فِي تَرْكِهِ لَوْ تَفْطَنُ الْأَعْدَاءُ٦٢
فَالسَّلْمُ يَكْسِرُ مِنْ جَنَاحَيْ مَالِهِ
 
بِنَوَالِهِ مَا تَجْبُرُ الْهَيْجَاءُ٦٣
يُعْطِي فَتُعْطَى مِنْ لُهَى يَدِهِ اللُّهَى
 
وَتُرَى بِرُؤْيَةِ رَأْيِهِ الآرَاءُ٦٤
مُتَفَرِّقُ الطَّعْمَيْنِ مُجْتَمِعُ الْقُوَى
 
فَكَأَنَّهُ السَّرَّاءُ وَالضَّرَّاءُ٦٥
وَكَأَنَّهُ مَا لَا تَشَاءُ عدَاتُهُ
 
مُتَمَثِّلًا لِوُفُودِهِ مَا شَاءُوا٦٦
يَا أَيُّهَا الْمُجْدَى عَلَيْهِ رُوحُهُ
 
إِذْ لَيْسَ يَأْتِيهِ لَهَا اسْتِجْدَاءُ٦٧
احْمَدْ عُفَاتَكَ لَا فُجِعْتَ بِفَقْدِهِمْ
 
فَلَتَرْكُ مَا لَمْ يَأْخُذُوا إِعْطَاءُ٦٨
لَا تَكْثُرُ الْأَمْوَاتُ كَثْرَةَ قِلَّةٍ
 
إِلَّا إِذَا شَقِيَتْ بِكَ الْأَحْيَاءُ٦٩
وَالْقَلْبُ لَا يَنْشَقُّ عَمَّا تَحْتَهُ
 
حَتَّى تَحُلَّ بِهِ لَكَ الشَّحْنَاءُ٧٠
لَمْ تُسْمَ يَا هَارُونُ إِلَّا بَعْدَمَا اقـْ
 
ـتَرَعَتْ وَنَازَعَتِ اسْمَكَ الْأَسْمَاءُ٧١
فَغَدَوْتَ وَاسْمُكَ فِيكَ غَيْرُ مُشَارَكٍ
 
وَالنَّاسُ فِيمَا فِي يَدَيْكَ سَوَاءُ٧٢
لَعَمَمْتَ حَتَّى الْمُدْنُ مِنْكَ مِلَاءُ
 
وَلَفُتَّ حَتَّى ذَا الثَّنَاءُ لَفَاءُ٧٣
وَلَجُدْتَ حَتَّى كِدْتَ تَبْخَلُ حَائِلًا
 
لِلْمُنْتَهَى وَمِنَ السُّرُورِ بُكَاءُ٧٤
أَبَدَأْتَ شَيْئًا مِنْكَ يُعْرَفُ بَدْؤُهُ
 
وَأَعَدْتَ حَتَّى أُنْكِرَ الْإِبْدَاءُ٧٥
فَالْفَخْرُ عَنْ تَقْصِيرِهِ بِكَ نَاكِبٌ
 
وَالْمَجْدُ مِنْ أَنْ تُسْتَزَادُ بَرَاءُ٧٦
فَإِذَا سُئِلْتَ فَلَا لِأَنَّكَ مُحْوَجٌ
 
وَإِذَا كُتِمْتَ وَشَتْ بِكَ الْآلَاءُ٧٧
وَإِذَا مُدِحْتَ فَلَا لِتَكْسِبَ رِفْعَةً
 
لِلشَّاكِرِينَ عَلَى الْإِلَهِ ثَنَاءُ٧٨
وَإِذَا مُطِرْتَ فَلَا لِأَنَّكَ مُجْدِبٌ
 
يُسْقَى الْخَصِيبُ وَتُمْطَرُ الدَّأْمَاءُ٧٩
لَمْ تَحْكِ نَائِلَكَ السَّحَابُ وَإِنَّمَا
 
حُمَّتْ بِهِ فَصَبِيبُهَا الرُّحَضَاءُ٨٠
لَمْ تَلْقَ هَذَا الْوَجْهَ شَمْسُ نَهَارِنَا
 
إِلَّا بِوَجْهٍ لَيْسَ فِيهِ حَيَاءُ٨١
فَبِأَيِّمَا قَدَمٍ سَعَيْتَ إِلَى الْعُلَا
 
أُدُمُ الْهِلَالِ لِأَخْمَصَيْكَ حِذَاءُ٨٢
وَلَكَ الزَّمَانُ مِنَ الزَّمَانِ وِقَايَةٌ
 
وَلَكَ الْحِمَامُ مِنَ الْحِمَامِ فِدَاءُ٨٣
لَوْ لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَا الْوَرَى اللَّذْ مِنْكَ هُو
 
عَقِمَتْ بِمَوْلِدِ نَسْلِهَا حَوَّاءُ٨٤

وغنى المغني في دار الأمير أبي محمد الحسن بن عبيد الله بن طغج فأحسن فقال:

مَاذَا يَقُولُ الَّذِي يُغَنِّي
 
يَا خَيْرَ مَنْ تَحْتَ ذِي السَّمَاءِ٨٥
شَغَلْتَ قَلْبِي بِلَحْظِ عَيْنِي
 
إِلَيْكَ عَنْ حُسْنِ ذَا الْغِنَاءِ٨٦

وبنى كافور دارًا بإزاء الجامع الأعلى على البركة، وطالب أبا الطيب بذكرها فقال:

إِنَّمَا التَّهْنِئَاتُ لِلْأَكْفَاءِ
 
وَلِمَنْ يَدَّنِي مِنَ الْبُعَدَاءِ٨٧
وَأَنا مِنْكَ لَا يُهَنِّئُ عُضْوٌ
 
بِالْمَسَرَّاتِ سِائِرَ الْأَعْضَاءِ٨٨
مُسْتَقِلٌّ لَكَ الدِّيَارُ وَلَوْ كَا
 
نَ نُجُومًا آجُرُّ هَذَا الْبِنَاءِ٨٩
وَلَوَ انَّ الَّذِي يَخِرُّ مِنَ الْأَمـْ
 
ـوَاهِ فِيهَا مِنْ فِضَّةٍ بَيْضَاءِ٩٠
أَنْتَ أَعْلَى مَحَلَّةً أَنْ تُهَنَّى
 
بِمَكَانٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي السَّمَاءِ٩١
وَلَكَ النَّاسُ وَالْبِلَادُ وَمَا يَسـْ
 
ـرَحُ بَيْنَ الْغَبْرَاءِ وَالْخَضْرَاءِ٩٢
وَبَسَاتِينُكَ الْجِيَادُ وَمَا تَحـْ
 
ـمِلُ مِنْ سَمْهَرِيَّةٍ سَمْرَاءِ٩٣
إِنَّمَا يَفْخَرُ الْكَرِيمُ أَبُو الْمِسـْ
 
ـكِ بِمَا يَبْتَنِي مِنَ الْعَلْيَاءِ٩٤
وَبِأَيَّامِهِ الَّتِي انْسَلَخَتْ عَنـْ
 
ـهُ وَمَا دَارُهُ سِوَى الْهَيْجَاءِ٩٥
وَبِمَا أَثَّرَتْ صَوَارِمُهُ الْبِيـ
 
ـضُ لَهُ فِي جَمَاجِمِ الْأَعْدَاءِ٩٦
وَبِمِسْكٍ يُكْنَى بِهِ لَيْسَ بِالْمِسـْ
 
ـكِ وَلَكِنَّهُ أَرِيجُ الثَّنَاءِ٩٧
لَا بِمَا يَبْتَنِي الْحَوَاضِرُ فِي الرِّيـ
 
ـفِ وَمَا يَطَّبِي قُلُوبَ النِّسَاءِ٩٨
نَزَلَتْ إِذْ نَزَلْتَهَا الدَّارُ فِي أَحـْ
 
ـسَنَ مِنْهَا مِنَ السَّنَا وَالسَّنَاءِ٩٩
حَلَّ فِي مَنْبِتِ الرَّيَاحِينِ مِنْهَا
 
مَنْبِتُ الْمَكْرُمَاتِ وَالْآلَاءِ١٠٠
تَفْضَحُ الشَّمْسَ كُلَّمَا ذَرَّتِ الشَّمـْ
 
ـسُ بِشَمْسٍ مُنِيرَةٍ سَوْدَاءِ١٠١
إِنَّ فِي ثَوبِكَ الَّذِي الْمَجْدُ فِيهِ
 
لَضِيَاءً يُزْرِي بِكُلِّ ضِيَاءِ١٠٢
إِنَّمَا الْجِلْدُ مَلْبَسٌ وَابْيِضَاضُ النـْ
 
ـنَفْسِ خَيْرٌ مِنَ ابْيِضَاضِ الْقَبَاءِ١٠٣
كَرَمٌ فِي شَجَاعَةٍ وَذَكَاءٌ
 
فِي بَهَاءٍ وَقُدْرَةٌ فِي وَفَاءِ١٠٤
مَنْ لِبِيضِ الْمُلُوكِ أَنْ تُبْدِلَ اللَّوْ
 
نَ بِلَوْنِ الْأُسْتَاذِ وَالسَّحْنَاءِ١٠٥
فَتَرَاهَا بَنُو الْحُرُوبِ بِأَعْيَا
 
نٍ تَرَاهُ بِهَا غَدَاةَ اللِّقَاءِ١٠٦
يَا رَجَاءَ الْعُيُونِ فِي كُلِّ أَرْضٍ
 
لَمْ يَكُنْ غَيْرَ أَنْ أَرَاكَ رَجَائِي
وَلَقَدْ أَفْنَتِ الْمَفَاوِزُ خَيْلِي
 
قَبْلَ أَنْ نَلْتَقِي وَزَادِي وَمَائِي١٠٧
فَارْمِ بِي مَا أَرَدْتَ مِنِّي فَإِنِّي
 
أَسَدُ الْقَلْبِ آدَمِيُّ الرُّوَاءِ١٠٨
وَفُؤَادِي مِنَ الْمُلُوكِ وَإِنْ كَا
 
نَ لِسَانِي يُرَى مِنَ الشُّعَرَاءِ١٠٩

وقال يذكر خروجه من مصر وما لقي في طريقه، ويهجو كافورًا:

أَلَا كُلُّ مَاشِيَةِ الْخَيْزَلَى
 
فِدَا كُلِّ مَاشِيَةِ الْهَيْذَبَى١١٠
وَكُلُّ نَجَاةٍ بِجَاوِيَّةٍ
 
خَنُوفٍ وَمَا بِي حُسْنُ الْمِشَى١١١
وَلَكِنَّهُنَّ حِبَالُ الْحَيَاةِ
 
وَكَيْدُ الْعُدَاةِ وَمَيْطُ الْأَذَى١١٢
ضَرَبْتُ بِهَا التِّيهَ ضَرْبَ الْقِمَا
 
رِ إِمَّا لِهَذَا وَإِمَّا لِذَا١١٣
إِذَا فَزِعَتْ قَدَّمَتْهَا الْجِيَادُ
 
وَبِيضُ السُّيُوفِ وَسُمْرُ الْقَنَا١١٤
فَمَرَّتْ بِنَخْلٍ وَفِي رَكْبِهَا
 
عَنِ الْعَالَمِينَ وَعَنْهُ غِنَى١١٥
وَأَمْسَتْ تُخَيِّرُنَا بِالنِّقَا
 
بِ وَادِي الْمِيَاهِ وَوَادِي الْقُرَى١١٦
وَقُلْنَا لَهَا أَيْنَ أَرْضُ الْعِرَاقِ
 
فَقَالَتْ وَنَحْنُ بِتُرْبَانَ هَا١١٧
وَهَبَّتْ بِحِسْمَى هُبُوبَ الدَّبُو
 
رِ مُسْتَقْبِلَاتٍ مَهَبَّ الصَّبَا١١٨
رَوَامِي الْكِفَافِ وَكِبْدِ الْوِهَادِ
 
وَجَارِ الْبُوَيْرَةِ وَادِي الْغَضَى١١٩
وَجَابَتْ بُسَيْطَةَ جَوْبَ الرِّدَا
 
ءِ بَيْنَ النَّعَامِ وَبَيْنَ الْمَهَا١٢٠
إِلَى عُقْدَةِ الْجَوْفِ حَتَّى شَفَتْ
 
بِمَاءِ الْجَرَاوِيِّ بَعْضَ الصَّدَى١٢١
وَلَاحَ لَهَا صَوَرٌ وَالصَّبَاحَ
 
وَلَاحَ الشَّغُورُ لَهَا وَالضُّحَى١٢٢
وَمَسَّى الْجُمَيْعِيَّ دِئْدَاؤُهَا
 
وَغَادَى الْأَضَارِعَ ثُمَّ الدَّنَا١٢٣
فَيَا لَكَ لَيْلًا عَلَى أَعْكُشٍ
 
أَحَمَّ الْبِلَادِ خَفِيَّ الصُّوَى١٢٤
وَرَدْنَا الرُّهَيْمَةَ فِي جَوْزِهِ
 
وَبَاقِيهِ أَكْثَرُ مِمَّا مَضَى١٢٥
فَلَمَّا أَنَخْنَا رَكَزْنَا الرِّمَا
 
حَ فَوْقَ مَكَارِمِنَا وَالْعُلَا١٢٦
وَبِتْنَا نُقَبِّلُ أَسْيَافَنَا
 
وَنَمْسَحُهَا مِنْ دِمَاءِ الْعِدَا١٢٧
لِتَعْلَمَ مِصْرُ وَمَنْ بِالْعِرَاقِ
 
وَمَنْ بِالْعَوَاصِمِ أَنِّي الْفَتَى١٢٨
وَأَنِّي وَفَيْتُ وَأَنِّي أَبَيْتُ
 
وَأَنِّي عَتَوْتُ عَلَى مَنْ عَتَا١٢٩
وَمَا كُلُّ مَنْ قَالَ قَوْلًا وَفَى
 
وَلَا كُلُّ مَنْ سِيمَ خَسْفًا أَبَى١٣٠
وَلَا بُدَّ لِلْقَلْبِ مِنْ آلَةٍ
 
وَرَأْيٍ يُصَدِّعُ صُمَّ الصَّفَا١٣١
وَمَنْ يَكُ قَلْبٌ كَقَلْبِي لَهُ
 
يَشُقُّ إِلَى الْعِزِّ قَلْبَ التَّوَى١٣٢
وَكُلُّ طَرِيقٍ أَتَاهُ الْفَتَى
 
عَلَى قَدَرِ الرِّجْلِ فِيهِ الْخُطَا١٣٣
وَنَامَ الْخُوَيْدِمُ عَنْ لَيْلِنَا
 
وَقَدْ نَامَ قَبْلُ عَمًى لَا كَرَى١٣٤
وَكَان عَلَى قُرْبِنَا بَيْنَنَا
 
مَهَامِهُ مِنْ جَهْلِهِ وَالْعَمَى١٣٥
لَقَدْ كُنْتُ أَحْسِبُ قَبْلَ الْخَصِيـْ
 
ـيِ أَنَّ الرُّءُوسَ مَقَرُّ النُّهَى١٣٦
فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَى عَقْلِهِ
 
رَأَيْتُ النُّهَى كُلَّهَا فِي الْخُصَى١٣٧
وَمَاذَا بِمِصْرَ مِنَ الْمُضْحِكَاتِ
 
وَلَكِنَّهُ ضَحِكٌ كَالْبُكَا١٣٨
بِهَا نَبَطِيٌّ مِنَ اهْلِ السَّوَادِ
 
يُدَرِّسُ أَنْسَابَ أَهْلِ الْفَلَا١٣٩
وَأَسْوَدُ مِشْفَرُهُ نِصْفُهُ
 
يُقَالُ لَهُ أَنْتَ بَدْرُ الدُّجَى١٤٠
وَشِعْرٍ مَدَحْتُ بِهِ الْكَرْكَدَنَّ
 
بَيْنَ الْقَرِيضِ وَبَيْنَ الرُّقَى١٤١
فَمَا كَانَ ذَلِكَ مَدْحًا لَهُ
 
وَلَكِنَّهُ كَانَ هَجْوَ الْوَرَى١٤٢
وَقَدْ ضَلَّ قَوْمٌ بِأَصْنَامِهِمْ
 
فَأَمَّا بِزِقِّ رِيَاحٍ فَلَا١٤٣
وَتِلْكَ صُمُوتٌ وَذَا نَاطِقٌ
 
إِذَا حَرَّكُوهُ فَسَا أَوْ هَذَى١٤٤
وَمَنْ جَهِلَتْ نَفْسُهُ قَدْرَهُ
 
رَأَى غَيْرُهُ مِنْهُ مَا لَا يَرَى١٤٥
وعاب قوم عليه علوَّ الخيام، فقال١٤٦:
لَقَدْ نَسَبُوا الْخِيَامَ إِلَى عَلَاءِ
 
أَبَيْتُ قَبُولَهُ كُلَّ الْإِبَاءِ١٤٧
وَمَا سَلَّمْتُ فَوْقَك لِلثُّرَيَّا
 
وَلَا سَلَّمْتُ فَوْقَكَ لِلسَّمَاءِ١٤٨
وَقَدْ أَوْحَشْتَ أَرْضَ الشَّامِ حَتَّى
 
سَلَبْتَ رُبُوعَهَا ثَوْبَ الْبَهَاءِ١٤٩
تَنَفَّسُ وَالْعَوَاصِمُ مِنْكَ عَشْرٌ
 
فَتَعْرِفُ طِيبَ ذَلِكَ فِي الْهَوَاءِ١٥٠
وقال يهجو السامري١٥١:
أَسَامِرِيُّ ضُحْكَةَ كُلِّ رَاءِ
 
فَطِنْتَ وَأَنْتَ أَغْبَى الْأَغْبِيَاءِ١٥٢
صَغُرْتَ عَنِ الْمَدِيحِ فَقُلْتَ أُهْجَى
 
كَأَنَّكَ مَا صَغُرْتَ عَنِ الْهِجَاءِ١٥٣
وَمَا فَكَّرْتُ قَبْلَكَ فِي مُحَالِ
 
وَلَا جَرَّبْتُ سَيْفِي فِي هَبَاءِ١٥٤

قافية الباء

وقال يمدح سيف الدولة وهو يسايره إلى الرقة وقد اشتد المطر بموضع يعرف بالثديين:

لِعَيْنِي كُلَّ يَوْمٍ مِنْكَ حَظٌّ
 
تَحَيَّرُ مِنْهُ فِي أَمْرٍ عُجَابِ١
حِمَالَةُ ذَا الْحُسَامِ عَلَى حُسَامٍ
 
وَمَوْقِعُ ذَا السَّحَابِ عَلَى سَحَابِ٢

وزاد المطر فقال:

تَجِفُّ الْأَرْضُ مِنْ هَذَا الرَّبَابِ
 
وَيَخْلُقُ مَا كَسَاهَا مِنْ ثِيَابِ٣
وَمَا يَنْفَكُّ مِنْكَ الدَّهْرُ رَطْبًا
 
وَلَا يَنْفَكُّ غَيْثُكَ فِي انْسِكَابِ٤
تُسَايِرُكَ السَّوَارِي وَالْغَوَادِي
 
مُسَايَرَةَ الْأَحِبَّاءِ الطِّرَابِ٥
تُفِيدُ الْجُودَ مِنْكَ فَتَحْتَذِيهِ
 
وَتَعْجِزُ عَنْ خَلَائِقِكَ الْعِذَابِ٦

وأمره سيف الدولة بإجازة هذا البيت:

خَرَجْتُ غَدَاةَ النَّفْرِ أَعْتَرِضُ الدُّمَى
 
فَلَمْ أَرَ أَحْلَى مِنْكَ فِي الْعَيْنِ وَالْقَلْبِ٧

فقال:

فَدَيْنَاكَ أَهْدَى النَّاسِ سَهْمًا إِلَى قَلْبِي
 
وَأَقْتَلَهُمْ لِلدَّارِعِينَ بِلَا حَرْبِ٨
تَفَرَّدَ بِالْأَحْكَامِ فِي أَهْلِهِ الْهَوَى
 
فَأَنْتَ جَمِيلُ الْخُلْفِ مُسْتَحْسَنُ الْكِذْبِ٩
وَإِنِّي لَمَمْنُوعُ الْمَقَاتِلِ فِي الْوَغَى
 
وَإِنْ كُنْتُ مَبْذُولَ الْمَقَاتِلِ فِي الْحُبِّ١٠
وَمَنْ خُلِقَتْ عَيْنَاكَ بَيْنَ جُفُونِهِ
 
أَصَابَ الْحُدُورَ السَّهْلَ فِي الْمُرْتَقَى الصَّعْبِ١١

«وقال يعزيه عن عبده يماك التركي، وقد مات بحلب سنة أربعين وثلاثمائة»:

لَا يُحْزِنُ اللهُ الْأَمِيرَ فَإِنَّنِي
 
سَآخُذُ مِنْ حَالَاتِهِ بِنَصِيبِ١٢
وَمَنْ سَرَّ أَهْلَ الْأَرْضِ ثُمَّ بَكَى أَسًى
 
بَكَى بِعُيُونٍ سَرَّهَا وَقُلُوبِ١٣
وَإِنِّي وَإِنْ كَانَ الدَّفِينُ حَبِيبَهُ
 
حَبِيبٌ إِلَى قَلْبِي حَبِيبُ حَبِيبِي١٤
وَقَدْ فَارَقَ النَّاسُ الْأَحِبَّةَ قَبْلَنَا
 
وَأَعْيَا دَوَاءُ الْمَوْتِ كُلَّ طَبِيبِ
سُبِقْنَا إِلَى الدُّنْيَا فَلَوْ عَاشَ أَهْلُهَا
 
مُنِعْنَا بِهَا مِنْ جِيئَةٍ وَذُهُوبِ١٥
تَمَلَّكَهَا الآتِي تَمَلُّكَ سَالِبٍ
 
وَفَارَقَهَا الْمَاضِي فِرَاقَ سَلِيبِ١٦
وَلَا فَضْلَ فِيهَا لِلشَّجَاعَةِ وَالنَّدَى
 
وَصَبْرِ الْفَتَى لَوْلَا لِقَاءُ شَعُوبِ١٧
وَأَوْفَى حَيَاةِ الْغَابِرِينَ لِصَاحِبٍ
 
حَيَاةُ امْرِئٍ خَانَتْهُ بَعْدَ مَشِيبِ١٨
لَأَبْقَى يَمَاكٌ فِي حَشَايَ صَبَابَةً
 
إِلَى كُلِّ تُرْكِيِّ النِّجَارِ جَلِيبِ١٩
وَمَا كُلُّ وَجْهٍ أَبْيَضٍ بِمُبَارَكٍ
 
وَلَا كُلُّ جَفْنٍ ضَيِّقٍ بِنَجِيبِ٢٠
لَئِنْ ظَهَرَتْ فِينَا عَلَيْهِ كَآبَةٌ
 
لَقَدْ ظَهَرَتْ فِي حَدِّ كُلِّ قَضِيبِ٢١
وَفِي كُلِّ قَوْسٍ كُلَّ يَوْمِ تَنَاضُلٍ
 
وَفِي كُلِّ طِرْفٍ كُلَّ يَوْمِ رُكُوبِ٢٢
يَعِزُّ عَلَيْهِ أَنْ يُخِلَّ بِعَادَةٍ
 
وَتَدْعُو لِأَمْرٍ وَهْوَ غَيْرُ مُجِيبِ٢٣
وَكُنْتُ إِذَا أَبْصَرُتُه لَكَ قَائِمًا
 
نَظَرْتُ إِلَى ذِي لِبْدَتَيْنِ أَدِيبِ٢٤
فَإِنْ يَكُنِ الْعِلْقَ النَّفِيسَ فَقَدْتَهُ
 
فَمِنْ كَفِّ مِتْلَافٍ أَغَرَّ وَهُوبِ٢٥
كَأَنَّ الرَّدَى عَادٍ عَلَى كُلِّ مَاجِدٍ
 
إِذَا لَمْ يُعَوِّذْ مَجْدَهُ بِعُيُوبِ٢٦
وَلَوْلَا أَيَادِي الدَّهْرِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَنَا
 
غَفَلْنَا فَلَمْ نَشْعُرْ لَهُ بِذُنُوبِ٢٧
وَلَلتَّرْكُ لِلْإِحْسَانِ خَيْرٌ لِمُحْسِنٍ
 
إِذَا جَعَلَ الْإِحْسَانَ غَيْرَ رَبِيبِ٢٨
وَإِنَّ الَّذِي أَمْسَتْ نِزَارٌ عَبِيدَهُ
 
غَنِيٌّ عَنِ اسْتَعْبَادِهِ لِغَرِيبِ٢٩
كَفَى بِصَفَاءِ الْوَدِّ رِقًّا لِمْثْلِهِ
 
وَبِالْقُرْبِ مِنْهُ مَفْخَرًا لِلَبِيبِ٣٠
فَعُوِّضَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ الْأَجْرُ إِنَّهُ
 
أَجَلُّ مَثَابٍ مِنْ أَجَلِّ مُثِيبِ٣١
فَتَى الْخَيْل قَدْ بَلَّ النَّجِيعُ نُحُورَهَا
 
يُطَاعِنُ فِي ضَنْكِ الْمُقَامِ عَصِيبِ٣٢
يَعَافُ خِيَامَ الرَّيْطِ فِي غَزَوَاتِهِ
 
فَمَا خَيْمُهُ إِلَّا غُبَارُ حُرُوبِ٣٣
عَلَيْنَا لَكَ الْإِسْعَادُ إِنْ كَانَ نَافِعًا
 
بِشَقِّ قُلُوبٍ لَا بِشَقِّ جُيُوبِ٣٤
فَرُبَّ كَئِيبٍ لَيْسَ تَنْدَى جُفُونُهُ
 
وَرُبَّ كَثِيرِ الدَّمْعِ غَيْرُ كَئِيبِ٣٥
تَسَلَّ بِفِكْرٍ فِي أَبيكَ فَإِنَّمَا
 
بَكَيْتَ فَكَانَ الضِّحْكُ بَعْدَ قَرِيبِ٣٦
إِذَا اسْتَقْبَلَتْ نَفْسُ الْكَرِيمِ مُصَابَهَا
 
بِخُبْثٍ ثَنَتْ فَاسْتَدْبَرَتْهُ بِطِيبِ٣٧
وَلِلْوَاجِدِ الْمَكْرُوبِ مِنْ زَفَرَاتِهِ
 
سُكُونُ عَزَاءٍ أَوْ سُكُونُ لُغُوبِ٣٨
وَكَمْ لَكَ جَدًّا لَمْ تَرَ الْعَيْنُ وَجْهَهُ
 
فَلَمْ تَجْرِ فِي آثَارِهِ بِغُرُوبِ٣٩
فَدَتْكَ نُفُوسُ الْحَاسِدِينَ فَإِنَّهَا
 
مُعَذَّبَةٌ فِي حَضْرَةٍ وَمَغِيبِ
وَفِي تَعَبٍ مَنْ يَحْسُدُ الشَّمْسَ نُورَهَا
 
وَيَجْهَدُ أَنْ يَأْتِي لَهَا بِضَرِيبِ٤٠

وقال يمدحه، ويذكر بناء مَرْعَشَ سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة:

فَدَيْنَاكَ مِنْ رَبْعٍ وَإِنْ زِدْتَنَا كَرْبَا
 
فَإِنَّكَ كُنْتَ الشَّرْقَ لِلشَّمْسِ وَالْغَرْبَا٤١
وَكَيْفَ عَرَفْنَا رَسْمَ مَنْ لَمْ يَدَعْ لَنَا
 
فُؤَادًا لِعِرْفَانِ الرُّسُومِ وَلَا لُبَّا٤٢
نَزَلْنَا عَنِ الْأَكْوَارِ نَمْشِي كَرَامَةً
 
لِمَنْ بَانَ عَنْهُ أَنْ نُلِمَّ بِهِ رَكْبَا٤٣
نَذُمُّ السَّحَابَ الْغُرَّ فِي فِعْلِهَا بِهِ
 
وَنُعْرِضُ عَنْهَا كُلَّمَا طَلَعَتْ عَتْبَا٤٤
وَمَنْ صَحِبَ الدُّنْيَا طَوِيلًا تَقَلَّبَتْ
 
عَلَى عَيْنِهِ حَتَّى يَرَى صِدْقَهَا كِذْبَا٤٥
وَكَيْفَ الْتِذَاذِي بِالْأَصَائِلِ وَالضُّحَى
 
إِذَا لَمْ يَعُدْ ذَاكَ النَّسِيمُ الَّذِي هَبَّا٤٦
ذَكَرْتُ بِهِ وَصْلًا كَأَنْ لَمْ أَفُزْ بِهِ
 
وَعَيْشًا كَأَنِّي كُنْتُ أَقْطَعُهُ وَثْبَا٤٧
وَفَتَّانَةَ الْعَيْنَيْنِ قَتَّالَةَ الْهَوَى
 
إِذَا نَفَحَتْ شَيْخًا رَوَائِحُهَا شَبَّا٤٨
لَهَا بَشَرُ الدُّرِّ الَّذِي قُلِّدَتْ بِهِ
 
وَلَمْ أَرَ بَدْرًا قَبْلَهَا قُلِّدَ الشُّهْبَا٤٩
فَيَا شَوْقِ مَا أَبْقَى وَيَا لِي مِنَ النَّوَى
 
وَيَا دَمْعِ مَا أَجْرَى وَيَا قَلْب مَا أَصْبَى٥٠
لَقَدْ لَعِبَ الْبَيْنُ الْمُشِتُّ بِهَا وَبِي
 
وَزَوَّدَنِي فِي السَّيْرِ مَا زَوَّدَ الضِّبَّا٥١
وَمَنْ تَكُنِ الْأُسْدُ الضَّوَارِي جُدُودَهُ
 
يَكُنْ لَيْلُهُ صُبْحًا وَمَطْعَمُهُ غَصْبَا٥٢
وَلَسْتُ أُبَالِي بَعْدَ إِدْرَاكِيَ الْعُلَا
 
أَكَانَ تُرَاثًا مَا تَنَاوَلْتُ أَمْ كَسْبَا٥٣
فَرُبَّ غُلَامٍ عَلَّمَ الْمَجْدَ نَفْسَهُ
 
كَتَعْلِيمِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ الطَّعْنَ وَالضَّرْبَا٥٤
إِذَا الدَّوْلَةُ اسْتَكْفَتْ بِهِ فِي مُلِمَّةٍ
 
كَفَاهَا فَكَانَ السَّيْفَ وَالْكَفَّ وَالْقَلْبَا٥٥
تُهَابُ سُيُوفُ الْهِنْدِ وَهْيَ حَدَائِدٌ
 
فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ نِزَارِيَّةً عُرْبَا٥٦
وَيُرْهَبُ نَابُ اللَّيْثِ وَاللَّيْثُ وَحْدَهُ
 
فَكَيْفَ إِذَا كَانَ اللُّيُوثُ لَهُ صَحْبَا٥٧
وَيُخْشَى عُبَابُ الْبَحْرِ وَهْوَ مَكَانَهُ
 
فَكَيْفَ بِمَنْ يَغْشَى الْبِلَادَ إِذَا عَبَّا٥٨
عَلِيمٌ بِأَسْرَارِ الدِّيَانَاتِ وَاللغَى
 
لَهُ خَطَرَاتٌ تَفْضَحُ النَّاسَ وَالْكُتْبَا٥٩
فَبُورِكْتَ مِنْ غَيْثٍ كَأَنَّ جُلُودَنَا
 
بِهِ تُنْبِتُ الدِّيبَاجَ وَالْوَشْيَ وَالْعَصْبَا٦٠
وَمِنْ وَاهِبٍ جَزْلًا وَمِنْ زَاجِرِ هَلًا
 
وَمِنْ هَاتِكٍ دِرْعًا وَمِنْ نَاثِرٍ قُصْبَا٦١
هَنِيئًا لِأَهْلِ الثَّغْرِ رَأْيُكَ فِيهِمِ
 
وَأَنَّكَ حِزْبَ اللهِ صِرْتَ لَهُمْ حِزْبَا٦٢
وَأَنَّكَ رُعْتَ الدَّهْرَ فِيهَا وَرَيْبَهُ
 
فَإِنْ شَكَّ فَلْيُحْدِثْ بِسَاحَتِهَا خَطْبَا٦٣
فَيَوْمًا بِخَيْلٍ تَطْرُدُ الرُّومَ عَنْهُمُ
 
وَيَوْمًا بِجُودٍ يَطْرُدُ الْفَقْرَ وَالْجَدْبَا٦٤
سَرَايَاكَ تَتْرَى وَالدُّمُسْتُقُ هَارِبٌ
 
وَأَصْحَابُهُ قَتْلَى وَأَمْوَالُهُ نُهْبَى٦٥
أَتَى مَرْعَشًا يَسْتَقْرِبُ الْبُعْدَ مُقْبِلًا
 
وَأَدْبَرَ إِذْ أَقْبَلْتَ يَسْتَبْعِدُ الْقُرْبَا٦٦
كَذَا يَتْرُكُ الْأَعْدَاءَ مَنْ يَكْرَهُ الْقَنَا
 
وَيَقْفُلُ مَنْ كَانَتْ غَنِيمَتُهُ رُعْبَا٦٧
وَهَلْ رَدَّ عَنْهُ بِاللُّقَانِ وُقُوفُهُ
 
صُدُورَ الْعَوَالِي وَالْمُطَهَّمَةَ الْقبَّا٦٨
مَضَى بَعْدَمَا الْتَفَّ الرِّمَاحَانِ سَاعَةً
 
كَمَا يَتَلَقَّى الْهُدْبُ فِي الرَّقْدَةِ الْهُدْبَا٦٩
وَلَكِنَّهُ وَلَّى وَلِلطَّعْنِ سَوْرَةٌ
 
إِذَا ذَكَرَتْهَا نَفْسُهُ لَمَسَ الْجُنْبَا٧٠
وَخَلَّى الْعَذَارَى وَالْبَطَارِيقَ وَالْقُرَى
 
وَشُعْثَ النَّصَارَى وَالْقَرَابِينَ وَالصُّلْبَا٧١
أَرَى كُلَّنَا يَبْغِي الْحَيَاةَ لِنَفْسِهِ
 
حَرِيصًا عَلَيْهَا مُسْتَهَامًا بِهَا صَبَّا٧٢
فَحُبُّ الْجَبَانِ النَّفْسَ أَوْرَدَهُ التُّقَى
 
وَحُبُّ الشُّجَاعِ النَّفْسَ أَوْرَدَهُ الْحَرْبَا٧٣
وَيَخْتَلِفُ الرِّزْقَانِ وَالْفِعْلُ وَاحِدٌ
 
إِلَى أَنْ يُرَى إِحْسَانُ هَذَا لِذَا ذَنْبَا٧٤
فَأَضْحَتْ كَأَنَّ السُّورَ مِنْ فَوْقِ بَدْئِهِ
 
إِلَى الْأَرْضِ قَدْ شَقَّ الْكَوَاكِبَ وَالتُّرْبَا٧٥
تَصُدُّ الرِّيَاحُ الْهُوجُ عَنْهَا مَخَافَةً
 
وَتَفْزَعُ مِنْهَا الطَّيْرُ أَنْ تَلْقُطَ الْحَبَّا٧٦
وَتَرْدِي الْجِيَادُ الْجُرْدُ فَوْقَ جِبَالِهَا
 
وَقَدْ نَدَفَ الصِّنَّبْرُ فِي طُرْقِهَا الْعُطْبَا٧٧
كَفَى عَجَبًا أَنْ يَعْجَبَ النَّاسُ أَنَّهُ
 
بَنَى مَرْعشًا تَبًّا لِآرَائِهِمْ تَبَّا٧٨
وَمَا الْفَرْقُ مَا بَيْنَ الْأَنَامِ وَبَيْنَهُ
 
إِذَا حَذِرَ الْمَحْذُورَ وَاسْتَصْعَبَ الصَّعْبَا٧٩
لِأَمْرٍ أَعَدَّتْهُ الْخِلَافَةُ لِلْعِدَا
 
وَسَمَّتْهُ دُونَ الْعَالَمِ الصَّارِمَ الْعَضْبَا٨٠
وَلَمْ تَفْتَرِقْ عَنْهُ الْأَسِنَّةُ رَحْمَةً
 
وَلَمْ يَتْرُكِ الشَّامَ الْأَعَادِي لَهُ حُبَّا٨١
وَلَكِنْ نَفَاهَا عَنْهُ غَيْرَ كَرِيمَةٍ
 
كَرِيمُ الثَّنَا مَا سُبَّ قَطُّ وَلَا سَبَّا٨٢
وَجَيْشٌ يُثَنِّي كُلَّ طَوْدٍ كَأَنَّهُ
 
خَرِيقُ رِيَاحٍ وَاجَهَتْ غُصُنًا رَطْبَا٨٣
كَأَنَّ نُجُومَ اللَّيْلِ خَافَتْ مُغَارَهُ
 
فَمَدَّتْ عَلَيْهَا مِنْ عَجَاجَتِهِ حُجْبَا٨٤
فَمَنْ كَانَ يُرْضِي اللُّؤْمَ وَالْكُفْرَ مُلْكُهُ
 
فَهَذَا الَّذِي يُرْضِي الْمَكَارِمَ وَالرَّبَّا٨٥
وقال فيما كان يجري بينهما من معاتبة مستعتبًا:٨٦

من القصيدة الميمية:

أَلَا مَا لِسَيْفِ الدَّوْلَةِ الْيَوْمَ عَاتِبًا
 
فَدَاهُ الْوَرَى أَمْضَى السُّيُوفِ مَضَارِبَا٨٧
وَمَا لِي إِذَا مَا اشْتَقْتُ أَبْصَرْتُ دُونَهُ
 
تَنَائِفَ لَا أَشْتَاقُهَا وَسَباسِبَا٨٨
وَقَدْ كَانَ يُدْنِي مَجْلِسِي مِنْ سَمَائِهِ
 
أُحَادِثُ فِيهَا بَدْرَهَا وَالْكَوَاكِبَا٨٩
حَنَانَيْكَ مَسْئُولًا وَلَبَّيْكَ دَاعِيًا
 
وَحَسْبِيَ مَوْهُوبًا وَحَسْبُكَ وَاهِبَا٩٠
أَهَذَا جَزَاءُ الصِّدْقِ إِنْ كُنْتُ صَادِقًا
 
أَهَذَا جَزَاءُ الْكِذْبِ إِنْ كُنْتُ كَاذِبَا٩١
وَإِنْ كَانَ ذَنْبِي كُلَّ ذَنْبٍ فَإِنَّهُ
 
مَحَا الذَّنْبَ كُلَّ الْمَحْوِ مَنْ جَاءَ تَائِبَا٩٢

وقال، وقد عرض على سيف الدولة سيوف مذهبة، وفيها سيف غير مذهب فأمر بإذهابه:

أَحْسَنُ مَا يُخْضَبُ الْحَدِيد بِهِ
 
وَخَاضِبَيْهِ النَّجِيعُ وَالْغَضَبُ٩٣
فَلَا تَشِينَنْهُ بِالنُّضَارِ فَمَا
 
يَجْتَمِعُ الْمَاءُ فِيهِ وَالذَّهَبُ٩٤

وتشكَّى سيف الدولة من دمل فقال فيه:

أَيَدْرِي مَا أَرَابَكَ مَنْ يُرِيبُ
 
وَهَلْ تَرْقَى إِلَى الْفَلَكِ الْخُطُوبُ٩٥
وَجِسْمُكَ فَوْقَ هِمَّةِ كُلِّ دَاءٍ
 
فَقُرْبُ أَقَلِّهَا مِنْهُ عَجِيبُ٩٦
يُجَمِّشُكَ الزَّمَانُ هَوًى وَحُبًّا
 
وَقَدْ يُؤْذَى مِنَ الْمِقَةِ الْحَبِيبُ٩٧
وَكَيْفَ تُعِلُّكَ الدُّنْيَا بِشَيْءٍ
 
وَأَنْتَ لِعِلَّةِ الدُّنْيَا طَبِيبُ٩٨
وَكَيْفَ تَنُوبُكَ الشَّكْوى بِدَاءٍ
 
وَأَنْتَ الْمُسْتَغَاثُ لِمَا يَنُوبُ٩٩
مَلِلْتُ مُقَامَ يَوْمٍ لَيْسَ فِيهِ
 
طِعَانٌ صَادِقٌ وَدٌّ صَبِيبُ١٠٠
وَأَنْتَ الْمَلْكُ تُمْرِضُهُ الْحَشَايَا
 
لِهِمَّتِهِ وَتَشْفِيهِ الْحُرُوبُ١٠١
وَمَا بِكَ غَيْرُ حُبِّكَ أَنْ تَرَاهَا
 
وَعِثْيَرُهَا لِأَرْجُلِهَا جَنِيبُ١٠٢
مُجَلِّحَةً لَهَا أَرْضُ الْأَعَادِي
 
وَلِلسُّمْرِ الْمَنَاحِرُ وَالْجُنُوبُ١٠٣
فَقَرِّطْهَا الْأَعِنَّةَ رَاجِعَاتٍ
 
فَإِنَّ بَعِيدَ مَا طَلَبَتْ قَرِيبُ١٠٤
أذَا دَاءٌ هَفَا بُقْرَاطُ عَنْهُ
 
فَلَمْ يُعْرَفْ لِصَاحِبِهِ ضَرِيبُ١٠٥
بِسَيْفِ الدَّوْلَةِ الْوُضَّاءِ تُمْسِي
 
جُفُونِي تَحْتَ شَمْسٍ مَا تَغِيبُ١٠٦
فَأَغْزُو مَنْ غَزَا وَبِهِ اقْتِدَارِي
 
وَأَرْمِي مَنْ رَمَى وَبِهِ أُصِيبُ
وَلِلْحُسَّادِ عُذْرٌ أَنْ يَشِحُّوا
 
عَلَى نَظَرِي إِلَيْهِ وَأَنْ يَذُوبُوا١٠٧
فَإِنِّي قَدْ وَصَلْتُ إِلَى مَكَانٍ
 
عَلَيْهِ تَحْسُدُ الْحَدَقَ الْقُلُوبُ١٠٨

وأحدث بنو كلاب حدثًا بنواحي بالس، وسار سيف الدولة خلفهم وأبو الطيب معه، فأدركهم بعد ليلة بين ماءين يعرفان بالغبارات والخرارات فأوقع بهم وملك الحريم فأبقى عليه، فقال أبو الطيب بعد رجوعه من هذه الغزوة — وأنشده إياها في جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة:

بِغَيْرِكَ رَاعِيًا عَبِثَ الذِّئَابُ
 
وَغَيْرَكَ صَارِمًا ثَلمَ الضِّرَابُ١٠٩
وَتَمْلِكُ أَنْفُسَ الثَّقَلَيْنِ طُرًّا
 
فَكَيْفَ تَحُوزُ أَنْفُسَهَا كِلَابُ١١٠
وَمَا تَرَكُوكَ مَعْصِيَةً وَلَكِنْ
 
يُعَافُ الْوِرْدُ وَالْمَوْتُ الشَّرَابُ١١١
طَلَبْتَهُمُ عَلَى الْأَمْوَاهِ حَتَّى
 
تَخَوَّفَ أَنْ تُفَتِّشَهُ السَّحَابُ١١٢
فَبِتَّ لَيَالِيًا لَا نَوْمَ فِيهَا
 
تَخُبُّ بِكَ الْمُسَوَّمَةُ الْعِرَابُ١١٣
يَهُزُّ الْجَيْشُ حَوْلَكَ جَانِبَيْهِ
 
كَمَا نَفَضَتْ جَنَاحَيْهَا الْعُقَابُ١١٤
وَتَسْأَلُ عَنْهُمُ الْفَلَوَاتِ حَتَّى
 
أَجَابَكَ بَعْضُهَا وَهْمُ الْجَوَابِ١١٥
فَقَاتَلَ عَنْ حَرِيمِهِمِ وَفَرُّوا
 
نَدَى كَفَّيْكَ وَالنَّسْبُ الْقُرَابُ١١٦
وَحِفْظُكَ فِيهِمِ سَلَفَيْ مَعَدٍّ
 
وَأَنَّهُمُ الْعَشَائِرُ وَالصِّحَابُ١١٧
تُكَفْكِفُ عَنْهُمُ صُمَّ الْعَوَالِي
 
وَقَدْ شَرِقَتْ بِظُعْنِهِمِ الشَّعَابُ١١٨
وَأُسْقِطَتِ الْأَجِنَّةُ فِي الْوَلَايَا
 
وَأُجْهِضَتِ الْحَوَائِلُ وَالسِّقَابُ١١٩
وَعَمْرٌو فِي مَيَامِنِهِمْ عُمُورٌ
 
وَكَعْبٌ فِي مَيَاسِرِهِمْ كِعَابُ١٢٠
وَقَدْ خَذَلَتْ أَبُو بَكْرٍ بَنِيهَا
 
وَخَاذَلَهَا قُرَيْظٌ وَالضِّبَابُ١٢١
إِذَا مَا سِرْتَ فِي آثَارِ قَوْمٍ
 
تَخَاذَلَتِ الْجَمَاجِمُ وَالرِّقَابُ١٢٢
فَعُدْنَ كَمَا أُخِذْنَ مُكَرَّمَاتٍ
 
عَلَيْهِنَّ الْقَلَائِدُ وَالْمَلَابُ١٢٣
يُثِبْنَكَ بِالَّذِي أَوْلَيْتَ شُكْرًا
 
وَأَيْنَ مِنَ الَّذِي تُولِي الثَّوَابُ١٢٤
وَلَيْسَ مَصِيرُهُنَّ إِلَيْكَ شَيْنًا
 
وَلَا فِي صَوْنِهِنَّ لَدَيْكَ عَابُ١٢٥
وَلَا فِي فَقْدِهِنَّ بَنِي كِلَابٍ
 
إِذَا أَبْصَرْنَ غُرَّتَكَ اغْتِرَابُ١٢٦
وَكَيْفَ يَتِمُّ بَأْسُكَ فِي أُنَاسٍ
 
تُصِيبُهُمُ فَيُؤْلِمُكَ الْمُصَابُ١٢٧
تَرَفَّقْ أَيُّهَا الْمَوْلَى عَلَيْهِمْ
 
فَإِنَّ الرِّفْقَ بِالْجَانِي عِتَابُ١٢٨
وَإِنَّهُمُ عَبِيدُكَ حَيْثُ كَانُوا
 
إِذَا تَدْعُو لِحَادِثَةٍ أَجَابُوا١٢٩
وَعَيْنُ الْمُخْطِئِينَ هُمُ وَلَيْسُوا
 
بِأَوَّلِ مَعْشَرٍ خَطِئُوا فَتَابُوا١٣٠
وَأَنْتَ حَيَاتُهُمْ غَضِبَتْ عَلَيْهِمْ
 
وَهَجْرُ حَيَاتِهِمْ لَهُمُ عِقَابُ١٣١
وَمَا جَهِلَتْ أَيَادِيَكَ الْبَوَادِي
 
وَلَكِنْ رُبَّمَا خَفِيَ الصَّوَابُ١٣٢
وَكَمْ ذَنْبٍ مُوَلِّدُهُ دَلَالٌ
 
وَكَمْ بُعْدٍ مُوَلِّدُهُ اقْتِرَابُ١٣٣
وَجُرْمٍ جَرَّهُ سُفَهَاءُ قَوْمٍ
 
وَحَلَّ بِغَيْرِ جَارِمِهِ الْعَذَابُ١٣٤
فَإِنْ هَابُوا بِجُرْمِهِمِ عَلِيًّا
 
فَقَدْ يَرْجُو عَلِيًّا مَنْ يَهَابُ١٣٥
وَإِنْ يَكُ سَيْفَ دَوْلَةِ غَيْرِ قَيْسٍ
 
فَمِنْهُ جُلُودُ قَيْسٍ وَالثِّيَابُ١٣٦
وَتَحْتَ رَبَابِهِ نَبَتُوا وَأَثُّوا
 
وَفِي أَيَّامِهِ كَثُرُوا وَطَابُوا١٣٧
وَتَحْتَ لِوَائِهِ ضَرَبُوا الْأَعَادِي
 
وَذَلَّ لَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ الصِّعَابُ١٣٨
وَلَوْ غَيْرُ الْأَمِيرِ غَزَا كِلَابًا
 
ثَنَاهُ عَنْ شُمُوسِهِمِ ضَبَابُ١٣٩
وَلَاقَى دُونَ ثَايهِمْ طِعَانًا
 
يُلَاقِي عِنْدَهُ الذِّئْبَ الْغُرَابُ١٤٠
وَخَيْلًا تَغْتَذِي رِيحَ الْمَوَامِي
 
وَيَكْفِيهَا مِنَ الْمَاءِ السَّرَابُ١٤١
وَلِكْن رَبُّهُمْ أَسْرَى إِلَيْهِمْ
 
فَمَا نَفَعَ الْوُقُوفُ وَلَا الذَّهَابُ١٤٢
وَلَا لَيْلٌ أَجَنَّ وَلَا نَهَارٌ
 
وَلَا خَيْلٌ حَمَلْنَ وَلَا رِكَابُ١٤٣
رَمَيْتَهُمُ بِبَحْرٍ مِنْ حَدِيدٍ
 
لَهُ فِي الْبَرِّ خَلْفَهُمُ عُبَابُ١٤٤
فَمَسَّاهُمْ وَبُسْطُهُمُ حَرِيرٌ
 
وَصَبَّحَهُمْ وَبُسْطُهُمُ تُرَابُ١٤٥
وَمَنْ فِي كَفِّهِ مِنْهُمْ قَنَاةٌ
 
كَمَنْ فِي كَفِّهِ مِنْهُمْ خِضَابُ١٤٦
بَنُو قَتْلَى أَبِيكَ بِأَرْضِ نَجْدٍ
 
وَمَنْ أَبْقَى وَأَبْقَتْهُ الْحِرَابُ١٤٧
عَفَا عَنْهُمْ وَأَعْتَقَهُمْ صِغَارَا
 
وَفِي أَعْنَاقِ أَكْثَرِهِمْ سِخَابُ١٤٨
وَكُلُّكُمُ أَتَى مَأْتَى أَبِيهِ
 
فَكُلُّ فَعَالِ كُلِّكُمُ عُجَابُ١٤٩
كَذَا فَلْيَسْرِ مَنْ طَلَبَ الْأَعَادِي
 
وَمِثْلَ سُرَاكَ فَلْيَكُنِ الطِّلَابُ١٥٠

وقال يرثي أخت سيف الدولة، وقد توفيت بميَّافارقين، وورد خبرها إلى الكوفة، فكتب أبو الطيب بهذه المرثية إليه من الكوفة سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة:

يَا أُخْتَ خَيْرِ أَخٍ يَا بِنْتَ خَيْرِ أَبٍ
 
كِنَايَةً بِهِمَا عَنْ أَشْرَفِ النَّسَبِ١٥١
أُجِلُّ قَدْرَكِ أَنْ تُسْمَيْ مُؤَبَّنَةً
 
وَمَنْ يَصِفْكِ فَقَدْ سَمَّاكِ لِلْعَرَبِ١٥٢
لَا يَمْلِكُ الطَّرِبُ الْمَحْزُونُ مَنْطِقَهُ
 
وَدَمْعَهُ وَهُمَا فِي قَبْضَةِ الطَّرَبِ١٥٣
غَدَرْتَ يَا مَوْتُ كَمْ أَفْنَيْتَ مِنْ عَدَدٍ
 
بِمَنْ أَصَبْتَ وَكَمْ أَسْكَتَّ مِنْ لَجَبِ١٥٤
وَكَمْ صَحِبَتْ أَخَاهَا فِي مُنَازَلَةٍ
 
وَكَمْ سَأَلْتَ فَلَمْ يَبْخَلْ وَلَمْ تَخِبِ١٥٥
طَوَى الْجَزِيرَةَ حَتَّى جَاءَنِي خَبَرٌ
 
فَزِعْتُ فِيهِ بِآمَالِي إِلَى الْكَذِبِ١٥٦
حَتَّى إِذَا لَمْ يَدَعْ لِي صِدْقُهُ أَمَلًا
 
شَرِقْتُ بِالدَّمْعِ حَتَّى كَادَ يَشْرَقُ بِي١٥٧
تَعَثَّرَتْ بِهِ فِي الْأَفْوَاهِ أَلْسُنُهَا
 
وَالْبُرْدُ فِي الطُّرْقِ وَالْأَقْلَامُ فِي الْكُتُبِ١٥٨
كَأَنَّ فَعْلَةَ لَمْ تَمْلَأْ مَوَاكِبُهَا
 
دِيَارَ بَكْرٍ وَلَمْ تَخْلَعْ وَلَمْ تَهَبِ١٥٩
وَلَمْ تَرُدَّ حَيَاةً بَعْدَ تَوْلِيَةٍ
 
وَلَمْ تُغِثْ دَاعِيًا بِالْوَيْلِ وَالْحَرَبِ١٦٠
أَرَى الْعِرَاقَ طَوِيلَ اللَّيْلِ مُذْ نُعِيَتْ
 
فَكَيْفَ لَيْلُ فَتَى الْفِتْيَانِ فِي حَلَبِ١٦١
يَظُنُّ أَنَّ فُؤَادِي غَيْرُ مُلْتَهِبٍ
 
وَأَنَّ دَمْعَ جُفُونِي غَيْرُ مُنْسَكِبِ١٦٢
بَلَى وَحُرْمَةِ مَنْ كَانَتْ مُرَاعِيَةً
 
لِحُرْمَةِ الْمَجْدِ وَالْقُصَّادِ وَالْأَدَبِ١٦٣
وَمَنْ مَضَتْ غَيْرَ مَوْرُوثٍ خَلَائِقُهَا
 
وَإِنْ مَضَتْ يَدُهَا مَوْرُوثَةَ النَّشَبِ١٦٤
وَهَمُّهَا فِي الْعُلَى وَالْمَجْدِ نَاشِئَةً
 
وَهَمُّ أَتْرَابِهَا فِي اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ١٦٥
يَعْلَمْنَ حِينَ تُحَيَّا حُسْنَ مَبْسِمِهَا
 
وَلَيْسَ يَعْلَمُ إِلَّا اللهُ بِالشَّنَبِ١٦٦
مَسَرَّةٌ فِي قُلُوبِ الطِّيبِ مَفْرِقُهَا
 
وَحَسْرَةٌ فِي قُلُوبِ الْبِيضِ وَالْيَلَبِ١٦٧
إِذَا رَأَى وَرَآهَا رَأْسَ لَابِسِهِ
 
رَأَى الْمَقَانِعَ أَعْلَى مِنْهُ فِي الرُّتَبِ١٦٨
وَإِنْ تَكُنْ خُلِقَتْ أُنْثَى لَقَدْ خُلِقَتْ
 
كَرِيمَةً غَيْرَ أُنْثَى الْعَقْلِ وَالْحَسَبِ١٦٩
وَإِنْ تَكُنْ تَغْلِبُ الْغَلْبَاءُ عُنْصُرَهَا
 
فَإِنَّ فِي الْخَمْرِ مَعْنًى لَيْسَ فِي الْعِنَبِ١٧٠
فَلَيْتَ طَالِعَةَ الشَّمْسَيْنِ غَائِبَةٌ
 
وَلَيْتَ غَائِبَةَ الشَّمْسَيْنِ لَمْ تَغِبِ١٧١
وَلَيْتَ عَيْنَ الَّتِي آبَ النَّهَارُ بِهَا
 
فِدَاءُ عَيْنِ الَّتِي زَالَتْ وَلَمْ تَؤُبِ١٧٢
فَمَا تَقَلَّدَ بِالْيَاقُوتِ مُشْبِهُهَا
 
وَلَا تَقَلَّدَ بِالْهِنْدِيَّةِ الْقُضُبِ١٧٣
وَلَا ذَكَرْتُ جَمِيلًا مِنْ صَنَائِعِهَا
 
إِلَّا بَكَيْتُ وَلَا وُدٌّ بِلَا سَبَبِ١٧٤
قَدْ كَانَ كُلُّ حِجَابٍ دُونَ رُؤْيَتِهَا
 
فَمَا قَنِعْتِ لَهَا يَا أَرْضُ بِالْحُجُبِ١٧٥
وَلَا رَأَيْتِ عُيُونَ الْإِنْسِ تُدْرِكُهَا
 
فَهَلْ حَسَدْتِ عَلَيْهَا أَعْيُنَ الشُّهُبِ١٧٦
وَهَلْ سَمِعْتِ سَلَامًا لِي أَلَمَّ بِهَا
 
فَقَدْ أَطَلْتُ وَمَا سَلَّمْتُ مِنْ كَثَبِ١٧٧
وَكَيْفَ يَبْلُغُ مَوْتَانَا الَّتِي دُفِنَتْ
 
وَقَدْ يُقَصِّرُ عَنْ أَحْيَائِنَا الْغَيَبِ١٧٨
يَا أَحْسَنَ الصَّبْرِ زُرْ أَوْلَى الْقُلُوبِ بِهَا
 
وَقُلْ لِصَاحِبِهِ يَا أَنْفَعَ السُّحُبِ١٧٩
وَأَكْرَمَ النَّاسِ لَا مُسْتَثْنِيًا أَحَدًا
 
مِنَ الْكِرَامِ سِوَى آبَائِكَ النُّجُبِ١٨٠
قَدْ كَانَ قَاسَمَكَ الشَّخْصَيْنِ دَهْرُهُمَا
 
وَعَاشَ دُرُّهُمَا الْمَفْدِيُّ بِالذَّهَبِ١٨١
وَعَادَ فِي طَلَبِ الْمَتْرُوكِ تَارِكُهُ
 
إِنَّا لَنَغْفُلُ وَالْأَيَّامُ فِي الطَّلَبِ١٨٢
مَا كَانَ أَقْصَرَ وَقْتًا كَانَ بَيْنَهُمَا
 
كَأَنَّهُ الْوَقْتُ بَيْنَ الْوِرْدِ وَالْقَرَبِ١٨٣
جَزَاكَ رَبُّكَ بِالْأَحْزَانِ مَغْفِرَةً
 
فَحُزْنُ كُلِّ أَخِي حُزْنٍ أَخُو الْغَضَبِ١٨٤
وَأَنْتُمُ نَفَرٌ تَسْخُو نُفُوسُكُمُ
 
بِمَا يَهَبْنَ وَلَا يَسْخُونَ بِالسَّلَبِ١٨٥
حَلَلْتُمُ مِنْ مُلُوكِ النَّاسِ كُلِّهِمِ
 
مَحَلَّ سُمْرِ الْقَنَا مِنْ سَائِرِ الْقَصَبِ١٨٦
فَلَا تَنَلْكَ اللَّيَالِي إِنَّ أَيْدِيَهَا
 
إِذَا ضَرَبْنَ كَسَرْنَ النَّبْعَ بِالْغَرَبِ١٨٧
وَلَا يُعِنَّ عَدُوًّا أَنْتَ قَاهِرُهُ
 
فَإِنَّهُنَّ يَصِدْنَ الصَّقْرَ بِالْخَرَبِ١٨٨
وَإِنْ سَرَرْنَ بِمَحْبُوبٍ فَجَعْنَ بِهِ
 
وَقَدْ أَتَيْنَكَ فِي الْحَالَيْنِ بِالْعَجَبِ١٨٩
وَرُبَّمَا احْتَسَبَ الْإِنْسَانُ غَايَتَهَا
 
وَفَاجَأَتْهُ بِأَمْرٍ غَيْرِ مُحْتَسَبِ١٩٠
وَمَا قَضَى أَحَدٌ مِنْهَا لُبَانَتَهُ
 
وَلَا انْتَهَى أَرَبٌ إِلَّا إِلَى أَرَبِ١٩١
تَخَالَفَ النَّاسُ حَتَّى لَا اتِّفَاقَ لَهُمْ
 
إِلَّا عَلَى شَجَبٍ وَالْخُلْفُ فِي الشَّجَبِ١٩٢
فَقِيلَ تَخْلُصُ نَفْسُ الْمَرْءِ سَالِمَةً١٩٣
 
وَقِيلَ تَشْرَكُ جِسْمَ الْمَرْءِ فِي الْعَطَبِ
وَمَنْ تَفَكَّرَ فِي الدُّنْيَا وَمُهْجَتِهِ
 
أَقَامَهُ الْفِكْرُ بَيْنَ الْعَجْزِ وَالتَّعَبِ١٩٤
وأنفذ إليه سيف الدولة كتابًا بخطه إلى الكوفة يسأله المسير إليه، فأجابه بهذه الأبيات، وأنفذها إليه ميَّافارِقِين، وكان ذلك في شهر ذي الحجة سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة:١٩٥
فَهِمْتُ الْكِتَابَ أَبَرَّ الْكُتُبْ
 
فَسَمْعًا لِأَمْرِ أَمِيرِ الْعَرَبْ١٩٦
وَطَوْعًا لَهُ وَابْتِهَاجًا بِهِ
 
وَإِنْ قَصَّرَ الْفِعْلُ عَمَّا وَجَبْ١٩٧
وَمَا عَاقَنِي غَيْرُ خَوْفِ الْوُشَاةِ
 
وَإِنَّ الْوِشَايَاتِ طُرْقُ الْكَذِبْ١٩٨
وَتَكْثِيرِ قَوْمٍ وَتَقْلِيلِهِمْ
 
وَتَقْرِيبِهِمْ بَيْنَنَا وَالْخَبَبْ١٩٩
وَقَدْ كَانَ يَنْصُرُهُمْ سَمْعُهُ
 
وَيَنْصُرُنِي قَلْبُهُ وَالْحَسَبْ٢٠٠
وَمَا قُلْتُ لِلْبَدْرِ أَنْتَ اللُّجَيـْ
 
ـنُ وَلَا قُلْتُ لِلشَّمْسِ أَنْتِ الذَّهَبْ٢٠١
فَيَقْلَقَ مِنْهُ الْبَعِيدُ الْأَنَاةِ
 
وَيَغْضَبَ مِنْهُ الْبَطِيءُ الْغَضَبْ٢٠٢
وَمَا لَاقَنِي بَلَدٌ بَعْدَكُمْ
 
وَلَا اعْتَضْتُ مِنْ رَبِّ نُعْمَاي رَبْ٢٠٣
وَمَنْ رَكِبَ الثَّوْرَ بَعْدَ الْجَوَا
 
دِ أَنْكَرَ أَظْلَافَهُ وَالْغَبَبْ٢٠٤
وَمَا قِسْتُ كُلَّ مُلُوكِ الْبِلَادِ
 
فَدَعْ ذِكْرَ بَعْضٍ بِمَنْ فِي حَلَبْ٢٠٥
وَلَوْ كُنْتُ سَمَّيْتُهُمْ بِاسْمِهِ
 
لَكَانَ الْحَدِيدَ وَكَانُوا الْخَشَبْ٢٠٦
أَفِي الرَّأيِ يُشْبَهُ أَمْ فِي السَّخَا
 
ءِ أَمْ فِي الشَّجَاعَةِ أَمْ فِي الْأَدَبْ٢٠٧
مُبَارَكُ الِاسْمِ أَغَرُّ اللَّقَبْ
 
كَرِيمُ الْجِرِشَّى شَرِيفُ النَّسَبْ٢٠٨
أَخُو الْحَرْبِ يُخْدِمُ مِمَّا سَبَى
 
قَنَاهُ وَيَخْلَعُ مِمَّا سَلَبْ٢٠٩
إِذَا حَازَ مَالًا فَقَدْ حَازَهُ
 
فَتًى لَا يُسَرُّ بِمَا لَا يَهَبْ٢١٠
وَإِنِّي لَأُتْبِعُ تَذْكَارَهُ
 
صَلَاةَ الْإِلَهِ وَسَقْيَ السُّحُبْ٢١١
وَأُثْنِي عَلَيْهِ بِآلَائِهِ
 
وَأَقْرُبُ مِنْهُ نَأَى أَوْ قَرُبْ٢١٢
وَإِنْ فَارَقَتْنِي أَمْطَارُهُ
 
فَأَكْثَرُ غُدْرَانِهَا مَا نَضَبْ٢١٣
أَيَا سَيْفَ رَبِّكَ لَا خَلْقِهِ
 
وَيَا ذَا الْمَكَارِمِ لَا ذَا الشُّطَبْ٢١٤
وَأَبْعَدَ ذِي هِمَّةٍ هِمَّةً
 
وَأَعْرَفَ ذِي رُتْبَةٍ بِالرُّتَبْ٢١٥
وَأَطْعَنَ مَنْ مَسَّ خَطِّيَّةً
 
وَأَضْرَبَ مِنْ بِحُسَامٍ ضَرَبْ٢١٦
بِذَا اللَّفْظِ نَادَاكَ أَهْلُ الثُّغُورِ
 
فَلَبَّيْتَ وَالْهَامُ تَحْتَ الْقُضُبْ٢١٧
وَقَدْ يَئِسُوا مِنْ لَذِيذِ الْحَيَاةِ
 
فَعَيْنٌ تَغُورُ وَقَلْبٌ يَجِبْ٢١٨
وَغَرَّ الدُّمُسْتُقَ قَوْلُ الْعُدَا
 
ةِ أَنَّ عَلِيًّا ثَقِيلٌ وَصِبْ٢١٩
وَقَدْ عَلِمَتْ خَيْلُهُ أَنَّهُ
 
إِذَا هَمَّ وَهْوَ عَلِيلٌ رَكِبْ٢٢٠
أَتَاهُمْ بِأَوْسَعَ مِنْ أَرْضِهِمْ
 
طِوَالَ السَّبِيبِ قِصَارَ الْعُسُبْ٢٢١
تَغِيبُ الشَّوَاهِقُ فِي جَيْشِهِ
 
وَتَبْدُو صِغَارًا إِذَا لَمْ تَغِبْ٢٢٢
وَلَا تَعْبُرُ الرِّيحُ فِي جَوِّهِ
 
إِذَا لَمْ تَخَطَّ الْقَنَا أَوْ تَثِبْ٢٢٣
فَغَرَّقَ مُدْنَهُمُ بِالْجُيُوشِ
 
وَأَخْفَتَ أَصْوَاتَهُمْ بِاللَّجَبْ٢٢٤
فَأَخْبِثْ بِهِ طَالِبًا قَهْرَهُمْ
 
وَأَخْبِثْ بِهِ تَارِكًا مَا طَلَبْ٢٢٥
نَأَيْتَ فَقَاتَلَهُمْ بِاللِّقَاءِ
 
وَجِئْتَ فَقَاتَلَهُمْ بِالْهَرَبْ٢٢٦
وَكَانُوا لَهُ الْفَخْرَ لَمَّا أَتَى
 
وَكُنْتَ لَهُ الْعُذْرَ لَمَّا ذَهَبْ٢٢٧
سَبَقْتَ إِلَيْهِمْ مَنَايَاهُمُ
 
وَمَنْفَعَةُ الْغَوْثِ قَبْلَ الْعَطَبْ٢٢٨
فَخَرُّوا لِخَالِقِهِمْ سُجَّدًا
 
وَلَوْ لَمْ تُغِثْ سَجَدُوا لِلصُّلُبْ٢٢٩
وَكَمْ ذُدْتَ عَنْهُمْ رَدًى بِالرَّدَى
 
وَكَشَّفْتَ مِنْ كُرَبٍ بِالْكُرَبْ٢٣٠
وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّهُ إِنْ يَعُدْ
 
يَعُدْ مَعَهُ الْمَلِكُ الْمُعْتَصِبْ٢٣١
وَيَسْتَنْصِرَانِ الَّذِي يَعْبُدَانِ
 
وَعِنْدَهُمَا أَنَّهُ قَدْ صُلِبْ٢٣٢
لِيَدْفَعَ مَا نَالَهُ عَنْهُمَا
 
فَيَا لَلرِّجَالِ لِهَذَا الْعَجَبْ٢٣٣
أَرَى الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْمُشْرِكِيـ
 
ـنَ إِمَّا لِعَجْزٍ وَإِمَّا رَهَبْ٢٣٤
وَأَنْتَ مَعَ اللهِ فِي جَانِبٍ
 
قَلِيلُ الرُّقَادِ كَثِيرُ التَّعَبْ٢٣٥
كَأَنَّكَ وَحْدَكَ وَحَّدْتَهُ
 
وَدَانَ الْبَرِيَّةُ بِابْنِ وَأَبْ٢٣٦
فَلَيْتَ سُيُوفَكَ فِي حَاسِدٍ
 
إِذَا مَا ظَهَرَتْ عَلَيْهِمْ كَئِبْ٢٣٧
وَلَيْتَ شَكَاتَكَ فِي جِسْمِهِ
 
وَلَيْتَكَ تَجْزِي بِبُغْضٍ وَحُبْ٢٣٨
فَلَوْ كُنْتَ تَجْزِي بِهِ نِلْتُ مِنـْ
 
ـكَ أَضْعَفَ حَظٍّ بِأَقْوَى سَبَبْ٢٣٩
وقال في صباه ارتجالًا، وقد عذله أبو سعيد المجَيْمري٢٤٠ على تركه لقاء الملوك:
أَبَا سَعِيدٍ جَنِّبِ الْعِتَابَا
 
فَرُبَّ رَائِي خَطَأٍ صَوَابَا٢٤١
فَإِنَّهُمْ قَدْ أَكْثَرُوا الْحُجَّابَا
 
وَاسْتَوْقَفُوا لِرَدِّنَا الْبَوَّابَا٢٤٢
وَإِنَّ حَدَّ الصَّارِمِ الْقِرْضَابَا
 
وَالذَّابِلَاتِ السُّمْرَ وَالْعَرَابَا
يَرْفَعُ فِيمَا بَيْنَنَا الْحِجَابَا٢٤٣

وقال في صباه ارتجالًا لبعض الكلابيين وهم على شراب:

لِأَحِبَّتِي أَنْ يَمْلَئُوا
 
بِالصَّافِيَاتِ الْأَكْوُبَا٢٤٤
وَعَلَيْهِمِ أَنْ يَبْذُلُوا٢٤٥
 
وَعَليَّ أَنْ لَا أَشْرَبَا
حَتَّى تَكُونَ الْبَاتِرَا
 
تُ الْمُسْمِعَاتُ فَأَطْرَبَا٢٤٦
وقال يرثي محمد بن إسحاق التنوخي، وينفي الشماتة عن بني عمه:٢٤٧
لِأَيِّ صُرُوفِ الدَّهْرِ فِيهِ نُعَاتِبُ
 
وَأَيَّ رَزَايَاهُ بِوِتْرٍ نُطَالِبُ٢٤٨
مَضَى مَنْ فَقَدْنَا صَبْرَنَا عِنْدَ فَقْدِهِ
 
وَقَدْ كَانَ يُعْطِي الصَّبْرَ وَالصَّبْرُ عَازِبُ٢٤٩
يَزُورُ الْأَعَادِي فِي سَمَاءِ عَجَاجَةٍ
 
أَسِنَّتُهُ فِي جَانِبَيْهَا الْكَوَاكِبُ٢٥٠
فَتُسْفِرُ عَنْهُ وَالسُّيُوفُ كَأَنَّمَا
 
مَضَارِبُهَا مِمَّا انْفَلَلْنَ ضَرَائِبُ٢٥١
طَلَعْنَ شُمُوسًا وَالْغُمُودُ مَشَارِقُ
 
لَهُنَّ وَهَامَاتُ الرِّجَالِ مَغَارِبُ٢٥٢
مَصَائِبُ شَتَّى جُمِّعَتْ فِي مُصِيبَةٍ
 
وَلَمْ يَكْفِهَا حَتَّى قَفَتْهَا مَصَائِبُ٢٥٣
رَثَى ابْنَ أَبِينَا غَيْرُ ذِي رَحِمٍ لَهُ
 
فَبَاعَدَنَا مِنْهُ وَنَحْنُ الْأَقَارِبُ٢٥٤
وَعَرَّضَ أَنَّا شَامِتُونَ بِمَوْتِهِ
 
وَإِلَّا فَزَارَتْ عَارِضَيْهِ الْقَوَاضِبُ٢٥٥
أَلَيْسَ عَجِيبًا أَنَّ بَيْنَ بَنِي أَبٍ
 
لِنَجْلِ يَهُودِيٍّ تَدِبُّ الْعَقَارِبُ٢٥٦
أَلَا إِنَّمَا كَانَتْ وَفَاةُ مُحَمَّدٍ
 
دَلِيلًا عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلهِ غَالِبُ٢٥٧

وقال يمدح المغيث بن عليِّ بن بشر العجلي:

دَمْعٌ جَرَى فَقَضَى فِي الرَّبْعِ مَا وَجَبَا
 
لِأَهْلِهِ وَشَفَى أَنَّى وَلَا كَرَبَا٢٥٨
عُجْنَا فَأَذْهَبَ مَا أَبْقَى الْفِرَاقُ لَنَا
 
مِنَ الْعُقُولِ وَمَا رَدَّ الَّذِي ذَهَبَا٢٥٩
سَقَيْتُهُ عَبَرَاتٍ ظَنَّهَا مَطَرًا
 
سَوَائِلًا مِنْ جُفُونٍ ظَنَّهَا سُحُبَا٢٦٠
دَارُ الْمُلِمِّ لَهَا طَيْفٌ تَهَدَّدَنِي
 
لَيْلًا فَمَا صَدَقَتْ عَيْنِي وَلَا كَذَبَا٢٦١
نَاءَيْتُهُ فَدَنَا أَدْنَيْتُهُ فَنَأَى
 
جَمَّشْتُهُ فَنَبَا قَبَّلْتُهُ فَأَبَى٢٦٢
هَامَ الْفُؤَادُ بِأَعْرَابِيَّةٍ سَكَنَتْ
 
بَيْتًا مِنَ الْقَلْبِ لَمْ تَمْدُدْ لَهُ طُنُبَا٢٦٣
مَظْلُومَةُ الْقَدِّ فِي تَشْبِيهِهِ غُصُنًا
 
مَظْلُومَةُ الرِّيقِ فِي تَشْبِيهِهِ ضَرَبَا٢٦٤
بَيْضَاءُ تُطْمِعُ فِيمَا تَحْتَ حُلَّتِهَا
 
وَعَزَّ ذَلِكَ مَطْلُوبًا إِذَا طُلِبَا٢٦٥
كَأَنَّهَا الشَّمْسُ يُعْيِي كَفَّ قَابِضِهِ
 
شُعَاعُهَا وَيَرَاهُ الطَّرْفُ مُقْتَرِبَا٢٦٦
مَرَّتْ بِنَا بَيْنَ تِرْبَيْهَا فَقُلْتُ لَهَا
 
مِنْ أَيْنَ جَانَسَ هَذَا الشَّادِنُ الْعَرَبَا٢٦٧
فَاسْتَضْحَكَتْ ثُمَّ قَالَتْ كَالْمُغِيثِ يُرَى
 
لَيْثَ الشَّرَى وَهْوَ مِنْ عِجْلٍ إِذَا انْتَسَبَا٢٦٨
جَاءَتْ بِأَشْجَعَ مَنْ يُسْمَى وَأَسْمَحَ مَنْ
 
أَعْطَى وَأَبْلَغَ مَنْ أَمْلَى وَمَنْ كَتَبَا٢٦٩
لَوْ حَلَّ خَاطِرُهُ فِي مُقْعَدٍ لَمَشَى
 
أَوْ جَاهِلٍ لَصَحَا أَوْ أَخْرَسٍ خَطَبَا٢٧٠
إِذَا بَدَا حَجَبَتْ عَيْنَيْكَ هَيْبَتُهُ
 
وَلَيْسَ يَحْجُبُهُ سِتْرٌ إِذَا احْتَجَبَا٢٧١
بَيَاضُ وَجْهٍ يُرِيكَ الشَّمْسَ حَالِكَةً
 
وَدُرُّ لَفْظٍ يُرِيكَ الدُّرَّ مَخْشَلَبَا٢٧٢
وَسَيْفُ عَزْمٍ تَرُدُّ السَّيْفَ هِبَّتُهُ
 
رَطْبَ الْغِرَارِ مِنَ التَّأْمُورِ مُخْتَضِبَا٢٧٣
عُمْرُ الْعَدُوِّ إِذَا لَاقَاهُ فِي رَهَجٍ
 
أَقَلُّ مِنْ عُمْرِ مَا يَحْوِي إِذَا وَهَبَا٢٧٤
تَوَقَّهُ فَمَتَى مَا شِئْتَ تَبْلُوَهُ
 
فَكُنْ مُعَادِيَهُ أَوْ كُنْ لَهُ نَشَبَا٢٧٥
تَحْلُو مَذَاقَتُهُ حَتَّى إِذَا غَضِبَا
 
حَالَتْ فَلَوْ قَطَرَتْ فِي الْمَاءِ مَا شُرِبَا٢٧٦
وَتَغْبِطُ الْأَرْضُ مِنْهَا حَيْثُ حَلَّ بِهِ
 
وَتَحْسُدُ الْخَيْلُ مِنْهَا أَيَّهَا رَكِبَا٢٧٧
وَلَا يَرُدُّ بِفِيهِ كَفَّ سَائِلِهِ
 
عَنْ نَفْسِهِ وَيَرُدُّ الْجَحْفَلَ اللَّجِبَا٢٧٨
وَكُلَّمَا لَقِيَ الدِّينَارُ صَاحِبَهُ
 
فِي مُلْكِهِ افْتَرَقَا مِنْ قَبْلِ يَصْطَحِبَا٢٧٩
مَالٌ كَأَنَّ غُرَابَ الْبَيْنِ يَرْقُبُهُ
 
فَكُلَّمَا قِيلَ هَذَا مُجْتَدٍ نَعَبَا٢٨٠
بَحْرٌ عَجَائِبُهُ لَمْ تُبْقِ فِي سَمَرٍ
 
وَلَا عَجَائِبِ بَحْرٍ بَعْدَهَا عَجَبَا٢٨١
لَا يُقْنِعُ ابْنَ عَلِيٍّ نَيْلُ مَنْزِلَةٍ
 
يَشْكُو مُحَاوِلُهَا التَّقْصِيرَ وَالْتَّعَبَا٢٨٢
هَزَّ اللِّوَاءَ بَنُو عِجْلٍ بِهِ فَغَدَا
 
رَأْسًا لَهُمْ وَغَدَا كُلٌّ لَهُمْ ذَنَبَا٢٨٣
التَّارِكِينَ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَهْوَنَهَا
 
وَالرَّاكِبِينَ مِنَ الْأَشْيَاءِ مَا صَعُبَا٢٨٤
مُبَرْقِعِي خَيْلِهِمْ بِالْبِيضِ مُتَّخِذِي
 
هَامِ الْكُمَاةِ عَلَى أَرْمَاحِهِمْ عَذَبَا٢٨٥
إِنَّ الْمَنِيَّةَ لَوْ لَاقَتْهُمُ وَقَفَتْ
 
خَرْقَاءَ تَتَّهِمُ الْإِقْدَامَ وَالْهَرَبَا٢٨٦
مَرَاتِبٌ صَعِدَتْ وَالْفِكْرُ يَتْبَعُهَا
 
فَجَازَ وَهْوَ عَلَى آثَارِهَا الشُّهُبَا٢٨٧
مَحَامِدٌ نَزَفَتْ شِعْرِي لِيَمْلَأَهَا
 
فَآلَ مَا امْتَلَأَتْ مِنْهُ وَلَا نَضَبَا٢٨٨
مَكَارِمٌ لَكَ فُتَّ الْعَالَمِينَ بِهَا
 
مَنْ يَسْتَطِيعُ لِأَمْرٍ فَائِتٍ طَلَبَا٢٨٩
لَمَّا أَقَمْتَ بِإِنْطَاكِيَّةَ اخْتَلَفَتْ
 
إِلَيَّ بِالْخَبَرِ الرُّكْبَانُ فِي حَلَبَا٢٩٠
فَسِرْتُ نَحْوَكَ لَا أَلْوِي عَلَى أَحَدٍ
 
أَحُثُّ رَاحِلَتِيَّ الْفَقْرَ وَالْأَدَبَا٢٩١
أَذَاقَنِي زَمَنِي بَلْوَى شَرِقْتُ بِهَا
 
لَو ذَاقَهَا لَبَكَى مَا عَاشَ وَانْتَحَبَا٢٩٢
وَإِنْ عَمَرْتُ جَعَلْتُ الْحَرْبَ وَالِدَةً
 
وَالسَّمْهَرِيَّ أَخًا وَالْمَشْرَفِيَّ أَبَا٢٩٣
بِكُلِّ أَشْعَثَ يَلْقَى الْمَوْتَ مُبْتَسِمًا
 
حَتَّى كَأَنَّ لَهُ فِي قَتْلِهِ أَرَبَا٢٩٤
قُحٍّ يَكَادُ صَهِيلُ الْخَيْلِ يَقْذِفُهُ
 
٢٩٥ عَنْ سَرْجِهِ مَرَحًا بِالْغَزْوِ أَوْ طَرَبَا
فَالْمَوْتُ أَعْذَرُ لِي وَالصَّبْرُ أَجْمَلُ بِي
 
وَالْبَرُّ أَوْسَعُ وَالدُّنْيَا لِمَنْ غَلَبَا٢٩٦
وقال يمدح علي بن منصور الحاجب:٢٩٧
بِأَبِي الشُّمُوسُ الْجَانِحَاتُ غَوَارِبَا
 
اللَّابِسَاتُ مِنَ الْحَرِيرِ جَلَابِبَا٢٩٨
الْمُنْهِبَاتُ قُلُوبَنَا وَعُقُولَنَا
 
وَجَنَاتِهِنَّ النَّاهِبَاتِ النَّاهِبَا٢٩٩
النَّاعِمَاتُ الْقَاتِلَاتُ الْمُحْيِيَا
 
تُ الْمُبْدِيَاتُ مِنَ الدَّلَالِ غَرَائِبَا٣٠٠
حَاوَلْنَ تَفْدِيَتِي وَخِفْنَ مُرَاقِبًا
 
فَوَضَعْنَ أَيْدِيَهُنَّ فَوْقَ تَرَائِبَا٣٠١
وَبَسَمْنَ عَنْ بَرَدٍ خَشِيتُ أُذِيبَهُ
 
مِنْ حَرِّ أَنْفَاسِي فَكُنْتُ الذَّائِبَا٣٠٢
يَا حَبَّذَا الْمُتَحَمِّلُونَ وَحَبَّذَا
 
وَادٍ لَثَمْتُ بِهِ الْغَزَالَةَ كَاعِبَا٣٠٣
كَيْفَ الرَّجَاءُ مِنَ الْخُطُوبِ تَخَلُّصًا
 
مِنْ بَعْدِ مَا أَنْشَبْنَ فِيَّ مَخَالِبَا٣٠٤
أَوْحَدْنَنِي وَوَجَدْنَ حُزْنًا وَاحِدًا
 
مُتَنَاهِيًا فَجَعَلْنَهُ لِيَ صَاحِبَا٣٠٥
وَنَصَبْنَنِي غَرَضَ الرُّمَاةِ تُصِيبُنِي
 
مِحَنٌ أَحَدُّ مِنَ السُّيُوفِ مَضَارِبَا٣٠٦
أَظْمَتْنِيَ الدُّنْيَا فَلَمَّا جِئْتُهَا
 
مُسْتَسْقِيًا مَطَرَتْ عَلَيَّ مَصَائِبَا٣٠٧
وَحُبِيتُ مِنْ خُوصِ الرِّكَابِ بِأَسْوَدٍ
 
مِنْ دَارِشٍ فَغَدَوْتُ أَمْشِي رَاكِبَا٣٠٨
حَالٌ مَتَى عَلِمَ ابْنُ مَنْصُورٍ بِهَا
 
جَاءَ الزَّمَانُ إِلَيَّ مِنْهَا تَائِبَا٣٠٩
مَلِكٌ سِنَانُ قَنَاتِهِ وَبَنَانُهُ
 
يَتَبَارَيَانِ دَمًا وَعُرْفًا سَاكِبَا٣١٠
يَسْتَصْغِرُ الْخَطَرَ الْكَبِيرَ لِوَفْدِهِ
 
وَيَظُنُّ دِجْلَةَ لَيْسَ تَكْفِي شَارِبَا٣١١
كَرَمًا فَلَوْ حَدَّثْتَهُ عَنْ نَفْسِهِ
 
بِعَظِيمِ مَا صَنَعَتْ لَظَنَّكَ كَاذِبَا٣١٢
سَلْ عَنْ شَجَاعَتِهِ وَزُرْهُ مُسَالِمًا
 
وَحَذَارِ ثُمَّ حَذَارِ مِنْهُ مُحَارِبَا٣١٣
فَالْمَوْتُ تُعْرَفُ بِالصِّفَاتِ طِبَاعُهُ
 
لَمْ تَلْقَ خَلْقًا ذَاقَ مَوْتًا آيِبَا٣١٤
إِنْ تَلْقَهُ لَا تَلْقَ إِلَّا قَسْطَلًا
 
أَوْ جَحْفَلًا أَوْ طَاعِنًا أَوْ ضَارِبَا٣١٥
أَوْ هَارِبًا أَوْ طَالِبًا أَوْ رَاغِبًا
 
أَوْ رَاهِبًا أَوْ هَالِكًا أَوْ نَادِبَا٣١٦
وَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى الْجِبَالِ رَأَيْتَهَا
 
فَوْقَ السُّهُولِ عَوَاسِلًا وَقَوَاضِبَا٣١٧
وَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى السُّهُولِ رَأَيْتَهَا
 
تَحْتَ الْجِبَالِ فَوَارِسًا وَجَنَائِبَا٣١٨
وَعَجَاجَةً تَرَكَ الْحَدِيدُ سَوَادَهَا
 
زِنْجًا تَبَسَّمُ أَوْ قَذَالًا شَائِبَا٣١٩
فَكَأَنَّمَا كُسِيَ النَّهَارُ بِهَا دُجَى
 
لَيْلٍ وَأَطْلَعَتِ الرِّمَاحُ كَوَاكِبَا٣٢٠
قَدْ عَسْكَرَتْ مَعَهَا الرَّزَايَا عَسْكَرًا
 
وَتَكَتَّبَتْ فِيهَا الرِّجَالُ كَتَائِبَا٣٢١
أُسُدٌ فَرَائِسُهَا الْأُسُودُ يَقُودُهَا
 
أَسَدٌ تَصِيرُ لَهُ الْأُسُودُ ثَعَالِبَا
فِي رُتْبَةٍ حَجَبَ الْوَرَى عَنْ نَيْلِهَا
 
وَعَلَا فَسَمَّوْهُ عَلِيَّ الْحَاجِبَا٣٢٢
وَدَعَوْهُ مِنْ فَرْطِ السَّخَاءِ مُبَذِّرًا
 
وَدَعَوْهُ مِنْ غَصْبٍ النُّفُوسِ الْغَاصِبَا
هَذَا الَّذِي أَفْنَى النُّضَارَ مَوَاهِبًا
 
وَعِدَاهُ قَتْلًا وَالزَّمَانَ تَجَارِبَا٣٢٣
وَمُخَيِّبُ الْعُذَّالِ فِيمَا أَمَّلُوا
 
مِنْهُ وَلَيْسَ يَرُدُّ كَفًّا خَائِبَا٣٢٤
هَذَا الَّذِي أَبْصَرْتُ مِنْهُ حَاضِرًا
 
مِثْلُ الَّذِي أَبْصَرْتُ مِنْهُ غَائِبَا٣٢٥
كَالْبَدْرِ مِنْ حَيْثُ الْتَفَتَّ رَأَيْتَهُ
 
يُهْدِي إِلَى عَيْنَيْكَ نُورًا ثَاقِبَا٣٢٦
كَالْبَحْرِ يَقْذِفُ لِلْقَرِيبِ جَوَاهِرًا
 
جُودًا وَيَبْعَثُ لِلْبَعِدِ سَحَائِبَا
كَالشَّمْسِ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ وَضَوْءُهَا
 
يَغْشَى الْبِلَادَ مَشَارِقًا وَمَغَارِبَا
أَمُهَجِّنَ الْكُرَمَاءِ وَالْمُزْرِي بِهِمْ
 
وَتَرُوكَ كُلِّ كَرِيمِ قَوْمٍ عَاتِبَا٣٢٧
شَادُوا مَنَاقِبَهُمْ وَشِدْتَ مَنَاقِبًا
 
وُجِدَتْ مَنَاقِبُهُمْ بِهِنَّ مَثَالِبَا٣٢٨
لَبَّيْكَ غَيْظَ الْحَاسِدِينَ الرَّاتِبَا
 
إِنَّا لَنَخْبُرُ مِنْ يَدَيْكَ عَجَائِبَا٣٢٩
تَدْبِيرُ ذِي حُنَكٍ يُفَكِّرُ فِي غَدٍ
 
وَهُجُومُ غِرٍّ لَا يَخَافُ عَوَاقِبَا٣٣٠
وَعَطَاءُ مَالٍ لَوْ عَدَاهُ طَالِبٌ
 
أَنْفَقْتَهُ فِي أَنْ تُلَاقِيَ طَالِبَا٣٣١
خُذْ مِنْ ثَنَايَ عَلَيْكَ مَا أَسْطِيعُهُ
 
لَا تُلْزِمَنِّي فِي الثَّنَاءِ الْوَاجِبَا٣٣٢
فَلَقَدْ دَهِشْتُ لِمَا فَعَلْتُ وَدُونَهُ
 
مَا يُدْهِشُ الْمَلَكَ الْحَفِيظَ الْكَاتِبَا٣٣٣

وقال يمدح بدر بن عمار ارتجالًا، وهو على الشراب والفاكهة والنرجس حوله:

إِنَّمَا بَدْرُ بْنُ عَمَّارٍ سَحَابُ
 
هَطِلٌ فِيهِ ثَوَابٌ وَعِقَابُ٣٣٤
إِنَّمَا بَدْرٌ رَزَايَا وَعَطَايَا
 
وَمَنَايَا وَطِعَانٌ وَضِرَابُ٣٣٥
مَا يُجِيلُ الطَّرْفَ إِلَّا حَمِدَتْهُ
 
جُهْدَهَا الْأَيْدِي وَذَمَّتْهُ الرِّقَابُ٣٣٦
مَا بِهِ قَتْلُ أَعَادِيهِ وَلَكِنْ
 
يَتَّقِي إِخْلَافَ مَا تَرْجُو الذِّئَابُ٣٣٧
فَلَهُ هَيْبَةُ مَنْ لَا يُتَرَجَّى
 
وَلَهُ جُودُ مُرَجًّى لَا يُهَابُ٣٣٨
طَاعِنُ الْفُرْسَانِ فِي الْأَحْدَاقِ شَزْرًا
 
وَعَجَاجُ الْحَرْبِ لِلشَّمْسِ نِقَابُ٣٣٩
بَاعِثُ النَّفْسِ عَلَى الْهَوْلِ الَّذِي لَيـْ
 
ـسَ لِنَفْسٍ وَقَعَتْ فِيهِ إِيَابُ٣٤٠
بِأَبِي رِيحُكَ لَا نَرْجِسُنَا ذَا
 
وَأَحادِيثُكَ لَا هَذَا الشَّرَابُ٣٤١
لَيْسَ بِالْمُنْكَرِ إِنْ بَرَّزْتَ سَبْقًا
 
غَيْرُ مَدْفُوعٍ عَنِ السَّبْقِ الْعِرَابُ٣٤٢

وجلس بدر بن عمار يلعب بالشطرنج، وقد كثر المطر، فقال أبو الطيب:

أَلَمْ تَرَ أَيُّهَا الْمَلِكُ الْمُرَجَّى
 
عَجَائِبَ مَا رَأَيْتُ مِنَ السَّحَابِ
تَشَكَّى الْأَرْضُ غَيْبَتَهُ إِلَيْهِ
 
وَتَرْشُفُ مَاءَهُ رَشْفَ الرُّضَابِ؟٣٤٣
وَأُوهِمُ أَنَّ فِي الشِّطْرَنْجِ هَمِّي
 
وَفِيكَ تَأَمُّلِي وَلَكَ انْتِصَابِي٣٤٤
سَأَمْضِي وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ مِنِّي
 
مَغِيبِي لَيْلَتِي وَغَدًا إِيَابِي٣٤٥

وقال في لعبةٍ أُحضرت مجلس بدر على صورة جارية، وأديرت فوقفت حذاء بدر رافعة رجلها، وكانت ترقص بحركات:

يَا ذَا الْمَعَالِي وَمَعْدِنَ الْأَدَبِ
 
سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِ الْعَرَبِ
أَنْتَ عَلِيمٌ بِكُلِّ مُعْجِزَةٍ
 
وَلَوْ سَأَلْنَا سِوَاكَ لَمْ يُجِبِ٣٤٦
أَهَذِه قَابَلَتْكَ رَاقِصَةً
 
أَمْ رَفَعَتْ رِجْلَهَا مِنَ التَّعَبِ؟

وقال يمدح علي بن محمد بن سيار بن مُكرَم التميمي، وكان يحب الرمي بالنشاب ويتعاطاه، وكان له وكيل يتعرض للشعر، فأنفذه إلى أبي الطيب يناشده، فتلقاه وأجلسه في مجلسه، ثم كتب إلى عليٍّ يقول:

ضُرُوبُ النَّاسِ عُشَّاقٌ ضُرُوبَا
 
فَأَعْذَرُهُمْ أَشَفُّهُمُ حَبِيبَا٣٤٧
وَمَا سَكَنِي سِوَى قَتْلِ الْأَعَادِي
 
فَهَلْ مِنْ زَوْرَةٍ تَشْفِي الْقُلُوبَا؟٣٤٨
تَظَلُّ الطَّيْرُ مِنْهَا فِي حَدِيثٍ
 
تَرُدُّ بِهِ الصَّرَاصِرَ وَالنَّعِيبَا٣٤٩
وَقَدْ لَبِسَتْ دِمَاءَهُمُ عَلَيْهِمْ
 
حِدَادًا لَمْ تَشُقَّ لَهَا جُيُوبَا٣٥٠
أَدَمْنَا طَعْنَهُمْ وَالْقَتْلَ حَتَّى
 
خَلَطْنَا فِي عِظَامِهِمِ الْكُعُوبَا٣٥١
كَأَنَّ خُيُولَنَا كَانَتْ قَدِيمًا
 
تُسَقَّى فِي قُحُوفِهِمِ الْحَلِيبَا٣٥٢
فَمَرَّتْ غَيْرَ نَافِرَةٍ عَلَيْهِمْ
 
تَدُوسُ بِنَا الْجَمَاجِمَ وَالتَّرِيبَا٣٥٣
يُقَدِّمُهَا وَقَدْ خُضِبَتْ شَوَاهَا
 
فَتًى تَرْمِي الْحُرُوبُ بِهِ الْحُرُوبَا٣٥٤
شَدِيدُ الْخُنْزُوَانَةِ لَا يُبَالِي
 
أَصَابَ إِذَا تَنَمَّرَ أَمْ أُصِيبَا٣٥٥
أَعَزْمِي طَالَ هَذَا اللَّيْلُ فَانْظُرْ
 
أَمِنْكَ الصُّبْحُ يَفْرَقُ أَنْ يَئُوبَا؟٣٥٦
كَأَنَّ الْفَجْرَ حِبٌّ مُسْتَزَارٌ
 
يُرَاعِي مِنْ دُجُنَّتِهِ رَقِيبَا٣٥٧
كَأَنَّ نُجُومَهُ حَلْيٌ عَلَيْهِ
 
وَقَدْ حُذِيَتْ قَوَائِمُهُ الْجَبُوبَا٣٥٨
كَأَنَّ الْجَوَّ قَاسَى مَا أُقَاسِي
 
فَصَارَ سَوَادُهُ فِيهِ شُحُوبَا٣٥٩
كَأَنَّ دُجَاهُ يَجْذِبُهَا سُهَادِي
 
فَلَيْسَ تَغِيبُ إِلَّا أَنْ يَغِيبَا٣٦٠
أُقَلِّبُ فِيهِ أَجْفَانِي كَأَنِّي
 
أَعُدُّ بِهِ عَلَى الدَّهْرِ الذُّنُوبَا٣٦١
وَمَا لَيْلٌ بِأَطْوَلَ مِنْ نَهَارٍ
 
يَظَلُّ بِلَحْظِ حُسَّادِي مَشُوبَا٣٦٢
وَمَا مَوْتٌ بِأَبْغَضَ مِنْ حَيَاةٍ
 
أَرَى لَهُمُ مَعِي فِيهَا نَصِيبَا٣٦٣
عَرَفْتُ نَوَائِبَ الْحَدَثَانِ حَتَّى
 
لَوِ انْتَسَبَتْ لَكُنْتُ لَهَا نَقِيبَا٣٦٤
وَلَمَّا قَلَّتِ الْإِبِلُ امْتَطَيْنَا
 
إِلَى ابْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْخُطُوبَا٣٦٥
مَطَايَا لَا تَذِلُّ لِمَنْ عَلَيْهَا
 
وَلَا يَبْغِي لَهَا أَحَدٌ رُكُوبَا٣٦٦
وَتَرْتَعُ دُونَ نَبْتِ الْأَرْضِ فِينَا
 
فَمَا فَارَقْتُهَا إِلَّا جَدِيبَا٣٦٧
إِلَى ذِي شِيمَةٍ شَعَفَتْ فُؤَادِي
 
فَلَوْلَاهُ لَقُلْتُ بِهَا النَّسِيبَا٣٦٨
تُنَازِعُنِي هَوَاهَا كُلُّ نَفْسٍ
 
وَإِنْ لَمْ تُشْبِهِ الرَّشَأَ الرَّبِيبَا٣٦٩
عَجِيبٌ فِي الزَّمَانِ وَمَا عَجِيبٌ
 
أَتَى مِنْ آلِ سَيَّارٍ عَجِيبَا٣٧٠
وَشَيْخٌ فِي الشَّبَابِ وَلَيْسَ شَيْخًا
 
يُسَمَّى كُلُّ مَنْ بَلَغَ الْمَشِيبَا٣٧١
قَسَا فَالْأُسْدُ تَفْزَعُ مِنْ قُوَاهُ
 
وَرَقَّ فَنَحْنُ نَفْزَعُ أَنْ يَذُوبَا٣٧٢
أَشَدُّ مِنَ الرِّيَاحِ الْهُوجِ بَطْشًا
 
وَأَسْرَعُ فِي النَّدَى مِنْهَا هُبُوبَا٣٧٣
وَقَالُوا ذَاكَ أَرْمَى مَنْ رَأَيْنَا
 
فَقُلْتُ رَأَيْتُمُ الْغَرَضَ الْقَرِيبَا٣٧٤
وَهَلْ يُخْطِي بِأَسْهُمِهِ الرَّمَايَا
 
وَمَا يُخْطِي بِمَا ظَنَّ الْغُيُوبَا٣٧٥
إِذَا نُكِبَتْ كِنَانَتُهُ اسْتَبَنَّا
 
بِأَنْصُلِهَا لِأَنْصُلِهَا نُدُوبَا٣٧٦
يُصِيبُ بِبَعْضِهَا أَفْوَاقَ بَعْضٍ
 
فَلَوْلَا الْكَسْرُ لَاتَّصَلَتْ قَضِيبَا٣٧٧
بِكُلِّ مُقَوَّمٍ لَمْ يَعْصِ أَمْرًا
 
لَهُ حَتَّى ظَنَنَّاهُ لَبِيبَا٣٧٨
يُرِيكَ النَّزْعُ بَيْنَ الْقَوْسِ مِنْهُ
 
وَبَيْنَ رَمِيِّهِ الْهَدَفَ الْمَهِيبَا٣٧٩
أَلَسْتَ ابْنَ الْأُلَى سَعِدُوا وَسَادُوا
 
وَلَمْ يَلِدُوا امْرَأً إِلَّا نَجِيبَا٣٨٠
وَنَالُوا مَا اشْتَهَوْا بِالْحَزْمِ هَوْنًا
 
وَصَادَ الْوَحْشَ نَمْلُهُمُ دَبِيبَا٣٨١
وَمَا رِيحُ الرِّيَاضِ لَهَا وَلَكِنْ
 
كَسَاهَا دَفْنُهُمْ فِي التُّرْبِ طِيبَا٣٨٢
أَيَا مَنْ عَادَ رُوحُ الْمَجْدِ فِيهِ
 
وَعَادَ زَمَانُهُ التَّالِي قَشِيبَا٣٨٣
تَيَمَّمَنِي وَكِلُكَ مَادِحًا لِي
 
وَأَنْشَدَنِي مِنَ الشِّعْرِ الْغَرِيبَا٣٨٤
فَآجَرَكَ الْإِلَهُ عَلَى عَلِيلٍ
 
بَعَثْتَ إِلَى الْمَسِيحِ بِهِ طَبِيبَا٣٨٥
وَلَسْتُ بِمُنْكِرٍ مِنْكَ الْهَدَايَا
 
وَلَكِنْ زِدْتَنِي فِيهَا أَدِيبَا
فَلَا زَالَتْ دِيَارُكَ مُشْرِقَاتٍ
 
وَلَا دَانَيْتَ يَا شَمْسُ الْغُرُوبَا٣٨٦
لِأُصْبِحَ آمِنًا فِيكَ الرَّزَايَا
 
كَمَا أَنَا آمِنٌ فِيكَ الْعُيُوبَا٣٨٧

وقال يصف مجلسين لأبي محمد الحسن بن عبد الله بن طُغْج، قد انزوى أحدهما عن الآخر ليُرَى من كل واحد منهما ما لا يُرى من صاحبه:

الْمَجْلِسَانِ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا
 
مُقَابِلَانِ وَلَكِنْ أَحْسَنَا الْأَدَبَا٣٨٨
إِذَا صَعِدْتَ إِلَى ذَا، مَال ذَا رَهَبًا
 
وَإِنْ صَعِدْتَ إِلَى ذَا، مَالَ ذَا رَهَبَا٣٨٩
فَلِمْ يَهَابُكَ مَا لَا حِسَّ يَرْدَعُهُ
 
إِنِّي لَأُبْصِرُ مِنْ شَأْنَيْهِمَا عَجَبَا٣٩٠

وقال، وقد استقل في القبة، ونظر إلى السحاب:

تَعَرَّضَ لِي السَّحَابُ وَقَدْ قَفَلْنَا
 
فَقُلْتُ إِلَيْكَ إِنَّ مَعِي السَّحَابَا٣٩١
فَشِمْ فِي الْقُبَّةِ الْمَلِكَ الْمُرَجَّى
 
فَأَمْسَكَ بَعْدَمَا عَزَمَ انْسِكَابَا٣٩٢

وأشار إليه طاهر العلوي بمسك وأبو محمد حاضر فقال:

الطِّيبُ مِمَّا غَنِيتُ عَنْهُ
 
كَفَى بِقُرْبِ الْأَمِيرِ طِيبَا
يَبْنِي بِهِ رَبُّنَا الْمَعَالِي
 
كَمَا بِكُمْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَا٣٩٣

وقال، وقد استحسن عين باز في مجلسه:

أَيَا مَا أُحَيْسِنَهَا مُقْلَةً
 
وَلَوْلَا الْمِلَاحَةُ لَمْ أَعْجَبِ٣٩٤
خَلُوقِيَّةٌ فِي خَلُوقِيِّهَا
 
سُوَيْدَاءُ مِنْ عِنَبِ الثَّعْلَبِ٣٩٥
إِذَا نَظَرَ الْبَازُ فِي عِطْفِهِ
 
كَسَتْهُ شُعَاعًا عَلَى الْمَنْكِبِ٣٩٦
وقال يمدح أبا القاسم طاهر بن الحسين العلوي:٣٩٧
أَعِيدُوا صَبَاحِي فَهْوَ عِنْدَ الْكَوَاعِبِ
 
وَرُدُّوا رُقَادِي فَهْوَ لَحْظُ الْحَبَائِبِ٣٩٨
فَإِنَّ نَهَارِي لَيْلَةٌ مُدْلَهِمَّةٌ
 
عَلَى مُقْلَةٍ مِنْ بَعْدِكُمْ فِي غَيَاهِبِ٣٩٩
بَعِيدَةِ مَا بَيْنَ الْجُفُونِ كَأَنَّمَا
 
عَقَدْتُمْ أَعَالِي كُلِّ هُدْبٍ بِحَاجِبِ٤٠٠
وَأَحْسَبُ أَنِّي لَوْ هَوِيتُ فِرَاقَكُمْ
 
لَفَارَقْتُهُ وَالدَّهْرُ أَخْبَثُ صَاحِبِ٤٠١
فَيَا لَيْتَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَحِبَّتِي
 
مِنَ الْبُعْدِ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَصَائِبِ٤٠٢
أَرَاكِ ظَنَنْتِ السِّلْكَ جِسْمِي فَعُقْتِهِ
 
عَلَيْكِ بِدُرٍّ عَنْ لِقَاءِ التَّرَائِبِ٤٠٣
وَلَوْ قَلَمٌ أُلْقِيتُ فِي شَقِّ رَأْسِهِ
 
مِنَ السُّقْمِ مَا غَيَّرْتُ مِنْ خَطِّ كَاتِبِ٤٠٤
تُخَوِّفُنِي دُونَ الَّذِي أَمَرَتْ بِهِ
 
وَلَمْ تَدْرِ أَنَّ الْعَارَ شَرُّ الْعَوَاقِبِ٤٠٥
وَلَا بُدَّ مِنْ يَوْمٍ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ
 
يَطُولُ اسْتِمَاعِي بَعْدَهُ لِلنَّوَادِبِ٤٠٦
يَهُونُ عَلَى مِثْلِي إِذَا رَامَ حَاجَةً
 
وُقُوعُ الْعَوَالِي دُونَهَا وَالْقَوَاضِبِ٤٠٧
كَثِيرُ حَيَاةِ الْمَرْءِ مِثْلُ قَلِيلِهَا
 
يَزُولُ وَبَاقِي عَيْشِهِ مِثْلُ ذَاهِبِ٤٠٨
إِلَيْكِ فَإِنِّي لَسْتُ مِمَّنْ إِذَا اتَّقَى
 
عِضَاضَ الْأَفَاعِي نَامَ فَوْقَ الْعَقَارِبِ٤٠٩
أَتَانِي وَعِيدُ الْأَدْعِيَاءِ وَأَنَّهُمْ
 
أَعَدُّوا لِيَ السُّودَانَ فِي كَفْرِ عَاقِبِ٤١٠
وَلَوْ صَدَقُوا فِي جَدِّهِمْ لَحَذِرْتُهُمْ
 
فَهَلْ فِيَّ وَحْدِي قَوْلُهُمْ غَيْرُ كَاذِبِ٤١١
إِلَيَّ لَعَمْرِي قَصْدُ كُلِّ عَجِيبَةٍ
 
كَأَنِّي عَجِيبٌ فِي عُيُونِ الْعَجَائِبِ٤١٢
بِأَيِّ بِلَادٍ لَمْ أَجُرَّ ذُؤَابَتِي
 
وَأَيُّ مَكَانٍ لَمْ تَطَأْهُ رَكَائِبِي٤١٣
كَأَنَّ رَحِيلِي كَانَ مِنْ كَفِّ طَاهِرٍ
 
فَأَثْبَتَ كُورِي فِي ظُهُورِ الْمَوَاهِبِ٤١٤
فَلَمْ يَبْقَ خَلْقٌ لَمْ يَرِدْنَ فِنَاءَهُ
 
وَهُنَّ لَهُ شِرْبٌ وُرُودَ الْمَشَارِبِ٤١٥
فَتًى عَلَّمَتْهُ نَفْسُهُ وَجُدُودُهُ
 
قِرَاعَ الْأَعَادِي وَابْتِذَالَ الرَّغَائِبِ٤١٦
فَقَدْ غَيَّبَ الشُّهَّادَ عَنْ كُلِّ مَوْطِنٍ
 
وَرَدَّ إِلَى أَوْطَانِهِ كُلَّ غَائِبِ٤١٧
كَذَا الْفَاطِمِيُّونَ النَّدَى فِي بَنَانِهِمْ
 
أَعَزُّ امِّحَاءً مِنْ خُطُوطِ الرَّوَاجِبِ٤١٨
أُنَاس إِذَا لَاقَوْا عِدًى فَكَأَنَّمَا
 
سِلَاحُ الَّذِي لَاقَوْا غُبَارُ السَّلَاهِبِ٤١٩
رَمَوْا بِنَواصِيهَا الْقِسِيَّ فَجِئْنَهَا
 
دَوَامِي الْهَوَادِي سَالِمَاتِ الْجَوَانِبِ٤٢٠
أُولَئِكَ أَحْلَى مِنْ حَيَاةٍ مُعَادَةٍ
 
وَأَكْثَرُ ذِكْرًا مِنْ دُهُورِ الشَّبَائِبِ٤٢١
نَصَرْتَ عَلِيًّا يَا ابْنَهُ بِبَوَاتِر
 
مِنَ الْفِعْلِ لَا فَلٌّ لَهَا فِي الْمَضَارِبِ٤٢٢
وَأَبْهَرُ آيَاتِ التِّهَامِيِّ أَنَّهُ
 
أَبُوكَ وَأَجْدَى مَا لَكُمْ مِنْ مَنَاقِبِ٤٢٣
إِذَا لَمْ تَكُنْ نَفْسُ النَّسِيبِ كَأَصْلِهِ
 
فَمَاذَا الَّذِي تُغْنِي كِرَامُ الْمَنَاصِبِ٤٢٤
وَمَا قَرُبَتْ أَشْبَاهُ قَوْمٍ أَبَاعِدٍ
 
وَلَا بَعُدَتْ أَشْبَاهُ قَوْمٍ أَقَارِبِ٤٢٥
إِذَا عَلَوِيٌّ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ طَاهِرٍ
 
فَمَا هُوَ إِلَّا حُجَّةٌ لِلنَّوَاصِبِ٤٢٦
يَقُولُونَ تَأْثِيرُ الْكَوَاكِبِ فِي الْوَرَى
 
فَمَا بَالُهُ تَأْثِيرُهُ فِي الْكَوَاكِبِ٤٢٧
عَلَا كَتَدَ الدُّنْيَا إِلَى كُلِّ غَايَةٍ
 
تَسِيرُ بِهِ سَيْرَ الذَّلُولِ بِرَاكِبِ٤٢٨
وَحُقَّ لَهُ أَنْ يَسْبِقَ النَّاسَ جَالِسًا
 
وَيُدْرِكَ مَا لَمْ يُدْرِكُوا غَيْرَ طَالِبِ٤٢٩
وَيُحْذَى عَرَانِينَ الْمُلُوكِ وَإِنَّهَا
 
لَمِنْ قَدَمَيْهِ فِي أَجَلِّ الْمَرَاتِبِ٤٣٠
يَدٌ لِلزَّمَانِ الْجَمْعُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ
 
لِتَفْرِيقِهِ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّوَائِبِ٤٣١
هُوَ ابْنُ رَسُولِ اللهِ وَابْنُ وَصِيِّهِ
 
وَشِبْهُهُمَا شَبَّهْتُ بَعْدَ التَّجَارِبِ٤٣٢
يَرَى أَنَّ مَا مَا بَانَ مِنْك لِضَارِبٍ
 
بِأَقْتَلَ مِمَّا بَانَ مِنْكَ لِعَائِبِ٤٣٣
أَلَا أَيُّهَا الْمَالُ الَّذِي قَدْ أَبَادَهُ
 
تَعَزَّ فَهَذَا فِعْلُهُ فِي الْكَتَائِبِ٤٣٤
لَعَلَّكَ فِي وَقْتٍ شَغَلْتَ فُؤَادَهُ
 
عَنِ الْجُودِ أَوْ كَثَّرْتَ جَيْشَ مُحَارِبِ٤٣٥
حَمَلْتُ إِلَيْهِ مِنْ لِسَانِي حَدِيقَةً
 
سَقَاهَا الْحِجَى سَقْيَ الرِّيَاضَ السَّحَائِبِ٤٣٦
فَحُيِّيتَ خَيْرَ ابْنٍ لِخَيْرِ أَبٍ بِهَا
 
لِأَشْرَفِ بَيْتٍ فِي لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ٤٣٧

وقال يمدح كافورًا سنة ستٍّ وأربعين وثلاثمائة — وهي من محاسن شعره:

مَنِ الْجآذِرُ فِي زِيِّ الْأَعَارِيبِ
 
حُمْرَ الْحُلَى وَالْمَطَايَا وَالْجَلَابِيبِ٤٣٨
إِنْ كُنْتَ تَسْأَلُ شَكًّا فِي مَعَارِفِهَا
 
فَمَنْ بَلَاكَ بِتَسْهِيدٍ وَتَعْذِيبِ٤٣٩
لَا تَجْزِنِي بِضَنًى بِي بَعْدَهَا بَقَرٌ
 
تَجْزِي دُمُوعِيَ مَسْكُوبًا بِمَسْكُوبِ٤٤٠
سَوَائِرٌ رُبَّمَا سَارَتْ هَوَادِجُهَا
 
مَنِيعَةً بَيْنَ مَطْعُونٍ وَمَضْرُوبِ٤٤١
وَرُبَّمَا وَخَدَتْ أَيْدِي الْمَطِيِّ بِهَا
 
عَلَى نَجِيعٍ مِنَ الْفُرْسَانِ مَصْبُوبِ٤٤٢
كَمْ زَوْرَةٍ لَكَ فِي الْأَعْرَابِ خَافِيَةٍ
 
أَدْهَى وَقَدْ رَقَدُوا مِنْ زَوْرَةِ الذِّيبِ٤٤٣
أَزُورُهُمْ وَسَوَادُ اللَّيْلِ يَشْفَعُ لِي
 
وَأَنْثَنِي وَبَيَاضُ الصُّبْحِ يُغْرِي بِي٤٤٤
قَدْ وَافَقُوا الْوَحْشَ فِي سُكْنَى مَرَاتِعِهَا
 
وَخَالَفُوهَا بِتَقْوِيضٍ وَتَطْنِيبِ٤٤٥
جِيرَانُهَا وَهُمْ شَرُّ الْجِوَارِ لَهَا
 
وَصَحْبُهَا وَهُمُ شَرُّ الْأَصَاحِيبِ٤٤٦
فُؤَادُ كُلِّ مُحِبٍّ فِي بُيُوتِهِمِ
 
وَمَالُ كُلِّ أَخِيذِ الْمَالِ مَحْرُوبِ٤٤٧
مَا أَوْجُهُ الْحَضَرِ الْمُسْتَحْسَنَاتُ بِهِ
 
كَأَوْجُهِ الْبَدَوِيَّاتِ الرَّعَابِيبِ٤٤٨
حُسْنُ الْحَضَارَةِ مَجْلُوبٌ بِتَطْرِيَةٍ
 
وَفِي الْبَدَاوَةِ حُسْنٌ غَيْرُ مَجْلُوبِ٤٤٩
أَيْنَ الْمَعِيزُ مِنَ الْآرَامِ نَاظِرَةً
 
وَغَيْرَ نَاظِرَةٍ فِي الْحُسْنِ وَالطِّيبِ٤٥٠
أَفْدِي ظِبَاءَ فَلَاةٍ مَا عَرَفْنَ بِهَا
 
مَضْغَ الْكَلَامِ وَلَا صَبْغَ الْحَوَاجِيبِ٤٥١
وَلَا بَرَزْنَ مِنَ الْحَمَّامِ مَاثِلَةً
 
أَوْرَاكُهُنَّ صَقِيلَاتِ الْعَرَاقِيبِ٤٥٢
وَمِنْ هَوَى كُلِّ مَنْ لَيْسَتْ مُمَوِّهَةً
 
تَرَكْتُ لَوْنَ مَشِيبِي غَيْرَ مَخْضُوبِ٤٥٣
وَمِنْ هَوَى الصِّدْقِ فِي قَوْلِي وَعَادَتِهِ
 
رَغِبْتُ عَنْ شَعَرٍ فِي الرَّأْسِ مَكْذُوبِ٤٥٤
لَيْتَ الْحَوَادِثَ بَاعَتْنِي الَّذِي أَخَذَتْ
 
مِنِّي بِحِلْمِي الَّذِي أَعْطَتْ وَتَجْرِيبِي٤٥٥
فَمَا الْحَدَاثَةُ مِنْ حِلْمٍ بِمَانِعَةٍ
 
قَدْ يُوجَدُ الْحِلْمُ فِي الشُّبَّانِ وَالشِّيبِ٤٥٦
تَرَعْرَعَ الْمَلِكُ الْأُسْتَاذُ مُكْتَهِلًا
 
قَبْلَ اكْتِهَالٍ أَدِيبًا قَبْلَ تَأْدِيبِ٤٥٧
مُجَرَّبًا فَهَمًا مِنْ قَبْلِ تَجْرِبَةٍ
 
مُهَذَّبًا كَرَمًا مِنْ غَيْرِ تَهْذِيبِ٤٥٨
حَتَّى أَصَابَ مِنَ الدُّنْيَا نِهَايَتَهَا
 
وَهَمُّهُ فِي ابْتِدَاءَاتٍ وَتَشْبِيبِ٤٥٩
يُدَبِّرُ الْمُلْكَ مِنْ مِصْرٍ إِلَى عَدَنٍ
 
إِلَى الْعِرَاقِ فَأَرْضِ الرُّومِ فَالنُّوبِ٤٦٠
إِذَا أَتَتْهَا الرِّيَاحُ النُّكْبُ مِنْ بَلَدٍ
 
فَمَا تَهُبُّ بِهَا إِلَّا بِتَرْتِيبِ٤٦١
وَلَا تُجَاوِزُهُاَ شَمْسٌ إِذَا شَرَقَتْ
 
إِلَّا وَمِنْهُ لَهَا إِذْنٌ بِتَغْرِيبِ٤٦٢
يُصَرِّفُ الْأَمْرَ فِيهَا طِينُ خَاتَمِهِ
 
وَلَوْ تَطَلَّسَ مِنْهُ كُلُّ مَكْتُوبِ٤٦٣
يَحُطُّ كُلَّ طَوِيلِ الرُّمْحِ حَامِلُهُ
 
مِنْ سَرْجِ كُلِّ طَوِيلِ الْبَاعِ يَعْبُوبِ٤٦٤
كَأَنَّ كُلَّ سُؤَالٍ فِي مَسَامِعِهِ
 
قَمِيصُ يُوسُفَ فِي أَجْفَانِ يَعْقُوبِ٤٦٥
إِذَا غَزَتْهُ أَعَادِيهِ بِمَسْأَلَةٍ
 
فَقَدْ غَزَتْهُ بِجَيْشٍ غَيْرِ مَغْلُوبِ٤٦٦
أَوْ حَارَبْتُهُ فَمَا تَنْجُو بِتَقْدِمَةٍ
 
مِمَّا أَرَادَ وَلَا تَنْجُو بِتَجْبِيبِ٤٦٧
أَضْرَتْ شَجَاعَتُهُ أَقْصَى كَتَائِبِهِ
 
عَلَى الْحِمَامِ فَمَا مَوْتٌ بِمَرْهُوبِ٤٦٨
قَالُوا هَجَرْتَ إِلَيْهِ الْغَيْثَ قُلْتُ لَهُمْ
 
إِلَى غُيُوثِ يَدَيْهِ وَالشَّآبِيبِ٤٦٩
إِلَى الَّذِي تَهَبُ الدولَاتِ رَاحَتُهُ
 
وَلَا يَمُنُّ عَلَى آثَارِ مَوْهُوبِ٤٧٠
وَلَا يَرُوعُ بِمَغْدُورٍ بِهِ أَحَدًا
 
وَلَا يُفَزِّعُ مَوْفُورًا بِمَنْكُوبِ٤٧١
بَلَى يَرُوعُ بِذِي جَيْشٍ يُجَدِّلُهُ
 
ذَا مِثْلِهِ فِي أَحَمِّ النَّقْعِ غِرْبِيبِ٤٧٢
وَجَدْتُ أَنْفَعَ مَالٍ كُنْتُ أَذْخَرُهُ
 
مَا فِي السَّوَابِقِ مِنْ جَرْيٍ وَتَقْرِيبِ٤٧٣
لَمَّا رَأَيْنَ صُرُوفَ الدَّهْرِ تَغْدِرُ بِي
 
وَفَيْنَ لِي وَوَفَتْ صُمُّ الْأَنَابِيبِ٤٧٤
فُتْنَ الْمَهَالِكَ حَتَّى قَاَل قَائِلُهَا
 
مَاذَا لَقِينَا مِنْ الْجُرْدِ السَّرَاحِيبِ٤٧٥
تَهْوِي بِمُنْجَرِدٍ لَيْسَتْ مَذَاهِبُهُ
 
لِلُبْسِ ثَوْبٍ وَمَأْكُولٍ وَمَشْرُوبِ٤٧٦
يَرَى النُّجُومَ بِعَيْنَيْ مَنْ يُحَاوِلُهَا
 
كَأَنَّهَا سَلَبٌ فِي عَيْنِ مَسْلُوبِ٤٧٧
حَتَّى وَصَلْتُ إِلَى نَفْسٍ مُحَحَّبَةٍ
 
تَلْقَى النُّفُوسَ بِفَضْلٍ غَيْرِ مَحْجُوبِ٤٧٨
فِي جِسْمِ أَرْوَعَ صَافِي الْعَقْلِ تُضْحِكُهُ
 
خَلَائِقُ النَّاسِ إِضْحَاكَ الْأَعَاجِيبِ٤٧٩
فَالْحَمْدُ قَبْلُ لَهُ وَالْحَمْدُ بَعْدُ لَهَا
 
وَلِلْقَنَا وَلِإِدْلَاجِي وَتَأْوِيبِي٤٨٠
وَكَيْفَ أَكْفُرُ يَا كَافُورُ نِعْمَتَهَا
 
وَقَدْ بَلَغْنَكَ بِي يَا كُلَّ مَطْلُوبِي
يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ الْغَانِي بِتَسْمِيَةٍ
 
فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ عَنْ وَصْفٍ وَتَلْقِيبِ٤٨١
أَنْتَ الْحَبِيبُ وَلَكِنِّي أَعُوذُ بِهِ
 
مِنْ أَنْ أَكُونَ مُحِبًّا غَيْرَ مَحْبُوبِ٤٨٢
وقال يمدحه في شوال سنة سبع وأربعين وثلاثمائة:٤٨٣
أُغَالِبُ فِيكَ الشَّوْقَ وَالشَّوْقُ أَغْلَبُ
 
وَأَعْجَبُ مِنْ ذَا الْهَجْرِ وَالْوَصْلُ أَعْجَبُ٤٨٤
أَمَا تَغْلَطُ الْأَيَّامُ فِيَّ بِأَنْ أَرَى
 
بَغِيضًا تُنَائِي أَوْ حَبِيبًا تُقَرِّبُ٤٨٥
وَلِلهِ سَيْرِي مَا أَقَلَّ تَئِيَّةً
 
عَشِيَّةَ شَرْقِيَّ الْحَدَالَى وَغُرَّبُ٤٨٦
عَشِيَّةَ أَحْفَى النَّاس بِي مَنْ جَفَوْتُهُ
 
وَأَهْدَى الطِّرِيقَيْنِ الَّتِي أَتَجَنَّبُ٤٨٧
وَكَمْ لِظَلَامِ اللَّيْلِ عِنْدَكَ مِنْ يَدٍ
 
تُخَبِّرُ أَنَّ الْمَانَوِيَّةَ تَكْذِبُ٤٨٨
وَقَاكَ رَدَى الْأَعْدَاءِ تَسْرِي إِلَيْهِم
 
وَزَارَكَ فِيهِ ذُو الدَّلَالِ الْمُحَجَّبُ٤٨٩
وَيَوْمٍ كَلَيْلِ الْعَاشِقِينَ كَمَنْتُهُ
 
أُرَاقِبُ فِيهِ الشَّمْسَ أَيَّانَ تَغْرُبُ٤٩٠
وَعَيْنِي إِلَى أُذُنَيْ أَغَرَّ كَأَنَّهُ
 
مِنَ اللَّيْلِ بَاقٍ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَوْكَبُ٤٩١
لَهُ فَضْلَةٌ عَنْ جِسْمِهِ فِي إِهَابِهِ
 
تَجِيءُ عَلَى صَدْرٍ رَحِيبٍ وَتَذْهَبُ٤٩٢
شَقَقْتُ بِهِ الظَّلْمَاءَ أُدْنِي عِنَانَهُ
 
فَيَطْغَى وَأُرْخِيهِ مِرَارًا فَيَلْعَبُ٤٩٣
وَأَصْرَعُ أَيَّ الْوَحْشِ قَفَّيْتُهُ بِهِ
 
وَأَنْزِلُ عَنْهُ مِثْلَهُ حِينَ أَرْكَبُ٤٩٤
وَمَا الْخَيْلُ إِلَّا كَالصَّدِيقِ قَلِيلَةٌ
 
وَإِنْ كَثُرَتْ فِي عَيْنِ مَنْ لَا يُجَرِّبُ٤٩٥
إِذَا لَمْ تُشَاهِدْ غَيْرَ حُسْنِ شِيَاتِهَا
 
وَأَعْضَائِهَا فَالْحُسْنُ عَنْكَ مُغَيَّبُ٤٩٦
لَحَا اللهُ ذِي الدُّنْيَا مُنَاخًا لِرَاكِبٍ
 
فَكُلُّ بَعِيدِ الْهَمِّ فِيهَا مُعَذَّبُ٤٩٧
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَقُولُ قَصِيدَةً
 
فَلَا أَشْتَكِي فِيهَا وَلَا أَتَعَتَّبُ٤٩٨
وَبِي مَا يَذُودُ الشِّعْرَ عَنِّي أَقَلُّهُ
 
وَلَكِنَّ قَلْبِي يَا ابْنَةَ الْقَوْمِ قُلَّبُ٤٩٩
وَأَخْلَاقُ كَافُورٍ إِذَا شِئْتُ مَدْحَهُ
 
وَإِنْ لَمْ أَشَأْ تُمْلِي عَلَيَّ وَأَكْتُبُ٥٠٠
إِذَا تَرَكَ الْإِنْسَانُ أَهْلًا وَرَاءَهُ
 
وَيَمَّمَ كَافُورًا فَمَا يَتَغَرَّبُ٥٠١
فَتًى يَمْلَا الْأَفْعَالَ رَأْيًا وَحِكْمَةً
 
وَنَادِرَةً أَحْيَانَ يَرْضَى وَيَغْضَبُ٥٠٢
إِذَا ضَرَبَتْ فِي الْحَرْبِ بِالسَّيْفِ كَفُّهُ
 
تَبَيَّنْتَ أَنَّ السَّيْفَ بِالْكَفِّ يَضْرِبُ٥٠٣
تَزِيدُ عَطَايَاهُ عَلَى اللَّبْثِ كَثْرَةً
 
وَتَلْبَثُ أَمْوَاهُ السَّحَابِ فَتَنْضَبُ٥٠٤
أَبَا الْمِسْكِ هَلْ فِي الْكَأْسِ فَضْلٌ أَنَالُهُ
 
فَإِنِّي أُغَنِّي مُنْذُ حِينٍ وَتَشْرَبُ٥٠٥
وَهَبْتَ عَلَى مِقْدَارِ كَفَّيْ زَمَانِنَا
 
وَنَفْسِي عَلَى مِقْدَارِ كَفَّيْكَ تَطْلُبُ٥٠٦
إِذَا لَمْ تَنُطْ بِي ضَيْعَةً أَوْ وِلَايَةً
 
فَجُودُكَ يَكْسُونِي وَشُغْلُكَ يَسْلُبُ٥٠٧
يُضَاحِكُ فِي ذَا الْعِيدِ كُلٌّ حَبِيبَهُ
 
حِذَائِي وَأَبْكِي مَنْ أُحِبُّ وَأَنْدُبُ٥٠٨
أَحِنُّ إِلَى أَهْلِي وَأَهْوَى لِقَاءَهُمْ
 
وَأَيْنَ مِنَ الْمُشْتَاقِ عَنْقَاءُ مُغْرِبُ٥٠٩
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا أَبُو الْمِسْكِ أَوْ هُمُ
 
فَإِنَّكَ أَحْلَى فِي فُؤَادِي وَأَعْذَبُ٥١٠
وَكُلُّ امْرِئٍ يُولِي الْجَمِيلَ مُحَبَّبٌ
 
وَكُلُّ مَكَانٍ يُنْبِتُ الْعِزَّ طَيِّبُ٥١١
يُرِيدُ بِكَ الْحُسَّادُ مَا اللهُ دَافِعٌ
 
وَسُمْرُ الْعَوَالِي وَالْحَدِيدُ الْمُذَرَّبُ٥١٢
وَدُونَ الَّذِي يَبْغُونَ مَا لَوْ تَخَلَّصُوا
 
إِلَى الْمَوْتِ مِنْهُ عِشْتَ وَالطِّفْلُ أَشْيَبُ٥١٣
إِذَا طَلَبُوا جَدْوَاكَ أُعْطُوا وَحُكِّمُوا
 
وَإِنْ طَلَبُوا الْفَضْلَ الَّذِي فِيكَ خُيِّبُوا٥١٤
وَلَوْ جَازَ أَنْ يَحْوُوا عُلَاكَ وَهَبْتَهَا
 
وَلَكِنْ مِنَ الْأَشْيَاءِ مَا لَيْسَ يُوهَبُ٥١٥
وَأَظْلَمُ أَهْلِ الظُّلْمِ مَنْ بَاتَ حَاسِدًا
 
لِمَنْ بَاتَ فِي نَعْمَائِهِ يَتَقَلَّبُ٥١٦
وَأَنْتَ الَّذِي رَبَّيْتَ ذَا الْمُلْكِ مُرْضَعًا
 
وَلَيْسَ لَهُ أُمٌّ سِوَاكَ وَلَا أَبُ٥١٧
وَكُنْتَ لَهُ لَيْثَ الْعَرِينِ لِشِبْلِهِ
 
وَمَا لَكَ إِلَّا الْهِنْدُوَانِيَّ مِخْلَبُ٥١٨
لَقِيتَ الْقَنَا عَنْهُ بِنَفْسٍ كَرِيمَةٍ
 
إِلَى الْمَوْتِ فِي الْهَيْجَا مِنَ الْعَارِ تَهْرُبُ٥١٩
وَقَدْ يَتْرُكُ النَّفْسَ الَّتِي لَا تَهَابُهُ
 
وَيَخْتَرِمُ النَّفْسَ الَّتِي تَتَهَيَّبُ٥٢٠
وَمَا عَدِمَ اللَّاقُوكَ بَأْسًا وَشِدَّةً
 
وَلَكِنَّ مَنْ لَاقَوْا أَشَدُّ وَأَنْجَبُ٥٢١
ثَنَاهُمْ وَبَرْقُ الْبِيضِ فِي الْبَيْضِ صَادِقٌ
 
عَلَيْهِمْ وَبَرْقُ الْبَيْضِ فِي الْبيضِ خُلَّبُ٥٢٢
سَلَلْتَ سُيُوفًا عَلَّمَتْ كُلَّ خَاطِبٍ
 
عَلَى كُلِّ عُودٍ كَيْفَ يَدْعُو وَيَخْطُبُ٥٢٣
وَيُغْنِيكَ عَمَّا يَنْسُبُ النَّاسُ أَنَّهُ
 
إِلَيْكَ تَنَاهَى الْمَكْرُمَاتُ وَتُنْسَبُ٥٢٤
وَأَيُّ قَبِيلٍ يَسْتَحِفُّكَ قَدْرُهُ
 
مَعَدُّ بْنُ عَدْنَان فِدَاكَ وَيَعْرُبُ٥٢٥
وَمَا طَرَبِي لَمَّا رَأَيْتُكَ بِدْعَةً
 
لَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ أَرَاكَ فَأَطْرَبُ٥٢٦
وَتَعْذِلُنِي فِيكَ الْقَوَافِي وَهِمَّتِي
 
كَأَنِّي بِمَدْحٍ قَبْلَ مَدْحِكَ مُذْنِبُ٥٢٧
وَلَكِنَّهُ طَالَ الطَّرِيقُ وَلَمْ أَزَلْ
 
أُفَتِّشُ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ وَيُنْهَبُ٥٢٨
فَشَرَّقَ حَتَّى لَيْسَ لِلشَّرْقِ مَشْرِقٌ
 
وَغَرَّبَ حَتَّى لَيْسَ لِلْغَرْبِ مَغْرِبُ٥٢٩
إِذَا قُلْتُهُ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ وُصُولِهِ
 
جِدَارٌ مُعَلًّى أَوْ خِبَاءٌ مُطَنَّبُ٥٣٠

وقال يمدحه، وأنشده إياها في شوال سنة تسع وأربعين وثلاثمائة، وهي آخر ما أنشده، ولم يلقه بعدها:

مُنًى كُنَّ لِي أَنَّ الْبَيَاضَ خِضَابُ
 
فَيَخْفَى بِتَبْيِيضِ الْقُرُونِ شَبَابُ٥٣١
لِيَالِيَ عِنْدَ الْبِيضِ فَوْدَايَ فِتْنَةٌ
 
وَفَخْرٌ وَذَاكَ الْفَخْرُ عِنْدِيَ عَابُ٥٣٢
فَكَيْفَ أَذُمُّ الْيَوْمَ مَا كُنْتُ أَشْتَهِي
 
وَأَدْعُو بِمَا أَشْكُوهُ حِينَ أُجَابُ٥٣٣
جَلَا اللَّوْنُ عَنْ لَوْنٍ هَدَى كُلَّ مَسْلَكٍ
 
كَمَا انْجَابَ عَنْ ضَوْءِ النَّهَارِ ضَبَابُ٥٣٤
وَفِي الْجِسْمِ نَفْسٌ لَا تَشِيبُ بِشَيبِهِ
 
وَلَوَ انَّ مَا فِي الْوَجْهِ مِنْهُ حِرَابُ٥٣٥
لَهَا ظُفْرٌ إِنْ كَلَّ ظُفْرٌ أُعِدُّهُ
 
وَنَابٌ إِذَا لَمْ يَبْقَ فِي الْفَمِ نَابُ٥٣٦
يُغَيِّرُ مِنِّي الدِّهْرُ مَا شَاءَ غَيْرَهَا
 
وَأَبْلُغُ أَقْصَى الْعُمْرِ وَهْيَ كَعَابُ٥٣٧
وَإِنِّي لَنَجْمٌ تَهْتَدِي بِي صُحْبَتِي
 
إِذَا حَالَ مِنْ دُونِ النُّجُومِ سَحَابُ٥٣٨
غَنِيٌّ عَنِ الْأَوْطَانِ لَا يَسْتَفِزُّنِي
 
إِلَى بَلَدٍ سَافَرْتُ عَنْهُ إِيَابُ٥٣٩
وَعَنْ ذَمَلَانِ الْعِيسِ إِنْ سَامَحَتْ بِهِ
 
وَإِلَّا فَفِي أَكْوَارِهِنَّ عُقَابُ٥٤٠
وَأَصْدَى فَلَا أُبْدِي إِلَى الْمَاءِ حَاجَةً
 
وَلِلشَّمْسِ فَوْقَ الْيَعْمُلَاتِ لُعَابُ٥٤١
وَلِلسِّرِّ مِنِّي مَوْضِعٌ لَا يَنَالُهُ
 
نَدِيمٌ وَلَا يُفْضِي إِلَيْهِ شَرَابُ٥٤٢
وَلِلْخَوْدِ مِنِّي سَاعَةٌ ثُمَّ بَيْنَنَا
 
فَلَاةٌ إِلَى غَيْرِ اللِّقَاءِ تُجَابُ٥٤٣
وَمَا الْعِشْقُ إِلَّا غِرَّةٌ وَطَمَاعَةٌ
 
يُعَرِّضُ قَلْبٌ نَفْسَهُ فَيُصَابُ٥٤٤
وَغَيْرُ فُؤَادِي لِلْغَوَانِي رَمِيَّةٌ
 
وَغَيْرُ بَنَانِي لِلزُّجَاجِ رِكَابُ٥٤٥
تَرَكْنَا لِأَطْرَافِ الْقَنَا كُلَّ شَهْوَةٍ
 
فَلَيْسَ لَنَا إِلَّا بِهِنَّ لِعَابُ٥٤٦
نُصَرِّفُهُ لِلطَّعْنِ فَوْقَ حَوَادِرٍ
 
قَدِ انْقَصَفَتْ فِيهِنَّ مِنْهُ كِعَابُ٥٤٧
أَعَزُّ مَكَانٍ فِي الدُّنَى سَرْجُ سَابِحٍ
 
وَخَيْرُ جَلِيسٍ فِي الزَّمَانِ كِتَابُ٥٤٨
وَبَحْرٌ أَبُو الْمِسْكِ الْخِضَمُّ الَّذِي لَهُ
 
عَلَى كُلِّ بَحْرٍ زَخْرَةٌ وَعُبَابُ٥٤٩
تَجَاوَزَ قَدْرَ الْمَدْحِ حَتَّى كَأَنَّهُ
 
بِأَحْسَنِ مَا يُثْنَى عَلَيْهِ يُعَابُ٥٥٠
وَغَالَبَهُ الْأَعْدَاءُ ثُمَّ عَنَوْا لَهُ
 
كَمَا غَالَبَتْ بِيضَ السُّيُوفِ رِقَابُ٥٥١
وَأَكْثَرُ مَا تَلْقَى أَبَا الْمِسْكِ بِذْلَةً
 
إِذَا لَمْ تَصُنْ إِلَّا الْحَدِيدَ ثِيَابُ٥٥٢
وَأَوْسَعُ مَا تَلْقَاهُ صَدْرًا وَخَلْفَهُ
 
رِمَاءٌ وَطَعْنٌ وَالْأَمَامَ ضِرَابُ٥٥٣
وَأَنْفَذُ مَا تَلْقَاهُ حُكْمًا إِذَا قَضَى
 
قَضَاءً مُلُوكُ الْأَرْضِ مِنْهُ غِضَابُ٥٥٤
يَقُودُ إِلَيْهِ طَاعَةَ النَّاسِ فَضْلُهُ
 
وَلَوْ لَمْ يَقُدْهَا نَائِلٌ وَعِقَابُ٥٥٥
أَيَا أَسَدًا فِي جِسْمِهِ رُوحُ ضَيْغَمٍ
 
وَكَمْ أُسُدٍ أَرْوَاحُهُنَّ كِلَابُ٥٥٦
وَيَا آخِذًا مِنْ دَهْرِهِ حَقَّ نَفْسِهِ
 
وَمِثْلُكَ يُعْطَى حَقَّهُ وَيُهَابُ٥٥٧
لَنَا عِنْدَ هَذَا الدَّهْرِ حَقٌّ يَلُطُّهُ
 
وَقَدْ قَلَّ إِعْتَابٌ وَطَالَ عِتَابُ٥٥٨
وَقَدْ تُحْدِثُ الْأَيَّامُ عِنْدَكَ شِيمَةً
 
وَتَنْعَمِرُ الْأَوْقَاتُ وَهْيَ يَبَابُ٥٥٩
وَلَا مُلْكَ إِلَّا أَنْتَ وَالْمُلْكُ فَضْلَةٌ
 
كَأَنَّكَ سَيْفٌ فِيهِ وَهْوَ قِرَابُ٥٦٠
أَرَى لِي بِقُرْبِي مِنْكَ عَيْنًا قَرِيرَةً
 
وَإِنْ كَانَ قُرْبًا بِالْبِعَادِ يُشَابُ٥٦١
وَهَلْ نَافِعِي أَنْ تُرْفَعَ الْحُجْبُ بَيْنَنَا
 
وَدُونَ الَّذِي أَمَّلْتُ مِنْكَ حِجَابُ٥٦٢
أُقِلُّ سَلَامِي حُبَّ مَا خَفَّ عَنْكُمُ
 
وَأَسْكُتُ كَيْمَا لَا يَكُونَ جَوَابُ٥٦٣
وَفِي النَّفْسِ حَاجَاتٌ وَفِيكَ فَطَانَةٌ
 
سُكُوتِي بَيَانٌ عِنْدَهَا وَخِطَابُ٥٦٤
وَمَا أَنَا بِالْبَاغِي عَلَى الْحُبِّ رِشْوَةً
 
ضَعِيفٌ هَوًى يُبْغَى عَلَيْهِ ثَوَابُ٥٦٥
وَمَا شِئْتُ إِلَّا أَنْ أَدُلَّ عَوَاذِلِي
 
عَلَى أَنَّ رَأْيِي فِي هَوَاكَ صَوَابُ٥٦٦
وَأُعْلِمَ قَوْمًا خَالَفُونِي فَشَرَّقُوا
 
وَغَرَّبْتُ أَنِّي قَدْ ظَفِرْتُ وَخَابُوا٥٦٧
جَرَى الْخُلْفُ إِلَّا فِيكَ أَنَّكَ وَاحِدٌ
 
وَأَنَّكَ لَيْثٌ وَالْمُلُوكُ ذِئَابُ٥٦٨
وَأَنَّكَ إِنْ قُويِسْتَ صَحَّفَ قَارِئٌ
 
ذِئَابًا وَلَمْ يُخْطِئْ فَقَالَ ذُبَابُ٥٦٩
وَإِنَّ مَدِيحَ النَّاسِ حَقٌّ وَبَاطِلٌ
 
وَمَدْحُكَ حَقٌّ لَيْسَ فِيهِ كِذَابُ٥٧٠
إِذَا نِلْتُ مِنْكَ الْوُدَّ فَالْمَالُ هَيِّنٌ
 
وَكُلُّ الَّذِي فَوْقَ التُّرَابِ تُرَابُ
وَمَا كُنْتُ لَوْلَا أَنْتَ إِلَّا مُهَاجِرًا
 
لَهُ كُلَّ يَوْمٍ بَلْدَةٌ وَصِحَابُ٥٧١
وَلَكِنَّكَ الدُّنْيَا إِلَيَّ حَبِيبَةً
 
فَمَا عَنْكَ لِي إِلَّا إِلَيْكَ ذَهَابُ٥٧٢

ومرَّ في صِباه برجلين قد قتلا جرذًا وأبرزاه يُعجبان الناس من كِبَره فقال:

لَقَدْ أَصْبَحَ الْجُرَذُ الْمُسْتَغِيرُ
 
أَسِيرَ الْمَنَايَا صَرِيعَ الْعَطَبْ٥٧٣
رَمَاهُ الْكِنَانِيُّ وَالْعَامِرِيُّ
 
وَتَلَّاهُ لِلْوَجْهِ فِعْلَ الْعَرَبْ٥٧٤
كِلَا الرَّجُلَيْنِ اتَّلَا قَتْلَهُ
 
فَأَيُّكُمَا غَلَّ حُرَّ السَّلَبْ٥٧٥
وَأَيُّكُمَا كَانَ مِنْ خَلْفِهِ
 
فَإِنَّ بِهِ عَضَّةً فِي الذَّنَبْ
وقال يهجو ضبة بن يزيد العتبي:٥٧٦
مَا أَنْصَفَ الْقَوْمُ ضَبَّهْ
 
وَأُمُّهُ الطُّرْطُبَّهْ٥٧٧
رَمَوْا بِرَأْسِ أَبِيهِ
 
وَبَاكَوُا الْامَّ غُلُبَّهْ٥٧٨
فَلَا بِمَنْ مَاتَ فَخْرٌ
 
وَلَا بِمَنْ نِيكَ رَغْبَهْ٥٧٩
وَإِنَّمَا قُلْتُ مَا قُلـْ
 
ـتُ رَحْمَةً لَا مَحَبَّهْ٥٨٠
وَحِيلَةً لَكَ حَتَّى
 
عُذِرْتَ لَوْ كُنْتَ تِيبَهْ٥٨١
وَمَا عَلَيْكَ مِنَ الْقَتـْ
 
ـلِ إِنَّمَا هِيَ ضَرْبَهْ٥٨٢
وَمَا عَلَيْكَ مِنَ الْغَدْ
 
رِ إِنَّمَا هُوَ سُبَّهْ٥٨٣
وَمَا عَلَيْكَ مِنَ الْعَا
 
رِ إِنَّ أُمَّكَ قَحْبَهْ٥٨٤
وَمَا يَشُقُّ عَلَى الْكَلـْ
 
ـبِ أَنْ يَكُونَ ابْنَ كَلْبَهْ
مَا ضَرَّهَا مَنْ أَتَاهَا
 
وَإِنَّمَا ضَرَّ صُلْبَهْ
وَلَمْ يَنِكْهَا وَلَكِنْ
 
عِجَانُهَا نَاكَ زُبَّهْ٥٨٥
يَلُومُ ضَبَّةَ قَوْمٌ
 
وَلَا يَلُومُونَ قَلْبَهْ
وَقَلْبُهُ يَتَشَهَّى
 
وَيُلْزِمُ الْجِسْمَ ذَنْبَهْ
لَوْ أَبْصَرَ الْجِذْعَ شَيْئًا
 
أَحَبَّ فِي الْجِذْعِ صَلْبَهْ٥٨٦
يَا أَطْيَبَ النَّاسِ نَفْسًا
 
وَأَلْيَنَ النَّاسِ رُكْبَهْ٥٨٧
وَأَخْبَثَ النَّاسِ أَصْلًا
 
فِي أَخْبَثِ الْأَرْضِ تُرْبَهْ
وَأَرْخَصَ النَّاسِ أُمًّا
 
تَبِيعُ أَلْفًا بِحَبَّهْ
كُلُّ الْفُعُولِ سِهَامٌ
 
لِمَرْيَمٍ وَهْيَ جَعْبَهْ٥٨٨
وَمَا عَلَى مَنْ بِهِ الدَّا
 
ءُ مِنْ لِقَاءِ الْأَطِبَّهْ٥٨٩
وَلَيْسَ بَيْنَ هَلُوكٍ
 
وَحُرَّةٍ غَيْرُ خِطْبَهْ٥٩٠
يَا قَاتِلًا كُلَّ ضَيْفٍ
 
غَنَاهُ ضَيْحٌ وَعُلْبَهْ٥٩١
وَخَوْفُ كُلِّ رَفِيقٍ
 
أَبَاتَكَ اللَّيْلُ جَنْبَهْ٥٩٢
كَذَا خُلِقْتَ وَمَنْ ذَا الـ
 
ـذِي يُغَالِبُ رَبَّهْ٥٩٣
وَمَنْ يُبَالِي بِذَمٍّ
 
إِذَا تَعَوَّدَ كَسْبَهْ
أَمَا تَرَى الْخَيْلَ فِي النَّخـْ
 
ـلِ سُرْبَةً بَعْدَ سُرْبَهْ٥٩٤
عَلَى نِسَائِكَ تَجْلُو
 
فَعُولَهَا مُنْذُ سَنْبَهْ٥٩٥
وَهُنَّ حَوْلَكَ يَنْظُرْ
 
نَ وَالْأُحَيْرَاحُ رَطْبَهْ٥٩٦
وَكُلُّ غُرْمُولِ بَغْلٍ
 
يَرَيْنَ يَحْسُدْنَ قُنْبَهْ٥٩٧
فَسَلْ فُؤَادَكَ يَا ضَبَّ
 
أَيْنَ خَلَّفَ عُجْبَهْ٥٩٨
وَإِنْ يَخُنْكَ لَعَمْرِي
 
لَطَالَمَا خَانَ صَحْبَهْ٥٩٩
وَكَيْفَ تَرْغَبُ فِيهِ
 
وَقَدْ تَبَيَّنْتَ رُعْبَهْ٦٠٠
مَا كُنْتَ إِلَّا ذُبَابًا
 
نَفَتْكَ عَنَّا مِذَبَّهْ٦٠١
وَكُنْتَ تَفْخَرُ تِيهًا
 
فَصِرْتَ تَضْرِطُ رَهْبَهْ
وَإِنْ بَعُدْنَا قَلِيلًا
 
حَمَلْتَ رُمْحًا وَحَرْبَهْ٦٠٢
وَقُلْتَ لَيْتَ بِكَفِّي
 
عِنَانَ جَرْدَاءَ شَطْبَهْ٦٠٣
إِنْ أَوْحَشَتْكَ الْمَعَالِي
 
فَإِنَّهَا دَارُ غُرْبَهْ٦٠٤
أَوْ آنَسَتْكَ الْمَخَازِي
 
فَإِنَّهَا لَكَ نِسْبَهْ٦٠٥
وَإِنْ عَرَفْتَ مُرَادِي
 
تَكَشَّفَتْ عَنْكَ كُرْبَهْ٦٠٦
وَإِنْ جَهِلْتَ مُرَادِي
 
فَإِنَّهُ بِكَ أَشْبَهْ٦٠٧

وقال يعزي أبا شجاع عضد الدولة بِعَمَّتِه، وقد توفيت ببغداد:

آخِرُ مَا المَلْكُ مُعَزًّى بِهِ
 
هَذَا الَّذِي أَثَّرَ في قلْبِهِ٦٠٨
لَا جَزَعًا بَلْ أَنَفًا شَابَهُ
 
أَنْ يَقْدِرَ الدَّهْرُ عَلَى غَصْبِه٦٠٩
لَوْ دَرَتِ الدُّنْيَا بِمَا عِنْدَهُ
 
لَاسْتَحْيَتِ الأَيَّامُ مِنْ عَتْبِهِ٦١٠
لَعَلَّهَا تَحْسَبُ أَنَّ الَّذِي
 
لَيْسَ لَدَيْهِ لَيْسَ مِنْ حِزْبِه٦١١
وَأَنَّ مَنْ بَغْدَادُ دَارٌ لَهُ
 
لَيْسَ مُقِيمًا فِي ذَرَى عَضْبِه٦١٢
وَأَنَّ جَدَّ الْمَرْءِ أَوْطَانُهُ
 
مَنْ لَيْسَ مِنْهَا لَيْسَ مِنْ صُلْبِه٦١٣
أَخَافُ أَنْ تَفْطُنَ أَعْدَاؤُهُ
 
فَيُجْفِلُوا خَوْفًا إِلَى قُرْبِه٦١٤
لَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ مِنْ ضَجْعَةٍ
 
لَا تَقْلِبُ الْمُضْجَعَ عَنْ جَنْبِه٦١٥
يَنْسَى بِهَا مَا كَانَ مِنْ عُجْبِه
 
وَمَا أَذَاقَ الْمَوْتُ مِنْ كَرْبِه٦١٦
نَحْنُ بَنُو الْمَوْتَى فَمَا بَالُنَا
 
نَعَافُ مَا لَا بُدَّ مِنْ شُرْبِه٦١٧
تَبْخَلُ أَيْدِيَنَا بِأَرْوَاحِنَا
 
عَلَى زَمَانٍ هِيَ مِنْ كَسْبِه٦١٨
فَهَذِهِ الْأَرْوَاحُ مِنْ جَوِّهِ
 
وَهَذِهِ الْأَجْسَامُ مِنْ تُرْبِه٦١٩
لَوْ فَكَّرَ الْعَاشِقُ فِي مُنْتَهَى
 
حُسْنِ الَّذِي يَسْبِيهِ لَمْ يَسْبِه٦٢٠
لَمْ يُرَ قَرْنُ الشَّمْسِ فِي شَرْقِهِ
 
فَشَكَّتِ الْأَنْفُسُ فِي غَرْبِه٦٢١
يَمُوتُ رَاعِي الضَّأْنِ فِي جَهْلِهِ
 
مَوْتَةَ جَالِينُوسَ فِي طِبِّه٦٢٢
وَرُبَّمَا زَادَ عَلَى عُمْرِهِ
 
وَزَادَ فِي الْأَمْنِ عَلَى سِرْبِه٦٢٣
وَغَايَةُ الْمُفْرِطِ فِي سِلْمِهِ
 
كَغَايَةِ الْمُفْرِطِ فِي حَرْبِه٦٢٤
فَلَا قَضَى حَاجَتَهُ طَالِبٌ
 
فُؤَادُهُ يَخْفِقُ مِنْ رُعْبِه٦٢٥
أَسْتَغْفِرُ اللهَ لِشَخْصٍ مَضَى
 
كَانَ نَدَاهُ مُنْتَهَى ذَنْبِه٦٢٦
وَكَانَ مَنْ عَدَّدَ إِحْسَانَهُ
 
كَأَنَّهُ أَفْرَطَ فِي سَبِّه٦٢٧
يُرِيدُ مِنْ حُبِّ الْعُلَى عَيْشَهُ
 
وَلَا يُرِيدُ الْعَيْشَ مِنْ حُبِّه٦٢٨
يَحْسَبُهُ دَافِنُهُ وَحْدَهُ
 
وَمَجْدُهُ فِي الْقَبْرِ مِنْ صَحْبِه٦٢٩
وَيُظْهَرُ التَّذْكِيرُ فِي ذِكْرِهِ
 
وَيُسْتَرُ التَّأْنِيثُ فِي حُجْبِهِ٦٣٠
أُخْتُ أَبِي خَيْر أَمِيرٍ دَعَا
 
فَقَالَ جَيْشٌ لِلْقَنَا لَبِّهِ٦٣١
يَا عَضُدَ الدَّوْلَةِ مَنْ رُكْنُهَا
 
أَبُوهُ وَالْقَلْبُ أَبُو لُبِّهِ٦٣٢
وَمَنْ بَنُوهُ زَيْنُ آبَائِهِ
 
كَأَنَّهَا النَّوْرُ عَلَى قُضْبِهِ٦٣٣
فَخْرًا لِدَهْرٍ أَنْتَ مِنْ أَهْلِهِ
 
وَمُنْجِبٍ أَصْبَحْتَ مِنْ عَقْبِهِ٦٣٤
إِنَّ الْأَسَى الْقِرْنُ فَلَا تُحْيِهِ
 
وَسَيْفُكَ الصَّبْرُ فَلَا تُنْبِهِ٦٣٥
مَا كَانَ عِنْدِي أَنَّ بَدْرَ الدُّجَى
 
يُوحِشُهُ الْمَفْقُودُ مِنْ شُهْبِهِ٦٣٦
حَاشَاكَ أَنْ تَضْعُفَ عَنْ حَمْلِ مَا
 
تَحَمَّلَ السَّائِرُ فِي كُتْبِهِ٦٣٧
وَقَدْ حَمَلْتَ الثِّقْلَ مِنْ قَبْلِهِ
 
فَأَغْنَتِ الشِّدَّةُ عَنْ سَحْبِهِ٦٣٨
يَدْخُلُ صَبْرُ الْمَرْءِ فِي مَدْحِهِ
 
وَيَدْخُلُ الْإِشْفَاقُ فِي ثَلْبِهِ٦٣٩
مِثْلُكَ يَثْنِي الْحُزْنَ عَنْ صَوْبِهِ
 
وَيَسْتَرِدُّ الدَّمْعَ عَنْ غَرْبِهِ٦٤٠
إِيمَا لِإِبْقَاءٍ عَلَى فَضْلِهِ
 
إِيمَا لِتَسْلِيمٍ إِلَى رَبِّهِ٦٤١
وَلَمْ أَقُلْ مِثْلُكَ أَعْنِي بِهِ
 
سِوَاكَ يَا فَرْدًا بِلَا مُشْبِهِ٦٤٢

وقال في صباه يهجو القاضي الذهبي:

لَمَّا نُسِبْتَ فَكُنْتَ ابْنًا لِغَيْرِ أَبٍ
 
ثُمَّ امْتُحِنْتَ فَلَمْ تَرْجِعْ إِلَى أَدَبِ
سُمِّيتَ بِالذَّهَبِيِّ الْيَوْمَ تَسْمِيَةً
 
مُشْتَقَّةً مِنْ ذَهَابِ الْعَقْلِ لَا الذَّهَبِ٦٤٣
مُلَقَّبٌ بِكَ مَا لُقِّبْتَ وَيْكَ بِهِ
 
يَا أَيُّهَا اللَّقَبُ الْمُلْقَى عَلَى اللَّقَبِ٦٤٤

وقال يهجو وردان بن ربيعة الطائي، وقد كان أبو الطيب نزل به في أرض حِسْمَى منصرفه من مصر؛ فاستغوى وردان عبيد أبي الطيب، فجعلوا يسرقون له من أمتعته؛ فلما شعر أبو الطيب بذلك ضرب أحد عبيده بالسيف فأصاب وجهه، وأمر الغلمان فأجهزوا عليه:

لَحَا اللهُ وَرْدَانًا وَأُمَّا أَتَتْ بِهِ
 
لَهُ كَسْبُ خِنْزِيرٍ وَخُرْطُومُ ثَعْلَبِ٦٤٥
فَمَا كَانَ فِيهِ الْغَدْرُ إِلَّا دَلَالَةً
 
عَلَى أَنَّهُ فِيهِ مِنَ الْأُمِّ وَالْأَبِ٦٤٦
إِذَا كَسَبَ الْإِنْسَانُ مِنْ هَنِ عِرْسِهِ
 
فَيَا لُؤْمَ إِنْسَانٍ وَيَا لُؤْمَ مَكْسَبِ٦٤٧
أَهَذَا اللَّذَيَّا بِنْتُ وَرْدَانَ بِنْتُهُ
 
هُمَا الطَّالِبَانِ الرِّزْقَ مِنْ شَرِّ مَطْلَبِ٦٤٨
لَقَدْ كُنْتُ أَنْفِي الْغَدْرَ عَنْ تُوسِ طَيِّئٍ
 
فَلَا تَعْذِلَانِي رُبَّ صِدْقٍ مُكَذَّبِ

قافية التاء

وأنفذ إليه سيف الدولة قول الشاعر:

رَأَى خَلَّتِي مِنْ حَيْثُ يَخْفَى مَكَانُهَا
 
فَكَانَتْ قَذَى عَيْنَيْهِ حَتَّى تَجَلَّتِ١

وسأله إجازته، فقال أبو الطيب والرسول واقف ارتجالًا:

لَنَا مَلِكٌ لَا يَطْعَمُ النَّوْمَ هَمُّهُ
 
مَمَاتٌ لِحَيٍّ أَوَ حَيَاةٌ لِمَيِّتِ٢
وَيَكْبُرُ أَنْ تَقْذَى بِشَيْءٍ جُفُونُهُ
 
إِذَا مَا رَأَتْهُ خَلَّةٌ بِكَ فَرَّتِ٣
جَزَى اللهُ عَنِّي سَيْفَ دَوْلَةِ هَاشِمٍ
 
فَإِنَّ نَدَاهُ الْغَمْرَ سَيْفِي وَدَوْلَتِي٤

وقال في صباه عند وداعه بعض الأمراء:

اُنْصُرْ بِجُودِكَ أَلْفَاظًا تَرَكْتُ بِهَا
 
فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ مَنْ عَادَاكَ مَكْبُوتَا٥
فَقَدْ نَظَرْتُكَ حَتَّى حَانَ مُرْتَحَلِي
 
وَذَا الْوَدَاعُ فَكُنْ أَهْلًا لِمَا شِيتَا٦

وقال مرتجلًا يَمدح بدر بن عمار بن إسماعيل الأسدي:

فَدَتْكَ الْخَيْلُ وَهْيَ مُسَوَّمَاتُ
 
وَبِيضُ الْهِنْدِ وَهْيَ مُجَرَّدَاتُ٧
وَصَفْتُكَ فِي قَوافٍ سَائِرَاتٍ
 
وَقَدْ بَقِيَتْ وَإِنْ كَثُرَتْ صِفَاتُ٨
أَفَاعِيلُ الْوَرَى مِنْ قَبْلُ دُهْمٌ
 
وَفِعْلُكَ فِي فِعَالِهِمِ شِيَاتُ٩

وقال يمدح أبا أيوبَ أحمدَ بن عمران:

سِرْبٌ مَحَاسِنُهُ حُرِمْتُ ذَوَاتِهَا
 
دَانِي الصِّفَاتِ بَعِيدُ مَوْصُوفَاتِهَا١٠
أَوْفَى فَكُنْتُ إِذَا رَمَيْتُ بِمُقْلَتِي
 
بَشَرًا رَأَيْتُ أَرَقَّ مِنْ عَبَرَاتِهَا١١
يَسْتَاقُ عِيسَهُمُ أَنِينِي خَلْفَهَا
 
تَتَوَهَّمُ الزَّفَرَاتِ زَجْرَ حُدَاتِهَا١٢
وَكَأَنَّهَا شَجَرٌ بَدَتْ لَكِنَّهَا
 
شَجَرٌ جَنَيْتُ الْمَوْتَ مِنْ ثَمَرَاتِهَا١٣
لَا سِرْتِ مِنْ إِبِلٍ لَوْ انِّي فَوْقَهَا
 
لَمَحَتْ حَرَارَةَ مَدْمَعَيَّ سِمَاتِهَا١٤
وَحَمَلْتُ مَا حُمِّلْتِ مِنْ هَذِي الْمَهَا
 
وَحَمَلْتِ مَا حُمِّلْتُ مِنْ حَسَرَاتِهَا١٥
إِنِّي عَلَى شَغَفِي بِمَا فِي خُمْرِهَا
 
لَأَعَفُّ عَمَّا فِي سَرَاوِيلَاتِهَا١٦
وَتَرَى الْفُتُوَّةَ وَالْمُرُوَّةَ وَالْأُبُوَّ
 
ةَ فِيَّ كُلُّ مَلِيحَةٍ ضَرَّاتِهَا١٧
هُنَّ الثَّلَاثُ الْمَانِعَاتِ لَذَّتِي
 
فِي خَلْوَتِي لَا الْخَوْفُ مِنْ تَبِعَاتِهَا١٨
وَمَطَالِبٍ فِيهَا الْهَلَاكُ أَتَيْتُهَا
 
ثَبْتَ الْجَنَانِ كَأَنَّنِي لَمْ آتِهَا١٩
وَمَقَانِبٍ بِمَقَانِبٍ غَادَرْتُهَا
 
أَقْوَاتَ وَحْشٍ كُنَّ مِنْ أَقْوَاتِهَا٢٠
أَقْبَلْتُهَا غُرَرَ الْجِيَادِ كَأَنَّمَا
 
أَيْدِي بَنِي عِمْرَانَ فِي جَبَهَاتِهَا٢١
الثَّابِتِينَ فُرُوسَةً كَجُلُودِهَا
 
فِي ظَهْرِهَا وَالطَّعْنُ فِي لَبَّاتِهَا٢٢
الْعَارِفِينَ بِهَا كَمَا عَرَفْتُهُمُ
 
وَالرَّاكِبِينَ جُدُودُهُمْ أُمَّاتِهَا٢٣
فَكَأَنَّمَا نُتِجَتْ قِيَامًا تَحْتَهُمْ
 
وَكَأَنَّهُمْ وُلِدُوا عَلَى صَهَوَاتِهَا٢٤
إِنَّ الْكِرَامَ بِلَا كِرَامٍ مِنْهُمُ
 
مِثْلُ الْقُلُوبِ بِلَا سُوَيْدَاوَاتِهَا٢٥
تِلْكَ النُّفُوسُ الْغَالِبَاتُ عَلَى الْعُلَى
 
وَالْمَجْدُ يَغْلِبُهَا عَلَى شَهَوَاتِهَا٢٦
سُقِيَتْ مَنَابِتُهَا الَّتِي سَقَتِ الْوَرَى
 
بِيَدَيْ أَبِي أَيُّوبَ خَيْرِ نَبَاتِهَا٢٧
لَيْسَ التَّعَجُّبُ مِنْ مَوَاهِبِ مَالِهِ
 
بَلْ مِنْ سَلَامَتِهَا إِلَى أَوْقَاتِهَا٢٨
عَجَبًا لَهُ حَفِظَ الْعِنَانَ بِأَنْمُلٍ
 
مَا حِفْظُهَا الْأَشْيَاءَ مِنْ عَادَاتِهَا٢٩
لَو مَرَّ يَرْكُضُ فِي سُطُورِ كِتَابَةٍ
 
أَحْصَى بِحَافِرِ مُهْرِهِ مِيمَاتِهَا٣٠
يَضَعُ السِّنَانَ بِحَيْثُ شَاءَ مُجَاوِلًا
 
حَتَّى مِنَ الآذَانِ فِي أُخْرَاتِهَا٣١
تَكْبُو وَرَاءَكَ يَا ابْنَ أَحْمَدَ قُرَّحٌ
 
لَيْسَتْ قَوَائِمُهُنَّ مِنْ آلَاتِهَا٣٢
رِعَدُ الْفَوَارِسِ مِنْكَ فِي أَبْدَانِهَا
 
أَجْرَى مِنَ الْعَسَلَانِ فِي قَنَوَاتِهَا٣٣
لَا خَلْقَ أَسْمَحُ مِنْكَ إِلَّا عَارِفٌ
 
بِكَ رَاءَ نَفْسَكَ لَمْ يَقُلْ لَكَ هَاتِهَا٣٤
غَلِتَ الَّذِي حَسَبَ الْعُشُورَ بِآيَةٍ
 
تَرْتِيلُكَ السُّورَاتِ مِنْ آيَاتِهَا٣٥
كَرَمٌ تَبَيَّنَ فِي كَلَامِكَ مَاثِلًا
 
وَيَبِينُ عِتْقُ الْخَيْلِ فِي أَصْوَاتِهَا٣٦
أَعْيَا زَوَالُكَ عَنْ مَحَلٍّ نِلْتَهُ
 
لَا تَخْرُجُ الْأَقْمَارُ عَنْ هَالَاتِهَا٣٧
لَا نَعْذِلُ الْمَرَضَ الَّذِي بِكَ شَائِقٌ
 
أَنْتَ الرِّجَالَ وَشَائِقٌ عِلَّاتِهَا٣٨
فَإِذَا نَوَتْ سَفَرًا إِلَيْكَ سَبَقْنَهَا
 
فَأَضَفْتَ قَبْلَ مُضَافِهَا حَالَاتِهَا٣٩
وَمَنَازِلُ الْحُمَّى الْجُسُومُ فَقُلْ لَنَا
 
مَا عُذْرُهَا فِي تَرْكِهَا خَيْرَاتِهَا٤٠
وَمَنَازِلُ الْحُمَّى الْجَسُومُ فَقُلْ لَنَا
 
مَا عُذْرُهَا فِي تَرْكِهَا خَيْرَاتِهَا٤١
أَعْجَبْتَهَا شَرَفًا فَطَالَ وُقُوفُهَا
 
لِتَأَمُّلِ الْأَعْضَاءِ لَا لِأَذَاتِهَا٤٢
وَبَذَلْتَ مَا عَشِقَتْهُ نَفْسُكَ كُلَّهُ
 
حَتَّى بَذَلْتَ لِهَذِهِ صِحَّاتِهَا٤٣
حَقُّ الْكَوَاكِبِ أَنْ تَزُورَكَ مِنْ عَلٍ
 
وَتَعُودَكَ الآسَادُ مِنْ غَابَاتِهَا٤٤
وَالْجِنُّ مِنْ سُتُرَاتِهَا وَالْوَحْشُ مِنْ
 
فَلَوَاتِهَا وَالطَّيْرُ مِنْ وُكْنَاتِهَا٤٥
ذُكِرَ الْأَنَامُ لَنَا فَكَانَ قَصِيدَةً
 
كُنْتَ الْبَدِيعَ الْفَرْدَ مِنْ أَبْيَاتِهَا٤٦
فِي النَّاسِ أَمْثِلَةٌ تَدُورُ حَيَاتُهَا
 
كَمَمَاتِهَا وَمَمَاتُهَا كَحَيَاتِهَا٤٧
هِبْتُ النِّكَاحَ حِذَارَ نَسْلٍ مِثْلِهَا
 
حَتَّى وَفَرْتُ عَلَى النِّسَاءِ بَنَاتِهَا٤٨
فَالْيَوْمَ صِرْتُ إِلَى الَّذِي لَوْ أَنَّهُ
 
مَلَكَ الْبَرِيَّةَ لَاسْتَقَلَّ هِبَاتِهَا٤٩
مُسْتَرْخَصٌ نَظَرٌ إِلَيْهِ بِمَا بِهِ
 
نَظَرَتْ وَعَثْرَةُ رِجْلِهِ بِدِيَاتِهَا٥٠

قافية الحاء

وقال يعتذر إليه، وقد تأخر مدحه عنه، فظن أنه عاتب عليه:

أَدْنَى ابْتِسَامٍ مِنْكَ تَحْيَا الْقَرَائِحُ
 
وَتَقْوَى مِنَ الْجِسْمِ الضَّعِيفِ الْجَوَارِحُ١
وَمَنْ ذَا الَّذْيِ يَقْضِي حُقُوقَكَ كُلَّهَا
 
وَمَنْ ذَا الَّذِي يُرْضِي سِوَى مَنْ تُسَامِحُ٢
وَقَدْ تَقْبَلُ الْعُذْرَ الْخَفِيَّ تَكَرُّمًا
 
فَمَا بَالُ عُذْرِي وَاقِفًا وَهْوَ وَاضِحُ٣
وَإِنَّ مُحَالًا — إِذْ بِكَ الْعَيْشُ — أَنْ أُرَى
 
وَجِسْمُكَ مُعْتَلٌّ وَجِسْمِيَ صَالِحُ٤
وَمَا كَانَ تَرْكِي الشِّعْرَ إِلَّا لِأَنَّهُ
 
تُقَصِّرُ عَنْ وَصْفِ الْأَمِيرِ الْمَدَائِحُ

وقال في صباه، وقد بُلِّغ عن قوم كلامًا:

أَنَا عَيْنُ الْمُسَوَّدِ الْجَحْجَاحِ
 
هَيَّجَتْنِي كِلَابُكُمْ بِالنُّبَاحِ٥
أَيَكُونُ الْهِجَانُ غَيْرَ هِجَانٍ
 
أَمْ يَكُونُ الصُّرَاحُ غَيْرَ صُرَاحِ٦
جَهِلُونِي وَإِنْ عَمَرْتُ قَلِيلًا
 
نَسَبَتْنِي لَهُمْ رُءُوسُ الرِّمَاحِ٧

وقال يمدح مساور بن محمد الرومي:

جَلَلًا كَمَا بِي فَلْيَكُ التَّبْرِيحُ
 
أَغِذَاءُ ذَا الرَّشَإِ الْأَغَنِّ الشِّيحُ٨
لَعِبَتْ بِمِشْيَتِهِ الشَّمُولُ وَغَادَرَتْ
 
صَنَمًا مِنَ الْأَصْنَامِ لَوْلَا الرُّوحُ٩
مَا بَالُهُ لَاحَظْتُهُ فَتَضَرَّجَتْ
 
وَجَنَاتُهُ وَفُؤَادِيَ الْمَجْرُوحُ١٠
وَرَمَى وَمَا رَمَتَا يَدَاهُ فَصَابَنِي
 
سَهْمٌ يُعَذِّبُ وَالسِّهَامُ تُرِيحُ١١
قَرُبَ الْمَزَارُ وَلَا مَزَارَ وَإِنَّمَا
 
يَغْدُو الْجَنَانُ فَنَلْتَقِي وَيَرُوحُ١٢
وَفَشَتْ سَرَائِرُنَا إِلَيْكَ وَشَفَّنَا
 
تَعْرِيضُنَا فَبَدَا لَكَ التَّصْرِيحُ١٣
لَمَا تَقَطَّعَتِ الْحُمُولُ تَقَطَّعَتْ
 
نَفْسِي أَسًى وَكَأَنَّهُنَّ طُلُوحُ١٤
وَجَلَا الْوَدَاعُ مِنَ الْحَبِيبِ مَحَاسِنًا
 
حُسْنُ الْعَزَاءِ وَقَدْ جُلِينَ قَبِيحُ١٥
فَيَدٌ مُسَلِّمَةٌ وَطَرْفٌ شَاخِصٌ
 
وَحَشًى يَذُوبُ وَمَدْمَعٌ مَسْفُوحُ١٦
يَجِدُ الْحَمَامُ وَلَوْ كَوَجْدِي لَانْبَرَى
 
شَجَرُ الْأَرَاكِ مَعَ الْحَمَامِ يَنُوحُ١٧
وَأَمَقَّ لَوْ خَدَتِ الشَّمَالُ بِرَاكِبٍ
 
فِي عَرْضِهِ لَأَنَاخَ وَهْيَ طَلِيحُ١٨
نَازَعْتُهُ قُلَصَ الرِّكَابِ وَرَكْبُهَا
 
خَوْفُ الْهَلَاكِ حُدَاهُمُ التَّسْبِيحُ١٩
لَوْلَا الْأَمِينُ مُسَاوِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ
 
مَا جُشِّمَتْ خَطَرًا وَرُدَّ نَصِيحُ٢٠
وَمَتَى وَنَتْ وَأَبُو الْمُظَفَّرِ أَمُّهَا
 
فَأَتَاحَ لِي وَلَهَا الْحِمَامَ مُتِيحُ٢١
شِمْنَا وَمَا حُجِبَ السَّمَاءُ بُرُوقَهُ
 
وَحَرًى يَجُودُ وَمَا مَرَتْهُ الرِّيحُ٢٢
مَرْجُوُّ مَنْفَعَةٍ مَخُوفُ أَذِيَّةٍ
 
مَغْبُوقُ كَاسِ مَحَامِدٍ مَصْبُوحُ٢٣
حَنِقٌ عَلَى بَدْرِ اللُّجَيْنِ وَمَا أَتَتْ
 
بِإِسَاءَةٍ وَعَنِ الْمُسِيءِ صَفُوحُ٢٤
لَوْ فُرِّقَ الْكَرَمُ الْمُفَرِّقُ مَالَهُ
 
فِي النَّاسِ لَمْ يَكُ فِي الزَّمَانِ شَحِيحُ٢٥
أَلَغَتْ مَسَامِعُهُ الْمَلَامَ وَغَادَرَتْ
 
سِمَةً عَلَى أَنْفِ اللِّئَامِ تَلُوحُ٢٦
هَذَا الَّذِي خَلَتِ الْقُرُونُ وِذِكْرُهُ
 
وَحَدِيثُهُ فِي كُتْبِهَا مَشْرُوحُ٢٧
أَلْبَابُنَا بِجَمَالِهِ مَبْهُورَةٌ
 
وَسَحَابُنَا بِنَوَالِهِ مَفْضُوحُ٢٨
يَغْشَى الطِّعَانَ فَلَا يَرُدُّ قَنَاتَهُ
 
مَكْسُورَةً وَمِنَ الْكُمَاةِ صَحِيحُ٢٩
وَعَلَى التُّرَابِ مِنَ الدِّمَاءِ مَجَاسِدٌ
 
وَعَلَى السَّمَاءِ مِنَ الْعَجَاجِ مُسُوحُ٣٠

•••

يَخْطُو الْقَتِيلُ إِلَى الْقَتِيلِ أَمَامَهُ
 
رَبُّ الْجَوَادِ وَخَلْفَهُ الْمَبْطُوحُ٣١
فَمَقِيلُ حُبِّ مُحِبِّهِ فَرِحٌ بِهِ
 
وَمَقِيلُ غَيْظِ عَدُوِّهِ مَقْرُوحُ٣٢
يُخْفِي الْعَدَاوَةَ وَهْيَ غَيْرُ خَفِيَّةٍ
 
نَظَرُ الْعَدُوِّ بِمَا أَسَرَّ يَبُوحُ٣٣
يَا ابْنَ الَّذِي مَا ضَمَّ بُرْدٌ كَابْنِهِ
 
شَرَفًا وَلَا كَالْجَدِّ ضَمَّ ضَرِيحُ٣٤
نَفْدِيكَ مِنْ سَيْلٍ إِذَا سُئِلَ النَّدَى
 
هَوْلٍ إِذَا اخْتَلَطَا دَمٌ وَمَسِيحُ٣٥
لَوْ كُنْتَ بَحْرًا لَمْ يَكُنْ لَكَ سَاحِلٌ
 
أَوْ كُنْتَ غَيْثًا ضَاقَ عَنْكَ اللُّوحُ٣٦
وَخَشِيتُ مِنْكَ عَلَى الْبِلَادِ وَأَهْلِهَا
 
مَا كَانَ أَنْذَرَ قَوْمَ نُوحٍ نُوحُ٣٧
عَجْزٌ بِحُرٍّ فَاقَةٌ وَوَرَاءَهُ
 
رِزْقُ الْإِلَه وَبَابُكَ الْمَفْتُوحُ٣٨
إِنَّ الْقَرِيضَ شَجٍ بِعِطْفِي عَائِذٌ
 
مِنْ أَنْ يَكُونَ سِوَاءَكَ الْمَمْدُوحُ٣٩
وَذَكِيُّ رَائِحَةِ الرِّيَاضِ كَلَامُهَا
 
تَبْغِي الثَّنَاءَ عَلَى الْحَيَا فَتَفُوحُ٤٠
جُهْدُ الْمُقِلِّ فَكَيْفَ بِابْنِ كَرِيمَةٍ
 
تُولِيهِ خَيْرًا وَاللِّسَانُ فَصِيحُ٤١

وقال يصف لعبة على صورة جارية:

جَارِيَةٌ مَا لِجِسْمِهَا رُوحُ
 
بِالْقَلْبِ مِنْ حُبِّهَا تَبَارِيحُ٤٢
فِي كَفِّهَا طَاقَةٌ تُشِيرُ بِهَا
 
لَكُلِّ طِيبٍ مِنْ طِيبِهَا رِيحُ٤٣
سَأَشْرَبُ الْكَأْسَ عَنْ إِشَارَتِهَا
 
وَدَمْعُ عَيْنِي فِي الْخَدِّ مَسْفُوحُ٤٤

وأراد الانصراف من عند سيف الدولة ليلًا فقال:

يُقَاتِلُنِي عَلَيْكَ اللَّيْلُ جِدًّا
 
وَمُنْصَرَفِي لَهُ أَمْضَى السِّلَاحِ٤٥
لِأَنِّي كُلَّمَا فَارَقْتُ طَرْفِي
 
بَعِيدٌ بَيْنَ جَفْنِي وَالصَّبَاحِ٤٦

وجرى حديث وقعة أبي الساج مع أبي طاهر صاحب الأحساء، فذكر أبو الطيب ما كان فيها من القتل، فهال بعض الجلساء ذلك وجزع منه، فقال أبو الطيب لأبي محمد بن طغج ارتجالًا:

أَبَاعِثَ كُلِّ مَكْرُمَةٍ طَمُوحِ
 
وَفَارِسَ كُلِّ سَلْهَبَةٍ سَبُوحِ٤٧
وَطَاعِنَ كُلِّ نَجْلَاءٍ غَمُوسٍ
 
وَعَاصِيَ كُلِّ عَذَّالٍ نَصِيحِ٤٨
سَقَانِي اللهُ قَبْلَ الْمَوْتِ يَوْمًا
 
دَمَ الْأَعْدَاءِ مِنْ جَوْفِ الْجُرُوحِ٤٩

وأرسل أبو العشائر بازيًا على حَجَلة فأخذها فقال المتنبي:

وَطَائِرَةٍ تَتَبَّعُهَا الْمَنَايَا
 
عَلَى آثَارِهَا زَجَلُ الْجَنَاحِ٥٠
كَأَنَّ الرِّيشَ مِنْهُ فِي سِهَامٍ
 
عَلَى جَسَدٍ تَجَسَّمَ مِنْ رِيَاحِ٥١
كَأَنَّ رُءُوسَ أَقْلَامٍ غِلَاظٍ
 
مُسِحْنَ بِرِيشِ جُؤْجُؤَةِ الصِّحَاحِ٥٢
فَأَقْعَصَهَا بِحَجْنٍ تَحْتَ صُفْرٍ
 
لَهَا فِعْلُ الْأَسِنَّةِ وَالصِّفَاحِ٥٣
فَقُلْتُ لِكُلِّ حَيٍّ يَوْمُ مَوْتٍ
 
وَإِنْ حَرَصَ النُّفُوسُ عَلَى الْفَلَاحِ٥٤

قافية الدال

وقال يمدح سيف الدولة، ويرثي ابن عمه أبا وائل تغلب بن داود بن حمدان، وقد توفي في حمص سنة ثمانٍ وثلاثين وثلاثمائة:

مَا سَدِكَتْ عِلَّةٌ بِمَوْرُودِ
 
أَكْرَمَ مِنْ تَغْلِبَ بْنِ دَاوُدِ١
يَأْنَفُ مِنْ مِيتَةِ الْفِرَاشِ وَقَدْ
 
حَلَّ بِهِ أَصْدَقُ الْمَوَاعِيدِ٢
وَمِثْلُهُ أَنْكَرَ الْمَمَاتَ عَلَى
 
غَيْرِ سُرُوجِ السَّوَابِحِ الْقُودِ٣
بَعْدَ عِثَارِ الْقَنَا بِلَبَّتِهِ
 
وَضَرْبِهِ أَرْؤُسَ الصَّنَادِيدِ٤
وَخَوْضِهِ غَمْرَ كُلِّ مَهْلَكَةٍ
 
لِلذِّمْرِ فِيهَا فُؤَادُ رِعْدِيدِ٥
فَإِنْ صَبَرْنَا فَإِنَّنَا صُبُرٌ
 
وَإِنْ بَكَيْنَا فَغَيْرُ مَرْدُودِ٦
وَإِنْ جَزِعْنَا لَهُ فَلَا عَجَبٌ
 
ذَا الْجَزْرُ فِي الْبَحْرِ غَيْرُ مَعْهُودِ٧
أَيْنَ الْهِبَاتُ الَّتِي يُفَرِّقُهَا
 
عَلَى الزَّرَافَاتِ وَالْمَوَاحِيدِ٨
سَالِمُ أَهْلِ الْوِدَادِ بَعْدَهُمُ
 
يَسْلَمُ لِلْحُزْنِ لَا لِتَخْلِيدِ٩
فَمَا تُرَجِّي النُّفُوسُ مِنْ زَمَنٍ
 
أَحْمَدُ حَالَيْهِ غَيْرُ مَحْمُودِ١٠
إِنَّ نُيُوبَ الزَّمَانِ تَعْرِفُنِي
 
أَنَا الَّذِي طَالَ عَجْمُهَا عُودِي١١
وَفِيَّ مَا قَارَعَ الْخُطُوبَ وَمَا
 
آنَسَنِي بِالْمَصَائِبِ السُّودِ١٢
مَا كُنْتَ عَنْهُ إِذِ اسْتَغَاثَكَ يَا
 
سَيْفَ بَنِي هَاشِمٍ بِمَغْمُودِ١٣
يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ يَا مَلِكَ الْأَمـْ
 
ـلَاكِ طُرًّا يَا أَصْيَدَ الصِّيدِ١٤
قَدْ مَاتَ مِنْ قَبْلِهَا فَأَنْشَرَهُ
 
وَقْعُ قَنَا الْخطِّ فِي اللَّغَادِيدِ١٥
وَرَمْيُكَ اللَّيْلَ بِالْجُنُودِ وَقَدْ
 
رَمَيْتَ أَجْفَانَهُمْ بِتَسْهِيدِ١٦
فَصَبَّحْتُهُمْ رِعَالُهَا شُزَّبًا
 
بَيْنَ ثُبَاتٍ إِلَى عَبَادِيدِ١٧
تَحْمِلُ أَغْمَادُهَا الْفِدَاءَ لَهُمْ
 
فَانْتَقَدُوا الضَّرْبَ كَالْأَخَادِيدِ١٨
مَوْقِعُهُ فِي فِرَاشِ هَامِهِمْ
 
وَرِيحُهُ فِي مَنَاخِرِ السِّيدِ١٩
أَفْنَى الْحَيَاةَ الَّتِي وَهَبْتَ لَهُ
 
فِي شَرَفٍ شَاكِرًا وَتَسْوِيدِ٢٠
سَقِيمَ جِسْمٍ صَحِيحَ مَكْرُمَةٍ
 
مَنْجُودَ كَرْبٍ غِيَاثَ مَنْجُودِ٢١
ثُمَّ غَدَا قَيْدُهُ الْحِمَامُ وَمَا
 
تَخْلُصُ مِنْهُ يَمِينُ مَصْفُودِ٢٢
لَا يَنْقُصُ الْهَالِكُونَ مِنْ عَدَدٍ
 
مِنْهُ عَلِيٌّ مُضَيَّقُ الْبِيدِ٢٣
تَهُبُّ فِي ظَهْرِهَا كَتَائِبُهُ
 
هُبُوبَ أَرْوَاحِهَا الْمَرَاوِيدِ٢٤
أَوَّلَ حَرْفٍ مِنِ اسْمِهِ كَتَبَتْ
 
سَنَابِكُ الْخَيْلِ فِي الْجَلَامِيدِ٢٥
مَهْمَا يُعَزُّ الْفَتَى الْأَمِيرَ بِهِ
 
فَلَا بِإِقْدَامِهِ وَلَا الْجُودِ٢٦
وَمِنْ مُنَانَا بَقَاؤُهُ أَبَدًا
 
حَتَّى يُعَزَّى بِكُلِّ مَوْلُودِ٢٧

وقال يمدحه، ويذكر هجوم الشتاء الذي عاقه عن غزو خرشنة، ويذكر الواقعة:

عَوَاذِلُ ذَاتِ الْخَالِ فِيَّ حَوَاسِدُ
 
وَإِنَّ ضَجِيعَ الْخَوْدِ مِنِّي لَمَاجِدُ٢٨
يَرُدُّ يَدًا عَنْ ثَوْبِهَا وَهْوَ قَادِرٌ
 
وَيَعْصِي الْهَوَى فِي طَيْفِهَا وَهْوَ رَاقِدُ٢٩
مَتَى يَشْتَفِي مِنْ لَاعِجِ الشَّوْقِ فِي الْحَشَى
 
مُحِبٌّ لَهَا فِي قُرْبِهِ مُتَبَاعِدُ٣٠
إِذَا كُنْتَ تَخْشَى الْعَارَ فِي كُلِّ خَلْوَةٍ
 
فَلِمْ تَتَصَبَّاكَ الْحِسَانُ الْخَرَائِدُ٣١
أَلَحَّ عَلَيَّ السُّقْمُ حَتَّى أَلِفْتُهُ
 
وَمَلَّ طَبِيبِي جَانِبِي وَالْعَوَائِدُ٣٢
مَرَرْتُ عَلَى دَارِ الْحَبِيبِ فَحَمْحَمَتْ
 
جَوَادِي وَهَلْ تَشْجُو الْجِيَادَ الْمَعَاهِدُ٣٣
وَمَا تُنْكِرُ الدَّهْمَاءُ مِنْ رَسْمِ مَنْزِلٍ
 
سَقَتْهَا ضَرِيبَ الشَّوْلِ فِيهَا الْوَلَائِدُ٣٤
أَهُمُّ بِشَيْءٍ وَاللَّيَالِي كَأَنَّهَا
 
تُطَارِدُنِي عَنْ كَوْنِهِ وَأُطَارِدُ٣٥
وَحِيدٌ مِنَ الْخُلَّانِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ
 
إِذَا عَظُمَ الْمَطْلُوبُ قَلَّ الْمُسَاعِدُ٣٦
وَتُسْعِدُنِي فِي غَمْرَةٍ بَعْدَ غَمْرَةٍ
 
سَبُوحٌ لَهَا مِنْهَا عَلَيْهَا شَوَاهِدُ٣٧
تَثَنَّى عَلَى قَدْرِ الطِّعَانِ كَأَنَّمَا
 
مَفَاصِلُهَا تَحْتَ الرِّمَاحِ مَرَاوِدُ٣٨
مُحَرَّمَةٌ أَكْفَالُ خَيْلِي عَلَى الْقَنَا
 
مُحَلَّلَةٌ لَبَّاتُهَا وَالْقَلَائِدُ٣٩
وَأُورِدُ نَفْسِي وَالْمُهَنَّدُ فِي يَدِي
 
مَوَارِدَ لَا يُصْدِرْنَ مَنْ لَا يُجَالِدُ٤٠
وَلَكِنْ إِذَا لَمْ يَحْمِلِ الْقَلْبُ كَفَّهُ
 
عَلَى حَالَةٍ لَمْ يَحْمِلِ الْكَفَّ سَاعِدُ٤١
خَلِيلَيَّ إِنِّي لَا أَرَى غَيْرَ شَاعِرٍ
 
فَلِمْ مِنْهُمُ الدَّعْوَى وَمِنِّي الْقَصَائِدُ٤٢
فَلَا تَعْجَبَا إِنَّ السُّيُوفَ كَثِيرَةٌ
 
وَلَكِنَّ سَيْفَ الدَّوْلَةِ الْيَوْمَ وَاحِدُ٤٣
لَهُ مِنْ كَرِيمِ الطَّبْعِ فِي الْحَرْبِ مُنْتَضٍ
 
وَمِنْ عَادَةِ الْإِحْسَانِ وَالصَّفْحِ غَامِدُ٤٤
وَلَمَّا رَأَيْتُ النَّاسَ دُونَ مَحَلِّهِ
 
تَيَقَّنْتُ أَنَّ الدَّهْرَ لِلنَّاسِ نَاقِدُ٤٥
أَحَقُّهُمُ بِالسَّيْفِ مِنْ ضَرَبَ الطُّلَى
 
وَبِالْأَمْنِ مَنْ هَانَتْ عَلَيْهِ الشَّدَائِدُ٤٦
وَأَشْقَى بِلَادِ اللهِ مَا الرُّومُ أَهْلُهَا
 
بِهَذَا وَمَا فِيهَا لِمَجْدِكَ جَاحِدُ٤٧
شَنَنْتَ بِهَا الْغَارَاتِ حَتَّى تَرَكْتَهَا
 
وَجَفْنُ الَّذِي خَلْفَ الْفَرَنْجَةَ سَاهِدُ٤٨
مُخَضَّبَةٌ وَالْقَوْمُ صَرْعَى كَأَنَّهَا
 
وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا سَاجِدِينَ مَسَاجِدُ٤٩
تُنَكِّسُهُمْ وَالسَّابِقَاتُ جِبَالُهُمْ
 
وَتَطْعُنُ فِيهِمْ وَالرِّمَاحُ الْمَكَايِدُ٥٠
وَتَضْرِبُهُمْ هَبْرًا وَقَدْ سَكَنُوا الْكُدَى
 
كَمَا سَكَنَتْ بَطْنَ التُّرَابِ الْأَسَاوِدُ٥١
وَتُضْحِي الْحُصُونُ الْمُشمَخراتُ فِي الذُّرَى
 
وَخَيْلُكَ فِي أَعْنَاقِهِنَّ قَلَائِدُ٥٢
عَصَفْنَ بِهِمْ يَوْمَ اللُّقَانِ وَسُقْنَهُمْ
 
بِهِنْرِيطَ حَتَّى ابْيَضَّ بَالسَّبْيِ آمِدُ٥٣
وَأَلْحَقْنَ بِالصَّفْصَافِ سَابُورَ فَانْهَوَى
 
وَذَاقَ الرَّدَى أَهْلَاهُمَا وَالْجَلَامِدُ٥٤
وغَلَّسَ فِي الْوَادِي بِهِنَّ مُشَيَّعٌ
 
مُبَارَكُ مَا تَحْتَ اللِّثَامَيْنِ عَابِدُ٥٥
فَتًى يَشْتَهِي طُولَ الْبِلَادِ وَوَقْتِهِ
 
تَضِيقُ بِهِ أَوْقَاتُهُ وَالْمَقَاصِدُ٥٦
أَخُو غَزَوَاتٍ مَا تُغِبُّ سُيُوفُهُ
 
رِقَابَهُمُ إِلَّا وَسَيْحَانُ جَامِدُ٥٧
فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ حَمَاهَا مِنَ الظُّبَا
 
لَمَى شَفَتَيْهَا وَالثُّدِيُّ النَّوَاهِدُ٥٨
تُبَكِّي عَلَيْهِنَّ الْبَطَارِيقُ فِي الدُّجَى
 
وَهُنَّ لَدَيْنَا مُلْقَيَاتٌ كَوَاسِدُ٥٩
بِذَا قَضَتِ الْأَيَّامُ مَا بَيْنَ أَهْلِهَا
 
مَصَائِبُ قَوْمٍ عِنْدَ قَوْمٍ فَوَائِدُ٦٠
وَمِنْ شَرَفِ الْإِقْدَامِ أَنَّكَ فِيهِمِ
 
عَلَى الْقَتْلِ مَوْمُوقٌ كَأَنَّكَ شَاكِدُ٦١
وَأَنَّ دَمًا أَجْرَيْتَهُ بِكَ فَاخِرٌ
 
وَأَنَّ فُؤَادًا رُعْتَهُ لَكَ حَامِدُ٦٢
وَكُلٌّ يَرَى طُرْقَ الشَّجَاعَةِ وَالنَّدَى
 
وَلَكِنَّ طَبْعَ النَّفْسِ لِلنَّفْسِ قَائِدُ٦٣
نَهَبْتَ مِنَ الْأَعْمَارِ مَا لَوْ حَوَيْتَهُ
 
لَهُنِّئَتِ الدُّنْيَا بِأَنَّكَ خَالِدُ٦٤
فَأَنْتَ حُسَامُ الْمُلْكِ وَاللهُ ضَارِبٌ
 
وَأَنْتَ لِوَاءُ الدِّينِ وَاللهُ عَاقِدُ٦٥
وَأَنْتَ أَبُو الْهَيْجَا ابْنُ حَمْدَانَ يَا ابْنَهُ
 
تَشَابَهَ مَوْلُودٌ كَرِيمٌ وَوَالِدُ٦٦
وَحَمْدَانُ حَمْدُونٌ وَحَمْدُونُ حَارِثٌ
 
وَحَارِثُ لُقْمَانٌ وَلُقْمَانُ رَاشِدُ٦٧
أُولَئِكَ أَنْيَابُ الْخِلَافَةِ كُلُّهَا
 
وَسَائِرُ أَمْلَاكِ الْبِلَادِ الزَّوَائِدُ٦٨
أُحِبُّكَ يَا شَمْسَ الزَّمَانِ وَبَدْرَهُ
 
وَإِنْ لَامَنِي فِيكَ السُّهَى وَالْفَرَاقِدُ٦٩
وَذَاكَ لِأَنَّ الْفَضْلَ عِنْدَكَ بَاهِرٌ
 
وَلَيْسَ لِأَنَّ الْعَيْشُ عِنْدَكَ بَارِدُ٧٠
فَإِنَّ قَلِيلَ الْحُبِّ بِالْعَقْلِ صَالِحٌ
 
وَإِنَّ كَثِيرَ الْحُبِّ بِالْجَهْلِ فَاسِدُ٧١

وقال يمدح سيف الدولة ويهنئه بعيد الأضحى سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة، أنشده إياها في ميدانه بحلب وهما على فرسيهما:

لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْ دَهْرِهِ مَا تَعَوَّدَا
 
وَعَادَاتُ سَيْفِ الدَّوْلَةِ الطَّعْنُ فِي الْعِدَا٧٢
وَأَنْ يُكْذِبَ الْإِرْجَافَ عَنْهُ بِضِدِّهِ
 
وَيُمْسِي بِمَا تَنْوِي أَعَادِيهِ أَسْعَدَا٧٣
وَرُبَّ مُرِيدٍ ضَرَّهُ ضَرَّ نَفْسَهُ
 
وَهَادٍ إِلَيْهِ الْجَيْشَ أَهْدَى وَمَا هَدَى٧٤
وَمُسْتَكْبِرٍ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ سَاعَةً
 
رَأَى سَيْفَهُ فِي كَفِّهِ فَتَشَهَّدَا٧٥
هُوَ الْبَحْرُ غُصْ فِيهِ إِذَا كَانَ سَاكِنًا
 
عَلَى الدُّرِّ وَاحْذَرْهُ إِذَا كَانَ مُزْبِدَا٧٦
فَإِنِّي رَأَيْتُ الْبَحْرَ يَعْثُرُ بِالْفَتَى
 
وَهَذَا الَّذِي يَأْتِي الْفَتَى مُتَعَمِّدَا٧٧
تَظَلُّ مُلُوكُ الْأَرْضِ خَاشِعَةً لَهُ
 
تُفَارِقُهُ هَلْكَى وَتَلْقَاهُ سُجَّدَا٧٨
وَتُحْيِي لَهُ الْمَالَ الصَّوَارِمُ وَالْقَنَا
 
وَيَقْتُلُ مَا يُحْيِي التَّبَسُّمُ وَالْجَدَا٧٩
ذَكِيٌّ تَظَنِّيهِ طَلِيعَةُ عَيْنِهِ
 
يَرَى قَلْبُهُ فِي يَوْمِهِ مَا تَرَى غَدَا٨٠
وَصُولٌ إِلَى الْمُسْتَصْعَبَاتِ بِخَيْلِهِ
 
فَلَوْ كَانَ قَرْنُ الشَّمْسِ مَاءً لَأوَرْدَا٨١
لِذَلِكَ سَمَّى ابْنُ الدُّمُسْتُقِ يَوْمَهُ
 
مَمَاتًا وَسَمَّاهُ الدُّمُسْتُقُ مَوْلِدَا٨٢
سَرَيْتَ إِلَى جَيْحَانَ مِنْ أَرْضِ آمِدٍ
 
ثَلَاثًا لَقَدْ أَدْنَاكَ رَكْضٌ وَأَبْعَدَا٨٣
فَوَلَّى وَأَعْطَاكَ ابْنَهُ وَجُيُوشَهُ
 
جَمِيعًا وَلَمْ يُعْطِ الْجَمِيعَ لِيُحْمَدَا٨٤
عَرَضْتَ لَهُ دُونَ الْحَيَاةِ وَطَرْفِهِ
 
وَأَبْصَرَ سَيْفَ اللهِ مِنْكَ مُجَرَّدَا٨٥
وَمَا طَلَبَتْ زُرْقُ الْأَسِنَّةِ غَيْرَهُ
 
وَلَكِنَّ قُسْطَنْطِينَ كَانَ لَهُ الْفِدَا٨٦
فَأَصْبَحَ يَجْتَابُ الْمُسُوحَ مَخَافَةً
 
وَقَدْ كَانَ يَجْتَابُ الدِّلَاصَ الْمُسَرَّدَا٨٧
وَيَمْشِي بِهِ الْعُكَّازُ فِي الدَّيْرِ تَائِبًا
 
وَمَا كَانَ يَرْضَى مَشْيَ أَشْقَرَ أَجْرَدَا٨٨
وَمَا تَابَ حَتَّى غَادَرَ الْكَرُّ وَجْهَهُ
 
جَرِيحًا وَخَلَّى جَفْنَهُ النَّقْعُ أَرْمَدَا٨٩
فَلَوْ كَانَ يُنْجِي مِنْ عَلِيٍّ تَرَهُّبٌ
 
تَرَهَّبَتِ الْأَمْلَاكُ مَثْنَى وَمَوْحَدَا٩٠
وَكُلُّ امْرِئٍ فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ بَعْدَهَا
 
يُعِدُّ لَهُ ثَوْبًا مِنَ الشَّعْرِ أَسْوَدَا٩١
هَنِيئًا لَكَ الْعِيدُ الَّذِي أَنْتَ عِيدُهُ
 
وَعِيدٌ لِمَنْ سَمَّى وَضَحَّى وَعِيدَا٩٢
وَلَا زَالَتِ الْأَعْيَادُ لُبْسَكَ بَعْدَهُ
 
تُسَلِّمُ مَخْرُوقًا وَتُعْطَى مُجَدَّدَا٩٣
فَذَا الْيَوْمُ فِي الْأَيَّامِ مِثْلُكَ فِي الْوَرَى
 
كَمَا كُنْتَ فِيهِمْ أَوْحَدًا كَانَ أَوْحَدَا٩٤
هُوَ الْجَدُّ حَتَّى تَفْضُلَ الْعَيْنُ أُخْتَهَا
 
وَحَتَّى يَصِيرَ الْيَوْمُ لِلْيَوْمِ سَيِّدَا٩٥
فَيَا عَجَبًا مِنْ دَائِلٍ أَنْتَ سَيْفُهُ
 
أَمَا يَتَوَقَّى شَفْرَتَيْ مَا تَقَلَّدَا٩٦
وَمَنْ يَجْعَلِ الضِّرْغَامَ بَازًا لِصَيْدِهِ
 
تَصَيَّدَهُ الضِّرْغَامُ فِيمَا تَصَيَّدَا٩٧
رَأَيْتُكَ مَحْضَ الْحِلْمِ فِي مَحْضِ قُدْرَةٍ
 
وَلَوْ شِئْتَ كَانَ الْحِلْمُ مِنْكَ الْمُهَنَّدَا٩٨
وَمَا قَتَلَ الْأَحْرَارَ كَالْعَفْوِ عَنْهُمُ
 
وَمَنْ لَكَ بِالْحُرِّ الَّذِي يَحْفَظُ الْيَدَا٩٩
إِذَا أَنْتَ أَكْرَمْتَ الْكَرِيمَ مَلَكْتَهُ
 
وَإِنْ أَنْتَ أَكْرَمْتَ اللَّئِيمَ تَمَرَّدَا١٠٠
وَوَضْعُ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ بِالْعُلَا
 
مُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ فِي مَوْضِعِ النَّدَى١٠١
وَلَكِنْ تَفُوقُ النَّاسَ رَأْيًا وَحِكْمَةً
 
كَمَا فُقْتَهُمْ حَالًا وَنَفْسًا وَمَحْتِدَا١٠٢
يَدِقُّ عَلَى الْأَفْكَارِ مَا أَنْتَ فَاعِلٌ
 
فَيُتْرَكُ مَا يَخْفَى وَيُؤْخَذُ مَا بَدَا١٠٣
أَزِلْ حَسَدَ الْحُسَّادِ عَنِّي بِكَبْتِهِمْ
 
فَأَنْتَ الَّذِي صَيَّرْتَهُمْ لِي حُسَّدَا١٠٤
إِذَا شَدَّ زَنْدِيُ حُسْنُ رَأْيِكَ فِيهِمُ
 
ضَرَبْتُ بِسَيْفٍ يَقْطَعُ الْهَامَ مُغْمَدَا١٠٥
وَمَا أَنَا إِلَّا سَمْهَرِيٌّ حَمَلْتَهُ
 
فَزَيَّنَ مَعْرُوضًا وَرَاعَ مُسَدَّدَا١٠٦
وَمَا الدَّهْرُ إِلَّا مِنْ رُوَاةِ قَلَائِدِي
 
إِذَا قُلْتُ شِعْرًا أَصْبَحَ الدَّهْرُ مُنْشِدَا١٠٧
فَسَارَ بِهِ مَنْ لَا يَسِيرُ مُشَمِّرًا
 
وَغَنَّى بِهِ مَنْ لَا يُغَنِّي مُغَرِّدَا١٠٨
أَجِزْنِي إِذَا أُنْشِدْتَ شِعْرًا فَإِنَّمَا
 
بِشِعْرِي أَتَاكَ الْمَادِحُونَ مُرَدَّدَا١٠٩
وَدَعْ كُلَّ صَوْتٍ غَيْرَ صَوْتِي فَإِنَّنِي
 
أَنَا الصَّائِحُ الْمَحْكِيُّ وَالْآخَرُ الصَّدَى١١٠
تَرَكْتُ السُّرَى خَلْفِي لِمَنْ قَلَّ مَالُهُ
 
وَأَنْعَلْتُ أَفْرَاسِي بِنُعَمَاكَ عَسْجَدَا١١١
وَقَيَّدْتُ نَفْسِي فِي ذَرَاكَ مَحَبَّةً
 
وَمَنْ وَجَدَ الْإِحْسَانَ قَيْدًا تَقَيَّدَا١١٢
إِذَا سَأَلَ الْإِنْسَانُ أَيَّامَهُ الْغِنَى
 
وَكُنْتَ عَلَى بُعْدٍ جَعَلْنَكَ مَوْعِدَا١١٣

وقال بمصر وهو يريد سيف الدولة:

فَارَقْتُكُمْ فَإِذَا مَا كَانَ عِنْدَكُمُ
 
قَبْلَ الْفِرَاقِ أَذًى بَعْدَ الْفِرَاقِ يَدُ
إِذَا تَذَكَّرْتُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمُ
 
أَعَانَ قَلْبِي عَلَى الشَّوْقِ الَّذِي أَجِدُ١١٤

وقال في صباه يمدح محمد بن عبيد الله العلوي المشطب:

أَهْلًا بِدَارٍ سَبَاكَ أَغْيَدُهَا
 
أَبْعَدُ مَا بَانَ عَنْكَ خُرَّدُهَا١١٥
ظَلْتَ بِهَا تَنْطَوِي عَلَى كَبِدٍ
 
نَضِيجَةٍ فَوْقَ خِلْبِهَا يَدُهَا١١٦
يَا حَادِيَيْ عِيرِهَا وَأَحْسَبُنِي
 
أُوجَدُ مَيْتًا قُبَيْلَ أَفْقِدُهَا١١٧
قِفَا قَلِيلًا بِهَا عَلَيَّ فَلَا
 
أَقَلَّ مِنْ نَظْرَةٍ أُزَوِّدُهَا١١٨
فَفِي فُؤَادِ الْمُحِبِّ نَارُ جَوًى
 
أَحَرُّ نَارِ الْجَحِيمِ أَبْرَدُهَا١١٩
شَابَ مِنَ الْهَجْرِ فَرْقُ لِمَّتِهِ
 
فَصَارَ مِثْلَ الدِّمَقْسِ أَسْوَدُهَا١٢٠
بَانُوا بِخُرْعُوبَةٍ لَهَا كَفَلٌ
 
يَكَادُ عِنْدَ الْقِيَامِ يُقْعِدُهَا١٢١
رِبَحْلَةٍ أَسْمَرٍ مُقَبَّلُهَا
 
سِبَحْلَةٍ أَبْيَضٍ مُجَرَّدُهَا١٢٢
يَا عَاذِلَ الْعَاشِقِينَ دَعْ فِئَةً
 
أَضَلَّهَا اللهُ كَيْفَ تُرْشِدُهَا؟!١٢٣
لَيْسَ يُحِيكُ الْمَلَامُ فِي هِمَمٍ
 
أَقْرَبُهَا مِنْكَ عَنْكَ أَبْعَدُهَا١٢٤
بِئْسَ اللَّيَالِي سَهِرْتُ مِنْ طَرَبِي
 
شَوْقًا إِلَى مَنْ يَبِيتُ يَرْقُدُهَا١٢٥
أَحْيَيْتُهَا وَالدُّمُوعُ تُنْجِدُنِي
 
شُئُونُهَا وَالظَّلَامُ يُنْجِدُهَا١٢٦
لَا نَاقَتِي تَقْبَلُ الرَّدِيفَ وَلَا
 
بِالسَّوْطِ يَوْمَ الرِّهَانِ أُجْهِدُهَا١٢٧
شِرَاكُهَا كُورُهَا وَمِشْفَرُهَا
 
زِمَامُهَا وَالشُّسُوعُ مِقْوَدُهَا١٢٨
أَشَدُّ عَصْفِ الرِّيَاحِ يَسْبِقُهُ
 
تَحْتِيَ مِنْ خَطْوِهَا تَأَيُّدُهَا١٢٩
فِي مِثْلِ ظَهْرِ الْمِجَنِّ مُتَّصِلٍ
 
بِمِثْلِ بَطنِ الْمِجَنِّ قَرْدَدُهَا١٣٠
مُرْتَمِيَاتٌ بِنَا إِلَى ابْنِ عُبَيْـ
 
ـدِ اللهِ غِيطَانُهَا وَفَدْفَدُهَا١٣١
إِلَى فَتًى يُصْدِرُ الرِّمَاحَ وَقَدْ
 
أَنْهَلَهَا فِي الْقُلُوبِ مُورِدُهَا١٣٢
لَهُ أَيَادٍ إِلَيَّ سَابِقَةٌ
 
أُعَدُّ مِنْهَا وَلَا أُعَدِّدُهَا١٣٣
يُعْطِي فَلَا مَطْلَةٌ يُكَدِّرُهَا
 
بِهَا وَلَا مَنَّةٌ يُنَكِّدُهَا١٣٤
خَيْرُ قُرَيْشٍ أَبًا وَأَمْجَدُهَا
 
أَكْثَرُهَا نَائِلًا وَأَجْوَدُهَا١٣٥
أَطْعَنُهَا بِالْقَنَاةِ أَضْرَبُهَا
 
بِالسَّيْفِ جَحْجَاحُهَا مُسَوَّدُهَا١٣٦
أَفْرَسُهَا فَاِرسًا وَأَطْوَلُهَا
 
بَاعًا وَمِغْوَارُهَا وَسَيِّدُهَا١٣٧
تَاُج لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ وَبِهِ
 
سَمَا لَهَا فَرْعُهَا وَمَحْتِدُهَا١٣٨
شَمْسُ ضُحَاهَا هِلَالُ لَيْلَتِهَا
 
دُرُّ تَقَاصِيرِهَا زَبَرْجَدُهَا١٣٩
يَا لَيْتَ بِي ضَرْبَةً أُتِيحَ لَهَا
 
كَمَا أُتِيحَتْ لَهُ مُحَمَّدُهَا١٤٠
أَثَّرَ فِيهَا وَفِي الْحَدِيدِ وَمَا
 
أَثَّرَ فِي وَجْهِهِ مُهَنَّدُهَا١٤١
فَاغْتَبَطَتْ إِذْ رَأَتْ تَزَيُّنَهَا
 
بِمِثْلِهِ وَالْجِرَاحُ تَحْسُدُهَا١٤٢
وَأَيْقَنَ النَّاسُ أَنَّ زَارِعَهَا
 
بِالْمَكْرِ فِي قَلْبِهِ سيَحْصِدُهَا١٤٣
أَصْبَحَ حُسَّادُهُ وَأَنْفُسُهُمْ
 
يُحْدِرُهَا خَوْفُهُ وَيُصْعِدُهَا١٤٤
تَبْكِي عَلَى الْأَنْصُلِ الْغُمُودُ إِذَا
 
أَنْذَرَهَا أَنَّهُ يُجَرِّدُهَا
لِعِلْمِهَا أَنَّهَا تَصِيرُ دَمًا
 
وَأَنَّهُ فِي الرِّقَابِ يُغْمِدُهَا١٤٥
أَطْلَقَهَا فَالْعَدُوُّ مِنْ جَزَعٍ
 
يَذُمُّهَا وَالصَّدِيقُ يَحْمَدُهَا١٤٦
تَنْقَدِحُ النَّارُ مِنْ مَضَارِبِهَا
 
وَصَبُّ مَاءِ الرِّقَابِ يُخْمِدُهَا١٤٧
إِذَا أَضَلَّ الْهُمَامُ مُهْجَتَهُ
 
يَوْمًا فَأَطْرَافُهُنَّ تَنْشُدُهَا١٤٨
قَدْ أَجْمَعَتْ هَذِهِ الْخَلِيقَةُ لِي
 
أَنَّكَ يَا ابْنَ النَّبِيِّ أَوْحَدُهَا١٤٩
وَأَنْكَ بِالْأَمْسِ كُنْتَ مُحْتَلِمًا
 
شَيْخَ مَعَدٍّ وَأَنْتَ أَمْرَدُهَا١٥٠
فَكَمْ وَكَمْ نِعْمَةٍ مُجَلِّلَةٍ
 
رَبَّيْتَهَا كَانَ مِنْكَ مَوْلِدُهَا!١٥١
وَكَمْ وَكَمْ حَاجَةٍ سَمَحْتَ بِهَا!
 
أَقْرَبُ مِنِّي إِلَيَّ مَوْعِدُهَا١٥٢
وَمَكْرُمَاتٍ مَشَتْ عَلَى قَدَمِ الْـ
 
ـبِرِّ إِلَى مَنْزِلِي تُرَدِّدُهَا١٥٣
أَقَرَّ جِلْدِي بِهَا عَلَيَّ فَلَا
 
أَقْدِرُ حَتَّى الْمَمَاتِ أَجْحَدُهَا١٥٤
فَعُدْ بِهَا لَا عَدِمْتُهَا أَبَدًا
 
خَيْرُ صِلَاتِ الْكَرِيمِ أَعْوَدُهَا١٥٥

وقال أيضًا في صباه:

كَمْ قَتِيلٍ كَمَا قُتِلْتُ شَهِيدِ
 
بِبَيَاضِ الطُّلَا وَوَرْدِ الْخُدُودِ١٥٦
وَعُيُونِ الْمَهَا وَلَا كَعُيُونٍ
 
فَتَكَتْ بِالْمُتَيَّمِ الْمَعْمُودِ١٥٧
دَرَّ دَرُّ الصِّبَا أَأَيَّامَ تَجْرِيـ
 
ـرِ ذُيُولِي بِدَارِ أَثْلَةَ عُودِي١٥٨
عَمْرَكَ اللهُ هَلْ رَأَيْتَ بُدُورًا
 
طَلَعَتْ فِي بَرَاقِعٍ وَعُقُودِ١٥٩
رَامِيَاتٍ بِأَسْهُمٍ رِيشُهَا الْهُدْ
 
بُ تَشُقُّ الْقُلُوبَ قَبْلَ الْجُلُودِ١٦٠
يَتَرَشَّفْنَ مِنْ فَمِي رَشَفَاتٍ
 
هُنَّ فِيهِ أَحْلَى مِنَ التَّوْحِيدِ١٦١
كُلُّ خُمْصَانَةٍ أَرَقَّ مِنَ الْخَمْـ
 
ـرِ بِقَلْبٍ أَقْسَى مِنَ الْجُلْمُودِ١٦٢
ذَاتِ فَرْعٍ كَأَنَّمَا ضُرِبَ الْعَنْـ
 
ـبَرُ فِيهِ بِمَاءِ وَرْدٍ وَعُودِ١٦٣
حَالِكٍ كَالْغُدَافِ جَثْلٍ دَجُوجِيٍّ
 
أَثِيثٍ جَعْدٍ بِلَا تَجْعِيدِ١٦٤
تَحْمِلُ الْمِسْكَ عَنْ غَدَائِرِهَا الرِّيـ
 
ـحُ وَتَفْتَرُّ عَنْ شَنِيبٍ بَرُودِ١٦٥
جَمَعَتْ بَيْنَ جِسْمِ أَحْمَدَ وَالسُّقْـ
 
ـمِ وَبَيْنَ الْجُفُونِ وَالتَّسْهِيدِ١٦٦
هَذِهِ مُهْجَتِي لَدَيْكِ لِحَيْنِي
 
فَانْقُصِي مِنْ عَذَابِهَا أَوْ فَزِيدِي١٦٧
أَهْلُ مَا بِي مِنَ الضَّنَى بَطَلٌ صِيـ
 
ـدَ بِتَصْفِيفِ طُرَّةٍ وَبِجِيدِ١٦٨
كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الدِّمَاءِ حَرَامٌ
 
شُرْبُهُ مَا خَلَا دَمَ الْعُنْقُودِ١٦٩
فَاسْقِنِيهَا فِدًى لِعَيْنَيْكِ نَفْسِي
 
مِنْ غَزَالٍ وَطَارِفِي وَتَلِيدِي١٧٠
شَيْبُ رَأْسِي وَذِلَّتِي وَنُحُولِي
 
وَدُمُوعِي عَلَى هَوَاكِ شُهُودِي١٧١
أَيَّ يَوْمٍ سَرَرْتَنِي بِوِصَالٍ
 
لَمْ تَرُعْنِي ثَلَاثَةً بِصُدُودِ١٧٢
مَا مُقَامِي بِأَرْضِ نَخْلَةَ إِلَّا
 
كَمُقَامِ الْمَسِيحِ بَيْنَ الْيَهُودِ١٧٣
مَفْرَشِي صَهْوَةُ الْحِصَانِ وَلَكِنـْ
 
ـنَ قَمِيصِي مَسْرُودَةٌ مِنْ حَدِيدِ١٧٤
لَأْمَةٌ فَاضَةٌ أَضَاةٌ دِلَاصٌ
 
أَحْكَمَتْ نَسْجَهَا يَدَا دَاوُدِ١٧٥
أَيْنَ فَضْلِي إِذَا قَنِعْتُ مِنَ الدَّهْـ
 
ـرِ بِعَيْشٍ مُعَجَّلِ التَّنْكِيدِ
ضَاقَ صَدْرِي وَطَالَ فِي طَلَبِ الرِّزْ
 
قِ قِيَامِي وَقَلَّ عَنْهُ قُعُودِي١٧٦
أَبَدًا أَقْطَعُ الْبِلَادَ وَنَجْمِي
 
فِي نُحُوسٍ وَهِمَّتِي فِي سُعُودِ١٧٧
وَلَعَلِّي مُؤَمِّلٌ بَعْضَ مَا أَبْـ
 
ـلُغُ بِاللُّطْفِ مِنْ عَزِيزٍ حَمِيدِ١٧٨
لِسَرِيٍّ لِبَاسُهُ خَشِنُ الْقُطْـ
 
ـنِ وَمَرْوِيُّ مَرْوَ لِبْسُ الْقُرُودِ١٧٩
عِشْ عَزِيزًا أَوْ مُتْ وَأَنْتَ كَرِيمٌ
 
بَيْنَ طَعْنِ الْقَنَا وَخَفْقِ الْبُنُودِ١٨٠
فَرُءُوسِ الرِّمَاحِ أَذْهَبُ لِلْغَيْـ
 
ـظِ وَأَشْفَى لِغِلِّ صَدْرِ الْحَقُودِ١٨١
لَا كَمَا قَدْ حَيِيتَ غَيْرَ حَمِيدٍ
 
وَإِذَا مُتَّ مُتَّ غَيْرَ فَقِيدِ١٨٢
فَاطْلُبِ الْعِزَّ فِي لَظَى وَذَرِ الذُّلـْ
 
ـلَ وَلَوْ كَانَ فِي جِنَانِ الْخُلُودِ١٨٣
يُقْتَلُ الْعَاجِزُ الْجَبَانُ وَقَدْ يَعْـ
 
ـجِزُ عَنْ قَطْعِ بِخُنُقِ الْمَوْلُودِ١٨٤
وَيُوَقَّى الْفَتَى الْمِخَشُّ وَقَدْ خَوَّ
 
ضَ فِي مَاءِ لَبَّةِ الصِّنْدِيدِ١٨٥
لَا بِقَوْمِي شَرُفْتُ بَلْ شَرُفُوا بِي
 
وَبِنَفْسِي فَخَرْتُ لَا بِجُدُودِي١٨٦
وَبِهِمْ فَخْرُ كُلِّ مَنْ نَطَقَ الضَّا
 
دَ وَعَوْذُ الْجَانِي وَغَوْثُ الطَّرِيدِ١٨٧
إِنْ أَكُنْ مُعْجَبًا فَعُجْبُ عَجِيبٍ
 
لَمْ يَجِدْ فَوْقَ نَفْسِهِ مِنْ مَزِيدِ١٨٨
أَنَا تِرْبُ النَّدَى وَرَبُّ الْقَوَافِي
 
وَسِمَامُ الْعِدَا وَغَيْظُ الْحَسُودِ١٨٩
أَنَا فِي أُمَّةٍ تَدَارَكَهَا اللهُ
 
غَرِيبٌ كَصَالِحٍ فِي ثَمُودِ١٩٠

وأهدى إليه عبيد الله بن خلكان — من خراسان — هدية فيها سمك من سكر ولوز في عسل، فرد إليه الجامة وكتب عليها هذه الأبيات بالزعفران:

أَقْصِرْ فَلَسْتَ بِزَائِدِي وُدَّا
 
بَلَغَ الْمَدَى وَتَجَاوَزَ الْحَدَّا١٩١
أَرْسَلْتَهَا مَمْلُوءَةً كَرَمًا
 
فَرَدَدْتُهَا مَمْلُوءَةً حَمْدَا١٩٢
جَاءَتْكَ تَطْفَحُ وَهْيَ فَارِغَةٌ
 
مَثْنَى بِهِ وَتَظُنُّهَا فَرْدَا١٩٣
تَأْبَى خَلَائِقُكَ الَّتِي شَرُفَتْ
 
أَنْ لَا تَحِنَّ وَتَذْكُرَ الْعَهْدَا١٩٤
لَوْ كُنْتَ عَصْرًا مُنْبِتًا زَهَرًا
 
كُنْتَ الرَّبِيعَ وَكَانَتِ الْوَرْدَا١٩٥

وقال يمدح شجاع بن محمد الطائي المَنبِجي:

الْيَوْمَ عَهْدُكُمُ فَأَيْنَ الْمَوْعِدُ؟
 
هَيْهَاتَ لَيْسَ لِيَوْمِ عَهْدِكُمُ غَدُ!١٩٦
الْمَوْتُ أَقْرَبُ مِخْلَبًا مِنْ بَيْنِكُمْ
 
وَالْعَيْشُ أَبْعَدُ مِنْكُمُ لَا تَبْعُدُوا١٩٧
إِنَّ الَّتِي سَفَكَتْ دَمِي بِجُفُونِهَا
 
لَمْ تَدْرِ أَنَّ دَمِي الَّذِي تَتَقَلَّدُ١٩٨
قَالَتْ وَقَدْ رَأَتِ اصْفِرَارِي: مَنْ بِهِ
 
وَتَنَهَّدَتْ، فَأَجْبْتُهَا: الْمُتَنَهِّدُ١٩٩
فَمَضَتْ وَقَدْ صَبَغَ الْحَيَاءُ بَيَاضَهَا
 
لَوْنِي كَمَا صَبَغَ اللُّجْيَنَ الْعَسْجَدُ٢٠٠
فَرَأَيْتُ قَرْنَ الشَّمْسِ فِي قَمَرِ الدُّجَى
 
مُتَأَوِّدًا غُصْنٌ بِهِ يَتَأَوَّدُ٢٠١
عَدَوِيَّةٌ بَدَوِيَّةٌ مِنْ دُونِهَا
 
سَلْبُ النُّفُوسِ وَنَارُ حَرْبٍ تُوقَدُ٢٠٢
وَهَوَاجِلٌ وَصَوَاهِلٌ وَمَنَاصِلٌ
 
وَذَوَابِلٌ وَتَوَعُّدٌ وَتَهَدُّدُ٢٠٣
أَبْلَتْ مَوَدَّتَهَا اللَّيَالِي بَعْدَنَا
 
وَمَشَى عَلَيْهَا الدَّهْرُ وَهْوَ مُقَيَّدُ٢٠٤
بَرَّحْتَ يَا مَرَضَ الْجُفُونِ بِمُمْرَضٍ
 
مَرِضَ الطَّبِيبُ لَهُ وَعِيدَ الْعُوَّدُ٢٠٥
فَلَهُ بَنُو عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الرِّضَا
 
وَلِكُلِّ رَكْبٍ عِيسُهُمْ وَالْفَدْفَدُ٢٠٦
مَنْ فِي الْأَنَامِ مِنَ الْكِرَامِ وَلَا تَقُلْ:
 
مَنْ فِيكَ شَأْمُ سِوَى شُجَاعٍ يُقْصَدُ٢٠٧
أَعْطَى فَقُلْتُ لِجُودِهِ: مَا يُقْتَنَى
 
وَسَطَا فَقُلْتُ لِسَيْفِهِ: مَا يُولَدُ٢٠٨
وَتَحَيَّرَتْ فِيهِ الصِّفَاتُ لِأَنَّهَا
 
أَلْفَتْ طَرَائِقَهُ عَلَيْهَا تَبْعُدُ٢٠٩
فِي كُلِّ مُعْتَرَكٍ كُلًى مَفْرِيَّةٌ
 
يَذْمُمْنَ مِنْهُ مَا الْأَسِنَّةُ تَحْمَدُ٢١٠
نِقَمٌ عَلَى نِقَمِ الزَّمَانِ يَصُبُّهَا
 
نِعَمٌ عَلَى النِّعَمِ الَّتِي لَا تُجْحَدُ٢١١
فِي شَانِهِ وَلِسَانِهِ وَبَنَانِهِ
 
وَجَنَانِهِ عَجَبٌ لِمَنْ يَتَفَقَّدُ٢١٢
أَسَدٌ دَمُ الْأَسَدِ الْهِزَبْرِ خِضَابُه
 
مَوْتٌ فَرِيصُ الْمَوْتِ مِنْهُ تُرْعَدُ٢١٣
مَا مَنْبِجٌ مُذْ غِبْتَ إِلَّا مُقْلَةٌ
 
سَهِدَتْ وَوَجْهُكَ نَوْمُهَا وَالْإِثْمِدُ٢١٤
فَاللَّيْلُ حِينَ قَدِمْتَ فِيهَا أَبْيَضٌ
 
وَالصُّبْحُ مُنْذُ رَحَلْتَ عَنْهَا أَسْوَدُ٢١٥
مَا زِلْتَ تَدْنُو وَهْيَ تَعْلُو عِزَّةً
 
حَتَّى تَوَارَى فِي ثَرَاهَا الْفَرْقَدُ٢١٦
أَرْضٌ لَهَا شَرَفٌ سِوَاهَا مِثْلُهَا
 
لَوْ كَانَ مِثْلُكَ فِي سِوَاهَا يُوجَدُ٢١٧
أَبْدَى الْعُدَاةُ بِكَ السُّرُورَ كَأَنَّهُمْ
 
فَرِحُوا وَعِنْدَهُمُ الْمُقِيمُ الْمُقْعِدُ٢١٨
قَطَّعْتَهُمْ حَسَدًا أَرَاهُمْ مَا بِهِمْ
 
فَتَقَطَّعُوا حَسَدًا لِمَنْ لَا يَحْسُدُ٢١٩
حَتَّى انْثَنَوْا وَلَوَ انَّ حَرَّ قُلُوبِهِمْ
 
فِي قَلْبِ هَاجِرَةٍ لَذَابَ الْجَلْمَدُ٢٢٠
نَظَرَ الْعُلُوجُ فَلَمْ يَرَوْا مَنْ حَوْلَهُمْ
 
لَمَّا رَأَوْكَ وَقِيلَ: هَذَا السَّيِّدُ٢٢١
بَقِيَتْ جُمُوعُهُمْ كَأَنَّكَ كُلُّهَا
 
وَبَقِيتَ بَيْنَهُمُ كَأَنَّكَ مُفْرَدُ٢٢٢
لَهْفَانَ يَسْتَوْبِي بِكَ الْغَضَبَ الوَرَى
 
لَوْ لَمْ يُنَهْنِهْكَ الْحِجَا وَالسُّؤْدُدُ٢٢٣
كُنْ حَيْثُ شِئْتَ تَسِرْ إِلَيْكَ رِكَابُنَا
 
فَالْأَرْضُ وَاحِدَةٌ وَأَنْتَ الْأَوْحَدُ٢٢٤
وَصُنِ الْحُسَامَ وَلَا تُذِلْهُ فَإِنَّهُ
 
يَشْكُو يَمِينَكَ وَالْجَمَاجِمُ تَشْهَدُ٢٢٥
يَبِسَ النَّجِيعُ عَلَيْهِ وَهْوَ مُجَرَّدٌ
 
مِنْ غِمْدِهِ وَكَأَنَّمَا هُوَ مُغْمَدُ٢٢٦
رَيَّانَ لَوْ قَذَفَ الَّذِي أَسْقَيْتَهُ
 
لَجَرَى مِنَ الْمُهَجَاتِ بَحْرٌ مُزْبِدُ٢٢٧
مَا شَارَكَتْهُ مَنِيَّةٌ فِي مُهْجَةٍ
 
إِلَّا وَشَفْرَتُهُ عَلَى يَدِهَا يَدُ٢٢٨
إِنَّ الرَّزَايَا والْعَطَايَا وَالْقَنَا
 
حُلَفَاءُ طَيٍّ غَوَّرُوا أَوْ أَنْجَدُوا٢٢٩
صِحْ يَا لَجُلْهُمَةٍ تُجِبْكَ وَإِنَّمَا
 
أَشْفَارُ عَيْنِكَ ذَابِلٌ وَمُهَنَّدٌ٢٣٠
مِنْ كُلِّ أَكْبَرَ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةٍ
 
قَلْبًا وَمِنْ جَوْدِ الْغَوَادِي أَجْوَدُ٢٣١
يَلْقَاكَ مُرْتَدِيًا بِأَحْمَرَ مِنْ دَمٍ
 
ذَهَبَتْ بِخُضْرَتِهِ الطُّلَا وَالْأَكْبُدُ٢٣٢
حَتَّى يُشَارَ إِلَيْكَ ذَا مَوْلَاهُمُ
 
وَهُمُ الْمَوَالِي وَالْخَلِيقَةُ أَعْبُدُ٢٣٣
أَنَّى يَكُونُ أَبَا الْبَرِيَّةِ آدَمٌ
 
وَأَبُوكَ وَالثَّقَلَانِ أَنْتَ مُحَمَّدُ٢٣٤
يَفْنَى الْكَلَامُ وَلَا يُحِيطُ بِوَصْفِكُمْ
 
أَيُحِيطُ مَا يَفْنَى بِمَا لَا يَنْفَدُ٢٣٥

وقال وقد وشى به قوم إلى السلطان فحبسه فكتب إليه من الحبس:

أَيَا خَدَّدَ اللهُ وَرْدَ الْخُدُودِ
 
وَقَدَّ قُدُودَ الْحِسَانِ الْقُدُودِ٢٣٦
فَهُنَّ أَسَلْنَ دَمًا مُقْلَتِي
 
وَعَذَّبْنَ قَلْبِي بِطُولِ الصُّدُودِ٢٣٧
وَكَمْ لِلْهَوَى مِنْ فَتًى مُدْنَفٍ
 
وَكَمْ لِلنَّوَى مِنْ قَتِيلٍ شَهِيدِ٢٣٨
فَوَا حَسْرَتَا مَا أَمَرَّ الْفِرَاقَ
 
وَأَعْلَقَ نِيَرَانَهُ بِالْكُبُودِ!٢٣٩
وَأَغْرَى الصَّبَابَةَ بِالْعَاشِقِينَ
 
وَأَقْتَلَهَا لِلْمُحِبِّ الْعَمِيدِ!٢٤٠
وَأَلْهَجَ نَفْسِي لِغَيْرِ الْخَنَا
 
بِحُبِّ ذَوَاتِ اللَّمَى وَالنُّهُودِ!٢٤١
فَكَانَتْ وَكُنَّ فِدَاءَ الْأَمِيرِ
 
وَلَا زَالَ مِنْ نِعْمَةٍ فِي مَزِيدِ٢٤٢
لَقَدْ حَالَ بِالسَّيْفِ دُونَ الْوَعِيدِ
 
وَحَالَتْ عَطَايَاهُ دُونَ الْوُعُودِ٢٤٣
فَأَنْجُمُ أَمْوَالِهِ فِي النُّحُوسِ
 
وَأَنْجُمُ سُؤَّلِهِ فِي السُّعُودِ٢٤٤
وَلَوْ لَمْ أَخَفْ غَيْرَ أَعْدَائِهِ
 
عَلَيْهِ لَبَشَّرْتُهُ بِالْخُلُودِ٢٤٥
رَمَى حَلَبًا بِنَوَاصِي الْخُيُولِ
 
وَسُمْرٍ يُرِقْنَ دَمًا فِي الصَّعِيدِ٢٤٦
وَبِيضٍ مُسَافِرَةٍ مَا يُقِمْـ
 
ـنَ لَا فِي الرِّقَابِ وَلَا فِي الْغُمُودِ٢٤٧
يَقُدْنَ الْفَنَاءَ غَدَاةَ اللِّقَاءِ
 
إِلَى كُلِّ جَيْشٍ كَثِير الْعَدِيدِ٢٤٨
فَوَلَّى بِأَشْيَاعِهِ الَخَرْشَنِيُّ
 
كَشَاءٍ أَحَسَّ بِزَأْرِ الْأُسُودِ٢٤٩
يُرَوْنَ مِنَ الذُّعْرِ صَوْتَ الرِّيَاحِ
 
صَهِيلَ الْجِيَادِ وَخَفْقَ الْبُنُودِ٢٥٠
فَمَنْ كَالْأَمِيرِ ابْنِ بِنْتِ الْأَمِيـ
 
ـرِ أَوْ مَنْ كَآبَائِهِ وَالجُدُودِ٢٥١
سَعَوْا لِلْمَعَالِي وَهُمْ صِبْيَةٌ
 
وَسَادُوا وَجَادُوا وَهُمْ فِي الْمُهُودِ٢٥٢
أَمَالِكَ رِقِّي وَمَنْ شَأْنُهُ
 
هِبَاتُ اللُّجَيْنِ وَعِتْقُ الْعَبِيدِ٢٥٣
دَعَوْتُكَ عِنْدَ انْقِطَاعِ الرَّجَا
 
ءِ وَالْمَوْتُ مِنِّي كَحَبْلِ الْوَرِيدِ٢٥٤
دَعَوْتُكَ لَمَّا بَرَانِي الْبَلَاءُ
 
وَأَوْهَنَ رِجْلَيَّ ثِقْلُ الْحَدِيدِ٢٥٥
وَقَدْ كَانَ مَشْيُهُمَا فِي النِّعَالِ
 
فَقَدْ صَارَ مَشْيُهُمَا فِي الْقُيُودِ
وَكُنْتُ مِنَ النَّاسِ فِي مَحْفِلٍ
 
فَهَا أَنَا فِي مَحْفِلٍ مِنْ قُرُودِ٢٥٦
تُعَجِّلُ فِيَّ وُجُوبَ الْحُدُودِ
 
وَحَدِّي قُبَيْلَ وُجُوبِ السُّجُودِ٢٥٧
وَقِيلَ: عَدَوْتَ عَلَى الْعَالَمِيـ
 
ـنَ بَيْنَ وِلَادِي وَبَيْنَ الْقُعُودِ٢٥٨
فَمَا لَكَ تَقْبَلُ زُورَ الْكَلَامِ
 
وَقَدْرُ الشَّهَادَةِ قَدْرُ الشُّهُودِ٢٥٩
فَلَا تَسْمَعَنَّ مِنَ الْكَاشِحِيـ
 
ـنَ وَلَا تَعْبَأَنَّ بِمَحْكِ الْيَهُودِ٢٦٠
وَكُنْ فَارِقًا بَيْنَ دَعْوَى أَرَدْ
 
تُ وَدَعْوَى فَعَلْتُ بِشَأْوٍ بَعِيدِ٢٦١
وَفِي جُودِ كَفَّيْكَ مَا جُدْتَ لِي
 
بِنَفْسِي وَلَوْ كُنْتُ أَشْقَى ثَمُودِ٢٦٢

ونام أبو بكر الطائي وهو ينشد فقال:

إِنَّ الْقَوَافِيَ لَمْ تُنِمْكَ وَإِنَّمَا
 
مَحَقَتْكَ حَتَّى صِرْتَ مَا لَا يُوجَدُ٢٦٣
فَكَأَنَّ أُذْنَكَ فُوكَ حِينَ سَمِعْتَهَا
 
وَكَأَنَّهَا مِمَّا سَكِرْتَ الْمُرْقِدُ٢٦٤

وقال يمدح محمد بن زريق الطرسوسي:

مُحَمَّدُ بْنَ زُرَيْقٍ مَا نَرَى أَحَدَا
 
إِذَا فَقَدْنَاكَ يُعْطِي قَبْلَ أَنْ يَعِدَا
وَقَدْ قَصَدْتُكَ وَالتَّرْحَالُ مُقْتَرِبٌ
 
وَالدَّارُ شَاسِعَةٌ وَالزَّادُ قَدْ نَفِدَا٢٦٥
فَخَلِّ كَفَّكَ تَهْمِي وَاثْنِ وَابِلَهَا
 
إِذَا اكْتَفَيْتُ وِإِلَّا أَغْرَقَ الْبَلَدَا٢٦٦

وقال يمدح أبا عبادة بن يحيى البحتري:

مَا الشَّوْقُ مُقْتَنِعًا مِنِّي بِذَا الْكَمَدِ
 
حَتَّى أَكُونَ بِلَا قَلْبٍ وَلَا كَبِدِ٢٦٧
وَلَا الدِّيَارُ الَّتِي كَانَ الْحَبِيبُ بِهَا
 
تَشْكُو إِلَيَّ وَلَا أَشْكُو إِلَى أَحَدِ٢٦٨
مَا زَالَ كُلُّ هَزِيمِ الْوَدْقِ يُنْحِلُهَا
 
وَالسُّقْمُ يُنْحِلُنِي حَتَّى حَكَتْ جَسَدِي٢٦٩
وَكُلَّمَا فَاضَ دَمْعِي غَاضَ مُصْطَبَرِي
 
كَأَنَّ مَا سَالَ مِنْ جَفْنَيَّ مِنْ جَلَدِي٢٧٠
فَأَيْنَ مِنْ زَفَرَاتِي مَنْ كَلِفْتُ بِهِ
 
وَأَيْنَ مِنْكَ ابْنَ يَحْيَى صَوْلَةُ الْأَسَدِ!٢٧١
لَمَّا وَزَنْتُ بِكَ الدُّنْيَا فَمِلْتَ بِهَا
 
وَبِالْوَرَى قَلَّ عِنْدِي كَثْرَةُ الْعَدَدِ٢٧٢
مَا دَارَ فِي خَلَدِ الْأَيَّامِ لِي فَرَحٌ
 
أَبَا عُبَادَةَ حَتَّى دُرْتَ فِي خَلَدِي٢٧٣
مَلْكٌ إِذَا امْتَلَأَتْ مَالًا خَزَائِنُهُ
 
أَذَاقَهَا طَعْمَ ثُكْلِ الْأُمِّ لِلْوَلَدِ٢٧٤
مَاضِي الْجَنَانِ يُرِيهِ الْحَزْمُ قَبْلَ غَدٍ
 
بِقَلْبِهِ مَا تَرَى عَيْنَاهُ بَعْدَ غَدٍ٢٧٥
مَا ذَا الْبَهَاءُ وَلَا ذَا النُّورُ مِنْ بَشَرٍ
 
وَلَا السَّمَاحُ الَّذِي فِيهِ سَمَاحُ يَدِ٢٧٦
أَيُّ الْأَكُفِّ تُبَارِي الْغَيْثَ مَا اتَّفَقَا
 
حَتَّى إِذَا افْتَرَقَا عَادَتْ وَلَمْ يَعُدِ٢٧٧
قَدْ كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ الْمَجْدَ مِنْ مُضَرٍ
 
حَتَّى تَبَحْتَرَ فَهْوَ الْيَوْمَ مِنْ أُدَدِ٢٧٨
قَوْمٌ إِذَا أَمْطَرَتْ مَوْتًا سُيُوفُهُمُ
 
حَسِبْتَهَا سُحُبًا جَادَتْ عَلَى بَلَدِ٢٧٩
لَمْ أُجْرِ غَايَةَ فِكْرِي مِنْكَ فِي صِفَةٍ
 
إِلَّا وَجَدْتُ مَدَاهَا غَايَةَ الْأَبَدِ٢٨٠

وقال يمدح علي بن إبراهيم التنوخي:

أُحَادٌ أَمْ سُدَاسٌ فِي أُحَادِ
 
لُيَيْلَتُنَا الْمَنُوطَةُ بِالتَّنَادِ؟!٢٨١
كَأَنَّ بَنَاتِ نَعْشٍ فِي دُجَاهَا
 
خَرَائِدُ سَافِرَاتٌ فِي حِدَادِ٢٨٢
أُفَكِّرُ فِي مُعَاقَرَةِ الْمَنَايَا
 
وَقَوْدِ الْخَيْلِ مُشْرِفَةَ الْهَوَادِي٢٨٣
زَعِيمٌ لِلْقَنَا الْخَطِّيِّ عَزْمِي
 
بِسَفْكِ دَمِ الْحَوَاضِرِ وَالْبَوَادِي٢٨٤
إِلَى كَمْ ذَا التَّخَلُّفُ وَالتَّوَانِي
 
وَكَمْ هَذَا التَّمَادِي فِي التَّمَادِي٢٨٥
وَشُغْلُ النَّفْسِ عَنْ طَلَبِ الْمَعَالِي
 
بِبَيْعِ الشِّعْرِ فِي سُوقِ الْكَسَادِ٢٨٦
وَمَا مَاضِي الشَّبَابِ بِمُسْتَرَدٍّ
 
وَلَا يَوْمٌ يَمُرُّ بِمُسْتَعَادِ٢٨٧
مَتَى لَحَظَتْ بَيَاضَ الشَّيْبِ عَيْنِي
 
فَقَدْ وَجَدَتْهُ مِنْهَا فِي السَّوَادِ٢٨٨
مَتَى مَا ازْدَدْتُ مِنْ بَعْدِ التَّنَاهِي
 
فَقَدْ وَقَعَ انْتِقَاصِي فِي ازْدِيَادِي٢٨٩
أَأَرْضَى أَنْ أَعِيشَ وَلَا أُكَافِي
 
عَلَى مَا لِلْأَمِيرِ مِنَ الْأَيَادِي٢٩٠
جَزَى اللهُ الْمَسِيرَ إِلَيْهِ خَيْرًا
 
وَإِنْ تَرَكَ الْمَطَايَا كَالْمَزَادِ٢٩١
فَلَمْ تَلْقَ ابْنَ إِبْرَاهِيمَ عَنْسِي
 
وَفِيهَا قُوتُ يَوْمٍ لِلْقُرَادِ٢٩٢
أَلَمْ يَكُ بَيْنَنَا بَلَدٌ بَعِيدٌ
 
فَصَيَّرَ طُولَهُ عَرْضَ النِّجَادِ٢٩٣
وَأَبْعَدَ بُعْدَنَا بُعْدَ التَّدَانِي
 
وَقَرَّبَ قُرْبَنَا قُرْبَ الْبِعَادِ٢٩٤
فَلَمَّا جِئْتُهُ أَعْلَى مَحَلِّي
 
وَأَجْلَسَنِي عَلَى السَّبْعِ الشِّدَادِ٢٩٥
تَهَلَّلَ قَبْلَ تَسْلِيمِي عَلَيْهِ
 
وَأَلْقَى مَالَهُ قَبْلَ الْوِسَادِ٢٩٦
نَلُومُكَ يَا عَلِيُّ لِغَيْرِ ذَنْبٍ
 
لِأَنَّكَ قَدْ زَرَيْتَ عَلَى الْعِبَادِ٢٩٧
وَأَنَّكَ لَا تَجُودُ عَلَى جَوَادٍ
 
هِبَاتُكَ أَنْ يُلَقَّبَ بِالْجَوَادِ٢٩٨
كَأَنَّ سَخَاءَكَ الْإِسْلَامُ تَخْشَى
 
إِذَا مَا حُلْتَ عَاقِبَةَ ارْتِدَادِ٢٩٩
كَأَنَّ الْهَامَ فِي الْهَيْجَا عُيُونٌ
 
وَقَدْ طُبِعَتْ سُيُوفُكَ مِنْ رُقَادِ٣٠٠
وَقَدْ صُغْتَ الْأَسِنَّةَ مِنْ هُمُومٍ
 
فَمَا يَخْطُرْنَ إِلَّا فِي فُؤَادِ٣٠١
وَيَوْمَ جَلَبْتَهَا شُعْثَ النَّوَاصِي
 
مُعَقَّدَةَ السَّبَائِبِ لِلطِّرَادِ٣٠٢
وَحَامَ بِهَا الْهَلَاكُ عَلَى أُنَاسٍ
 
لَهُمْ بِاللَّاذِقِيَّةِ بَغْيُ عَادِ٣٠٣
فَكَانَ الْغَرْبُ بَحْرًا مِنْ مِيَاهٍ
 
وَكَانَ الشَّرْقُ بَحْرًا مِنْ جِيَادِ٣٠٤
وَقَدْ خَفَقَتْ لَكَ الرَّايَاتُ فِيهِ
 
فَظَلَّ يَمُوجُ بِالْبِيضِ الْحِدَادِ٣٠٥
لَقَوْكُ بِأَكْبُدِ الْإِبِلِ الْأَبَايَا
 
فَسُقْتَهُمُ وَحَدُّ السَّيْفِ حَادِ٣٠٦
وَقَدْ مَزَّقْتَ ثَوْبَ الْغَيِّ عَنْهُمْ
 
وَقَدْ أَلْبَسْتَهُمْ ثَوْبَ الرَّشَادِ٣٠٧
فَمَا تَرَكُوا الْإِمَارَةَ لِاخْتِيَارٍ
 
وَلَا انْتَحَلُوا وِدَادَكَ مِنْ وِدَادِ٣٠٨
وَلَا اسْتَفَلُوا لِزُهْدٍ فِي التَّعَالِي
 
وَلَا انْقَادُوا سُرُورًا بِانْقِيَادِ٣٠٩
وَلَكِنْ هَبَّ خَوْفُكَ فِي حَشَاهُمْ
 
هُبُوبَ الرِّيحِ فِي رِجْلِ الْجَرَادِ٣١٠
وَمَاتُوا قَبْلَ مَوْتِهِمُ فَلَمَّا
 
مَنَنْتَ أَعَدْتَهُمْ قَبْلَ الْمَعَادِ٣١١
غَمَدْتَ صَوَارِمًا لَوْ لَمْ يَتُوبُوا
 
مَحَوْتَهُمُ بِهَا مَحْوَ الْمِدَادِ٣١٢
وَمَا الْغَضَبُ الطَّرِيفُ وَإِنْ تَقَوَّى
 
بِمُنْتَصِفٍ مِنَ الْكَرَمِ التِّلَادِ٣١٣
فَلَا تَغْرُرْكَ أَلْسِنَةٌ مَوَالٍ
 
تُقَلِّبْهُنَّ أَفْئِدَةٌ أَعَادِي٣١٤
وَكُنْ كَالْمَوْتِ لَا يَرْثِي لِبَاكٍ
 
بَكَى مِنْهُ وَيَرْوَى وَهْوَ صَادِ٣١٥
فَإِنَّ الْجُرْحَ يَنْفِرُ بَعْدَ حِينٍ
 
إِذَا كَانَ الْبِنَاءُ عَلَى فَسَادِ٣١٦
وَإِنَّ الْمَاءَ يَجْرِي مِنْ جَمَادٍ
 
وَإِنَّ النَّارَ تَخْرُجُ مِنْ زِنَادِ٣١٧
وَكَيْفَ يَبِيتُ مُضْطَجِعًا جَبَانٌ
 
فَرَشْتَ لِجَنْبِهِ شَوْكَ الْقَتَادِ٣١٨
يَرَى فِي النَّوْمِ رُمْحَكَ فِي كُلَاهُ
 
وَيَخْشَى أَنْ يَرَاهُ فِي السُّهَادِ٣١٩
أَشَرْتَ أَبَا الْحُسَيْنِ بِمَدْحِ قَوْمٍ
 
نَزَلْتُ بِهِمْ فَسِرْتُ بِغَيْرِ زَادِ
وَظَنُّونِي مَدَحْتُهُمُ قَدِيمًا
 
وَأَنْتَ بِمَا مَدَحْتُهُمُ مُرَادِي٣٢٠
وَإِنِّي عَنْكَ بَعْدَ غَدٍ لَغَادٍ
 
وَقَلْبِي عَنْ فِنَائِكَ غَيْرُ غَادِ٣٢١
مُحِبُّكَ حَيْثُمَا اتَّجَهَتْ رِكَابِي
 
وَضَيْفُكَ حَيْثُ كُنْتَ مِنَ الْبِلَادِ٣٢٢

وقال يمدح بدر بن عمار الأسدي الطبرستاني، وهو يومئذٍ يتولى حرب طبرية من قبل أبي بكر محمد بن رائق سنة ٣٢٨:

أَحُلْمًا نَرَى أَمْ زَمَانًا جَدِيدَا
 
أَمِ الْخَلْقُ فِي شَخْصِ حَيٍّ أُعِيدَا٣٢٣
تَجَلَّى لَنَا فَأَضَأْنَا بِهِ
 
كَأَنَّا نُجُومٌ لَقِينَا سُعُودَا٣٢٤
رَأَيْنَا بِبَدْرٍ وَآبَائِهِ
 
لِبَدْرٍ وَلُودًا وَبَدْرًا وَلِيدَا٣٢٥
طَلَبْنَا رِضَاهُ بِتَرْكِ الَّذِي
 
رَضِينَا لَهُ فَتَرَكْنَا السُّجُودَا٣٢٦
أَمِيرٌ أَمِيرٌ عَلَيْهِ النَّدَى
 
جَوَادٌ بَخِيلٌ بِأَنْ لَا يَجُودَا٣٢٧
يُحَدِّثُ عَنْ فَضْلِهِ مُكْرَهًا
 
كَأَنَّ لَهُ مِنْهُ قَلْبًا حَسُودَا٣٢٨
وَيُقْدِمُ إِلَّا عَلَى أَنْ يَفِرَّ
 
وَيَقْدِرُ إِلَّا عَلَى أَنْ يَزِيدَا٣٢٩
كَأَنَّ نَوَالَكَ بَعْضُ الْقَضَاءِ
 
فَمَا تُعْطِ مِنْهُ نَجِدْهُ جُدُودَا٣٣٠
وَرُبَّتَمَا حَمْلَةٍ فِي الْوَغَى
 
رَدَدْتَ بِهَا الذُّبَّلَ السُّمْرَ سُودَا٣٣١
وَهَوْلٍ كَشَفْتَ وَنَصْلٍ قَصَفْتَ
 
وَرُمْحٍ تَرَكْتَ مُبَادًا مُبِيدَا٣٣٢
وَمَالٍ وَهَبْتَ بِلَا مَوْعِدٍ
 
وَقِرْنٍ سَبَقْتَ إِلَيْهِ الْوَعِيدَا٣٣٣
بِهَجْرِ سُيُوفِكَ أَغْمَادَهَا
 
تَمَنَّى الطُّلَا أَنْ تَكُونَ الْغُمُودَا٣٣٤
إِلَى الْهَامِ تَصْدُرُ عَنْ مِثْلِهِ
 
تَرَى صَدْرًا عَنْ وُرُودٍ وُرُودَا٣٣٥
قَتَلْتَ نُفُوسَ الْعِدَا بِالْحَدِيـ
 
ـدِ حَتَّى قَتَلْتَ بِهِنَّ الْحَدِيدَا٣٣٦
فَأَنْفَدْتَ مِنْ عَيْشِهِنَّ الْبَقَاءَ
 
وَأَبْقَيْتَ مِمَّا مَلَكْتَ النُّفُودَا٣٣٧
كَأَنَّكَ بِالْفَقْرِ تَبْغِي الْغِنَى
 
وَبِالْمَوْتِ فِي الْحَرْبِ تَبْغِي الْخُلُودَا٣٣٨
خَلَائِقُ تَهْدِي إِلَى رَبِّهَا
 
وَآيَةُ مَجْدٍ أَرَاهَا الْعَبِيدَا٣٣٩
مُهَذَّبَةٌ حُلْوَةٌ مُرَّةٌ
 
حَقَرْنَا الْبِحَارَ بِهَا وَالْأُسُودَا٣٤٠
بَعِيدٌ عَلَى قُرْبِهَا وَصْفُهَا
 
تَغُولُ الظُّنُونَ وَتُنْضِي الْقَصِيدَا٣٤١
فَأَنْتَ وَحِيدُ بَنِي آدَمٍ
 
وَلَسْتَ لِفَقْدِ نَظِيرٍ وَحِيدَا٣٤٢

وقال لما استعظم قوم ما قاله في آخر مرثية جدته:

يَسْتَعْظِمُونَ أُبَيَّاتًا نَأَمْتُ بِهَا
 
لَا تَحْسُدُنَّ عَلَى أَنْ يَنْأَمَ الْأَسَدَا٣٤٣
لَوْ أَنَّ ثَمَّ قُلُوبًا يَعْقِلُونَ بِهَا
 
أَنْسَاهُمُ الذُّعْرُ مِمَّا تَحْتَهَا الْحَسَدَا٣٤٤

وقال يمدح محمد بن سيار بن مكرم التميمي:

أَقَلُّ فِعَالِي بَلْهَ أَكْثَرَهُ مَجْدُ
 
وَذَا الْجِدُّ فِيهِ نِلْتُ أَمْ لَمْ أَنَلْ جِدُّ٣٤٥
سَأَطْلُبُ حَقِّي بِالْقَنَا وَمَشَايِخٍ
 
كَأَنَّهُمُ مِنْ طُولِ مَا الْتَثَمُوا مُرْدُ٣٤٦
ثِقَالٍ إِذَا لَاقَوْا خِفَافٍ إِذَا دُعُوا
 
كَثِيرٍ إِذَا شَدُّوا قَلِيلٍ إِذَا عُدُّوا٣٤٧
وَطَعْنٍ كَأَنَّ الطَّعْنَ لَا طَعْنَ عِنْدَهُ
 
وَضَرْبٍ كَأَنَّ النَّارَ مِنْ حَرِّهِ بَرْدُ٣٤٨
إِذَا شِئْتُ حَفَّتْ بِي عَلَى كُلِّ سَابِحٍ
 
رِجَالٌ كَأَنَّ الْمَوْتَ فِي فَمِهَا شَهْدُ٣٤٩
أَذُمُّ إِلَى هَذَا الزَّمَانِ أُهَيْلَهُ
 
فَأَعْلَمُهُمْ فَدْمٌ وَأَحْزَمُهُمْ وَغْدُ٣٥٠
وَأَكْرَمُهُمْ كَلْبٌ وَأَبْصَرُهُمْ عَمٍ
 
وَأَسْهَدُهُمْ فَهْدٌ وَأَشْجَعُهُمْ قِرْدُ٣٥١
وَمِنْ نَكَدِ الدُّنْيَا عَلَى الْحُرِّ أَنْ يَرَى
 
عَدُوًّا لَهُ مَا مِنْ صَدَاقِتِهِ بُدُّ٣٥٢
بِقَلْبِي وَإِنْ لَمْ أَرْوَ مِنْهَا مَلَالَةٌ
 
وَبِي عَنْ غَوَانِيهَا وَإِنْ وَصَلَتْ صَدُّ٣٥٣
خَلِيلَايَ دُونَ النَّاسِ حُزْنٌ وَعَبْرَةٌ
 
عَلَى فَقْدِ مَنْ أَحْبَبْتُ مَا لَهُمَا فَقْدُ٣٥٤
تَلَجُّ دُمُوعِي بِالْجُفُونِ كَأَنَّمَا
 
جُفُونِي لِعَيْنِي كُلِّ بَاكِيَةٍ خَدُّ٣٥٥
وَإِنِّي لَتُغْنِينِي مِنَ الْمَاءِ نُغْبَةٌ
 
وَأَصْبِرُ عَنْهُ مِثْلَ مَا تَصْبِرُ الرُّبْدُ
وَأَمْضِي كَمَا يَمْضِي السِّنَانُ لِطِيَّتِي
 
وَأَطْوِي كَمَا تَطْوِي الْمُجَلِّحَةُ الْعُقْدُ٣٥٦
وَأُكْبِرُ نَفْسِي عَنْ جَزَاءٍ بِغِيبَةٍ
 
وَكُلُّ اغْتِيَابٍ جُهْدُ مَنْ مَا لَهُ جُهْدُ٣٥٧
وَأَرْحَمُ أَقْوَامًا مِنَ الْعَيِّ وَالْغَبَا
 
وَأَعْذِرُ فِي بُغْضِي؛ لِأَنَّهُمُ ضِدُّ٣٥٨
وَيَمْنَعُنِي مِمَّن سِوَى ابْنِ مُحَمَّدٍ
 
أَيَادٍ لَهُ عِنْدِي تَضِيقُ بِهَا عِنْدُ٣٥٩
تَوَالَى بِلَا وَعْدٍ وَلَكِنَّ قَبْلَهَا
 
شَمَائِلَهُ مِنْ غَيْرِ وَعْدٍ بِهَا وَعْدُ٣٦٠
سَرَى السَّيْفُ مِمَّا تَطْبَعُ الْهِنْدُ صَاحِبِي
 
إِلَى السَّيْفِ مِمَّا يَطْبَعُ اللهُ لَا الْهِنْدُ٣٦١
فَلَمَّا رَآنِي مُقْبِلًا هَزَّ نَفْسَهُ
 
إِلَيَّ حُسَامٌ كُلُّ صَفْحٍ لَهُ حَدُّ٣٦٢
فَلَمْ أَرَ قَبْلِي مَنْ مَشَى الْبَحْرُ نَحْوَهُ
 
وَلَا رَجُلًا قَامَتْ تُعَانِقُهُ الْأُسْدُ٣٦٣
كَأَنَّ الْقِسِيَّ الْعَاصِيَاتِ تُطِيعُهُ
 
هَوًى أَوْ بِهَا فِي غَيْرِ أُنْمُلُهِ زُهْدُ٣٦٤
يَكَادُ يُصِيبُ الشَّيْءَ مِنْ قَبْلِ رَمْيِهِ
 
وَيُمْكِنُهُ فِي سَهْمِهِ الْمُرْسَلِ الرَّدُّ٣٦٥
وَيُنْفِذُهُ فِي الْعَقْدِ وَهْوَ مُضَيَّقٌ
 
مِنَ الشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ وَاللَّيْلُ مُسْوَدُّ٣٦٦
بِنَفْسِي الَّذِي لَا يُزْدَهَى بِخَدِيعَةٍ
 
وَإِنْ كَثُرَتْ فِيهَا الذَّرَائِعُ وَالْقَصْدُ٣٦٧
وَمَنْ بُعْدُهُ فَقْرٌ وَمَنْ قُرْبُهُ غِنًى
 
وَمَنْ عِرْضُهُ حُرٌّ وَمَنْ مَالُهُ عَبْدُ٣٦٨
وَيَصْطَنِعُ الْمَعْرُوفَ مُبْتَدِئًا بِهِ
 
وَيَمْنَعُهُ مِنْ كُلِّ مَنْ ذَمُّهُ حَمْدُ٣٦٩
وَيَحْتَقِرُ الْحُسَّادَ عَنْ ذِكْرِهِ لَهُمْ
 
كَأَنَّهُمُ فِي الْخَلْقِ مَا خُلِقُوا بَعْدُ٣٧٠
وَتَأْمَنُهُ الْأَعْدَاءُ مِنْ غَيْرِ ذِلَّةٍ
 
وَلَكِنْ عَلَى قَدْرِ الَّذِي يُذْنِبُ الْحِقْدُ٣٧١
فَإِنْ يَكُ سَيَّارُ بْنُ مَكْرَمٍ انْقَضَى
 
فَإِنَّكَ مَاءُ الْوَرْدِ إِنْ ذَهَبَ الْوَرْدُ٣٧٢
مَضَى وَبَنُوهُ وَانْفَرَدْتَ بِفَضْلِهِمْ
 
وَأَلْفٌ إِذَا مَا جُمِّعَتْ وَاحِدٌ فَرْدُ٣٧٣
لَهُمْ أَوْجُهٌ غُرٌّ وَأَيْدٍ كَرِيمَةٌ
 
وَمَعْرِفَةٌ عِدٌّ وَأَلْسِنَةٌ لُدُّ٣٧٤
وَأَرْدِيَةٌ خُضْرٌ وَمُلْكٌ مُطَاعَةٌ
 
وَمَرْكُوزَةٌ سُمْرٌ وَمَقْرَبَةٌ جُرْدُ٣٧٥
وَمَا عِشْتَ مَا مَاتُوا وَلَا أَبَوَاهُمُ
 
تَمِيمُ بْنُ مُرٍّ وَابْنُ طَابِخَةٍ أُدُّ٣٧٦
فَبَعْضُ الَّذِي يَبْدُو الَّذِي أَنَا ذَاكِرٌ
 
وَبَعْضُ الَّذِي يَخْفَى عَلَيَّ الَّذِي يَبْدُو٣٧٧
أَلُومُ بِهِ مَنْ لَامَنِي فِي وِدَادِهِ
 
وَحُقَّ لِخَيْرِ الْخَلْقِ مِنْ خَيْرِهِ الْوُدُّ٣٧٨
كَذَا فَتَنَحَّوْا عَنْ عَلِيٍّ وَطُرْقِهِ
 
بَنِي اللُّؤْمِ حَتَّى يَعْبُرَ الْمَلِكُ الْجَعْدُ٣٧٩
فَمَا فِي سَجَايَاكُمْ مُنَازَعَةُ الْعُلَا
 
وَلَا فِي طِبَاعِ التُّرْبَةِ الْمِسْكُ وَالنَّدُّ٣٨٠

وودع صديقًا له يقال له: أبو البهي فقال ارتجالًا عند مسيره عنه:

أَمَّا الْفِرَاقُ فَإِنَّهُ مَا أَعْهَدُ
 
هُوَ تَوْءَمِي لَوْ أَنَّ بَيْنًا يُولَدُ٣٨١
وَلَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّنَا سَنُطِيعُهُ
 
لَمَّا عَلِمْنَا أَنَّنَا لَا نَخْلُدُ٣٨٢
وَإِذَا الْجِيَادُ أَبَا الْبَهِيِّ نَقَلْنَنَا
 
عَنْكُمْ فَأرْدَأُ مَا رَكِبْتُ الْأَجْوَدُ٣٨٣
مَنْ خَصَّ بِالذَّمِّ الْفِرَاقَ فَإِنَّنِي
 
مَنْ لَا يَرَى فِي الدَّهْرِ شَيْئًا يُحْمَدُ٣٨٤

وقال يمدح الحسين بن علي الهمذاني:

لَقَدْ حَازَنِي وَجْدٌ بِمَنْ حَازَهُ بُعْدُ
 
فَيَا لَيْتَنِي بُعْدٌ وَيَا لَيْتَهُ وَجْدُ٣٨٥
أُسَرُّ بِتَجْدِيدِ الْهَوَى ذِكْرَ مَا مَضَى
 
وَإِنْ كَانَ لَا يَبْقَى لَهُ الْحَجَرُ الصَّلْدُ٣٨٦
سُهَادٌ أَتَانَا مِنْكَ فِي الْعَيْنِ عِنْدَنَا
 
رُقَادٌ وَقُلَّامٌ رَعَى سَرْبُكُمْ وَرْدُ٣٨٧
مُمَثَّلَةٌ حَتَّى كَأَنْ لَمْ تُفَارِقِي
 
وَحَتَّى كَأَنَّ الْيَأْسَ مِنْ وَصْلِكِ الْوَعْدُ٣٨٨
وَحَتَّى تَكَادِي تَمْسَحِينَ مَدَامِعِي
 
وَيَعْبِقُ فِي ثَوْبَيَّ مِنْ رِيحِكِ النَّدُّ٣٨٩
إِذَا غَدَرَتْ حَسْنَاءُ وَفَّتْ بِعَهْدِهَا
 
فَمِنْ عَهْدِهَا أَنْ لَا يَدُومَ لَهَا عَهْدُ٣٩٠
وَإِنْ عَشِقَتْ كَانَتْ أَشَدَّ صَبَابَةً
 
وَإِنْ فَرِكَتْ فَاذْهَبْ فَمَا فِرْكُهَا قَصْدُ٣٩١
وَإِنْ حَقَدَتْ لَمْ يَبْقَ فِي قَلْبِهَا رِضًا
 
وَإِنْ رَضِيَتْ لَمْ يَبْقَ فِي قَلْبِهَا حِقْدُ
كَذَلِكَ أَخْلَاقُ النِّسَاءِ وَرُبَّمَا
 
يَضِلُّ بِهَا الْهَادِي وَيَخْفَى بِهَا الرُّشْدُ٣٩٢
وَلَكِنَّ حُبًّا خَامَرَ الْقَلْبَ فِي الصِّبَا
 
يَزِيدُ عَلَى مَرِّ الزَّمَانِ وَيَشْتَدُّ٣٩٣
سَقَى ابْنُ عَلِيٍّ كُلَّ مُزْنٍ سَقَتْكُمُ
 
مُكَافَأَةً يَغْدُو إِلَيْهَا كَمَا تَغْدُو٣٩٤
لِتَرْوَى كَمَا تُرْوِي بِلَادًا سَكَنْتَهَا
 
وَيَنْبُتَ فِيهَا فَوْقَكَ الْفَخْرُ وَالْمَجْدُ٣٩٥
بِمَنْ تَشْخَصُ الْأَبْصَارُ يَوْمَ رُكُوبِهِ
 
وَيَخْرَقُ مِنْ زَحْمٍ عَلَى الرَّجُلِ الْبُرْدُ٣٩٦
وَتُلْقِي وَمَا تَدْرِي الْبَنَانُ سِلَاحَهَا
 
لِكَثْرَةِ إِيمَاءٍ إِلَيْهِ إِذَا يَبْدُو٣٩٧
ضَرُوبٌ لِهَامِ الضَّارِبِي الْهَامِ فِي الْوَغَى
 
خَفِيفٌ إِذَا مَا أَثْقَلَ الْفَرَسَ اللَّبْدُ٣٩٨
بَصِيرٌ بِأَخْذِ الْحَمْدِ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ
 
وَلَوْ خَبَأَتْهُ بَيْنَ أَنْيَابِهَا الْأُسْدُ٣٩٩
بِتَأْمِيلِهِ يَغْنَى الْفَتَى قَبْلَ نَيْلِهِ
 
وَبِالذُّعْرِ مِنْ قَبْلِ الْمُهَنَّدِ يَنْقَدُّ٤٠٠
وَسَيْفِي لَأَنْتَ السَّيْفُ لَا مَا تَسُلُّهُ
 
لِضَرْبٍ وَمِمَّا السَّيْفُ مِنْهُ لَكَ الْغِمْدُ٤٠١
وَرُمْحِي لَأَنْتَ الرُّمْحُ لَا مَا تَبُلُّهُ
 
نَجِيعًا وَلَوْلَا الْقَدْحُ لَمْ يُثْقِبِ الزَّنْدُ٤٠٢
مِنَ الْقَاسِمِينَ الشُّكْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ
 
لِأَنَّهُمُ يُسْدَى إِلَيْهِمْ بِأَنْ يُسْدُوا٤٠٣
فَشُكْرِي لَهُمْ شُكْرَانِ: شُكْرٌ عَلَى النَّدَى
 
وَشُكْرٌ عَلَى الشُّكْرِ الَّذِي وَهَبُوا بَعْدُ٤٠٤
صِيَامٌ بِأَبْوَابِ الْقِبَابِ جِيَادُهُمْ
 
وَأَشْخَاصُهَا فِي قَلْبِ خَائِفِهِمْ تَعْدُو٤٠٥
وَأَنْفُسُهُمْ مَبْذُولَةٌ لِوُفُودِهِمْ
 
وَأَمْوَالُهُمْ فِي دَارِ مَنْ لَمْ يَفِدْ وَفْدُ٤٠٦
كَأَنَّ عَطِيَّاتِ الْحُسَيْنِ عَسَاكِرٌ
 
فَفِيهَا الْعِبِدَّى وَالْمُطَهَّمَةُ الْجُرْدُ٤٠٧
أَرَى الْقَمَرَ ابْنَ الشَّمْسِ قَدْ لَبِسَ الْعُلَا
 
رُوَيْدَكَ حَتَّى يَلْبَسَ الشَّعَرَ الْخَدُّ٤٠٨
وَغَالَ فُضُولَ الدِّرْعِ مِنْ جَنَبَاتِهَا
 
عَلَى بَدَنٍ قَدُّ الْقَنَاةِ لَهُ قَدُّ٤٠٩
وَبَاشَرَ أَبْكَارَ الْمَكَارِمِ أَمْرَدًا
 
وَكَانَ كَذَا آبَاؤُهُ وَهُمُ مُرْدُ٤١٠
مَدَحْتُ أَبَاهُ قَبْلَهُ فَشَفَى يَدِي
 
مِنَ الْعُدْمِ مَنْ تُشْفَى بِهِ الْأَعْيُنُ الرُّمْدُ٤١١
حَبَانِي بِأَثْمَانِ السَّوَابِقِ دُونَهَا
 
مَخَافَةَ سَيْرِي إِنَّهَا لِلنَّوَى جُنْدُ٤١٢
وَشَهْوَةَ عَوْدٍ إِنَّ جُودَ يَمِينِهِ
 
ثُنَاءٌ ثُنَاءٌ وَالْجَوَادُ بِهَا فَرْدُ٤١٣
فَلَا زِلْتُ أَلْقَى الْحَاسِدِينَ بِمِثْلِهَا
 
وَفِي يَدِهِمْ غَيْظٌ وَفِي يَدِيَ الرِّفْدُ٤١٤
وَعِنْدِي قِبَاطِيُّ الْهُمَامِ وَمَالُهُ
 
وَعِنْدَهُمُ مِمَّا ظَفِرْتُ بِهِ الْجَحْدُ٤١٥
يَرُومُونَ شَأْوِي فِي الْكَلَامِ وَإِنَّمَا
 
يُحَاكِي الْفَتَى فِيمَا خَلَا الْمَنْطِقَ الْقِرْدُ٤١٦
فَهُمْ فِي جُمُوعٍ لَا يَرَاهَا ابْنُ دَأْيَةٍ
 
وَهُمْ فِي ضَجِيجٍ لَا يُحِسُّ بِهَا الْخُلْدُ٤١٧
وَمِنِّي اسْتَفَادَ النَّاسُ كُلَّ غَرِيبَةٍ
 
فَجَازُوا بِتَرْكِ الذَّمِّ إِنْ لَمْ يَكُنْ حَمْدُ٤١٨
وَجَدْتُ عَلِيًّا وَابْنَهُ خَيْرَ قَوْمِهِ
 
وَهُمْ خَيْرُ قَوْمٍ وَاسْتَوَى الْحُرُّ وَالْعَبْدُ٤١٩
وَأَصْبَحَ شِعْرِي مِنْهُمَا فِي مَكَانِهِ
 
وَفِي عُنُقِ الْحَسْنَاءِ يُسْتَحْسَنُ الْعِقْدُ٤٢٠

وساير أبا محمد بن طغج وهو لا يدري أين يريد؛ فلما دخل كفرديس قال:

وَزِيَارَةٍ عَنْ غَيْرِ مَوْعِدْ
 
كَالْغُمْضِ فِي الْجَفْنِ الْمُسَهَّدْ٤٢١
مَعَجَتْ بِنَا فِيهَا الْجِيَا
 
دُ مَعَ الْأَمِيرِ أَبِي مُحَمَّدْ٤٢٢
حَتَّى دَخَلْنَا جَنَّةً
 
لَوْ أَنَّ سَاكِنَهَا مُخَلَّدْ
خَضْرَاءَ حَمْرَاءَ التُّرَا
 
بِ كَأَنَّهَا فِي خَدِّ أَغْيَدْ٤٢٣
أَحْبَبْتُ تَشْبِيهًا لَهَا
 
فَوَجَدْتُهُ مَا لَيْسَ يُوجَدْ٤٢٤
وَإِذَا رَجَعْتَ إِلَى الْحَقَا
 
ئِقِ فَهْيَ وَاحِدَةٌ لِأَوْحَدْ٤٢٥

وهمَّ بالنهوض فأقعده أبو محمد فقال:

يَا مَنْ رَأَيْتَ الْحَلِيمَ وَغْدَا
 
بِهِ وَحُرَّ الْمُلُوكِ عَبْدَا٤٢٦
مَالَ عَلَيَّ الشَّرَابُ جِدَّا
 
وَأَنْتَ بِالْمَكْرُمَاتِ أَهْدَى٤٢٧
فَإِنْ تَفَضَّلْتَ بِانْصِرَافِي
 
عَدَدْتُهُ مِنْ لَدُنْكَ رِفْدَا٤٢٨

وأطلق أبو محمد الباشق على سماناة فأخذها فقال:

أَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ بَلَغْتَ الْمُرَادَا
 
وَفِي كُلِّ شَأْوٍ شَأَوْتَ الْعِبَادَا؟٤٢٩
فَمَاذَا تَرَكْتَ لِمَنْ لَمْ يَسُدْ
 
وَمَاذَا تَرَكْتَ لِمَنْ كَانَ سَادَا؟٤٣٠
كَأَنَّ السُّمَانَى إِذَا مَا رَأَتْكَ
 
تَصَيَّدُهَا تَشْتَهِي أَنْ تُصَادَا٤٣١

واجتاز أبو محمد الجبال، فأثارت الغلمان خشفًا، فتلقفته الكلاب، فقال:

وَشَامِخٍ مِنَ الْجِبَالِ أَقْوَدِ
 
فَرْدٍ كَيَافُوخِ الْبَعِيرِ الْأَصْيَدِ٤٣٢
يُسَارُ مِنْ مَضِيقِهِ وَالْجَلْمَدِ
 
فِي مِثْلِ مَتْنِ الْمَسَدِ الْمُعَقَّدِ٤٣٣
زُرْنَاهُ لِلْأَمْرِ الَّذِي لَمْ يُعْهَدِ
 
لِلصَّيْدِ وَالنُّزْهَةِ وَالتَّمَرُّدِ٤٣٤
بِكُلِّ مَسْقِيِّ الدِّمَاءِ أَسْوَدِ
 
مُعَاوِدٍ مُقَوَّدٍ مُقَلَّدِ٤٣٥
بِكُلِّ نَابٍ ذَرِبٍ مُحَدَّدِ
 
عَلَى حِفَافَيْ حَنَكٍ كَالْمِبْرَدِ٤٣٦
كَطَالِبِ الثَّارِ وَإِنْ لَمْ يَحْقِدِ
 
يَقْتُلُ مَا يَقْتُلُهُ وَلَا يَدِي٤٣٧
يَنْشُدُ مِنْ ذَا الْخِشْفِ مَا لَمْ يَفْقِدِ
 
فَثَارَ مِنْ أَخْضَرَ مَمْطُورٍ نَدِي٤٣٨
كَأَنَّهُ بَدْءُ عِذَارِ الْأَمْرَدِ
 
فَلَمْ يَكَدْ إِلَّا لِحَتْفٍ يَهْتَدِي
وَلَمْ يَقَعْ إِلَّا عَلَى بَطْنِ يَدِ
 
وَلَمْ يَدَعْ لِلشَّاعِرِ الْمُجَوِّدِ٤٣٩
وَصْفًا لَهُ عِنْدَ الْأَمِيرِ الْأَمْجَدِ
 
الْمَلِكِ الْقَرْمِ أَبِي مُحَمَّدِ٤٤٠
الْقَانِصِ الْأَبْطَالَ بِالْمُهَنَّدِ
 
ذِي النِّعَمِ الْغُرِّ الْبَوَادِي الْعُوَّدِ٤٤١
إِذَا أَرَدْتُ عَدَّهَا لَمْ تُعْدَدِ
 
وَإِنْ ذَكَرْتُ فَضْلَهُ لَمْ يَنْفَدِ٤٤٢

وقال ارتجالًا يودعه:

مَاذَا الْوَدَاعُ وَدَاعُ الْوَامِقِ الْكَمِدِ
 
هَذَا الْوَدَاعُ وَدَاعُ الرُّوحِ لِلْجَسَدِ٤٤٣
إِذَا السَّحَابُ زَفَتْهُ الرِّيحُ مُرْتَفِعًا
 
فَلَا عَدَا الرَّمْلَةِ الْبَيْضَاءِ مِنْ بَلَدِ٤٤٤
وَيَا فِرَاقَ الْأَمِيرِ الرَّحْبِ مَنْزِلُهُ
 
إِنْ أَنْتَ فَارَقْتَنَا يَوْمًا فَلَا تَعُدِ٤٤٥

ودخل على أبي العشائر الحسين بن علي بن حمدان يومًا فوجده على الشراب، وفي يده بطيخة من الند في غشاء من خيزران، عليها قلادة لؤلؤ، وعلى رأسها عنبر قد أدير حولها، فحياه بها وقال: أي شيء تشبه هذه؟ فقال ارتجالًا:

وَبِنِيَّةٍ مِنْ خَيْزُرَانٍ ضُمِّنَتْ
 
بِطِّيخَةً نَبَتَتْ بِنَارٍ فِي يَدِ٤٤٦
نَظَمَ الْأَمِيرُ لَهَا قِلَادَةَ لُؤْلُؤٍ
 
كِفِعَالِهِ وَكَلَامِهِ فِي الْمَشْهَدِ٤٤٧
كَالْكَاسِ بَاشَرَهَا الْمِزَاجُ فَأَبْرَزَتْ
 
زَبَدًا يَدُورُ عَلَى شَرَابٍ أَسْوَدِ٤٤٨

وقال فيها ارتجالًا أيضًا:

وَسَوْدَاءَ مَنْظُومٍ عَلَيْهَا لَآلِئٌ
 
لَهَا صُورَةُ الْبِطِّيخِ وَهْيَ مِنَ النَّدِّ
كَأَنَّ بَقَايَا عَنْبَرٍ فَوْقَ رَأْسِهَا
 
طُلُوعُ رَوَاعِي الشَّيْبِ فِي الشَّعَرِ الْجَعْدِ٤٤٩

وعمل أبياتًا بديهًا، فتعجب أبو العشائر من سرعته، فقال:

أَتُنْكِرُ مَا نَطَقْتُ بِهِ بَدِيهًا
 
وَلَيْسَ بِمُنْكَرٍ سَبْقَ الْجَوَادِ
أُرَاكِضُ مُعْوِصَاتِ الشِّعْرِ قَسْرًا
 
فَأَقْتُلُهَا وَغَيْرِي فِي الطِّرَادِ٤٥٠

وقال يمدح كافورًا سنة ست وأربعين وثلاثمائة:

أَوَدُّ مِنَ الْأَيَّامِ مَا لَا تَوَدُّهُ
 
وَأَشْكُو إِلَيْهَا بَيْنَنَا وَهْيَ جُنْدُهُ٤٥١
يُبَاعِدْنَ حِبًّا يَجْتَمِعْنَ وَوَصْلُهُ
 
فَكَيْفَ بِحِبٍّ يَجْتَمِعْنَ وَصَدُّهُ٤٥٢
أَبَى خُلُقُ الدُّنْيَا حَبِيبًا تُدِيمُهُ
 
فَمَا طَلَبِي مِنْهَا حَبِيبًا تَرُدُّهُ٤٥٣
وَأَسْرَعُ مَفْعُولٍ فَعَلْتَ تَغَيُّرًا
 
تَكَلُّفُ شَيْءٍ فِي طِبَاعِكَ ضِدُّهُ٤٥٤
رَعَى اللهُ عِيسًا فَارَقَتْنَا وَفَوْقَهَا
 
مَهًا كُلُّهَا يُولِي بِجَفْنَيْهِ خَدُّهُ٤٥٥
بِوَادٍ بِهِ مَا بِالْقُلُوبِ كَأَنَّهُ
 
وَقَدْ رَحَلُوا جِيدٌ تَنَاثَرَ عِقْدُهُ٤٥٦
إِذَا سَارَتِ الْأَحْدَاجُ فَوْقَ نَبَاتِهِ
 
تَفَاوَحَ مِسْكُ الْغَانِيَاتِ وَرَنْدُهُ٤٥٧
وَحَالٍ كَإِحْدَاهُنَّ رُمْتُ بُلُوغَهَا
 
وَمِنْ دُونِهَا غَوْلُ الطَّرِيقِ وَبُعْدُهُ٤٥٨
وَأَتْعَبُ خَلْقِ اللهِ مَنْ زَادَ هَمُّهُ
 
وَقَصَّرَ عَمَّا تَشْتَهِي النَّفْسُ وُجْدُهُ٤٥٩
فَلَا يَنْحَلِلْ فِي الْمَجْدِ مَالُكَ كُلُّهُ
 
فَيَنْحَلُّ مَجْدٌ كَانَ بِالْمَالِ عِقْدُهُ٤٦٠
وَدَبِّرْهُ تَدْبِيرَ الَّذِي الْمَجْدُ كَفُّهُ
 
إِذَا حَارَبَ الْأَعْدَاءَ وَالْمَالُ زَنْدُهُ٤٦١
فَلَا مَجْدَ فِي الدُّنْيَا لِمَنْ قَلَّ مَالُهُ
 
وَلَا مَالَ فِي الدُّنْيَا لِمَنْ قَلَّ مَجْدُهُ
وَفِي النَّاسِ مَنْ يَرْضَى بِمَيْسُورِ عَيْشِهِ
 
وَمَرْكُوبُهُ رِجْلَاهُ وَالثَّوْبُ جِلْدُهُ٤٦٢
وَلَكِنَّ قَلْبًا بَيْنَ جَنْبَيَّ مَا لَهُ
 
مَدًى يَنْتَهِي بِي فِي مُرَادٍ أَحُدُّهُ٤٦٣
يَرَى جِسْمَهَ يُكْسَى شُفُوفًا تَرُبُّهُ
 
فَيَخْتَارُ أَنْ يُكْسَى دُرُوعًا تَهُدُّهُ٤٦٤
يُكَلِّفُنِي التَّهْجِيرَ فِي كُلِّ مَهْمَهٍ
 
عَلِيقِي مَرَاعِيهِ وَزَادِيَ رُبْدُهُ٤٦٥
وَأَمْضَى سِلَاحٍ قَلَّدَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ
 
رَجَاءُ أَبِي الْمِسْكِ الْكَرِيمِ وَقَصْدُهُ٤٦٦
هُمَا نَاصِرَا مَنْ خَانَهُ كُلُّ نَاصِرٍ
 
وَأُسْرَةُ مَنْ لَمْ يُكْثِرِ النَّسْلَ جَدُّهُ٤٦٧
أَنَا الْيَوْمَ مِنْ غِلْمَانِهِ فِي عَشِيرَةٍ
 
لَنَا وَالِدٌ مِنْهُ يُفَدِّيهِ وُلْدُهُ٤٦٨
فَمِنْ مَالِهِ مَالُ الْكَبِيرِ وَنَفْسُهُ
 
وَمِنْ مَالِهِ دَرُّ الصَّغِيرِ وَمَهْدُهُ٤٦٩
نَجُرُّ الْقَنَا الْخَطِّيَّ حَوْلَ قِبَابِهِ
 
وَتَرْدِي بِنَا قُبُّ الرِّبَاطِ وَجُرْدُهُ٤٧٠
وَنَمْتَحِنُ النُّشَّابَ فِي كُلِّ وَابِلٍ
 
دَوِيُّ الْقِسِيِّ الْفَارِسِيَّةِ رَعْدُهُ٤٧١
فَإِلَّا تَكُنْ مِصْرُ الشَّرَى أَوْ عَرِينَهُ
 
فَإِنَّ الَّذِي فِيهَا مِنَ النَّاسِ أُسْدُهُ٤٧٢
سَبَائِكُ كَافُورٍ وَعِقْيَانُهُ الَّذِي
 
بِصُمِّ الْقَنَا لَا بِاْلَأَصَابِعِ نَقْدُهُ٤٧٣
بَلَاهَا حَوَالَيْهِ الْعَدُوُّ وَغَيْرُهُ
 
وَجَرَّبَهَا هَزْلُ الطِّرَادِ وَجِدُّهُ٤٧٤
أَبُو الْمِسْكِ لَا يَفْنَى بِذَنْبِكَ عَفْوُهُ
 
وَلَكِنَّهُ يَفْنَى بِعُذْرِكَ حِقْدُهُ٤٧٥
فَيَا أَيُّهَا الْمَنْصُورُ بِالْجِدِّ سَعْيُهُ
 
وَيَا أَيُّهَا الْمَنْصُورُ بِالسَّعْيِ جَدُّهُ٤٧٦
تَوَلَّى الصِّبَا عَنِّي فَأَخْلَفْتُ طِيبَهُ
 
وَمَا ضَرَّنِي لَمَّا رَأَيْتُكَ فَقْدُهُ٤٧٧
لَقَدْ شَبَّ فِي هَذَا الزَّمَانِ كُهُولُهُ
 
لَدَيْكَ وَشَابَتْ عِنْدَ غَيْرِكَ مُرْدُهُ٤٧٨
أَلَا لَيْتَ يَوْمَ السَّيْرِ يُخْبِرُ حَرُّهُ
 
فَتَسْأَلَهُ وَاللَّيْلُ يُخْبِرُ بَرْدُهُ٤٧٩
وَلَيْتَكَ تَرْعَانِي وَحَيْرَانُ مُعْرِضٌ
 
فَتَعْلَمَ أَنِّي مِنْ حُسَامِكَ حَدُّهُ٤٨٠
وَأَنِّي إِذَا بَاشَرْتُ أَمْرًا أُرِيدُهُ
 
تَدَانَتْ أَقَاصِيهِ وَهَانَ أَشُدُّهُ٤٨١
وَمَا زَالَ أَهْلُ الدَّهْرِ يَشْتَبِهُونَ لِي
 
إِلَيْكَ فَلَمَّا لُحْتَ لِي لَاحَ فَرْدُهُ٤٨٢
يُقَالُ إِذَا أَبْصَرْتُ جَيْشًا وَرَبَّهُ:
 
أَمَامَكَ رَبٌّ، رَبُّ ذَا الْجَيْشِ عَبْدُهُ٤٨٣
وَأَلْقَى الْفَمَ الضَّحَّاكَ أَعْلَمُ أَنَّهُ
 
قَرِيبٌ بِذِي الْكَفِّ الْمُفَدَّاةِ عَهْدُهُ٤٨٤
فَزَارَكَ مِنِّي مَنْ إِلَيْكَ اشْتِيَاقُه
 
وَفِي النَّاسِ إِلَّا فِيكَ وَحْدَكَ زُهْدُهُ٤٨٥
يُخَلِّفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ دَارَكَ غَايَةً
 
وَيَأْتِي فَيَدْرِي أَنَّ ذَلِكَ جُهْدُهُ٤٨٦
فَإِنْ نِلْتُ مَا أَمَّلْتُ مِنْكَ فَرُبَّمَا
 
شَرِبْتُ بِمَاءٍ يُعْجِزُ الطَّيْرَ وِرْدُهُ٤٨٧
وَوَعْدُكَ فِعْلٌ قَبْلَ وَعْدٍ لِأَنَّهُ
 
نَظِيرُ فِعَالِ الصَّادِقِ الْقَوْلِ وَعْدُهُ٤٨٨
فَكُنْ فِي اصْطِنَاعِي مُحْسِنًا كَمُجَرِّبٍ
 
يَبِنْ لَكَ تَقْرِيبُ الْجَوَادِ وَشَدُّهُ٤٨٩
إِذَا كُنْتَ فِي شَكٍّ مِنَ السَّيْفِ فَابْلُهُ
 
فَإِمَّا تُنَفِّيهِ وَإِمَّا تَعُدُّهُ٤٩٠
وَمَا الصَّارِمُ الْهِنْدِيُّ إِلَّا كَغَيْرِهِ
 
إِذَا لَمْ يُفَارِقْهُ النِّجَادُ وَغِمْدُهُ٤٩١
وَإِنَّكَ لَلْمَشْكُورُ فِي كُلِّ حَالَةٍ
 
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا الْبَشَاشَةُ رِفْدُهُ٤٩٢
فَكُلُّ نَوَالٍ كَانَ أَوْ هُوَ كَائِنٌ
 
فَلَحْظَةُ طَرْفٍ مِنْكَ عِنْدِي نِدُّهُ٤٩٣
وَإِنِّي لَفِي بَحْرٍ مِنَ الْخَيْرِ أَصْلُهُ
 
عَطَايَاكَ أَرْجُو مَدَّهَا وَهْيَ مَدُّهُ٤٩٤
وَمَا رَغْبَتِي فِي عَسْجَدٍ أَسْتَفِيدُهُ
 
وَلَكِنَّهَا فِي مَفْخَرٍ أَسْتَجِدُّهُ٤٩٥
يَجُودُ بِهِ مَنْ يَفْضَحُ الْجُودَ جُودُهُ
 
وَيَحْمَدُهُ مَنْ يَفْضَحُ الْحَمْدَ حَمْدُهُ٤٩٦
فَإِنَّكَ مَا مَرَّ النُّحُوسُ بِكَوْكَبٍ
 
وَقَابَلْتَهُ إِلَّا وَوَجْهُكَ سَعْدُهُ٤٩٧

واتصل قوم من الغلمان بابن الأخشيد مولى كافور وأرادوا أن يفسدوا الأمر على كافور فطالبه بتسليمهم إليه، فسلمهم بعد أن امتنع من ذلك مُدَيدَةً مما سبب بينهما وحشة، وبعد أن تسلمهم كافور ألقاهم في النيل ثم اصطلحا، فقال:

حَسَمَ الصُّلْحُ مَا اشْتَهَتْهُ الْأَعَادِي
 
وَأَذَاعَتْهُ أَلْسُنُ الْحُسَّادِ٤٩٨
وَأَرَادَتْهُ أَنْفُسٌ حَالَ تَدْبِيـ
 
ـرُكَ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُرَادِ٤٩٩
صَارَ مَا أَوْضَعَ الْمُخِبُّونُ فِيهِ
 
مِنْ عِتَابٍ زِيَادَةً فِي الْوِدَادِ٥٠٠
وَكَلَامُ الْوُشَاةِ لَيْسَ عَلَى الْأَحْـ
 
ـبَابِ، سُلْطَانُهُ عَلَى الْأَضْدَادِ٥٠١
إِنَّمَا تُنْجِحُ الْمَقَالَةُ فِي الْمَرْ
 
ءِ إِذَا صَادَفَتْ هَوًى فِي الْفُؤَادِ٥٠٢
وَلَعَمْرِي لَقَدْ هُزِزْتَ بِمَا قِيـ
 
ـلَ فَأُلْفِيْتَ أَوْثَقَ الْأَطْوَادِ٥٠٣
وَأَشَارَتْ بِمَا أَبَيْتَ رِجَالٌ
 
كُنْتَ أَهْدَى مِنْهَا إِلَى الْإِرْشَادِ٥٠٤
قَدْ يُصِيبُ الْفَتَى الْمُشِيرُ وَلَمْ يَجْـ
 
ـهَدْ وَيُشْوِي الصَّوَابَ بَعْدَ اجْتِهَادِ٥٠٥
نِلْتُ مَا لَا يُنَالُ بِالْبِيضِ وَالسُّمْـ
 
ـرِ وَصُنْتُ الْأَرْوَاحَ فِي الْأَجْسَادِ٥٠٦
وَقَنَا الْخَطِّ فِي مَرَاكِزِهَا حَوْ
 
لَكَ وَالْمُرْهِفَاتُ فِي الْأَغْمَادِ٥٠٧
مَا دَرَوْا إِذْ رَأَوْا فُؤَادَكَ فِيهِمْ
 
سَاكِنًا أَنَّ رَأْيَهُ فِي الطِّرَادِ٥٠٨
فَفَدَى رَأْيَكَ الَّذِي لَمْ تُفَدْهُ
 
كُلُّ رَأْيٍ مُعَلَّمٍ مُسْتَفَادِ٥٠٩
وَإِذَا الْحِلْمُ لَمْ يَكُنْ فِي طِبَاعٍ
 
لَمَ يُحَلِّمْ تَقَادُمُ الْمِيلَادِ٥١٠
فَبِهَذَا وَمِثْلِهِ سُدْتَ يَا كَا
 
فُورُ وَاقْتَدْتَ كُلَّ صَعْبِ الْقِيَادِ٥١١
وَأَطَاعَ الَّذِي أَطَاعَكَ وَالطَّا
 
عَةُ لَيْسَتْ خَلَائِقَ الْآسَادِ٥١٢
إِنَّمَا أَنْتَ وَالِدٌ وَالْأَبُ الْقَا
 
طِعُ أَحْنَى مِنْ وَاصِلِ الْأَوْلَادِ٥١٣
لَا عَدَا الشَّرُّ مَنْ بَغَى لَكُمَا الشَّرَّ
 
وَخَصَّ الْفَسَادُ أَهْلَ الْفَسَادِ٥١٤
أَنْتُمَا — مَا اتَّفَقْتُمَا — الْجِسْمُ وَالرُّو
 
حُ فَلَا احْتَجْتُمَا إِلَى الْعُوَّادِ٥١٥
وَإِذَا كَانَ فِي الْأَنَابِيبِ خُلْفٌ
 
وَقَعُ الطَّيْشُ فِي صُدُورِ الصِّعَادِ٥١٦
أَشْمَتَ الْخُلْفُ بِالشَّرَاةِ عِدَاهَا
 
وَشَفَى رَبَّ فَارِسٍ مِنْ إِيَادِ٥١٧
وَتَوَلَّى بَنِي الْيَزِيدِيِّ بِالْبَصْـ
 
ـرَةِ حَتَّى تَمَزَّقُوا فِي الْبِلَادِ٥١٨
وَمُلُوكًا كَأَمْسِ فِي الْقُرْبِ مِنَّا
 
وَكَطَسْمٍ وَأُخْتِهَا فِي الْبِعَادِ٥١٩
بِكُمَا بِتُّ عَائِذًا فِيكُمَا مِنْـ
 
ـهُ وَمِنْ كَيْدِ كُلِّ بَاغٍ وَعَادِ٥٢٠
وَبِلُبَّيْكُمَا الْأَصِيلَيْنِ أَنْ تَفْـ
 
ـرُقَ صُمُّ الرِّمَاحِ بَيْنَ الْجِيَادِ٥٢١
أَوْ يَكُونَ الْوَلِيُّ أَشْقَى عَدُوٍّ
 
بِالَّذِي تَذْخُرَانِهِ مِنْ عَتَادِ٥٢٢
هَلْ يَسُرَّنَّ بَاقِيًا بَعْدَ مَاضٍ
 
مَا تَقُولُ الْعُدَاةُ فِي كُلِّ نَادِ٥٢٣
مَنَعَ الْوُدُّ وَالرَّعَايَةُ وَالسُّؤْ
 
دُدُ أَنْ تَبْلُغَا إِلَى الْأَحْقَادِ٥٢٤
وَحُقُوقٌ تُرَقِّقُ الْقَلْبَ لِلْقَلْـ
 
ـبِ وَلَوْ ضُمِّنَتْ قُلُوبَ الْجَمَادِ٥٢٥
فَغَدَا الْمُلْكُ بَاهِرًا مَنْ رَآهُ
 
شَاكِرًا مَا أَتَيْتُمَا مِنْ سَدَادِ٥٢٦
فِيهِ أَيْدِيكُمَا عَلَى الظَّفَرِ الْحُلْـ
 
ـوِ وَأَيْدِي قَوْمٍ عَلَى الْأَكْبَادِ٥٢٧
هَذِهِ دَوْلَةُ الْمَكَارِمِ وَالرَّأْ
 
فَةِ وَالْمَجْدِ وَالنَّدَى وَالْأَيَادِي٥٢٨
كَسَفَتْ سَاعَةً كَمَا تَكْسِفُ الشَّمْـ
 
ـسُ، وَعَادَتْ وَنُورُهَا فِي ازْدِيَادِ٥٢٩
يَزْحَمُ الدَّهْرَ رُكْنُهَا عَنْ أَذَاهَا
 
بِفَتًى مَارِدٍ عَلَى الْمُرَّادِ٥٣٠
مُتْلِفٍ مُخْلِفٍ وَفِيٍّ أَبِيٍّ
 
عَالِمٍ حَازِمٍ شُجَاعٍ جَوَادِ٥٣١
أَجَفْلَ النَّاسُ عَنْ طَرِيقِ أَبِي الْمِسْـ
 
ـكِ وَذَلَّتْ لَهُ رِقَابُ الْعِبَادِ٥٣٢
كَيْفَ لَا يُتْرَكُ الطَّرِيقُ لِسَيْلٍ
 
ضَيِّقٍ عَنْ أَتِيِّهِ كُلُّ وَادِ٥٣٣
وقال يهجوه في يوم عرفة قبل مسيره من مصر بيوم واحد سنة خمسين وثلاثمائة:٥٣٤
عِيدٌ بِأَيَّةِ حَالٍ عُدْتَ يَا عِيدُ
 
بِمَا مَضَى أَمْ بِأَمْرٍ فِيكَ تَجْدِيدُ؟٥٣٥
أَمَّا الْأَحِبَّةُ فَالْبَيْدَاءُ دُونَهُمُ
 
فَلَيْتَ دُونَكَ بِيدًا دُونَهَا بِيدُ٥٣٦
لَوْلَا الْعُلَا لَمْ تَجُبْ بِي مَا أَجُوبُ بِهَا
 
وَجْنَاءُ حَرْفٌ وَلَا جَرْدَاءُ قَيْدُودُ٥٣٧
وَكَانَ أَطْيَبَ مِنْ سَيْفِي مُضَاجَعَةً
 
أَشْبَاهُ رَوْنَقِهِ الْغِيدُ الْأَمَالِيدُ٥٣٨
لَمْ يَتْرُكِ الدَّهْرُ مِنْ قَلْبِي وَلَا كَبِدِي
 
شَيْئًا تُتَيِّمُهُ عَيْنٌ وَلَا جِيدُ٥٣٩
يَا سَاقِيَيَّ أَخَمْرٌ فِي كُئُوسِكُمَا
 
أَمْ فِي كُئُوسِكُمَا هَمٌّ وَتَسْهِيدُ٥٤٠
أَصَخْرَةٌ أَنَا؟ مَا لِي لَا تُحَرِّكُنِي
 
هَذِي الْمُدَامُ وَلَا هَذِي الْأَغَارِيدُ٥٤١
إِذَا أَرَدْتُ كُمَيْتَ اللَّوْنِ صَافِيَةً
 
وَجَدْتُهَا وَحَبِيبُ النَّفْسِ مَفْقُودُ٥٤٢
مَاذَا لَقِيتُ مِنَ الدُّنْيَا وَأَعْجَبُهُ
 
أَنِّي بِمَا أَنَا بَاكٍ مِنْهُ مَحْسُودُ٥٤٣
أَمْسَيْتُ أَرْوَحَ مُثْرٍ خَازِنًا وَيَدًا
 
أَنَا الْغَنِيُّ وَأَمْوَالِي الْمَوَاعِيدُ٥٤٤
إِنِّي نَزَلْتُ بِكَذَّابِينَ ضَيْفُهُمْ
 
عَنِ الْقِرَى وعَنِ التَّرْحَالِ مَحْدُودُ٥٤٥
جُودُ الرِّجَالِ مِنَ الْأَيْدِي وَجُودُهُمُ
 
مِنَ اللِّسَانِ فَلَا كَانُوا وَلَا الْجُودُ٥٤٦
مَا يَقْبِضُ الْمَوْتُ نَفْسًا مِنْ نُفُوسِهِمِ
 
إِلَّا وَفِي يَدِهِ مِنْ نَتْنِهَا عُودُ٥٤٧
مِنْ كُلِّ رَخْوٍ وِكَاءِ الْبَطْنِ مُنْفَتِقٍ
 
لَا فِي الرِّجَالِ وَلَا النِّسْوَانِ مَعْدُودُ٥٤٨
أَكُلَّمَا اغْتَالَ عَبْدُ السُّوءِ سَيِّدَهُ
 
أَوْ خَانَهُ فَلَهُ فِي مِصْرَ تَمْهِيدُ٥٤٩
صَارَ الْخَصِيُّ إِمَامَ الْآبِقِينَ بِهَا
 
فَالْحُرُّ مُسْتَعْبَدٌ وَالْعَبْدُ مَعْبُودُ٥٥٠
نَامَتْ نَوَاطِيرُ مِصْرٍ عَنْ ثَعَالِبِهَا
 
فَقَدْ بَشِمْنَ وَمَا تَفْنَى الْعَنَاقِيدُ٥٥١
الْعَبْدُ لَيْسَ لِحُرٍّ صَالِحٍ بِأَخٍ
 
لَوْ أَنَّهُ فِي ثِيَابِ الْحُرِّ مَوْلُودُ٥٥٢
لَا تَشْتَرِ الْعَبْدَ إِلَّا وَالْعَصَا مَعَهُ
 
إِنَّ الْعَبِيدَ لَأَنْجَاسٌ مَنَاكِيدُ٥٥٣
مَا كُنْتُ أَحْسَبُنِي أَحْيَا إِلَى زَمَنٍ
 
يُسِيءُ بِيِ فِيهِ كَلْبٌ وَهْوَ مَحْمُودُ٥٥٤
وَلَا تَوَهَّمْتُ أَنَّ النَّاسَ قَدْ فُقِدُوا
 
وَأَنَّ مِثْلَ أَبِي الْبَيْضَاءِ مَوْجُودُ٥٥٥
وَأَنَّ ذَا الْأَسْوَدَ الْمَثْقُوبَ مِشْفَرُهُ
 
تُطِيعُهُ ذِي الْعَضَارِيطِ الرَّعَادِيدُ٥٥٦
جَوْعَانُ يَأْكُلُ مِنْ زَادِي وَيُمْسِكُنِي
 
لِكَيْ يُقَالَ: عَظِيمُ الْقَدْرِ مَقْصُودُ!٥٥٧
إِنَّ امْرَأً أَمَةٌ حُبْلَى تُدَبِّرُهُ
 
لَمُسْتَضَامٌ سَخِينُ الْعَيْنِ مَفْئُودُ٥٥٨
وَيْلُمِّهَا خُطَّةً وَيْلُمِّ قَابِلِهَا!
 
لِمِثْلِهَا خُلِقَ الْمَهْرِيَّةُ الْقُودُ٥٥٩
وَعِنْدَهَا لَذَّ طَعْمَ الْمَوْتِ شَارِبُهُ
 
إِنَّ الْمَنِيَّةَ عِنْدَ الذُّلِّ قِنْدِيدُ٥٦٠
مَنْ عَلَّمَ الْأَسْوَدَ الْمَخْصِيَّ مَكْرُمَةً
 
أَقَوْمُهُ الْبِيضُ أَمْ آبَاؤُهُ الصِّيدُ٥٦١
أَمْ أُذْنُهُ فِي يَدِي النَّخَّاسِ دَامِيَةً
 
أَمْ قَدْرُهُ وَهْوَ بِالْفَلْسَيْنِ مَرْدُودُ٥٦٢
أَوْلَى اللِّئَامِ كُوَيفِيرٌ بِمَعْذِرَةٍ
 
فِي كُلِّ لُؤْمٍ وَبَعْضُ الْعُذْرِ تَفْنِيدُ٥٦٣
وَذَاكَ أَنَّ الْفُحُولَ الْبِيضَ عَاجِزَةٌ
 
عَنِ الْجَمِيلِ فَكَيْفَ الْخِصْيَةُ السُّودُ؟!٥٦٤

وقال يمدح أبا الفضل محمد بن الحسين بن العميد، ويهنئه بعيد النيروز، ويصف سيفًا قلده إياه، وفرسًا حمله عليه، وجائزة وصله بها، وكان قد عاب قصيدته الرائية الآتية:

جَاءَ نَيْرُوزُنَا وَأَنْتَ مُرَادُهُ
 
وَوَرَتْ بِالَّذِي أَرَادَ زِنَادُهْ٥٦٥
هَذِهِ النَّظْرَةُ الَّتِي نَالَهَا مِنْـ
 
ـكَ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْحَوْلِ زَادُهْ٥٦٦
يَنْثَنِي عَنْكَ آخِرَ الْيَوْمِ مِنْهُ
 
نَاظِرٌ أَنْتَ طَرْفُهُ وَرُقَادُهْ٥٦٧
نَحْنُ فِي أَرْضِ فَارِسٍ فِي سُرُورٍ
 
ذَا الصَّبَاحُ الَّذِي نَرَى مِيلَادُهْ٥٦٨
عَظَّمَتْهُ مَمَالِكُ الْفُرْسِ حَتَّى
 
كُلُّ أَيَّامِ عَامِهِ حُسَّادُهْ٥٦٩
مَا لَبِسْنَا فِيهِ الْأَكَالِيلَ حَتَّى
 
لَبِسَتْهَا تِلَاعُهُ وَوِهَادُهْ٥٧٠
عِنْدَ مَنْ لَا يُقَاسُ كِسْرَى أَبُو سَا
 
سَانَ مُلْكًا بِهِ وَلَا أَوْلَادُهْ٥٧١
عَرَبِيٌّ لِسَانُهُ، فَلْسَفِيٌّ
 
رَأْيُهُ، فَارِسِيَّةٌ أَعْيَادُهْ٥٧٢
كُلَّمَا قَالَ نَائِلٌ: أَنَا مِنْهُ
 
سَرَفٌ، قَالَ آخَرٌ: ذَا اقْتِصَادُهْ٥٧٣
كَيْفَ يَرْتَدُّ مَنْكِبِي عَنْ سَمَاءٍ
 
وَالنِّجَادُ الَّذِي عَلَيْهِ نِجَادُهْ؟٥٧٤
قَلَّدَتْنِي يَمِينُهُ بِحُسَامٍ
 
أَعْقَبَتْ مِنْهُ وَاحِدًا أَجْدَادُهْ٥٧٥
كُلَّمَا اسْتَلَّ ضَاحَكَتْهُ إِيَاةٌ
 
تَزْعُمُ الشَّمْسُ أَنَّهَا أَرْآدُهْ٥٧٦
مَثَّلُوهُ فِي جَفْنِهِ خَشْيَةَ الْفَقْـ
 
ـدِ فَفِي مِثْلِ أَثْرِهِ إِغْمَادُهْ٥٧٧
مُنْعَلٌ لَا مِنَ الْحَفَا ذَهَبًا يَحْـ
 
ـمِلُ بَحْرًا فِرِنْدُهُ إِزْبَادُهْ٥٧٨
يَقْسِمُ الْفَارِسَ الْمُدَجَّجَ لَا يَسْـ
 
ـلَمُ مِنْ شَفْرَتَيْهِ إِلَّا بِدَادُهْ٥٧٩
جَمَعَ الدَّهْرُ حَدَّهُ وَيَدَيْهِ
 
وَثَنَائِي فَاسْتَجْمَعَتْ آحَادُهْ٥٨٠
وَتَقَلَّدَتْ شَامَةً فِي نَدَاهُ
 
جِلْدُهَا مُنْفِسَاتُهُ وَعَتَادُهْ٥٨١
فَرَّسَتْنَا سَوَابِقٌ كُنَّ فِيهِ
 
فَارَقَتْ لِبْدَهُ وَفِيهَا طِرَادُهْ٥٨٢
وَرَجَتْ رَاحَةً بِنَا لَا تَرَاهَا
 
وَبِلَادٌ تَسِيرُ فِيهَا بِلَادُهْ٥٨٣
هَلْ لِعُذْرِي عِنْدَ الْهُمَامِ أَبِي الْفَضْـ
 
ـلِ قَبُولٌ سَوَادُ عَيْنِي مِدَادُهْ٥٨٤
أَنَا مِنْ شِدَّةِ الْحَيَاءِ عَلِيلٌ
 
مَكْرُمَاتِ الْمُعِلِّهِ عُوَّادُهْ٥٨٥
مَا كَفَانِي تَقْصِيرُ مَا قُلْتُ فِيهِ
 
عَنْ عُلَاهُ حَتَّى ثَنَاهُ انْتِقَادُهْ٥٨٦
إِنَّنِي أَصْيَدُ الْبُزَاةِ وَلَكِنَّ
 
أَجَلَّ النُّجُومِ لَا أَصْطَادُهْ٥٨٧
رُبَّ مَا لَا يُعَبِّرُ اللَّفْظُ عَنْـ
 
ـهُ وَالَّذِي يُضْمِرُ الْفُؤَادُ اعْتِقَادُهْ٥٨٨
مَا تَعَوَّدْتُ أَنْ أَرَى كَأَبِي الْفَضْـ
 
ـلِ وَهَذَا الَّذِي أَتَاهُ اعْتِيَادُهْ٥٨٩
إِنَّ فِي الْمَوْجِ لِلْغَرِيقِ لَعُذْرًا
 
وَاضِحًا أَنْ يَفُوتَهُ تَعْدَادُهْ٥٩٠
لِلنَّدَى الْغَلْبُ إِنَّهُ فَاضَ وَالشِّعْـ
 
ـرُ عِمَادِي وَابْنُ الْعَمِيدِ عِمَادُهْ٥٩١
نَالَ ظَنِّي الْأُمُورَ إِلَّا كَرِيمًا
 
لَيْسَ لِي نُطْقُهُ وَلَا فِي آدُهْ٥٩٢
ظَالِمُ الْجُودِ كُلَّمَا حَلَّ رَكْبٌ
 
سِيمَ أَنْ تَحْمِلَ الْبِحَارَ مَزَادُهْ٥٩٣
غَمَرَتْنِي فَوَائِدٌ شَاءَ فِيهَا
 
أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مِمَّا أُفَادُهْ٥٩٤
مَا سَمِعْنَا بِمَنْ أَحَبَّ الْعَطَايَا
 
فَاشْتَهَى أَنْ يَكُونَ فِيهَا فُؤَادُهْ٥٩٥
خَلَقَ اللهُ أَفْصَحَ النَّاسِ طُرًّا
 
فِي مَكَانٍ أَعْرَابُهُ أَكْرَادُهْ٥٩٦
وَأَحَقَّ الْغُيُوثِ نَفْسًا بِحَمْدٍ
 
فِي زَمَانٍ كُلُّ النُّفُوسِ جَرَادُهْ٥٩٧
مِثْلَمَا أَحْدَثَ النُّبُوَّةَ فْي الْعَا
 
لَمِ وَالْبَعْثَ حِينَ شَاعَ فَسَادُهْ٥٩٨
زَانَتِ اللَّيْلَ غُرَّةُ الْقَمَرِ الطَّا
 
لِعِ فِيهِ وَلَمْ يَشِنْهُ سَوَادُهْ٥٩٩
كَثُرَ الْفِكْرُ كَيْفَ نُهْدِي كَمَا أَهْـ
 
ـدَتْ إِلَى رَبِّهَا الرَّئِيسِ عِبَادُهْ
وَالَّذِي عِنْدَنَا مِنَ الْمَالِ وَالْخَيْـ
 
ـلِ فَمِنْهُ هِبَاتُهُ وَقِيَادُهْ٦٠٠
فَبَعَثْنَا بِأَرْبَعِينَ مِهَارًا
 
كُلُّ مُهْرٍ مَيْدَانُهُ إِنْشَادُهْ٦٠١
عَدَدٌ عِشْتَهُ يَرَى الْجِسْمَ فِيهِ
 
أَرَبًا لَا يَرَاهُ فِيمَا يُزَادُهْ٦٠٢
فَارْتَبِطْهَا فَإِنَّ قَلْبًا نَمَاهَا
 
مَرْبَطٌ تَسْبِقُ الْجِيَادَ جِيَادُهْ٦٠٣

وورد عليه كتاب ابن العميد يتشوقه، فقال ارتجالًا:

بِكُتْبِ الْأَنَامِ كِتَابٌ وَرَدْ
 
فَدَتْ يَدَ كَاتِبِهِ كُلُّ يَدْ٦٠٤
يُعَبِّرُ عَمَّا لَهُ عِنْدَنَا
 
وَيَذْكُرُ مِنْ شَوْقِهِ مَا نَجِدْ٦٠٥
فَأَخْرَقَ رَائِيَهُ مَا رَأَى
 
وَأَبْرَقَ نَاقِدَهُ مَا انْتَقَدْ٦٠٦
إِذَا سَمِعَ النَّاسُ أَلْفَاظَهُ
 
خَلَقْنَ لَهُ فِي الْقُلُوبِ الْحَسَدْ٦٠٧
فَقُلْتُ، وَقَدْ فَرَسَ النَّاطِقِينَ:
 
كَذَا يَفْعَلُ الْأَسَدُ ابْنُ الْأَسَدْ٦٠٨

وورد عليه كتاب عضد الدولة يستزيره؛ فقال عند مسيره مودعًا ابن العميد سنة أربع وخمسين وثلاثمائة:

نَسِيتُ وَمَا أَنْسَى عِتَابًا عَلَى الصَّدِّ
 
وَلَا خَفَرًا زَادَتْ بِهِ حُمْرَةُ الْخَدِّ٦٠٩
وَلَا لَيْلَةً قَصَّرْتُهَا بِقَصُورَةٍ
 
أَطَالَتْ يَدِي فِي جِيدِهَا صُحْبَةَ الْعِقْدِ٦١٠
وَمَنْ لِي بِيَوْمٍ مِثْلِ يَوْمٍ كَرِهْتُهُ
 
قَرُبْتُ بِهِ عِنْدَ الْوَدَاعِ مِنَ الْبُعْدِ٦١١
وَأَنْ لَا يَخُصُّ الْفَقْدُ شَيْئًا فَإِنَّنِي
 
فَقَدْتُ فَلَمْ أَفْقِدْ دُمُوعِي وَلَا وَجْدِي٦١٢
تَمَنٍّ يَلَذُّ الْمُسْتَهَامُ بِمِثْلِهِ
 
وَإِنْ كَانَ لَا يُغْنِي فَتِيلًا وَلَا يُجْدِي٦١٣
وَغَيْظٌ عَلَى الْأَيَّامِ كَالنَّارِ فِي الْحَشَا
 
وَلَكِنَّهُ غَيْظُ الْأَسِيرِ عَلَى الْقِدِّ٦١٤
فَإِمَّا تَرَيْنِي لَا أُقِيمُ بِبَلْدَةٍ
 
فَآفَةُ غِمْدِي فِي دُلُوقِي وَفِي حَدِّي٦١٥
يَحُلُّ الْقَنَا يَوْم الطِّعَانِ بِعَقْوَتِي
 
فَأَحْرِمُهُ عِرْضِي وَأُطْعِمُهُ جِلْدِي٦١٦
تُبَدِّلُ أَيَّامِي وَعَيْشِي وَمَنْزِلِي
 
نَجَائِبُ لَا يُفْكِرْنَ فِي النَّحْسِ وَالسَّعْدِ٦١٧
وَأَوْجُهُ فِتْيَانٍ حَيَاءً تَلَثَّمُوا
 
عَلَيْهِنَّ لَا خَوْفًا مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ٦١٨
وَلَيْسَ حَيَاءُ الْوَجْهِ فِي الذِّئْبِ شِيمَةٌ
 
وَلَكِنَّهُ مِنْ شِيمَةِ الْأَسَدِ الْوَرْدِ٦١٩
إِذَا لَمْ تُجِزْهُمْ دَارَ قَوْمٍ مَوَدَّةٌ
 
أَجَازَ الْقَنَا، وَالْخَوْفُ خَيْرٌ مِنَ الْوُدِّ٦٢٠
يَحِيدُونَ عَنْ هَزْلِ الْمُلُوكِ إِلَى الَّذِي
 
تَوَفَّرَ مِنْ بَيْنَ الْمُلُوكِ عَلَى الْجِدِّ٦٢١
وَمَنْ يَصْحَبِ اسْمَ ابْنِ الْعَمِيدِ مُحَمَّدٍ
 
يَسِرْ بَيْنَ أَنْيَابِ الْأَسَاوِدِ وَالْأُسْدِ٦٢٢
يَمُرُّ مِنَ السُّمِّ الْوَحِيِّ بِعَاجِزٍ
 
وَيَعْبُرُ مِنْ أَفْوَاهِهِنَّ عَلَى دُرْدِ٦٢٣
كَفَانَا الرَّبِيعُ الْعِيسَ مِنْ بَرَكَاتِهِ
 
فَجَاءَتْهُ لَمْ تَسْمَعْ حُدَاءً سِوَى الرَّعْدِ٦٢٤
إِذَا مَا اسْتَجَبْنَ الْمَاءَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ
 
كَرِعْنَ بِسِبْتٍ فِي إِنَاءٍ مِنَ الْوَرْدِ٦٢٥
كَأَنَّا أَرَادَتْ شُكْرَنَا الْأَرْضُ عِنْدَهُ
 
فَلَمْ يُخْلِنَا جَوٌّ هَبَطْنَاهُ مِنْ رِفْدِ٦٢٦
لَنَا مَذْهَبُ الْعُبَّادِ فِي تَرْكِ غَيْرِهِ
 
وَإِتْيَانِهِ نَبْغِي الرَّغَائِبَ بِالزُّهْدِ٦٢٧
رَجَوْنَا الَّذِي يَرْجُونَ فِي كُلِّ جَنَّةٍ
 
بِأَرْجَانَ حَتَّى مَا يَئِسْنَا مِنَ الْخُلْدِ٦٢٨
تَعَرَّضُ لِلزُّوَّارِ أَعْنَاقُ خَيْلِهِ
 
تَعَرُّضَ وَحْشٍ خَائِفَاتٍ مِنَ الطَّرْدِ٦٢٩
وَتَلْقَى نَوَاصِيهَا الْمَنَايَا مُشِيحَةً
 
وُرُودَ قَطًا صُمٍّ تَشَايَحْنَ فِي وِرْدِ٦٣٠
وَتَنْسُبُ أَفْعَالُ السُّيُوفِ نُفُوسَهَا
 
إِلَيْهِ وَيَنْسُبْنَ السُّيُوفَ إِلَى الْهِنْدِ٦٣١
إِذَا الشُّرَفَاءُ الْبِيضُ مَتُّوا بِقَتْوِهِ
 
أَتَى نَسَبٌ أَعْلَى مِنَ الْأَبِ وَالْجَدِّ٦٣٢
فَتًى فَاتَتِ الْعَدْوَى مِنَ النَّاسِ عَيْنُهُ
 
فَمَا أَرْمَدَتْ أَجْفَانَهُ كَثْرَةُ الرُّمْدِ
وَخَالَفَهُمْ خَلْقًا وَخُلْقًا وَمَوْضِعًا
 
فَقَدْ جَلَّ أَنْ يُعْدَى بِشَيْءٍ وَأَنْ يُعْدِي٦٣٣
يُغَيِّرُ أَلْوَانَ اللَّيَالِي عَلَى الْعِدَى
 
بِمَنْشُورَةِ الرَّايَاتِ مَنْصُورَةِ الْجُنْدِ٦٣٤
إِذَا ارْتَقَبُوا صُبْحًا رَأَوْا قَبْلَ ضَوْئِهِ
 
كَتَائِبَ لَا يَرْدِ الصَّبَاحُ كَمَا تَرْدِي٦٣٥
وَمَبْثُوثَةً لَا تُتَّقَى بِطَلِيعَةٍ
 
وَلَا يُحْتَمَى مِنْهَا بِغَوْرٍ وَلَا نَجْدِ٦٣٦
يَغُصْنَ إِذَا مَا عُدْنَ فِي مُتَفَاقِدٍ
 
مِنَ الْكُثْرِ غَانٍ بِالْعَبِيدِ عَنِ الْحَشْدِ٦٣٧
حَثَتْ كُلُّ أَرْضٍ تُرْبَةً فِي غُبَارِهِ
 
فَهُنَّ عَلَيْهِ كَالطَّرَائِقِ فِي الْبُرْدِ٦٣٨
فَإِنْ يَكُنِ الْمَهْدِيُّ مَنْ بَانَ هَدْيُهُ
 
فَهَذا، وَإِلَّا فَالْهُدَى ذَا فَمَا الْمَهْدِي؟٦٣٩
يُعَلِّلُنَا هَذَا الزَّمَانُ بِذَا الْوَعْدِ
 
وَيَخْدَعُ عَمَّا فِي يَدَيْهِ مِنَ النَّقْدِ٦٤٠
هَلِ الْخَيْرُ شَيْءٌ لَيْسَ بِالْخَيْرِ غَائِبٌ
 
أَمِ الرُّشْدُ شَيْءٌ غَائِبٌ لَيْسَ بِالرُّشْدِ؟!٦٤١
أَأَحْزَمَ ذِي لُبٍّ وَأَكْرَمَ ذِي يَدٍ
 
وَأَشْجَعَ ذِي قَلْبٍ وَأَرْحَمَ ذِي كَبِدِ
وَأَحْسَنَ مُعْتَمٍّ جُلُوسًا وَرِكْبَةً
 
عَلَى الْمِنْبَرِ الْعَالِي أَوِ الْفَرَسِ النَّهْدِ٦٤٢
تَفَضَّلَتِ الْأَيَّامُ بِالْجَمْعِ بَيْنَنَا
 
فَلَمَّا حَمِدْنَا لَمْ تُدِمْنَا عَلَى الْحَمْدِ٦٤٣
جَعَلْنَ وَدَاعِي وَاحِدًا لِثَلَاثَةٍ
 
جَمَالِكَ وَالْعِلْمِ الْمُبَرِّحِ وَالْمَجْدِ٦٤٤
وَقَدْ كُنْتُ أَدْرَكْتُ الْمُنَى غَيْرَ أَنَّنِي
 
يُعَيِّرُنِي أَهْلِي بِإِدْرَاكِهَا وَحْدِي٦٤٥
وَكُلُّ شَرِيكٍ فِي السُّرُورِ بِمُصْبَحِي
 
أَرَى بَعْدَهُ مَنْ لَا يَرَى مِثْلَهُ بَعْدِي٦٤٦
فَجُدْ لِي بِقَلْبٍ إِنْ رَحَلْتُ فَإِنَّنِي
 
مُخَلِّفُ قَلْبِي عِنْدَ مَنْ فَضْلُهُ عِنْدِي٦٤٧
وَلَوْ فَارَقَتْ نَفْسِي إِلَيْكَ حَيَاتَهَا
 
لَقُلْتُ: أَصَابَتْ غَيْرَ مَذْمُومَةِ الْعَهْدِ٦٤٨

وقال يمدح عضد الدولة أبا شجاع ويذكر هزيمة وهشُوذان:

أَزَاَئِرٌ يَا خَيَالُ أَمْ عَائِدْ
 
أَمْ عِنْدَ مَوْلَاكَ أَنَّنِي رَاقِدْ٦٤٩
لَيْسَ كَمَا ظَنَّ غَشْيَةٌ عَرَضَتْ
 
فَجِئْتَنِي فِي خِلَالِهَا قَاصِدْ٦٥٠
عُدْ وَأَعِدْهَا فَحَبَّذَا تَلَفٌ
 
أَلْصَقَ ثَدْيِي بِثَدْيِكَ النَّاهِدْ٦٥١
وَجُدْتَ فِيهِ بِمَا يَشِحُّ بِهِ
 
مِنَ الشَّتِيتِ الْمُؤَشَّرِ الْبَارِدْ٦٥٢
إِذَا خَيَالَاتُهُ أَطَفْنَ بِنَا
 
أَضْحَكَهُ أَنَّنِي لَهَا حَامِدْ٦٥٣
وَقَالَ: إِنْ كَانَ قَدْ قَضَى أَرَبًا
 
مِنَّا فَمَا بَالُ شَوْقِهِ زَائِدْ٦٥٤
لَا أَجْحَدُ الْفَضْلَ رُبَّمَا فَعَلَتْ
 
مَا َلَمْ يَكُنْ فَاعِلًا وَلَا وَاعِدْ٦٥٥
لَا تَعْرِفُ الْعَيْنُ فَرْقَ بَيْنِهِمَا
 
كُلٌّ خَيَالٌ وِصَالُهُ نَافِدْ٦٥٦
يَا طَفْلَةَ الْكَفِّ عَبْلَةَ السَّاعِدْ
 
عَلَى الْبَعِيرِ الْمُقَلَّدِ الْوَاخِدْ٦٥٧
زِيدِي أَذَى مُهْجَتِي أَزِدْكِ هَوًى
 
فَأَجْهَلُ النَّاسِ عَاشِقٌ حَاقِدْ٦٥٨
حَكَيْتَ يَا لَيْلُ فَرْعَهَا الْوَارِدْ
 
فَاحْكِ نَوَاهَا لِجَفْنِيَ السَّاهِدْ٦٥٩
طَالَ بُكَائِي عَلَى تَذَكُّرِهَا
 
وَصُلْتَ حَتَّى كِلَاكُمَا وَاحِدْ٦٦٠
مَا بَالُ هَذِي النُّجُومِ حَائِرَةً
 
كَأَنَّهَا الْعُمْيُ مَا لَهَا قَائِدْ٦٦١
أَوْ عُصْبَةٌ مِنْ مُلُوكِ نَاحِيَةٍ
 
أَبُو شُجَاعٍ عَلَيْهِمِ وَاجِدْ٦٦٢
إِنْ هَرَبُوا أُدْرِكُوا وَإِنْ وَقَفُوا
 
خَشُوا ذَهَابَ الطَّرِيفِ وَالتَّالِدْ٦٦٣
فَهُمْ يُرَجُّونَ عَفْوَ مُقْتَدِرٍ
 
مُبَارَكِ الْوَجْهِ جَائِدٍ مَاجِدْ٦٦٤
أَبْلَجَ لَوْ عَاذَتِ الْحَمَامُ بِهِ
 
مَا خَشِيَتْ رَامِيًا وَلَا صَائِدْ
أَوْ رَعَتِ الْوَحْشُ وَهْيَ تَذْكُرُهُ
 
مَا رَاعَهَا حَابِلٌ وَلَا طَارِدْ٦٦٥
تُهْدِي لَهُ كُلُّ سَاعَةٍ خَبَرًا
 
عَنْ جَحْفَلٍ تَحْتَ سَيْفِهِ بَائِدْ٦٦٦
وَمُوضِعًا فِي فِتَانِ نَاجِيَةٍ
 
يَحْمِلُ فِي التَّاجِ هَامَةَ الْعَاقِدْ٦٦٧
يَا عَضُدًا رَبُّهُ بِهِ الْعَاضِدْ
 
وَسَارِيًا يَبْعَثُ الْقَطَا الْهَاجِدْ٦٦٨
وَمُمْطِرَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ مَعًا
 
وَأَنْتَ لَا بَارِقٌ وَلَا رَاَعِدْ٦٦٩
نِلْتَ وَمَا نِلْتَ مِنْ مَضَرَّةِ وَهْشُو
 
ذَانَ مَا نَالَ رَأْيُهُ الْفَاسِدْ٦٧٠
يَبْدَأُ مِنْ كَيْدِهِ بِغَايَتِهِ
 
وَإِنَّمَا الْحَرْبُ غَايَةُ الْكَائِدْ٦٧١
مَاذَا عَلَى مَنْ أَتَى يُحَارِبُكُمْ
 
فَذَمَّ مَا اخْتَارَ لَوْ أَتَى وَافِدْ
بِلَا سِلَاحٍ سِوَى رَجَائِكُمْ
 
فَفَازَ بِالنَّصْرِ، وَانْثَنَى رَاشِدْ٦٧٢
يُقَارِعُ الدَّهْرَ مَنْ يُقَارِعُكُمْ
 
عَلَى مَكَانِ الْمَسُودِ وَالسَّائِدْ٦٧٣
وَلَيْت يَوْمَيْ فَنَاءِ عَسْكَرِهِ
 
وَلَمْ تَكُنْ دَانِيًا وَلَا شَاهِدْ٦٧٤
وَلَمْ يَغِبْ غَائِبٌ خَلِيفَتُهُ
 
جَيْشُ أَبِيهِ وَجَدُّهُ الصَّاعِدْ٦٧٥
وَكُلُّ خَطِيَّةٍ مُثَقَّفَةٍ
 
يَهُزُّهَا مَارِدٌ عَلَى مَارِدْ٦٧٦
سَوَافِكٌ مَا يَدَعْنَ فَاصِلَةً
 
بَيْنَ طَرِيِّ الدِّمَاءِ وَالْجَاسِدْ٦٧٧
إِذَا الْمَنَايَا بَدَتْ فَدَعْوَتُهَا
 
أُبْدِلَ نُونًا بِدَالِهِ الْحَائِدْ٦٧٨
إِذَا دَرَى الْحِصْنُ مَنْ رَمَاهُ بِهَا
 
خَرَّ لَهَا فِي أَسَاسِهِ سَاجِدْ٦٧٩
مَا كَانَتِ الطرْمُ فِي عَجَاجَتِهَا
 
إِلَّا بَعِيرًا أَضَلَّهُ نَاشِدْ٦٨٠
تَسْأَلُ أَهْلَ الْقِلَاعِ عَنْ مَلِكٍ
 
قَدْ مَسَخَتْهُ نَعَامَةً شَارِدْ٦٨١
تَسْتَوْحِشُ الْأَرْضُ أَنْ تَقِرَّ بِهِ
 
فَكُلُّهَا مُنْكِرٌ لَهُ جَاحِدْ٦٨٢
فَلَا مُشَادٌ وَلَا مُشِيدٌ حَمَى
 
وَلَا مَشِيدٌ أَغْنَى وَلَا شَائِدْ٦٨٣
فَاغْتَظْ بِقَوْمٍ وَهْشُوذَ مَا خُلِقُوا
 
إِلَّا لِغَيْظِ الْعَدُوِّ وَالْحَاسِدْ٦٨٤
رَأَوْكَ لَمَّا بَلَوْكَ نَابِتَةً
 
يَأْكُلُهَا قَبْلَ أَهْلِهِ الرَّائِدْ٦٨٥
وَخَلِّ زِيًّا لِمَنْ يُحَقِّقُهُ
 
مَا كُلُّ دَامٍ جَبِينُهُ عَابِدْ٦٨٦
إِنْ كَانَ لَمْ يَعْمِدِ الْأَمِيرُ لِمَا
 
لَقِيتَ مِنْهُ فَيُمْنُهُ عَامِدْ٦٨٧
يُقْلِقُهُ الصُّبْحُ لَا يَرَى مَعَهُ
 
بُشْرَى بِفَتْحٍ كَأَنَّهُ فَاقِدْ٦٨٨
وَالْأَمْرُ لِلهِ رُبَّ مُجْتَهِدٍ
 
مَا خَابَ إِلَّا لِأَنَّهُ جَاهِدْ٦٨٩
وَمُتَّقٍ وَالسِّهَامُ مُرْسَلَةٌ
 
يَحِيدُ عَنْ حَابِضٍ إِلَى صَارِدْ٦٩٠
فَلَا يُبَلْ قَاتِلٌ أَعَادِيَهُ
 
أَقَائِمًا نَالَ ذَاكَ أَمْ قَاعِدْ٦٩١
لَيْتَ ثَنَائِي الَّذِي أَصُوغُ فِدَى
 
مَنْ صِيغَ فِيهِ فَإِنَّهُ خَالِدْ٦٩٢
لَوَيْتُهُ دُمْلُجًا عَلَى عَضُدٍ
 
لِدَوْلَةٍ رُكْنُهَا لَهُ وَالِدْ٦٩٣

وقال في صباه:

وَشَادِنٍ رُوحُ مَنْ يَهْوَاهُ فِي يَدِهِ
 
سَيْفُ الصُّدُودِ عَلَى أَعْلَى مُقَلَّدِهِ٦٩٤
مَا اهْتَزَّ مِنْهُ عَلَى عُضْوٍ لِيَبْتُرَهُ
 
إِلَّا اتَّقَاهُ بِتُرْسٍ مِنْ تَجَلُّدِهِ٦٩٥
ذَمَّ الزَّمَانُ إِلَيْهِ مِنْ أَحِبَّتِهِ
 
مَا ذَمَّ مِنْ بَدْرِهِ فِي حَمْدِ أَحْمَدِهِ٦٩٦
شَمْسٌ إِذَا الشَّمْسُ لَاقَتْهُ عَلَى فَرَسٍ
 
تَرَدَّدَ النُّورُ فِيهَا مِنْ تَرَدُّدِهِ٦٩٧
إِنْ يَقْبُحِ الْحُسْنُ إِلَّا عِنْدَ طَلْعَتِهِ
 
فَالْعَبْدُ يَقْبُحُ إِلَّا عِنْدَ سَيِّدِهِ٦٩٨
قَالَتْ: عَنِ الرِّفْدِ طِبْ نَفْسًا، فَقُلْتُ لَهَا:
 
لَا يَصْدُرُ الْحُرُّ إِلَّا بَعْدَ مَوْرِدِهِ٦٩٩
لَمْ أَعْرِفِ الَخَيْرَ إِلَّا مُذْ عَرَفْتُ فَتًى
 
لَمْ يُولَدِ الْجُودُ إِلَّا عِنْدَ مَوْلِدِهِ
نَفْسٌ تُصَغِّرُ نَفْسَ الدَّهْرِ مِنْ كِبَرٍ
 
لَهَا نُهَى كَهْلِهِ فِي سِنِّ أَمْرَدِهِ٧٠٠

قافية الراء

وقال يمدح سيف الدولة وقد سأله المسير معه لما سار لنصرة أخيه ناصر الدولة، وذلك سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة:

سِرْ، حَلَّ حَيْثُ تَحُلُّهُ النُّوَّارُ!
 
وَأَرَادَ فِيكَ مُرَادَكَ الْمِقْدَارُ١
وَإِذَا ارْتَحَلْتَ فَشَيَّعَتْكَ سَلَامَةٌ
 
حَيْثُ اتَّجَهْتَ وَدِيمَةٌ مِدْرَارُ٢
وَأَرَاكَ دَهْرُكَ مَا تُحَاوِلُ فِي الْعِدَى
 
حَتَّى كَأَنَّ صُرُوفَهُ أَنْصَارُ٣
وَصَدَرْتَ أَغْنَمَ صَادِرٍ عَنْ مَوْرِدٍ
 
مَرْفُوعَةً لِقُدُومِكَ الْأَبْصَارُ٤
أَنْتَ الَّذِي بَجِحَ الزَّمَانُ بِذِكْرِهِ
 
وَتَزَيَّنَتْ بِحَدِيثِهِ الْأَسْمَارُ٥
وَإِذَا تَنَكَّرَ فَالْفَنَاءُ عِقَابُهُ
 
وَإِذَا عَفَا فَعَطَاؤُهُ الْأَعْمَارُ٦
وَلَهُ وَإِنْ وَهَبَ الْمُلُوكُ مَوَاهِبٌ
 
دَرُّ الْمُلُوكِ لِدَرِّهَا أَغْبَارُ٧
لِلهِ قَلْبُكَ مَا يَخَافُ مِنَ الرَّدَى!
 
وَيَخَافُ أَنْ يَدْنُو إِلَيْكَ الْعَارُ٨
وَتَحِيدُ عَنْ طَبْعِ الْخَلَائِقِ كُلِّهِ
 
وَيِحِيدُ عَنْكَ الْجَحْفَلُ الْجَرَّارُ٩
يَا مَنْ يَعِزُّ عَلَى الْأَعِزَّةِ جَارُهُ
 
وَيَذِلُّ مِنْ سَطَوَاتِهِ الْجَبَّارُ١٠
كُنْ حَيْثُ شِئْتَ فَمَا تَحُولُ تَنُوفَةٌ
 
دُونَ اللِّقَاءِ وَلَا يَشِطُّ مَزَارُ١١
وَبِدُونِ مَا أَنَا مِنْ وِدَادِكَ مُضْمِرٌ
 
يُنْضَى الْمَطِيُّ وَيَقْرُبُ الْمُسْتَارُ١٢
إِنَّ الَّذِي خَلَّفْتُ خَلْفِي ضَائِعٌ
 
مَا لِي عَلَى قَلَقِي إِلَيْهِ خِيَارُ١٣
وَإِذَا صُحِبْتَ فَكُلُّ مَاءٍ مَشْرَبٌ
 
لَوْلَا الْعِيَالُ وَكُلُّ أَرْضٍ دَارُ١٤
إِذْنُ الْأَمِيرِ بِأَنْ أَعُودَ إِلَيْهِمِ
 
صِلَةٌ تَسِيرُ بِشُكْرِهَا الْأَشْعَارُ١٥

وخيره بين فرسين؛ دهماءَ وكُمَيت، فقال:

اخْتَرْتُ دَهْمَاءَ تَيْنِ يَا مَطَرُ
 
وَمَنْ لَهُ فِي الْفَضَائِلِ الْخِيَرُ١٦
وَرُبَّمَا فَالَتِ الْعُيُونُ وَقَدْ
 
يَصْدُقُ فِيهَا وَيَكْذِبُ النَّظَرُ١٧
أَنْتَ الَّذِي لَوْ يُعَابُ فِي مَلَأٍ
 
مَا عِيبَ إِلَّا بِأَنَّهُ بَشَرُ١٨
وَأَنَّ إِعْطَاءَهُ الصَّوارِمُ وَالْخَيْـ
 
ـلُ وَسُمْرُ الرِّمَاحِ وَالْعَكَرُ١٩
فَاضِحُ أَعْدَائِهِ كَأَنَّهُمُ
 
لَهُ يَقِلُّونَ كُلَّمَا كَثُرُوا٢٠
أَعَاذَكَ اللهُ مِنْ سِهَامِهِمِ
 
وَمُخْطِئٌ مَنْ رَمِيُّهُ الْقَمَرُ٢١
وجاءه رسول سيف الدولة برقعة فيها بيتان للعباس بن الأحنف٢٢ يسأله إجازتهما، فقال:
رِضَاكَ رِضَايَ الَّذِي أُوثِرُ
 
وَسِرُّكَ سِرِّي، فَمَا أُظْهِرُ؟!٢٣
كَفَتْكَ الْمُرُوءَةُ مَا تَتَّقِي
 
وَآمَنَكَ الْوُدُّ مَا تَحْذَرُ٢٤
وَسِرُّكُمُ فِي الْحَشَا مَيِّتٌ
 
إِذَا أُنْشِرَ السِّرُّ لَا يُنْشَرُ٢٥
كَأَنِّي عَصَتْ مُقْلَتِي فِيكُمُ
 
وَكَاتَمَتِ الْقَلْبَ مَا تُبْصِرُ٢٦
وَإِفْشَاءُ مَا أَنَا مُسْتَوْدَعٌ
 
مِنَ الْغَدْرِ، وَالْحُرُّ لَا يَغْدِرُ٢٧
إِذَا مَا قَدَرْتُ عَلَى نَطْقَةٍ
 
فَإِنِّي عَلَى تَرْكِهَا أَقْدَرُ٢٨
أُصَرِّفُ نَفْسِي كَمَا أَشْتَهِي
 
وَأَمْلِكُهَا وَالْقَنَا أَحْمَرُ٢٩
دَوَالَيْكَ يَا سَيْفَهَا دَوْلَةً
 
وَأَمْرَكَ يَا خَيْرَ مَنْ يَأْمُرُ٣٠
أَتَانِي رَسُولُكَ مُسْتَعْجِلًا
 
فَلَبَّاهُ شِعْرِي الَّذِي أَذْخَرُ
وَلَوْ كَانَ يَوْمَ وَغًى قَاتِمًا
 
لَلَبَّاهُ سَيْفِيَ وَالْأَشْقَرُ٣١
فَلَا غَفَلَ الدَّهْرُ عَنْ أَهْلِهِ
 
فَإِنَّكَ عَيْنٌ بِهَا يَنْظُرُ٣٢
وقال وقد استبطأ سيف الدولة مدحه وتنكر لذلك:٣٣
أَرَى ذَلِكَ الْقُرْبَ صَارَ ازْوِرَارَا
 
وَصَارَ طَوِيلُ السَّلَامِ اخْتِصَارَا٣٤
تَرَكْتَنِيَ الْيَوْمَ فِي خَجْلَةٍ
 
أَمُوتُ مِرَارًا وَأَحْيَا مِرَارَا٣٥
أُسَارِقُكَ اللَّحْظَ مُسْتَحْيِيًا
 
وَأَزْجُرُ فِي الْخَيْلِ مُهْرِي سِرَارَا٣٦
وَأَعْلَمُ أَنِّي إِذَا مَا اعْتَذَرْتُ
 
إِلَيْكَ أَرَادَ اعْتِذَارِي اعْتِذَارَا٣٧
كَفَرْتُ مَكَارِمَكَ الْبَاهِرَا
 
تِ إِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنِّي اخْتِيَارَا٣٨
وَلَكِنْ حَمَى الشِّعْرَ إِلَّا الْقَلِيـ
 
ـلَ هَمٌّ حَمَى النَّوْمَ إِلَّا غِرَارَا٣٩
وَمَا أَنَا أَسْقَمْتُ جِسْمِي بِهِ
 
وَمَا أَنَا أَضْرَمْتُ فِي الْقَلْبِ نَارَا٤٠
فَلَا تُلْزِمَنِّي ذُنُوبَ الزَّمَانِ
 
إِلَيَّ أَسَاءَ وَإِيَّايَ ضَارَا٤١
وَعِنْدِي لَكَ الشُّرُدُ السَّائِرَا
 
تُ لَا يَخْتَصِصْنَ مِنَ الْأَرْضِ دَارَا٤٢
قَوَافٍ إِذَا سِرْنَ عَنْ مِقْوَلِي
 
وَثَبْنَ الْجِبَالَ وَخُضْنَ الْبِحَارَا٤٣
وَلِي فِيكَ مَا لَمْ يَقُلْ قَائِلٌ
 
وَمَا لَمْ يَسْرِ قَمَرٌ حَيْثُ سَارَا
فَلَوْ خُلِقَ النَّاسُ مِنْ دَهْرِهِمْ
 
لَكَانُوا الظَّلَامَ وَكُنْتَ النَّهَارَا٤٤
أَشَدُّهُمُ فِي النَّدَى هِزَّةً
 
وَأَبْعَدُهُمْ فِي عَدُوٍّ مُغَارَا٤٥
سَمَا ِبَكَ هَمِّيَ فَوْقَ الْهُمُومِ
 
فَلَسْتُ أَعُدُّ يَسَارًا يَسَارَا٤٦
وَمَنْ كُنْتَ بَحْرًا لَهُ يَا عَلِيـْ
 
ـيُ لَمْ يَقْبَلِ الدُّرَّ إِلَّا كِبَارَا٤٧

وقال يهنئه بعيد الفطر:

الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ وَالْأَعْيَادُ وَالْعُصُرُ
 
مُنِيرَةٌ بِكَ حَتَّى الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ٤٨
تُرِي الْأَهِلَّةَ وَجْهًا عَمَّ نَائِلُهُ
 
فَمَا يُخَصُّ بِهِ مِنْ دُونِهَا الْبَشَرُ٤٩
مَا الدَّهْرُ عِنْدَكَ إِلَّا رَوْضَةٌ أُنُفٌ
 
يَا مَنْ شَمَائِلُهُ فِي دَهْرِهِ زَهَرُ٥٠
مَا يَنْتَهِي لَكَ فِي أَيَّامِهِ كَرَمٌ
 
فَلَا انْتَهَى لَكَ فِي أَعْوَامِهِ عُمُرُ٥١
فَإِنَّ حَظَّكَ مِنْ تَكْرَارِهَا شَرَفٌ
 
وَحَظَّ غَيْرِكَ مِنْهَا الشَّيْبُ وَالْكِبَرُ٥٢

وقال وقد جلس سيف الدولة لرسول ملك الروم ولم يصل إليه المتنبي لزحام الناس، فعاتبه سيف الدولة على تأخره وانقطاعه.

فقال المتنبي ارتجالًا، وذلك سنة ثلاث وأربعين وثلثمائة:

ظُلْمٌ لِذَا الْيَوْمِ وَصْفٌ قَبْلَ رُؤْيَتِهِ
 
لَا يَصْدُقُ الْوَصْفُ حَتَّى يَصْدُقَ النَّظَرُ٥٣
تَزَاحَمَ الْجَيْشُ حَتَّى لَمْ يَجِدْ سَبَبًا
 
إِلَى بِسَاطِكَ لِيْ سَمْعٌ وَلَا بَصَرُ
فَكُنْتُ أَشْهَدَ مُخْتَصٍّ وَأَغْيَبَهُ
 
مُعَايِنًا وَعَيَانِي كُلُّهُ خَبَرُ٥٤
الْيَوْمَ يَرْفَعُ مَلْكُ الرُّومِ نَاظِرَهُ
 
لِأَنَّ عَفْوَكَ عَنْهُ عِنْدَهُ ظَفَرُ٥٥
وَإِنْ أَجَبْتَ بِشَيْءٍ عَنْ رَسَائِلِهِ
 
فَمَا يَزَالُ عَلَى الْأَمْلَاكِ يَفْتَخِرُ٥٦
قَدِ اسْتَرَاحَتْ إِلَى وَقْتٍ رِقَابُهُمُ
 
مِنَ السُّيُوفِ وَبَاقِي الْقَوْمِ يَنْتَظِرُ٥٧
وَقَد تُبَدِّلُهَا بِالْقَوْمِ غَيْرَهُمُ
 
لِكَيْ تَجِمَّ رُءُوسُ الْقَوْمِ وَالْقَصَرُ٥٨
تَشْبِيهُ جُودِكَ بِالْأَمْطَارِ غَادِيَةً
 
جُودٌ لِكَفِّكَ ثَانٍ نَالَهُ الْمَطَرُ٥٩
تَكَسَّبُ الشَّمْسُ مِنْكَ النُّورَ طَالِعَةً
 
كَمَا تَكَسَّبَ مِنْهَا نُورَهُ الْقَمَرُ٦٠

وقال لما أوقع سيف الدولة ببني عقيل وقشير وبني العجلان وبني كلاب حين عاثوا في عمله وخالفوا عليه، ويذكر إجفالهم من بين يديه وظفره بهم، وله خبر طويل:

طِوَالُ قَنًا تُطَاعِنُهَا قِصَارُ
 
وَقَطْرُكَ فِي نَدًى وَوَغًى بِحَارُ٦١
وَفِيكَ إِذَا جَنَى الْجَانِي أَنَاةٌ
 
تُظَنُّ كَرَامَةً وَهِيَ احْتِقَارُ٦٢
وَأَخْذٌ لِلْحَوَاضِرِ وَالْبَوَادِي
 
بِضَبْطٍ لَمْ تُعَوَّدْهُ نِزَارُ٦٣
تَشَمَّمُهُ شَمِيمَ الْوَحْشِ إِنْسًا
 
وَتُنْكِرُهُ فَيَعْرُوهَا نِفَارُ٦٤
وَمَا انْقَادَتْ لِغَيْرِكَ فِي زَمَانٍ
 
فَتَدْرِي مَا الْمَقَادَةُ وَالصَّغَارُ٦٥
فَقَرَّحَتِ الْمَقَاوِدُ ذِفْرَيَيْهَا
 
وَصَعَّرَ خَدَّهَا هَذَا الْعِذَارُ٦٦
وَأَطْمَعَ عَامِرَ الْبُقْيَا عَلَيْهَا
 
وَنَزَّقَهَا احْتِمَالُكَ وَالْوَقَارُ٦٧
وَغَيَّرَهَا التَّرَاسُلُ وَالتَّشَاكِي
 
وَأَعْجَبَهَا التَّلَبُّبُ وَالْمُغَارُ٦٨
جِيَادٌ تَعْجِزُ الْأَرْسَانُ عَنْهَا
 
وَفُرْسَانٌ تَضِيقُ بِهَا الدِّيَارُ٦٩
وَكَانَتْ بِالتَّوَقُّفِ عَنْ رَدَاهَا
 
نُفُوسًا فِي رَدَاهَا تُسْتَشَاَرُ٧٠
وَكُنْتَ السَّيْفَ قَائِمُهُ إِلَيْهِمْ
 
وَفِي الْأَعْدَاءِ حَدُّكَ وَالْغِرَارُ
فَأَمْسَتْ بِالْبَدِيَّةِ شَفْرَتَاهُ
 
وَأَمْسَى خَلْفَ قَائِمِهِ الْحِيَارُ٧١
وَكَانَ بَنُو كِلَابٍ حَيْثُ كَعْبٌ
 
فَخَافُوا أَنْ يَصِيرُوا حَيْثُ صَارُوا٧٢
تَلَقَّوْا عِزَّ مَوْلَاهُمْ بِذُلٍّ
 
وَسَارَ إِلَى بَنِي كَعْبٍ وَسَارُوا٧٣
فَأَقْبَلَهَا الْمُرُوجَ مُسَوَّمَاتٍ
 
ضَوَامِرَ لَا هِزَالَ وَلَا شِيَارُ٧٤
تُثِيرُ عَلَى سَلَمْيَةَ مُسْبَطِرًّا
 
تَنَاكَرُ تحْتَهُ لَوْلَا الشِّعَارُ٧٥
عَجَاجًا تَعْثُرُ الْعِقْبَانُ فِيهِ
 
كَأَنَّ الْجَوَّ وَعْثٌ أَوْ خَبَارُ٧٦
وَظَلَّ الطَّعْنُ فِي الْخَيْلَيْنِ خَلْسًا
 
كَأَنَّ الْمَوْتَ بَيْنَهُمَا اخْتِصَارُ٧٧
فَلَزَّهُمُ الطِّرَادُ إِلَى قِتَالٍ
 
أَحَدُّ سِلَاحِهِمْ فِيهِ الْفِرَارُ٧٨
مَضَوْا مُتَسَابِقِي الْأَعْضَاءِ فِيهِ
 
لِأَرْؤُسِهِمْ بِأَرْجُلِهِمْ عِثَارُ٧٩
يَشُلُّهُمُ بِكُلِّ أَقَبَّ نَهْدٍ
 
لِفَارِسِهِ عَلَى الْخَيْلِ الْخِيَارُ٨٠
وَكُلِّ أَصَمَّ يَعْسِلُ جَانِبَاهُ
 
عَلَى الْكَعْبَيْنِ مِنْهُ دَمٌ مُمَارُ٨١
يُغَادِرُ كُلَّ مُلْتَفِتٍ إِلَيْهِ
 
وَلَبَّتُهُ لِثَعْلَبِهِ وَجَارُ٨٢
إِذَا صَرَفَ النَّهَارُ الضَّوْءَ عَنْهُمْ
 
دَجَا لَيْلَانِ: لَيْلٌ وَالْغُبَارُ
وَإِنْ جُنْحُ الظَّلَامِ انْجَابَ عَنْهُمْ
 
أَضَاءَ الْمَشْرَفِيَّةُ وَالنَّهَارُ٨٣
يُبَكِّي خَلْفَهُمْ دَثْرٌ بُكَاهُ
 
رُغَاءٌ أَوْ ثُؤَاجٌ أَوْ يُعَارُ٨٤
غَطَا بِالْعِثْيَرِ الْبَيْدَاءَ حَتَّى
 
تَحَيَّرَتِ الْمَتَالِي وَالْعِشَارُ٨٥
وَمَرُّوا بِالْجَبَاةِ يَضُمُّ فِيهَا
 
كِلَا الْجَيْشَيْنِ مِنْ نَقْعٍ إِزَارُ٨٦
وَجَاءُوا الصَّحْصَحَانِ بِلَا سُرُوجٍ
 
وَقَدْ سَقَطَ الْعِمَامَةُ وَالْخِمَارُ٨٧
وَأُرْهِقَتِ الْعَذَارَى مُرْدَفَاتٍ
 
وَأُوْطِئَتِ الْأُصَيْبِيَةُ الصِّغَارُ٨٨
وَقَدْ نُزِحَ الْغُوَيْرُ فَلَا غُوَيْرٌ
 
وَنِهْيَا وَالْبُيَيْضَةُ وَالْجِفَارُ٨٩
وَلَيْسَ بِغَيْرِ تَدْمُرَ مُسْتَغَاثٌ
 
وَتَدْمُرُ كَاسْمِهَا لَهُمُ دَمَارُ٩٠
أَرَادُوا أَنْ يُدِيرُوا الرَّأْيَ فِيهَا
 
فَصَبَّحَهُمْ بِرَأْيٍ لَا يُدَارُ٩١
وَجَيْشٍ كُلَّمَا حَارُوا بِأَرْضٍ
 
وَأَقْبَلَ أَقْبَلَتْ فِيهِ تَحَارُ٩٢
يَحُفُّ أَغَرَّ لَا قَوَدٌ عَلَيْهِ
 
وَلَا دِيَةٌ تُسَاقُ وَلَا اعْتِذَارُ٩٣
تُرِيقُ سُيُوفُهُ مُهَجَ الْأَعَادِي
 
وَكُلُّ دَمٍ أَرَاقَتْهُ جُبَارُ٩٤
فَكَانُوا الْأُسْدَ لَيْسَ لَهَا مَصَالٌ
 
عَلَى طَيْرٍ وَلَيْسَ لَهَا مَطَارُ٩٥
إِذَا فَاتُوا الرِّمَاحَ تَنَاوَلَتْهُمْ
 
بِأَرْمَاحٍ مِنَ الْعَطَشِ الْقِفَارُ٩٦
يَرَوْنَ الْمَوْتَ قُدَّامًا وَخَلْفًا
 
فَيَخْتَارُونَ وَالْمَوْتُ اضْطِرَارُ٩٧
إِذَا سَلَكَ السَّمَاوَةَ غَيْرُ هَادٍ
 
فَقَتْلَاهُمْ لِعَيْنَيْهِ مَنَارُ٩٨
وَلَوْ لَمْ تُبْقِ لَمْ تَعِشِ الْبَقَايَا
 
وَفِي الْمَاضِي لِمَنْ بَقِيَ اعْتِبَارُ٩٩
إِذَا لَمْ يُرْعِ سَيِّدُهُمْ عَلَيْهِمْ
 
فَمَنْ يُرْعِي عَلَيْهِمْ أَوْ يَغَارُ١٠٠
تُفَرِّقُهُمْ وَإِيَّاهُ السَّجَايَا
 
وَيَجْمَعُهُمْ وَإِيَّاهُ النِّجَارُ١٠١
وَمَالَ بِهَا عَلَى أَرَكٍ وَعُرْضٍ
 
وَأَهْلُ الرَّقَّتَيْنِ لَهَا مَزَارُ١٠٢
وَأُجْفَلَ بِالْفُرَاتِ بَنُو نُمَيْرٍ
 
وَزَأْرُهُمُ الَّذِي زَأَرُوُا خُوَارُ١٠٣
فَهُمْ حِزَقٌ عَلَى الْخَابُورِ صَرْعَى
 
بِهِمْ مِنْ شُرْبِ غَيْرِهِمِ خُمَارُ١٠٤
فَلَمْ يَسْرَحْ لَهُمْ فِي الصُّبْحِ مَالٌ
 
وَلَمْ تُوقَدُ لَهُمْ بِاللَّيْلِ نَارُ١٠٥
حِذَارَ فَتًى إِذَا لَمْ يَرْضَ عَنْهُمْ
 
فَلَيْسَ بِنَافِعٍ لَهُمُ الْحِذَارُ١٠٦
تَبِيتُ وُفُودُهُمْ تَسْرِي إِلَيْهِ
 
وَجَدْوَاهُ الَّتِي سَأَلُوا اغْتِفَارُ١٠٧
فَخَلَّفَهُمْ بِرَدِّ الْبِيضِ عَنْهُمْ
 
وَهَامُهُمُ لَهُ مَعَهُمْ مُعَارُ١٠٨
وَهُمْ مِمَّنْ أَذَمَّ لَهُمْ عَلَيْهِ
 
كَرِيمُ الْعِرْقِ وَالْحَسَبُ النُّضَارُ١٠٩
فَأَصْبَحَ بِالْعَوَاصِمِ مُسْتَقِرًّا
 
وَلَيْسَ لِبَحْرِ نَائِلِهِ قَرَارُ١١٠
وَأَضْحَى ذِكْرُهُ فِي كُلِّ أَرْضٍ
 
تُدَارُ عَلَى الْغِنَاءِ بِهِ الْعُقَارُ١١١
تَخِرُّ لَهُ الْقَبَائِلُ سَاجِدَاتٍ
 
وَتَحْمَدُهُ الْأَسِنَّةُ وَالشِّفَارُ١١٢
كَأَنَّ شُعَاعَ عَيْنِ الشَّمْسِ فِيهِ
 
فَفِي أَبْصَارِنَا مِنْهُ انْكِسَارُ١١٣
فَمَنْ طَلَبَ الطِّعَانَ فَذَا عَلِيٌّ
 
وَخَيْلُ اللهِ وَالْأَسَلُ الْحِرَارُ١١٤
يَرَاهُ النَّاسُ حَيْثُ رَأَتْهُ كَعْبٌ
 
بِأَرْضٍ مَا لِنَازِلِهَا اسْتِتَارُ
يُوَسِّطُهُ الْمَفَاوِزُ كُلَّ يَوْمٍ
 
طِلَابُ الطَّالِبِينَ لَا الِانْتِظَارُ١١٥
تَصَاهَلُ خَيْلُهُ مُتَجَاوِبَاتٍ
 
وَمَا مِنْ عَادَةِ الْخَيْلِ السِّرَارُ١١٦
بَنُو كَعْبٍ وَمَا أَثَّرْتَ فِيهِمْ
 
يَدٌ لَمْ يُدْمِهَا إِلَّا السِّوَارُ
بِهَا مِنْ قَطْعِهِ أَلَمٌ وَنَقْصٌ
 
وَفِيهَا مِنْ جَلَالَتِهِ افْتِخَارُ١١٧
لَهُمْ حَقٌّ بِشِرْكِكَ فِي نِزَارٍ
 
وَأَدْنَى الشِّرْكِ فِي أَصْلٍ جِوَارُ١١٨
لَعَلَّ بَنِيهِمِ لِبَنِيكَ جُنْدٌ
 
فَأَوَّلُ قُرَّحِ الْخَيْلِ الْمِهَارُ١١٩
وَأَنْتَ أَبَرُّ مَنْ لَوْ عُقَّ أَفْنَى
 
وَأَعْفَى مَنْ عُقُوبَتُهُ الْبَوَارُ١٢٠
وَأَقْدَرُ مَنْ يُهَيِّجُهُ انْتِصَارٌ
 
وَأَحْلَمُ مَنْ يُحَلِّمُهُ اقْتِدَارُ١٢١
وَمَا فِي سَطْوَةِ الْأَرْبَابِ عَيْبٌ
 
وَلَا فِي ذِلَّةِ الْعُبْدَانِ عَارُ١٢٢

وقال ارتجالًا يهجو سوارًا الديلمي وقد نزلوا منزلًا أصابهم فيه مطر وريح:

بَقِيَّةُ قَوْمٍ آذَنُوا بِبَوَارِ
 
وَأَنْضَاءُ أَسْفَارٍ كَشَرْبِ عُقَارِ١٢٣
نَزَلْنَا عَلَى حُكْمِ الرِّيَاحِ بِمَسْجِدٍ
 
عَلَيْنَا لَهَا ثَوْبا حَصًى وَغُبَارِ١٢٤
خَلِيلَيَّ مَا هَذَا مُنَاخًا لِمِثْلِنَا
 
فَشُدَّا عَلَيْهَا وَارْحَلَا بِنَهَارِ١٢٥
وَلَا تُنْكِرَا عَصْفَ الرِّيَاحِ فَإِنَّهَا
 
قِرَى كُلِّ ضَيْفٍ بَاتَ عِنْدَ سِوَارِ١٢٦

وقال في صباه وهو بيت مفرد، وروى قوم أنهما بيتان وهما:

إِذَا لَمْ تَجِدْ مَا يَبْتُرُ الْفَقْرَ قَاعِدًا
 
فَقُمْ وَاطْلُبِ الشَّيْءَ الَّذِي يَبْتُرُ الْعُمْرَا١٢٧
هُمَا خَلَّتَانِ ثَرْوَةٌ أَوْ مَنِيَّةٌ
 
لَعَلَّكَ أَنْ تُبْقِي بِوَاحِدَةٍ ذِكْرَا١٢٨

وقال في صباه في جعفر بن كيغلغ ولم ينشده إياها:

حَاشَى الرَّقِيبَ فَخَانَتْهُ ضَمَائِرُهُ
 
وَغَيَّضَ الدَّمْعَ فَانْهَلَّتْ بَوَادِرُهُ١٢٩
وَكَاتِمُ الْحُبِّ يَوْمَ الْبَيْنِ مُنْهَتِكٌ
 
وَصَاحِبُ الدَّمْعِ لَا تَخْفَى سَرَائِرُهُ١٣٠
لَوْلَا ظِبَاءُ عَدِيٍّ مَا شُغِفْتُ بِهِمْ
 
وَلَا بِرَبْرَبِهِمْ لَوْلَا جَآذِرُهُ١٣١
مِنْ كُلِّ أَحْوَرَ فِي أَنْيَابِهِ شَنَبٌ
 
خَمْرٌ يُخَامِرُهَا مِسْكٌ تُخَامِرُهُ١٣٢
نُعْجٌ مَحَاجِرُهُ دُعْجٌ نَوَاظِرُهُ
 
حُمْرٌ غَفَائِرُهُ سُودٌ غَدَائِرُهُ١٣٣
أَعَارَنِي سُقْمَ عَيْنَيْهِ وحَمَلَّنِي
 
مِنَ الْهَوَى ثِقْلَ مَا تَحْوِي مَآزِرُهُ١٣٤
يَا مَنْ تَحَكَّمَ فِي نَفْسِي فَعَذَّبَنِي
 
وَمَنْ فُؤَادِي عَلَى قَتْلِي يُضَافِرُهُ١٣٥
بِعَوْدَةِ الدَّوْلَةِ الْغَرَّاءِ ثَانِيَةً
 
سَلَوْتُ عَنْكَ وَنَامَ اللَّيْلَ سَاهِرُهُ١٣٦
مِنْ بَعْدِ مَا كَانَ لَيْلِي لَا صَبَاحَ لَهُ
 
كَأَنَّ أَوَّلَ يَوْمِ الْحَشْرِ آخِرُهُ١٣٧
غَابَ الْأَمِيرُ فَغَابَ الْخَيْرُ عَنْ بَلَدٍ
 
كَادَتْ لِفَقْدِ اسْمِهِ تَبْكِي مَنَابِرُهُ١٣٨
قَدِ اشْتَكَتْ وَحْشَةَ الْأَحْيَاءِ أَرْبُعُهُ
 
وَخَبَّرَتْ عَنْ أَسَى الْمَوْتَى مَقَابِرُهُ١٣٩
حَتَّى إِذَا عُقِدَتْ فِيهِ الْقِبَابُ لَهُ
 
أَهَلَّ لِلهِ بَادِيهِ وَحَاضِرُهُ١٤٠
وَجَدَّدَتْ فَرَحًا لَا الْغَمُّ يَطْرُدُهُ
 
وَلَا الصَّبَابَةُ فِي قَلْبٍ تُجَاوِرُهُ١٤١
إِذَا خَلَتْ مِنْكَ حِمْصٌ، لَا خَلَتْ أَبَدًا
 
فَلَا سَقَاهَا مِنَ الْوَسْمِيِّ بَاكِرُهُ١٤٢
دَخَلْتَهَا وَشُعَاعُ الشَّمْسِ مُتَّقِدٌ
 
وَنُورُ وَجْهِكَ بَيْنَ الْخَلْقِ بَاهِرُهُ١٤٣
فِي فَيْلَقٍ مِنْ حَدِيدٍ لَوْ قَذَفْتَ بِهِ
 
صَرْفَ الزَّمَانِ لَمَا دَارَتْ دَوَائِرُهُ١٤٤
تَمْضِي الْمَوَاكِبُ وَالْأَبْصَارُ شَاخِصَةٌ
 
مِنْهَا إِلَى الْمَلِكِ الْمَيْمُونِ طَائِرُهُ١٤٥
قَدْ حِرْنَ فِي بَشَرٍ فِي تَاجِهِ قَمَرٌ
 
فِي دِرْعِهِ أَسَدٌ تَدْمَى أَظَافِرُهُ١٤٦
حُلْوٍ خَلَائِقُهُ شُوسٍ حَقَائِقُهُ
 
تُحْصَى الْحَصَى قَبْلَ أَنْ تُحْصَى مَآثِرُهُ١٤٧
تَضِيقُ عَنْ جَيْشِهِ الدُّنْيَا وَلَو رَحُبَتْ
 
كَصَدْرِهِ لَمْ تَبِنْ فِيهَا عَسَاكِرُهُ١٤٨
إِذَا تَغَلْغَلَ فِكْرُ الْمَرْءِ فِي طَرَفٍ
 
مِنْ مَجْدِهِ غَرِقَتْ فِيهِ خَوَاطِرُهُ١٤٩
تَحْمَى السُّيُوفُ عَلَى أَعْدَائِهِ مَعَهُ
 
كَأَنَّهُنَّ بَنُوهُ أَوْ عَشَائِرُهُ١٥٠
إِذَا انْتَضَاهَا لِحَرْبٍ لَمْ تَدَعْ جَسَدًا
 
إِلَّا وَبَاطِنُهُ لِلْعَيْنِ ظَاهِرُهُ١٥١
فَقَدْ تَيَقَّنَ أَنَّ الْحَقَّ فِي يَدِهِ
 
وَقَدْ وَثِقْنَ بِأَنَّ اللهَ نَاصِرُهُ١٥٢
تَرَكْنَ هَامَ بَنِي عَوْفٍ وَثَعْلَبَةٍ
 
عَلَى رُءُوسٍ بِلَا نَاسٍ مَغَافِرُهُ١٥٣
فَخَاضَ بِالسَّيْفِ بَحْرَ الْمَوْتِ خَلْفَهُمُ
 
وَكَانَ مِنْهُ إِلَى الْكَعْبَيْنِ زَاخِرُهُ١٥٤
حَتَّى انْتَهَى الْفَرَسُ الْجَارِي وَمَا وَقَعَتْ
 
فِي الْأَرْضِ مِنْ جُثَثِ الْقَتْلَى حَوَافِرُهُ١٥٥
كَمْ مِنْ دَمٍ رَوِيَتْ مِنْهُ أَسِنَّتُهُ
 
وَمُهْجَةٍ وَلَغَتْ فِيهَا بَوَاتِرُهُ١٥٦
وَحَائِنٍ لَعِبَتْ سُمْرُ الرِّمَاحِ بِهِ
 
فَالْعَيْشُ هَاجِرُهُ وَالنَّسْرُ زَائِرُهُ١٥٧
مَنْ قَالَ: لَسْتَ بِخَيْرِ النَّاسِ كُلِّهِمِ
 
فَجَهْلُهُ بِكَ عِنْدَ النَّاسِ عَاذِرُهُ
أَوْ شَكَّ أَنَّكَ فَرْدٌ فِي زَمَانِهِمِ
 
بِلَا نَظِيرٍ فَفِي رُوحِي أُخَاطِرُهُ١٥٨
يَا مَنْ أَلُوذُ بِهِ فِيمَا أُؤَمِّلُهُ
 
وَمَنْ أَعُوذُ بِهِ مِمَّا أُحَاذِرُهُ١٥٩
وَمَنْ تَوَهَّمْتُ أَنَّ الْبَحْرَ رَاحَتُهُ
 
جُودًا وَأَنَّ عَطَايَاهُ جَوَاهِرُهُ
لَا يَجْبُرُ النَّاسُ عَظْمًا أَنْتَ كَاِسرُهُ
 
وَلَا يَهِيضُونَ عَظْمًا أَنْتَ جَابِرُهُ١٦٠

وقال يمدح أبا أحمد عبيد الله بن يحيى البحتري المنبجي:

أَرِيقُكِ أَمْ مَاءُ الْغَمَامَةِ أَمْ خَمْرُ
 
بِفِيَّ بَرُودٌ وَهْوَ فِي كَبِدِي جَمْرُ؟١٦١
أَذَا الْغُصْنُ أَمْ ذَا الدِّعْصُ أَمْ أَنْتِ فِتْنَةٌ؟
 
وَذَيَّا الَّذِي قَبَّلْتُهُ الْبَرْقُ أَمْ ثَغْرُ؟١٦٢
رَأَتْ وَجْهَ مَنْ أَهْوَى بِلَيْلٍ عَوَاذِلِي
 
فَقُلْنَ: نَرَى شَمْسًا وَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ١٦٣
رَأَيْنَ الَّتِي لِلسِّحْرِ فِي لَحَظَاتِهَا
 
سُيُوفٌ ظُبَاهَا مِنْ دَمِي أَبَدًا حُمْرُ١٦٤
تَنَاهَى سُكُونُ الْحُسْنِ فِي حَرَكَاتِهَا
 
فَلَيْسَ لِرَاءٍ وَجْهَهَا لَمْ يَمُتْ عُذْرُ١٦٥
إِلَيْكَ ابْنَ يَحْيَى بْنِ الْوَلِيدِ تَجَاوَزَتْ
 
بِيَ الْبِيدَ عِيسٌ لَحْمُهَا وَالدَّمُ الشِّعْرُ١٦٦
نَضَحْتُ بِذِكْرَاكُمْ حَرَارَةَ قَلْبِهَا
 
فَسَارَتْ وَطُولُ الْأَرْضِ فِي عَيْنِهَا شِبْرُ١٦٧
إِلَى لَيْثِ حَرْبٍ يُلْحِمُ اللَّيْثَ سَيْفُهُ
 
وَبَحْرِ نَدًى فِي مَوْجِهِ يَغْرَقُ الْبَحْرُ١٦٨
وَإِنْ كَانَ يُبْقِي جُودُهُ مِنْ تَلِيدِهِ
 
شَبِيهًا بِمَا يُبْقِي مِنَ الْعَاشِقِ الْهَجْرُ١٦٩
فَتًى كُلَّ يَوْمٍ تَحْتَوِي نَفْسَ مَالِهِ
 
رِمَاحُ الْمَعَالِي لَا الرُّدَيْنِيَّةُ السُّمْرُ١٧٠
تَبَاعَدَ مَا بَيْنَ السَّحَابِ وَبَيْنَهُ
 
فَنَائِلُهَا قَطْرٌ وَنَائِلُهُ غَمْرُ١٧١
وَلَوْ تَنْزِلُ الدُّنْيَا عَلَى حُكْمِ كَفِّهِ
 
لَأَصْبَحَتِ الدُّنْيَا وَأَكْثَرُهَا نَزْرُ١٧٢
أَرَاهُ صَغِيرًا قَدْرَهَا عُظْمُ قَدْرِهِ
 
فَمَا لِعَظِيمٍ قَدْرُهُ عِنْدَهُ قَدْرُ١٧٣
مَتَى مَا يُشِرْ نَحْوَ السَّمَاءِ بِوَجْهِهِ
 
تَخِرَّ لَهُ الشِّعْرَى وَيَنْخَسِفُ الْبَدْرُ١٧٤
تَرَ الْقَمَرَ الْأَرْضِيَّ وَالْمَلِكَ الَّذِي
 
لَهُ الْمُلْكُ بَعْدَ اللهِ وَالْمَجْدُ وَالذِّكْرُ١٧٥
كَثِيرُ سُهَادِ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ
 
يُؤَرِّقُهُ فِيمَا يُشَرِّفُهُ الْفِكْرُ١٧٦
لَهُ مِنَنٌ تُفْنِي الثَّنَاءَ كَأَنَّمَا
 
بِهِ أَقْسَمَتْ أَنْ لَا يُؤَدَّى لَهَا شُكْرُ١٧٧
أَبَا أَحْمَدٍ مَا الْفَخْرُ إِلَّا لِأَهْلِهِ
 
وَمَا لِامْرِئٍ لَمْ يُمْسِ مِنْ بُحْتُرٍ فَخْرُ١٧٨
هُمُ النَّاسُ إِلَّا أَنَّهُمْ مِنْ مَكَارِمٍ
 
يُغَنِّي بِهِمْ حَضْرٌ وَيَحْدُو بِهِمْ سَفْرُ١٧٩
بِمَنْ أَضْرِبُ الْأَمْثَالَ أَمْ مَنْ أَقِيسُهُ
 
إِلَيْكَ وَأَهْلُ الدَّهْرِ دُونَكَ وَالدَّهْرُ١٨٠

•••

وقال يرثي محمد بن إسحاق التنوخي:

إِنِّي لَأَعْلَمُ وَاللَّبِيبُ خَبِيرُ
 
أَنَّ الْحَيَاةَ وَإِنْ حَرَصْتَ غُرُورُ١٨١
وَرَأَيْتُ كُلًّا مَا يُعَلِّلُ نَفْسَهُ
 
بِتَعِلَّةٍ وَإِلَى الْفَنَاءِ يَصِيرُ١٨٢
أَمُجَاوِرَ الدِّيمَاسِ رَهْنَ قَرَارَةٍ
 
فِيهَا الضِّيَاءُ بِوَجْهِهِ وَالنُّورُ١٨٣
مَا كُنْتُ أَحْسَبُ قَبْلَ دَفْنِكَ فِي الثَّرَى
 
أَنَّ الْكَوَاكِبَ فِي التُّرَابِ تَغُورُ١٨٤
مَا كُنْتُ آمُلُ قَبْلَ نَعْشِكَ أَنْ أَرَى
 
رَضْوَى عَلَى أَيْدِي الرِّجَالِ تَسِيرُ١٨٥
خَرَجُوا بِهِ وَلِكُلِّ بَاكٍ خَلْفَهُ
 
صَعَقَاتُ مُوسَى يَوْمَ دُكَّ الطُّورُ١٨٦
وَالشَّمْسُ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ مَرِيضَةٌ
 
وَالْأَرْضُ وَاجِفَةٌ تَكَادُ تَمُورُ١٨٧
وَحَفِيفُ أَجْنِحَةِ الْمَلَائِكِ حَوْلَهُ
 
وَعُيُونُ أَهْلِ اللَّاذِقِيَّةِ صُورُ١٨٨
حَتَّى أَتَوْا جَدَثًا كَأَنَّ ضَرِيحَهُ
 
فِي قَلْبِ كُلِّ مُوَحِّدٍ مَحْفُورُ١٨٩
بِمُزَوَّدٍ كَفَنَ الْبِلَى مِنْ مُلْكِهِ
 
مُغْفٍ وَإِثْمِدُ عَيْنِهِ الْكَافُورُ١٩٠
فِيهِ الْفَصَاحَةُ وَالسَّمَاحَةُ وَالتُّقَى
 
وَالْبَأْسُ أَجْمَعُ وَالْحِجَا وَالْخِيرُ١٩١
كَفَلَ الثَّنَاءُ لَهُ بِرَدِّ حَيَاتِهِ
 
لَمَّا انْطَوَى فَكَأَنَّهُ مَنْشُورُ١٩٢
وَكَأَنَّمَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ذِكْرُهُ
 
وَكَأَنَّ عَازَرَ شَخْصُهُ الْمَقْبُورُ١٩٣

•••

واستزاده بنو عم الميت فقال ارتجالًا:

غَاضَتْ أَنَامِلُهُ وَهُنَّ بُحُورُ
 
وَخَبَتْ مَكَايِدُهُ وَهُنَّ سَعِيرُ١٩٤
يُبْكَى عَلَيْهِ وَمَا اسْتَقَرَّ قَرَارُهُ
 
فِي اللَّحْدِ حَتَّى صَافَحَتْهُ الْحُورُ١٩٥
صَبْرًا بَنِي إِسْحَاقَ عَنْهُ تَكَرُّمًا
 
إِنَّ الْعَظِيمَ عَلَى الْعَظِيمِ صَبُورُ١٩٦
فَلِكُلِّ مَفْجُوعٍ سِوَاكُمْ مُشْبِهٌ
 
وَلِكُلِّ مَفْقُودٍ سِوَاهُ نَظِيرُ١٩٧
أَيَّامَ قَائِمُ سَيْفِهِ فِي كَفِّهِ الْـ
 
ـيُمْنَى وَبَاعُ الْمَوْتِ عَنْهُ قَصِيرُ١٩٨
وَلَطالَمَا انْهَمَلَتْ بِمَاءٍ أَحْمَرٍ
 
فِي شَفْرَتَيْهِ جَمَاجِمٌ وَنُحُورُ١٩٩
فَأُعِيذُ إِخْوَتَهُ بِرَبِّ مُحَمَّدٍ
 
أَنْ يَحْزَنُوا وَمُحَمَّدٌ مَسْرُورُ٢٠٠
أَوْ يَرْغَبُوا بِقُصُورِهِمْ عَنْ حُفْرَةٍ
 
حَيَّاهُ فِيهَا مُنْكَرٌ وَنَكِيرُ٢٠١
نَفَرٌ إِذَا غَابَتْ غُمُودُ سُيُوفِهِمْ
 
عَنْهَا فَآجَالُ الْعِبَادِ حُضُورُ٢٠٢
وَإِذَا لَقُوا جَيْشًا تَيَقَّنَ أَنَّهُ
 
مِنْ بَطْنِ طَيْرِ تَنُوفَةٍ مَحْشُورُ٢٠٣
لَمْ تُثْنَ فِي طَلَبٍ أَعِنَّةُ خَيَلِهِمْ
 
إِلَّا وَعُمْرُ طَرِيدِهَا مَبْتُورُ٢٠٤
يَمَّمْتُ شَاسِعَ دَارِهِمْ عَنْ نِيَّةٍ
 
إِنَّ الْمُحِبَّ عَلَى الْبِعَادِ يَزُورُ٢٠٥
وَقَنِعْتُ بِاللُّقْيَا وَأَوَّلِ نَظْرَةٍ
 
إِنَّ الْقَلِيلَ مِنَ الْحَبِيبِ كَثِيرُ٢٠٦

وسأله بنو عم الميت أن ينفي الشماتة عنهم، فقال ارتجالًا:

أَلِآلِ إِبْرَاهِيمَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ
 
إِلَّا حَنِينٌ دَائِمٌ وَزَفِيرُ٢٠٧
مَا شَكَّ خَابِرُ أَمْرِهِمْ مِنْ بَعْدِهِ
 
أَنَّ الْعَزَاءَ عَلَيْهِمُ مَحْظُورُ٢٠٨
تُدْمِي خُدُودَهُمُ الدُّمُوعُ وَتَنْقَضِي
 
سَاعَاتُ لَيْلِهِمِ وَهُنَّ دُهُورُ٢٠٩
أَبْنَاءُ عَمٍّ كُلُّ ذَنْبٍ لِامْرِئٍ
 
إِلَّا السِّعَايَةَ بَيْنَهْمُ مَغْفُورُ٢١٠
طَارَ الْوُشَاةُ عَلَى صَفَاءِ وِدَادِهِمْ
 
وَكَذَا الذُّبَابُ عَلَى الطَّعَامِ يَطِيرُ٢١١
وَلَقَدْ مَنَحْتُ أَبَا الْحُسَيْنِ مَوَدَّةً
 
جُودِي بِهَا لِعَدُوِّهِ تَبْذِيرُ٢١٢
مَلِكٌ تَصَوَّرَ كَيْفَ شَاءَ كَأَنَّمَا
 
يَجْرِي بِفَصْلِ قَضَائِهِ الْمَقْدُورُ٢١٣

•••

وقال ارتجالًا في أبي الحسين بن إبراهيم وقد دخل عليه وهو يشرب:

مَرَتْكَ ابْنَ إِبْرَاهِيمَ صَافِيَةُ الْخَمْرِ
 
وَهُنِّئْتَهَا مِنْ شَارِبٍ مُسْكرِ السُّكْرِ٢١٤
رَأَيْتُ الْحُمَيَّا فِي الزُّجَاجِ بِكَفِّهِ
 
فَشَبَّهْتُهَا بِالشَّمْسِ فِي الْبَدْرِ فِي الْبَحْرِ٢١٥
إِذَا مَا ذَكَرْنَا جُودَهُ كَانَ حَاضِرًا
 
نَأَى أَوْ دَنَا يَسْعَى عَلَى قَدَمِ الْخِضْرِ٢١٦

•••

وقال ارتجالًا وقد دخل على بدر بن عمار يومًا فوجده خاليًا، وقد أمر الغلمان أن يحجبوا الناس عنه ليخلو للشراب:

أَصْبَحْتَ تَأْمُرُ بِالْحِجَابِ لِخِلْوَةٍ
 
هَيْهَاتَ لَسْتَ عَلَى الْحِجَابِ بِقَادِرِ
مَنْ كَانَ ضَوْءُ جَبِينِهِ وَنَوَالُهُ
 
لَمْ يُحْجَبَا لَمْ يَحْتَجِبْ عَنْ نَاظِرِ٢١٧
فَإِذَا احْتَجَبْتَ فَأَنْتَ غَيْرُ مُحَجَّبٍ
 
وَإِذَا بَطَنْتَ فَأَنْتَ عَيْنُ الظَّاهِرِ٢١٨

وقال وقد أخذ الشراب منه عند بدر وأراد الانصراف فلم يقدر على الكلام، فقال هذين البيتين وهو لا يدري:

نَالَ الَّذِي نِلْتُ مِنْهُ مِنِّي
 
لِلهِ مَا تَصْنَعُ الْخُمُورُ!٢١٩
وَذَا انْصِرَافِي إِلَى مَحَلِّي
 
أَآذِنٌ أَيُّهَا الْأَمِيرُ

•••

وقال يصف لعبة في صورة جارية؛ وذلك أنه كان لبدر بن عمار جليس أعور يعرف بابن كروس، يحسد أبا الطيب لما كان يشاهده من سرعة خاطره؛ لأنه لم يكن شيء يجري في المجلس إلا ارتجل فيه شعرًا، فقال الأعور لبدر: أظنه يعمل هذا قبل حضوره ويعدِّه، فقال بدر: مثل هذا لا يجوز، وأنا أمتحنه بشيء أحضره للوقت؛ فلما كمل المجلس ودارت الكئوس أخرج لعبة لها شعر في طولها، تدور على لولب، وإحدى رجليها مرفوعة، وفي يدها طاقة ريحان؛ فإذا وقفت حذاء إنسان شرب فدارت؛ فقال ارتجالًا:

وَجَارِيَةٍ شَعْرُهَا شَطْرُهَا
 
مُحَكَّمَةٍ نَافِذٍ أَمْرُهَا٢٢٠
تَدُورُ وَفِي كَفِّهَا طَاقَةٌ
 
تَضَمَّنَهَا مُكْرَهًا شِبْرُهَا٢٢١
فَإِنْ أَسْكَرَتْنَا فَفِي جَهْلِهَا
 
بِمَا فَعَلَتْهُ بِنَا عُذْرُهَا٢٢٢

•••

وقال في بدر أيضًا وقد وقفت هذه الجارية حذاءه:

إِنَّ الْأَمِيرَ أَدَامَ اللهُ دَوْلَتَهُ
 
لَفَاخِرٌ كُسِيَتْ فَخْرًا بِهِ مُضَرُ٢٢٣
فِي الشَّرْبِ جَارِيَةٌ مِنْ تَحْتِهَا خَشَبٌ
 
مَا كَانَ وَالِدَهَا جِنٌّ وَلَا بَشَرُ٢٢٤
قَامَتْ عَلَى فَرْدِ رِجْلٍ مِنْ مَهَابَتِهِ
 
وَلَيْسَ تَعْقِلُ مَا تَأْتِي وَمَا تَذَرُ٢٢٥

وقال لبدر: ما حملك على إحضار اللعبة؟ فقال: أردت أن أنفي الظنة عن أدبك، فقال:

زَعَمْتَ أَنَّكَ تَنْفِي الظَّنَّ عَنْ أَدَبِي
 
وَأَنْتَ أَعْظَمُ أَهْلِ الْعَصْرِ مِقْدَارَا٢٢٦
إِنِّي أَنَا الذَّهَبُ الْمَعْرُوفُ مَخْبَرُهُ
 
يَزِيدُ فِي السَّبْكِ لِلدِّينَارِ دِينَارَا٢٢٧

فقال بدر: بل للدينار قنطارًا، فقال:

بِرَجَاءِ جُودِكَ يُطْرَدُ الْفَقْرُ
 
وَبِأَنْ تُعَادَى يَنْفَدُ الْعُمْرُ٢٢٨
فَخَرَ الزُّجَاجُ بِأَنْ شَرِبْتَ بِهِ
 
وَزَرَتْ عَلَى مَنْ عَافَهَا الْخَمْرُ٢٢٩
وَسَلِمْتَ مِنْهَا وَهْيَ تُسْكِرُنَا
 
حَتَّى كَأَنَّكَ هَابَكَ السُّكْرُ٢٣٠
مَا يُرْتَجَى أَحَدٌ لِمَكْرُمَةٍ
 
إِلَّا الْإِلَهُ وَأَنْتَ يَا بَدْرُ

وأراد الارتحال عن علي بن أحمد الخراساني فقال:

لَا تُنْكِرَنَّ رَحِيلِي عَنْكَ فِي عَجَلٍ
 
فَإِنَّنِي لِرَحِيلِي غَيْرُ مُخْتَارِ
وَرُبَّمَا فَارَقَ الْإِنْسَانُ مُهْجَتَهُ
 
يَوْمَ الْوَغَى غَيْرَ قَالٍ خَشْيَةَ الْعَارِ٢٣١
وَقَدْ مُنِيتُ بِحُسَّادٍ أُحَارِبُهُمْ
 
فَاجْعَلْ نَدَاكَ عَلَيْهِمْ بَعْضَ أَنْصَارِي٢٣٢

وقال يصف مسيره في البوادي وما لقي في أسفاره ويذم الأعور بن كروس:

عَذِيرِي مِنْ عَذَارَى مِنْ أُمُورِ
 
سَكَنَّ جَوَانِحِي بَدَلَ الْخُدُورِ٢٣٣
وَمُبْتَسِمَاتِ هَيْجَاوَاتِ عَصْرٍ
 
عَنِ الْأَسْيَافِ لَيْسَ عَنِ الثُّغُورِ٢٣٤
رَكِبْتُ مُشَمِّرًا قَدَمِي إِلَيْهَا
 
وَكُلَّ عَذَافِرٍ قَلِقِ الضُّفُورِ٢٣٥
أَوَانًا فِي بُيُوتِ الْبَدْوِ رَحْلِي
 
وَآوِنَةً عَلَى قَتَدِ الْبَعِيرِ٢٣٦
أُعَرِّضُ لِلرِّمَاحِ الصُّمِّ نَحْرِي
 
وَأَنْصِبُ حُرَّ وَجْهِي لِلْهَجِيرِ٢٣٧
وَأَسْرِي فِي ظَلَامِ اللَّيْلِ وَحْدِي
 
كَأَنِّي مِنْهُ فِي قَمَرٍ مُنِيرِ٢٣٨
فَقُلْ فِي حَاجَةٍ لَمْ أَقْضِ مِنْهَا
 
عَلَى شَغَفِي بِهَا شَرْوَى نَقِيرِ٢٣٩
وَنَفْسٍ لَا تُجِيبُ إِلَى خَسِيسٍ
 
وَعَيْنٍ لَا تُدَارُ عَلَى نَظِيرِ٢٤٠
وَكَفٍّ لَا تُنَازِعُ مَنْ أَتَانِي
 
يُنَازِعُنِي سِوَى شَرَفِي وَخِيرِي٢٤١
وَقِلَّةِ نَاصِرٍ جُوزِيتَ عَنِّي
 
بِشَرٍّ مِنْكَ يَا شَرَّ الدُّهُورِ٢٤٢
عَدُوِّي كُلُّ شَيْءٍ فِيكَ حَتَّى
 
لَخِلْتُ الْأُكْمَ مُوغَرَةَ الصُّدُورِ٢٤٣
فَلَوْ أَنِّي حُسِدْتُ عَلَى نَفِيسٍ
 
لَجُدْتُ بِهِ لِذِي الْجَدِّ الْعَثُورِ
وَلَكِنِّي حُسِدْتُ عَلَى حَيَاتِي
 
وَمَا خَيْرُ الْحَيَاةِ بِلَا سُرُورِ٢٤٤
فَيَا ابْنَ كَرَوَّسٍ يَا نِصْفَ أَعْمَى
 
وَإِنْ تَفْخَرْ فَيَا نِصْفَ الْبَصِيرِ٢٤٥
تُعَادِينَا لِأَنَّا غَيْرُ لُكْنٍ
 
وَتُبْغِضُنَا لِأَنَّا غَيْرُ عُورِ٢٤٦
فَلَوْ كُنْتَ امْرَأً يُهْجَى هَجَوْنَا
 
وَلَكِنْ ضَاقَ فِتْرٌ عَنْ مَسِيرِ٢٤٧

وقال يمدح أبا محمد الحسين بن عبد الله بن طغج:

وَوَقْتٍ وَفَى بِالدَّهْرِ لِي عِنْدَ وَاحِدٍ
 
وَفَى لِي بِأَهْلِيهِ وَزَادَ كَثِيرَا٢٤٨
شَرِبْتُ عَلَى اسْتِحْسَانِ ضَوْءِ جَبِينِهِ
 
وَزَهْرٍ تَرَى لِلْمَاءِ فِيهِ خَرِيرَا
غَدَا النَّاسُ مِثْلَيْهِمْ بِهِ لَا عَدِمْتُهُ
 
وَأَصْبَحَ دَهْرِي فِي ذُرَاهُ دُهُورَا٢٤٩

•••

وقال وقد كره الشرب وكثر البخور وارتفعت رائحة الند والأصوات بمجلسه:

أَنَشْرُ الْكِبَاءِ وَوَجْهُ الْأَمِيرِ
 
وَصَوْتُ الْغِنَاءِ وَصَافِي الْخُمُورِ٢٥٠
فَدَاوِ خُمَارِي بِشُرْبِي لَهَا
 
فَإِنِّي سَكِرْتُ بِشُرْبِ السُّرُورِ٢٥١

وقال أبو محمد يومًا: إن أباه استخفى مرة، فعرفه رجل يهودي، فقال:

لَا تَلُومَنَّ الْيَهُودِيَّ عَلَى
 
أَنْ يَرَى الشَّمْسَ فَلَا يُنْكِرُهَا
إِنَّمَا اللَّوْمُ عَلَى حَاسِبِهَا
 
ظُلَمَةً مِنْ بَعْدِ مَا يُبْصِرُهَا٢٥٢

وسئل عما ارتجله فيه من الشعر، فأعاده؛ فعجبوا من حفظه إياه، فقال:

إِنَّمَا أَحْفَظُ الْمَدِيحَ بِعَيْنِي
 
لَا بِقَلْبِي لِمَا أَرَى فِي الْأَمِيرِ
مِنْ خِصَالٍ إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهَا
 
نَظَمَتْ لِي غَرَائِبَ الْمَنْثُورِ٢٥٣

•••

وعاتبه أبو محمد على تركه مدحه فقال:

تَرْكُ مَدْحِيكَ كَالْهِجَاءِ لِنَفْسِي
 
وَقَلِيلٌ لَكَ الْمَدِيحُ الْكَثِيرُ٢٥٤
غَيْرَ أَنِّي تَرَكْتُ مُقْتَضَبَ الشِّعْـ
 
ـرِ لِأَمْرٍ مِثْلِي بِهِ مَعْذُورُ٢٥٥
وَسَجَايَاكَ مَادِحَاتُكَ لَا لَفْـ
 
ـظِي وَجُودٌ عَلَى كَلَامِي يُغِيرُ٢٥٦
فَسَقَى اللهُ مَنْ أُحِبُّ بِكَفَّيْـ
 
ـكَ وَأَسْقَاكَ أَيُّهَذَا الْأَمِيرُ٢٥٧

•••

وقال عند منصرفه من مصر وقد وصل إلى البسيطة، فرأى بعض غلمانه ثورًا، فقال: هذه منارة الجامع، ورأى آخر نعامة في البرية، فقال: هذه نخلة؛ فضحك أبو الطيب وقال:

بُسَيْطَةُ مَهْلًا سُقِيتِ الْقِطَارَا
 
تَرَكْتِ عُيُونَ عَبِيدِي حَيَارَى٢٥٨
فَظَنُّوا النَّعَامَ عَلَيْكِ النَّخِيلَ
 
وَظَنُّوا الصِّوَارَ عَلَيْكِ الْمَنَارَا٢٥٩
فَأَمْسَكَ صَحْبِي بِأَكْوَارِهِمْ
 
وَقَدْ قَصَدَ الضِّحْكُ فِيهِمْ وَجَارَا٢٦٠

•••

وقال يمدح علي بن أحمد بن عامر الأنطاكي:

أُطَاعِنُ خَيْلًا مِنْ فَوَارِسِهَا الدَّهْرُ
 
وَحِيدًا وَمَا قَوْلِي كَذَا وَمَعِي الصَّبْرُ٢٦١
وَأَشْجَعُ مِنِّي كُلَّ يَوْمٍ سَلَامَتِي
 
وَمَا ثَبَتَتْ إِلَّا وَفِي نَفْسِهَا أَمْرُ٢٦٢
تَمَرَّسْتُ بِالْآفَاتِ حَتَّى تَرَكْتُهَا
 
تَقُولُ: أَمَاتَ الْمَوْتُ أَمْ ذُعِرَ الذُّعْرُ؟٢٦٣
وَأَقْدَمْتُ إِقْدَامَ الْأَتِيِّ كَأَنَّ لِي
 
سِوَى مُهْجَتِي أَوْ كَانَ لِي عِنْدَهَا وِتْرُ٢٦٤
ذَرِ النَّفْسَ تَأْخُذْ وُسْعَهَا قَبْلَ بَيْنِهَا
 
فَمُفْتَرِقٌ جَارَانِ دَارُهُمَا الْعُمْرُ٢٦٥
وَلَا تَحْسَبَنَّ الْمَجْدَ زِقًّا وَقِينَةً
 
فَمَا الْمَجْدُ إِلَّا السَّيْفُ وَالْفَتْكَةُ الْبِكْرُ٢٦٦
وَتَضْرِيبُ أَعْنَاقِ الْمُلُوكِ وَأَنْ تُرَى
 
لَكَ الْهَبَوَاتُ السُّودُ وَالْعَسْكَرُ الْمَجْرُ٢٦٧
وَتَرْكُكَ فِي الدُّنْيَا دَوِيًّا كَأَنَّمَا
 
تَدَاوَلَ سَمْعَ الْمَرْءِ أَنْمُلُهُ الْعَشْرُ٢٦٨
إِذَا الْفَضْلُ لَمْ يَرْفَعْكَ عَنْ شُكْرِ نَاقِصٍ
 
عَلَى هِبَةٍ فَالْفَضْلُ فِيمَنْ لَهُ الشُّكْرُ٢٦٩
وَمَنْ يُنْفِقِ السَّاعَاتِ فِي جَمْعِ مَالِهِ
 
مَخَافَةَ فَقْرٍ فَالَّذِي فَعَلَ الْفَقْرُ٢٧٠
عَلَيَّ لِأَهْلِ الْجَوْرِ كُلُّ طِمِرَّةٍ
 
عَلَيْهَا غُلَامٌ مِلْءُ حَيْزُومِهِ غِمْرُ٢٧١
يُدِيرُ بِأَطْرَافِ الرِّمَاحِ عَلَيْهِمِ
 
كُئُوسَ الْمَنَايَا حَيْثُ لَا تُشْتَهَى الْخَمْرُ٢٧٢
وَكَمْ مِنْ جِبَالٍ جُبْتُ تَشْهَدُ أَنَّنِي الْـ
 
ـجِبَالُ وَبَحْرٍ شَاهِدٍ أَنَّنِي الْبَحْرُ!٢٧٣
وَخَرْقٍ مَكَانُ الْعِيسِ مِنْهُ مَكَانُنَا
 
مِنَ الْعِيسِ فِيهِ وَاسِطُ الْكُورِ وَالظَّهْرُ٢٧٤
يَخِدْنَ بِنَا فِي جَوْزِهِ وَكَأَنَّنَا
 
عَلَى كُرَةٍ أَوْ أَرْضُهُ مَعَنَا سَفْرُ٢٧٥
وَيَوْمٍ وَصَلْنَاهُ بِلَيْلٍ كَأَنَّمَا
 
عَلَى أُفْقِهِ مِنْ بَرْقِهِ حُلَلٌ حُمْرُ٢٧٦
وَلَيْلٍ وَصَلْنَاهُ بِيَوْمٍ كَأَنَّمَا
 
عَلَى مَتْنِهِ مِنْ دَجْنِهِ حُلَلٌ خُضْرُ٢٧٧
وَغَيْثٍ ظَنَنَّا تَحْتَهُ أَنَّ عَامِرًا
 
عَلَا لَمْ يَمُتْ أَوْ فِي السَّحَابِ لَهُ قَبْرُ٢٧٨
أَوِ ابْنَ ابْنِهِ الْبَاقِي عَلِيَّ بْنَ أَحْمَدٍ
 
يَجُودُ بِهِ لَوْ لَمْ أَجُزْ وَيَدِي صِفْرُ٢٧٩
وَإِنَّ سَحَابًا جَوْدُهُ مِثْلُ جُودِهِ
 
سَحَابٌ عَلَى كُلِّ السِّحَابِ لَهُ فَخْرُ٢٨٠
فَتًى لَا يَضُمُّ الْقَلْبُ هِمَّاتِ قَلْبِهِ
 
وَلَوْ ضَمَّهَا قَلْبٌ لَمَا ضَمَّهُ صَدْرُ٢٨١
وَلَا يَنْفَعُ الْإِمْكَانُ لَوْلَا سَخَاؤُهُ
 
وَهَلْ نَافِعٌ لَوْلَا الْأَكُفُّ الْقَنَا السُّمْرُ٢٨٢
قِرَانٌ تَلَاقَى الصَّلْتُ فِيهِ وَعَامِرٌ
 
كَمَا يَتَلَاقَى الْهِنْدُوَانِيُّ وَالنَّصْرُ٢٨٣
فَجَاءَا بِهِ صَلْتَ الْجَبِينِ مُعَظَّمًا
 
تَرَى النَّاسَ قُلًّا حَوْلَهُ وَهُمُ كُثْرُ٢٨٤
مُفَدًّى بِآبَاءِ الرِّجَالِ سَمَيْذَعًا
 
هُوَ الْكَرَمُ الْمَدُّ الَّذِي مَا لَهُ جَزْرُ٢٨٥
وَمَا زِلْتُ حَتَّى قَادَنِي الشَّوْقُ نَحْوَهُ
 
يُسَايِرُنِي فِي كُلِّ رَكْبٍ لَهُ ذِكْرُ٢٨٦
وَأَسْتَكْبِرُ الْأَخْبَارَ قَبْلَ لِقَائِهِ
 
فَلَمَّا الْتَقَيْنَا صَغَّرَ الْخَبَرَ الْخُبْرُ٢٨٧
إِلَيْكَ طَعَنَّا فِي مَدَى كُلِّ صَفْصَفٍ
 
بِكُلِّ وَآةٍ كُلُّ مَا لَقِيَتْ نَحْرُ٢٨٨
إِذَا وَرِمَتْ مِنْ لَسْعَةٍ مَرِحَتْ لَهَا
 
كَأَنَّ نَوَالًا صَرَّ فِي جِلْدِهَا النِّبْرُ٢٨٩
فَجِئْنَاكَ دُونَ الشَّمْسِ وَالْبَدْرِ فِي النَّوَى
 
وَدُونَكَ فِي أَحْوَالِكَ الشَّمْسُ وَالْبَدْرُ٢٩٠
كَأَنَّكَ بَرْدُ الْمَاءِ لَا عَيْشَ دُونَهُ
 
وَلَوْ كُنْتَ بَرْدَ الْمَاءِ لَمْ يَكُنِ الْعِشْرُ٢٩١
دَعَانِي إِلَيْكَ الْعِلْمُ وَالْحِلْمُ وَالْحِجَا
 
وَهَذا الْكَلَامُ النَّظْمُ وَالنَّائِلُ النَّثْرُ٢٩٢
وَمَا قُلْتُ مِنْ شِعْرٍ تَكَادُ بُيُوتُهُ
 
إِذَا كُتِبَتْ يَبْيَضُّ مِنْ نُورِهَا الْحِبْرُ٢٩٣
كَأَنَّ الْمَعَانِي فِي فَصَاحَةِ لَفْظِهَا
 
نُجُومُ الثُّرَيَّا أَوَ خَلَائِقُكَ الزُّهْرُ٢٩٤
وَجَنَّبَنِي قُرْبَ السَّلَاطِينِ مَقْتُهَا
 
وَمَا يَقْتَضِينِي مِنْ جَمَاجِمِهَا النَّسْرُ٢٩٥
وَإِنِّي رَأَيْتُ الضُّرَّ أَحْسَنَ مَنْظَرًا
 
وَأَهْوَنَ مِنْ مَرْأَى صَغِيرٍ بِهِ كِبْرُ٢٩٦
لِسَانِي وَعَيْنِي وَالْفُؤَادُ وَهِمَّتِي
 
أَوَدُّ اللَّوَاتِي ذَا اسْمُهَا مِنْكَ وَالشَّطْرُ٢٩٧
وَمَا أَنَا وَحْدِي قُلْتُ ذَا الشِّعْرَ كُلَّهُ
 
وَلَكِنْ لِشِعْرِي فِيكَ مِنْ نَفْسِهِ شِعْرُ٢٩٨
وَمَا ذَا الَّذِي فِيهِ مِنَ الْحُسْنِ رَوْنَقًا
 
وَلَكِنْ بَدَا فِي وَجْهِهِ نَحْوَكَ الْبِشْرُ٢٩٩
وَإِنِّي — وَإِنْ نِلْتَ السَّمَاءَ — لَعَالِمٌ
 
بِأَنَّكَ مَا نِلْتَ الَّذِي يُوجِبُ الْقَدْرُ٣٠٠
أَزَالَتْ بِكَ الْأَيَّامُ عَتْبِي كَأَنَّمَا
 
بَنُوهَا لَهَا ذَنْبٌ وَأَنْتَ لَهَا عُذْرُ٣٠١
وقال يمدح أبا الفضل محمد بن العميد:٣٠٢
بَادٍ هَوَاكَ صَبَرْتَ أَمْ لَمْ تَصْبِرَا
 
وَبُكَاكَ إِنْ لَمْ يَجْرِ دَمْعُكَ أَوْ جَرَى٣٠٣
كَمْ غَرَّ صَبْرُكَ وَابْتِسَامُكَ صَاحِبًا
 
لَمَّا رَآكَ وَفِي الْحَشَا مَا لَا يُرَى٣٠٤
أَمَرَ الْفُؤَادُ لِسَانَهُ وَجُفُونَهُ
 
فَكَتَمْنَهُ وَكَفَى بِجِسْمِكَ مُخْبِرَا٣٠٥
تَعِسَ الْمَهَارِي غَيْرَ مَهْرِيٍّ غَدَا
 
بِمُصَوَّرٍ لَبِسَ الْحَرِيرَ مُصَوَّرَا٣٠٦
نَافَسْتُ فِيهِ صُورَةً فِي سِتْرِهِ
 
لَوْ كُنْتُهَا لَخَفِيتُ حَتَّى يَظْهَرَا٣٠٧
لَا تَتْرَبِ الْأَيْدِي الْمُقِيمَةُ فَوْقَهُ
 
كِسْرَى مُقَامَ الْحَاجِبِينَ وَقَيْصَرَا٣٠٨
يَقِيَانِ فِي أَحَدِ الْهَوَادِجِ مُقْلَةً
 
رَحَلَتْ فَكَانَ لَهَا فُؤَادِي مَحْجِرَا٣٠٩
قَدْ كُنْتُ أَحْذَرُ بَيْنَهُمْ مِنْ قَبْلِهِ
 
لَوْ كَانَ يَنْفَعُ حَائِنًا أَنْ يَحْذَرَا٣١٠
وَلَوِ اسْتَطَعْتُ إِذِ اغْتَدَتْ رُوَّادُهُمْ
 
لَمَنَعْتُ كُلَّ سَحَابَةٍ أَنْ تَقْطُرَا٣١١
فَإِذَا السَّحَابُ أَخُو غُرَابِ فِرَاقِهِمْ
 
جَعَلَ الصِّيَاحَ بِبَيْنِهِمْ أَنْ يُمْطِرَا٣١٢
وَإِذَا الْحَمَائِلُ مَا يَخِدْنَ بِنَفْنَفٍ
 
إِلَّا شَقَقْنَ عَلَيْهِ ثَوْبًا أَخْضَرَا٣١٣
يَحْمِلْنَ مِثْلَ الرَّوْضِ إِلَّا أَنَّهَا
 
أَسْبَى مَهَاةً لِلْقُلُوبِ وَجُؤْذُرَا٣١٤
فَبِلَحْظِهَا نَكِرَتْ قَنَاتِي رَاحَتِي
 
ضَعْفًا وَأَنْكَرَ خَاتِمَايَ الْخِنْصِرَا٣١٥
أَعْطَى الزَّمَانُ فَمَا قَبِلْتُ عَطَاءَهُ
 
وَأَرَادَ لِي فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَخَيَّرَا٣١٦
أَرَجَانَ أَيَّتُهَا الْجِيَادُ فَإِنَّهُ
 
عَزْمِي الَّذِي يَذَرُ الْوَشِيجَ مُكَسَّرَا٣١٧
لَوْ كُنْتُ أَفْعَلُ مَا اشْتَهَيْتِ فَعَالَهُ
 
مَا شَقَّ كَوْكَبُكِ الْعَجَاجَ الْأَكْدَرَا٣١٨
أُمِّي أَبَا الْفَضْلِ الْمُبِرَّ أَلِيَّتِي
 
لَأُيَمِّمَنَّ أَجَلَّ بَحْرٍ جَوْهَرَا٣١٩
أَفْتَى بِرُؤْيَتِهِ الْأَنَامُ وَحَاشَ لِي
 
مِنْ أَنْ أَكُونَ مُقَصِّرًا أَوْ مُقْصِرَا٣٢٠
صُغْتُ السِّوَارَ لِأَيِّ كَفٍّ بَشَّرَتْ
 
بِابْنِ الْعَمِيدِ وَأَيِّ عَبْدٍ كَبَّرَا٣٢١
إِنْ لَمْ تُغِثْنِي خَيْلُهُ وَسِلَاحُهُ
 
فَمَتَى أَقُودُ إِلَى الْأَعَادِي عَسْكَرَا؟٣٢٢
بِأَبِي وَأُمِّي نَاطِقٌ فِي لَفْظِهِ
 
ثَمَنٌ تُبَاعُ بِهِ الْقُلُوبُ وَتُشْتَرَى٣٢٣
مَنْ لَا تُرِيهِ الْحَرْبُ خَلْقًا مُقْبِلًا
 
فِيهَا وَلَا خَلْقٌ يَرَاهُ مُدْبِرَا٣٢٤
خَنْثَى الْفُحُولَ مِنَ الْكُمَاةِ بِصَبْغِهِ
 
مَا يَلْبَسُونَ مِنَ الْحَدِيدِ مُعَصْفَرَا٣٢٥
يَتَكَسَّبُ الْقَصَبُ الضَّعِيفُ بِكَفِّهِ
 
شَرَفًا عَلَى صُمِّ الرِّمَاحِ وَمَفْخَرَا٣٢٦
وَيَبِينُ فِيمَا مَسَّ مِنْهُ بَنَانُهُ
 
تِيهُ الْمُدِلِّ فَلَوْ مَشَى لَتَبَخْتَرَا٣٢٧
يَا مَنْ إِذَا وَرَدَ الْبِلَادَ كِتَابُهُ
 
قَبْلَ الْجُيُوشِ ثَنَى الْجُيُوشَ تَحَيُّرَا٣٢٨
أَنْتَ الْوَحِيدُ إِذَا ارْتَكَبْتَ طَرِيقَةً
 
وَمَنِ الرَّدِيفُ وَقَدْ رَكِبْتَ غَضَنْفَرَا؟٣٢٩
قَطَفَ الرِّجَالُ الْقَوْلَ وَقْتَ نَبَاتِهِ
 
وَقَطَفْتَ أَنْتَ الْقَوْلَ لَمَّا نَوَّرَا٣٣٠
فَهُوَ الْمُشَيَّعُ بِالْمَسَامِعِ إِنْ مَضَى
 
وَهُوَ الْمُضَاعَفُ حُسْنُهُ إِنْ كُرِّرَا٣٣١
وَإِذَا سَكَتَّ فَإِنَّ أَبْلَغَ خَاطِبٍ
 
قَلَمٌ لَكَ اتَّخَذَ الْأَصَابِعَ مِنْبَرَا٣٣٢
وَرَسَائِلٌ قَطَعَ الْعُدَاةُ سِحَاءَهَا
 
فَرَأَوْا قَنًا وَأَسِنَّةً وَسَنَوَّرَا٣٣٣
فَدَعَاكَ حُسَّدُكَ الرَّئِيسَ وَأَمْسَكُوا
 
وَدَعَاكَ خَالِقُكَ الرَّئِيسَ الْأَكْبَرَا
خَلَفَتْ صِفَاتُكَ فِي الْعُيُونِ كَلَامَهُ
 
كَالْخَطِّ يَمْلَأُ مِسْمَعَيْ مَنْ أَبْصَرَا٣٣٤
أَرَأَيْتَ هِمَّةَ نَاقَتِي فِي نَاقَةٍ
 
نَقَلَتْ يَدًا سُرُحًا وَخُفًّا مُجْمَرَا٣٣٥
تَرَكَتْ دُخَانَ الرَّمْثِ فِي أَوْطَانِهَا
 
طَلَبًا لِقَوْمٍ يُوقِدُونَ الْعَنْبَرَا٣٣٦
وَتَكَرَّمَتْ رُكَبَاتُهَا عَنْ مَبْرَكٍ
 
تَقَعَانِ فِيهِ وَلَيْسَ مِسْكًا أَذْفَرَا٣٣٧
فَأَتَتْكَ دَامِيَةَ الْأَظَلِّ كَأَنَمَّاَ
 
حُذِيَتْ قَوَائِمُهَا الْعَقِيقَ الْأَحْمَرَا٣٣٨
بَدَرَتْ إِلَيْكَ يَدَ الزَّمَانِ كَأَنَّهَا
 
وَجَدَتْهُ مَشْغُولَ الْيَدَيْنِ مُفَكِّرَا٣٣٩
مَنْ مُبْلِغُ الْأَعْرَابِ أَنِّي بَعْدَهَا
 
شَاهَدْتُ رَسْطَالِيسَ وَالْإِسْكَنْدَرَا٣٤٠
وَمَلِلْتُ نَحْرَ عِشَارِهَا فَأَضَافَنِي
 
مَنْ يَنْحَرُ الْبِدَرَ النُّضَارَ لِمَنْ قَرَى٣٤١
وَسَمِعْتُ بَطْلَيْمُوسَ دَارِسَ كُتْبِهِ
 
مُتَمَلِّكًا مُتَبَدِّيًا مُتَحَضِّرَا٣٤٢
وَلَقِيتُ كُلَّ الْفَاضِلِينَ كَأَنَّمَا
 
رَدَّ الْإِلَه ُنفُوسَهُمْ وَالْأَعْصُرَا٣٤٣
نُسِقُوا لَنَا نَسَقَ الْحِسَابِ مُقَدَّمًا
 
وَأَتَى فَذَلِكَ إِذْ أَتَيْتَ مُؤَخَّرَا٣٤٤
يَا لَيْتَ بَاكِيَةً شَجَانِي دَمْعُهَا
 
نَظَرَتْ إِلَيْكَ كَمَا نَظَرْتُ فَتَعْذِرَا٣٤٥
وَتَرَى الْفَضِيلَةَ لَا تَرُدُّ فَضِيلَةً
 
الشَّمْسَ تُشْرِقُ وَالسَّحَابَ كَنَهْوَرَا٣٤٦
أَنَا مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ أَطْيَبُ مَنْزِلًا
 
وَأَسَرُّ رَاحِلَةً وَأَرْبَحُ مَتْجَرَا٣٤٧
زُحَلٌ عَلَى أَنَّ الْكَوَاكِبَ قَوْمُهُ
 
لَوْ كَانَ مِنْكَ لَكَانَ أَكْرَمَ مَعْشَرَا٣٤٨

قافية الزاي

وقال بدمشق يمدح أبا بكر علي بن صالح الروذباري الكاتب:

كَفِرِنْدِي فِرِنْدُ سَيْفِي الْجُرَازِ
 
لَذَّةُ الْعَيْنِ عُدَّةٌ لِلْبِرَازِ١
تَحْسَبُ الْمَاءَ خَطَّ فِي لَهَبِ النَّا
 
رِ أَدَقَّ الْخُطُوطِ فِي الْأَحْرَازِ٢
كُلَّمَا رُمْتَ لَوْنَهُ مَنَع النَّا
 
ظِرَ مَوْجٌ كَأَنَّهُ مِنْكَ هَازِي٣
وَدَقِيقٌ قَذَى الْهَبَاءِ أَنِيقٌ
 
مُتَوَالٍ فِي مُسْتَوٍ هَزْهَازِ٤
وَرَدَ الْمَاءَ فَالْجَوَانِبُ قَدْرًا
 
شَرِبَتْ وَالَّتِي تَلِيهَا جَوَازِي٥
حَمَلَتْهُ حَمَائِلُ الدَّهْرِ حَتَّى
 
هِيَ مُحْتَاجَةٌ إِلَى خَرَّازِ٦
وَهْوَ لَا تَلْحَقُ الدِّمَاءُ غَرَارَيْـ
 
ـهِ وَلَا عِرْضَ مُنْتَضِيهِ الْمَخَازِي٧
يَا مُزِيلَ الظَّلَامِ عَنِّي وَرَوْضِي
 
يَوْمَ شُرْبِي وَمَعْقِلِي فِي الْبَرَازِ٨
وَالْيَمَانِي الَّذِي لَوِ اسْطَعْتُ كَانَتْ
 
مُقْلَتِي غِمْدَهُ مِنَ الْإِعْزَازِ٩
إِنَّ بَرْقِي إِذَا بَرَقْتَ فَعَالِي
 
وَصَلِيلِي إِذَا صَلَلْتَ ارْتِجَازِي١٠
لَمْ أُحَمِّلْكَ مُعْلَمًا هَكَذَا إِلَّا
 
لِضَرْبِ الرِّقَابِ وَالْأَجْوَازِ١١
وَلِقَطْعِي بِكَ الْحَدِيدَ عَلَيْهَا
 
فَكِلَانَا لِجِنْسِهِ الْيَوْمَ غَازِي١٢
سَلَّهُ الرَّكْضُ بَعْدَ وَهْنٍ بِنَجْدٍ
 
فَتَصَدَّى لِلْغَيْثِ أَهْلُ الْحِجَازِ١٣
وَتَمَنَّيْتُ مِثْلَهُ فَكَأَنِّي
 
طَالِبٌ لِابْنِ صَالِحٍ مَنْ يُوازِي١٤
لَيْسَ كُلُّ السَّرَاةِ بِالرُّوذَبَارِي
 
وَلَا كُلُّ مَا يَطِيرُ بِبَازِ١٥
فَارِسِيٌّ لَهُ مِنَ الْمَجْدِ تَاجٌ
 
كَانَ مِنْ جَوْهَرٍ عَلَى أَبْرَوَازِ١٦
نَفْسُهُ فَوْقَ كُلِّ أَصْلٍ شَرِيفٍ
 
وَلَوَ انِّي لَهُ إِلَى الشَّمْسِ عَازِي١٧
وَكَأَنَّ الْفَرِيدَ وَالدُّرَّ وَالْيَا
 
قُوتَ مِنْ لَفْظِهِ وَسَامَ الرِّكَازِ١٨
شَغَلَتْ قَلْبَهُ حِسَانُ الْمَعَالِي
 
عَنْ حِسَانِ الْوُجُوهِ وَالْأَعْجَازِ١٩
تَقْضَمُ الْجَمْرَ وَالْحَدِيدَ الْأَعَادِي
 
دُونَهُ قَضْمَ سُكَّرِ الْأَهْوَازِ٢٠
بَلَّغَتْهُ الْبَلَاغَةُ الْجَهْدَ بِالْعَفْـ
 
ـوِ وَنَالَ الْإِسْهَابَ بِالْإِيْجَازِ٢١
حَامِلُ الْحَرْبِ وَالدِّيَاتِ عَنِ الْقَوْ
 
مِ وَثِقْلِ الدُّيُونِ وَالْإِعْوَازِ٢٢
كَيْفَ لَا يَشْتَكِي وَكَيْفَ تَشَكَّوْا
 
وَبِهِ لَا بِمَنْ شَكَاهَا الْمرَازِي٢٣
أَيُّهَا الْوَاسِعُ الْفِنَاءِ وَمَا فِيِـ
 
ـهِ مَبِيتٌ لِمَالِكَ الْمُجْتَازِ٢٤
بِكَ أَضْحَى شَبَا الْأَسِنَّةِ عِنْدِي
 
كَشَبَا أَسْوُقِ الْجَرَادِ النَّوَازِي٢٥
وَانْثَنَى عَنِّي الرُّدَيْنِيُّ حَتَّى
 
دَارَ دَوْرَ الْحُرُوفِ فِي هَوَّازِ٢٦
وَبِآبَائِكَ الْكِرَامِ التَّأَسِّي
 
وَالتَّسَلِّي عَمَّنْ مَضَى وَالتَّعَازِي٢٧
تَرَكُوا الْأَرْضَ بَعْدَمَا ذَلَّلُوهَا
 
وَمَشَتْ تَحْتَهُمْ بِلَا مِهْمَازِ٢٨
وَأَطَاعَتْهُمُ الْجُيُوشُ وَهِيبُوا
 
فَكَلَامُ الْوَرَى لَهُمْ كَالنُّحَازِ٢٩
وَهِجَانٍ عَلَى هِجَانٍ تَآيَتْـ
 
ـكَ عَدَيدُ الْحُبُوبِ فِي الْأَقْوَازِ٣٠
صَفَّهَا السَّيْرُ فِي الْعَرَاءِ فَكَانَتْ
 
فَوْقَ مِثْلِ الْمُلَاءِ مِثْلَ الطِّرَازِ٣١
وَحَكَى فِي اللُّحُومِ فِعْلَكَ فِي الْوَفْـ
 
ـرِ فَأَوْدَى بِالْعَنْتَرِيسِ الْكِنَازِ٣٢
كُلَّمَا جَادَتِ الظُّنُونُ بِوَعْدٍ
 
عَنْكَ جَادَتْ يَدَاكَ بِالْإِنْجَازِ٣٣
مَلِكٌ مُنْشِدُ الْقَرِيضِ لَدَيْهِ
 
وَاضِعُ الثَّوْبِ فِي يَدَيْ بَزَّازِ٣٤
وَلَنَا الْقَوْلُ وَهُوَ أَدْرَى بِفَحْوَا
 
هُ وَأَهْدَى فِيهِ إِلَى الْإِعْجَازِ٣٥
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ
 
شُعَرَاءٌ كَأَنَّهَا الْخَازِبَازِ٣٦
وَيَرَى أَنَّهُ الْبَصِيرُ بِهَذَا
 
وَهْوَ فِي الْعُمْيِ ضَائِعُ الْعُكَّازِ٣٧
كُلُّ شِعْرٍ نَظِيرُ قَائِلِهِ فِيـ
 
ـكَ وَعَقْلُ الْمُجِيزِ عَقْلُ الْمُجَازِ٣٨

قافية السين

وقال وقد أذن المؤذن، فوضع سيف الدولة الكأس من يده، فقال أبو الطيب ارتجالًا:

أَلَا أَذِّنْ فَمَا أَذْكَرْتَ نَاسِي
 
وَلَا لَيَّنْتَ قَلْبًا وَهْوَ قَاسِ١
وَلَا شُغِلَ الْأَمِيرُ عَنِ الْمَعَالِي
 
وَلَا عَنْ حَقِّ خَالِقِهِ بِكَاسِ٢

وقال يمدح عبيد الله بن خلكان الطرابلسي:

أَظَبْيَةَ الْوَحْشِ لَوْلَا ظَبْيَةُ الْأَنْسِ
 
لَمَا غَدَوْتُ بِجَدٍّ فِي الْهَوَى تَعِسِ٣
وَلَا سَقَيْتُ الثَّرَى وَالْمُزْنُ مُخْلِفَةٌ
 
دَمْعًا يُنَشِّفُهُ مِنْ لَوْعَةٍ نَفَسِي٤
وَلَا وَقَفْتُ بِجِسْمٍ مُسْيَ ثَالِثَةٍ
 
ذِي أَرْسُمٍ دُرُسٍ فِي الْأَرْسُمِ الدُّرُسِ٥
صَرِيعَ مُقْلَتِهَا سَآَّلَ دِمْنَتِهَا
 
قَتِيلَ تَكْسِيرِ ذَاكِ الْجَفْنِ وَاللَّعَسِ٦
خَرِيدَةٌ لَوْ رَأَتْهَا الشَّمْسُ مَا طَلَعَتْ
 
وَلَوْ رَآهَا قَضِيبُ الْبَانِ لَمْ يَمِسِ٧
مَا ضَاقَ قَبْلَكِ خَلْخَالٌ عَلَى رَشَأٍ
 
وَلَا سَمِعْتُ بِدِيبَاجٍ عَلَى كَنَسِ٨
إِنْ تَرْمِنِي نَكَبَاتُ الدَّهْرِ عَنْ كَثَبٍ
 
تَرْمِ امْرَأً غَيْرَ رِعْدِيدٍ وَلَا نَكِسِ٩
يَفْدِي بَنِيكَ عُبَيْدَ اللهِ حَاسِدُهُمْ
 
بِجَبْهَةِ الْعَيْرِ يُفْدَى حَافِرُ الْفَرَسِ١٠
أَبَا الْغَطَارِفَةِ الْحَامِينَ جَارَهُمُ
 
وَتَارِكِي اللَّيْثِ كَلْبًا غَيْرَ مُفْتَرِسِ١١
مِنْ كُلِّ أَبْيَضَ وَضَّاحٍ عِمَامَتُهُ
 
كَأَنَّمَا اشْتَمَلَتْ نُورًا عَلَى قَبَسِ١٢
دَانٍ بَعِيدٍ مُحِبٍّ مُبْغِضٍ بَهِجٍ
 
أَغَرَّ حُلْوٍ مُمِرٍّ لَيِّنٍ شَرِسِ١٣
نَدٍ أَبِيٍّ غَرٍ وَافٍ أَخِي ثِقَةٍ
 
جَعْدٍ سَرِيٍّ نَهٍ نَدْبٍ رَضٍ نَدُسِ١٤
لَوْ كَانَ فَيْضُ يَدَيْهِ مَاءَ غَادِيَةٍ
 
عَزَّ الْقَطَا فِي الْفَيَافِي مَوْضِعُ الْيَبَسِ١٥
أَكَارِمٌ حَسَدَ الْأَرْضَ السَّمَاءُ بِهِمْ
 
وَقَصَّرَتْ كُلُّ مِصْرٍ عَنْ طَرَابُلْسِ١٦
أَيُّ الْمُلُوكِ — وَهُمْ قَصْدِي — أُحَاذِرُهُ؟!
 
وَأَيُّ قِرْنٍ وَهُمْ سَيْفِي وَهُمْ تُرُسِي؟!١٧

وسأله صديق له يعرف بأبي ضبيس الشراب معه فامتنع وقال ارتجالًا:

أَلَذُّ مِنَ الْمُدَامِ الْخَنْدَرِيسِ
 
وَأَحْلَى مِنْ مُعَاطَاةِ الْكُئُوسِ
مُعَاطَاةُ الصَّفَائِحِ وَالْعَوَالِي
 
وَإِقْحَامِي خَمِيسًا فِي خَمِيسِ١٨
فَمَوْتِيَ فِي الْوَغَى أَرَبِي لِأَنِّي
 
رَأَيْتُ الْعَيْشَ فِي أَرَبِ النُّفُوسِ١٩
وَلَوْ سُقِّيتُهَا بِيَدَيْ نَدِيمٍ
 
أُسَرُّ بِهِ لَكَانَ أَبَا ضَبِيسِ٢٠

وقال يمدح محمد بن زريق الطرسوسي:

هَذِي بَرَزْتِ لَنَا فَهِجْتِ رَسِيسَا
 
مِمَّ انْثَنَيْتِ وَمَا شَفَيْتِ نَسِيسَا٢١
وَجَعَلْتِ حَظِّي مِنْكِ حَظِّي فِي الْكَرَى
 
وَتَرَكْتِنِي لِلْفَرْقَدَيْنِ جَلِيسَا٢٢
قَطَّعْتِ ذَيَّاكِ الْخُمَارَ بِسَكْرَةٍ
 
وَأَدَرْتِ مِنْ خَمْرِ الْفِرَاقِ كُئُوسَا٢٣
إِنْ كُنْتِ ظَاعِنَةً فَإِنَّ مَدَامِعِي
 
تَكْفِي مَزَادَكُمُ وَتَرْوِي الْعِيسَا٢٤
حَاشَا لِمِثْلِكِ أَنْ تَكُونَ بَخِيلَةً
 
وَلِمِثْلِ وَجْهِكِ أَنْ يَكُونَ عَبُوسَا
وَلِمِثْلِ وَصْلِكِ أَنْ يَكُونَ مُمَنَّعًا
 
وَلِمِثْلِ نَيْلِكِ أَنْ يَكُونَ خَسِيسَا٢٥
خَوْدٌ جَنَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ عَوَاذِلِي
 
حَرْبًا وَغَادَرَتِ الْفُؤَادَ وَطِيسَا٢٦
بَيْضَاءُ يَمْنَعُهَا تَكَلَّمَ دَلُّهَا
 
تِيهًا وَيَمْنَعُهَا الْحَيَاءُ تَمِيسَا٢٧
لَمَّا وَجَدْتُ دَوَاءَ دَائِي عِنْدَهَا
 
هَانَتْ عَلَيَّ صِفَاتُ جَالِينُوسَا٢٨
أَبْقَى زُرَيْقٌ لِلثُّغُورِ مُحَمَّدًا
 
أَبْقَى نَفِيسٌ لِلنَّفِيسِ نَفِيسًا٢٩
إِنْ حَلَّ فَارَقَتِ الْخَزَائِنُ مَالَهُ
 
أَوْ سَارَ فَارَقَتِ الْجُسُومُ الرُّوسَا٣٠
مَلِكٌ إِذَا عَادَيْتَ نَفْسَكَ عَادِهِ
 
وَرَضِيتَ أَوْحَشَ مَا كَرِهْتَ أَنِيسَا٣١
الْخَائِضَ الْغَمَرَاتِ غَيْرَ مُدَافَعٍ
 
وَالشَّمَّرِيَّ الْمِطْعَنَ الدِّعِّيسَا٣٢
كَشَّفْتُ جَمْهَرَة الْعِبَادِ فَلَمْ أَجِدْ
 
إِلَّا مَسُودًا جَنْبَهُ مَرْءُوسَا٣٣
بَشَرٌ تَصَوَّرَ غَايَةً فِي آيَةٍ
 
تَنْفِي الظُّنُونَ وَتُفْسِدُ التَّقْيِيسَا٣٤
وَبِهِ يُضَنُّ عَلَى الْبَرِيَّةِ لَا بِهَا
 
وَعَلَيْهِ مِنْهَا لَا عَلَيْهَا يُوسَى٣٥
لَوْ كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ أَعْمَلَ رَأْيَهُ
 
لَمَّا أَتَى الظُّلُمَاتِ صِرْنَ شُمُوسَا٣٦
أَوْ كَانَ صَادَفَ رَأْسَ عَازَرَ سَيْفُهُ
 
فِي يَوْمِ مَعْرَكَةٍ لَأَعْيَا عِيسَى٣٧
أَوْ كَانَ لُجُّ الْبَحْرِ مِثْلَ يَمِينِهِ
 
مَا انْشَقَّ حَتَّى جَازَ فِيهِ مُوسَى
أَوْ كَانَ لِلنِّيرَانِ ضَوْءُ جَبِينِهِ
 
عُبِدَتْ فَصَارَ الْعالَمُونَ مَجُوسَا
لَمَّا سَمِعْتُ بِهِ سَمِعْتُ بِوَاحِدٍ
 
وَرَأْيُتُه فَرَأَيْتُ مِنْهُ خَمِيسَا٣٨
وَلَحَظْتُ أُنْمُلَهُ فَسِلْنَ مَوَاهِبًا
 
وَلَمَسْتُ مُنْصُلَهُ فَسَالَ نُفُوسَا٣٩
يَا مَنْ نَلُوذُ مِنَ الزَّمَانِ بِظِلِّهِ
 
أَبَدًا وَنَطْرُدُ بِاسْمِهِ إِبْلِيسَا٤٠
صَدَقَ الْمُخَبِّرُ عَنْكَ دُونَكَ وَصْفُهُ
 
مَنْ بِالْعِرَاقِ يَرَاكَ فِي طَرْسُوسَا٤١
بَلَدٌ أَقَمْتَ بِهِ وَذِكْرُكَ سَائِرٌ
 
يَشْنَا الْمَقِيلَ وَيَكْرَهُ التَّعْرِيسَا٤٢
فَإِذَا طَلَبْتَ فَرِيسَةً فَارَقْتَهُ
 
وَإِذَا خَدَرْتَ تَخِذْتَهُ عِرِّيسَا٤٣
إِنِّي نَثَرْتُ عَلَيْكَ دُرًّا فَانْتَقِدْ
 
كَثُرَ الْمُدَلِّسُ فَاحْذَرِ التَّدْلِيسَا٤٤
حَجَّبْتُهَا عَنْ أَهْلِ إِنْطَاكِيَّةٍ
 
وَجَلَوْتُهَا لَكَ فَاجْتَلَيْتَ عَرُوسَا٤٥
خَيْرُ الطُّيُورِ عَلَى الْقُصُورِ وَشَرُّهَا
 
يَأْوِي الْخَرَابَ وَيَسْكُنُ النَّاوُوسَا٤٦
لَوْ جَادَتِ الدُّنْيَا فَدَتْكَ بِأَهْلِهَا
 
أَوْ جَاهَدَتْ كُتِبَتْ عَلَيْكَ حَبِيسَا٤٧

ودس عليه كافور من يستعلم ما في نفسه، ويقول له: قد طال قيامك عند هذا الرجل، فقال:

يَقِلُّ لَهُ الْقِيَامُ عَلَى الرُّءُوسِ
 
وَبَذْلُ الْمُكْرَمَاتِ مِنَ النُّفُوسِ٤٨
إِذَا خَانَتْهُ فِي يَوْمٍ ضَحُوكٍ
 
فَكَيْفَ تَكُونُ فِي يَوْمٍ عَبُوسِ٤٩

وقال يهجو كافورًا، وقد خرج من عنده:

أَنْوَكُ مِنْ عَبْدٍ وَمِنْ عِرْسِهِ
 
مَنْ حَكَّمَ الْعَبْدَ عَلَى نَفْسِهِ٥٠
وَإِنَّمَا يُظْهِرُ تَحْكِيمُهُ
 
تَحَكُّمَ الْإِفْسَادِ فِي حِسِّهِ٥١
مَا مَنْ يَرَى أَنَّكَ فِي وَعْدِهِ
 
كَمَنْ يَرَى أَنَّكَ فِي حَبْسِهِ٥٢
الْعَبْدُ لَا تَفْضُلُ أَخْلَاقُهُ
 
عَنْ فَرْجِهِ الْمُنْتِنِ أَوْ ضِرْسِهِ٥٣
لَا يُنْجِزُ الْمِيعَادَ فِي يَوْمِهِ
 
وَلَا يَعِي مَا قَالَ فِي أَمْسِهِ٥٤
وَإِنَّمَا تَحْتَالُ فِي جَذْبِهِ
 
كَأَنَّكَ الْمَلَّاحُ فِي قَلْسِهِ٥٥
فَلَا تُرَجِّ الْخَيْرَ عِنْدَ امْرِئٍ
 
مَرَّتْ يَدُ النَّخَّاسِ فِي رَأْسِهِ٥٦
وَإِنْ عَرَاكَ الشَّكُّ فِي نَفْسِهِ
 
بِحَالِهِ فَانْظُرْ إِلَى جِنْسِهِ٥٧
فَقَلَّمَا يَلْؤُمُ فِي ثَوْبِهِ
 
إِلَّا الَّذِي يَلْؤُمُ فِي غِرْسِهِ٥٨
مَنْ وَجَدَ الْمَذْهَبَ عَنْ قَدْرِهِ
 
لَمْ يَجِدِ الْمَذْهَبَ عَنْ قَنْسِهِ٥٩

وأحضر أبو الفضل بن العميد مجمرة محشوة بالنرجس والآس حتى خفيت نارها والدخان يخرج من خلال ذلك؛ فقال مرتجلًا:

أَحَبُّ امْرِئٍ حَبَّتِ الْأَنْفُسُ
 
وَأَطْيَبُ مَا شَمَّهُ مَعْطِسُ٦٠
وَنَشْرٌ مِنَ النَّدِّ لَكِنَّمَا
 
مَجَامِرُهُ الْآسُ وَالنَّرْجِسُ٦١
وَلَسْنَا نَرَى لَهَبًا هَاجَهُ
 
فَهَلْ هَاجَهُ عِزُّكَ الْأَقْعَسُ٦٢

وَإِنَّ الْفِئَامَ الَّتِي حَوْلَهُ
 
لَتَحْسُدُ أَرْجُلَهَا الْأَرْؤُسُ 
قا

فية الشين

وقال يمدح أبا العشائر علي بن الحسين بن حمدان، ويذكر إيقاعه بأصحاب بافيس ومسيره من دمشق:

مَبِيتِي مِنْ دِمَشْقَ عَلَى فِرَاشِ
 
حَشَاهُ لِي بِحَرِّ حَشَايَ حَاشِ١
لَقَى لَيْلٍ كَعَيْنِ الظَّبْيِ لَوْنًا
 
وَهَمٍّ كَالْحُمَيَّا فِي الْمُشَاشِ٢
وَشَوْقٍ كَالتَّوَقُّدِ فِي فُؤَادٍ
 
كَجَمْرٍ فِي جَوَانِحِ كَالْمِحَاشِ٣
سَقَى الدَّمُ كُلَّ نَصْلٍ غَيْرِ نَابٍ
 
وَرَوَّى كُلَّ رُمْحٍ غَيْرِ رَاشِ٤
فَإِنَّ الْفَارِسَ الْمَنْعُوتَ خَفَّتْ
 
لِمُنْصُلِهِ الْفَوَارِسُ كَالرِّيَاشِ٥
فَقَدْ أَضْحَى أَبَا الْغَمَرَاتِ يُكْنَى
 
كَأَنَّ أَبَا الْعَشَائِرِ غَيْرُ فَاشِ٦
وَقَدْ نُسِيَ الْحُسَيْنُ بِمَا يُسَمَّى
 
رَدَى الْأَبْطَالِ أَوْ غَيْثَ الْعِطَاشِ٧
لَقُوهُ حَاسِرًا فِي دِرْعِ ضَرْبٍ
 
دَقِيقِ النَّسْجِ مُلْتَهِبِ الْحَوَاشِي٨
كَأَنَّ عَلَى الْجَمَاجِمِ مِنْهُ نَارًا
 
وَأَيْدِي الْقَوْمِ أَجْنِحَةُ الْفَرَاشِ٩
كَأَنَّ جَوَارِيَ الْمُهَجَاتِ مَاءٌ
 
يُعَاوِدُهَا الْمُهَنَّدُ مِنْ عُطَاشِ١٠
فَوَلَّوْا بَيْنَ ذِي رُوحٍ مُفَاتٍ
 
وَذِي رَمَقٍ وَذِي عَقْلٍ مُطَاشِ١١
وَمُنْعَفِرٍ لِنَصْلِ السَّيْفِ فِيهِ
 
تَوَارِي الضَّبِّ خَافَ مِنَ احْتِرَاشِ١٢
يُدَمِّي بَعْضُ أَيْدِي الْخَيْلِ بَعْضًا
 
وَمَا بِعُجَايَةٍ أَثَرُ ارْتِهَاشِ١٣
وَرَائِعُهَا وَحِيدٌ لَمْ يَرُعْهُ
 
تَبَاعُدُ جَيْشِهِ وَالْمُسْتَجَاشِ١٤
كَأَنَّ تَلَوِّيَ النُّشَّابِ فِيهِ
 
تَلَوِّي الْخُوصِ فِي سَعَفِ الْعِشَاشِ١٥
وَنَهْبُ نُفُوسِ أَهْلِ النَّهْبِ أَوْلَى
 
بِأَهْلِ الْمَجْدِ مِنْ نَهْبِ الْقُمَاشِ١٦
تُشَارِكُ فِي النِّدَامِ إِذَا نَزَلْنَا
 
بِطَانٌ لَا تُشَارِكُ فِي الْجِحَاشِ١٧
وَمِنْ قَبْلِ النِّطَاحِ وَقَبْلَ يَأَنِي
 
تَبِينُ لَكَ النِّعَاجُ مِنَ الْكِبَاشِ١٨
فَيَا بَحْرَ الْبُحُورِ وَلَا أُوَرِّي
 
وَيَا مَلِكَ الْمُلُوكِ وَلَا أُحَاشِي١٩
كَأَنَّكَ نَاظِرٌ فِي كُلِّ قَلْبٍ
 
فَمَا يَخْفَى عَلَيْكَ مَحَلُّ غَاشِ٢٠
أَأَصْبِرُ عَنْكَ لَمْ تَبْخَلْ بِشَيْءٍ
 
وَلَمْ تَقْبَلْ عَلَيَّ كَلَامَ وَاشِ؟!
وَكَيْفَ وَأَنْتَ فِي الرُّؤَسَاءِ عِنْدِي
 
عَتِيقُ الطَّيْرِ مَا بَيْنَ الْخِشَاشِ؟!٢١
فَمَا خَاشِيكَ لِلتَّكْذِيبِ رَاجٍ
 
وَلَا رَاجِيكَ لِلتَّخْيِيبِ خَاشِي٢٢
تُطَاعِنُ كُلُّ خَيْلٍ كُنْتَ فِيهَا
 
وَلَوْ كَانُوا النَّبِيطَ عَلَى الجِحَاشِ٢٣
أَرَى النَّاسَ الظَّلَامَ وَأَنْتَ نُورٌ
 
وَإِنِّي مِنْهُمُ لَإِلَيْكَ عَاشِ٢٤
بُلِيتُ بِهِمْ بَلَاءَ الْوَرْدِ يَلْقَى
 
أُنُوفًا هُنَّ أَوْلَى بِالْخِشَاشِ٢٥
عَلَيْكَ إِذَا هُزِلْتَ مَعَ اللَّيَالِي
 
وَحَوْلَكَ حِينَ تَسْمَنُ فِي هِرَاشِ٢٦
أَتَى خَبَرُ الْأَمِيرِ فَقِيلَ: كَرُّوا
 
فَقُلْتُ: نَعَمْ وَلَوْ لَحِقُوا بِشَاشِ٢٧
يَقُودُهُمُ إِلَى الْهَيْجَا لَجُوجٌ
 
يُسِنُّ قِتَالُهُ وَالْكَرُّ نَاشِي٢٨
وَأُسْرِجَتِ الْكُمَيْتُ فَنَاقَلَتْ بِي
 
عَلَى إِعْقَاقِهَا وَعَلى غِشَاشِي٢٩
مِنَ الْمُتَمَرِّدَاتِ تُذَبُّ عَنْهَا
 
بِرُمْحِي كُلُّ طَائِرَةِ الرَّشَاشِ٣٠
وَلَوْ عُقِرَتْ لَبَلَّغَنِي إِلَيْهِ
 
حَدِيثٌ عَنْهُ يَحْمِلُ كُلَّ مَاشِ٣١
إِذَا ذُكِرَتْ مَوَاقِفُهُ لِحَافٍ
 
وَشِيكَ فَمَا يُنَكِّسُ لِانْتِقَاشِ٣٢
تُزِيلُ مَخَافَةَ الْمَصْبُورِ عَنْهُ
 
وَتُلْهِي ذَا الْفِيَاشِ عَنِ الْفِيَاشِ٣٣
وَمَا وُجِدَ اشْتِيَاقٌ كَاشْتِيَاقِي
 
وَلَا عُرِفَ انْكِمَاشٌ كَانْكِمَاشِي٣٤
فَسِرْتُ إِلَيْكَ فِي طَلَبِ الْمَعَالِي
 
وَسَارَ سِوَايَ فِي طَلَبِ الْمَعَاشِ٣٥

قافية الضاد

وأمر سيف الدولة بإنفاذ خلعة إليه، فقال:

فَعَلَتْ بِنَا فِعْلَ السَّمَاءِ بِأَرْضِهِ
 
خِلَعُ الْأَمِيرِ وَحَقَّهُ لَمْ نَقْضِهِ١
فَكَأَنَّ صِحَّةَ نَسْجِهَا مِنْ لَفْظِهِ
 
وَكَأَنَّ حُسْنَ نَقَائِهَا مِنْ عِرْضِهِ٢
وَإِذَا وَكَلْتَ إِلَى كَرِيمٍ رَأْيَهُ
 
فِي الْجُودِ بَانَ مُذِيقُهُ مِنْ مَحْضِهِ٣

وقال لما مرض سيف الدولة:

إِذَا اعْتَلَّ سَيْفُ الدَّوْلَةِ اعْتَلَّتِ الْأَرْضُ
 
وَمَنْ فَوْقَهَا وَالْبَأْسُ وَالْكَرَمُ الْمَحْضُ٤
وَكَيْفَ انْتِفَاعِي بِالرُّقَادِ وَإِنَّمَا
 
بِعِلَّتِهِ يَعْتَلُّ فِي الْأَعْيُنِ الْغُمْضُ٥
شَفَاكَ الَّذِي يَشْفِي بِجُودِكَ خَلْقَهُ
 
لِأَنَّكَ بَحْرٌ كُلُّ بَحْرٍ لَهُ بَعْضُ

•••

وقال في بدر بن عمار، وقد قام منصرفًا في الليل:

مَضَى اللَّيْلُ وَالْفَضْلُ الَّذِي لَكَ لَا يَمْضِي
 
وَرُؤْيَاكَ أَحْلَى فِي الْعُيُونِ مِنَ الْغُمْضِ٦
عَلَى أَنَّنِي طُوِّقْتُ مِنْكَ بِنِعْمَةٍ
 
شَهِيدٌ بِهَا بَعْضِي لِغَيْرِي عَلَى بَعْضِي٧
سَلَامُ الَّذِي فَوْقَ السَّمَوَاتِ عَرْشُهُ
 
تُخَصُّ بِهِ يَا خَيْرَ مَاشٍ عَلَى الْأَرْضِ

قافية حرف العين

وخرج يماك مملوك سيف الدولة إلى الرقة؛ فخرج سيف الدولة يشيعه، وهبت ريح شديدة، فقال:

لَا عَدِمَ الْمُشَيِّعَ الْمُشَيَّعُ
 
لَيْتَ الرِّيَاحَ صُنَّعٌ مَا تَصْنَعُ١
بَكَرْنَ ضَرًّا وَبَكَرْتَ تَنْفَعُ
 
وَسَجْسَجٌ أَنْتَ وَهُنَّ زَعْزَعُ٢
وَوَاحِدٌ أَنْتَ وَهُنَّ أَرْبَعُ
 
وَأَنْتَ نَبْعٌ وَالْمُلُوكُ خِرْوَعُ٣

•••

وقال يمدحه ويذكر الوقعة التي نكب فيها المسلمون بالقرب من بحيرة الحدث، وذلك في جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة:٤
غَيْرِي بِأَكْثَرِ هَذَا النَّاسِ يَنْخَدِعُ
 
إِنْ قَاتَلُوا جَبُنُوا أَوْ حَدَّثُوا شَجُعُوا٥
أَهْلُ الْحَفِيظَةِ إِلَّا أَنْ تُجَرِّبَهُمْ
 
وَفِي التَّجَارِبِ بَعْدَ الْغَيِّ مَا يَزَعُ٦
وَمَا الْحَيَاةُ وَنَفْسِي بَعْدَمَا عَلِمَتْ
 
أَنَّ الْحَيَاةَ كَمَا لَا تَشْتَهي طَبَعُ؟٧
لَيْسَ الْجَمَالُ لِوَجْهٍ صَحَّ مَارِنُهُ
 
أَنْفُ الْعَزِيزِ بِقَطْعِ الْعِزِّ يُجْتَدَعُ٨
أَأَطْرَحُ الْمَجْدَ عَنْ كِتْفِي وَأَطْلُبُهُ
 
وَأَتْرُكُ الْغَيْثَ فِي غِمْدِي وَأَنْتَجِعُ٩
وَالْمَشْرَفِيَّةُ، لَا زَالَتْ مُشَرَّفَةً
 
دَوَاءُ كُلِّ كَرِيمٍ أَوْ هِيَ الْوَجَعُ١٠
وَفَارِسُ الْخَيْلِ مَنْ خَفَّتْ فَوَقَّرَهَا
 
فِي الدَّرْبِ وَالدَّمُ فِي أَعْطَافِهَا دُفَعُ١١
وَأَوْحَدَتْهُ وَمَا فِي قَلْبِهِ قَلَقٌ
 
وَأَغْضَبَتْهُ وَمَا فِي لَفْظِهِ قَذَعُ١٢
بِالْجَيْشِ تَمْتَنِعُ السَّادَاتُ كُلُّهُمُ
 
وَالْجَيْشُ بِابْنِ أَبِي الْهَيْجَاءِ يَمْتَنِعُ١٣
قَادَ الْمَقَانِبَ أَقْصَى شُرْبِهَا نَهَلٌ
 
عَلَى الشَّكِيمِ وَأَدْنَى سَيْرِهَا سِرَعُ١٤
لَا يَعْتَقِي بَلَدٌ مَسْرَاهُ عَنْ بَلَدٍ
 
كَالْمَوْتِ لَيْسَ لَهُ رِيٌّ وَلَا شِبَعُ١٥
حَتَّى أَقَامَ عَلَى أَرْبَاضِ خَرْشَنَةٍ
 
تَشْقَى بِهِ الرُّومُ وَالصُّلْبَانُ وَالْبِيَعُ١٦
لِلسَّبْيِ مَا نَكَحُوا وَالْقَتْلِ مَا وَلَدُوا
 
وَالنَّهْبِ مَا جَمَعُوا وَالنَّارِ مَا زَرَعُوا١٧
مُخْلًى لَهُ الْمَرْجُ مَنْصُوبًا بِصَارِخَةٍ
 
لَهُ الْمَنَابِرُ مَشْهُودًا بِهَا الْجُمَعُ١٨
يُطَمِّعُ الطَّيْرَ فِيهِمْ طُولُ أَكْلِهِمِ
 
حَتَّى تَكَادَ عَلَى أَحْيَائِهِمْ تَقَعُ١٩
وَلَوْ رَآهُ حَوَارِيُّوهُمُ لَبَنَوْا
 
عَلَى مَحَبَّتِهِ الشَّرْعَ الَّذِي شَرَعُوا٢٠
ذَمَّ الدُّمُسْتُقُ عَيْنَيْهِ وَقَدْ طَلَعَتْ
 
سُودُ الْغَمَامِ فَظَنُّوا أَنَّهَا قَزَعُ٢١
فِيهَا الْكُمَاةُ الَّتِي مَفْطُومُهَا رَجُلٌ
 
عَلَى الْجِيَادِ الَّتِي حَوْلِيُّهَا جَذَعُ٢٢
تَذْرِي اللُّقَانُ غُبَارًا فِي مَنَاخِرِهَا
 
وَفِي حَنَاجِرِهَا مِنْ آلِسٍ جُرَعُ٢٣
كَأَنَّهَا تَتَلَقَّاهُمْ لِتَسْلُكَهُمْ
 
فَالطَّعْنُ يَفْتَحُ فِي الْأَجْوَافِ مَا تَسَعُ٢٤
تَهْدِي نَوَاظِرَهَا وَالْحَرْبُ مُظْلِمَةٌ
 
مِنَ الْأَسِنَّةِ نَارٌ وَالْقَنَا شَمَعُ٢٥
دُونَ السَّهَامِ وَدُونَ الْقُرِّ طَافِحَةً
 
عَلَى نُفُوسِهِمِ الْمُقْوَرَّةُ الْمُزُعُ٢٦
إِذَا دَعَا الْعِلْجُ عِلْجًا حَالَ بَيْنَهُمَا
 
أَظْمَى تُفَارِقُ مِنْهُ أُخْتَهَا الضِّلَعُ٢٧
أَجَلُّ مِنْ وَلَدِ الْفُقَّاسِ مُنْكَتِفٌ
 
إِذَا فَاتَهُنَّ وَأَمْضَى مِنْهُ مُنْصَرِعُ٢٨
وَمَا نَجَا مِنْ شِفَارِ الْبِيضِ مُنْفَلِتٌ
 
نَجَا وَمِنْهُنَّ فِي أَحْشَائِهِ فَزَعُ٢٩
يُبَاشِرُ الْأَمْنَ دَهْرًا وَهْوَ مُخْتَبَلٌ
 
وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ حَوْلًا وَهْوَ مُمْتَقَعُ٣٠
كَمْ مِنْ حُشَاشَةِ بِطْرِيقٍ تَضَمَّنَهَا
 
لِلْبَاتِرَاتِ أَمِينٌ مَا لَهُ وَرَعُ٣١
يُقَاتِلُ الْخَطْوَ عَنْهُ حِينَ يَطْلُبُهُ
 
وَيَطْرُدُ النَّوْمَ عَنْهُ حِينَ يَضْطَجِعُ٣٢
تَغْدُو الْمَنَايَا فَلَا تَنْفَكُّ وَاقِفَةً
 
حَتَّى يَقُولَ لَهَا: عُودِي فَتَنْدَفِعُ٣٣
قُلْ لِلدُّمُسْتُقِ: إِنَّ الْمُسْلَمِينَ لَكُمْ
 
خَانُوا الْأَمِيرَ فَجَازَاهُمْ بِمَا صَنَعُوا٣٤
وَجَدْتُمُوهُمْ نِيَامًا فِي دِمَائِكُمُ
 
كَأَنَّ قَتْلَاكُمُ إِيَّاهُمُ فَجَعُوا٣٥
ضَعْفَى تَعِفُّ الْأَيَادِي عَنْ مِثَالِهِمِ
 
مِنَ الْأَعَادِي وَإِنْ هَمُّوا بِهِمْ نَزَعُوا٣٦
لَا تَحْسَبُوا مَنْ أَسَرْتُمْ كَانَ ذَا رَمَقٍ
 
فَلَيْسَ يَأْكُلُ إِلَّا الْمَيِّتَ الضَّبُعُ٣٧
هَلَّا عَلَى عَقَبِ الْوَادِي وَقَدْ صَعِدَتْ
 
أُسْدٌ تَمُرُّ فُرَادَى لَيْسَ تَجْتَمِعُ٣٨
تَشُقُّكُمْ بِفَتَاهَا كُلُّ سَلْهَبَةٍ
 
وَالضَّرْبُ يَأْخُذُ مِنْكُمْ فَوْقَ مَا يَدَعُ٣٩
وَإِنَّمَا عَرَّضَ اللهُ الْجُنُودَ بِكُمْ
 
لِكَيْ يَكُونُوا بِلَا فَسْلٍ إِذَا رَجَعُوا٤٠
فَكُلُّ غَزْوٍ إِلَيْكُمْ بَعْدَ ذَا فَلَهُ
 
وَكُلُّ غَازٍ لِسَيْفِ الدَّوْلَةِ التَّبَعُ٤١
يَمْشِي الْكِرَامُ عَلَى آثَارِ غَيْرِهِمِ
 
وَأَنْتَ تَخْلُقُ مَا تَأْتِي وَتَبْتَدِعُ٤٢
وَهَلْ يَشِينُكَ وَقْتٌ كُنْتَ فَارِسَهُ
 
وَكَانَ غَيْرَكَ فِيهِ الْعَاجِزُ الضَّرَعُ٤٣
مَنْ كَانَ فَوْقَ مَحَلِّ الشَّمْسِ مَوْضِعُهُ
 
فَلَيْسَ يَرْفَعُهُ شَيْءٌ وَلَا يَضَعُ٤٤
لَمْ يُسْلِمِ الْكَرُّ فِي الْأَعْقَابِ مُهْجَتَهُ
 
إِنْ كَانَ أَسْلَمَهَا الأَصْحَابُ وَالشِّيَعُ٤٥
لَيْتَ الْمُلُوكَ عَلَى الْأَقْدَارِ مُعْطِيَةٌ
 
فَلَمْ يَكُنْ لِدَنِيٍّ عِنْدَهَا طَمَعُ٤٦
رَضِيتَ مِنْهُمْ بِأَنْ زُرْتَ الْوَغَى فَرَأَوْا
 
وَأَنْ قَرَعْتَ حَبِيكَ الْبِيضِ فَاسْتَمَعُوا٤٧
لَقَدْ أَبَاحَكَ غِشًّا فِي مُعَامَلَةٍ
 
مَنْ كُنْتَ مِنْهُ بِغَيْرِ الصِّدْقِ تَنْتَفِعُ٤٨
الدَّهْرُ مُعْتَذِرٌ وَالسَّيْفُ مُنْتَظِرٌ
 
وَأَرْضُهُمْ لَكَ مُصْطَافٌ وَمُرْتَبَعُ٤٩
وَمَا الْجِبَالُ لِنَصْرَانٍ بِحَامِيَةٍ
 
وَلَوْ تَنَصَّر فِيهَا الْأَعْصَمُ الصَّدَعُ٥٠
وَمَا حَمِدْتُكَ فِي هَوْلٍ ثَبَتَّ لَهُ
 
حَتَّى بَلَوْتُكَ وَالْأَبْطَالُ تَمْتَصِعُ٥١
فَقَدْ يُظَنُّ شُجَاعًا مَنْ بِهِ خَرَقٌ
 
وَقَدْ يُظَنُّ جَبَانًا مَنْ بِهِ زَمَعُ٥٢
إِنَّ السِّلَاحَ جَمِيعُ النَّاسِ تَحْمِلُهُ
 
وَلَيْسَ كُلُّ ذَوَاتِ الْمِخْلَبِ السَّبُعُ٥٣

وقال في صباه يمدح علي بن أحمد الطائي:

حُشَاشَةُ نَفْسٍ وَدَّعَتْ يَوْمَ وَدَّعُوا
 
فَلَمْ أَدْرِ أَيَّ الظَّاعِنَيْنِ أُشَيِّعُ٥٤
أَشَارُوا بِتَسْلِيمٍ فَجُدْنَا بِأَنْفُسٍ
 
تَسِيلُ مِنَ الْآمَاقِ وَالسَّمُ أَدْمُعُ٥٥
حَشَايَ عَلَى جَمْرٍ ذَكِيٍّ مِنَ الْهَوَى
 
وَعَيْنَايَ فِي رَوْضٍ مِنَ الْحُسْنِ تَرْتَعُ٥٦
وَلَوْ حُمِّلَتْ صُمُّ الْجِبَالِ الَّذِي بِنَا
 
غَدَاةَ افْتَرَقْنَا أَوْشَكَتْ تَتَصَدَّعُ٥٧
بِمَا بَيْنَ جَنْبَيَّ الَّتِي خَاضَ طَيْفُهَا
 
إِلَيَّ الدَّيَاجِي وَالْخَلِيُّونَ هُجَّعُ٥٨
أَتَتْ زَائِرًا مَا خَامَرَ الطِّيبُ ثَوْبَهَا
 
وَكَالْمِسْكِ مِنْ أَرْدَانِهَا يَتَضَوَّعُ٥٩
فَمَا جَلَسَتْ حَتَّى انْثَنَتْ تُوسِعُ الْخُطَا
 
كَفَاطِمَةٍ عَنْ دَرِّهَا قَبْلَ تُرْضِعُ٦٠
فَشَرَّدَ إِعْظَامِي لَهَا مَا أَتَى بِهَا
 
مِنَ النَّوْمِ وَالْتَاعَ الْفُؤَادُ الْمُفَجَّعُ٦١
فَيَا لَيْلَةً مَا كَانَ أَطْوَلَ بِتُّهَا
 
وَسُمُّ الْأَفَاعِي عَذْبُ مَا أَتَجَرَّعُ٦٢
تَذَلَّلْ لَهَا وَاخْضَعْ عَلَى الْقُرْبِ وَالنَّوَى
 
فَمَا عَاشِقٌ مَنْ لَا يَذِلُّ وَيَخْضَعُ٦٣
وَلَا ثَوْبُ مَجْدٍ غَيْرَ ثَوْبِ ابْنِ أَحْمَدٍ
 
عَلَى أَحَدٍ إِلَّا بِلُؤْمٍ مُرَقَّعُ٦٤
وَإِنَّ الَّذِي حَابَى جَدِيلَةَ طَيِّئٍ
 
بِهِ اللهُ يُعْطِي مَنْ يَشَاءُ وَيَمْنَعُ٦٥
بِذِي كَرَمٍ مَا مَرَّ يَوْمٌ وَشَمْسُهُ
 
عَلَى رَأْسِ أَوْفَى ذِمَّةً مِنْهُ تَطْلُعُ٦٦
فَأَرْحَامُ شِعْرٍ يَتَّصِلْنَ لَدُنَّهُ
 
وَأَرْحَامُ مَالٍ لَا تَنِي تَتَقَطَّعُ٦٧
فَتًى أَلْفُ جُزْءٍ رَأْيُهُ فِي زَمَانِهِ
 
أَقَلُّ جُزَيْءٍ بَعْضُهُ الرَّأْيُ أَجْمَعُ٦٨
غَمَامٌ عَلَيْنَا مُمْطِرٌ لَيْسَ يُقْشِعُ
 
وَلَا الْبَرْقُ فِيهِ خُلَّبًا حِينَ يَلْمَعُ٦٩
إِذَا عَرَضَتْ حَاجٌ إِلَيْهِ فَنَفْسُهُ
 
إِلَى نَفْسِهِ فِيهَا شَفِيعٌ مُشَفَّعُ٧٠
خَبَتْ نَارُ حَرْبٍ لَمْ تَهِجْهَا بَنَانُهُ
 
وَأَسْمَرُ عُرْيَانٌ مِنَ الْقِشْرِ أَصْلَعُ٧١
نَحِيفُ الشَّوَى يَعْدُو عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ
 
وَيَحْفَى فَيَقْوَى عَدْوُهُ حِينَ يُقْطَعُ٧٢
يَمُجُّ ظَلَامًا فِي نَهَارٍ لِسَانُهُ
 
وَيُفْهَمُ عَمَّنْ قَالَ مَا لَيْسَ يَسْمَعُ٧٣
ذُبَابُ حُسَامٍ مِنْهُ أَنْجَى ضَرِيبَةً
 
وَأَعْصَى لِمَوْلَاهُ وَذَا مِنْهُ أَطْوَعُ٧٤
فَصِيحٌ مَتَى يَنْطِقْ تَجِدْ كُلَّ لَفْظَةٍ
 
أُصُولَ الْبَرَاعَاتِ الَّتِي تَتَفَرَّعُ٧٥
بِكَفِّ جَوَادٍ لَوْ حَكَتْهَا سَحَابَةٌ
 
لَمَا فَاتَهَا فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ مَوْضِعُ٧٦
وَلَيْسَ كَبَحْرِ الْمَاءِ يَشْتَقُّ قَعْرَهُ
 
إِلَى حَيْثُ يَفْنَى الْمَاءُ حُوتٌ وَضِفْدَعُ٧٧
أَبَحْرٌ يَضُرُّ الْمُعْتَفِينَ وَطَعْمُهُ
 
زُعَاقٌ كَبَحْرٍ لَا يَضُرُّ وَيَنْفَعُ؟!٧٨
يَتِيهُ الدَّقِيقُ الْفِكْرِ فِي بُعْدِ غَوْرِهِ
 
وَيَغْرَقُ فِي تَيَّارِهِ وَهْوَ مِصْقَعُ٧٩
أَلَا أَيُّهَا الْقَيْلُ الْمُقِيمُ بِمَنْبِجٍ
 
وَهِمَّتُهُ فَوْقَ السِّمَاكَيْنِ تُوضِعُ٨٠
أَلَيْسَ عَجِيبًا أَنَّ وَصْفَكَ مُعْجِزٌ
 
وَأَنَّ ظُنُونِي فِي مَعَالِيكَ تَظْلَعُ٨١
وَأَنَّكَ فِي ثَوْبٍ وَصَدْرُكَ فِيكُمَا
 
عَلَى أَنَّهُ مِنْ سَاحَةِ الْأَرْضِ أَوْسَعُ٨٢
وَقَلْبُكَ فِي الدُّنْيَا وَلَوْ دَخَلَتْ بِنَا
 
وَبِالْجِنِّ فِيهِ مَا دَرَتْ كَيْفَ تَرْجِعُ٨٣
أَلَا كُلُّ سَمْحٍ غَيْرَكَ الْيَوْمَ بَاطِلٌ
 
وَكُلُّ مَدِيحٍ فِيَ سِوَاك مُضَيَّعُ٨٤

وقال في صباه على لسان من سأله ذلك:

شَوْقِي إِلَيْكَ نَفَى لَذِيذَ هُجُوعِي
 
فَارَقْتَنِي فَأَقَامَ بَيْنَ ضُلُوعِي٨٥
أَوَمَا وَجَدْتُمْ فِي الصَّرَاةِ مُلُوحَةً
 
مِمَّا أُرَقْرِقُ فِي الْفُرَاتِ دُمُوعِي٨٦
مَا زِلْتُ أَحْذَرُ مِنْ وَدَاعِكَ جَاهِدًا
 
حَتَّى اغْتَدَى أَسَفِي عَلَى التَّوْدِيعِ٨٧
رَحَلَ الْعَزَاءُ بِرِحْلَتِي فَكَأَنَّمَا
 
أَتْبَعْتُهُ الْأَنْفَاسَ لِلتَّشْيِيعِ٨٨

وقال يمدح علي بن إبراهيم التنوخي:

مُلِثَّ الْقَطْرِ أَعْطِشْهَا رُبُوعَا
 
وَإِلَّا فَاسْقِهَا السَّمَّ النَّقِيعَا٨٩
أُسَائِلُهَا عَنِ الْمُتَدَيِّرِيهَا
 
فَلَا تَدْرِي وَلَا تُذْرِي دُمُوعَا٩٠
لَحَاهَا اللهُ إِلَّا مَاضِيَيْهَا:
 
زَمَانَ اللَّهْوِ وَالْخَودَ الشَّمُوعَا٩١
مُنَعَّمَةٌ مُمَنَّعَةٌ رَدَاحٌ
 
يُكَلِّفُ لَفْظُهَا الطَّيْرَ الْوُقُوعَا٩٢
تُرَفِّعُ ثَوْبَهَا الْأَرْدَافُ عَنْهَا
 
فَيَبْقَى مِنْ وِشَاحَيْهَا شَسُوعَا٩٣
إِذَا مَاسَتْ رَأَيْتَ لَهَا ارْتِجَاجًا
 
لَهُ لَوْلَا سَوَاعِدُهَا نَزُوعَا٩٤
تَأَلَّمُ دَرْزَهُ وَالدَّرْزُ لَيْنٌ
 
كَمَا تَتَأَلَّمُ الْعَضْبَ الصَّنِيعَا٩٥
ذِرَاعَاهَا عَدُوَّا دُمْلُجَيْهَا
 
يَظُنُّ ضَجِيعُهَا الزَّنْدَ الضَّجِيعَا٩٦
كَأَنَّ نِقَابَهَا غَيْمٌ رَقِيقٌ
 
يُضِيءُ بِمَنْعِهِ الْبَدْرَ الطُّلُوعَا٩٧
أَقُولُ لَهَا: اكْشِفِي ضُرِّي وَقُولِي
 
بِأَكْثَرَ مِنْ تَدَلُّلِهَا خُضُوعَا٩٨
أَخِفْتِ اللهَ فِي إِحْيَاءِ نَفْسٍ
 
مَتَى عُصِيَ الْإِلَهُ بِأَنْ أُطِيعَا٩٩
غَدَا بِكِ كُلُّ خِلْوٍ مُسْتَهَامًا
 
وَأَصْبَحَ كُلُّ مَسْتُورٍ خَلِيعَا١٠٠
أُحِبُّكِ أَوْ يَقُولُوا: جَرَّ نَمْلٌ
 
ثَبِيرًا وَابْنُ إِبْرَاهِيمَ رِيعَا١٠١
بَعِيدُ الصِّيتِ مُنْبَثُّ السَّرَايَا
 
يُشِيِّبُ ذِكْرُهُ الطِّفْلَ الرَّضِيعَا١٠٢
يَغُضُّ الطَّرْفَ مِنْ مَكْرٍ وَدَهْيٍ
 
كَأَنَّ بِهِ وَلَيْسَ بِهِ خُشُوعَا١٠٣
إِذَا اسْتَعْطَيْتَهُ مَا فِي يَدَيْهِ
 
فَقَدْكَ سَأَلْتَ عَنْ سِرٍّ مُذِيعَا١٠٤
قَبُولُكَ مِنْهُ مَنٌّ عَلَيْهِ
 
وَإِلَّا يَبْتَدِئْ يَرَهُ فَظِيعَا١٠٥
لِهُونِ الْمَالِ أَفْرَشَهُ أَدِيمًا
 
وَلِلتَّفْرِيقِ يَكْرَهُ أَنْ يَضِيعَا١٠٦
إِذَا ضَرَبَ الْأَمِيرُ رِقَابَ قَوْمٍ
 
فَمَا لِكَرَامَةٍ مَدَّ النُّطُوعَا١٠٧
فَلَيْسَ بِوَاهِبٍ إِلَّا كَثِيرَا
 
وَلَيْسَ بِقَاتِلٍ إِلَّا قَرِيعَا١٠٨
وَلَيْسَ مُؤَدِّبًا إِلَّا بِنَصْلٍ
 
كَفَى الصَّمْصَامَةُ التَّعَبَ الْقَطِيعَا١٠٩
عَلِيٌّ لَيْسَ يَمْنَعُ مِنْ مَجِيءٍ
 
مُبَارِزَهُ وَيَمْنَعُهُ الرُّجُوعَا١١٠
عَلِيٌّ قَاتِلُ الْبَطَلِ الْمُفَدَّى
 
وَمُبْدِلُهُ مِنَ الزَّرَدِ النَّجِيعَا١١١
إِذَا اعْوَجَّ الْقَنَا فِي حَامِلِيهِ
 
وَجَازَ إِلَى ضُلُوعِهِمِ الضُّلُوعَا١١٢
وَنَالَتْ ثَأْرَهَا الْأَكْبَادُ مِنْهُ
 
فَأَوْلَتْهُ انْدِقَاقًا أَوْ صُدُوعَا١١٣
فَحِدْ فِي مُلْتَقَى الْخَيْلَيْنِ عَنْهُ
 
وَإِنْ كُنْتَ الْخُبَعْثِنَةَ الشَّجِيعَا١١٤
إِنِ اسْتَجْرَأْتَ تَرْمُقُهُ بَعِيدًا
 
فَأَنْتَ اسْطَعْتَ شَيْئًا مَا اسْتُطِيعَا١١٥
وَإِنْ مَارَيْتَنِي فَارْكَبْ حِصَانًا
 
وَمَثِّلْهُ تَخِرَّ لَهُ صَرِيعَا١١٦
غَمَامٌ رُبَّمَا مَطَرَ انْتِقَامًا
 
فَأَقْحَطَ وَدْقُهُ الْبَلَدَ الْمُرِيعَا١١٧
رَآنِي بَعْدَمَا قَطَعَ الْمَطَايَا
 
تَيَمُّمُهُ وَقَطَّعَتِ الْقُطُوعَا١١٨
فَصَيَّرَ سَيْلُهُ بَلَدِي غَدِيرًا
 
وَصَيَّرَ خَيْرُهُ سَنَتِي رَبِيعَا١١٩
وَجَاوَدَنِي بِأَنْ يُعْطِي وَأَحْوِي
 
فَأَغْرَقَ نَيْلُهُ أَخْذِي سَرِيعَا١٢٠
أَمُنْسِيَّ السُّكُونَ وَحَضْرَمَوْتَا
 
وَوَالِدَتِي وَكِنْدَةَ وَالسَّبِيعَا١٢١
قَدِ اسْتَقْصَيْتَ فِي سَلْبِ الْأَعَادِي
 
فَرُدَّ لَهُمْ مِنَ السَّلَبِ الْهُجُوعَا١٢٢
إِذَا مَا لَمْ تُسِرْ جَيْشًا إِلَيْهِمْ
 
أَسَرْتَ إِلَى قُلُوبِهِمِ الْهُلُوعَا١٢٣
رَضُوا بِكَ كَالرِّضَا بِالشَّيْبِ قَسْرًا
 
وَقَدْ وَخَطَ النَّوَاصِيَ وَالْفُرُوعَا١٢٤
فَلَا عَزَلٌ وَأَنْتَ بِلَا سِلَاحٍ
 
لِحَاظُكَ مَا تَكُونُ بِهِ مَنِيعَا١٢٥
لَوِ اسْتَبْدَلْتَ ذِهْنَكَ مِنْ حُسَامٍ
 
قَدَدْتَ بِهِ الْمَغَافِرَ وَالدُّرُوعَا١٢٦
لَوِ اسْتَفْرَغْتَ جُهْدَكَ فِي قِتَالٍ
 
أَتَيْتَ بِهِ عَلَى الدُّنْيَا جَمِيعَا١٢٧
سَمَوْتَ بِهِمَّةٍ تَسْمُو فَتَسْمُو
 
فَمَا تُلْفَى بِمَرْتَبَةٍ قَنُوعَا١٢٨
وَهَبْكَ سَمَحْتَ حَتَّى لَا جَوَادٌ
 
فَكَيْفَ عَلَوْتَ حَتَّى لَا رَفِيعَا١٢٩

وقال يمدح عبد الواحد بن العباس بن أبي الأصبع الكاتب:

أَرَكَائِبَ الْأَحْبَابِ إِنَّ الْأَدْمُعَا
 
تَطِسُ الْخُدُودَ كَمَا تَطِسْنَ الْيَرْمَعَا١٣٠
فَاعْرِفْنَ مَنْ حَمَلَتْ عَلَيْكُنَّ النَّوَى
 
وَامْشِينَ هَوْنًا فِي الْأَزِمَّةِ خُضَّعَا١٣١
قَدْ كَانَ يَمْنَعُنِي الْحَيَاءُ مِنَ الْبُكَا
 
فَالْيَوْمَ يَمْنَعُهُ الْبُكَا أَنْ يَمْنَعَا١٣٢
حَتَّى كَأَنَّ لِكُلِّ عَظْمٍ رَنَّةً
 
فِي جِلْدِهِ وَلِكُلِّ عِرْقٍ مَدْمَعَا١٣٣
وَكَفَى بِمَنْ فَضَحَ الْجَدَايَةَ فَاضِحًا
 
لِمُحِبِّهِ وَبِمَصْرَعِي ذَا مَصْرَعَا١٣٤
سَفَرَتْ وَبَرْقَعَهَا الْفِرَاقُ بِصُفْرَةٍ
 
سَتَرَتْ مَحَاجِرَهَا وَلَمْ تَكُ بُرْقُعَا١٣٥
فَكَأَنَّهَا وَالدَّمْعُ يَقْطُرُ فَوْقَهَا
 
ذَهَبٌ بِسِمْطَيْ لُؤْلُؤٍ قَدْ رُصِّعَا١٣٦
كَشَفَتْ ثَلَاثَ ذَوَائِبٍ مِنْ شَعْرِهَا
 
فِي لَيْلَةٍ فَأَرَتْ لَيَالِيَ أَرْبَعَا١٣٧
وَاسْتَقْبَلَتْ قَمَرَ السَّمَاءِ بِوَجْهِهَا
 
فَأَرَتْنِيَ الْقَمَرَيْنِ فِي وَقْتٍ مَعَا١٣٨
رُدِّي الْوِصَالَ سَقَى طُلُولَكِ عَارِضٌ
 
لَوْ كَانَ وَصْلُكِ مِثْلَهُ مَا أَقْشَعَا١٣٩
زَجَلٌ يُرِيكَ الْجَوَّ نَارًا وَالْمَلَا
 
كَالْبَحْرِ وَالتَّلَعَاتِ رَوْضًا مُمْرِعَا١٤٠
كَبَنَانِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْغَدَقِ الَّذِي
 
أَرْوَى وَآمَنَ مَنْ يَشَاءُ وَأَفْزَعَا١٤١
أَلِفَ الْمُرُوءَةَ مُذْ نَشَا فَكَأَنَّهُ
 
سُقِيَ اللِّبَانَ بِهَا صَبِيًّا مُرْضَعَا١٤٢
نُظِمَتْ مَوَاهِبُهُ عَلَيْهِ تَمَائِمًا
 
فَاعْتَادَهَا فَإِذَا سَقَطْنَ تَفَزَّعَا١٤٣
تَرَكَ الصَّنَائِعَ كَالْقَوَاطِعِ بَارِقَا
 
تٍ وَالْمَعَالِيَ كَالْعَوَالِيَ شُرَّعَا١٤٤
مُتَبَسِّمًا لِعُفَاتِهِ عَنْ وَاضِحٍ
 
تَغْشَى لَوَامِعُهُ الْبُرُوقَ اللُّمَّعَا١٤٥
مُتَكَشِّفًا لِعُدَاتِهِ عَنْ سَطْوَةٍ
 
لَوْ حَكَّ مَنْكِبُهَا السَّمَاءَ لَزَعْزَعَا١٤٦
الْحَازِمَ الْيَقِظَ الْأَغَرَّ الْعَالِمَ الـْ
 
ـفَطِنَ الْأَلَدَّ الْأريحيَّ الْأَرْوَعَا
الْكَاتِبَ اللَّبِقَ الْخَطِيبَ الْوَاهِبَ النـْ
 
ـنَدُسَ اللَّبِيبَ الْهِبْرِزِيَّ الْمِصْقَعَا١٤٧
نَفْسٌ لَهَا خُلُقُ الزَّمَانِ لِأَنَّهُ
 
مُفْنِي النُّفُوسِ مُفَرِّقٌ مَا جَمَّعَا١٤٨
وَيَدٌ لَهَا كَرَمٌ الْغَمَامِ لِأَنَّهُ
 
يَسْقِي الْعِمَارَةَ وَالْمَكَانَ الْبَلْقَعَا١٤٩
أَبَدًا يُصَدِّعُ شَعْبَ وَفْرٍ وَافِرِ
 
وَيَلُمُّ شَعْبَ مَكَارِمٍ مُتَصَدِّعَا١٥٠
يَهْتَزُّ لِلْجَدْوَى اهْتِزَازَ مُهَنَّدٍ
 
يَوْمَ الرَّجَاءِ هَزَزْتَهُ يَوْمَ الْوَعَى١٥١
يَا مُغْنِيًا أَمَلَ الْفَقِيرِ لِقَاؤُهُ
 
وَدُعَاؤُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ إِذَا دَعَا١٥٢
أَقْصِرْ وَلَسْتَ بِمُقْصِرٍ جُزْتَ الْمَدَى
 
وَبَلَغْتَ حَيْثُ النَّجْمُ تَحْتَكَ فَارْبَعَا١٥٣
وَحَلَلْتَ مِنْ شَرَفِ الْفَعَالِ مَوَاضِعًا
 
لَمْ يَحْلُلِ الثَّقَلَانِ مِنْهَا مَوْضِعَا١٥٤
وَحَوَيْتَ فَضْلَهُمَا وَمَا طَمِعَ امْرُؤٌ
 
فِيهِ وَلَا طَمِعَ امْرُؤٌ أَنْ يَطْمَعَا١٥٥
نَفَذَ الْقَضَاءُ بِمَا أَرَدْتَ كَأَنَّهُ
 
لَكَ كُلَّمَا أَزْمَعْتَ شَيْئًا أَزْمَعَا١٥٦
وَأَطَاعَكَ الدَّهْرُ الْعَصِيُّ كَأَنَّهُ
 
عَبْدٌ إِذَا نَادَيْتَ لَبَّى مُسْرِعَا١٥٧
أَكَلَتْ مَفَاخِرُكَ الْمَفَاخِرَ وَانْثَنَتْ
 
عَنْ شَأْوِهِنَّ مَطِيُّ وَصْفِي ظُلَّعَا١٥٨
وَجَرَيْنَ مَجْرَى الشَّمْسِ فِي أَفْلَاكِهَا
 
فَقَطَعْنَ مَغْرِبَهَا وَجُزْنَ الْمَطْلَعَا١٥٩
لَوْ نِيطَتِ الدُّنْيَا بِأُخْرَى مِثْلِهَا
 
لَعَمَمْنَهَا وَخَشِينَ أَنْ لَا تَقْنَعَا١٦٠
فَمَتَى يُكَذَّبُ مُدَّعٍ لَكَ فَوْقَ ذَا
 
وَاللهُ يَشْهَدُ أَنَّ حَقًّا مَا ادَّعَى١٦١
وَمَتَى يُؤَدِّي شَرْحَ حَالِكَ نَاطِقٌ
 
حَفِظَ الْقَلِيلَ النَّزْرَ مِمَّا ضَيَّعَا١٦٢
إِنْ كَانَ لَا يُدْعَى الْفَتَى إِلَّا كَذَا
 
رَجُلًا فَسَمِّ النَّاسَ طُرًّا إِصْبَعَا١٦٣
إِنْ كَانَ لَا يَسْعَى لِجُودٍ مَاجِدٌ
 
إِلَّا كَذَا فَالْغَيْثُ أَبْخَلُ مَنْ سَعَى١٦٤
قَدْ خَلَّفَ الْعَبَّاسُ غُرَّتَكَ ابْنَهُ
 
مَرْأًى لَنَا وَإِلَى الْقِيَامَةِ مَسْمَعَا١٦٥

وقال يرثي أبا شجاع فاتكًا، وقد توفي بمصر سنة خمسين وثلاثمائة، وكانت هذه المرثية بعد خروجه من مصر:

الْحُزْنُ يُقْلِقُ وَالتَّجَمُّلُ يَرْدَعُ
 
وَالدَّمْعُ بَيْنَهُمَا عَصِيٌّ طَيِّعُ١٦٦
يَتَنَازَعَانِ دُمُوعَ عَيْنِ مُسَهَّدٍ
 
هَذَا يَجِيءُ بِهَا وَهَذَا يَرْجِعُ١٦٧
النَّوْمُ بَعْدَ أَبِي شُجَاعٍ نَافِرٌ
 
وَاللَّيْلُ مُعْيٍ وَالْكَوَاكِبُ ظُلَّعُ١٦٨
إِنِّي لَأَجْبُنُ مِنْ فِرَاقِ أَحِبَّتِي
 
وَتُحِسُّ نَفْسِي بِالْحِمَامِ فَأَشْجُعُ١٦٩
وَيَزِيدُنِي غَضَبُ الْأَعَادِي قَسْوَةً
 
وَيُلِمُّ بِي عَتْبُ الصَّدِيقِ فَأَجْزَعُ١٧٠
تَصْفُو الْحَيَاةُ لِجَاهِلٍ أَوْ غَافِلٍ
 
عَمَّا مَضَى فِيهَا وَمَا يُتَوَقَّعُ١٧١
وَلِمَنْ يُغَالِطُ فِي الْحَقَائِقِ نَفْسَهُ
 
وَيَسُومُهَا طَلَبَ الْمُحَالِ فَتَطْمَعُ١٧٢
أَيْنَ الَّذِي الْهَرَمَانِ مِنْ بُنْيَانِهِ؟
 
مَا قَوْمُهُ مَا يَوْمُهُ مَا الْمَصْرَعُ؟١٧٣
تَتَخَلَّفُ الْآثَارُ عَنْ أَصْحَابِهَا
 
حِينًا وَيُدْرِكُهَا الْفَنَاءُ فَتَتْبَعُ١٧٤
لَمْ يُرْضِ قَلْبَ أَبِي شُجَاعٍ مَبْلَغٌ
 
قَبْلَ الْمَمَاتِ وَلَمْ يَسَعْهُ مَوْضِعُ١٧٥
كُنَّا نَظُنُّ دِيَارَهُ مَمْلُوءَةً
 
ذَهَبًا فَمَاتَ وَكُلُّ دَارٍ بَلْقَعُ١٧٦
وَإِذَا الْمَكَارِمُ وَالصَّوَارِمُ وَالْقَنَا
 
وَبَنَاتُ أَعْوَجَ كُلُّ شَيْءٍ يَجْمَعُ١٧٧
الْمَجْدُ أَخْسَرُ وَالْمَكَارِمُ صَفْقَةً
 
مِنْ أَنْ يَعِيشَ لَهَا الْكَرِيمُ الْأَرْوَعُ١٧٨
وَالنَّاسُ أَنْزَلُ فِي زَمَانِكَ مَنْزِلًا
 
مِنْ أن تُعَايِشَهُمْ وَقَدْرُكَ أَرْفَعُ١٧٩
بَرِّدْ حَشَايَ إِنِ اسْتَطَعْتَ بِلَفْظَةٍ
 
فَلَقَدْ تَضُرُّ إِذَا تَشَاءُ وَتَنْفَعُ١٨٠
مَا كَانَ مِنْكَ إِلَى خَلِيلٍ قَبْلَهَا
 
مَا يُسْتَرَابُ بِهِ وَلَا مَا يُوجِعُ١٨١
وَلَقَدْ أَرَاكَ وَمَا تُلِمُّ مُلِمَّةٌ
 
إِلَّا نَفَاهَا عَنْكَ قَلْبٌ أَصْمَعُ١٨٢
وَيَدٌ كَأَنَّ قِتَالَهَا وَنَوَالَهَا
 
فَرْضٌ يَحِقُّ عَلَيْكَ وَهْوَ تَبَرُّعُ١٨٣
يَا مَنْ يُبَدِّلُ كُلَّ يَوْمٍ حُلَّةً
 
أَنَّى رَضِيتَ بِحُلَّةٍ لَا تُنْزَعُ١٨٤
مَا زِلْتَ تَخْلَعُهَا عَلَى مَنْ شَاءَهَا
 
حَتَّى لَبِسْتَ الْيَوْمَ مَا لَا تَخْلَعُ
مَا زِلْتَ تَدْفَعُ كُلَّ أَمْرٍ فَادِحٍ
 
حَتَّى أَتَى الْأَمْرُ الَّذِي لَا يُدْفَعُ١٨٥
فَظَلِلْتَ تَنْظُرُ لَا رِمَاحُكَ شُرَّعٌ
 
فِيمَا عَرَاكَ وَلَا سُيُوفُكَ قُطَّعُ١٨٦
بِأَبِي الْوَحِيدُ وَجَيْشُهُ مُتَكَاثِرٌ
 
يَبْكِي وَمِنْ شَرِّ السِّلَاحِ الْأَدْمُعُ١٨٧
وَإِذَا حَصَلْتَ مِنَ السِّلَاحِ عَلَى الْبُكَا
 
فَحَشَاكَ رُعْتَ بِهِ وَخَدَّكَ تَقْرَعُ١٨٨
وَصَلَتْ إِلَيْكَ يَدٌ سَوَاءٌ عِنْدَهَا الـْ
 
ـبَازِي الْأُشَيْهِبُ وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ١٨٩
مَنْ لِلْمَحَافِلِ وَالْجَحَافِلِ وَالسُّرَى
 
فَقَدَتْ بِفَقْدِكَ نَيِّرًا لَا يَطْلُعُ١٩٠
وَمَنِ اتَّخَذْتَ عَلَى الضُّيُوفِ خَلِيفَةً؟
 
ضَاعُوا وَمِثْلُكَ لَا يَكَادُ يُضَيِّعُ١٩١
قُبْحًا لِوَجْهِكَ يَا زَمَانُ فَإِنَّهُ
 
وَجْهٌ لَهُ مِنْ كُلِّ قُبْحٍ بُرْقُعُ١٩٢
أَيَمُوتُ مِثْلُ أَبِي شُجَاعٍ فَاتِكٌ
 
وَيَعِيشُ حَاسِدُهُ الْخَصِيُّ الْأَوْكَعُ؟!١٩٣
أَيْدٍ مُقَطَّعَةٌ حَوَالَيْ رَأْسِهِ
 
وَقَفًا يَصِيحُ بِهَا أَلَا مَنْ يَصْفَعُ؟١٩٤
أَبْقَيْتَ أَكْذَبَ كَاذِبٍ أَبْقَيْتَهُ
 
وَأَخَذْتَ أَصْدَقَ مَنْ يَقُولُ وَيَسْمَعُ١٩٥
وَتَرَكْتَ أَنْتَنَ رِيحَةٍ مَذْمُومَةٍ
 
وَسَلَبْتَ أَطْيَبَ رِيحَةٍ تَتَضَوَّعُ١٩٦
فَالْيَوْمَ قَرَّ لِكُلِّ وَحْشٍ نَافِرٍ
 
دَمُهُ وَكَانَ كَأَنَّهُ يَتَطَلَّعُ١٩٧
وَتَصَالَحَتْ ثَمَرُ السِّيَاطِ وَخَيْلُهُ
 
وَأَوَتْ إِلَيْهَا سُوقُهَا وَالْأَذْرُعُ١٩٨
وَعَفَا الطِّرَادُ فَلَا سِنَانٌ رَاعِفٌ
 
فَوْقَ الْقَنَاةِ وَلَا حُسَامٌ يَلْمَعُ١٩٩
وَلَّى وَكُلُّ مُخَالِمٍ وَمُنَادِمٍ
 
بَعْدَ اللُّزُومِ مُشَيِّعٌ وَمُوَدِّعُ
مَنْ كَانَ فِيهِ لِكُلِّ قَوْمٍ مَلْجَأٌ
 
وَلِسَيْفِهِ فِي كُلِّ قَوْمٍ مَرْتَعُ٢٠٠
إِنْ حَلَّ فِي فُرْسٍ فَفِيهَا رَبُّهَا
 
كِسْرَى تَذِلُّ لهُ الرِّقَابُ وَتَخْضَعُ
أَوْ حَلَّ فِي رُومٍ فَفِيهَا قَيْصَرٌ
 
أَوْ حَلَّ فِي عُرْبٍ فَفِيهَا تُبَّعُ٢٠١
قَدْ كَانَ أَسْرَعَ فَارِسٍ فِي طَعْنَةٍ
 
فَرَسًا وَلَكِنَّ الْمَنِيَّةَ أَسْرَعُ٢٠٢
لَا قَلَّبَتْ أَيْدِي الْفَوَارِسِ بَعْدَهُ
 
رُمْحًا وَلَا حَمَلَتْ جَوَادًا أَرْبَعُ٢٠٣

وقال في صباه:

بِأَبِي مَنْ وَدِدْتُهُ فَافْتَرَقْنَا
 
وَقَضَى اللهُ بَعْدَ ذَاكَ اجْتِمَاعَا٢٠٤
فَافْتَرَقْنَا حَوْلًا فَلَمَّا الْتَقَيْنَا
 
كَانَ تَسْلِيمُهُ عَلَيَّ وَدَاعَا٢٠٥

قافية الفاء

وقال وقد سأله سيف الدولة عن وصف فرس يهديه إليه:

مَوْقِعُ الْخَيْلِ مِنْ نَدَاكَ طَفِيفُ
 
وَلوَ انَّ الْجِيَادَ فِيهَا أُلُوفُ١
وَمِنَ اللَّفْظِ لَفْظَةٌ تَجْمَعُ الْوَصـْ
 
ـفَ وَذَاكَ الْمُطَهَّمُ الْمَعْرُوفُ٢
مَا لَنَا فِي النَّدَى عَلَيْكَ اخْتِيَارٌ
 
كُلُّ مَا يَمْنَحُ الشَّرِيفُ شَرِيفُ٣
وأهدى إليه رجل يعرف بأبي دلف بن كنداج هدية وهو معتقل بحمص، وكان قد بلغه أنه ثلبه عند الوالي الذي اعتقله. فكتب إليه من السجن:٤
أَهْوِنْ بِطُولِ الثَّوَاءِ وَالتَّلَفِ
 
وَالسِّجْنِ وَالْقَيْدِ يَا أَبَا دُلَفِ!٥
غَيْرَ اخْتِيَارٍ قَبِلْتُ بِرَّكَ بِي
 
وَالْجُوعُ يُرْضِي الْأُسُودَ بِالْجِيَفِ٦
كُنْ أيُّهَا السِّجْنُ كَيْفَ شِئْتَ فَقَدْ
 
وَطَّنْتُ لِلْمَوْتِ نَفْسَ مُعْتَرِفِ٧
لَوْ كَانَ سُكْنَايَ فِيكَ مَنْقَصَةً
 
لَمْ يَكُنِ الدُّرُّ سَاكِنَ الصَّدَفِ٨

وقال يمدح أبا الفرج أحمد بن الحسين القاضي:

لِجِنِّيَّةٍ أَمْ غَادَةٍ رُفِعَ السَّجْفُ؟
 
لِوَحْشِيَّةٍ لَا مَا لِوَحْشِيَّةٍ شَنْفُ٩
نَفُورٌ عَرَتْهَا نَفْرَةٌ فَتَجَاذَبَتْ
 
سَوَالِفُهَا وَالْحَلْيُ وَالْخَصْرُ وَالرِّدْفُ١٠
وَخُيِّلَ مِنْهَا مِرْطُهَا فَكَأَنَّمَا
 
تَثَنَّى لَنَا خُوطٌ وَلَاحَظَنَا خِشْفُ١١
زِيَادَةُ شَيْبٍ وَهْيَ نَقْصُ زِيَادَتِي
 
وَقُوَّةُ عِشْقٍ وَهْيَ مِنْ قُوَّتِي ضَعْفُ١٢
هَرَاقَتْ دَمِي مَنْ بِي مِنَ الْوَجْدِ مَا بِهَا
 
مِنَ الْوَجْدِ بِي وَالشَّوْقُ لِي وَلَهَا حِلْفُ١٣
وَمَنْ كُلَّمَا جَرَّدْتَهَا مِنْ ثِيَابِهَا
 
كَسَاهَا ثِيَابًا غَيْرَهَا الشَّعَرُ الْوَحْفُ١٤
وَقَابَلَنِي رُمَّانَتَا غُصْنِ بَانَةٍ
 
يَمِيلُ بِهِ بَدْرٌ وَيُمْسِكُهُ حِقْفُ١٥
أَكَيْدًا لَنَا يَا بَيْنُ وَاصَلْتَ وَصْلَنَا
 
فَلَا دَارُنَا تَدْنُو وَلَا عَيْشُنَا يَصْفُو؟١٦
أُرَدِّدُ: وَيْلِي! لَوْ قَضَى الْوَيْلُ حَاجَةً
 
وَأُكْثِرُ: لَهْفِي! لَوْ شَفَى غُلَّةً لَهْفُ١٧
ضَنًى فِي الْهَوَى كَالسُّمِّ فِي الشَّهْدِ كَامِنًا
 
لَذِذْتُ بِهِ جَهْلًا وَفِي اللَّذَّةِ الْحَتْفُ١٨
فَأَفْنَى وَمَا أَفْنَتْهُ نَفْسِي كَأَنَّمَا
 
أَبُو الْفَرَجِ الْقَاضِي لَهُ دُونَهَا كَهْفُ١٩
قَلِيلُ الْكَرَى لَوْ كَانَتِ الْبِيضُ وَالْقَنَا
 
كَآرَائِهِ مَا أَغْنَتِ الْبَيضُ وَالزَّعْفُ٢٠
يَقُومُ مَقَامَ الْجَيْشِ تَقْطِيبُ وَجْهِهِ
 
وَيَسْتَغْرِقُ الْأَلْفَاظَ مِنْ لَفْظِهِ حَرْفُ٢١
وَإِنْ فَقَدَ الْإِعْطَاءَ حَنَّتْ يَمِينُهُ
 
إِلَيْهِ حَنِينَ الْإِلْفِ فَارَقَهُ الْإِلْفُ٢٢
أَدِيبٌ رَسَتْ لِلْعِلْمِ فِي أَرْضِ صَدْرِهِ
 
جِبَالٌ جِبَالُ الْأَرْضِ فِي جَنْبِهَا قُفُّ٢٣
جَوَادٌ سَمَتْ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَفُّهُ
 
سُمُوًّا أَوَدَّ الدَّهْرَ أَنَّ اسْمَهُ كَفُّ٢٤
وَأَضْحَى وَبَيْنَ النَّاسِ فِي كُلِّ سَيِّدٍ
 
مِنَ النَّاسِ إِلَّا فِي سِيَادَتِهِ خَلْفُ٢٥
يُفَدُّونَهُ حَتَّى كَأَنَّ دِمَاءَهُمْ
 
لِجَارِي هَوَاهُ فِي عُرُوقِهِمْ تَقْفُو٢٦
وُقُوفَيْنِ فِي وَقْفَيْنِ؛ شُكْرٍ وَنَائِلٍ
 
فَنَائِلُهُ وَقْفٌ وَشُكْرُهُمْ وَقْفُ٢٧
وَلَمَّا فَقَدْنَا مِثْلَهُ دَامَ كَشْفُنَا
 
عَلَيْهِ فَدَامَ الْفَقْدُ وَانْكَشَفَ الْكَشْفُ٢٨
وَمَا حَارَتِ الْأَوْهَامُ فِي عُظْمِ شَأْنِهِ
 
بِأَكْثَرَ مِمَّا حَارَ فِي حُسْنِهِ الطَّرْفُ٢٩
وَلَا نَالَ مِنْ حُسَّادِهِ الْغَيْظُ وَالْأَذَى
 
بِأَعْظَمَ مِمَّا نَالَ مِنْ وفْرِهِ الْعُرْفُ٣٠
تَفَكُّرُهُ عِلْمٌ وَمَنْطِقُهُ حُكْمٌ
 
وَبَاطِنُهُ دِينٌ وَظَاهِرُهُ ظَرْفُ٣١
أَمَاتَ رِيَاحَ اللُّؤْمِ وَهْيَ عَوَاصِفٌ
 
وَمَغْنَى الْعُلَا يُودِي وَرَسْمُ النَّدَى يَعْفُو٣٢
فَلَمْ نَرَ قَبْلَ ابْنِ الْحُسَيْنِ أَصَابِعًا
 
إِذَا مَا هَطَلْنَ اسْتَحْيَتِ الدِّيَمُ الْوُطْفُ٣٣
وَلَا سَاعِيًا فِي قُلَّةِ الْمَجْدِ مُدْرِكًا
 
بِأَفْعَالِهِ مَا لَيْسَ يُدْرِكُهُ الْوَصْفُ٣٤
وَلَمْ نَرَ شَيْئًا يَحْمِلُ الْعِبْءَ حَمْلَهُ
 
وَيَسْتَصْغِرُ الدُّنْيَا وَيَحْمِلُهُ طِرْفُ٣٥
وَلَا جَلَسَ الْبَحْرُ الْمُحِيطُ لِقَاصِدٍ
 
وَمِنْ تَحْتِهِ فَرْشٌ وَمِنْ فَوْقِهِ سَقْفُ٣٦
فَوَا عَجَبًا مِنِّي أُحَاوِلُ نَعْتَهُ
 
وَقَدْ فَنِيَتْ فِيهِ الْقَرَاطِيسُ وَالصُّحْفُ!٣٧
وَمِنْ كَثْرَةِ الْأَخْبَارِ عَنْ مَكْرُمَاتِهِ
 
يَمُرُّ لَهُ صِنْفٌ وَيَأْتِي لَهُ صِنْفُ٣٨
وَتَفْتَرُّ مِنْهُ عَنْ خِصَالٍ كَأَنَّهَا
 
ثَنَايَا حَبِيبٍ لَا يُمَلُّ لَهَا رَشْفُ٣٩
قَصَدْتُكَ وَالرَّاجُونَ قَصْدِي إِلَيْهِمْ
 
كَثِيرٌ وَلَكِنْ لَيْسَ كَالذَّنَبِ الْأَنْفُ٤٠
وَلَا الْفِضَّةُ الْبَيْضَاءُ وَالتِّبْرُ وَاحِدٌ
 
نَفُوعَانِ لِلْمُكْدِي وَبَيْنَهُمَا صَرْفُ٤١
وَلَسْتَ بِدُونٍ يُرْتَجَى الْغَيْثُ دُونَهُ
 
وَلَا مُنْتَهَى الْجُودِ الَّذِي خَلْفَهُ خَلْفُ٤٢
وَلَا وَاحِدًا فِي ذَا الْوَرَى مِنْ جَمَاعَةٍ
 
وَلَا الْبَعْضُ مِنْ كُلٍّ وَلَكِنَّكَ الضِّعْفُ٤٣
وَلَا الضِّعْفَ حَتَّى يَتْبَعَ الضِّعْفَ ضِعْفُهُ
 
وَلا ضِعْفَ ضِعْفِ الضِّعْفِ بَلْ مِثلَهُ أَلْفُ٤٤
أَقَاضِيَنَا هَذَا الَّذِي أَنْتَ أَهْلُهُ
 
غَلِطْتُ وَلَا الثُّلْثَانِ هَذَا وَلَا النِّصْفُ٤٥
وَذَنْبِي تَقْصِيرِي وَمَا جِئْتُ مَادِحًا
 
بِذَنْبِي وَلَكِنْ جِئْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَعْفُو٤٦
وأخرج له أبو العشائر جوشنًا حسنًا٤٧ فقال كيف تراه فقال مرتجلًا:
بِهِ وَبِمِثْلِهِ شُقَّ الصُّفُوفُ
 
وَزَلَّتْ عَنْ مُبَاشِرِهِ الْحُتُوفُ٤٨
فَدَعْهُ لَقًى فَإِنَّكَ مِنْ كِرَامٍ
 
جَوَاشِنُهَا الْأَسِنَّةُ وَالسُّيُوفُ٤٩
وكان أبو العشائر قد غضب على أبي الطيب فأرسل غلمانًا له ليوقعوا به فلحقوه بظاهر حلب ليلًا فرماه أحدهم بسهم، وقال: خذه وأنا غلام أبي العشائر، فقال أبو الطيب:٥٠
وَمُنْتَسِبٍ عِنْدِي إِلَى مَنْ أُحِبُّهُ
 
وَلِلنَّبْلِ حَوْلِي مِنْ يَدَيْهِ حَفِيفُ٥١
فَهَيَّجَ مِنْ شَوْقِي وَمَا مِنْ مَذَلَّةٍ
 
حَنَنْتُ وَلَكِنَّ الْكَرِيمَ أَلُوفُ٥٢
وَكُلُّ وِدَادٍ لَا يَدُومُ عَلَى الْأَذَى
 
دَوَامَ وِدَادِي لِلْحُسَيْنِ ضَعِيفُ٥٣
فَإِنْ يَكُنِ الْفِعْلُ الَّذِي سَاءَ وَاحِدًا
 
فَأَفْعَالُهُ اللَّائِي سَرَرْنَ أُلُوفُ٥٤
وَنَفْسِي لَهُ نَفْسِي الْفِدَاءُ لِنَفْسِهِ
 
وَلَكِنَّ بَعْضَ الْمَالِكِينَ عَنِيفُ٥٥

وقال في عبده إذ أخذ فرسه وأراد قتله:

أَعْدَدْتُ لِلْغَادِرِينَ أَسْيَافًا
 
أَجْدَعُ مِنْهُمْ بِهِنَّ آنَافَا٥٦
لَا يَرْحَمُ اللهُ أَرْؤُسًا لَهُمْ
 
أَطَرْنَ عَنْ هَامِهِنَّ أَقْحَافَا٥٧
مَا يَنْقِمُ السَّيْفُ غَيْرَ قِلَّتِهِمْ
 
وَأَنْ تَكُونَ الْمِئُونَ آلَافَا٥٨
يَا شَرَّ لَحْمٍ فَجَعْتُهُ بِدَمٍ
 
وَزَارَ لِلْخَامِعَاتِ أَجْوَافَا٥٩
قَدْ كُنْتَ أُغْنِيتَ عَنْ سُؤَالِكَ بِي
 
مَنْ زَجَرَ الطَّيْرَ لِي وَمَنْ عَافَا٦٠
وَعَدْتُ ذَا النَّصْلَ مَنْ تَعَرَّضَهُ
 
وَخِفْتُ لَمَّا اعْتَرَضْتَ إِخْلَافَا٦١
لَا يُذْكَرُ الْخَيْرُ إِنْ ذُكِرْتَ وَلا
 
تُتْبِعُكَ الْمُقْلَتَانِ تَوْكَافَا٦٢

إِذَا امْرُؤٌ رَاعَنِي بِغَدْرَتِهِ
 
أَوْرَدْتُهُ الْغَايَةَ الَّتِي خَافَا٦٣ 
ق

افية القاف

وقال يمدح سيف الدولة وقد أمر له بفرس دهماء وجارية:

أَيَدْرِي الرَّبْعُ أَيَّ دَمٍ أَرَاقَا؟
 
وَأَيَّ قُلُوبِ هَذَا الرَّكْبِ شَاقَا؟١
لَنَا وَلِأَهْلِهِ أَبَدًا قُلُوبٌ
 
تَلَاقَى فِي جُسُومٍ مَا تَلَاقَى٢
وَمَا عَفَتِ الرِّيَاحُ لَهُ مَحَلًّا
 
عَفَاهُ مَنْ حَدَا بِهِمُ وَسَاقَا٣
فَلَيْتَ هَوَى الْأَحِبَّةِ كَانَ عَدْلًا
 
فَحَمَّلَ كُلَّ قَلْبٍ مَا أَطَاقَا٤
نَظَرْتُ إِلَيْهِمُ وَالْعَيْنُ شَكْرَى
 
فَصَارَتْ كُلُّهَا لِلدَّمْعِ مَاقَا٥
وَقَدْ أَخَذَ التَّمَامَ الْبَدْرُ فِيهِمْ
 
وَأَعْطَانِي مِنَ السَّقَمِ الْمُحَاقَا٦
وَبَيْنَ الْفَرْعِ وَالْقَدَمَيْنِ نُورٌ
 
يَقُودُ بِلَا أَزِمَّتِهَا النِّيَاقَا٧
وَطَرْفٌ إِنْ سَقَى الْعُشَّاقَ كَأْسًا
 
بِهَا نَقْصٌ سَقَانِيهَا دِهَاقَا٨
وَخَصْرٌ تَثْبُتُ الْأَبْصَارُ فِيهِ
 
كَأَنَّ عَلَيْهِ مِنْ حَدَقٍ نِطَاقَا٩
سَلِي عَنْ سِيرَتِي فَرَسِي وَسَيْفِي
 
وَرُمْحِي وَالْهَمَلَّعَةَ الدِّفَاقَا١٠
تَرَكْنَا مِنْ وَرَاءِ الْعِيسِ نَجْدًا
 
وَنَكَّبْنَا السَّمَاوَةَ وَالْعِرَاقَا١١
فَمَا زَالَتْ تَرَى وَاللَّيْلُ دَاجٍ
 
لِسَيْفِ الدَّوْلَةِ الْمَلِكِ ائْتِلَاقَا١٢
أَدِلَّتُهَا رِيَاحُ الْمِسْكِ مِنْهُ
 
إِذَا فَتَحَتْ مَنَاخِرَهَا انْتِشَاقَا١٣
أَبَاحَكِ أَيُّهَا الْوَحْشُ الْأَعَادِي
 
فَلِمْ تَتَعَرَّضِينَ لَهُ الرِّفَاقَا؟١٤
وَلَوْ تَبَّعْتِ مَا طَرَحَتْ قَنَاهُ
 
لَكَفَّكِ عَنْ رَذَايَانَا وَعَاقَا١٥
وَلَوْ سِرْنَا إِلَيْهِ فِي طَرِيقٍ
 
مِنَ النِّيرَانِ لَمْ نَخَفِ احْتِرَاقَا١٦
إِمَامٌ لِلْأَئِمَّةِ مِنْ قُرَيْشٍ
 
إِلَى مَنْ يَتَّقُونَ لَهُ شِقَاقَا١٧
يَكُونُ لَهُمْ إِذَا غَضِبُوا حُسَامًا
 
وَلِلْهَيْجَاءِ حِينَ تَقُومُ سَاقَا١٨
فَلَا تَسْتَنْكِرَنَّ لَهُ ابْتِسَامًا
 
إِذَا فَهِقَ الْمَكَرُّ دَمًا وَضَاقَا١٩
فَقَدْ ضَمِنَتْ لَهُ الْمُهَجَ الْعَوَالِي
 
وَحَمَّلَ هَمَّهُ الْخَيْلَ الْعِتَاقَا٢٠
إِذَا أُنْعِلْنَ فِي آثَارِ قَوْمٍ
 
وَإِنْ بَعُدُوا جَعَلْنَهُمُ طِرَاقَا٢١
وَإِنْ نَقَعَ الصَّرِيخُ إِلَى مَكَانٍ
 
نَصَبْنَ لَهُ مُؤَلَّلَةً دِقَاقَا٢٢
فَكَانَ الطَّعْنُ بَيْنَهُمَا جَوَابًا
 
وَكَانَ اللُّبْثُ بَيْنَهُمَا فُوَاقَا٢٣
مُلَاقِيَةً نَوَاصِيهَا الْمَنَايَا
 
مُعَوَّدَةً فَوَارِسُهَا الْعِنَاقَا٢٤
تَبِيتُ رِمَاحُهُ فَوْقَ الْهَوَادِي
 
وَقَدْ ضَرَبَ الْعَجَاجُ لَهَا رِوَاقَا٢٥
تَمِيلُ كَأَنَّ فِي الْأَبْطَالِ خَمْرًا
 
عُلِلْنَ بِهَا اصْطِبَاحًا وَاغْتِبَاقَا٢٦
تَعَجَّبَتِ الْمُدَامُ وَقَدْ حَسَاهَا
 
فَلَمْ يَسْكَرْ وَجَادَ فَمَا أَفَاقَا٢٧
أَقَامَ الشِّعْرُ يَنْتَظِرُ الْعَطَايَا
 
فَلَمَّا فَاقَتِ الْأَمْطَارَ فَاقَا٢٨
وَزَنَّا قِيمَةَ الدَّهْمَاءِ مِنْهُ
 
وَوَفَّيْنَا الْقِيَانَ بِهِ الصَّدَاقَا٢٩
وَحَاشَا لِارْتِيَاحِكَ أَنْ يُبَارَى
 
وَلِلْكَرَمِ الَّذِي لَكَ أَنْ يُبَاقَى٣٠
وَلَكِنَّا نُدَاعِبُ مِنْكَ قَرْمًا
 
تَرَاجَعَتِ الْقُرُومُ لَهُ حِقَاقَا٣١
فَتًى لَا تَسْلُبُ الْقَتْلَى يَدَاهُ
 
وَيَسْلُبُ عَفْوُهُ الْأَسْرَى الْوَثَاقَا٣٢
وَلَمْ تَأْتِ الْجَمِيلَ إِلَيَّ سَهْوًا
 
وَلَمْ أَظْفَرْ بِهِ مِنْكَ اسْتِرَاقَا٣٣
فَأَبْلِغْ حَاسِدِيَّ عَلَيْكَ أَنِّي
 
كَبَا بَرْقٌ يُحَاوِلُ بِي لِحَاقَا٣٤
وَهَلْ تُغْنِي الرَّسَائِلُ فِي عَدُوٍّ
 
إِذَا مَا لَمْ يَكُنَّ ظُبًا رِقَاقَا؟٣٥
إِذَا مَا النَّاسُ جَرَّبَهُمْ لَبِيبٌ
 
فَإِنِّي قَدْ أَكَلْتُهُمُ وَذَاقَا٣٦
فَلَمْ أَرَ وُدَّهُمْ إِلَّا خِدَاعًا
 
وَلَمْ أَرَ دِينَهُمْ إِلَّا نِفَاقَا
يُقَصِّرُ عَنْ يَمِينِكَ كُلُّ بَحْرٍ
 
وَعَمَّا لَمْ تُلِقْهُ مَا أَلَاقَا٣٧
وَلَوْلَا قُدْرَةُ الْخَلَّاقِ قُلْنَا:
 
أَعْمَدًا كَانَ خَلْقُكَ أَمْ وِفَاقَا؟٣٨
فَلَا حَطَّتْ لَكَ الْهَيْجَاءُ سَرْجًا
 
وَلَا ذَاقَتْ لَكَ الدُّنْيَا فِرَاقَا٣٩

وقال يمدحه ويذكر الفداء الذي طلبه رسول ملك الروم وكتابه إليه:

لِعَيْنَيْكِ مَا يَلْقَى الْفُؤَادُ وَمَا لَقِي
 
وَلِلْحُبِّ مَا لَمْ يَبْقَ مِنِّي وَمَا بَقِي٤٠
وَمَا كُنْتُ مِمَّنْ يَدْخُلُ الْعِشْقُ قَلْبَهُ
 
وَلَكِنَّ مَنْ يُبْصِرْ جُفُونَكِ يَعْشَقِ٤١
وَبَيْنَ الرِّضَا وَالسُّخْطِ وَالْقُرْبِ وَالنَّوَى
 
مَجَالٌ لِدَمْعِ الْمُقْلَةِ الْمُتَرَقْرِقِ٤٢
وَأَحْلَى الْهَوَى مَا شَكَّ فِي الْوَصْلِ رَبُّهُ
 
وَفِي الْهَجْرِ فَهْوَ الدَّهْرَ يَرْجُو وَيَتَّقِي٤٣
وَغَضْبَى مِنَ الْإِدْلَالِ سَكْرَى مِنَ الصَّبَا
 
شَفَعْتُ إِلَيْهَا مِنْ شَبَابِي بِرَيِّقِ٤٤
وَأَشْنَبَ مَعْسُولِ الثَّنِيَّاتِ وَاضِحٍ
 
سَتَرْتُ فَمِي عَنْهُ فَقَبَّلَ مَفْرِقِي٤٥
وَأَجْيَادِ غِزْلَانٍ كَجِيدِكِ زُرْنَنِي
 
فَلَمْ أَتَبَيَّنْ عَاطِلًا مِنْ مُطَوَّقِ٤٦
وَمَا كُلُّ مَنْ يَهْوَى يَعِفُّ إِذَا خَلَا
 
عَفَافِي وَيُرْضِي الْحِبَّ وَالْخَيْلُ تَلْتَقِي٤٧
سَقَى اللهُ أَيَّامَ الصِّبَا مَا يَسُرُّهَا
 
وَيَفْعَلُ فِعْلَ الْبَابِلِيِّ الْمُعَتَّقِ٤٨
إِذَا مَا لَبِسْتَ الدَّهْرَ مُسْتَمْتِعًا بِهِ
 
تَخَرَّقْتَ وَالْمَلْبُوسُ لَمْ يَتَخَرَّقِ٤٩
وَلَمْ أَرَ كَالْأَلْحَاظِ يَوْمَ رَحِيلِهِمْ
 
بَعَثْنَ بِكُلِّ الْقَتْلِ مِنْ كُلِّ مُشْفِقِ٥٠
أَدَرْنَ عُيُونًا حَائِرَاتٍ كَأَنَّهَا
 
مُرَكَّبَةٌ أَحْدَاقُهَا فَوْقَ زِئْبَقِ٥١
عَشِيَّةَ يَعْدُونَا عَنِ النَّظَرِ الْبُكَا
 
وَعَنْ لَذَّةِ التَّوْدِيعِ خَوْفُ التَّفَرُّقِ٥٢
نُوَدِّعُهُمْ وَالْبَيْنُ فِينَا كَأَنَّهُ
 
قَنَا ابْنِ أَبِي الْهَيْجَاءِ فِي قَلْب فَيْلَقِ٥٣
قَوَاضٍ مَوَاضٍ نَسْجُ دَاوُدَ عِنْدَهَا
 
إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ كَنَسْجِ الْخَدَرْنَقِ٥٤
هَوَادٍ لِأَمْلَاكِ الْجُيُوشِ كَأَنَّهَا
 
تَخَيَّرُ أَرْوَاحَ الْكُمَاةِ وَتَنْتَقِي٥٥
تَقُدُّ عَلَيْهِمْ كُلَّ دِرْعٍ وَجَوْشَنٍ
 
وَتَفْرِي إِلَيْهِمْ كُلَّ سُورٍ وَخَنْدَقِ٥٦
يُغِيرُ بِهَا بَيْنَ اللُّقَانِ وَوَاسِطٍ
 
وَيُرْكِزُهَا بَيْنَ الْفُرَاتِ وَجِلِّقِ٥٧
وَيُرْجِعُهَا حُمْرًا كَأَنَّ صَحِيحَهَا
 
يُبَكِّي دَمًا مِنْ رَحْمَةِ الْمُتَدَقِّقِ٥٨
فَلَا تُبْلِغَاهُ مَا أَقُولُ فَإِنَّهُ
 
شُجَاعٌ مَتَى يُذْكَرْ لَهُ الطَّعْنُ يَشْتَقِ٥٩
ضَرُوبٌ بِأَطْرَافِ السُّيُوفِ بَنَانُهُ
 
لَعُوبٌ بِأَطْرَافِ الْكَلَامِ الْمُشَقَّقِ٦٠
كَسَائِلِهِ مَنْ يَسْأَلُ الْغَيْثَ قَطْرَةً
 
كَعَاذِلِهِ مَنْ قَالَ لِلْفُلْكِ ارْفُقِ٦١
لَقَدْ جُدْتَ حَتَّى جُدْتَ فِي كُلِّ مِلَّةٍ
 
وَحَتَّى أَتَاكَ الْحَمْدُ مِنْ كُلِّ مَنْطِقِ٦٢
رَأَى مَلِكُ الرُّومِ ارْتِيَاحَكَ لِلنَّدَى
 
فَقَامَ مَقَامَ الْمُجْتَدِي الْمُتَمَلِّقِ٦٣
وَخَلَّى الرِّمَاحَ السَّمْهَرِيَّةَ صَاغِرًا
 
لِأَدْرَبَ مِنْهُ بِالطِّعَانِ وَأَحْذَقِ٦٤
وَكَاتَبَ مِنْ أَرْضٍ بَعِيدٍ مَرَامُهَا
 
قَرِيبٍ عَلَى خَيْلٍ حَوَالَيْكَ سُبَّقِ٦٥
وَقَدْ سَارَ فِي مَسْرَاكَ مِنْهَا رَسُولُهُ
 
فَمَا سَارَ إِلَّا فَوْقَ هَامٍ مُفَلَّقِ٦٦
فَلَمَّا دَنَا أَخْفَى عَلَيْهِ مَكَانَهُ
 
شُعَاعُ الْحَدِيدِ الْبَارِقِ الْمُتَأَلِّقِ٦٧
وَأَقْبَلَ يَمْشِي فِي الْبِسَاطِ فَمَا دَرَى
 
إِلَى الْبَحْرِ يَمْشِي أَمْ إِلَى الْبَدْرِ يَرْتَقِي؟!٦٨
وَلَمْ يَثْنِكَ الْأَعْدَاءُ عَنْ مُهَجَاتِهِمْ
 
بِمِثْلِ خُضُوعٍ فِي كَلَامٍ مُنَمَّقِ٦٩
وَكُنْتَ إِذَا كَاتَبْتَهُ قَبْلَ هَذِهِ
 
كَتَبْتَ إِلَيْهِ فِي قَذَالِ الدُّمُستُقِ٧٠
فَإِنْ تُعْطِهِ مِنْكَ الْأَمَانَ فَسَائِلٌ
 
وَإِنْ تُعْطِهِ حَدَّ الْحُسَامِ فَأَخْلِقِ!٧١
وَهَلْ تَرَكَ الْبِيضُ الصَّوَارِمُ مِنْهُمُ
 
أَسِيرًا لِفَادٍ أَوْ رَقِيقًا لِمُعْتِقِ٧٢
لَقَدْ وَرَدُوا وِرْدَ الْقَطَا شَفَرَاتِهَا
 
وَمَرُّوا عَلَيْهَا زَرْدَقًا بَعْدَ زَرْدَقِ٧٣
بَلَغْتُ بِسَيْفِ الدَّوْلَةِ النُّورِ رُتْبَةً
 
أَثَرْتُ بِهَا مَا بَيْنَ غَرْبٍ وَمَشْرِقِ٧٤
إِذَا شَاءَ أَنْ يَلْهُو بِلِحْيَةِ أَحْمَقٍ
 
أَرَاهُ غُبَارِي ثُمَّ قَالَ لَهُ: الْحَقِ٧٥
وَمَا كَمَدُ الْحُسَّادِ شَيْئًا قَصَدْتُهُ
 
وَلَكِنَّهُ مَنْ يَزْحَمِ الْبَحْرَ يَغْرَقِ٧٦
وَيَمْتَحِنُ النَّاسَ الْأَمِيرُ بِرَأْيِهِ
 
وَيُغْضِي عَلَى عِلْمٍ بِكُلِّ مُمَخْرِقِ٧٧
وَإِطْرَاقُ طَرْفِ الْعَيْنِ لَيْسَ بِنَافِعٍ
 
إِذَا كَانَ طَرْفُ الْقَلْبِ لَيْسَ بِمُطْرِقِ٧٨
فَيَا أَيُّهَا الْمَطْلُوبُ جَاوِرْهُ تَمْتَنِعْ
 
وَيَا أَيُّهَا الْمَحْرُومُ يَمِّمْهُ تُرْزَقِ٧٩
وَيَا أَجْبَنَ الْفُرْسَانِ صَاحِبْهُ تَجْتَرِئْ
 
وَيَا أَشْجَعَ الشُّجْعَانِ فَارِقْهُ تَفْرَقِ٨٠
إِذَا سَعَتِ الْأَعْدَاءُ فِي كَيْدِ مَجْدِهِ
 
سَعَى جَدُّهُ فِي كَيْدِهِمْ سَعْيَ مُحْنَقِ٨١
وَمَا يَنْصُرُ الْفَضْلُ الْمُبِينُ عَلَى الْعِدَا
 
إِذَا لَمْ يَكُنْ فَضْلَ السَّعِيدِ الْمُوَفَّقِ؟٨٢

وقال يمدحه ويذكر إيقاعه ببني عقيل وقشير وبني العجلان وكلاب لما عاثوا في نواحي أعماله، وقصدَه إياهم، وإهلاكَ من أهلكه منهم، وعفوه عمن عفا بعد تضافرهم وتضامهم عن لقائه سنة ٣٤٤:

تَذَكَّرْتُ مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ وَبَارِقِ
 
مَجَرَّ عَوَالِينَا وَمَجْرَى السَّوَابِقِ٨٣
وَصُحْبَةَ قَوْمٍ يَذْبَحُونَ قَنِيصَهُمْ
 
بِفَضْلَةِ مَا قَدْ كَسَّرُوا فِي الْمَفَارِقِ٨٤
وَلَيْلًا تَوَسَّدْنَا الثَّوِيَّةَ تَحْتَهُ
 
كَأَنَّ ثَرَاهَا عَنْبَرٌ فِي الْمَرَافِقِ٨٥
بِلَادٌ إِذَا زَارَ الْحِسَانَ بِغَيْرِهَا
 
حَصَا تُرْبِهَا ثَقَّبْنَهُ لِلْمَخَانِقِ٨٦
سَقَتْنِي بِهَا الْقُطْرُبُّلِيَّ مَلِيحَةٌ
 
عَلَى كَاذِبٍ مِنْ وَعْدِهَا ضَوْءُ صَادِقِ٨٧
سُهَادٌ لِأَجْفَانٍ وَشَمْسٌ لِنَاظِرٍ
 
وَسُقْمٌ لِأَبْدَانٍ وَمِسْكٌ لِنَاشِقِ٨٨
وَأَغْيَدُ يَهْوَى نَفْسَهُ كُلُّ عَاقِلٍ
 
عَفِيفٍ وَيَهْوَى جِسْمَهُ كُلُّ فَاسِقِ٨٩
أَدِيبٌ إِذَا مَا جَسَّ أَوْتَارَ مِزْهَرٍ
 
بَلَا كُلَّ سَمْعٍ عَنْ سِوَاهَا بِعَائِقِ٩٠
يُحَدِّثُ عَمَّا بَيْنَ عَادٍ وَبَيْنَهُ
 
وَصُدْغَاهُ فِي خَدَّيْ غُلَامٍ مُرَاهِقِ٩١
وَمَا الْحُسْنُ فِي وَجْهِ الْفَتَى شَرَفًا لَهُ
 
إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي فِعْلِهِ وَالْخَلَائِقِ٩٢
وَمَا بَلَدُ الْإِنْسَانِ غَيْرُ الْمُوَافِقِ
 
وَلَا أَهْلُهُ الْأَدْنَوْنَ غَيْرُ الْأَصَادِقِ٩٣
وَجَائِزَةٌ دَعْوَى الْمَحَبَّةِ وَالْهَوَى
 
وَإِنْ كَانَ لَا يَخْفَى كَلَامُ الْمُنَافِقِ٩٤
بِرَأْيِ مَنِ انْقَادَتْ عُقَيْلٌ إِلَى الرَّدَى
 
وَإِشْمَاتِ مَخْلُوقٍ وَإِسْخَاطِ خَالِقِ؟٩٥
أَرَادُوا عَلِيًّا بِالَّذِي يُعْجِزُ الْوَرَى
 
وَيُوسِعُ قَتْلَ الْجَحْفَلِ الْمُتَضَايِقِ٩٦
فَمَا بَسَطُوا كَفًّا إِلَى غَيْرِ قَاطِعٍ
 
وَلَا حَمَلُوا رَأْسًا إِلَى غَيْرِ فَالِقِ٩٧
لَقَدْ أَقْدَمُوا لَوْ صَادَفُوا غَيْرَ آخِذ
 
وَقَدْ هَرَبُوا لَوْ صَادَفُوا غَيْرَ لَاحِقِ٩٨
وَلَمَّا كَسَا كَعْبًا ثِيَابًا طَغَوْا بِهَا
 
رَمَى كُلَّ ثَوْبٍ مِنْ سِنَانٍ بِخَارِقِ٩٩
وَلَمَّا سَقَى الْغَيْثَ الَّذِي كَفَرُوا بِهِ
 
سَقَى غَيْرَهُ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْبَوَارِقِ١٠٠
وَمَا يُوجِعُ الْحِرْمَانُ مِنْ كَفِّ حَارِمٍ
 
كَمَا يُوجِعُ الْحِرْمَانُ مِنْ كَفِّ رَازِقِ١٠١
أَتَاهُمْ بِهَا حَشْوَ الْعَجَاجَةِ وَالْقَنَا
 
سَنَابِكُهَا تَحْشُو بُطُونَ الْحَمَالِقِ١٠٢
عَوَابِسَ حَلَّى يَابِسُ الْمَاءِ حُزْمَهَا
 
فَهُنَّ عَلَى أَوْسَاطِهَا كَالْمَنَاطِقِ١٠٣
فَلَيْتَ أَبَا الْهَيْجَا يَرَى خَلْفَ تَدْمُرٍ
 
طِوَالَ الْعَوَالِي فِي طِوَالِ السَّمَالِقِ١٠٤
وَسَوْقَ عَلِيٍّ مِنْ مَعَدٍّ وَغَيْرِهَا
 
قَبَائِلَ لَا تُعْطِي الْقُفِيَّ لِسَائِقِ١٠٥
قُشَيْرٌ وَبَلْعَجْلَانِ فِيهَا خَفِيَّةٌ
 
كَرَاءَيْنِ فِي أَلْفَاظِ أَلْثَغَ نَاطِقِ١٠٦
تُخَلِّيهِمِ النِّسْوَانُ غَيْرَ فَوَارِكٍ
 
وَهُمْ خَلَّوُا النِّسْوَانَ غَيْرَ طَوَالِقِ١٠٧
يُفَرِّقُ مَا بَيْنَ الْكُمَاةِ وَبَيْنَهَا
 
بِضَرْبٍ يُسَلِّي حَرُّهُ كُلَّ عَاشِقِ١٠٨
أَتَى الظُّعْنَ حَتَّى مَا تَطِيرُ رَشَاشَةٌ
 
مِنَ الْخَيْلِ إِلَّا فِي نُحُورِ الْعَوَاتِقِ١٠٩
بِكُلِّ فَلَاةٍ تُنْكِرُ الْإِنْسَ أَرْضُهَا
 
ظَعَائِنُ حُمْرُ الْحَلْيِ حُمْرُ الْأَيَانِقِ١١٠
وَمَلْمُومَةٌ سَيْفِيَّةٌ رَبَعِيَّةٌ
 
يَصِيحُ الْحَصَى فِيهَا صِيَاحَ اللَّقَالِقِ١١١
بَعِيدَةُ أَطْرَافِ الْقَنَا مِنْ أُصُولِهِ
 
قَرِيبَةُ بَيْن الْبَيْضِ غُبْرُ الْيَلَامِقِ١١٢
نَهَاهَا وَأَغْنَاهَا عَنِ النَّهْبِ جُودُهُ
 
فَمَا تَبْتَغِي إِلَّا حُمَاةَ الْحَقَائِقِ١١٣
تَوَهَّمَهَا الْأَعْرَابُ سَوْرَةَ مُتْرَفٍ
 
تُذَكِّرُهُ الْبَيْدَاءُ ظِلَّ السُّرَادِقِ١١٤
فَذَكَّرْتَهُمْ بِالْمَاءِ سَاعَةَ غَبَّرَتْ
 
سَمَاوَةُ كَلْبٍ فِي أُنُوفِ الْحَزَائِقِ١١٥
وَكَانُوا يَرُوعُونَ الْمُلُوكَ بِأَنْ بَدَوْا
 
وَأَنْ نَبَتَتْ فِي الْمَاءِ نَبْتَ الْغَلَافِقِ١١٦
فَهَاجُوكَ أَهْدَى فِي الْفَلَا مِنْ نُجُومِهِ
 
وَأَبْدَى بُيُوتًا مِنْ أَدَاحِي النَّقَانِقِ١١٧
وَأَصْبَرَ عَنْ أَمْوَاهِهِ مِنْ ضِبَابِهِ
 
وَآلَفَ مِنْهَا مُقْلَةً لِلْوَدَائِقِ١١٨
وَكَانَ هَدِيرًا مِنْ فُحُولٍ تَرَكْتَهَا
 
مُهَلَّبَةَ الْأَذْنَابِ خُرْسَ الشَّقَاشِقِ١١٩
فَمَا حَرَمُوا بِالرَّكْضِ خَيْلَكَ رَاحَةً
 
وَلَكِنْ كَفَاهَا الْبَرُّ قَطْعَ الشَّوَاهِقِ١٢٠
وَلَا شَغَلُوا صُمَّ الْقَنَا بِقُلُوبِهِمْ
 
عَنِ الرَّكْزِ لَكِنْ عَنْ قُلُوبِ الدَّمَاسِقِ١٢١
أَلَمْ يَحْذَرُوا مَسْخَ الَّذِي يَمْسَخُ الْعِدَا
 
وَيَجْعَلُ أَيْدِي الْأُسْدِ أَيْدِي الْخَرَانِقِ١٢٢
وَقَدْ عَايَنُوهُ فِي سِوَاهُمْ وَرُبَّمَا
 
أَرَى مَارِقًا فِي الْحَرْبِ مَصْرَعَ مَارِقِ١٢٣
تَعَوَّدَ أَنْ لَا تَقْضَمَ الْحَبَّ خَيْلُهُ
 
إِذَا الْهَامُ لَمْ تَرْفَعْ جُنُوبَ الْعَلَائِقِ١٢٤
وَلَا تَرِدَ الْغُدْرَانَ إِلَّا وَمَاؤُهَا
 
مِنَ الدَّمِ كَالرَّيْحَانِ تَحْتَ الشَّقَائِقِ١٢٥
لَوَفْدُ نُمَيْرٍ كَانَ أَرْشَدَ مِنْهُمُ
 
وَقَدْ طَرَدُوا الْأَظْعَانَ طَرْدَ الْوَسَائِقِ١٢٦
أَعَدُّوا رِمَاحًا مِنْ خُضُوعٍ فَطَاعَنُوا
 
بِهَا الْجَيْشَ حَتَّى رَدَّ غَرْبَ الْفَيَالِقِ١٢٧
فَلَمْ أَرَ أَرْمَى مِنْهُ غَيْرَ مُخَاتِلٍ
 
وَأَسْرَى إِلَى الْأَعْدَاءِ غَيْرَ مُسَارِقِ١٢٨
تُصِيبُ الْمَجَانِيقُ الْعِظَامُ بِكَفِّهِ
 
دَقَائِقَ قَدْ أَعْيَتْ قِسِيَّ الْبَنَادِقِ١٢٩

وقال في صباه يمدح أبا المنتصر شجاع بن محمد بن أرس بن معن بن الرضي الأزدي:

أَرَقٌ عَلَى أَرَقٍ وَمِثْلِيَ يَأْرَقُ
 
وَجَوًى يَزِيدُ وَعَبْرَةٌ تَتَرَقْرَقُ١٣٠
جُهْدُ الصَّبَابَةِ أَنْ تَكُونَ كَمَا أُرَى
 
عَيْنٌ مُسَهَّدَةٌ وَقَلْبٌ يَخْفِقُ١٣١
مَا لَاحَ بَرْقٌ أَوْ تَرَنَّمَ طَائِرٌ
 
إِلَّا انْثَنَيْتُ وَلِي فُؤَادٌ شَيِّقُ١٣٢
جَرَّبْتُ مِنْ نَارِ الْهَوَى مَا تَنْطَفِي
 
نَارُ الْغَضَى وَتَكِلُّ عَمَّا تُحْرِقُ١٣٣
وَعَذَلْتُ أَهْلَ الْعِشْقِ حَتَّى ذُقْتُهُ
 
فَعَجِبْتُ كَيْفَ يَمُوتُ مَنْ لَا يَعْشَقُ؟!١٣٤
وَعَذَرْتُهُمْ وَعَرَفْتُ ذَنْبِي أَنَّنِي
 
عَيَّرْتُهُمْ فَلَقِيتُ فِيهِ مَا لَقُوا١٣٥
أَبَنِي أَبِينَا نَحْنُ أَهْلُ مَنَازِلٍ
 
أَبَدًا غُرَابُ الْبَيْنِ فِيهَا يَنْعِقُ١٣٦
نَبْكِي عَلَى الدُّنْيَا وَمَا مِنْ مَعْشَرٍ
 
جَمَعَتْهُمُ الدُّنْيَا فَلَمْ يَتَفَرَّقُوا١٣٧
أَيْنَ الْأَكَاسِرَةُ الْجَبَابِرَةُ الْأُلَى
 
كَنَزُوا الْكُنُوزَ فَمَا بَقِينَ وَلَا بَقُوا١٣٨
مِنْ كُلِّ مَنْ ضَاقَ الْفَضَاءُ بِجَيْشِهِ
 
حَتَّى ثَوَى فَحَوَاهُ لَحْدٌ ضَيِّقُ١٣٩
خُرْسٌ إِذَا نُودُوا كَأَنْ لَمْ يَعْلَمُوا
 
أَنَّ الْكَلَامَ لَهُمْ حَلَالٌ مُطْلَقُ١٤٠
وَالْمَوْتُ آتٍ وَالنُّفُوسُ نَفَائِسٌ
 
وَالْمُسْتَغِرُّ بِمَا لَدَيْهِ الْأَحْمَقُ١٤١
وَالْمَرْءُ يَأْمُلُ وَالْحَيَاةُ شَهِيَّةٌ
 
وَالشَّيْبُ أَوْقَرُ وَالشَّبِيبَةُ أَنْزَقُ١٤٢
وَلَقَدْ بَكَيْتُ عَلَى الشَّبَابِ وَلِمَّتِي
 
مُسْوَدَّةٌ وَلِمَاءِ وَجْهِيَ رَوْنَقُ١٤٣
حَذَرًا عَلَيْهِ قَبْلَ يَوْمِ فِرَاقِهِ
 
حَتَّى لَكِدْتُ بِمَاءِ جَفْنِيَ أَشْرَقُ١٤٤
أَمَّا بَنُو أَوْسِ بْنِ مَعْنِ بْنِ الرِّضَا
 
فَأَعَزُّ مَنْ تُحْدَى إِلَيْهِ الْأَيْنُقُ١٤٥
كَبَّرْتُ حَوْلَ دِيَارِهِمْ لَمَّا بَدَتْ
 
مِنْهَا الشُّمُوسُ وَلَيْسَ فِيهَا الْمَشْرِقُ١٤٦
وَعَجِبْتُ مِنْ أَرْضٍ سَحَابُ أَكُفِّهِمْ
 
مِنْ فَوْقِهَا وَصُخُورُهَا لَا تُورِقُ١٤٧
وَتَفُوحُ مِنْ طِيبِ الثَّنَاءِ رَوَائِحٌ
 
لَهُمُ بِكُلِّ مَكَانَةٍ تُسْتَنْشَقُ١٤٨
مِسْكِيَّةُ النَّفحَاتِ إِلَّا أَنَّهَا
 
وَحْشِيَّةٌ بِسِوَاهُمُ لَا تَعْبَقُ١٤٩
أَمُرِيدَ مِثْلَ مُحَمَّدٍ فِي عَصْرِنَا
 
لَا تَبْلُنَا بِطِلَابِ مَا لَا يُلْحَقُ١٥٠
لَمْ يَخْلُقِ الرَّحْمَنُ مِثْلَ مُحَمَّدٍ
 
أَبَدًا وَظَنِّي أَنَّهُ لَا يَخْلُقُ١٥١
يَا ذَا الَّذِي يَهَبُ الْجَزِيلَ وَعِنْدَهُ
 
أَنِّي عَلَيْهِ بِأَخْذِهِ أَتَصَدَّقُ١٥٢
أَمْطِرْ عَلَيَّ سَحَابَ جُودِكَ ثَرَّةَ
 
وَانْظُرْ إِلَيَّ بِرَحْمَةٍ لَا أَغْرَقُ١٥٣
كَذَبَ ابْنُ فَاعِلَةٍ يَقُولُ بِجَهْلِهِ
 
مَاتَ الْكِرَامُ وَأَنْتَ حَيٌّ تُرْزَقُ١٥٤

وقال في صباه ارتجالًا:

أَيَّ مَحَلٍّ أَرْتَقِي؟
 
أَيَّ عَظِيمٍ أَتَّقِي؟١٥٥
وَكُلُّ مَا قَدْ خَلَقَ اللهُ
 
وَمَا لَمْ يَخْلُقِ
مُحْتَقَرٌ فِي هِمَّتِي
 
كَشَعْرَةٍ فِي مَفْرِقِي١٥٦

وقال يمدح الحسين بن إسحاق التنوخي:

هُوَ الْبَيْنُ حَتَّى مَا تَأَنَّى الْحَزَائِقُ
 
وَيَا قَلْبِ حَتَّى أَنْتَ مِمَّنْ أُفَارِقُ١٥٧
وَقَفْنَا وَمِمَّا زَادَ بَثًّا وُقُوفُنَا
 
فَرِيقَيْ هَوًى مِنَّا مَشُوقٌ وَشَائِقُ١٥٨
وَقَدْ صَارَتِ الْأَجْفَانُ قَرْحَى مِنَ الْبُكَا
 
وَصَارَ بَهَارًا فِي الْخُدُودِ الشَّقَائِقُ١٥٩
عَلَى ذَا مَضَى النَّاسُ؛ اجْتِمَاعٌ وَفُرْقَةٌ
 
وَمَيْتٌ وَمَوْلُودٌ وَقَالٍ وَوَامِقُ١٦٠
تَغَيَّرَ حَالِي وَاللَّيَالِي بِحَالِهَا
 
وَشِبْتُ وَمَا شَابَ الزَّمَانُ الْغُرَانِقُ١٦١
سَلِ الْبِيدَ: أَيْنَ الْجِنُّ مِنَّا بِجَوْزِهَا
 
وَعَنْ ذِي الْمَهَارِي: أَيْنَ مِنْهَا النَّقَانِقُ؟١٦٢
وَلَيْلٍ دَجُوجِيٍّ كَأَنَّا جَلَتْ لَنَا
 
مُحَيَّاكَ فِيهِ فَاهْتَدَيْنَا السَّمَالِقُ١٦٣
فَمَا زَالَ لَوْلَا نُورُ وَجْهِكَ جُنْحُهُ
 
وَلَا جَابَهَا الرُّكْبَانُ لَوْلَا الْأَيَانِقُ١٦٤
وَهَزٌّ أَطَارَ النَّوْمَ حَتَّى كَأَنَّنِي
 
مِنَ السُّكْرِ فِي الْغَرْزَيْنِ ثَوْبٌ شُبَارِقُ١٦٥
شَدَوْا بِابْنِ إِسْحَقَ الْحُسَيْنِ فَصَافَحَتْ
 
ذَفَارِيَهَا كِيرَانُهَا وَالنَّمَارِقُ١٦٦
بِمَنْ تَقْشَعِرُّ الْأَرْضُ خَوْفًا إِذَا مَشَى
 
عَلَيْهَا وَتَرْتَجُّ الْجِبَالُ الشَّوَاهِقُ١٦٧
فَتًى كَالسَّحَابِ الْجُونِ يُخْشَى وَيُرْتَجَى
 
يُرَجَّى الْحَيَا مِنْهَا وَتُخْشَى الصَّوَاعِقُ١٦٨
وَلَكِنَّهَا تَمْضِي وَهَذَا مُخَيِّمٌ
 
وَتَكْذِبُ أَحْيَانًا وَذَا الدَّهْرَ صَادِقُ١٦٩
تَخَلَّى مِنَ الدُّنْيَا لِيُنْسَى فَمَا خَلَتْ
 
مَغَارِبُهَا مِنْ ذِكْرِهِ وَالْمَشَارِقُ١٧٠
غَذَا الْهِنْدُوَانِيَّاتِ بِالْهَامِ وَالطُّلَا
 
فَهُنَّ مَدَارِيهَا وَهُنَّ الْمَخَانِقُ١٧١
تُشَقَّقُ مِنْهُنَّ الْجُيُوبُ إِذَا غَزَا
 
وَتُخْضَبُ مِنْهُنَّ اللِّحَى وَالْمَفَارِقُ١٧٢
يُجَنَّبُهَا مَنْ حَتْفُهُ عَنْهُ غَافِلٌ
 
وَيَصْلَى بِهَا مَنْ نَفْسُهُ مِنْهُ طَالِقُ١٧٣
يُحَاجَى بِهِ: مَا نَاطِقٌ وَهْوَ سَاكِتٌ
 
يُرَى سَاكِتًا وَالسَّيْفُ عَنْ فِيهِ نَاطِقُ؟١٧٤
نَكِرْتُكَ حَتَّى طَالَ مِنْكَ تَعَجُّبِي
 
وَلَا عَجَبٌ مِنْ حُسْنِ مَا اللهُ خَالِقُ١٧٥
كَأَنَّكَ فِي الْإِعْطَاءِ لِلْمَالِ مُبْغِضٌ
 
وَفِي كُلِّ حَرْبٍ لِلْمَنِيَّةِ عَاشِقُ١٧٦
أَلَا قَلَّمَا تبْقَى عَلَى مَا بَدَا لَهَا
 
وَحَلَّ بِهَا مِنْكَ الْقَنَا وَالسَّوَابِقُ١٧٧
سَيُحْيِي بِكَ السُّمَّارُ مَا لَاحَ كَوْكَبٌ
 
وَيَحْدُو بِكَ السُّفَّارُ مَا ذَرَّ شَارِقُ١٧٨
خَفِ اللهَ وَاسْتُرْ ذَا الْجَمَالَ بِبُرْقُعٍ
 
فَإِنْ لُحْتَ ذَابَتْ فِي الْخُدُورِ الْعَوَاتِقُ١٧٩
فَمَا تَرْزُقُ الْأَقْدَارُ مَنْ أَنْتَ حَارِمٌ
 
وَلَا تَحْرِمُ الْأَقْدَارُ مَنْ أَنْتَ رَازِقُ
وَلَا تَفْتُقُ الْأَيَّامُ مَا أَنْتَ رَاتِقُ
 
وَلَا تَرْتُقُ الْأَيَّامُ مَا أَنْتَ فَاتِقُ١٨٠
لَكَ الْخَيْرُ غَيْرِي رَامَ مِنْ غَيْرِكَ الْغِنَى
 
وَغَيْرِي بِغَيْرِ اللَّاذِقِيَّةِ لَاحِقُ١٨١
هِيَ الْغَرَضُ الْأَقْصَى وَرُؤْيَتُكَ الْمُنَى
 
وَمَنْزِلُكَ الدُّنْيَا وَأَنْتَ الْخَلَائِقُ١٨٢

وعرض عليه بدر بن عمار الصحبة للشرب في غد فقال ارتجالًا:

وَجَدْتُ الْمُدَامَةَ غَلَّابَةً
 
تُهَيِّجُ لِلْقَلْبِ أَشْوَاقَهُ١٨٣
تُسِيءُ مِنَ الْمَرْءِ تَأْدِيبَهُ
 
وَلَكِنْ تُحَسِّنُ أَخْلَاقَهُ١٨٤
وَأَنْفَسُ مَا لِلْفَتَى لُبُّهُ
 
وَذُو اللُّبِّ يَكْرَهُ إِنْفَاقَهُ١٨٥
وَقَدْ مُتُّ أَمْسِ بِهَا مَوْتَةً
 
وَلَا يَشْتَهِي الْمَوْتَ مَنْ ذَاقَهُ١٨٦

وقال في وصف لعبة عند بدر بن عمار:

وَذَاتِ غَدَائِرٍ لَا عَيْبَ فِيهَا
 
سِوَى أَنْ لَيْسَ تَصْلُحُ لِلْعِنَاقِ١٨٧
أَمَرْتَ بِأَنْ تُشَالَ فَفَارَقْتَنَا
 
وَمَا أَلِمَتْ لِحَادِثَةِ الْفِرَاقِ١٨٨
إِذَا هَجَرَتْ فَعَنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ
 
وَإِنْ زَارَتْ فَعَنْ غَيْرِ اشْتِيَاقِ

وعرض عليه محمد بن طغج الشرب فامتنع، فأقسم عليه بحقه فشرب، وقال:

سَقَانِي الْخَمْرَ قَوْلُكَ لِي: بِحَقِّي
 
وَوُدٌّ لَمْ تَشُبْهُ لِي بِمَذْقِ١٨٩
يَمِينًا لَوْ حَلَفْتَ وَأَنْتَ نَاءٍ
 
عَلَى قَتْلِي بِهَا لَضَرَبْتُ عُنْقِي١٩٠
وكان لأبي الطيب حِجْرة١٩١ تسمى الجهامة، ولها مهر يسمى الطخرور، فأقام الثلج على الأرض بأنطاكيَة وتعذر المرعى على المهر، فقال:
مَا لِلْمُرُوجِ الْخُضْرِ وَالْحَدَائِقِ
 
يَشْكُو خَلَاهَا كَثْرَةَ الْعَوَائِقِ١٩٢
أَقَامَ فِيهَا الثَّلْجُ كَالْمُرَافِقِ
 
يَعْقِدُ فَوْقَ السِّنِّ رِيقَ الْبَاصِقِ١٩٣
ثُمَّ مَضَى لَا عَادَ مِنْ مُفَارِقِ
 
بِقَائِدٍ مِنْ ذَوْبِهِ وَسَائِقِ١٩٤
كَأَنَّمَا الطُّخْرُورُ بَاغِي آبِقِ
 
يَأْكُلُ مِنْ نَبْتٍ قَصِيرٍ لَاصِقِ١٩٥
كَقَشْرِكَ الْحِبْرَ عَنِ الْمَهَارِقِ
 
أَرُودُهُ مِنْهُ بِكَالشُّوذَانِقِ١٩٦
بِمُطْلَقِ الْيُمْنَى طَوِيلِ الْفَائِقِ
 
عَبْلِ الشَّوَى مُقَارِبِ الْمَرَافِقِ١٩٧
رَحْبِ اللَّبَانِ نَائِهِ الطَّرَائِقِ
 
ذِي مَنْخِرٍ رَحْبٍ وَإِطْلٍ لَاحِقِ١٩٨
مُحَجَّلٍ نَهْدٍ كُمَيْتٍ زَاهِقِ
 
شَادِخَةٍ غُرَّتُهُ كَالشَّارِقِ١٩٩
كَأَنَّهَا مِنْ لَوْنِهِ فِي بَارِقِ٢٠٠
بَاقٍ عَلَى الْبَوْغَاءِ وَالشَّقَائِقِ
 
وَالْأَبْرَدَيْنِ وَالْهَجِيرِ الْمَاحِقِ٢٠١
لِلْفَارِسِ الرَّاكِضِ مِنْهُ الْوَاثِقِ
 
خَوْفُ الْجَبَانِ فِي فُؤَادِ الْعَاشِقِ٢٠٢
كَأَنَّهُ فِي رَيْدِ طَوْدٍ شَاهِق٢٠٣
 
يَشْأَى إِلَى الْمِسْمَعِ صَوْتَ النَّاطِقِ٢٠٤
لَوْ سَابَقَ الشَّمْسَ مِنَ الْمَشَارِقِ
 
جَاءَ إِلَى الْغَرْبِ مَجِيءَ السَّابِقِ
يَتْرُكُ فِي حِجَارَةِ الْأَبَارِقِ
 
آثَارَ قَلْعِ الْحَلْيِ فِي الْمَنَاطِقِ٢٠٥
مَشْيًا وَإِنْ يَعْدُ فَكَالْخَنَادِقِ٢٠٦
لَوْ أُورِدَتْ غِبَّ سَحَابٍ صَادِقِ
 
لَأَحْسَبَتْ خَوَامِسَ الْأَيَانِقِ٢٠٧
إِذَا اللِّجَامُ جَاءَهُ لِطَارِقِ
 
شَحَا لَهُ شَحْوَ الْغُرَابِ النَّاغِقِ٢٠٨
كَأَنَّمَا الْجِلْدُ لِعُرْيِ النَّاهِقِ
 
مُنْحَدِرٌ عَنْ سِيَتَيْ جُلَاهِقِ٢٠٩
بَزَّ الْمَذَاكِي وَهْوَ فِي الْعَقَائِقِ
 
وَزَادَ فِي السَّاقِ عَلَى النَّقَانِقِ٢١٠
وَزَادَ فِي الْوَقْعِ عَلَى الصَّوَاعِقِ
 
وَزَادَ فِي الْأُذْنِ عَلَى الْخَرَانِقِ٢١١
وَزَادَ فِي الْحِذْرِ عَلَى الْعَقَاعِقِ
 
يُمَيِّزُ الْهَزْلَ مِنَ الْحَقَائِقِ٢١٢
وَيُنْذِرُ الرَّكْبَ بِكُلِّ سَارِقِ
 
يُرِيكَ خُرْقًا وَهْوَ عَيْنُ الْحَاذِقِ٢١٣
يَحُكُّ أَنَّى شَاءَ حَكَّ الْبَاشِقِ
 
قُوبِلَ مِنْ آفِقَةٍ وَآفِقِ٢١٤
بَيْنَ عِتَاقِ الْخَيْلِ وَالْعَتَائِقِ
 
فَعُنْقُهُ يُرْبِي عَلَى الْبَوَاسِقِ٢١٥
وَحَلْقُهُ يُمْكِنُ فِتْرَ الْخَانِقِ
 
أُعِدُّهُ لِلطَّعْنِ فِي الْفَيَالِقِ٢١٦
وَالضَّرْبِ فِي الْأَوْجُهِ وَالْمَفَارِقِ
 
وَالسَّيْرِ فِي ظِلِّ اللِّوَاءِ الْخَافِقِ٢١٧
يَحْمِلُنِي وَالنَّصْلُ ذُو السَّفَاسِقِ
 
يَقْطُرُ فِي كُمِّي عَلَى الْبَنَائِقِ٢١٨
لَا أَلْحَظُ الدُّنْيَا بِعَيْنَيْ وَامِقِ
 
وَلَا أُبَالِي قِلَّةَ الْمُرَافِقِ٢١٩
أَيْ كَبْتَ كُلِّ حَاسِدٍ مُنَافِقِ
 
أَنْتَ لَنَا وَكُلُّنَا لِلْخَالِقِ٢٢٠

وقال يهجو إسحاق بن كيغلغ وقد بلغه أن غلمانه قتلوه:

قَالُوا لَنَا: مَاتَ إِسْحَاقٌ فَقُلْتُ لَهُمْ:
 
هَذَا الدَّوَاءُ الَّذِي يَشْفِي مِنَ الْحُمْقِ٢٢١
إِنْ مَاتَ مَاتَ بِلَا فَقْدٍ وَلَا أَسَفٍ
 
أَوْ عَاشَ عَاشَ بِلَا خَلْقٍ وَلَا خُلُقِ٢٢٢
مِنْهُ تَعَلَّمَ عَبْدٌ شَقَّ هَامَتَهُ
 
خَوْنَ الصَّدِيقِ وَدَسَّ الْغَدْرِ فِي الْمَلَقِ٢٢٣
وَحَلْفَ أَلْفِ يَمِينٍ غَيْرِ صَادِقَةٍ
 
مَطْرُودَةٍ كَكُعُوبِ الرُّمْحِ فِي نَسَقِ٢٢٤
مَا زِلْتُ أَعْرِفُهُ قِرْدًا بِلَا ذَنَبٍ
 
صِفْرًا مِنَ الْبَأْسِ مَمْلُوءًا مِنَ النَّزَقِ٢٢٥
كَرِيشَةٍ بِمَهَبِّ الرِّيحِ سَاقِطَةٍ
 
لَا تَسْتَقِرُّ عَلَى حَالٍ مِنَ الْقَلَقِ٢٢٦
تَسْتَغْرِقُ الْكَفُّ فَوْدَيْهِ وَمَنْكِبَهُ
 
وَتَكْتَسِي مِنْهُ رِيحَ الْجَوْرَبِ الْعَرِقِ٢٢٧
فَسَائِلُوا قَاتِلِيهِ كَيْفَ مَاتَ لَهُمْ
 
مَوْتًا مِنَ الضَّرْبِ أَوْ مَوْتًا مِنَ الْفَرَقِ؟٢٢٨
وَأَيْنَ مَوْقِعُ حَدِّ السَّيْفِ مِنْ شَبَحٍ
 
بِغَيْرِ رَأْسٍ وَلَا جِسْمٍ وَلَا عُنُقِ٢٢٩
لَوْلَا اللِّئَامُ وَشَيْءٌ مِنْ مُشَابَهَةٍ
 
لَكَانَ أَلْأَمَ طِفْلٍ لُفَّ فِي خِرَقِ٢٣٠
كَلَامُ أَكْثَرِ مَنْ تَلْقَى وَمَنْظَرُهُ
 
مِمَّا يَشُقُّ عَلَى الْآذَانِ وَالْحَدَقِ٢٣١

وقال يمدح أبا العشائر الحسين بن علي بن الحسين بن حمدان العدوي:

أَتُرَاهَا لِكَثْرَةِ الْعُشَّاقِ
 
تَحْسَبُ الدَّمْعَ خِلْقَةً فِي الْمَآقِي؟٢٣٢
كَيْفَ ترْثِي الَّتِي تَرَى كُلَّ جَفْنٍ
 
رَاءَهَا غَيْرَ جَفْنِهَا غَيْرَ رَاقِي؟!٢٣٣
أَنْتِ مِنَّا فَتَنْتِ نَفْسَكِ لَكِنـْ
 
ـنَكِ عُوفِيتِ مِنْ ضَنًى وَاشْتِيَاقِ٢٣٤
حُلْتِ دُونَ الْمَزَارِ فَالْيَوْمَ لَوْ زُرْ
 
تِ لَحَالَ النُّحُولُ دُونَ الْعِنَاقِ٢٣٥
إِنَّ لَحْظًا أَدَمْتِهِ وَأَدَمْنَا
 
كَانَ عَمْدًا لَنَا وَحَتْفَ اتِّفَاقِ٢٣٦
لَوْ عَدَا عَنْكِ غَيْرَ هَجْرِكِ بُعْدٌ
 
لَأَرَارَ الرَّسِيمُ مُخَّ الْمَنَاقِي٢٣٧
وَلَسِرْنَا وَلَوْ وَصَلْنَا عَلَيْهَا
 
مِثْلَ أَنْفَاسِنَا عَلَى الْأَرْمَاقِ٢٣٨
مَا بِنَا مِنْ هَوَى الْعُيُونِ اللَّوَاتِي
 
لَوْنُ أَشْفَارِهِنَّ لَوْنُ الْحِدَاقِ٢٣٩
قَصَّرَتْ مُدَّةَ اللَّيَالِي الْمَوَاضِي
 
فَأَطَالَتْ بِهَا اللَّيَالِي الْبَوَاقِي٢٤٠
كَاثَرَتْ نَائِلَ الْأَمِيرِ مِنَ الْمَا
 
لِ بِمَا نَوَّلَتْ مِنَ الْإِيرَاقِ٢٤١
لَيْسَ إِلَّا أَبَا الْعَشَائِرِ خَلْقٌ
 
سَادَ هَذَا الْأَنَامَ بِاسْتِحْقَاقِ٢٤٢
طَاعِنُ الطَّعْنَةِ الَّتِي تَطْعَنُ الْفَيـْ
 
ـلَقَ بِالذُّعْرِ وَالدَّمِ الْمُهَرَاقِ٢٤٣
ذَاتُ فَرْغٍ كَأَنَّهَا فِي حَشَا الْمُخـْ
 
ـبَرِ عَنْهَا مِنْ شِدَّةِ الْإِطْرَاقِ٢٤٤
ضَارِبُ الْهَامِ فِي الْغُبَارِ وَمَا يَرْ
 
هَبُ أَنْ يَشْرَبَ الَّذِي هُوَ سَاقِي٢٤٥
فَوْقَ شَقَّاءَ لِلْأَشَقِّ مَجَالٌ
 
بَيْنَ أَرْسَاغِهَا وَبَيْنَ الصِّفَاقِ٢٤٦
مَا رَآهَا مُكَذِّبُ الرُّسْلِ إِلَّا
 
صَدَّقَ الْقَوْلَ فِي صِفَاتِ الْبُرَاقِ٢٤٧
هَمُّهُ فِي ذَوِي الْأَسِنَّةِ لَا فِيهَا
 
وَأَطْرَافُهَا لَهُ كَالنِّطَاقِ٢٤٨
ثَاقِبُ الرَّأْيِ ثَابِتُ الْحِلْمِ لَا يَقـْ
 
ـدِرُ أَمْرٌ لَهُ عَلَى إِقْلَاقِ٢٤٩
يَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ لُقْمَانَ لَا تَعـْ
 
ـدَمْكُمُ فِي الْوَغَى مُتُونُ الْعِتَاقِ٢٥٠
بَعَثُوا الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ الْأَعَادِيـْ
 
ـيَ فَكَانَ الْقِتَالُ قَبْلَ التَّلاقِي٢٥١
وَتَكَادُ الظُّبَا لِمَا عَوَّدُوهَا
 
تَنْتَضِي نَفْسَهَا إِلَى الْأَعْنَاقِ٢٥٢
وَإِذَا أَشْفَقَ الْفَوَارِسُ مِنْ وَقـْ
 
ـعِ الْقَنَا أَشْفَقُوا مِنَ الْإِشْفَاقِ٢٥٣
كُلُّ ذِمْرٍ يَزِيدُ فِي الْمَوْتِ حُسْنًا
 
كَبُدُورٍ تَمَامُهَا فِي الْمُحَاقِ٢٥٤
جَاعِلٍ دِرْعَهُ مَنِيَّتَهُ إِنْ
 
لَمْ يَكُنْ دُونَها مِنَ الْعَارِ وَاقِ٢٥٥
كَرَمٌ خَشَّنَ الْجَوَانِبَ مِنْهُمْ
 
فَهْوَ كَالْمَاءِ فِي الشِّفَارِ الرِّقَاقِ٢٥٦
وَمَعَالٍ إِذَا ادَّعَاهَا سِوَاهُمْ
 
لَزِمَتْهُ جِنَايَةُ السُّرَاقِ٢٥٧
يَا ابْنَ مَنْ كُلَّمَا بَدَوْتَ بَدَا لِي
 
غَائِبَ الشَّخْصِ حَاضِرَ الْأَخْلَاقِ٢٥٨
لَوْ تَنَكَّرْتَ فِي الْمَكَرِّ لِقَوْمٍ
 
حَلَفُوا أَنَّكَ ابْنُهُ بِالطَّلَاقِ٢٥٩
كَيْفَ يَقْوَى بِكَفِّكَ الزِّنْدُ وَالْآ
 
فَاقُ فِيهَا كَالْكَفِّ فِي الْآفَاقِ؟!٢٦٠
قَلَّ نَفْعُ الْحَدِيدِ فِيكَ فَما يَلـْ
 
ـقَاكَ إِلَّا مَنْ سَيْفُهُ مِنْ نِفَاقِ٢٦١
إِلْفُ هَذَا الْهَوَاءِ أَوْقَعَ فِي الْأَنـْ
 
ـفُسِ أَنَّ الْحِمَامَ مُرُّ الْمَذَاقِ٢٦٢
وَالْأَسَى قَبْلَ فُرْقَةِ الرُّوحِ عَجْزٌ
 
وَالْأَسَى لَا يَكُونُ بَعْدَ الْفِرَاقِ٢٦٣
كَمْ ثَرَاءٍ فَرَّجْتَ بِالرُّمْحِ عَنْهُ
 
كَانَ مِنْ بُخْلِ أَهْلِهِ فِي وَثَاقِ!٢٦٤
وَالْغِنَى فِي يَدِ اللَّئِيمِ قَبِيحٌ
 
قَدْرَ قُبْحِ الْكَرِيمِ فِي الْإِمْلَاقِ٢٦٥
لَيْسَ قَوْلِي فِي شَمْسِ فِعْلِكَ كَالشَّمـْ
 
ـسِ وَلَكِنْ فِي الشَّمْسِ كَالْإِشْرَاقِ٢٦٦
شَاعِرُ الْمَجْدِ خِدْنُهُ شَاعِرُ اللَّفـْ
 
ـظِ كِلَانَا رَبُّ الْمَعَانِي الدِّقَاقِ٢٦٧
لَمْ تَزَلْ تَسْمَعُ الْمَدِيحَ وَلَكِنـْ
 
ـنَ صَهِيلَ الْجِيَادِ غَيْرُ النِّهَاقِ٢٦٨
لَيْتَ لِي مِثْلَ جَدِّ ذَا الدَّهْرِ فِي الْأَدْ
 
هُرِ أَوْ رِزْقِهِ مِنَ الْأَرْزَاقِ!٢٦٩
أَنْتَ فِيهِ وَكَانَ كُلُّ زَمَانٍ
 
يَشْتَهِي بَعْضَ ذَا عَلَى الْخَلَّاقِ٢٧٠

وضرب أبو العشائر خيمة على الطريق فكثر سؤَّالُه وغاشيته، فقال له إنسان: جعلت مضربك على الطريق! فقال: أحب أن يذكره أبو الطيب، فقال:

لَامَ أُنَاسٌ أَبَا الْعَشَائِرِ فِي
 
جُودِ يَدَيْهِ بِالْعَيْنِ وَالْوَرِقِ٢٧١
وَإِنَّمَا قِيلَ: لِمْ خُلِقْتَ كَذَا
 
وَخَالِقُ الْخَلْقِ خَالِقُ الْخُلُقِ؟!٢٧٢
قَالُوا: أَلَمْ تَكْفِهِ سَمَاحَتُهُ
 
حَتَّى بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الطُّرُقِ؟!٢٧٣
فَقُلْتُ: إِنَّ الْفَتَى شَجَاعَتُهُ
 
تُرِيهِ فِي الشُّحِّ صُورَةَ الْفَرَقِ٢٧٤
بِضَرْبِ هَامِ الْكُمَاةِ تَمَّ لَهُ
 
كَسْبُ الَّذِي يَكْسِبُونَ بِالْمَلَقِ٢٧٥
الشَّمْسُ قَدْ حَلَّتِ السَّمَاءَ وَمَا
 
يَحْجُبُهَا بُعْدُهَا عَنِ الْحَدَقِ٢٧٦
كُنْ لُجَّةً أَيُّهَا السَّمَاحُ فَقَدْ
 
آمَنَهُ سَيْفُهُ مِنَ الْغَرَقِ٢٧٧

هوامش

(١أراق: سفك. والركب: جماعة الركبان، وهذا استفهام إنكار واستعظام لما فعله الربع من قتله بشوقه إلى أحبته. يقول: هل يدري هذا الربع — ربع الأحبة — ما فعل من إراقة دمي وما هاج في قلبي من الشوق؟ وذلك أن وقوفه بالربع هيج شوقه وجدد له ذكر الأحبة، فكان البكاء والنحيب، وكانت اللوعة والأسى، وكان حق الكلام أن يقدم «شاق» على «أراق»؛ لأن الربع إذا لم يشق لم يرق الدم، لكن الواو لا توجب الترتيب. أو تقول: إنه ابتدأ بالأهم ثم عاد إلى ذكر سببه، وهو الشوق، وشاقه يشوقه: حمله على الشوق.
(٢تلاقى: أي تتلاقى، فحذف إحدى التاءين. يقول: لنا وللذين كانوا أهل هذا الربع — يعني الأحبة — قلوب تتلاقى في جسوم ما تتلاقى، يعني نحن نذكرهم وهم يذكروننا، فكأننا نتلاقى بالقلوب وإن لم نتلاقَ بالأشخاص، كما قال ابن المعتز:
إِنَّا عَلَى الْبِعَادِ وَالتَّفَرُّقِ
 
لَنَلْتَقِي بِالذِّكْرِ إِنْ لَمْ نَلْتَقِ
(٣عفته الريح: درسته. يقول: لم تدرس الرياح لهذا الربع منزلًا، فلا ذنب للريح في دروس منازله، إنما عفاه الحادي الذي ساق الإبل بأهله فلو لم يخرجوا منه لما درس الربع. وهذا كما قال أبو الشيص:
مَا فَرَّقَ الْأُلَّافَ بَعـْ
 
ـدَ اللهِ إِلَّا الْإِبِلُ
وَالنَّاسُ يَلْحَوْنَ غُرَا
 
بَ الْبَيْنِ لَمَّا جَهِلُوا
وَمَا إِذَا صَاحَ غُرَا
 
بٌ فِي الدِّيَارِ احْتَمَلُوا
وَلَا عَلَى ظَهْرِ غُرَا
 
بِ الْبَيْنِ تُطْوَى الرِّحَلُ
وَمَا غُرَابُ الْبَيْنِ إِلَّا
 
نَاقَةٌ أَوْ جَمَلُ

قافية الكاف

وقال وقد أجمل سيف الدولة ذكره:

رُبَّ نَجِيعٍ بِسَيْفِ الدَّوْلَةِ انْسَفَكَا
 
وَرُبَّ قَافِيَةٍ غَاظَتْ بِهِ مَلِكَا١
مَنْ يَعْرِفُ الشَّمْسَ لَا يُنْكِرْ مَطَالِعَهَا
 
أَوْ يُبْصِرِ الْخَيْلَ لَا يَسْتَكْرِمِ الرَّمَكَا٢
تَسُرُّ بِالْمَالِ بَعْضَ الْمَالِ تَمْلِكُهُ
 
إِنَّ الْبِلَادَ وَإنَّ الْعَالَمِينَ لَكَا٣
ولما أُنشد: أجاب دمعي٤ … إلخ، استحسنها فقال:
إِنَّ هَذَا الشِّعْرَ فِي الشِّعْرِ مَلَكْ
 
سَارَ فَهْوَ الشَّمْسُ وَالدُّنْيَا فَلَكْ٥
عَدَلَ الرَّحْمَنُ فِيهِ بَيْنَنَا
 
فَقَضَى بِاللَّفْظِ لِي وَالْحَمْدِ لَكْ٦
فَإِذَا مَرَّ بِأُذْنِي حَاسِد
 
صَارَ مِمَّنْ كَانَ حَيًّا فَهَلَكْ٧

وقال لابن عبد الوهاب وقد جلس ابنه إلى جانب المصباح:

أَمَا تَرَى مَا أَرَاهُ أَيُّهَا الْمَلِكُ
 
كَأَنَّنَا فِي سَمَاءٍ مَا لَهَا حُبُكُ٨
أَلْفَرْقَدُ ابْنُكَ وَالْمِصْبَاحُ صَاحِبُهُ
 
وَأَنْتَ بَدْرُ الدُّجَى وَالْمَجْلِسُ الْفَلَكُ٩

وقال يمدح عبيد الله بن يحيى البحتري:

بَكَيْتُ يَا رَبْعُ حَتَّى كِدْتُ أُبْكِيكَا
 
وَجُدْتُ بِي وَبِدَمْعِي فِي مَغَانِيكَا١٠
فَعِمْ صَبَاحًا لَقَدْ هَيَّجْتَ لِي شَجَنًا
 
وَارْدُدْ تَحِيَّتَنَا إِنَّا مُحَيُّوكَا١١
بِأَيِّ حُكْمِ زَمَانٍ صِرْتَ مُتَّخِذًا
 
رِئْمَ الْفَلَا بَدَلًا مِنْ رِئْمِ أَهْلِيكَا؟١٢
أَيَّامَ فِيكَ شُمُوسٌ مَا انْبَعَثْنَ لَنَا
 
إِلَّا ابْتَعَثْنَ دَمًا بِاللَّحْظِ مَسْفُوكَا١٣
وَالْعَيْشُ أَخْضَرُ وَالْأَطْلَالُ مُشْرِقَةٌ
 
كَأَنَّ نُورَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَعْلُوكَا١٤
نَجَا امْرُؤٌ يَا ابْنَ يَحْيَى كُنْتَ بُغْيَتَهُ
 
وَخَابَ رَكْبُ رِكَابٍ لَمْ يَؤُمُّوكَا١٥
أَحْيَيْتَ لِلشُّعَرَاءِ الشِّعْرَ فَامْتَدَحُوا
 
جَمِيعَ مَنْ مَدَحُوهُ بِالَّذِي فِيكَا١٦
وَعَلَّمُوا النَّاسَ مِنْكَ الْمَجْدَ وَاقْتَدَرُوا
 
عَلَى دَقِيقِ الْمَعَانِي مِنْ مَعَانِيكَا١٧
فَكُنْ كَمَا أَنْتَ يَا مَنْ لَا شَبِيهَ لَهُ
 
أَوْ كَيْفَ شِئْتَ فَمَا خَلْقٌ يُدَانِيكَا١٨
شُكْرُ الْعُفَاةِ لِمَا أَوْلَيْتَ أَوْجَدَنِي
 
إِلَى نَدَاكَ طَرِيقَ الْعُرْفِ مَسْلُوكَا١٩
وَعُظْمُ قَدْرِكَ فِي الْآفَاقِ أَوْهَمَنِي
 
أَنِّي بِقِلَّةِ مَا أَثْنَيْتُ أَهْجُوكَا٢٠
كَفَى بِأَنَّكَ مِنْ قَحْطَانَ فِي شَرَفٍ
 
وَإِنْ فَخَرْتَ فَكُلٌّ مِنْ مَوَالِيكَا٢١
وَلَوْ نَقَصْتُ كَمَا قَدْ زِدْتَ مِنْ كَرَمٍ
 
عَلَى الْوَرَى لَرَأَوْنِي مِثْلَ شَانِيكَا٢٢
لَبَّى نَدَاكَ لَقَدْ نَادَى فَأَسْمَعَنِي
 
يَفْدِيكَ مِنْ رَجُلٍ صَحْبِي وَأَفْدِيكَا٢٣
مَا زِلْتَ تُتْبِعُ مَا تُولِي يَدًا بِيَدٍ
 
حَتَّى ظَنَنْتُ حَيَاتِي مِنْ أَيَادِيكَا٢٤
فَإِنْ تَقُلْ: هَا فَعَادَاتٌ عُرِفْتَ بِهَا
 
أَوْ لَا فَإِنَّكَ لَا يَسْخُو بِهَا فُوكَا٢٥

وورد كتاب من ابن رائق على بدر بن عمار بإضافة الساحل إلى عمله فقال:

تُهَنَّا بِصُورٍ أَمْ نُهَنِّئُهَا بِكَا؟
 
وَقَلَّ الَّذِي صُورٌ وَأَنْتَ لَهُ لَكَا٢٦
وَمَا صَغُرَ الْأَرْدُنُّ وَالسَّاحِلُ الَّذِي
 
حُبِيتَ بِهِ إِلَّا إِلَى جَنْبِ قَدْرِكَا٢٧
تَحَاسَدَتِ الْبُلْدَانُ حَتَّى لَوَ انَّهَا
 
نُفُوسٌ لَسَارَ الشَّرْقُ وَالْغَرْبُ نَحْوَكَا٢٨
وَأَصْبَحَ مِصْرٌ لَا تَكُونُ أَمِيرَهُ
 
وَلَوْ أَنَّهُ ذُو مُقْلَةٍ وَفَمٍ بَكَى٢٩

وسقاه بدر ولم يكن له رغبة في الشراب فقال:

لَمْ تَرَ مَنْ نَادَمْتُ إِلَّاكَا
 
لا لِسِوَى وُدِّكَ لِي ذَاكَا٣٠
وَلَا لِحُبِّيهَا وَلَكِنَّنِي
 
أَمْسَيْتُ أَرْجُوكَ وَأَخْشَاكَا٣١

وقد كان تاب بدر بن عمار من الشرب مرة بعد أخرى، فرآه أبو الطيب يشرب فقال ارتجالًا:

يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ الَّذِي نُدَمَاؤُهُ
 
شُرَكَاؤُهُ فِي مِلْكِهِ لا مُلْكِهِ٣٢
فِي كُلِّ يَوْمٍ بَيْنَنَا دَمُ كَرْمَةٍ
 
لَكَ تَوْبَةٌ مِنْ تَوْبَةٍ مِنْ سَفْكِهِ٣٣
وَالصِّدْقُ مِنْ شِيَمِ الْكِرَامِ فَنَبِّنَا
 
أَمِنَ الشَّرَابِ تَتُوبُ أَمْ مِنْ تَرْكِهِ؟٣٤

وقال في محمد بن طغج وهو عند طاهر العلوي:

قَدْ بَلَغْتَ الَّذِي أَرَدْتَ مِنَ الْبِرْ
 
رِ وَمِنْ حَقِّ ذَا الشَّرِيفِ عَلَيْكَا
وَإِذَا لَمْ تَسْرِ إِلَى الدَّارِ فِي وَقـْ
 
ـتِكَ ذَا خِفْتُ أَنْ تَسِيرَ إِلَيْكَا٣٥

وقال في أبي العشائر وعنده إنسان ينشده شعرًا وصف فيه بركة في داره فقال:

لَئِنْ كَانَ أَحْسَنَ فِي وَصْفِهَا
 
لَقَدْ تَرَكَ الْحُسْنَ فِي الْوَصْفِ لَك٣٦
لِأَنَّكَ بَحْرٌ وَإِنَّ الْبِحَارَ
 
لَتَأْنَفُ مِنْ مَدْحِ هَذِي الْبِرَكْ٣٧
كَأَنَّكَ سَيْفُكَ لَا مَا مَلَكـْ
 
ـتَ يَبْقَى لَدَيْكَ وَلَا مَا مَلَكْ٣٨
فَأَكْثَرُ مِنْ جَرْيِهَا مَا وَهَبـْ
 
ـتَ وَأَكْثَرُ مِنْ مَائِهَا مَا سَفَكْ٣٩
أَسَأْتَ وَأَحْسَنْتَ عَنْ قُدْرَةٍ
 
وَدُرْتَ عَلَى النَّاسِ دَوْرَ الْفَلَكْ٤٠

وقال يمدح أبا شجاع عضد الدولة ويودعه، وهو آخر ما قال، وجرى فيها كلام كأنه ينعي نفسه وإن لم يقصد ذلك، وأنشدها في شعبان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وفيها قُتل:

فِدًى لَكَ مَنْ يُقَصِّرُ عَنْ مَدَاكَا
 
فَلَا مَلِكٌ إِذَنْ إِلَّا فَدَاكَا٤١
وَلَوْ قُلْنَا: فِدًى لَكَ مَنْ يُسَاوِي
 
دَعَوْنَا بِالْبَقَاءِ لِمَنْ قَلَاكَا٤٢
وَآمَنَّا فِداءَكَ كُلَّ نَفْسٍ
 
وَإِنْ كَانَتْ لِمَمْلَكَةٍ مِلَاكَا٤٣
وَمَنْ يَظُّنُّ نَثْرَ الْحَبِّ جُودًا
 
وَيَنْصِبُ تَحْتَ مَا نَثَرَ الشِّبَاكَا٤٤
وَمَنْ بَلَغَ التُّرَابَ بِهِ كَرَاهُ
 
وَقَدْ بَلَغَتْ بِهِ الْحَالُ السُّكَاكَا٤٥
فَلَوْ كَانَتْ قُلُوبُهُمُ صَدِيقًا
 
لَقَدْ كَانَتْ خَلَائِقُهُمْ عِدَاكَا٤٦
لِأَنَّكَ مُبْغِضٌ حَسَبًا نَحِيفا
 
إِذَا أَبْصَرْتَ دُنْيَاهُ ضِنَاكَا٤٧
أَرُوحُ وَقَدْ خَتَمْتَ عَلَى فُؤَادِي
 
بِحُبِّكَ أَنْ يَحِلَّ بِهِ سِوَاكَا٤٨
وَقَدْ حَمَّلَتْنِي شُكْرًا طَوِيلًا
 
ثَقِيلًا لَا أُطِيقُ بِهِ حِرَاكَا٤٩
أُحَاذِرُ أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمَطَايَا
 
فَلَا تَمْشِي بِنَا إِلَّا سِوَاكَا٥٠
لَعَلَّ اللهَ يَجْعَلُهُ رَحِيلًا
 
يُعِينُ عَلَى الْإِقَامَةِ فِي ذَرَاكَا٥١
وَلَوْ أَنِّي اسْتَطَعْتُ خَفَضْتُ طَرْفِي
 
فَلَمْ أُبْصِرْ بِهِ حَتَّى أَرَاكَا٥٢
وَكَيْفَ الصَّبْرُ عَنْكَ وَقَدْ كَفَانِي
 
نَدَاكَ الْمُسْتَفِيضُ وَمَا كَفَاكَا؟٥٣
أَتَتْرُكُنِي وَعَيْنُ الشَّمْسِ نَعْلِي
 
فَتَقْطَعَ مِشْيَتِي فِيهَا الشِّرَاكَا؟!٥٤
أَرَى أَسَفِي وَمَا سِرْنَا شَدِيدًا
 
فَكَيْفَ إِذَا غَدَا السَّيْرِ ابْتِرَاكَا؟!٥٥
وَهَذَا الشَّوْقُ قَبْلَ الْبَيْنِ سَيْفٌ
 
فَهَا أَنَا مَا ضُرِبْتُ وَقَدْ أَحَاكَا٥٦
إِذَا التَّوْدِيعُ أَعْرَضَ قَالَ قَلْبِي:
 
عَلَيْكَ الصَّمْتَ لَا صَاحَبْتَ فَاكَا٥٧
وَلَوْلَا أَنَّ أَكْثَرَ مَا تَمَنَّى
 
مُعَاوَدَةٌ لَقُلْتُ: وَلَا مُنَاكَا٥٨
قَدِ اسْتَشْفَيْتَ مِنْ دَاءٍ بِدَاءٍ
 
وَأَقْتَلُ مَا أَعَلَّكَ مَا شَفَاكَا٥٩
فَأَسْتُرُ مِنْكَ نَجْوَانَا وَأُخْفِي
 
هُمُومًا قَدْ أَطَلْتُ لَهَا الْعِرَاكَا٦٠
إِذَا عَاصَيْتُهَا كَانَتْ شِدَادًا
 
وَإِنْ طَاوَعْتُهَا كَانَتْ رِكَاكَا٦١
وَكَمْ دُونَ الثَّوِيَّةِ مِنْ حَزِينٍ
 
يَقُولُ لَهُ قُدُومِي: ذَا بِذَاكَا٦٢
وَمِنْ عَذْبِ الرُّضَابِ إِذَا أَنَخْنَا
 
يُقَبِّلُ رَحْلَ تُرْوَكَ وَالْوِرَاكَا٦٣
يُحَرِّمُ أَنْ يَمَسَّ الطِّيبَ بَعْدِي
 
وَقَدْ عَبِقَ الْعَبِيرُ بِهِ وَصَاكَا٦٤
وَيَمْنَعُ ثَغْرَهُ مِنْ كُلِّ صَبٍّ
 
وَيَمْنَحُهُ الْبَشَامَةَ وَالْأَرَاكَا٦٥
يُحَدِّثُ مُقْلَتَيْهِ النَّوْمُ عَنِّي
 
فَلَيْتَ النَّوْمَ حَدَّثَ عَنْ نَدَاكَا٦٦
وَأَنَّ الْبُخْتَ لَا يُعْرِقْنَ إِلَّا
 
وَقَدْ أَنْضَى الْعُذَافِرَةَ اللِّكَاكَا٦٧
وَمَا أَرْضَى لِمُقْلَتِهِ بِحُلْمٍ
 
إِذَا انْتَبَهَتْ تَوَهَّمَهُ ابْتِشَاكَا٦٨
وَلَا إِلَّا بِأَنْ يُصْغِي وَأَحْكِي
 
فَلَيْتَهُ لَا يُتَيِّمُهُ هَوَاكَا٦٩
وَكَمْ طَرِبِ الْمَسَامِعِ لَيْسَ يَدْرِي
 
أَيَعْجَبُ مِنْ ثَنَائِي أَمْ عُلَاكَا٧٠
وَذَاكَ النَّشْرُ عِرْضُكَ كَانَ مِسْكًا
 
وَذَاكَ الشِّعْرُ فِهْرِي وَالْمَدَاكَا٧١
فَلَا تَحْمَدْهُمَا وَاحْمَدْ هُمَامًا
 
إِذَا لَمْ يُسْمِ حَامِدُهُ عَنَاكَا٧٢
أَغَرَّ لَهُ شَمَائِلُ مِنْ أَبِيهِ
 
غَدًا يَلْقَى بَنُوكَ بِهَا أَبَاكَا٧٣
وَفِي الْأَحْبَابِ مُخْتَصٌّ بِوَجْدٍ
 
وَآخَرُ يَدَّعِي مَعَهُ اشْتِرَاكَا٧٤
إِذَا اشْتَبَهَتْ دُمُوعٌ فِي خُدُودٍ
 
تَبَيَّنَ مَنْ بَكَى مِمَّنْ تَبَاكَى٧٥
أَذَمَّتْ مَكْرُمَاتُ أَبِي شُجَاعٍ
 
لِعَيْنِي مِنْ نَوَايَ عَلَى أُولَاكَا٧٦
فَزُلْ يَا بُعْدُ عَنْ أَيْدِي رِكَابٍ
 
لَهَا وَقْعُ الْأَسِنَّةِ فِي حَشَاكَا٧٧
وَأَيًّا شِئْتِ يَا طُرُقيِ فَكُونِي
 
أَذَاةً أَوْ نَجَاةً أَوْ هَلَاكَا٧٨
فَلَوْ سِرْنَا وَفِي تَشْرِينَ خَمْسٌ
 
رَأَوْنِي قَبْلَ أَنْ يَرَوُا السِّمَاكَا٧٩
يُشَرِّدُ يُمْنُ فَنَّاخُسْرَ عَنِّي
 
قَنَا الْأَعْدَاءِ وَالطَّعْنَ الدِّرَاكَا٨٠
وَأَلْبَسُ مِنْ رِضَاهُ فِي طَرِيقِي
 
سِلَاحًا يَذْعَرُ الْأَبْطَالَ شَاكَا٨١
وَمَنْ أَعْتَاضُ عَنْكَ إِذَا افْتَرَقْنَا
 
وَكُلُّ النَّاسِ زُورٌ مَا خَلَاكَا؟!٨٢
وَمَا أَنَا غَيْرُ سَهْمٍ فِي هَوَاءٍ
 
يَعُودُ وَلَمْ يَجِدْ فِيهِ امْتِسَاكَا٨٣
حَيِيٌّ مِنْ إِلَهِي أَنْ يَرَانِي
 
وَقَدْ فَارَقْتُ دَارَكَ وَاصْطَفَا

قافية اللام

وقال يمدح سيف الدولة وقد عزم على الرحيل عن إنطاكية وكثر المطر:

رُوَيْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ الْجَلِيلُ
 
تَأَنَّ وَعُدَّهُ مِمَّا تُنِيلُ١
وَجُودَكَ بِالْمُقَامِ وَلَوْ قَلِيلًا
 
فَمَا فِيمَا تَجُودُ بِهِ قَلِيلُ٢
لِأَكْبِتَ حَاسِدًا وَأَرِي عَدُوًّا
 
كَأَنَّهُمَا وَدَاعُكَ وَالرَّحِيلُ٣
وَيَهْدَأُ ذَا السَّحَابُ فَقَدْ شَكَكْنَا:
 
أَتَغْلِبُ أَمْ حَيَاهُ لَكُمْ قَبِيلُ؟٤
وَكُنْتُ أَعِيبُ عَذْلًا فِي سَمَاحٍ
 
فَهَا أَنَا فِي السَّمَاحِ لَهُ عَذُولُ٥
وَمَا أَخْشَى نُبُوَّكَ عَنْ طَرِيقٍ
 
وَسَيْفُ الدَّوْلَةِ الْمَاضِي الصَّقِيلُ٦
وَكُلُّ شَوَاةِ غِطْرِيفٍ تَمَنَّى
 
لِسَيْرِكَ أَنَّ مَفْرِقَهَا السَّبِيلُ٧
وَمِثْلِ الْعَمْقِ مَمْلُوءٍ دِمَاءً
 
جَرَتْ بِكَ فِي مَجَارِيهِ الْخُيُولُ٨
إِذَا اعْتَادَ الْفَتَى خَوْضَ الْمَنَايَا
 
فَأَهْوَنُ مَا يَمُرُّ بِهِ الْوُحُولُ٩
وَمَنْ أَمَرَ الْحُصُونَ فَمَا عَصَتْهُ
 
أَطَاعَتْهُ الْحُزُونَةُ وَالسُّهُولُ١٠
أَتَخْفِرُ كُلَّ مَنْ رَمَتِ اللَّيَالِي
 
وَتُنْشِرُ كُلَّ مَنْ دَفَنَ الْخُمُولُ؟!١١
وَنَدْعُوكَ الْحُسَامَ وَهَلْ حُسَامٌ
 
يَعِيشُ بِهِ مِنَ الْمَوْتِ الْقَتِيلُ؟!١٢
وَمَا لِلسَّيْفِ إِلَّا الْقَطْعَ فِعْلٌ
 
وَأَنْتَ الْقَاطِعُ الْبَرُّ الْوَصُولُ١٣
وَأَنْتَ الْفَارِسُ الْقَوَّالُ صَبْرًا
 
وَقَدْ فَنِيَ التَّكَلُّمُ وَالصَّهِيلُ١٤
يَحِيدُ الرُّمْحُ عَنْكَ وَفِيهِ قَصْدٌ
 
وَيَقْصُرُ أَنْ يَنَالَ وَفِيهِ طُولُ١٥
فَلَوْ قَدَرَ السِّنَانُ عَلَى لِسَانٍ
 
لَقَالَ لَكَ السِّنَانُ كَمَا أَقُولُ١٦
وَلَوْ جَازَ الْخُلُودُ خَلَدْتَ فَرْدًا
 
وَلَكِنْ لَيْسَ لِلدُّنْيَا خَلِيلُ١٧

وقال يرثي والدة سيف الدولة، وقد توفيت بميا فارقين وجاءه الخبر بموتها إلى حلب سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، وأنشده إياها في جمادى الآخرة من السنة:

نُعِدُّ الْمَشْرَفِيَّةَ وَالْعَوَالِي
 
وَتَقْتُلُنَا الْمَنُونُ بِلَا قِتَالِ١٨
وَنَرْتَبِطُ السَّوَابِقَ مُقْرَبَاتٍ
 
وَمَا يُنْجِينَ مِنْ خَبَبِ اللَّيَالِي١٩
وَمَنْ لَمْ يَعْشَقِ الدُّنْيَا قَدِيمًا؟!
 
وَلَكِنْ لَا سَبِيلَ إِلَى الْوِصَالِ٢٠
نَصِيبُكَ فِي حَيَاتِكَ مِنْ حَبِيبٍ
 
نَصِيبُكَ فِي مَنَامِكَ مِنْ خَيَالِ٢١
رَمَانِي الدَّهْرُ بِالْأَرْزَاءِ حَتَّى
 
فُؤَادِي فِي غِشَاءٍ مِنْ نِبَالِ٢٢
فَصِرْتُ إِذَا أَصَابَتْنِي سِهَامٌ
 
تَكَسَّرَتِ النِّصَالُ عَلَى النِّصَالِ٢٣
وَهَانَ فَمَا أُبَالِي بِالرَّزَايَا
 
لِأَنِّي مَا انْتَفَعْتُ بِأَنْ أُبَالِي٢٤
وَهَذَا أَوَّلُ النَّاعِينَ طُرًّا
 
لِأَوَّلِ مَيْتَةٍ فِي ذَا الْجَلَالِ٢٥
كَأَنَّ الْمَوْتَ لَمْ يَفْجَعْ بِنَفْسٍ
 
وَلَمْ يَخْطُرْ لِمَخْلُوقٍ بِبَالِ٢٦
صَلَاةُ اللهِ خَالِقِنَا حَنُوطٌ
 
عَلَى الْوَجْهِ الْمُكَفَّنِ بِالْجَمَالِ٢٧
عَلَى الْمَدْفُونِ قَبْلَ التُّرْبِ صَوْنًا
 
وَقَبْلَ اللَّحْدِ فِي كَرَمِ الْخِلَالِ٢٨
فَإِنَّ لَهُ بِبَطْنِ الْأَرْضِ شَخْصًا
 
جَدِيدًا ذِكْرُنَاهُ وَهْوَ بَالِي٢٩
وَمَا أَحَدٌ يُخَلَّدُ فِي الْبَرَايَا
 
بَلِ الدُّنْيَا تَئُولُ إِلَى زَوَالِ
أَطَابَ النَّفْسَ أَنَّكَ مُتَّ مَوْتًا
 
تَمَنَّتْهُ الْبَوَاقِي وَالْخَوَالِي٣٠
وَزُلْتِ وَلَمْ تَرَيْ يَوْمًا كَرِيهًا
 
يُسَرُّ الرُّوحُ فِيهِ بِالزَّوَالِ٣١
رِوَاقُ الْعِزِّ حَوْلَكِ مُسْبَطِرٌّ
 
وَمُلْكُ عَلِيٍّ ابْنِكِ فِي كِمَالِ٣٢
سَقَى مَثْوَاكِ غَادٍ فِي الْغَوَادِي
 
نَظِيرُ نَوَالِ كَفِّكِ فِي النَّوَالِ٣٣
لِسَاحِيهِ عَلَى الْأَجْدَاثِ حَفْشٌ
 
كَأَيْدِي الْخَيْلِ أَبْصَرَتِ الْمَخَالِي٣٤
أُسَائِلُ عَنْكِ بَعْدَكِ كُلَّ مَجْدٍ
 
وَمَا عَهْدِي بِمَجْدٍ عَنْكِ خَالِي٣٥
يَمُرُّ بِقَبْرِكَ الْعَافِي فَيَبْكِي
 
وَيَشْغَلُهُ الْبُكَاءُ عَنِ السُّؤَالِ٣٦
وَمَا أَهْدَاكِ لِلْجَدْوَى عَلَيْهِ
 
لَوَ انَّكِ تَقْدِرِينَ عَلَى فِعَالِ!٣٧
بِعَيْشِكِ هَلْ سَلَوْتِ؟ فَإِنَّ قَلْبِي
 
وَإِنْ جَانَبْتُ أَرْضَكِ، غَيْرُ سَالِي٣٨
نَزَلْتِ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي مَكَانٍ
 
بَعُدْتِ عَنِ النُّعَامَى وَالشَّمَالِ٣٩
تُحَجَّبُ عَنْكِ رَائِحَةُ الْخُزَامَى
 
وَتُمْنَعُ مِنْكِ أَنْدَاءُ الطِّلَالِ٤٠
بِدَارٍ كُلُّ سَاكِنِهَا غَرِيبٌ
 
طَوِيلُ الْهَجْرِ مُنْبَتُّ الْحِبَالِ٤١
حَصَانٌ مِثْلُ مَاءِ الْمُزْنِ فِيهِ
 
كَتُومُ السِّرِّ صَادِقَةُ الْمَقَالِ٤٢
يُعَلِّلُهَا نِطَاسِيُّ الشَّكَايَا
 
وَوَاحِدُهَا نِطَاسِيُّ الْمَعَالِي٤٣
إِذَا وَصَفُوا لَهُ دَاءً بِثَغْرٍ
 
سَقَاهُ أَسِنَّةَ الْأَسَلِ الطِّوَالِ٤٤
وَلَيْسَتْ كَالْإِنَاثِ وَلَا اللَّوَاتِي
 
تُعَدُّ لَهَا الْقُبُورُ مِنَ الْحِجَالِ٤٥
وَلَا مَنْ فِي جَنَازَتِهَا تِجَارٌ
 
يَكُونُ وَدَاعُهَا نَفْضَ النِّعَالِ٤٦
مَشَى الْأُمَرَاءُ حَوْلَيْهَا حُفَاةً
 
كَأَنَّ الْمَرْوَ مِنْ زَفِّ الرِّئَالِ٤٧
وَأَبْرَزَتِ الْخُدُورُ مُخَبَّآتٍ
 
يَضَعْنَ النِّقْسَ أَمْكِنَةَ الْغَوَالِي٤٨
أَتَتْهُنَّ الْمُصِيبَةُ غَافِلَاتٍ
 
فَدَمْعُ الْحُزْنِ فِي دَمْعِ الدَّلَالِ٤٩
وَلَوْ كَانَ النِّسَاءُ كَمَنْ فَقَدْنَا
 
لَفُضِّلَتِ النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ٥٠
وَمَا التَّأْنِيثُ لِاسْمِ الشَّمْسِ عَيْبٌ
 
وَلَا التَّذْكِيرُ فَخْرٌ لِلْهِلَالِ٥١
وَأَفْجَعُ مَنْ فَقَدْنَا مَنْ وَجَدْنَا
 
قُبَيْلَ الْفَقْدِ مَفْقُودَ الْمِثَالِ٥٢
يُدَفِّنُ بَعْضُنَا بَعْضًا وَتَمْشِي
 
أَوَاخِرُنَا عَلَى هَامِ الْأَوَالِي٥٣
وَكَمْ عَيْنٍ مُقَبَّلَةِ النَّوَاحِي
 
كَحِيلٌ بِالْجَنَادِلِ وَالرِّمَالِ!٥٤
وَمُغْضٍ كَانَ لَا يُغْضِي لِخَطْبٍ
 
وَبَالٍ كَانَ يُفْكِرُ فِي الْهُزَالِ!٥٥
أَسَيْفَ الدَّوْلَةِ اسْتَنْجِدْ بِصَبْرٍ
 
وَكَيْفَ بِمِثْلِ صَبْرِكَ لِلْجِبَالِ؟!٥٦
فَأَنْتَ تُعَلِّمُ النَّاسَ التَّعَزِّي
 
وَخَوْضَ الْمَوْتِ فِي الْحَرْبِ السِّجَالِ٥٧
وَحَالَاتُ الزَّمَانِ عَلَيْكَ شَتَّى
 
وَحَالُكَ وَاحِدٌ فِي كُلِّ حَالِ٥٨
فَلَا غِيضَتْ بِحَارُكَ يَا جَمُومًا
 
عَلَى عَلَلِ الْغَرَائِبِ وَالدِّخَالِ٥٩
رَأَيْتُكَ فِي الَّذِينَ أَرَى مُلُوكًا
 
كَأَنَّكَ مُسْتَقِيمٌ فِي مُحَالِ٦٠
فَإِنْ تَفُقِ الْأَنَامَ وَأَنْتَ مِنْهُمْ
 
فَإِنَّ الْمِسْكَ بَعْضُ دَمِ الْغَزَالِ٦١

وقال يمدحه ويذكر استنقاذه أبا وائل تغلب بن داود بن حمدان العدوي من أسر الخارجي سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة:

إِلَامَ طَمَاعِيَةُ الْعَاذِلِ؟
 
وَلَا رَأْيَ فِي الْحُبِّ لِلْعَاقِلِ٦٢
يُرَادُ مِنَ الْقَلْبِ نِسْيَانُكُمْ
 
وَتَأْبَى الطِّبَاعُ عَلَى النَّاقِلِ٦٣
وَإِنِّي لَأَعْشَقُ مِنْ عِشْقِكُمْ
 
نُحُولِي وَكُلَّ امْرِئٍ نَاحِلِ٦٤
وَلَوْ زُلْتُمُ ثُمَّ لَمْ أَبْكِكُمْ
 
بَكَيْتُ عَلَى حُبِّيَ الزَّائِلِ٦٥
أَيُنْكِرُ خَدِّي دُمُوعِي وَقَدْ
 
جَرَتْ مِنْهُ فِي مَسْلَكٍ سَابِلِ؟!٦٦
أَأَوَّلُ دَمْعٍ جَرَى فَوْقَهُ
 
وَأَوَّلُ حُزْنٍ عَلَى رَاحِلِ٦٧
وَهَبْتُ السُّلُوَّ لِمَنْ لَامَنِي
 
وَبِتُّ مِنَ الشَّوْقِ فِي شَاغِلِ٦٨
كَأَنَّ الْجُفُونَ عَلَى مُقْلَتِي
 
ثِيَابٌ شُقِقْنَ عَلَى ثَاكِلِ٦٩
وَلَوْ كُنْتُ فِي أَسْرِ غَيْرِ الْهَوَى
 
ضَمِنْتُ ضَمَانَ أَبِي وَائِلِ٧٠
فَدَى نَفْسَهُ بِضَمَانِ النُّضَارِ
 
وَأَعْطَى صُدُورَ الْقَنَا الذَّابِلِ٧١
وَمَنَّاهُمُ الْخَيْلَ مَجْنُوبَةً
 
فَجِئْنَ بِكُلِّ فَتًى بَاسِلِ٧٢
كَأَنَّ خَلَاصَ أَبِي وَائِلٍ
 
مُعَاوَدَةُ الْقَمَرِ الْآفِلِ٧٣
دَعَا فَسَمِعْتَ وَكَمْ سَاكِتٍ
 
عَلَى الْبُعْدِ عِنْدَكَ كَالْقَائِلِ!٧٤
فَلَبَّيْتَهُ بِكَ فِي جَحْفَلٍ
 
لَهُ ضَامِنٍ وَبِهِ كَافِلِ٧٥
خَرَجْنَ مِنَ النَّقْعِ فِي عَارِضٍ
 
وَمِنْ عَرَقِ الرَّكْضِ فِي وَابِلِ٧٦
فَلَمَّا نَشِفْنَ لَقِينَ السِّيَاطَ
 
بِمِثْلِ صَفَا الْبَلَدِ الْمَاحِلِ٧٧
شَفَنَّ لِخَمْسٍ إِلَى مَنْ طَلَبْنَ
 
قُبَيْلَ الشُّفُونِ إِلَى نَازِلِ٧٨
فَدَانَتْ مَرَافِقُهُنَّ الثَّرَى
 
عَلَى ثِقَةٍ بِالدَّمِ الْغَاسِلِ٧٩
وَمَا بَيْنَ كَاذَتَيِ الْمُسْتَغِيرِ
 
كَمَا بَيْنَ كَاذَتَيِ الْبَائِلِ٨٠
فَلُقِّينَ كُلَّ رُدَيْنِيَّةٍ
 
وَمَصْبُوجَةٍ لَبَنَ الشَّائِلِ٨١
وَجَيْشَ إِمَامٍ عَلَى نَاقَةٍ
 
صَحِيحِ الْإِمَامَةِ فِي الْبَاطِلِ٨٢
فَأَقْبَلْنَ يَنْحَزْنَ قُدَّامَهُ
 
نَوَافِرَ كَالنَّحْلِ وَالْعَاسِلِ٨٣
فَلَمَّا بَدَوْتَ لِأَصْحَابِهِ
 
رَأَتْ أُسْدُهَا آكِلَ الْآكِلِ٨٤
بِضَرْبٍ يَعُمُّهُمُ جَائِرٍ
 
لَهُ فِيهِم قِسْمَةُ الْعَادِلِ٨٥
وَطَعْنٍ يُجَمِّعُ شُذَّانَهُمْ
 
كَمَا اجْتَمَعَتْ دِرَّةُ الْحَافِلِ٨٦
إِذَا مَا نَظَرْتَ إِلَى فَارِسٍ
 
تَحَيَّرَ عَنْ مَذْهَبِ الرَّاجِلِ٨٧
فَظَلَّ يُخَضِّبُ مِنْهَا اللِّحَى
 
فَتًى لَا يُعِيدُ عَلَى النَّاصِلِ٨٨
وَلا يَسْتَغِيثُ إِلَى نَاصِرٍ
 
وَلَا يَتَضَعْضَعُ مِنْ خَاذِلِ٨٩
وَلَا يَزَعُ الطَّرْفَ عَنْ مُقْدَمٍ
 
وَلَا يَرْجِعُ الطَّرْفَ عَنْ هَائِلِ٩٠
إِذَا طَلَبَ التَّبْلَ لَمْ يَشْأَهُ
 
وَإِنْ كَانَ دَيْنًا عَلَى مَاطِلِ٩١
خُذُوا مَا أَتَاكُمْ بِه وَاعْذِرُوا
 
فَإِنَّ الْغَنِيمَةَ فِي الْعَاجِلِ٩٢
وَإِنْ كَانَ أَعْجَبَكُمْ عَامُكُمْ
 
فَعُودُوا إِلَى حِمْصَ مِنْ قَابِلِ٩٣
فَإِنَّ الْحُسَامَ الْخَضِيبَ الَّذِي
 
قُتِلْتُمْ بِهِ فِي يَدِ الْقَاتِلِ٩٤
يَجُودُ بِمِثْلِ الَّذِي رُمْتُمُ
 
فَلَمْ تُدْرِكُوهُ عَلَى السَّائِلِ٩٥
أَمَامَ الْكَتِيبَةِ تُزْهَى بِهِ
 
مَكَانَ السِّنَانِ مِنَ الْعَامِلِ٩٦
وَإِنِّي لَأَعْجَبُ مِنْ آمِلٍ
 
قِتَالًا بِكُمُ عَلَى بَازِلِ!٩٧
أَقَالَ لَهُ اللهُ: لَا تَلْقَهُمْ
 
بِمَاضٍ عَلَى فَرَسٍ حَائِلِ٩٨
إِذَا مَا ضَرَبْتَ بِهِ هَامَةً
 
بَرَاهَا وَغَنَّاكَ فِي الْكَاهِلِ٩٩
وَلَيْسَ بِأَوَّلِ ذِي هِمَّةٍ
 
دَعَتْهُ لِمَا لَيْسَ بِالنَّائِلِ١٠٠
يُشَمِّرُ لِلُّجِّ عَنْ سَاقِهِ
 
وَيَغْمُرُهُ الْمَوْجُ فِي السَّاحِلِ١٠١
أَمَا لِلْخِلَافَةِ مِنْ مُشْفِقٍ
 
عَلَى سَيْفِ دَوْلَتِهَا الْفَاصِلِ؟١٠٢
يَقُدُّ عِدَاهَا بِلَا ضَارِبٍ
 
وَيَسْرِي إِلَيْهِمْ بِلَا حَامِلِ١٠٣
تَرَكْتَ جَمَاجِمَهُمْ فِي النَّقَا
 
وَمَا يَتَخَلَّصْنَ لِلنَّاخِلِ١٠٤
فَأَنْبَتَّ مِنْهُمْ رَبِيعَ السِّبَاعِ
 
فَأَثْنَتْ بِإِحْسَانِكَ الشَّامِلِ١٠٥
وَعُدْتَ إِلَى حَلَبٍ ظَافِرًا
 
كَعَوْدِ الْحُلِيِّ إِلَى الْعَاطِلِ١٠٦
وَمِثْلُ الَّذِي دُسْتَهُ حَافِيًا
 
يُؤَثِّرُ فِي قَدَمِ النَّاعِلِ١٠٧
وَكَمْ لَكَ مِنْ خَبَرٍ شَائِعٍ
 
لَهُ شِيَةُ الْأَبْلَقِ الْجَائِلِ!١٠٨
وَيَوْمٍ شَرَابُ بَنِيهِ الرَّدَى
 
بَغِيضُ الْحُضُورِ إِلَى الْوَاغِلِ١٠٩
تَفُكُّ الْعُنَاةَ وَتُغْنِي الْعُفَاةَ
 
وَتَغْفِرُ لِلْمُذْنِبِ الْجَاهِلِ١١٠
فَهَنَّأَكَ النَّصْرَ مُعْطِيكَهُ
 
وَأَرْضَاهُ سَعْيُكَ فِي الْآجِلِ١١١
فَذِي الدَّارِ أَخْوَنُ مِنْ مُومِسٍ
 
وَأَخْدَعُ مِنْ كِفَّةِ الْحَابِلِ١١٢
تَفَانَى الرِّجَالُ عَلَى حُبِّهَا
 
وَمَا يَحْصُلُونَ عَلَى طَائِلِ١١٣

وسار سيف الدولة إلى الموصل لنصرة أخيه ناصر الدولة، لما قصده معز الدولة الديلمي سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، فقال أبو الطيب:

أَعَلَى الْمَمَالِكِ مَا يُبْنَى عَلَى الْأَسَلِ
 
وَالطَّعْنُ عِنْدَ مُحِبِّيهِنَّ كَالْقُبَلِ١١٤
وَمَا تَقِرُّ سُيُوفٌ فِي مَمَالِكِهَا
 
حَتَّى تُقَلْقَلَ دَهْرًا قَبْلُ فِي الْقلَلِ١١٥
مِثْلُ الْأَمِيرِ بَغَى أَمْرًا فَقَرَّبَهُ
 
طُولُ الرِّمَاحِ وَأَيْدِي الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ١١٦
وَعَزْمَةٌ بَعَثَتْهَا هِمَّةٌ زُحَلٌ
 
مِنْ تَحْتِهَا بِمَكَانِ التُّرْبِ مِنْ زُحَلِ١١٧
عَلَى الْفُرَاتِ أَعَاصِيرٌ وَفِي حَلَبٍ
 
تَوَحُّشٌ لِمُلْقِي النَّصْرِ مُقْتَبَلِ١١٨
تَتْلُو أَسِنَّتُهُ الْكُتْبَ الَّتِي نَفَذَتْ
 
وَيَجْعَلُ الْخَيْلَ أَبْدَالًا مِنَ الرُّسُلِ١١٩
يَلْقَى الْمُلُوكَ فَلَا يَلْقَى سِوَى جَزَرٍ
 
وَمَا أَعَدُّوا فَلَا يَلْقَى سِوَى نَفَلِ١٢٠
صَانَ الْخَلِيفَةَ بِالْأَبْطَالِ مُهْجَتَهُ
 
صِيَانَةَ الذَّكَرِ الْهِنْدِيِّ بِالْخِلَلِ١٢١
الْفَاعِلُ الْفِعْلَ لَمْ يُفْعَلْ لِشِدَّتِهِ
 
وَالْقَائِلُ الْقَوْلَ لَمْ يُتْرَكْ وَلَمْ يُقَلِ١٢٢
وَالْبَاعِثُ الْجَيْشَ قَدْ غَالَتْ عَجَاجَتُهُ
 
ضَوْءَ النَّهَارِ فَصَارَ الظُّهْرُ كَالطَّفَلِ١٢٣
الْجَوُّ أَضْيَقُ مَا لَاقَاهُ سَاطِعُهَا
 
وَمُقْلَةُ الشَّمْسِ فِيهِ أَحْيَرُ الْمُقَلِ١٢٤
يَنَالُ أَبْعَدَ مِنْهَا وَهْيَ نَاظِرَةٌ
 
فَمَا تُقَابِلُهُ إِلَّا عَلَى وَجَلِ١٢٥
قَدْ عَرَّضَ السَّيْفَ دُونَ النَّازِلَاتِ بِهِ
 
وَظَاهَرَ الْحَزْمَ بَيْنَ النَّفْسِ وَالْغِيَلِ١٢٦
وَوَكَّلَ الظَّنَّ بِالْأَسْرَارِ فَانْكَشَفَتْ
 
لَهُ ضَمَائِرُ أَهْلِ السَّهْلِ وَالْجَبَلِ١٢٧
هُوَ الشُّجَاعُ يَعُدُّ الْبُخْلَ مِنْ جُبُنٍ
 
وَهْوَ الْجَوَادُ يَعُدُّ الْجُبْنَ مِنْ بَخَلِ١٢٨
يَعُودُ مِنْ كُلِّ فَتْحٍ غَيْرَ مُفْتَخِرٍ
 
وَقَدْ أَغَذَّ إِلَيْهِ غَيْرَ مُحْتَفِلِ١٢٩
وَلَا يُجِيرُ عَلَيْهِ الدَّهْرُ بُغْيَتَهُ
 
وَلَا تُحَصِّنُ دِرْعٌ مُهْجَةَ الْبَطَلِ١٣٠
إِذَا خَلَعْتُ عَلَى عِرْضٍ لَهُ حُلَلًا
 
وَجَدْتُهَا مِنْهُ فِي أَبْهَى مِنَ الْحُلَلِ١٣١
بِذِي الْغَبَاوَةِ مِنْ إِنْشَادِهَا ضَرَرٌ
 
كَمَا تُضِرُّ رِيَاحُ الْوَرْدِ بِالْجُعَلِ١٣٢
لَقَدْ رَأَتْ كُلُّ عَيْنٍ مِنْكَ مَالِئَهَا
 
وَجَرَّبَتْ خَيْرَ سَيْفٍ خَيْرَةُ الدُّوَلِ١٣٣
فَمَا تُكَشِّفُكَ الْأَعْدَاءُ مِنْ مَلَلٍ
 
مِنَ الْحُرُوبِ وَلَا الْآرَاءُ عَنْ زَلَلِ١٣٤
وَكَمْ رِجَالٍ بِلَا أَرْضٍ لِكَثْرَتِهِمْ
 
تَرَكْتَ جَمْعَهُمْ أَرْضًا بِلَا رَجُلِ!١٣٥
مَا زَالَ طِرْفُكَ يَجْرِي فِي دِمَائِهِم
 
حَتَّى مَشَى بِكَ مَشْيَ الشَّارِبِ الثَّمِلِ١٣٦
يَا مَنْ يَسِيرُ وَحُكْمُ النَّاظِرَيْنِ لَهُ
 
فِيمَا يَرَاهُ وحُكْمُ الْقَلْبِ فِي الْجَذَلِ١٣٧
إِنَّ السَّعَادَةَ فِيمَا أَنْتَ فَاعِلُهُ
 
وُفِّقْتَ مُرْتَحِلًا أَوْ غَيْرَ مُرْتَحِلِ١٣٨
أَجْرِ الْجِيَادَ عَلَى مَا كُنْتَ مُجْرِيهَا
 
وَخُذْ بِنَفْسِكَ فِي أَخْلَاقِكَ الْأُوَلِ١٣٩
يَنْظُرْنَ مِنْ مُقَلٍ أَدْمَى أَحِجَّتَهَا
 
قَرْعُ الْفَوَارِسِ بِالْعَسَّالَةِ الذُّبُلِ١٤٠
فَلَا هَجَمْتَ بِهَا إِلَّا عَلَى ظَفَرٍ
 
وَلَا وَصَلْتَ بِهَا إِلَّا عَلَى أَمَلِ١٤١

وقال يرثي أبا الهيجاء عبد الله بن سيف الدولة بحلب، وقد توفي بميافارقين في صفر سنة ثمانٍ وثلاثين وثلاثمائة:

بِنَا مِنْكَ فَوْقَ الرَّمْلِ مَا بِكَ فِي الرَّمْلِ
 
وَهَذَا الَّذِي يُضْنِي كَذَاكَ الَّذِي يُبْلِي١٤٢
كَأَنَّكَ أَبْصَرْتَ الَّذِي بِي وَخِفْتَهُ
 
إِذَا عِشْتَ فَاخْتَرْتَ الْحِمَامَ عَلَى الثُّكْلِ١٤٣
تَرَكْتَ خُدُودَ الْغَانِيَاتِ وَفَوْقَهَا
 
دُمُوعٌ تُذِيبُ الْحُسْنَ فِي الْأَعْيُنِ النُّجْلِ١٤٤
تَبُلُّ الثَّرَى سُودًا مِنَ الْمِسْكِ وَحْدَهُ
 
وَقَدْ قَطَرَتْ حُمْرًا عَلَى الشَّعَرِ الْجَثْلِ١٤٥
فَإِنْ تَكُ فِي قَبْرٍ فَإِنَّكَ فِي الْحَشَا
 
وَإِنْ تَكُ طِفْلًا فَالْأَسَى لَيْسَ بِالطِّفْلِ١٤٦
وَمِثْلُكَ لَا يُبْكَى عَلَى قَدْرِ سِنِّهِ
 
وَلَكِنْ عَلَى قَدْرِ الْمَخِيلَةِ وَالْأَصْلِ١٤٧
أَلَسْتَ مِنَ الْقَوْمِ الْأُلَى مِنْ رِمَاحِهِمْ
 
نَدَاهُمْ وَمِنْ قَتْلَاهُمُ مُهْجَةُ الْبُخْلِ؟١٤٨
بِمَوْلُودِهِمْ صَمْتُ اللِّسَانِ كَغَيْرِهِ
 
وَلَكِنَّ فِي أَعْطَافِهِ مَنْطِقَ الْفَضْلِ١٤٩
تُسَلِّيهِمِ عَلْيَاؤُهُمْ عَنْ مُصَابِهِمْ
 
وَيَشْغَلُهُمْ كَسْبُ الثَّنَاءِ عَنِ الشُّغْلِ١٥٠
أَقَلُّ بِلَاءً بِالرَّزَايَا مِنَ الْقَنَا
 
وَأَقْدَمُ بَيْنَ الْجَحْفَلَيْنِ مِنَ النَّبْلِ١٥١
عَزَاءَكَ سَيْفَ الدَّوْلَةِ الْمُقْتَدَى بِهِ
 
فَإِنَّكَ نَصْلٌ وَالشَّدَائِدُ لِلنَّصْلِ١٥٢
مُقِيمٌ مِنَ الْهَيْجَاءِ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ
 
كَأَنَّكَ مِنْ كُلِّ الصَّوَارِمِ فِي أَهْلِ١٥٣
وَلَمْ أَرَ أَعْصَى مِنْكَ لِلْحُزْنِ عَبْرَةً
 
وَأَثْبَتَ عَقْلًا وَالْقُلُوبُ بِلَا عَقْلِ١٥٤
تَخُونُ الْمَنَايَا عَهْدَهُ فِي سَلِيلِهِ
 
وَتَنْصُرُهُ بَيْنَ الْفَوَارِسِ وَالرَّجْلِ١٥٥
وَيَبْقَى عَلَى مَرِّ الْحَوَادِثِ صَبْرُهُ
 
وَيَبْدُو كَمَا يَبْدُو الْفِرِنْدُ عَلَى الصَّقْلِ١٥٦
وَمَنْ كَانَ ذَا نَفْسٍ كَنَفْسِكَ حُرَّةٍ
 
فَفِيهِ لَهَا مُغْنٍ وَفِيهَا لَهُ مُسْلِي١٥٧
وَمَا الْمَوْتُ إِلَّا سَارِقٌ دَقَّ شَخْصُهُ
 
يَصُولُ بِلَا كَفٍّ وَيَسْعَى بِلَا رِجْلِ١٥٨
يَرُدُّ أَبُو الشِّبْلِ الْخَمِيسَ عَنِ ابْنِهِ
 
وَيُسْلِمُهُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ لِلنَّمْلِ١٥٩
بِنَفْسِي وَلِيدٌ عَادَ مِنْ بَعْدِ حَمْلِهِ
 
إِلَى بَطْنِ أُمٍّ لَا تُطَرِّقُ بِالْحَمْلِ١٦٠
بَدَا وَلَهُ وَعْدُ السَّحَابَةِ بِالرِّوَى
 
وَصَدَّ وَفِينَا غُلَّةُ الْبَلَدِ الْمَحْلِ١٦١
وَقَدْ مَدَّتِ الْخَيْلُ الْعِتَاقُ عُيُونَهَا
 
إِلَى وَقْتِ تَبْدِيلِ الرِّكَابِ مِنَ النَّعْلِ١٦٢
وَرِيعَ لَهُ جَيْشُ الْعَدُوِّ وَمَا مَشَى
 
وَجَاشَتْ لَهُ الْحَرْبُ الضَّرُوسُ وَمَا تَغْلِي١٦٣
أَيَفْطِمُهُ التَّوْرَابُ قَبْلَ فِطَامِهِ
 
وَيَأْكُلُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ إِلَى الْأَكْلِ؟!١٦٤
وَقَبْلَ يَرَى مِنْ جُودِهِ مَا رَأَيْتَهُ
 
وَيَسْمَعَ فِيهِ مَا سَمِعْتَ مِنَ الْعَذْلِ١٦٥
وَيَلْقَى كَمَا تَلْقَى مِنَ السِّلْمِ وَالْوَغَى
 
وَيُمْسِي كَمَا تُمْسِي مَلِيكًا بِلَا مِثْلِ١٦٦
تُوَلِّيهِ أَوْسَاطَ الْبِلَادِ رِمَاحُهُ
 
وَتَمَنْعُهُ أَطْرَافُهُنَّ مِنَ الْعَزْلِ١٦٧
نُبَكِّي لِمَوْتَانَا عَلَى غَيْرِ رَغْبَةٍ
 
تَفُوتُ مِنَ الدُّنْيَا وَلَا مَوْهِبٍ جَزْلِ١٦٨
إِذَا مَا تَأَمَّلْتَ الزَّمَانَ وَصَرْفَهُ
 
تَيَقَّنْتَ أَنَّ الْمَوْتَ ضَرْبٌ مِنَ الْقَتْلِ١٦٩
هَلِ الْوَلَدُ الْمَحْبُوبُ إِلَّا تَعِلَّةٌ؟
 
وَهَلْ خَلْوَةُ الْحَسْنَاءِ إِلَّا أَذَى الْبَعْلِ؟١٧٠
وَقَدْ ذُقْتُ حَلْوَاءَ الْبَنِينِ عَلَى الصِّبَا
 
فَلَا تَحْسَبَنِّي قُلْتُ مَا قُلْتُ عَنْ جَهْلِ١٧١
وَمَا تَسَعُ الْأَزْمَانُ عِلْمِي بِأَمْرِهَا
 
وَلَا تُحْسِنُ الْأَيَّامُ تَكْتُبُ مَا أُمْلِي١٧٢
وَمَا الدَّهْرُ أَهْلٌ أَنْ تُؤَمَّلَ عِنْدَهُ
 
حَيَاةٌ، وَأَنْ يُشْتَاقَ فِيهِ إِلَى النَّسْلِ١٧٣

وقال يمدحه:

لَا الْحِلْمُ جَادَ بِهِ وَلا بِمِثَالِهِ
 
لَوْلَا ادِّكَارُ وَدَاعِهِ وَزِيَالِهِ١٧٤
إِنَّ الْمُعِيدَ لَنَا الْمَنَامُ خَيَالَهُ
 
كَانَتْ إِعَادَتُهُ خَيَالَ خَيَالِهِ١٧٥
بِتْنَا يُنَاوِلُنَا الْمُدَامَ بِكَفِّهِ
 
مَنْ لَيْسَ يَخْطُرُ أَنْ نَرَاهُ بِبَالِهِ١٧٦
نَجْنِي الْكَوَاكِبَ مِنْ قَلَائِدِ جِيدِهِ
 
وَنَنَالُ عَيْنَ الشَّمْسِ مِنْ خَلْخَالِهِ١٧٧
بِنْتُمْ عَنِ الْعَيْنِ الْقَرِيحَةِ فِيكُمُ
 
وَسَكَنْتُمُ ظَنَّ الْفُؤَادِ الْوَالِهِ١٧٨
فَدَنَوْتُمُ وَدُنُوُّكُمْ مِنْ عِنْدِهِ
 
وَسَمَحْتُمُ وَسَمَاحُكُمْ مِنْ مَالِهِ١٧٩
إِنِّي لَأُبْغِضُ طَيْفَ مَنْ أَحْبَبْتُهُ
 
إِذْ كَانَ يَهْجُرُنَا زَمَانَ وِصَالِهِ١٨٠
مِثْلُ الصَّبَابَةِ وَالْكَآبَةِ وَالْأَسَى
 
فَارَقْتُهُ فَحَدَثْنَ مِنْ تَرْحَالِهِ١٨١
وَقَدِ اسْتَقَدْتُ مِنَ الْهَوَى وَأَذَقْتُهُ
 
مِنْ عِفَّتِي مَا ذُقْتُ مِنْ بَلْبَالِهِ١٨٢
وَلَقَدْ ذَخَرْتُ لِكُلِّ أَرْضٍ سَاعَةً
 
تَسْتَجْفِلُ الضِّرْغَامَ عَنْ أَشْبَالِهِ١٨٣
تَلْقَى الْوُجُوهُ بِهَا الْوُجُوهَ وَبَيْنَهَا
 
ضَرْبٌ يَجُولُ الْمَوْتُ فِي أَجْوَالِهِ١٨٤
وَلَقَدْ خَبَأْتُ مِنَ الْكَلَامِ سُلَافَهُ
 
وَسَقَيْتُ مَنْ نَادَمْتُ مِنْ جِرْيَالِهِ١٨٥
وَإِذَا تَعَثَّرَتِ الْجِيَادُ بِسَهْلِهِ
 
بَرَّزْتُ غَيْرَ مُعَثَّرٍ بِجِبَالِهِ١٨٦
وَحَكَمْتُ فِي الْبَلَدِ الْعَرَاءِ بِنَاعِجٍ
 
مُعْتَادِهِ مُجْتَابِهِ مُغْتَالِهِ١٨٧
يَمْشِي كَمَا عَدَتِ الْمَطِيُّ وَرَاءَهُ
 
وَيَزِيدُ وَقْتَ جَمَامِهَا وَكَلَالِهِ١٨٨
وَتُرَاعُ غَيْرَ مُعَقَّلَاتٍ حَوْلَهُ
 
فَيَفُوتُهَا مُتَجَفِّلًا بِعِقَالِهِ١٨٩
فَغَدَا النَّجَاحُ وَرَاحَ فِي أَخْفَافِهِ
 
وَغَدَا الْمِرَاحُ وَرَاحَ فِي إِرْقَالِهِ١٩٠
وَشَرِكْتُ دَوْلَةَ هَاشِمٍ فِي سَيْفِهَا
 
وَشَقَقْتُ خِيسَ الْمُلْكِ عَنْ رِئْبَالِهِ١٩١
عَنْ ذَا الَّذِي حُرِمَ اللُّيُوثُ كَمَالَهُ
 
يُنْسِي الْفَرِيسَةَ خَوْفَهُ بِجَمَالِهِ١٩٢
وَتَوَاضَعَ الْأُمَرَاءُ حَوْلَ سَرِيرِهِ
 
وَتَرَى الْمَحَبَّةَ وَهْيَ مِنْ آكَالِهِ١٩٣
وَيُمِيتُ قَبْلَ قِتَالِهِ وَيبَشُّ قَبـْ
 
ـلَ نَوَالِهِ وَيُنِيلُ قَبْلَ سُؤَالِهِ١٩٤
إِنَّ الرِّيَاحَ إِذَا عَمَدْنَ لِنَاظِرٍ
 
أَغْنَاهُ مُقْبِلُهَا عَنِ اسْتِعْجَالِهِ١٩٥
أَعْطَى وَمَنَّ عَلَى الْمُلُوكِ بِعَفْوِهِ
 
حَتَّى تَسَاوَى النَّاسُ فِي إِفْضَالِهِ١٩٦
وَإِذَا غَنُوا بِعَطَائِهِ عَنْ هَزِّهِ
 
وَالَى فَأَغْنَى أَنْ يَقُولُوا: وَالِهِ١٩٧
وَكَأَنَّمَا جَدْوَاهُ مِنْ إِكْثَارِهِ
 
حَسَدٌ لِسَائِلِهِ عَلَى إِقْلَالِهِ١٩٨
غَرَبَ النُّجُومُ فَغُرْنَ دُونَ هُمُومِهِ
 
وَطَلَعْنَ حِينَ طَلَعْنَ دُونَ مَنَالِهِ١٩٩
وَاللهُ يُسْعِدُ كُلَّ يَوْمٍ جَدَّهُ
 
وَيَزِيدُ مِنْ أَعْدَائِهِ فِي آلِهِ٢٠٠
لَوْ لَمْ تَكُنْ تَجْرِي عَلَى أَسْيَافِهِ
 
مُهَجَاتُهُمْ لَجَرَتْ عَلَى إِقْبَالِهِ٢٠١
لَمْ يَتْرُكُوا أَثَرًا عَلَيْهِ مِنَ الْوَغَى
 
إِلَّا دِمَاءَهُمُ عَلَى سِرْبَالِهِ٢٠٢
فَلِمِثْلِهِ جَمَعَ الْعَرَمْرَمُ نَفْسَهُ
 
وَبِمِثْلِهِ انْفَصَمَتْ عُرَى أَقْتَالِهِ٢٠٣
يَا أَيُّهَا الْقَمَرُ الْمُبَاهِي وَجْهَهُ
 
لَا تُكْذَبَنَّ فَلَسْتَ مِنْ أَشْكَالِهِ٢٠٤
وَإِذَا طَمَا الْبَحْرُ الْمُحِيطُ فَقُلْ لَهُ:
 
دَعْ ذَا فَإِنَّكَ عَاجِزٌ عَنْ حَالِهِ٢٠٥
وَهَبَ الَّذِي وَرِثَ الْجُدُودَ وَمَا رَأَى
 
أَفْعَالَهُمْ لِابْنٍ بِلَا أَفْعَالِهِ٢٠٦
حَتَّى إِذَا فَنِيَ التُّرَاثُ سِوَى الْعُلَا
 
قَصَدَ الْعُدَاةَ مِنَ الْقَنَا بِطِوَالِهِ٢٠٧
وَبِأَرْعَنٍ لَبِسَ الْعَجَاجَ إِلَيْهِمِ
 
فَوْقَ الْحَدِيدِ وَجَرَّ مِنْ أَذْيَالِهِ٢٠٨
فَكَأَنَّمَا قَذِيَ النَّهَارُ بِنَقْعِهِ
 
أَوْ غَضَّ عَنْهُ الطَّرْفَ مِنْ إِجْلَالِهِ٢٠٩
الْجَيْشُ جَيْشُكَ غَيْرَ أَنَّكَ جَيْشُهُ
 
فِي قَلْبِهِ وَيَمِينِهِ وَشِمَالِهِ٢١٠
تَرِدُ الطِّعَانَ الْمُرَّ عَنْ فُرْسَانِهِ
 
وَتُنَازِلُ الْأَبْطَالَ عَنْ أَبْطَالِهِ٢١١
كُلٌّ يُرِيدُ رِجَالَهُ لِحَيَاتِهِ
 
يَا مَنْ يُرِيدُ حَيَاتَهُ لِرِجَالِهِ٢١٢
دُونَ الْحَلَاوَةِ فِي الزَّمَانِ مَرَارَةٌ
 
لَا تُخْتَطَى إِلَّا عَلَى أَهْوَالِهِ٢١٣
فَلِذَاكَ جَاوَزَهَا عَلِيٌّ وَحْدَهُ
 
وَسَعَى بِمُنْصُلِهِ إِلَى آمَالِهِ٢١٤

وقال وقد توسط سيف الدولة جبالًا بطريق آمد:

يُؤَمِّمُ ذَا السَّيْفُ آمَالَهُ
 
وَلا يَفْعَلُ السَّيْفُ أَفْعَالَهُ٢١٥
إِذَا سَارَ فِي مَهْمَهٍ عَمَّهُ
 
وَإِنْ سَارَ فِي جَبَلٍ طَالَهُ٢١٦
وَأَنْتَ بِمَا نُلْتَنَا مَالِكٌ
 
يُثَمِّرُ مِنْ مَالِهِ مَالَهُ٢١٧
كَأَنَّكَ مَا بَيْنَنَا ضَيْغَمٌ
 
يُرَشِّحُ لِلْفَرْسِ أَشْبَالَهُ٢١٨

وقال يمدحه ويذكر الخيمة التي رمتها الريح، وكان قد ضرب سيف الدولة خيمة عظيمة بميافارقين، وأشاع الناس أن مقامه يتصل بها فهبت ريح شديدة فوقعت الخيمة، فتكلم الناس في ذلك، فقال:

أَيَقْدَحُ فِي الْخَيْمَةِ الْعُذَّلُ
 
وَتَشْمَلُ مَنْ دَهْرَهَا يَشْمَلُ؟!٢١٩
وَتَعْلُو الَّذِي زُحَلٌ تَحْتَهُ
 
مُحَالٌ لَعَمْرُكَ مَا تُسْأَلُ٢٢٠
فَلِمْ لَا تَلُومُ الَّذِي لَامَهَا
 
وَمَا فَصُّ خَاتَمِهِ يَذْبُلُ؟٢٢١
تَضِيقُ بِشَخْصِكَ أَرْجَاؤُهَا
 
وَيَرْكُضُ فِي الْوَاحِدِ الْجَحْفَلُ٢٢٢
وَتَقْصُرُ مَا كُنْتَ فِي جَوْفِهَا
 
وَتُرْكَزُ فِيهَا الْقَنَا الذُّبَّلُ٢٢٣
وَكَيْفَ تَقُومُ عَلَى رَاحَةٍ
 
كَأَنَّ الْبِحَارَ لَهَا أُنْمُلُ؟!٢٢٤
فَلَيْتَ وَقَارَكَ فَرَّقْتَهُ
 
وَحَمَّلْتَ أَرْضَكَ مَا تَحْمِلُ!٢٢٥
فَصَارَ الْأَنَامُ بِهِ سَادَةً
 
وَسُدْتَهُمُ بِالَّذِي يَفْضُلُ٢٢٦
رَأَتْ لَوْنَ نُورِكَ فِي لَوْنِهَا
 
كَلَوْنِ الْغَزَالَةِ لَا يُغْسَلُ٢٢٧
وَأَنَّ لَهَا شَرَفًا بَاذِخًا
 
وَأَنَّ الْخِيَامَ بِهَا تَخْجَلُ٢٢٨
فَلَا تُنْكِرَنَّ لَهَا صَرْعَةً
 
فَمِنْ فَرَحِ النَّفْسِ مَا يَقْتُلُ٢٢٩
وَلَوْ بُلِّغَ النَّاسُ مَا بُلِّغَتْ
 
لَخَانَتْهُمُ حَوْلَكَ الْأَرْجُلُ٢٣٠
وَلَمَّا أَمَرْتَ بِتَطْنِيبِهَا
 
أُشِيعَ بِأَنَّكَ لَا تَرْحَلُ٢٣١
فَمَا اعْتَمَدَ اللهُ تَقْوِيضَهَا
 
وَلَكِنْ أَشَارَ بِمَا تَفْعَلُ٢٣٢
وَعَرَّفَ أَنَّكَ مِنْ هَمِّهِ
 
وَأَنَّكَ فِي نَصْرِهِ تَرْفُلُ٢٣٣
فَمَا الْعَانِدُونَ وَمَا أَثَّلُوا
 
وَمَا الْحَاسِدُونَ وَمَا قَوَّلُوا؟!٢٣٤
هُمُ يَطْلُبُونَ فَمَنْ أَدْرَكُوا
 
وَهُمْ يَكْذِبُونَ فَمَنْ يَقْبَلُ؟!٢٣٥
وَهُمْ يَتَمَنَّوْنَ مَا يَشْتَهُونَ
 
وَمِنْ دُونِهِ جَدُّكَ الْمُقْبِلُ٢٣٦
وَمَلْمُومَةٌ زَرَدٌ ثَوْبُهَا
 
وَلَكِنَّهُ بِالْقَنَا مُخْمَلُ٢٣٧
يُفَاجِئُ جَيْشًا بِهَا حَيْنُهُ
 
وَيُنْذِرُ جَيْشًا بِهَا الْقَسْطَلُ٢٣٨
جَعَلْتُكَ بِالْقَلْبِ لِي عُدَّةً
 
لِأَنَّكَ بِالْيَدِ لَا تُجْعَلُ٢٣٩
لَقَدْ رَفَعَ اللهُ مِنْ دَوْلَةٍ
 
لَهَا مِنْكَ يَا سَيْفَهَا مُنْصُلُ٢٤٠
فَإِنْ طُبِعَتْ قَبْلَكَ الْمُرْهَفَاتُ
 
فَإِنَّكَ مِنْ قَبْلِهَا الْمِقْصَلُ٢٤١
وَإِنْ جَادَ قَبْلَكَ قَوْمٌ مَضَوْا
 
فَإِنَّكَ فِي الْكَرَمِ الْأَوَّلُ٢٤٢
وَكَيْفَ تُقَصِّرُ عَنْ غَايَةٍ
 
وَأُمُّكَ مِنْ لَيْثِهَا مُشْبِلُ؟!٢٤٣
وَقَدْ وَلَدَتْكَ فَقَالَ الْوَرَى:
 
أَلَمْ تَكُنِ الشَّمْسُ لَا تُنْجَلُ؟!٢٤٤
فَتَبًّا لِدِينِ عَبِيدِ النُّجُومِ
 
وَمَنْ يَدَّعِي أَنَّهَا تَعْقِلُ٢٤٥
وَقَدْ عَرَفَتْكَ فَمَا بَالُهَا
 
تَرَاكَ تَرَاهَا وَلَا تَنْزِلُ؟!٢٤٦
وَلَوْ بِتُّمَا عِنْدَ قَدْرَيْكُمَا
 
لَبِتَّ وَأَعْلَاكُمَا الْأَسْفَلُ٢٤٧
أَنَلْتَ عِبَادَكَ مَا أَمَّلُوا
 
أَنَالَكَ رَبُّكَ مَا تَأْمُلُ٢٤٨
وقال يمدحه ويعتذر إليه وذلك في شعبان سنة إحدى وأربعين:٢٤٩
أَجَابَ دَمْعِي وَمَا الدَّاعِي سِوَى طَلَلٍ
 
دَعَا فَلَبَّاهُ قَبْلَ الرَّكْبِ وَالْإِبِلِ٢٥٠
ظَلِلْتُ بَيْنَ أُصَيْحَابِي أُكَفْكِفُهُ
 
وَظَلَّ يَسْفَحُ بَيْنَ الْعُذْرِ وَالْعَذَلِ٢٥١
أَشْكُو النَّوَى وَلَهُمْ مِنْ عَبْرَتِي عَجَبٌ
 
كَذَاكَ كُنْتُ وَمَا أَشْكُو سِوَى الْكَلَلِ٢٥٢
وَمَا صَبَابَةُ مُشْتَاقٍ عَلَى أَمَلٍ
 
مِنَ اللِّقَاءِ كَمُشْتَاقٍ بِلَا أَمَلِ٢٥٣
مَتَى تَزُرْ قَوْمَ مَنْ تَهْوَى زِيَارَتَهَا
 
لَا يُتْحِفُوكَ بِغَيْرِ الْبِيضِ وَالْأَسَلِ٢٥٤
وَالْهَجْرُ أَقْتَلُ لِي مِمَّا أُرَاقِبُهُ
 
أَنَا الْغَرِيقُ فَمَا خَوْفِي مِنَ الْبَلَلِ!٢٥٥
مَا بَالُ كُلِّ فُؤَادٍ فِي عَشِيرَتِهَا
 
بِهِ الَّذِي بِي وَمَا بِي غَيْرُ مُنْتَقِلِ؟!٢٥٦
مُطَاعَةُ اللَّحْظِ فِي الْأَلْحَاظِ مَالِكَةٌ
 
لِمُقْلَتَيْهَا عَظِيمُ الْمُلْكِ فِي الْمُقَلِ٢٥٧
تَشَبَّهُ الْخَفِرَاتُ الآنِسَاتُ بِهَا
 
فِي مَشْيِهَا فَيَنَلْنَ الْحُسْنَ بِالْحِيَلِ٢٥٨
قَدْ ذُقْتُ شِدَّةَ أَيَّامِي وَلَذَّتَهَا
 
فَمَا حَصَلْتُ عَلَى صَابٍ وَلَا عَسَلِ٢٥٩
وَقَدْ أَرَانِي الشَّبَابُ الرُّوحَ فِي بَدَنِي
 
وَقَدْ أَرَانِي الْمَشِيبُ الرُّوحَ فِي بَدَلِي٢٦٠
وَقَدْ طَرَقْتُ فَتَاةَ الْحَيِّ مُرْتَدِيًا
 
بِصَاحِبٍ غَيْرِ عِزْهَاةٍ وَلَا غَزِلِ٢٦١
فَبَاتَ بَيْنَ تَرَاقِينَا نُدَفِّعُهُ
 
وَلَيْسَ يَعْلَمُ بِالشَّكْوَى وَلَا الْقُبَلِ٢٦٢
ثُمَّ اغْتَدَى وَبِهِ مِنْ رَدْعِهَا أَثَرٌ
 
عَلَى ذُؤَابَتِهِ وَالْجَفْنِ وَالْخَلَلِ٢٦٣
لَا أَكْسِبُ الذِّكْرَ إِلَّا مِنْ مَضَارِبِهِ
 
أَوْ مِنْ سِنَانٍ أَصَمِّ الْكَعْبِ مُعْتَدِلِ٢٦٤
جَادَ الْأَمِيرُ بِهِ لِي فِي مَوَاهِبِهِ
 
فَزَانَهَا وَكَسَانِي الدِّرْعَ فِي الْحُلَلِ٢٦٥
وَمِنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ مَعْرِفَتِي
 
بِحَمْلِهِ مَنْ كَعَبْدِ اللهِ أَوْ كَعَلِي٢٦٦
مُعْطِي الْكَوَاعِبِ وَالْجُرْدِ السَّلَاهِبِ وَالـْ
 
ـبِيضِ الْقَوَاضِبِ وَالْعَسَّالَةِ الذُّبُلِ٢٦٧
ضَاقَ الزَّمَانُ وَوَجْهُ الْأَرْضِ عَنْ مَلِكٍ
 
مِلْءِ الزَّمَانِ وَمِلْءِ السَّهْلِ وَالْجَبَلِ٢٦٨
فَنَحْنُ فِي جَذَلٍ وَالرُّومُ فِي وَجَلٍ
 
وَالْبَرُّ فِي شُغُلٍ وَالْبَحْرُ فِي خَجَلِ٢٦٩
مِنْ تَغْلِبَ الْغَالِبِينَ النَّاسَ مَنْصِبُهُ
 
وَمِنْ عَدِيٍّ أَعَادِي الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ٢٧٠
وَالْمَدْحُ لِابْنِ أَبِي الْهَيْجَاءِ تُنْجِدُهُ
 
بِالْجَاهِلِيَّةِ عَيْنُ الْعِيِّ وَالْخَطَلِ٢٧١
لَيْتَ الْمَدَائِحَ تَسْتَوْفِي مَنَاقِبَهُ
 
فَمَا كُلَيْبٌ وَأَهْلُ الْأَعْصُرِ الْأُوَلِ٢٧٢
خُذْ مَا تَرَاهُ وَدَعْ شَيْئًا سَمِعْتَ بِهِ
 
فِي طَلْعَةِ الشَّمْسِ مَا يُغْنِيكَ عَنْ زُحَلِ٢٧٣
وَقَدْ وَجَدْتَ مَجَالَ الْقَوْلِ ذَا سَعَةٍ
 
فَإِنْ وَجَدْتَ لِسَانًا قَائِلًا فَقُلِ٢٧٤
إِنَّ الْهُمَامَ الَّذِي فَخْرُ الْأَنَامِ بِهِ
 
خَيْرُ السُّيُوفِ بِكَفَّيْ خَيْرَةِ الدُّوَلِ٢٧٥
تُمْسِي الْأَمَانِيُّ صَرْعَى دُونَ مَبْلَغِهِ
 
فَمَا يَقُولُ لِشَيْءٍ لَيْتَ ذَلِكَ لِي٢٧٦
انْظُرْ إِذَا اجْتَمَعَ السَّيْفَانِ فِي رَهَجٍ
 
إِلَى اخْتِلَافِهِمَا فِي الْخَلْقِ وَالْعَمَلِ
هَذَا الْمُعَدُّ لِرَيْبِ الدَّهْرِ مُنْصَلِتًا
 
أَعَدَّ هَذَا لِرَأْسِ الْفَارِسِ الْبَطَلِ٢٧٧
فَالْعُرْبُ مِنْهُ مَعَ الْكُدْرِيِّ طَائِرَةٌ
 
وَالرُّومُ طَائِرَةٌ مِنْهُ مَعَ الْحَجَلِ٢٧٨
وَمَا الْفِرَارُ إِلَى الْأَجْبَالِ مِنْ أَسَدٍ
 
تَمْشِي النَّعَامُ بِهِ فِي مَعْقِلِ الْوَعَلِ؟!٢٧٩
جَازَ الدُّرُوبَ إِلَى مَا خَلْفَ خَرْشَنَةٍ
 
وَزَالَ عَنْهَا وَذَاكَ الرَّوْعُ لَمْ يَزُلِ٢٨٠
فَكُلَّمَا حَلَمَتْ عَذْرَاءُ عِنْدَهُمُ
 
فَإِنَّمَا حَلَمَتْ بِالسَّبْيِ وَالْجَمَلِ٢٨١
إِنْ كُنْتَ تَرْضَى بِأَنْ يُعْطُوا الْجِزَى بَذَلُوا
 
مِنْهَا رِضَاكَ وَمَنْ لِلْعُورِ بِالْحَوَلِ٢٨٢
نَادَيْتُ مَجْدَكَ فِي شِعْرِي وَقَدْ صَدَرَا
 
يَا غَيْرَ مُنْتَحِلٍ فِي غَيْرِ مُنْتَحِلِ٢٨٣
بِالشَّرْقِ وَالْغَرْبِ أَقْوَامٌ نُحِبُّهُمُ
 
فَطَالِعَاهُمْ وَكُونَا أَبْلَغَ الرُّسُلِ٢٨٤
وَعَرِّفَاهُمْ بِأَنِّي فِي مَكَارِمِهِ
 
أُقَلِّبُ الطَّرْفَ بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْخَوَلِ٢٨٥
يَا أَيُّهَا الْمُحْسِنُ الْمَشْكُورُ مِنْ جِهَتِي
 
وَالشُّكْرُ مِنْ قِبَلِ الْإِحْسَانِ لَا قِبَلِي٢٨٦
مَا كَانَ نَوْمِي إِلَّا فَوْقَ مَعْرِفَتِي
 
بِأَنَّ رَأْيَكَ لَا يُؤْتَى مِنَ الزَّلَلِ٢٨٧
أَقِلْ أَنِلْ أَقْطِعِ احْمِلْ عَلِّ سَلِّ أَعِدْ
 
زِدْ هَشَّ بَشَّ تَفَضَّلْ أَدْنِ سُرَّ صِلِ٢٨٨
لَعَلَّ عَتْبَكَ مَحْمُودٌ عَوَاقِبُهُ
 
فَرُبَّمَا صَحَّتِ الْأَجْسَامُ بِالْعِلَلِ٢٨٩
وَمَا سَمِعْتُ، وَلَا غَيْرِي بِمُقْتَدِرٍ
 
أَذَبَّ مِنْكَ لِزُورِ الْقَوْلِ عَنْ رَجُلِ٢٩٠
لِأَنَّ حِلْمَكَ حِلْمٌ لَا تَكَلَّفُهُ
 
لَيْسَ التَّكَحُّلُ فِي الْعَيْنَيْنِ كَالْكَحَلِ٢٩١
وَمَا ثَنَاكَ كَلَامُ النَّاسِ عَنْ كَرَمٍ
 
وَمَنْ يَسُدُّ طَرِيقَ الْعَارِضِ الْهَطِلِ؟!٢٩٢
أَنْتَ الْجَوَادُ بِلَا مَنٍّ وَلَا كَدَرٍ
 
وَلَا مِطَالٍ وَلَا وَعْدٍ وَلَا مَذَلِ٢٩٣
أَنْتَ الشُّجَاعُ إِذَا مَا لَمْ يَطَأْ فَرَسٌ
 
غَيْرَ السَّنَوَّرِ وَالْأَشْلَاءِ وَالْقُلَلِ٢٩٤
وَرَدَّ بَعْضُ الْقَنَا بَعْضًا مُقَارَعَةً
 
كَأَنَّهُ مِنْ نُفُوسِ الْقَوْمِ فِي جَدَلِ٢٩٥
لَا زِلْتَ تَضْرِبُ مَنْ عَادَاكَ عَنْ عُرُضٍ
 
بِعَاجِلِ النَّصْرِ فِي مُسْتَأْخِرِ الْأَجَلِ٢٩٦

ولما أنشد أقل أنل رآهم يعدون ألفاظه، فقال وزاد فيه:

أَقِلْ أَنِلْ أُنْ صُنِ احْمِلْ عَلِّ سَلِّ أَعِدْ
 
زِدْ هَشَّ بَشَّ هَبِ اغْفِرْ أَدْنِ سُرَّ صِلِ٢٩٧

فرآهم يستكثرون الحروف، فقال:

عِشِ ابْقَ اسْمُ سُدْ قُدْ جُدْ مُرِ انْهَ رِ فِ اسْرِ نَلْ
 
غِظِ ارْمِ صِبِ احْمِ اغْزُ اسْبِ رُعْ زَعْ دِلِ اثْنِ نُلْ٢٩٨
وَهَذَا دُعَاءٌ لَوْ سَكَتُّ كُفِيتَهُ
 
لِأَنِّي سَأَلْتُ اللهَ فِيكَ وَقَدْ فَعَلْ٢٩٩

وقال وقد حضر مجلس سيف الدولة وبين يديه أتْرُجٌّ وطَلْعٌ وهو يمتحن الفرسان، فقال ابن حبيش شيخ المصيصة: لا تتوهم هذا للشرب، فقال أبو الطيب:

شَدِيدُ الْبُعْدِ مِنْ شُرْبِ الشَّمُولِ
 
تُرُنْجُ الْهِنْدِ أَوْ طَلْعُ النَّخِيلِ٣٠٠
وَلَكِنْ كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ طِيبٌ
 
لَدَيْكَ مِنَ الدَّقِيقِ إِلَى الْجَلِيلِ٣٠١
وَمَيْدَانُ الْفَصَاحَةِ وَالْقَوَافِي
 
وَمُمْتَحَنُ الْفَوَارِسِ وَالْخُيُولِ٣٠٢

وأنكر عليه بعض الحاضرين قوله: شديد … إلخ، فقال:

أَتَيْتُ بِمَنْطِقِ الْعَرَبِ الْأَصِيلِ
 
وَكَانَ بِقَدْرِ مَا عَايَنْتُ قِيلِي٣٠٣
فَعَارَضَهُ كَلَامٌ كَانَ مِنْهُ
 
بِمَنْزِلَةِ النِّسَاءِ مِنَ الْبُعُولِ٣٠٤
وَهَذَا الدُّرُّ مَأْمُونُ التَّشَظِّي
 
وَأَنْتَ السَّيْفُ مَأْمُونُ الْفُلُولِ٣٠٥
وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي الْأَفْهَامِ شَيْءٌ
 
إِذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إِلَى دَلِيلِ٣٠٦

ودخل عليه في ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، وعنده رسول ملك الروم وقد جاء يلتمس الفداء، وركب الغلمان بالتجافيف وأحضروا لبؤة مقتولة ومعها ثلاثة أشبال بالحياة وألقوها بين يديه. فقال أبو الطيب مرتجلًا:

لَقِيتَ الْعُفَاةَ بِآمَالِهَا
 
وَزُرْتَ الْعُدَاةَ بِآجَالِهَا٣٠٧
وَأَقْبَلَتِ الرُّومُ تَمْشِي إِلَيْكَ
 
بَيْنَ اللُّيُوثِ وَأَشْبَالِهَا٣٠٨
إِذَا رَأَتِ الْأُسْدَ مَسْبِيَّةً
 
فَأَيْنَ تَفِرُّ بِأَطْفَالِهَا؟!٣٠٩

ودخل عليه ليلًا وهو يصف سلاحًا كان بين يديه ورُفع، فقال ارتجالًا:

وَصَفْتَ لَنَا — وَلَمْ نَرَهُ — سِلَاحًا
 
كَأَنَّكَ وَاصِفٌ وَقْتَ النِّزَالِ٣١٠
وَأَنَّ الْبَيْضَ صُفَّ عَلَى دُرُوعٍ
 
فَشَوَّقَ مَنْ رَآهُ إِلَى الْقِتَالِ٣١١
فَلَوْ أَطْفَأْتَ نَارَكَ تَا لَدَيْهِ
 
قَرَأْتَ الْخَطَّ فِي سُودِ اللَّيَالِي٣١٢
إِنِ اسْتَحْسَنْتَ وَهْوَ عَلَى بِسَاطٍ
 
فَأَحْسَنُ مَا يَكُونُ عَلَى الرِّجَالِ٣١٣
وَإِنَّ بِهَا، وَإِنَّ بِهِ لَنَقْصًا
 
وَأَنْتَ لَهَا النِّهَايَةُ فِي الْكَمَالِ٣١٤
وَلَوْ لَحَظَ الدُّمُسْتُقُ جَانِبَيْهِ
 
لَقَلَّبَ رَأْيَهُ حَالًا لِحَالِ٣١٥
وقال يمدحه، وأنشدها في جمادى الآخرة سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة:٣١٦
لَيَالِيَّ بَعْدَ الظَّاعِنِينَ شُكُولُ
 
طِوَالٌ وَلَيْلُ الْعَاشِقِينَ طَوِيلُ٣١٧
يُبِنَّ لِيَ الْبَدْرَ الَّذِي لَا أُرِيدُهُ
 
وَيُخْفِينَ بَدْرًا مَا إِلَيْهِ سَبِيلُ٣١٨
وَمَا عِشْتُ مِنْ بَعْدِ الْأَحِبَّةِ سَلْوَةً
 
وَلَكِنَّنِي لِلنَّائِبَاتِ حَمُولُ٣١٩
وَإِنَّ رَحِيلًا وَاحِدًا حَالَ بَيْنَنَا
 
وَفِي الْمَوْتِ مِنْ بَعْدِ الرَّحِيلِ رَحِيلُ٣٢٠
إِذَا كَانَ شَمُّ الرَّوْحِ أَدْنَى إِلَيْكُمُ
 
فَلَا بَرِحَتْنِي رَوْضَةٌ وَقَبُولُ٣٢١
وَمَا شَرَقِي بِالْمَاءِ إِلَّا تَذَكُّرًا
 
لِمَاءٍ بِهِ أَهْلُ الْحَبِيبِ نُزُولُ٣٢٢
يُحَرِّمُهُ لَمْعُ الْأَسِنَّةِ فَوْقَهُ
 
فَلَيْسَ لِظَمْآنٍ إِلَيْهِ وُصُولُ٣٢٣
أَمَا فِي النُّجُومِ السَّائِرَاتِ وَغَيْرِهَا
 
لِعَيْنِي عَلَى ضَوْءِ الصَّبَاحِ دَلِيلُ؟٣٢٤
أَلَمْ يَرَ هَذَا اللَّيْلُ عَيْنَيْكِ رُؤْيَتِي
 
فَتَظْهَرَ فِيهِ رِقَّةٌ وَنُحُولُ؟!٣٢٥
لَقِيتُ بِدَرْبِ الْقُلَّةِ الْفَجْرَ لَقْيَةً
 
شَفَتْ كَمَدِي وَاللَّيْلُ فِيهِ قَتِيلُ٣٢٦
وَيَوْمًا كَأَنَّ الْحُسْنَ فِيهِ عَلَامَةٌ
 
بَعَثْتِ بِهَا وَالشَّمْسُ مِنْكِ رَسُولُ٣٢٧
وَمَا قَبْلَ سَيْفِ الدَّوْلَةِ اثَّارَ عَاشِقٌ
 
وَلَا طُلِبَتْ عِنْدَ الظَّلَامِ ذُحُولُ٣٢٨
وَلَكِنَّهُ يَأْتِي بِكُلِّ غَرِيبَةٍ
 
تَرُوقُ عَلَى اسْتِغْرَابِهَا وَتَهُولُ٣٢٩
رَمَى الدَّرْبَ بِالْجُرْدِ الْجِيَادِ إِلَى الْعِدَا
 
وَمَا عَلِمُوا أَنَّ السِّهَامَ خُيُولُ٣٣٠
شَوَائِلَ تَشْوَالَ الْعَقَارِبِ بِالْقَنَا
 
لَهَا مَرَحٌ مِنْ تَحْتِهِ وَصَهِيلُ٣٣١
وَمَا هِيَ إِلَّا خَطْرَةٌ عَرَضَتْ لَهُ
 
بِحَرَّانَ لَبَّتْهَا قَنًا وَنُصُولُ٣٣٢
هُمَامٌ إِذَا مَا هَمَّ أَمْضَى هُمُومَهُ
 
بِأَرْعَنَ وَطْءُ الْمَوْتِ فِيهِ ثَقِيلُ٣٣٣
وَخَيْلٍ بَرَاهَا الرَّكْضُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ
 
إِذَا عَرَّسَتْ فِيَها فَلَيْسَ تَقِيلُ٣٣٤
فَلَمَّا تَجَلَّى مِنْ دَلُوكٍ وَصَنْجَةٍ
 
عَلَتْ كُلَّ طَوْدٍ رَايَةٌ وَرَعِيلُ٣٣٥
عَلَى طُرُقٍ فِيهَا عَلَى الطُّرْقِ رِفْعَةٌ
 
وَفِي ذِكْرِهَا عِنْدَ الْأَنِيسِ خُمُولُ٣٣٦
فَمَا شَعَرُوا حَتَّى رَأَوْهَا مُغِيرَةً
 
قِبَاحًا وَأَمَّا خَلْقُهَا فَجَمِيلُ٣٣٧
سَحَائِبُ يُمْطِرْنَ الْحَدِيدَ عَلَيْهِم
 
فَكُلُّ مَكَانٍ بِالسُّيُوفِ غَسِيلُ٣٣٨
وَأَمْسَى السَّبَايَا يَنْتَحِبْنَ بِعَرْقَةٍ
 
كَأَنَّ جُيُوبَ الثَّاكِلَاتِ ذُيُولُ٣٣٩
وَعَادَتْ فَظَنُّوهَا بِمَوْزَارَ قُفَّلًا
 
وَلَيْسَ لَهَا إِلَّا الدُّخُولَ قُفُولُ٣٤٠
فَخَاضَتْ نَجِيعَ الْجَمْعِ خَوْضًا كَأَنَّهُ
 
بِكُلِّ نَجِيعٍ لَمْ تَخُضْهُ كَفِيلُ٣٤١
تُسَايِرُهَا النِّيرَانُ فِي كُلِّ مَسْلَكٍ
 
بِهِ الْقَوْمُ صَرْعَى وَالدِّيَارُ طُلُولُ٣٤٢
وَكَرَّتْ فَمَرَّتْ فِي دِمَاءِ مَلَطْيَةٍ
 
مَلَطْيَةُ أُمٌّ لِلْبَنِينِ ثَكُولُ٣٤٣
وَأَضْعَفْنَ مَا كُلِّفْنَهُ مِنْ قُبَاقِبٍ
 
فَأَضْحَى كَأَنَّ الْمَاءَ فِيهِ عَلِيلُ٣٤٤
وَرُعْنَ بِنَا قَلْبَ الْفُرَاتِ كَأَنَّمَا
 
تَخِرُّ عَلَيْهِ بِالرِّجَالِ سُيُولُ٣٤٥
يُطَارِدُ فِيهِ مَوْجَهُ كُلُّ سَابِحٍ
 
سَوَاءٌ عَلَيْهِ غَمْرَةٌ وَمَسِيلُ٣٤٦
تَرَاهُ كَأَنَّ الْمَاءَ مَرَّ بِجِسْمِهِ
 
وَأَقْبَلَ رَأْسٌ وَحْدَهُ وَتَلِيلُ٣٤٧
وَفِي بَطْنِ هِنْزِيطٍ وَسِمْنِينَ لِلظُّبَا
 
وَصُمَّ الْقَنَا مِمَّنْ أَبْدَنَ بَدِيلُ٣٤٨
طَلَعْنَ عَلَيْهِمْ طَلْعَةً يَعْرِفُونَهَا
 
لَهَا غُرَرٌ مَا تَنْقَضِي وَحُجُولُ٣٤٩
تَمَلُّ الْحُصُونُ الشُّمُّ طُولَ نِزَالِنَا
 
فَتُلْقِي إِلَيْنَا أَهْلَهَا وَتَزُولُ٣٥٠
وَبِتْنَ بِحِصْنِ الرَّانِ رَزْحَى مِنَ الْوَجَى
 
وَكُلُّ عَزِيزٍ لِلْأَمِيرِ ذَلِيلُ٣٥١
وَفِي كُلِّ نَفْسٍ مَا خَلَاهُ مَلَالَةٌ
 
وَفِي كُلِّ سَيْفٍ مَا خَلَاهُ فُلُولُ٣٥٢
وَدُونَ سُمَيْسَاطَ الْمَطَامِيرُ وَالْمَلَا
 
وَأَوْدِيَةٌ مَجْهُولَةٌ وَهُجُولُ٣٥٣
لَبِسْنَ الدُّجَى فِيهَا إِلَى أَرْضِ مَرْعَشٍ
 
وَلِلرُّومِ خَطْبٌ فِي الْبِلَادِ جَلِيلُ٣٥٤
فَلَمَّا رَأَوْهُ وَحْدَهُ قَبْلَ جَيْشِهِ
 
دَرَوْا أَنَّ كُلَّ الْعَالَمِينَ فُضُولُ٣٥٥
وَأَنَّ رِمَاحَ الْخَطِّ عَنْهُ قَصِيرَةٌ
 
وَأَنَّ حَدِيدَ الْهِنْدِ عَنْهُ كَلِيلُ٣٥٦
فَأَوْرَدَهُمْ صَدْرَ الْحِصَانِ وَسَيْفَهُ
 
فَتًى بَأْسُهُ مِثْلُ الْعَطَاءِ جَزِيلُ٣٥٧
جَوَادٌ عَلَى الْعِلَّاتِ بِالْمَالِ كُلِّهِ
 
وَلَكِنَّهُ بِالدَّارِعِينَ بَخِيلُ٣٥٨
فَوَدَّعَ قَتْلَاهُمْ وَشَيَّعَ فَلَّهُمْ
 
بِضَرْبٍ حُزُونُ الْبَيْضِ فِيهِ سُهُولُ٣٥٩
عَلَى قَلْبِ قُسْطَنْطِينَ مِنْهُ تَعَجُّبٌ
 
وَإِنْ كَانَ فِي سَاقَيْهِ مِنْهُ كُبُولُ٣٦٠
لَعَلَّكَ يَومًا يَا دُمُسْتُقُ عَائِدٌ
 
فَكَمْ هَارِبٍ مِمَّا إِلَيْهِ يَئُولُ٣٦١
نَجَوْتَ بِإِحْدَى مُهْجَتَيْكَ جَرِيحَةً
 
وَخَلَّفْتَ إِحْدَى مُهْجَتَيْكَ تَسِيلُ٣٦٢
أَتُسْلِمُ لِلْخَطِّيَّةِ ابْنَكَ هَارِبًا
 
وَيَسْكُنَ فِي الدُّنْيَا إِلَيْكَ خَلِيلُ؟!٣٦٣
بِوَجْهِكَ مَا أَنْسَاكَهُ مِنْ مُرِشَّةٍ
 
نَصِيرُكَ مِنْهَا رَنَّةٌ وَعَوِيلُ٣٦٤
أَغَرَّكُمُ طُولُ الْجُيُوشِ وَعَرْضُهَا؟!
 
عَلِيٌّ شَرُوبٌ لِلْجُيُوشِ أَكُولُ٣٦٥
إِذَا لَمْ تَكُنْ لِلَّيْثِ إِلَّا فَرِيسَةً
 
غَذَاهُ وَلَمْ يَنْفَعْكَ أَنَّكَ فِيلُ٣٦٦
إِذَا الطَّعْنُ لَمْ تُدْخِلْكَ فِيهِ شَجَاعَةٌ
 
هِيَ الطَّعْنُ لَمْ يُدْخِلْكَ فِيهِ عَذُولُ٣٦٧
فَإِنْ تَكُنِ الْأَيَّامُ أَبْصَرْنَ صَوْلَهُ
 
فَقَدْ عَلَّمَ الْأَيَّامَ كَيْفَ تَصُولُ٣٦٨
فَدَتْكَ مُلُوكٌ لَمْ تُسَمَّ مَوَاضِيًا
 
فَإِنَّكَ مَاضِي الشَّفْرَتَيْنِ صَقِيلُ٣٦٩
إِذَا كَانَ بَعْضُ النَّاسِ سَيْفًا لِدَوْلَةٍ
 
فَفِي النَّاسِ بُوقَاتٌ لَهَا وَطُبُولُ٣٧٠
أَنَا السَّابِقُ الْهَادِي إِلَى مَا أَقُولُهُ
 
إِذِ الْقَوْلُ قَبْلَ الْقَائِلِينَ مَقُولُ٣٧١
وَمَا لِكَلَامِ النَّاسِ فِيمَا يُرِيبُنِي
 
أُصُولٌ وَلَا لِلْقَائِلِيهِ أُصُولُ٣٧٢
أُعَادَى عَلَى مَا يُوجِبُ الْحُبَّ لِلْفَتَى
 
وَأَهْدَأُ وَالْأَفْكَارُ فِيَّ تَجُولُ٣٧٣
سِوَى وَجَعِ الْحُسَّادِ دَاوِ فَإِنَّهُ
 
إِذَا حَلَّ فِي قَلْبٍ فَلَيْسَ يَحُولُ٣٧٤
وَلَا تَطْمَعَنْ مِنْ حَاسِدٍ فِي مَوَدَّةٍ
 
وَإِنْ كُنْتَ تُبْدِيهَا لَهُ وَتُنِيلُ٣٧٥
وَإِنَّا لَنَلْقَى الْحَادِثَاتِ بِأَنْفُسٍ
 
كَثِيرُ الرَّزَايَا عِنْدَهُنَّ قَلِيلُ٣٧٦
يَهُونُ عَلَيْنَا أَنْ تُصَابَ جُسُومُنَا
 
وَتَسْلَمَ أَعْرَاضٌ لَنَا وَعُقُولُ٣٧٧
فَتِيهًا وفَخْرًا تَغْلِبَ ابْنَةَ وَائِلٍ
 
فَأَنْتَ لِخَيْرِ الْفَاخِرِينَ قَبِيلُ٣٧٨
يَغُمُّ عَلِيًّا أَنْ يَمُوتَ عَدُوُّهُ
 
إِذَا لَمْ تَغُلْهُ بِالْأَسِنَّةِ غُولُ٣٧٩
شَرِيكُ الْمَنَايَا وَالنُّفُوسِ غَنِيمَةٌ
 
فَكُلُّ مَمَاتٍ لَمْ يُمِتْهُ غُلُولُ٣٨٠
فَإِنْ تَكُنِ الدَّوْلَاتُ قِسْمًا فَإِنَّهَا
 
لِمَنْ وَرَدَ الْمَوْتَ الزُّؤَامَ تَدُولُ٣٨١
لِمَنْ هَوَّنَ الدُّنْيَا عَلَى النَّفْسِ سَاعَةً
 
وَلِلْبِيضِ فِي هَامِ الْكُمَاةِ صَلِيلُ٣٨٢

وقد جرى ذكر ما بين العرب والأكراد من الفضل، فقال له سيف الدولة: ما تقول في هذا وما تحكم يا أبا الطيب؟ فقال:

إِنْ كُنْتَ عَنْ خَيْرِ الْأَنَامِ سَائِلَا
 
فَخَيْرُهُمْ أَكْثَرُهُمْ فَضَائِلَا
مَنْ أَنْتَ مِنْهُمْ يَا هُمَامَ وَائِلَا
 
الطَّاعِنِينَ فِي الْوَغَى أَوَائِلَا٣٨٣
وَالْعَاذِلِينَ فِي النَّدَى الْعَوَاذِلَا
 
قَدْ فَضَلُوا بِفَضْلِكَ الْقَبَائِلَا٣٨٤

وقال يمدحه عند دخول رسول الروم عليه في صفر سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة:

دُرُوعٌ لِمَلْكِ الرُّومِ هَذِي الرَّسَائِلُ
 
يَرُدُّ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَيُشَاغِلُ٣٨٥
هِيَ الزَّرَدُ الضَّافِي عَلَيْهِ وَلَفْظُهَا
 
عَلَيْكَ ثَنَاءٌ سَابِغٌ وَفَضَائِلُ٣٨٦
وَأَنَّى اهْتَدَى هَذَا الرَّسُولُ بِأَرْضِهِ
 
وَمَا سَكَنَتْ مُذْ سِرْتَ فِيهَا الْقَسَاطِلُ؟!٣٨٧
وَمِنْ أَيِّ مَاءٍ كَانَ يَسْقِي جِيَادَهُ
 
وَلَمْ تَصْفُ مِنْ مَزْجِ الدِّمَاءِ الْمَنَاهِلُ؟!٣٨٨
أَتَاكَ يَكَادُ الرَّأْسُ يَجْحَدُ عُنْقَهُ
 
وَتَنْقَدُّ تَحْتَ الذُّعْرِ مِنْهُ الْمَفَاصِلُ٣٨٩
يُقَوِّمُ تَقْوِيمُ السَّمَاطَيْنِ مَشْيَهُ
 
إِلَيْكَ إِذَا مَا عَوَّجَتْهُ الْأَفَاكِلُ٣٩٠
فَقَاسَمَكَ الْعَيْنَيْنِ مِنْهُ وَلَحْظَهُ
 
سَمِيُّكَ وَالْخِلُّ الَّذِي لَا يُزَايِلُ٣٩١
وَأَبْصَرَ مِنْكَ الرِّزْقَ وَالرِّزْقُ مُطْمِعٌ
 
وَأَبْصَرَ مِنْهُ الْمَوْتَ وَالْمَوْتُ هَائِلُ٣٩٢
وَقَبَّلَ كُمًّا قَبَّلَ التُّرْبَ قَبْلَهُ
 
وَكُلُّ كَمِيٍّ وَاقِفٌ مُتَضَائِلُ٣٩٣
وَأَسْعَدُ مُشْتَاقٍ وَأَظْفَرُ طَالِبٍ
 
هُمَامٌ إِلَى تَقْبِيلِ كُمِّكَ وَاصِلُ٣٩٤
مَكَانٌ تَمَنَّاهُ الشِّفَاهُ وَدُونَهُ
 
صُدُورُ الْمَذَاكِي وَالرِّمَاحُ الذَّوَابِلُ٣٩٥
فَمَا بَلَّغَتْهُ مَا أَرَادَ كَرَامَةٌ
 
عَلَيْكَ وَلَكِنْ لَمْ يَخِبْ لَكَ سَائِلُ٣٩٦
وَأَكْبَرَ مِنْهُ هِمَّةً بَعَثَتْ بِهِ
 
إِلَيْكَ الْعِدَا وَاسْتَنْظَرَتْهُ الْجَحَافِلُ٣٩٧
فَأَقْبَلَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهْوَ مُرْسَلٌ
 
وَعَادَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَهْوَ عَاذِلُ٣٩٨
تَحَيَّرَ فِي سَيْفٍ رَبِيعَةُ أَصْلُهُ
 
وَطَابِعُهُ الرَّحْمَنُ وَالْمَجْدُ صَاقِلُ٣٩٩
وَمَا لَوْنُهُ مِمَّا تُحَصِّلُ مُقْلَةٌ
 
وَلَا حَدُّهُ مِمَّا تَجُسُّ الْأَنَامِلُ٤٠٠
إِذَا عايَنَتْكَ الرُّسْلُ هَانَتْ نُفُوسُهَا
 
عَلَيْهَا وَمَا جَاءَتْ بِهِ وَالْمُرَاسِلُ٤٠١
رَجَا الرُّومُ مَنْ تُرْجَى النَّوَافِلُ كُلُّهَا
 
لَدَيْهِ وَلَا تُرْجَى لَدَيْهِ الطَّوَائِلُ٤٠٢
فَإِنْ كَانَ خَوْفُ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ سَاقَهُمْ
 
فَقَدْ فَعَلُوا مَا الْقَتْلُ وَالْأَسْرُ فَاعِلُ٤٠٣
فَخَافُوكَ حَتَّى مَا لِقَتْلٍ زِيَادَةٌ
 
وَجَاءُوكَ حَتَّى مَا تُرَادُ السَّلَاسِلُ٤٠٤
أَرَى كُلَّ ذِي مُلْكٍ إِلَيْكَ مَصِيرُهُ
 
كَأَنَّكَ بَحْرٌ وَالْمُلُوكُ جَدَاوِلُ٤٠٥
إِذَا مَطَرَتْ مِنْهُمْ وَمِنْكَ سَحَائِبٌ
 
فَوَابِلُهُمْ طَلٌّ وَطَلُّكَ وَابِلُ٤٠٦
كَرِيمٌ مَتَى اسْتَوْهَبْتَ مَا أَنْتَ رَاكِبٌ
 
وَقَدْ لَقِحَتْ حَرْبٌ فَإِنَّكَ بَاذِلُ٤٠٧
أَذَا الْجُودِ أَعْطِ النَّاسِ مَا أَنْتَ مَالِكٌ
 
وَلَا تُعْطِيَنَّ النَّاسَ مَا أَنَا قَائِلُ٤٠٨
أَفِي كُلِّ يَوْمٍ تَحْتَ ضِبْنِي شُوَيْعِرٌ
 
ضَعِيفٌ يُقَاوِينِي قَصِيرٌ يُطَاوِلُ؟!٤٠٩
لِسَانِي بِنُطْقِي صَامِتٌ عَنْهُ عَادِلُ
 
وَقَلْبِي بِصَمْتِي ضَاحِكٌ مِنْهُ هَازِلُ٤١٠
وَأَتْعَبُ مَنْ نَادَاكَ مَنْ لَا تُجِيبُهُ
 
وَأَغْيَظُ مَنْ عَادَاكَ مَنْ لَا تُشَاكِلُ٤١١
وَمَا التِّيهُ طِبِّي فِيهِمُ غَيْرَ أَنَّنِي
 
بَغِيضٌ إِلَيَّ الْجَاهِلُ الْمُتَعَاقِلُ٤١٢
وَأَكْبَرُ تِيهِي أَنَّنِي بِكَ وَاثِقٌ
 
وَأَكْثَرُ مَا لِي أَنَّنِي لَكَ آمِلُ٤١٣
لَعَلَّ لِسَيْفِ الدَّوْلَةِ الْقَرْمِ هَبَّةً
 
يَعِيشُ بِهَا حَقٌّ وَيَهْلِكُ بَاطِلُ٤١٤
رَمَيْتُ عِدَاهُ بِالْقَوَافِي وَفَضْلِهِ
 
وَهُنَّ الْغَوَازِي السَّالِمَاتُ الْقَوَاتِلُ٤١٥
وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ النُّجُومَ خَوَالِدٌ
 
وَلَوَ حَارَبَتْهُ نَاحَ فِيهَا الثَّوَاكِلُ٤١٦
وَمَا كَانَ أَدْنَاهَا لَهُ لَوْ أَرَادَهَا
 
وَأَلْطَفَهَا لَوْ أَنَّهُ الْمُتَنَاوِلُ٤١٧
قَرِيبٌ عَلَيْهِ كُلُّ نَاءٍ عَلَى الْوَرَى
 
إِذَا لَثَّمَتْهُ بِالْغُبَارِ الْقَنَابِلُ٤١٨
تُدَبِّرُ شَرْقَ الْأَرْضِ وَالْغَرْبِ كَفُّهُ
 
وَلَيْسَ لَهَا وَقْتًا عَنِ الْجُودِ شَاغِلُ٤١٩
يُتَبِّعُ هُرَّابَ الرِّجَالِ مُرَادُهُ
 
فَمَنْ فَرَّ حَرْبًا عَارَضَتْهُ الْغَوَائِلُ٤٢٠
وَمَنْ فَرَّ مِنْ إِحْسَانِهِ حَسَدًا لَهُ
 
تَلَقَّاهُ مِنْهُ حَيْثُمَا سَارَ نَائِلُ٤٢١
فَتًى لَا يَرَى إِحْسَانَهُ وَهْوَ كَامِلٌ
 
لَهُ كَامِلًا حَتَّى يُرَى وَهْوَ شَامِلُ٤٢٢
إِذَا الْعَرَبُ الْعَرْبَاءُ رَازَتْ نُفُوسَهَا
 
فَأَنْتَ فَتَاهَا وَالْمَلِيكُ الْحُلَاحِلُ٤٢٣
أَطَاعَتْكَ فِي أَرْوَاحِهَا وَتَصَرَّفَتْ
 
بِأَمْرِكَ وَالْتَفَّتْ عَلَيْكَ الْقَبَائِلُ٤٢٤
وَكُلُّ أَنَابِيبِ الْقَنَا مَدَدٌ لَهُ
 
وَمَا يَنْكُتُ الْفُرْسَانَ إِلَّا الْعَوَامِلُ٤٢٥
رَأَيْتُكَ لَوْ لَمْ يَقْتَضِ الطَّعْنُ فِي الْوَغَى
 
إِلَيْكَ انْقِيَادًا لَاقْتَضَتْهُ الشَّمَائِلُ٤٢٦
وَمَنْ لَمْ تُعَلِّمْهُ لَكَ الذُّلَّ نَفْسُهُ
 
مِنَ النَّاسِ طُرًّا عَلَّمَتْهُ الْمَنَاصِلُ٤٢٧

وقال يعزيه بأخته الصغرى، ويسليه بالكبرى، وأنشدها في رمضان سنة أربع وأربعين وثلاثمائة:

إِنْ يَكُنْ صَبْرُ ذِي الرَّزِيَّةِ فَضْلًا
 
تَكُنِ الْأَفْضَلَ الْأَعَزَّ الْأَجَلَّا٤٢٨
أَنْتَ يَا فَوْقَ أَنْ تُعْزَّى عَنِ الْأَحـْ
 
ـبَابِ فَوْقَ الَّذِي يُعَزِّيكَ عَقْلَا٤٢٩
وَبِأَلْفَاظِكَ اهْتَدَى فَإِذَا عَزْ
 
زَاكَ قَالَ الَّذِي لَهُ قُلْتَ قَبْلَا٤٣٠
قَدْ بَلَوْتَ الْخُطُوبَ مُرًّا وَحُلْوًا
 
وَسَلَكْتَ الْأَيَّامَ حَزْنًا وَسَهْلَا٤٣١
وَقَتَلْتَ الزَّمَانَ عِلْمًا فَمَا يُغـْ
 
ـرِبُ قَوْلًا وَلَا يُجَدِّدُ فِعْلَا٤٣٢
أَجِدُ الْحُزْنَ فِيكَ حِفْظًا وَعَقْلَا
 
وَأَرَاهُ فِي الْخَلْقِ ذُعْرًا وَجَهْلَا٤٣٣
لَكَ إِلْفٌ يَجُرُّهُ وَإِذَا مَا
 
كَرُمَ الْأَصْلُ كَانَ لِلْإِلْفِ أَصْلَا٤٣٤
وَوَفَاءٌ نَبَتَّ فِيهِ وَلَكِنْ
 
لَمْ يَزَلْ لِلْوَفَاءِ أَهْلُكَ أَهْلَا٤٣٥
إِنَّ خَيْرَ الدُّمُوعِ عَوْنًا لَدَمْعٌ
 
بَعَثَتْهُ رِعَايَةٌ فَاسْتَهَلَّا٤٣٦
أَيْنَ ذِي الرِّقَّةِ الَّتِي لَكَ فِي الْحَرْ
 
بِ إِذَا اسْتُكْرِهَ الْحَدِيدُ وَصَلَّا؟!٤٣٧
أَيْنَ خَلَّفْتَهَا غَدَاةَ لَقِيتَ الرُّ
 
ومَ وَالْهَامُ بِالصَّوَارِمِ تُفْلَى؟!٤٣٨
قَاسَمَتْكَ الْمَنُونُ شَخْصَيْنِ جَوْرًا
 
جَعَلَ الْقِسْمُ نَفْسَهُ فِيكَ عَدْلا٤٣٩
فَإِذَا قِسْتَ مَا أَخَذْنَ بِمَا أَغـْ
 
ـدَرْنَ سَرَّى عَنِ الْفُؤَادِ وَسَلَّى٤٤٠
وَتَيَقَّنْتَ أَنَّ حَظَّكَ أَوْفَى
 
وَتَبَيَّنْتَ أَنَّ جَدَّكَ أَعْلَى٤٤١
وَلَعَمْرِي لَقَدْ شَغَلْتَ الْمَنَايَا
 
بِالْأَعَادِي فَكَيْفَ يَطْلُبْنَ شُغْلَا؟!٤٤٢
وَكَمِ انْتَشتَ بِالسُّيُوفِ مِنَ الدَّهـْ
 
ـرِ أَسِيرًا وَبِالنَّوَالِ مُقِلَّا!٤٤٣
عَدَّهَا نُصْرَةً عَلَيْهِ فَلَمَّا
 
صَالَ خَتْلا رَآهُ أَدْرَكَ تَبْلَا٤٤٤
كَذَبَتْهُ ظُنُونُهُ أَنْتَ تُبْلِيـ
 
ـهِ وَتَبْقَى فِي نِعْمَةٍ لَيْسَ تَبْلَى٤٤٥
وَلَقَدْ رَامَكَ الْعُدَاةُ كَمَا رَا
 
مَ فَلَمْ يَجْرَحُوا لِشَخْصِكَ ظِلَّا٤٤٦
وَلَقَدْ رُمْتَ بِالسَّعَادَةِ بَعْضًا
 
مِنْ نُفُوسِ الْعِدَا فَأَدْرَكْتَ كُلَّا٤٤٧
قَارَعَتْ رُمْحَكَ الرِّمَاحُ وَلَكِنْ
 
تَرَكَ الرَّامِحِينَ رُمْحَكَ عُزْلَا٤٤٨
لَوْ يَكُونُ الَّذِي وَرَدْتَ مِنَ الْفَجـْ
 
ـعَةِ طَعْنًا أَوْرَدْتَهُ الْخَيْلَ قُبْلَا٤٤٩
وَلَكَشَفْتَ ذَا الْحَنِينَ بِضَرْبٍ
 
طَالَمَا كَشَّفَ الْكُرُوبَ وَجَلَّى٤٥٠
خِطْبَةٌ لِلْحِمَامِ لَيْسَ لَهَا رَدٌّ
 
وَإِنْ كَانَتِ الْمُسَمَّاةَ ثُكْلَا٤٥١
وَإِذَا لَمْ تَجِدْ مِنَ النَّاسِ كُفْوًا
 
ذَاتُ خِدْرٍ أَرَادَتِ الْمَوْتَ بَعْلَا٤٥٢
وَلَذِيذُ الْحَيَاةِ أَنْفَسُ فِي النَّفـْ
 
ـسِ وَأَشْهَى مِنْ أَنْ يُمَلَّ وَأَحْلَى٤٥٣
وَإِذَا الشَّيْخُ قَالَ: أُفٍّ، فَمَا مَلـْ
 
ـلَ حَيَاةً وَإِنَّمَا الضَّعْفَ مَلَّا٤٥٤
آلَةُ الْعَيْشِ صِحَّةٌ وَشَبَابٌ
 
فَإِذَا وَلَّيَا عَنِ الْمَرْءِ وَلَّى٤٥٥
أَبَدًا تَسْتَرِدُّ مَا تَهَبُ الدُّنـْ
 
ـيَا فَيَا لَيْتَ جُودَهَا كَانَ بُخْلَا!٤٥٦
فَكَفَتْ كَوْنَ فَرْحَةٍ تُورِثُ الْغَمـْ
 
ـمَ وَخِلٍّ يُغَادِرُ الْوَجْدَ خَلَّا٤٥٧
وَهْيَ مَعْشُوقَةٌ عَلَى الْغَدْرِ لَا تَحـْ
 
ـفَظُ عَهْدًا وَلَا تُتَمِّمُ وَصْلَا٤٥٨
كُلُّ دَمْعٍ يَسِيلُ مِنْهَا عَلَيْهَا
 
وَبِفَكِّ الْيَدَيْنِ عَنْهَا تُخَلَّى٤٥٩
شِيَمُ الْغَانِيَاتِ فِيهَا فَلَا أَدْ
 
رِي لِذَا أَنَّثَ اسْمَهَا النَّاسُ أَمْ لَا؟٤٦٠
يَا مَلِيكَ الْوَرَى الْمُفَرِّقَ مَحْيًا
 
وَمَمَاتًا فِيهِمِ وَعِزًّا وَذُلَّا٤٦١
قَلَّدَ اللَّهُ دَوْلَةً سَيْفُهَا أَنـْ
 
ـتَ حُسَامًا بِالْمَكْرُمَاتِ مُحَلَّى٤٦٢
فَبِهِ أَغْنَتِ الْمَوَالِيَ بَذْلًا
 
وَبِهِ أَفْنَتِ الْأَعَادِيَ قَتْلَا٤٦٣
وَإِذَا اهْتَزَّ لِلنَّدَى كَانَ بَحْرًا
 
وَإِذَا اهْتَزَّ لِلْوَغَى كَانَ نَصْلَا٤٦٤
وَإِذَا الْأَرْضُ أَظْلَمَتْ كَانَ شَمْسًا
 
وَإِذَا الْأَرْضُ أَمْحَلَتْ كَانَ وَبْلَا٤٦٥
وَهُوَ الضَّارِبُ الْكَتِيبَةِ وَالطَّعـْ
 
ـنَةُ تَغْلُو وَالضَّرْبُ أَغْلَى وَأَغْلَى٤٦٦
أَيُّهَا الْبَاهِرُ الْعُقُولَ فَمَا تُدْ
 
رَكُ وَصْفًا أَتْعَبْتَ فِكْرِي فَمَهْلَا٤٦٧
مَنْ تَعَاطَى تَشَبُّهًا بِكَ أَعْيَا
 
هُ وَمَنْ دَلَّ فِي طَرِيقِكَ ضَلَّا٤٦٨
فَإِذَا مَا اشْتَهَى خُلُودَكَ دَاعٍ
 
قَالَ: لَا زُلْتَ أَوْ تَرَى لَكَ مِثْلَا٤٦٩
وقال يمدحه ويذكر نهوضه إلى ثغر الحدث لما بلغه أن الروم أحاطت به، وذلك في جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وثلاثمائة:٤٧٠
ذِي الْمَعَالِي فَلْيَعْلُوَنْ مَنْ تَعَالَى
 
هَكَذَا هَكَذَا وَإِلَّا فَلَا لَا٤٧١
شَرَفٌ يَنْطِحُ النُّجُومَ بِرَوْقَيـْ
 
ـهِ وَعِزٌّ يُقَلْقِلُ الْأَجْبَالَا٤٧٢
حَالُ أَعْدَائِنَا عَظِيمٌ وَسَيْفُ الدْ
 
دَوْلَةِ ابْنُ السُّيُوفِ أَعْظَمُ حَالَا٤٧٣
كُلَّمَا أَعْجَلُوا النَّذِيرَ مَسِيرًا
 
أَعْجَلَتْهُ جِيَادُهُ الْإِعْجَالَا٤٧٤
فَأَتَتْهُمْ خَوَارِقَ الْأَرْضِ مَا تَحـْ
 
ـمِلُ إِلَّا الْحَدِيدَ وَالْأَبْطَالَا٤٧٥
خَافِيَاتِ الْأَلْوَانِ قَدْ نَسَجَ النَّقـْ
 
ـعُ عَلَيْهَا بَرَاقِعًا وَجِلَالَا٤٧٦
حَالَفَتْهُ صُدُورُهَا وَالْعَوَالِي
 
لَتَخُوضَنَّ دُونَهُ الْأَهْوَالَا٤٧٧
وَلَتَمْضِنَّ حَيْثُ لَا يَجِدُ الرُّمـْ
 
ـحُ مَدَارًا وَلَا الْحِصَانُ مَجَالَا٤٧٨
لَا أَلُومُ ابْنَ لَاوُنٍ مَلِكَ الرُّو
 
مِ وَإِنْ كَانَ مَا تَمَنَّى مُحَالَا٤٧٩
أَقْلَقَتْهُ بَنِيَّةٌ بَيْنَ أُذْنَيـْ
 
ـهِ وَبَانٍ بَغَي السَّمَاءَ فَنَالَا٤٨٠
كُلَّمَا رَامَ حَطَّهَا اتَّسَعَ الْبَنـْ
 
ـيُ فَغَطَّى جَبِينَهُ وَالْقَذَالَا٤٨١
يَجْمَعُ الرُّومَ وَالصَّقَالِبَ وَالْبُلـْ
 
ـغَرَ فِيهَا وَتَجْمَعُ الْآجَالَا٤٨٢
وَتُوَافِيهِمْ بِهَا فِي الْقَنَا السُّمـْ
 
ـرِ كَمَا وَافَتِ الْعِطَاشُ الصِّلَالَا٤٨٣
قَصَدُوا هَدْمَ سُورِهَا فَبَنَوْهُ
 
وَأَتَوْا كَيْ يُقَصِّرُوهُ فَطَالَا٤٨٤
وَاسْتَجَرُّوا مَكَايِدَ الْحَرْبِ حَتَّى
 
تَرَكُوهَا لَهَا عَلَيْهِمْ وَبَالَا٤٨٥
رُبَّ أَمْرٍ أَتَاكَ لَا تَحْمَدُ الْفُعـْ
 
ـعَالَ فِيهِ وَتَحْمَدُ الْأَفْعَالَا٤٨٦
وَقِسِيٍّ رُمِيَتْ عَنْهَا فَرَدَّتْ
 
فِي قُلُوِب الرُّمَاةِ عَنْكَ النِّصَالَا٤٨٧
أَخَذُوا الطُّرْقَ يَقْطَعُونَ بِهَا الرُّسـْ
 
ـلَ فَكَانَ انْقِطَاعُهَا إِرْسَالَا٤٨٨
وَهُمُ الْبَحْرُ ذُو الْغَوَارِبِ إِلَّا
 
أَنَّهُ صَارَ عِنْدَ بَحْرِكَ آلَا٤٨٩
مَا مَضَوْا لَمْ يُقَاتِلُوكَ وَلَكِنَّ
 
الْقِتَالَ الَّذِي كَفَاكَ الْقِتَالَا٤٩٠
وَالَّذِي قَطَّعَ الرِّقَابَ مِنَ الضَّرْ
 
بِ بِكَفَّيْكَ قَطَّعَ الْآمَالَا٤٩١
وَالثَّبَاتُ الَّذِي أَجَادُوا قَدِيمًا
 
عَلَّمَ الثَّابِتِينَ ذَا الْإِجْفَالَا٤٩٢
نَزَلُوا فِي مَصَارِعٍ عَرَفُوهَا
 
يَنْدُبُونَ الْأَعْمَامَ وَالْأَخْوَالَا٤٩٣
تَحْمِلُ الرِّيحُ بَيْنَهُمْ شَعَرَ الْهَا
 
مِ وَتُذْرِي عَلَيْهِمِ الْأَوْصَالَا٤٩٤
تُنْذِرُ الْجِسْمَ أَنْ يُقِيمَ لَدَيْهَا
 
وَتُرِيهِ لِكُلِّ عُضْوٍ مِثَالَا٤٩٥
أَبْصَرُوا الطَّعْنَ فِي الْقُلُوبِ دِرَاكًا
 
قَبْلَ أَنْ يُبْصِرُوا الرِّمَاحَ خَيَالَا٤٩٦
وَإِذَا حَاوَلَتْ طِعَانَكَ خَيْلٌ
 
أَبْصَرَتْ أَذْرُعَ الْقَنَا أَمْيَالَا٤٩٧
بَسَطَ الرُّعْبُ فِي الْيَمِينِ يَمِينًا
 
فَتَوَلَّوْا، وَفِي الشِّمَالِ شِمَالَا٤٩٨
يَنْفُضُ الرَّوْعَ أَيْدِيًا لَيْسَ تَدْرِي
 
أَسُيُوفًا حَمَلْنَ أَمْ أَغْلَالَا؟!٤٩٩
وَوُجُوهًا أَخَافَهَا مِنْكَ وَجْهٌ
 
تَرَكَتْ حُسْنَهَا لَهُ وَالْجَمَالَا٥٠٠
وَالْعِيَانُ الْجَلِيُّ يُحْدِثُ لِلظَّنِّ
 
زَوَالًا وَلِلْمُرَادِ انْتِقَالَا٥٠١
وَإِذَا مَا خَلَا الْجَبَانُ بِأَرْضٍ
 
طَلَبَ الطَّعْنَ وَحْدَهُ وَالنِّزَالَا٥٠٢
أَقْسَمُوا لَا رَأَوْكَ إِلَّا بِقَلْبٍ
 
طَالَمَا غَرَّتِ الْعُيُونُ الرِّجَالَا٥٠٣
أَيُّ عَيْنٍ تَأَمَّلَتْكَ فَلَاقَتْكَ
 
وَطَرْفٍ رَنَا إِلَيْكَ فَآلَا٥٠٤
وَمَا يَشُكُّ اللَّعِين فِي أَخْذِكَ الْجَيـْ
 
ـشَ فَهَلْ يَبْعَثُ الْجُيُوشَ نَوَالَا؟!٥٠٥
مَا لِمَنْ يَنْصِبُ الْحَبَائِلَ فِي الْأَرْ
 
ضِ وَمَرْجَاهُ أَنْ يَصِيدَ الْهِلَالَا؟!٥٠٦
إِنَّ دُونَ الَّتِي عَلَى الدَّرْبِ وَالْأَحـْ
 
ـدَبِ وَالنَّهْرِ مِخْلَطًا مِزْيَالَا٥٠٧
غَصَبَ الدَّهْرَ وَالْمُلُوكَ عَلَيْهَا
 
فَبَنَاهَا فِي وَجْنَةِ الدَّهْرِ خَالَا٥٠٨
فَهْيَ تَمْشِي مَشْيَ الْعَرُوسِ اخْتِيَالَا
 
وَتَثَنَّى عَلَى الزَّمَانِ دَلَالَا٥٠٩
وَحَمَاهَا بِكُلِّ مُطَّرِدِ الْأَكـْ
 
ـعُبِ جَوْرَ الزَّمَانِ وَالْأَوْجَالَا٥١٠
وَظُبًا تَعْرِفُ الْحَرَامَ مِنَ الْحِلِّ
 
فَقَدْ أَفْنَتِ الدِّمَاءَ حَلَالَا٥١١
فِي خَمِيسٍ مِنَ الْأُسُودِ بَئِيسٍ
 
يَفْتَرِسْنَ النُّفُوسَ وَالْأَمْوَالَا٥١٢
إِنَّمَا أَنْفُسُ الْأَنِيسِ سِبَاعٌ
 
يَتَفَارَسْنَ جَهْرَةً وَاغْتِيَالَا٥١٣
مَنْ أَطَاقَ الْتِمَاسَ شَيْءٍ غِلَابًا
 
وَاغْتِصَابًا لَمْ يَلْتَمِسْهُ سُؤَالَا٥١٤
كُلُّ غَادٍ لِحَاجَةٍ يَتَمَنَّى
 
أَنْ يَكُونَ الْغَضَنْفَرَ الرِّئْبَالَا٥١٥

وأنفذ إليه سيف الدولة ابنه من حلب إلى الكوفة ومعه هدية، وكان ذلك بعد خروجه من مصر ومفارقته كافورًا، فقال يمدحه، وكتب بها إليه من الكوفة سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة:

مَا لَنَا كُلُّنَا جَوٍ يَا رَسُولُ
 
أَنَا أَهْوَى وَقَلْبُكَ الْمَتْبُولُ؟!٥١٦
كُلَّمَا عَادَ مَنْ بَعَثْتُ إِلَيْهَا
 
غَارَ مِنِّي وَخَانَ فِيمَا يَقُولُ٥١٧
أَفْسَدَتْ بَيْنَنَا الْأَمَانَاتِ عَيْنَا
 
هَا، وَخَانَتْ قُلُوبَهُنَّ الْعُقُولُ٥١٨
تَشْتَكِي مَا اشْتَكَيْتُ مِنْ أَلَمِ الشَّوْ
 
قِ إِلَيْهَا وَالشَّوْقُ حَيْثُ النُّحُولُ٥١٩
وَإِذَا خَامَرَ الْهَوَى قَلْبَ صَبٍّ
 
فَعَلَيْهِ لِكُلِّ عَيْنٍ دَلِيلُ٥٢٠
زَوِّدِينَا مِنْ حُسْنِ وَجْهِكِ مَا دَا
 
مَ فَحُسْنُ الْوُجُوهِ حَالٌ تَحُولُ٥٢١
وَصِلِينَا نَصِلْكِ فِي هَذِهِ الدُّنـْ
 
ـيَا فَإِنَّ الْمُقَامَ فِيهَا قَلِيلُ٥٢٢
مَنْ رَآهَا بِعَيْنِهَا شَاقَهُ الْقُطَّا
 
نُ فِيهَا كَمَا تَشُوقُ الْحُمُولُ٥٢٣
إِنْ تَرَيْنِي أَدِمْتُ بَعْدَ بَيَاضٍ
 
فَحَمِيدٌ مِنَ الْقَنَاةِ الذُّبُولُ٥٢٤
صَحِبَتْنِي عَلَى الْفَلَاةِ فَتَاةٌ
 
عَادَةُ اللَّوْنِ عِنْدَهَا التَّبْدِيلُ٥٢٥
سَتَرَتْكِ الْحِجَالُ عَنْهَا وَلَكِنْ
 
بِكِ مِنْهَا مِنَ اللَّمَى تَقْبِيلُ٥٢٦
مِثْلُهَا أَنْتِ لَوَّحَتْنِي وَأَسْقَمـْ
 
ـتِ وَزَادَتْ أَبْهَاكمَا الْعُطْبُولُ٥٢٧
نَحْنُ أَدْرَى وَقَدْ سَأَلْنَا بِنَجْدٍ
 
أَقَصِيرٌ طَرِيقُنَا أَمْ يَطُولُ؟٥٢٨
وَكَثِيرٌ مِنَ السُّؤَالِ اشْتِيَاقٌ
 
وَكَثِيرٌ مِنْ رَدِّهِ تَعْلِيلُ٥٢٩
لَا أَقَمْنَا عَلَى مَكَانٍ وَإِنْ طَا
 
بَ وَلَا يُمْكِنُ الْمَكَانَ الرَّحِيلُ٥٣٠
كُلَّمَا رَحَّبَتْ بِنَا الرَّوْضُ قُلْنَا:
 
حَلَبٌ قَصْدُنَا وَأَنْتِ السَّبِيلُ٥٣١
فِيكِ مَرْعَى جِيَادِنَا وَالْمَطَايَا
 
وَإِلَيْهَا وَجِيفُنَا وَالذَّمِيلُ٥٣٢
وَالْمُسَمَّوْنَ بِالْأَمِيرِ كَثِيرٌ
 
وَالْأَمِيرُ الَّذِي بِهَا الْمَأْمُولُ
الَّذِي زُلْتُ عَنْهُ شَرْقًا وَغَرْبًا
 
وَنَدَاهُ مُقَابِلِي مَا يَزُولُ٥٣٣
وَمَعِي أَيْنَمَا سَلَكْتُ كَأَنِّي
 
كُلُّ وَجْهٍ لَهُ بِوَجْهِي كَفِيلُ٥٣٤
وَإِذَا الْعَذْلُ فِي النَّدَى زَارَ سَمْعًا
 
فَفِدَاهُ الْعَذُولُ وَالْمَعْذُولُ٥٣٥
وَمَوَالٍ تُحْيِيهِمِ مِنْ يَدَيْهِ
 
نِعَمٌ غَيْرُهُمْ بِهَا مَقْتُولُ٥٣٦
فَرَسٌ سَابِقٌ وَرُمْحٌ طَوِيلٌ
 
وَدِلَاصٌ زُغْفٌ وَسَيْفٌ صَقِيلُ٥٣٧
كُلَّمَا صَبَّحَتْ دِيَارَ عَدُوٍّ
 
قَالَ تِلْكَ الْغُيُوثُ: هَذِي السُّيُولُ٥٣٨
دَهِمَتْهُ تُطَايِرُ الزَّرَدَ الْمُحـْ
 
ـكَمَ عَنْهُ كَمَا يَطِيرُ النَّسِيلُ٥٣٩
تَقْنِصُ الْخَيْلَ خَيْلُهُ قَنَصَ الْوَحـْ
 
ـشِ وَيَسْتَأْسِرُ الْخَمِيسَ الرَّعِيلُ٥٤٠
وَإِذَا الْحَرْبُ أَعْرَضَتْ زَعَمَ الْهَوْ
 
لُ لِعَيْنَيْهِ أَنَّهُ تَهْوِيلُ٥٤١
وَإِذَا صَحَّ فَالزَّمَانُ صَحِيحٌ
 
وَإِذَا اعْتَلَّ فَالزَّمَانُ عَلِيلُ٥٤٢
وَإِذَا غَابَ وَجْهُهُ عَنْ مَكَانٍ
 
فَبِهِ مِنْ ثَنَاهُ وَجْهٌ جَمِيلُ٥٤٣
لَيْسَ إِلَّاكَ يَا عَلِيُّ هُمَامٌ
 
سَيْفُهُ دُونَ عِرْضِهِ مَسْلُولُ٥٤٤
كَيْفَ لَا يَأْمَنُ الْعِرَاقُ وَمِصْرٌ
 
وَسَرَايَاكَ دُوْنَهَا وَالْخُيُولُ؟!٥٤٥
لَوْ تَحَرَّفْتَ عَنْ طَرِيقِ الْأَعَادِي
 
رَبَطَ السِّدْرَ خَيْلَهُمْ وَالنَّخِيلُ٥٤٦
وَدَرَى مَن أَعَزَّهُ الدَّفْعُ عَنْهُ
 
فِيهِمَا أَنَّهُ الْحَقِيرُ الذَّلِيلُ٥٤٧
أَنْتَ طُولَ الْحَيَاةِ لِلرُّومِ غَازٍ
 
فَمَتَى الْوَعْدُ أَنْ يَكُونَ الْقُفُولُ؟!٥٤٨
وَسِوَى الرُّومِ خَلْفَ ظَهْرِكَ رُومٌ
 
فَعَلَى أَيِّ جَانِبَيْكَ تَمِيلُ؟٥٤٩
قَعَدَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَنْ مَسَاعِيـ
 
ـكَ وَقَامَتْ بِهَا الْقَنَا وَالنُّصُولُ٥٥٠
مَا الَّذِي عِنْدَهُ تُدَارُ الْمَنَايَا
 
كَالَّذِي عِنْدَهُ تُدَارُ الشَّمُولُ٥٥١
لَسْتُ أَرْضَى بِأَنْ تَكُونَ جَوَادًا
 
وَزَمَانِي بِأَنْ أَرَاكَ بَخِيلُ٥٥٢
نَغَّصَ الْبُعْدُ عَنْكَ قُرْبَ الْعَطَايَا
 
مَرْتَعِي مُخْصِبٌ وَجِسْمِي هَزِيلُ٥٥٣
إِنْ تَبَوَّأْتُ غَيْرَ دُنْيَايَ دَارًا
 
وَأَتَانِي نَيْلٌ فَأَنْتَ الْمُنِيلُ٥٥٤
مِنْ عَبِيدِي إِنْ عِشْتَ لِي أَلْفُ كَافُو
 
رٍ وَلِي مِنْ نَدَاكَ رِيفٌ وَنِيلُ٥٥٥
مَا أُبَالِي إِذَا اتَّقَتْكَ الرَّزَايَا
 
مَنْ دَهَتْهُ حُبُولُهَا وَالْخُبُولُ٥٥٦

وقال في صباه، وقد قيل له وهو في المكتب ما أحسن هذه الوفرة:

لَا تَحْسُنُ الْوَفْرَةُ حَتَّى تُرَى
 
مَنْشُورَةَ الضَّفْرَيْنِ يَوْمَ الْقِتَالْ٥٥٧
عَلَى فَتًى مُعْتَقِلٍ صَعْدَةً
 
يَعُلُّهَا مِنْ كُلِّ وَافِي السِّبَالْ٥٥٨

وقال في صباه:

مُحِبِّي قِيَامِيَ مَا لِذَالِكُمُ النَّصْلِ
 
بَرِيئًا مِنَ الْجَرْحَى سَلِيمًا مِنَ الْقَتْلِ؟٥٥٩
أَرَى مِنْ فِرِنْدِي قِطْعَةً فِي فِرِنْدِهِ
 
وَجَوْدَةُ ضَرْبِ الْهَامِ فِي جَوْدَةِ الصَّقْلِ٥٦٠
وَخُضْرَةُ ثَوْبِ الْعَيْشِ فِي الْخُضْرَةِ الَّتِي
 
أَرَتْكَ احْمِرَارَ الْمَوْتِ فِي مَدْرَجِ النَّمْلِ٥٦١
أَمِطْ عَنْكَ تَشْبِيهِي بِمَا وَكَأَنَّهُ
 
فَمَا أَحَدٌ فَوْقِي وَلَا أَحَدٌ مِثْلِي٥٦٢
وَذَرْنِي وَإِيَّاهُ وَطِرْفِي وَذَابِلِي
 
نَكُنْ وَاحِدًا يَلْقَى الْوَرَى وَانْظُرَنْ فِعْلِي٥٦٣

وقال في صباه يمدح سعيد بن عبد الله بن الحسن الكلابي المنبجي:

أَحْيَا وَأَيْسَرُ مَا قَاسَيْتُ مَا قَتَلَا
 
وَالْبَيْنُ جَارَ عَلَى ضَعْفِي وَمَا عَدَلَا٥٦٤
وَالْوَجْدُ يَقْوَى كَمَا تَقْوَى النَّوَى أَبَدًا
 
وَالصَّبْرُ يَنْحَلُ فِي جِسْمِي كَمَا نَحِلَا٥٦٥
لَوْلَا مُفَارَقَةُ الْأَحْبَابِ مَا وَجَدَتْ
 
لَهَا الْمَنَايَا إِلَى أَرْوَاحِنَا سُبُلَا٥٦٦
بِمَا بِجَفْنَيْكِ مِنْ سِحْرٍ صِلِي دَنِفًا
 
يَهْوَى الْحَيَاةَ وَأَمَّا إِنْ صَدَدْتِ فَلَا٥٦٧
إِلَّا يَشِبْ فَلَقَدْ شَابَتْ لَهُ كَبِدٌ
 
شَيْبًا إِذَا خَضَّبَتْهُ سَلْوَةٌ نَصلَا٥٦٨
يُجَنُّ شَوْقًا فَلَوْلَا أَنَّ رَائِحَةً
 
تَزُورُهُ فِي رِيَاحِ الشَّرْقِ مَا عَقَلَا٥٦٩
هَا فَانْظُرِي أَوْ فَظُنِّي بِي تَرَيْ حُرَقًا
 
مَنْ لَمْ يَذُقْ طَرَفًا مِنْهَا فَقَدْ وَأَلَا٥٧٠
عَلَّ الْأَمِيرَ يَرَى ذُلِّي فَيَشْفَعَ لِي
 
إِلَى الَّتِي تَرَكَتْنِي فِي الْهَوَى مَثَلَا٥٧١
أَيْقَنْتُ أَنَّ سَعِيدًا طَالِبٌ بِدَمِي
 
لَمَّا بَصُرْتُ بِهِ بِالرُّمْحِ مُعْتَقِلَا٥٧٢
وَأَنَّنِي غَيْرُ مُحْصٍ فَضْلَ وَالِدِهِ
 
وَنَائِلٌ دُونَ نَيْلِي وَصْفَهُ زُحَلَا٥٧٣
قَيْلٌ بِمَنْبِجَ مَثْوَاهُ وَنَائِلُهُ
 
فِي الْأُفْقِ يَسْأَلُ عَمَّنْ غَيْرَهُ سَأَلَا٥٧٤
يَلُوحُ بَدْرُ الدُّجَى فِي صَحْنِ غُرَّتِهِ
 
وَيَحْمِلُ الْمَوْتَ فِي الْهَيْجَاءِ إِنْ حَمَلَا٥٧٥
تُرَابُهُ فِي كِلَابٍ كُحْلُ أَعْيُنِهَا
 
وَسَيْفُهُ فِي جَنَابٍ يَسْبِقُ الْعَذَلَا٥٧٦
لِنُورِهِ فِي سَمَاءِ الْفَخْرِ مُخْتَرَقٌ
 
لَوْ صَاعَدَ الْفِكْرُ فِيهِ الدَّهْرَ مَا نَزَلَا٥٧٧
هُوَ الْأَمِيرُ الَّذِي بَادَتْ تَمِيمُ بِهِ
 
قِدْمًا وَسَاقَ إِلَيْهَا حَيْنُهَا الْأَجَلَا٥٧٨
لَمَّا رَأَتْهُ وَخَيْلُ النَّصْرِ مُقْبِلَةٌ
 
وَالْحَرْبُ غَيْرُ عَوَانٍ أَسْلَمُوا الْحِلَلَا٥٧٩
وَضَاقَتِ الْأَرْضُ حَتَّى كَانَ هَارِبُهُمْ
 
إِذَا رَأَى غَيْرَ شَيْءٍ ظَنَّهُ رَجُلَا٥٨٠
فَبَعْدَهُ وَإِلَى ذَا الْيَوْمِ لَوْ رَكَضَتْ
 
بِالْخَيْلِ فِي لَهَوَاتِ الطِّفْلِ مَا سَعَلَا٥٨١
فَقَدْ تَرَكْتَ الْأُلَى لَاقَيْتُهُمْ جَزَرًا
 
وَقَدْ قَتَلْتَ الْأُلَى لَمْ تَلْقَهُمْ وَجَلَا٥٨٢
كَمْ مَهْمَهٍ قَذَفٍ قَلْبُ الدَّلِيلِ بِهِ
 
قَلْبُ الْمُحِبِّ قَضَانِي بَعْدَمَا مَطَلَا٥٨٣
عَقَدْتُ بِالنَّجْمِ طَرْفِي فِي مَفَاوِزِهِ
 
وَحُرَّ وَجْهِي بِحَرِّ الشَّمْسِ إِذْ أَفَلَا٥٨٤
أَنْكَحْتُ صُمَّ حَصَاهَا خُفَّ يَعْمَلَةٍ
 
تَغَشْمَرَتْ بِي إِلَيْكَ السَّهْلَ وَالْجَبَلَا٥٨٥
لَوْ كُنْتَ حَشْوَ قَمِيصِي فَوْقَ نُمْرُقِهَا
 
سَمِعْتَ لِلْجِنِّ فِي غِيطَانِهَا زَجَلَا٥٨٦
حَتَّى وَصَلْتُ بِنَفْسٍ مَاتَ أَكْثَرُهَا
 
وَلَيْتَنِي عِشْتُ مِنْهَا بِالَّذِي فَضَلَا٥٨٧
أَرْجُو نَدَاكَ وَلَا أَخْشَى الْمِطَالَ بِهِ
 
يَا مَنْ إِذَا وَهَبَ الدُّنْيَا فَقَدْ بَخِلَا٥٨٨

وقال في صباه، وقد أهدى له عبيد الله بن خلكان من خراسان هدية فيها سمك من سكر ولوز في عسل:

قَدْ شَغَلَ النَّاسَ كَثْرَةُ الْأَمَلِ
 
وَأَنْتَ بِالْمَكْرُمَاتِ فِي شُغُلِ٥٨٩
تَمَثَّلُوا حَاتِمًا وَلَوْ عَقَلُوا
 
لَكُنْتَ فِي الْجُودِ غَايَةَ الْمَثَلِ٥٩٠
أَهْلًا وَسَهْلًا بِمَا بَعَثْتَ بِهِ
 
إِيهًا أَبَا قَاسِمٍ وَبِالرُّسُلِ٥٩١
هَدِيَّةٌ مَا رَأَيْتُ مُهْدِيهَا
 
إِلَّا رَأَيْتُ الْعِبَادَ فِي رَجُلِ٥٩٢
أَقَلُّ مَا فِي أَقَلِّهَا سَمَكٌ
 
يَلْعَبُ فِي بِرْكَةٍ مِنَ الْعَسَلِ٥٩٣
كَيْفَ أُكَافِي عَلَى أَجَلِّ يَدٍ
 
مَنْ لَا يَرَى أَنَّهَا يَدٌ قِبَلِي٥٩٤

وقال أيضًا في صباه:

قِفَا تَرَيَا وَدْقِي فَهَاتَا الْمَخَايِلُ
 
وَلَا تَخْشَيَا خُلْفًا لِمَا أَنَا قَائِلُ٥٩٥
رَمَانِي خِسَاسُ النَّاسِ مِنْ صَائِبِ اسْتِهِ
 
وَآخَرُ قُطْنٌ مِنْ يَدَيْهِ الْجَنَادِلُ٥٩٦
وَمِنْ جَاهِلٍ بِي وَهْوَ يَجْهَلُ جَهْلَهُ
 
وَيَجْهَلُ عِلْمِي أَنَّهُ بِي جَاهِلُ٥٩٧
وَيَجْهَلُ أَنِّي مَالِكَ الْأَرْضِ مُعْسِرٌ
 
وَأَنِّي عَلَى ظَهْرِ السِّمَاكَيْنِ رَاجِلُ٥٩٨
تُحَقِّرُ عِنْدِي هِمَّتِي كُلَّ مَطْلَبٍ
 
وَيَقْصُرُ فِي عَيْنِي الْمَدَى الْمُتَطَاوِلُ٥٩٩
وَمَا زِلْتُ طَوْدًا لَا تَزُولُ مَنَاكِبِي
 
إِلَى أَنْ بَدَتْ لِلضَّيْمِ فِيَّ زَلَازِلُ٦٠٠
فَقَلْقَلْتُ بِالْهَمِّ الَّذِي قَلْقَلَ الْحَشَا
 
قَلَاقِلَ عِيسٍ كُلُّهُنَّ قَلَاقِلُ٦٠١
إِذَا اللَّيْلُ وَارَانَا أَرَتْنَا خِفَافَهَا
 
بِقَدْحِ الْحَصَى مَا لَا تُرِينَا الْمَشَاعِلُ٦٠٢
كَأَنِّي مِنَ الْوَجْنَاءِ فِي ظَهْرِ مَوْجَةٍ
 
رَمَتْ بِي بِحَارًا مَا لَهُنَّ سَوَاحِلُ٦٠٣
يُخَيَّلُ لِي أَنَّ الْبِلَادَ مَسَامِعِي
 
وَأَنِّيَ فِيهَا مَا تَقُولُ الْعَوَاذِلُ٦٠٤
وَمَنْ يَبْغِ مَا أَبْغِي مِنَ الْمَجْدِ وَالْعُلَا
 
تَسَاوَى الْمَحَايِي عِنْدَهُ وَالْمَقَاتِلُ٦٠٥
أَلَا لَيْسَتِ الْحَاجَاتُ إِلَّا نُفُوسَكُمْ
 
وَلَيْسَ لَنَا إِلَّا السُّيُوفَ وَسَائِلُ٦٠٦
فَمَا وَرَدَتْ رُوحَ امْرِئٍ رُوحُهُ لَهُ
 
وَلَا صَدَرَتْ عَنْ بَاخِلٍ وَهْوَ بَاخِلُ٦٠٧
غَثَاثَةُ عَيْشِي أَنْ تَغِثَّ كَرَامَتِي
 
وَلَيْسَ بِغَثٍّ أَنْ تَغِثَّ الْمَآكِلُ٦٠٨

وقال لصديق له في صباه:

أَحْبَبْتُ بِرَّكَ إِذْ أَرَدْتَ رَحِيلَا
 
فَوَجَدْتُ أَكْثَرَ مَا وَجَدْتُ قَلِيلَا٦٠٩
وَعَلِمْتُ أَنَّكَ فِي الْمَكَارِمِ رَاغِبٌ
 
صَبٌّ إِلَيْهَا بُكْرَةً وَأَصِيلَا٦١٠
فَجَعَلْتُ مَا تُهْدِي إِلَيَّ هَدِيَّةً
 
مِنِّي إِلَيْكَ وَظَرْفَهَا التَّأْمِيلَا٦١١
بِرٌّ يَخِفُّ عَلَى يَدَيْكَ قُبُولُهُ
 
وَيَكُونُ مَحْمِلُهُ عَلَيَّ ثَقِيلَا٦١٢

وقال يمدح شجاع بن محمد الطائي المنبجي:

عَزِيزُ أَسًى مَنْ دَاؤُهُ الْحَدَقُ النُّجْلُ
 
عَيَاءٌ بِهِ مَاتَ الْمُحِبُّونَ مِنْ قَبْلُ٦١٣
فَمَنْ شَاءَ فَلْيَنْظُرْ إِلَيَّ فَمَنْظَرِي
 
نَذِيرٌ إِلَى مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْهَوَى سَهْلُ٦١٤
وَمَا هِيَ إِلَّا لَحْظَةٌ بَعْدَ لَحْظَةٍ
 
إِذَا نَزَلَتْ فِي قَلْبِهِ رَحَلَ الْعَقْلُ٦١٥
جَرَى حُبُّهَا مَجْرَى دَمِي فِي مَفَاصِلِي
 
فَأَصْبَحَ لِي عَنْ كُلِّ شُغْلٍ بِهَا شُغْلُ٦١٦
وَمِنْ جَسَدِي لَمْ يَتْرُكِ السُّقْمُ شَعْرَةً
 
فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا وَفِيهَا لَهُ فِعْلُ٦١٧
إِذَا عَذَلُوا فِيهَا أَجَبْتُ بِأَنَّةٍ
 
حُبَيِّبَتَا قَلْبًا فُؤَادًا هَيَا جُمْلُ٦١٨
كَأَنَّ رَقِيبًا مِنْكِ سَدَّ مَسَامِعِي
 
عَنِ الْعَذْلِ حَتَّى لَيْسَ يَدْخُلُهَا الْعَذْلُ٦١٩
كَأَنَّ سُهَادَ اللَّيْلِ يَعْشَقُ مُقْلَتِي
 
فَبَيْنَهُمَا فِي كُلِّ هَجْرٍ لَنَا وَصْلُ٦٢٠
أُحِبُّ الَّتِي فِي الْبَدْرِ مِنْهَا مَشَابِهٌ
 
وَأَشْكُو إِلَى مَنْ لَا يُصَابُ لَهُ شَكْلُ٦٢١
إِلَى وَاحِدِ الدُّنْيَا إِلَى ابْنِ مُحَمَّدٍ
 
شُجَاعِ الذَّيِ للهِ ثُمَّ لَهُ الْفَضْلُ٦٢٢
إِلَى الثَّمَرِ الْحُلْوِ الَّذِي طَيِّءٌ لَهُ
 
فُرُوعٌ وَقَحْطَانُ بْنُ هُودٍ لَهُ أَصْلُ٦٢٣
إِلَى سَيِّدٍ لَوْ بَشَّرَ اللَّهُ أُمَّةً
 
بِغَيْرِ نَبِيٍّ بَشَّرَتْنَا بِهِ الرُّسْلُ٦٢٤
إِلَى الْقَابِضِ الْأَرْوَاحِ وَالضَّيْغَمِ الَّذِي
 
تُحَدِّثُ عَنْ وَقْفَاتِهِ الْخَيْلُ وَالرَّجْلُ٦٢٥
إِلَى رَبِّ مَالٍ كُلَّمَا شَتَّ شَمْلُهُ
 
تَجَمَّعَ فِي تَشْتِيتِهِ لِلْعُلَا شَمْلُ٦٢٦
هُمَامٌ إِذَا مَا فَارَقَ الْغِمْدَ سَيْفُهُ
 
وَعَايَنْتَهُ لَمْ تَدْرِ أَيُّهُمَا النَّصْلُ٦٢٧
رَأَيْتُ ابْنَ أُمِّ الْمَوْتِ لَوْ أَنَّ بَأْسَهُ
 
فَشَا بَيْنَ أَهْلِ الْأَرْضِ لَانْقَطَعَ النَّسْلُ٦٢٨
عَلَى سَابِحٍ مَوْجَ الْمَنَايَا بِنَحْرِهِ
 
غَدَاةَ كَأَنَّ النَّبْلَ فِي صَدْرِهِ وَبْلُ٦٢٩
وَكَمْ عَيْنِ قِرْنٍ حَدَّقَتْ لِنِزَالِهِ
 
فَلَمْ تُغْضِ إِلَّا وَالسِّنَانُ لَهَا كُحْلُ!٦٣٠
إِذَا قِيلَ: رِفْقًا قَالَ: لِلْحِلْمِ مَوْضِعٌ
 
وَحِلْمُ الْفَتَى فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ جَهْلُ٦٣١
وَلَوْلَا تَوَلِّي نَفْسِهِ حَمْلَ حِلْمِهِ
 
عَنِ الْأَرْضِ لَانْهَدَّتْ وَنَاءَ بِهَا الْحِمْلُ٦٣٢
تَبَاعَدَتِ الْآمَالُ عَنْ كُلِّ مَقْصِدٍ
 
وَضَاقَ بِهَا إِلَّا إِلَى بَابِكَ السُّبْلُ٦٣٣
وَنَادَى النَّدَى بِالنَّائِمِينَ عَنِ السُّرَى
 
فَأَسْمَعَهُمْ: هُبُّوا فَقَدْ هَلَكَ الْبُخْلُ٦٣٤
وَحَالَتْ عَطَايَا كَفِّهِ دُونَ وَعْدِهِ
 
فَلَيْسَ لَهُ إِنْجَازُ وَعْدٍ وَلَا مَطْلُ٦٣٥
فَأَقْرَبُ مِنْ تَحْدِيدِهَا رَدُّ فَائِتٍ
 
وَأَيْسَرُ مِنْ إِحْصَائِهَا الْقَطْرُ وَالرَّمْلُ٦٣٦
وَمَا تَنْقِمُ الْأَيَّامُ مِمَّنْ وُجُوهُهَا
 
لِأَخْمَصِهِ فِي كُلِّ نَائِبَةٍ نَعْلُ؟!٦٣٧
وَمَا عَزَّهُ فِيهَا مُرَادٌ أَرَادَهُ
 
وَإِنْ عَزَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ٦٣٨
كَفَى ثُعَلًا فَخْرًا بِأَنَّكَ مِنْهُمُ
 
وَدَهْرٌ لِأَنْ أَمْسَيْتَ مِنْ أَهْلِهِ أَهْلُ٦٣٩
وَوَيْلٌ لِنَفْسٍ حَاوَلَتْ مِنْكَ غِرَّةً
 
وَطُوبَى لِعَيْنٍ سَاعَةً مِنْكَ لَا تَخْلُو٦٤٠
فَمَا بِفَقِيرٍ شَامَ بَرْقَكَ فَاقَةٌ
 
وَلَا فِي بِلَادٍ أَنْتَ صَيِّبُهَا مَحْلُ٦٤١

وقال يمدح عبد الرحمن بن المبارك الأنطاكي:

صِلَةُ الْهَجْرِ لِي وَهَجْرُ الْوِصَالِ
 
نَكَسَانِي في السُّقْمِ نُكْسَ الْهِلاَلِ٦٤٢
فَغَدَا اَلْجِسْمُ نَاقِصًا، وَالَّذِي يَنـْ
 
ـقُصُ مِنْهُ يَزِيدُ في بَلْبَالِي٦٤٣
قِفْ عَلَى الدِّمْنَتَيْنِ بِالَّدوِّ مِنْ رَيـْ
 
ـيَا كَخَالٍ فِي وَجْنَةٍ جَنْبَ خَالِ٦٤٤
بِطُلُولٍ كَأَنَّهُنَّ نُجُومٌ
 
فِي عِرَاصٍ كَأَنَّهُنَّ لَيَالِي٦٤٥
وَنُؤِيٍّ كَأَنَّهُنَّ عَلَيْهِنَّ
 
خِدَامٌ خُرْسٌ بِسُوقٍ خِدَالِ٦٤٦
لاَ تَلُمْنِي فَإِنَّنِي أَعْشَقُ العُشـْ
 
ـشَاقِ فِيهَا يَا أَعْذَلَ الْعُذَّالِ٦٤٧
مَا تُرِيدُ النَّوَى مِنَ الْحَيَّةِ الذَّوَّا
 
قِ حَرَّ الْفَلَا، وَبَرْدَ الظِّلَالِ٦٤٨
فَهُوَ أَمْضَى فِي الرَّوْعِ مِنْ مَلَكِ الْمَوْ
 
تِ، وَأَسْرَى فِي ظُلْمَةٍ مِنْ خَيَالِ٦٤٩
وَلِحَتْفٍ فِي الْعِزِّ يَدْنُو مُحِبٌّ
 
وَلِعُمْرٍ يَطُولُ فِي الذُّلِّ قَالِي٦٥٠
نَحْنُ رَكْبٌ مِلْجِنِّ فِي زَيِّ نَاسٍ
 
فَوْقَ طَيْرٍ لَهَا شُخُوصُ الْجِمَالِ٦٥١
مِنْ بَنَاتِ الْجَدِيلِ تَمْشِي بِنَا فِي الْبِيـ
 
ـدِ مَشْيَ الْأَيَّامِ فِي الْآجَالِ٦٥٢
كُلُّ هَوْجَاءَ لِلدَّيَامِيمِ فِيهَا
 
أَثَرُ النَّارِ فِي سَلِيطِ الذُّبَالِ٦٥٣
عَامِدَاتٍ لِلْبَدْرِ وَالْبَحْرِ وَالضِّرْ
 
غَامَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ الْمِفْضَالِ٦٥٤
مَنْ يَزُرْهُ يَزُرْ سُلَيْمَانَ فِي الْمُلـْ
 
ـكِ جَلَالًا وَيُوسُفًا فِي الْجَمَالِ
وَرَبِيعًا يُضَاحِكُ الْغَيْثُ فِيهِ
 
زَهَرَ الشُّكْرِ مِنْ رِيَاضِ الْمَعَالِي٦٥٥
نَفَحَتْنَا مِنْهُ الصَّبَا بِنَسِيمٍ
 
رَدَّ رُوحًا فِي مَيِّتِ الْآمَالِ٦٥٦
هَمُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَفْعُ الْمَوَالِي
 
وَبَوَارُ الْأَعْدَاءِ وَالْأَمْوَالِ٦٥٧
أَكْبَرُ الْعَيْبِ عِنْدَهُ الْبُخْلُ وَالطَّعـْ
 
ـنُ عَلَيْهِ التَّشْبِيهُ بِالرِّئْبَالِ٦٥٨
وَالْجِرَاحَاتُ عِنْدَهُ نَغَمَاتٌ
 
سَبَقَتْ قَبْلَ سَيْبِهِ بِسُؤَالِ٦٥٩
ذَا السِّرَاجُ الْمُنِيرُ هَذَا النَّقِيُّ الـْ
 
ـجَيْبِ هَذَا بَقِيَّةُ الْأَبْدَالِ٦٦٠
فَخُذَا مَاءَ رِجْلِهِ وَانْضَحَا فِي الـْ
 
ـمُدْنِ تَأْمَنْ بَوَائِقَ الزَّلْزَالِ٦٦١
وَامْسَحَا ثَوْبَهُ الْبَقِيرَ عَلَى دَا
 
ئِكُمَا تُشْفَيَا مِنَ الْإِعْلَالِ٦٦٢
مَالِئًا مِنْ نَوَالِهِ الشَّرْقَ وَالْغَرْ
 
بَ وَمِنْ خَوْفِهِ قُلُوبَ الرِّجَالِ٦٦٣
قَابِضًا كَفَّهُ الْيَمِينَ عَلَى الدُّنـْ
 
ـيَا، وَلَوْ شَاءَ حَازَهَا بِالشِّمَالِ٦٦٤
نَفْسُهُ جَيْشُهُ وَتَدْبِيرُهُ النَّصـْ
 
ـرُ، وَأَلْحَاظُهُ الظُّبَا وَالْعَوَالِي٦٦٥
وَلَهُ فِي جَمَاجِمِ الْمَالِ ضَرْبٌ
 
وَقْعُهُ فِي جَمَاجِمِ الْأَبْطَالِ٦٦٦
فَهُمُوا لِاتِّقَائِهِ الدَّهْرَ فِي يَوْ
 
مِ نِزَالٍ وَلَيْسَ يَوْمَ نِزَالِ٦٦٧
رَجُلٌ طِينُهُ مِنَ الْعَنْبَرِ الْوَرْ
 
دِ وَطِينُ الْعِبَادِ مِنْ صَلْصَالِ٦٦٨
فَبَقِيَّاتُ طِينِهِ لَاقَتِ الْمَا
 
ءَ فَصَارَتْ عُذُوبَةٌ فِي الزُّلَالِ٦٦٩
وَبَقَايَا وَقَارِهِ عَافَتِ النَّا
 
سَ فَصَارَتْ رَكَانَةً فِي الْجِبَالِ٦٧٠
لَسْتُ مِمَّنْ يَغُرُّهُ حُبُّكَ السِّلـْ
 
ـمَ وَأَنْ لَا تَرَى شُهُودَ الْقِتَالِ٦٧١
ذَاكَ شَيْءٌ كَفَاكَهُ عَيْشُ شَانِيـ
 
ـكَ ذَلِيلًا وَقِلَّةُ الْأَشْكَالِ٦٧٢
وَاغْتِفَارٌ لَوْ غَيَّرَ السُّخْطُ مِنْهُ
 
جُعِلَتْ هَامُهُمْ نِعَالَ النِّعَالِ٦٧٣
لِجِيَادٍ يَدْخُلْنَ فِي الْحَرْبِ أَعْرَا
 
ءً وَيَخْرُجْنَ مِنْ دَمٍ فِي جِلَالِ٦٧٤
وَاسْتَعَارَ الْحَدِيدُ لَوْنًا وَأَلْقَى
 
لَوْنَهُ فِي ذَوَائِبِ الْأَطْفَالِ٦٧٥
أَنْتَ طَوْرًا أَمَرُّ مِنْ نَاقِعِ السُّمِّ
 
وَطَوْرًا أَحْلَى مِنَ السَّلْسَالِ٦٧٦
إِنَّمَا النَّاسُ حَيْثُ أَنْتَ وَمَا النَّا
 
سُ بِنَاسٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْكَ خَالِي٦٧٧

وقال وقد دخل على أبي علي الأوراجي يومًا فقال له: وددنا يا أبا الطيب لو كنت اليوم معنا، فقد ركبنا ومعنا كلب لابن ملك، فطردنا به ظبيًا، ولم يكن لنا صقر. فاستحسنت صيده، فقال: أنا قليل الرغبة في مثل هذا، فقال أبو علي: إنما اشتهيت أن تراه فتستحسنه، فتقول فيه شيئًا من الشعر، قال: أنا أفعل، أفتحب أن يكون الآن؟ قال: أيمكن مثل هذا؟ قال: نعم، وقد حكمتك في الوزن والقافية. قال: لا، بل الأمر فيهما إليك. فأخذ أبو الطيب درجًا، وأخذ أبو علي درجًا آخر يكتب فيه كتابًا، فقطع عليه أبو الطيب الكتاب وقال:

وَمَنْزِلٍ لَيْسَ لَنَا بِمَنْزِلِ
 
وَلَا لِغَيْرِ الْغَادِيَاتِ الْهُطَّلِ٦٧٨
نَدِي الْخُزَامَى ذَفِرِ الْقَرَنْفُلِ
 
مُحَلَّلٍ مِلْوَحْشِ لَمْ يُحَلَّلِ٦٧٩
عَنَّ لَنَا فِيهِ مُرَاعِي مُغْزِلِ
 
مُحَيَّنُ النَّفْسِ بَعِيدُ الْمَوْئِلِ٦٨٠
أَغْنَاهُ حُسْنُ الْجِيدِ عَنْ لُبْسِ الْحُلِي
 
وَعَادَةُ الْعُرْيِ عَنِ التَّفَضُّلِ٦٨١
كَأَنَّهُ مُضَمَّخٌ بِصَنْدَلِ
 
مُعْتَرِضًا بِمِثْلِ قَرْنِ الْأَيِّلِ٦٨٢
يَحُولُ بَيْنَ الْكَلْبِ وَالتَّأَمُّلِ
 
فَحَلَّ كلَّابِي وَثَاقَ الْأَحْبُلِ٦٨٣
عَنْ أَشْدَقٍ مُسَوْجَرٍ مُسَلْسَلِ
 
أقَبَّ سَاطٍ شَرِسٍ شَمَرْدَلِ٦٨٤
مِنْهَا إِذَا يُثْغَ لَهُ لا يَغْزَلِ
 
مُوَجَّدِ الْفِقْرَةِ رِخْوِ الْمَفْصِلِ٦٨٥
لَهُ إِذَا أَدْبَرَ لَحْظُ الْمُقْبِلِ
 
كَأَنَّمَا يَنْظُرُ مِنْ سَجَنْجَلِ٦٨٦
يَعْدُو إِذَا أَحْزَنَ عَدْوَ الْمُسْهِلِ
 
إِذَا تَلَا جَاءَ الْمَدَى وَقَدْ تُلِي٦٨٧
يُقْعِي جُلُوسَ الْبَدَوِيِّ الْمُصْطَلِي
 
بِأَرْبَعٍ مَجْدُولَةٍ لَمْ تُجْدَلِ٦٨٨
فُتْلِ الْأَيَادِي رَبِذَاتِ الْأَرْجُلِ
 
آثَارُهَا أَمْثَالُهَا فِي الْجَنْدَلِ٦٨٩
يَكَادُ فِي الْوَثْبِ مِنَ التَّفَتُّلِ
 
يَجْمَعُ بَيْنَ مَتْنِهِ وَالْكَلْكَلِ٦٩٠
وَبَيْنَ أَعْلَاهُ وَبَيْنَ الْأَسْفَلِ
 
شَبِيهُ وَسْمِيِّ الْحِضَارِ بِالْوَلِي٦٩١
كَأَنَّهُ مُضَبَّرٌ مِنْ جَرْوَلِ
 
مُوَثَّقٌ عَلَى رِمَاحٍ ذُبَّلِ٦٩٢
ذِي ذَنَبٍ أَجْرَدَ غَيْرَ أَعْزَلِ
 
يَخُطُّ فِي الْأَرْضِ حِسَابَ الْجُمَّلِ٦٩٣
كَأَنَّهُ مِنْ جِسْمِهِ بِمَعْزِلِ
 
لَوْ كَانَ يُبْلِي السَّوْطَ تَحْرِيكٌ بَلِي٦٩٤
نَيْلُ الْمُنَى وَحُكْمُ نَفْسِ الْمُرْسِلِ
 
وَعُقْلَةُ الظَّبْيِ وَحَتْفُ التَّتْفُلِ٦٩٥
فَانْبَرَيَا فَذَّيْنِ تَحْتَ الْقَسْطَلِ
 
قَدْ ضَمِنَ الْآخَرُ قَتْلَ الْأَوَّلِ٦٩٦
فِي هَبْوَةٍ كِلَاهُمَا لَمْ يَذْهَلِ
 
لَا يَأْتَلِي فِي تَرْكِ أَنْ لَا يَأْتَلِي٦٩٧
مُقْتَحِمًا عَلَى الْمَكَانِ الْأَهْوَلِ
 
يَخَالُ طُولَ الْبَحْرِ عَرْضَ الْجَدْوَلِ٦٩٨
حَتَّى إِذَا قِيلَ لَهُ: نِلْتَ افْعَلِ
 
افْتَرَّ عَنْ مَذْرُوبَةٍ كَالْأَنْصُلِ٦٩٩
لَا تَعْرِفُ الْعَهْدَ بِصَقْلِ الصَّيْقَلِ
 
مُرَكَّبَاتٍ فِي الْعَذَابِ الْمُنْزَلِ٧٠٠
كَأَنَّهَا مِنْ سُرْعَةٍ فِي الشَّمْأَلِ
 
كَأَنَّهَا مِنْ ثِقَلٍ فِي يَذْبُلِ٧٠١
كَأَنَّهَا مِنْ سَعَةٍ فِي هَوْجَلِ
 
كَأَنَّهُ مِنْ عِلْمِهِ بِالْمَقْتَلِ
عَلَّمَ بُقْرَاطَ فِصَادَ الْأَكْحَلِ٧٠٢
فَحَالَ مَا لِلْقَفْزِ لِلتَّجَدُّلِ
 
وَصَارَ مَا فِي جِلْدِهِ فِي الْمِرْجَلِ٧٠٣
فَلَمْ يَضِرْنَا مَعْهُ فَقْدُ الْأَجْدَلِ
 
إِذَا بَقِيتَ سَالِمًا أَبَا عَلِي
فَالْمُلْكُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ ثُمَّ لِي٧٠٤

وقال يمدح بدر بن عمار، وقد فصد لعلة، فغاص المبضع فوق حقه، فأضر به ذلك:

أَبْعَدُ نَأْيِ الْمَلِيحَةِ الْبَخَلُ
 
فِي الْبُعْدِ مَا لَا تُكَلَّفُ الْإِبِلُ٧٠٥
مَلُولَةٌ مَا يَدُومُ لَيْسَ لَهَا
 
مِنْ مَلَلٍ دَائِمٍ بِهَا مَلَلُ٧٠٦
كَأَنَّمَا قَدُّهَا إِذَا انْفَتَلَتْ
 
سَكْرَانُ مِنْ خَمْرِ طَرْفِهَا ثَمِلُ٧٠٧
يَجْذِبُهَا تَحْتَ خَصْرِهَا عَجُزٌ
 
كَأَنَّهُ مِنْ فِرَاقِهَا وَجِلُ٧٠٨
بِي حَرُّ شَوْقٍ إِلَى تَرَشُّفِهَا
 
يَنْفَصِلُ الصَّبْرُ حِينَ يَتَّصِلُ٧٠٩
الثَّغْرُ وَالنَّحْرُ وَالْمُخَلْخَلُ وَالـْ
 
ـمِعْصَمُ دَائِي وَالْفَاحِمُ الرَّجِلُ٧١٠
وَمَهْمَهٍ جُبْتُهُ عَلَى قَدَمِي
 
تَعْجِزُ عَنْهُ الْعَرَامِسُ الذُّلُلُ٧١١
بِصَارِمِي مُرْتَدٍ بِمَخْبَرَتِي
 
مُجْتَزِئٌ، بِالظَّلَامِ مُشْتَمِلُ٧١٢
إِذَا صَدِيقٌ نَكِرْتُ جَانِبَهُ
 
لَمْ تُعْيِنِي فِي فِرَاقِهِ الْحِيَلُ٧١٣
فِي سَعَةِ الْخَافِقَيْنِ مُضْطَرَبٌ
 
وَفِي بِلَادٍ مِنْ أُخْتِهَا بَدَلُ٧١٤
وَفِي اعْتِمَارِ الْأَمِيرِ بَدْرِ بْنِ عَمَّا
 
رٍ عَنِ الشُّغْلِ بِالْوَرَى شُغُلُ٧١٥
أَصْبَحَ مَالٌ كَمَالهِ لِذَوِي الـْ
 
ـحَاجَةِ لَا يُبْتَدَى وَلَا يُسَلُ٧١٦
هَانَ عَلَى قَلْبِهِ الزَّمَانُ فَمَا
 
يَبِينُ فِيهِ غَمٌّ وَلَا جَذَلُ٧١٧
يَكَادُ مِنْ طَاعَةِ الْحِمَامِ لَهُ
 
يَقْتُلُ مَنْ مَا دَنَا لَهُ أَجَلُ٧١٨
يَكَادُ مِنْ صِحَّةِ الْعَزِيمَةِ مَا
 
يَفْعَلُ قَبْلَ الْفِعَالِ يَنْفَعِلُ٧١٩
تُعْرَفُ فِي عَيْنِهِ حَقَائِقُهُ
 
كَأَنَّهُ بِالذَّكَاءِ مُكْتَحِلُ٧٢٠
أُشْفِقُ عِنْدَ اتِّقَادِ فِكْرَتِهِ
 
عَلَيْهِ مِنْهَا أَخَافُ يَشْتَعِلُ٧٢١
أَغَرُّ أَعْدَاؤُهُ إِذَا سَلِمُوا
 
بِالْهَرَبِ اسْتَكْبَرُوا الَّذِي فَعَلُوا٧٢٢
يُقْبِلُهُمْ وَجْهَ كُلِّ سَابِحَةٍ
 
أَرْبَعُهَا قَبْلَ طَرْفِهَا تَصِلُ٧٢٣
جَرْدَاءَ مِلْءِ الْحِزَامِ مُجْفَرَةٍ
 
تَكُونُ مِثْلَيْ عَسِيبِهَا الْخُصَلُ٧٢٤
إِنْ أَدْبَرَتْ قُلْتَ لَا تَلِيلَ لَهَا
 
أَوْ أَقْبَلَتْ قُلْتَ مَا لَهَا كَفَلُ٧٢٥
وَالطَّعْنُ شَزْرٌ وَالْأَرْضُ وَاجِفَةٌ
 
كَأَنَّمَا فِي فُؤَادِهَا وَهَلُ٧٢٦
قَدْ صَبَغَتْ خَدَّهَا الدِّمَاءُ كَمَا
 
يَصْبُغُ خَدَّ الْخَرِيدَةِ الْخَجَلُ٧٢٧
وَالْخَيْلُ تَبْكِي جُلُودُهَا عَرَقًا
 
بِأَدْمُعٍ مَا تَسُحُّهَا مُقَلُ٧٢٨
سَارَ وَلَا قَفْرَ مِنْ مَوَاكِبِهِ
 
كَأَنَّمَا كُلُّ سَبْسَبٍ جَبَلُ٧٢٩
يَمْنَعُهَا أَنْ يُصِيبَهَا مَطَرٌ
 
شِدَّةُ مَا قَدْ تَضَايَقَ الْأَسَلُ٧٣٠
يَا بَدْرُ يَا بَحْرُ يَا عَمَامَةُ يَا
 
لَيْثُ الشَّرَى يَا حِمَامُ يَا رَجُلُ٧٣١
إِنَّ الْبَنَانَ الَّذِي تُقَلِّبُهُ
 
عِنْدَكَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَثَلُ٧٣٢
إِنَّكَ مِنْ مَعْشَرٍ إِذَا وَهَبُوا
 
مَا دُونَ أَعْمَارِهِمْ فَقَدْ بَخِلُوا٧٣٣
قُلُوبُهُمْ فِي مَضَاءِ مَا امْتَشَقُوا
 
قَامَاتُهُمْ فِي تَمَامِ مَا اعْتَقَلُوا٧٣٤
أَنْتَ نَقِيضُ اسْمِهِ إِذَا اخْتَلَفَتْ
 
قَوَاضِبُ الْهِنْدِ وَالْقَنَا الذُّبُلُ
أَنْتَ لَعَمْرِي الْبَدْرُ الْمُنِيرُ وَلـَ
 
ـكِنَّكَ فِي حَوْمَةِ الْوَغَى زُحَلُ٧٣٥
كَتِيبَةٌ لَسْتَ رَبَّهَا نَفَلٌ
 
وَبَلْدَةٌ لَسْتَ حَلْيَهَا عُطُلُ٧٣٦
قُصِدْتَ مِنْ شَرْقِهَا وَمَغْرِبِهَا
 
حَتَّى اشْتَكَتْكَ الرِّكَابُ وَالسُّبُلُ٧٣٧
لَمْ تُبْقِ إِلَّا قَلِيلَ عَافِيَةٍ
 
قَدْ وَفَدَتْ تَجْتَدِيكَهَا الْعِلَلُ٧٣٨
عُذْرُ الْمَلُوْمَيْنِ فِيكَ أَنَّهُمَا
 
آسٍ جَبَانٌ وَمِبْضَعٌ بَطَلُ٧٣٩
مَدَدْتَ فِي رَاحَةِ الطَّبِيبِ يَدًا
 
وَمَا دَرَى كَيْفَ يُقْطَعُ الْأَمَلُ٧٤٠
إِنْ يَكُنِ الْبَضْعُ ضَرَّ بَاطِنَهَا
 
فَرُبَّمَا ضَرَّ ظَهْرَهَا الْقُبَلُ٧٤١
يَشُقُّ فِي عِرْقِهَا الْفِصَادُ وَلَا
 
يَشُقُّ فِي عِرْقِ جُودِهَا الْعَذَلُ٧٤٢
خَامَرَهُ إِذْ مَدَدْتَهَا جَزَعٌ
 
كَأَنَّهُ مِنْ حَذَافَةٍ عَجِلُ٧٤٣
جَازَ حُدُودَ اجْتِهَادِهِ فَأَتَى
 
غَيْرَ اجْتِهَادٍ لِأُمِّهِ الْهَبَلُ٧٤٤
أَبْلَغُ مَا يُطْلَبُ النَّجَاحُ بِهِ
 
الطَّبْعُ وَعِنْدَ التَّعَمُّقِ الزَّلَلُ٧٤٥
ارْثِ لَهَا إِنَّهَا بِمَا مَلَكَتْ
 
وَبِالَّذِي قَدْ أَسَلْتَ تَنْهَمِلُ٧٤٦
مِثْلُكَ يَا بَدْرُ لَا يَكُونُ وَلَا
 
تَصْلُحُ إِلَّا لِمِثْلِكَ الدُّوَلُ٧٤٧

وقال أيضًا يمدحه:

بَقَائِي شَاءَ لَيْسَ هُمُ ارْتِحَالَا
 
وَحُسْنَ الصَّبْرِ زَمُّوا لَا الْجِمَالَا٧٤٨
تَوَلَّوْا بَغْتَةً فَكَأَنَّ بَيْنًا
 
تَهَيَّبَنِي فَفَاجَأَنِي اغْتِيَالَا٧٤٩
فَكَانَ مَسِيرُ عِيسِهِمِ ذَمِيلَا
 
وَسَيْرُ الدَّمْعِ إِثْرَهُمُ انْهِمَالَا٧٥٠
كَأَنَّ الْعِيسَ كَانَتْ فَوْقَ جَفْنِي
 
مُنَاخَاةٍ فَلَمَّا ثُرْنَ سَالَا٧٥١
وَحَجَّبَتِ النَّوَى الظَّبْيَاتِ عَنِّي
 
فَسَاعَدَتِ الْبَرَاقِعَ وَالْحِجَالَا٧٥٢
لَبِسْنَ الْوَشَى لَا مُتَجَمِّلَاتٍ
 
وَلَكِنْ كَيْ يَصُنَّ بِهِ الْجَمَالَا٧٥٣
وَضَفَّرْنَ الْغَدَائِرَ لَا لِحُسْنٍ
 
وَلَكِنْ خِفْنَ فِي الشَّعَرِ الضَّلَالَا٧٥٤
بِجِسْمِي مَنْ بَرَتْهُ فَلَوْ أَصَارَتْ
 
وِشَاحِي ثَقْبَ لُؤْلُؤَةٍ لَجَالَا٧٥٥
وَلَوْلَا أَنَّنِي فِي غَيْرِ نَوْمٍ
 
لَكُنْتُ أَظُنُّنِي مِنِّي خَيَالَا٧٥٦
بَدَتْ قَمَرًا وَمَالَتْ خُوطَ بَانٍ
 
وَفَاحَتْ عَنْبَرًا وَرَنَتْ غَزَالَا٧٥٧
وَجَارَتْ فِي الْحُكُومَةِ ثُمَّ أَبْدَتْ
 
لَنَا مِنْ حُسْنِ قَامَتِهَا اعْتِدَالَا٧٥٨
كَأَنَّ الْحُزْنَ مَشْغُوفٌ بِقَلْبِي
 
فَسَاعَةَ هَجْرِهَا يَجِدُ الْوِصَالَا٧٥٩
كَذَا الدُّنْيَا عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلِي
 
صُرُوفٌ لَمْ يُدِمْنَ عَلَيْهِ حَالَا٧٦٠
أَشَدُّ الْغَمِّ عِنْدِي فِي سُرُورٍ
 
تَيَقَّنَ عَنْهُ صَاحِبُهُ انْتِقَالَا٧٦١
أَلِفْتُ تَرَحُّلِي وَجَعَلْتُ أَرْضِي
 
قُتُودِي وَالْغُرَيْرِيَّ الْجُلَالَا٧٦٢
فَمَا حَاوَلْتُ فِي أَرْضٍ مُقَامًا
 
وَلَا أَزْمَعْتُ عَنْ أَرْضٍ زَوَالَا٧٦٣
عَلَى قَلَقٍ كَأَنَّ الرِّيحَ تَحْتِي
 
أُوَجِّهُهَا جَنُوبًا أَوْ شَمَالًا٧٦٤
إِلَى الْبَدْرِ بْنِ عَمَّارِ الَّذِي لَمْ
 
يَكُنْ فِي غُرَّةِ الشَّهْرِ الْهِلَالَا٧٦٥
وَلَمْ يَعْظُمْ لِنَقْصٍ كَانَ فِيهِ
 
وَلَمْ يَزَلِ الْأَمِيرَ وَلَنْ يَزَالَا
بِلَا مِثْلٍ وَإِنْ أَبْصَرْتَ فِيهِ
 
لِكُلِّ مُغَيَّبٍ حَسَنٍ مِثَالَا٧٦٦
حُسَامٌ لِابْنِ رائِقٍ الْمُرَجَّى
 
حُسَامِ الْمُتَّقِي أَيَّامَ صَالَا٧٦٧
سِنَانٌ فِي قَنَاةِ بَنِي مَعَدٍّ
 
بَنِي أَسَدٍ إِذَا دَعَوُا النِّزَالَا٧٦٨
أَعَزُّ مَغَالِبٍ كَفًّا وَسَيْفًا
 
وَمَقْدِرَةً وَمَحْمِيَةً وَآلَا٧٦٩
وَأَشْرَفُ فَاخِرٍ نَفْسًا وَقَوْمًا
 
وَأَكْرَمُ مُنْتَمٍ عَمًّا وَخَالَا٧٧٠
يَكُونُ أَحَقُّ إِثْنَاءٍ عَلَيْهِ
 
عَلَى الدُّنْيَا وَأَهْلِيهَا مُحَالَا٧٧١
وَيَبْقَى ضِعْفُ مَا قَدْ قِيلَ فِيهِ
 
إِذَا لَمْ يَتَّرِكْ أَحَدٌ مَقَالَا٧٧٢
فَيَا ابْنَ الطَّاعِنِينَ بِكُلِّ لَدْنٍ
 
مَوَاضِعَ يَشْتَكِي الْبَطَلُ السُّمَالَا٧٧٣
وَيَا ابْنَ الضَّارِبينَ بِكُلِّ عَضْبٍ
 
مِنَ الْعَرَبِ الْأَسَافِلِ وَالْقِلَالَا٧٧٤
أَرَى الْمُتَشَاعِرِينَ غَرُوا بِذَمِّي
 
وَمَنْ ذَا يَحْمَدُ الدَّاءَ الْعُضَالَا٧٧٥
وَمَنْ يَكُ ذَا فَمٍ مُرٍّ مَرِيضٍ
 
يَجِدْ مُرًّا بِهِ الْمَاءَ الزُّلَالَا٧٧٦
وَقَالُوا: هَلْ يُبَلِّغُكَ الثُّرَيَّا؟
 
فَقُلْتُ: نَعَمْ إِذَا شِئْتُ اسْتِفَالَا٧٧٧
هُوَ الْمُفْنِي الْمَذَاكِيَ وَالْأَعَادِي
 
وَبِيضَ الْهِنْدِ وَالسُّمْرَ الطِّوَالَا٧٧٨
وَقائِدُهَا مُسَوَّمَةً خِفَافًا
 
عَلَى حَيٍّ تُصَبِّحُهُ ثِقَالَا٧٧٩
جَوَائِلَ بِالْقُنِيِّ مُثَقَّفَاتٍ
 
كَأَنَّ عَلَى عَوَامِلِهَا الذُّبَالَا٧٨٠
إِذَا وَطِئَتْ بِأَيْدِيهَا صُخُورًا
 
يَفِئْنَ لِوَطْءِ أَرْجُلِهَا رِمَالَا٧٨١
جَوَابُ مُسَائِلِي: أَلَهُ نَظِيرٌ؟
 
وَلا لَكَ فِي سُؤَالِكَ لَا أَلَا لَا٧٨٢
لَقَدْ أَمِنْتَ بِكَ الْإِعْدَامَ نَفْسٌ
 
تَعُدُّ رَجَاءَهَا إِيَّاكَ مَالَا٧٨٣
وَقَدْ وَجِلَتْ قُلُوبٌ مِنْكَ حَتَّى
 
غَدَتْ أَوْجَالُهَا فِيهَا وِجَالَا٧٨٤
سُرُورُكَ أَنْ تَسُرُّ النَّاسَ طُرًّا
 
تُعَلِّمُهُمْ عَلَيْكَ بِهِ الدَّلَالَا٧٨٥
إِذَا سَأَلُوا شَكَرْتَهُمُ عَلَيْهِ
 
وَإِنْ سَكَتُوا سَأَلْتَهُمُ السُّؤَالَا٧٨٦
وَأَسْعَدُ مَنْ رَأَيْنَا مُسْتَمِيحٌ
 
يُنِيلُ الْمُسْتَمَاحَ بِأَنْ يَنَالَا٧٨٧
يُفَارِقُ سَهْمُكَ الرَّجُلَ الْمُلَاقَى
 
فِرَاقَ الْقَوْسِ مَا لَاقَى الرِّجَالَا٧٨٨
فَمَا تَقِفُ السِّهَامُ عَلَى قَرَارٍ
 
كَأَنَّ الرِّيشَ يَطَّلِبُ النِّصَالَا٧٨٩
سَبَقْتَ السَّابِقِينَ فَمَا تُجَارَى
 
وَجَاوَزْتَ الْعُلُوَّ فَمَا تُعَالَى٧٩٠
وَأُقْسِمُ لَوْ صَلَحْتَ يَمِينَ شَيْءٍ
 
لَمَا صَلَحَ الْعِبَادُ لَهُ شِمَالَا٧٩١
أُقَلِّبُ مِنْكَ طَرْفِي فِي سَمَاءٍ
 
وَإِنْ طَلَعَتْ كَوَاكِبُهَا خِصَالَا٧٩٢
وَأَعْجَبُ مِنْكَ كَيْفَ قَدَرْتَ تَنْشَا
 
وَقَدْ أُعْطِيتَ فِي الْمَهْدِ الْكَمَالَا؟!٧٩٣

وخرج بدر بن عمار إلى أسد، فهرب الأسد منه، وكان قد خرج قبله إلى أسد آخر، فهاجه عن بقرة افترسها بعد أن شبع وثقل، فوثب إلى كفل فرسه، فأعجله عن استلال سيفه، فضربه بالسوط، ودار به الجيش، فقال أبو الطيب:

فِي الْخَدِّ أَنْ عَزَمَ الْخَلِيطُ رَحِيلَا
 
مَطَرٌ تَزِيدُ بِهِ الْخُدُودُ مُحُولَا٧٩٤
يَا نَظْرَةً نَفَتِ الرُّقَادَ وَغَادَرَتْ
 
فِي حَدِّ قَلْبِي مَا حَيِيتُ فُلُولَا٧٩٥
كَانَتْ مِنَ الْكَحْلَاءِ سُؤْلِي إِنَّمَا
 
أَجَلِي تَمَثَّلَ فِي فُؤَادِيَ سُولَا٧٩٦
أَجِدُ الْجَفَاءَ عَلَى سِوَاكِ مُرُوءَةً
 
وَالصَّبْرَ إِلَّا فِي نَوَاكِ جَمِيلَا٧٩٧
وَأَرَى تَدَلُّلَكِ الْكَثِيرَ مُحَبَّبًا
 
وَأَرَى قَلِيلَ تَدَلُّلٍ مَمْلُولَا٧٩٨
تَشْكُو رَوَادِفَكِ الْمَطِيَّةُ فَوْقَهَا
 
شَكْوَى الَّتِي وَجَدَتْ هَوَاكِ دَخِيلَا٧٩٩
وَيُغِيرُنِي جَذْبُ الزِّمَامِ لِقَلْبِهَا
 
فَمَهَا إِلَيْكِ كَطَالِبٍ تَقْبِيلَا٨٠٠
حَدَقُ الْحِسَانِ مِنَ الْغَوَانِي هِجْنَ لِي
 
يَوْمَ الْفِرَاقِ صَبَابَةً وَغَلِيلَا٨٠١
حَدَقٌ يُذِمُّ مِنَ الْقَوَاتِلِ غَيْرَهَا
 
بَدْرُ بْنُ عَمَّارِ بْنِ إِسْمَاعِيلَا٨٠٢
الْفَارِجُ الْكُرَبَ الْعِظَامَ بِمِثْلِهَا
 
وَالتَّارِكُ الْمَلِكَ الْعَزِيزَ ذَلِيلَا٨٠٣
مَحِكٌ إِذَا مَطَلَ الْغَرِيمُ بِدَيْنِهِ
 
جَعَلَ الْحُسَامَ بِمَا أَرَادَ كَفِيلَا٨٠٤
نَطِقٌ إِذَا حَطَّ الْكَلَامُ لِثَامَهُ
 
أَعْطَى بِمَنْطِقِهِ الْقُلُوبَ عُقُولَا٨٠٥
أَعْدَى الزَّمَانَ سَخَاؤُهُ فَسَخَا بِهِ
 
وَلَقَدْ يَكُونُ بِهِ الزَّمَانُ بَخِيلَا٨٠٦
وَكَأَنَّ بَرْقًا فِي مُتُونِ غَمَامَةٍ
 
هِنْدِيُّهُ فِي كَفِّهِ مَسْلُولَا٨٠٧
وَمَحَلُّ قَائِمِهِ يَسِيلُ مَوَاهِبًا
 
لَوْ كُنَّ سَيْلًا مَا وَجَدْنَ مَسِيلَا٨٠٨
رَقَّتْ مَضَارِبُهُ فَهُنَّ كَأَنَّمَا
 
يُبْدِينَ مِنْ عِشْقِ الرِّقَابِ نُحُولَا٨٠٩
أَمُعَفِّرَ اللَّيْثِ الْهِزَبْرِ بِسَوْطِهِ
 
لِمَنِ ادَّخَرْتَ الصَّارِمَ الْمَصْقُولَا؟!٨١٠
وَقَعَتْ عَلَى الْأُرْدُنِّ مِنْهُ بَلِيَّةٌ
 
نُضِدَتْ بِهَا هَامُ الرِّفَاقِ تَلُولَا٨١١
وَرْدٌ إِذَا وَرَدَ الْبُحَيْرَةَ شَارِبًا
 
وَرَدَ الْفُرَاتَ زَئِيرُهُ وَالنِّيلَا٨١٢
مُتَخَضِّبٌ بِدَمِ الْفَوَارِسِ لَابِسٌ
 
فِي غِيلِهِ مِنْ لِبْدَتَيْهِ غِيلَا٨١٣
مَا قُوبِلَتْ عَيْنَاهُ إِلَّا ظَنَّتَا
 
تَحْتَ الدُّجَى نَارَ الْفَرِيقِ حُلُولَا٨١٤
فِي وَحْدَةِ الرُّهْبَانِ إِلَّا أَنَّهُ
 
لَا يَعْرِفُ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَا٨١٥
يَطَأُ الثَّرَى مُتَرَفِّقًا مِنْ تِيهِهِ
 
فَكَأَنَّهُ آسٍ يَجُسُّ عَلِيلَا٨١٦
وَيَرُدُّ عُفْرَتَهُ إِلَى يَافُوخِهِ
 
حَتَّى تَصِيرَ لِرَأْسِهِ إِكْلِيلَا٨١٧
وَتَظُنُّهُ مِمَّا يُزَمْجِرُ نَفْسُهُ
 
عَنْهَا لِشِدَّةِ غَيْظِهِ مَشْغُولَا٨١٨
قَصَرَتْ مَخَافَتُهُ الْخُطَا فَكَأَنَّمَا
 
رَكِبَ الْكَمِيُّ جَوَادَهُ مَشْكُولَا٨١٩
أَلْقَى فَرِيسَتَهُ وَبَرْبَرَ دُونَهَا
 
وَقَرُبْتَ قُرْبًا خَالَهُ تَطْفِيلَا٨٢٠
فَتَشَابَهَ الْخُلُقَانِ فِي إِقْدَامِهِ
 
وَتَخَالَفَا فِي بَذْلِكَ الْمَأْكُولَا٨٢١
أَسَدٌ يَرَى عُضْوَيْهِ فِيكَ كِلَيْهِمَا
 
مَتْنًا أَزَلَّ وَسَاعِدًا مَفْتُولَا٨٢٢
فِي سَرْجِ ظَامِئَةِ الْفُصُوصِ طِمِرَّةٍ
 
يَأْبَى تَفَرُّدُهَا لَهَا التَّمْثِيلَا٨٢٣
نَيَّالَةِ الطَّلِبَاتِ لَوْلَا أَنَّهَا
 
تُعْطِي مَكَانَ لِجَامِهَا مَا نِيلَا٨٢٤
تَنْدَى سَوَالِفُهَا إِذَا اسْتَحْضَرْتَهَا
 
وَيُظَنُّ عَقْدُ عِنَانِهَا مَحْلُولَا٨٢٥
مَا زَالَ يَجْمَعُ نَفْسَهُ فِي زَوْرِهِ
 
حَتَّى حَسِبْتَ الْعَرْضَ مِنْهُ الطُّولَا٨٢٦
وَيَدُقُّ بِالصَّدْرِ الْحِجَارَ كَأَنَّهُ
 
يَبْغِي إِلَى مَا فِي الْحَضِيضِ سَبِيلَا٨٢٧
وَكَأَنَّهُ غَرَّتْهُ عَيْنٌ فَادَّنَى
 
لَا يُبْصِرُ الْخَطْبَ الْجَلِيلَ جَلِيلَا٨٢٨
أَنَفُ الْكَرِيمِ مِنَ الدَّنِيَّةِ تَارِكٌ
 
فِي عَيْنِهِ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ قَلِيلَا٨٢٩
وَالْعَارُ مَضَّاضٌ وَلَيْسَ بِخَائِفٍ
 
مِنْ حَتْفِهِ مَنْ خَافَ مِمَّا قِيلَا٨٣٠
سَبَقَ الْتِقَاءَكَهُ بِوَثْبَةِ هَاجِمٍ
 
لَوْ لَمْ تُصَادِمْهُ لَجَازَكَ مِيلَا٨٣١
خَذَلَتْهُ قُوَّتُهُ وَقَدْ كَافَحْتَهُ
 
فَاسْتَنْصَرَ التَّسْلِيمَ وَالتَّجْدِيلَا٨٣٢
قَبَضَتْ مَنِيَّتُهُ يَدَيْهِ وَعُنْقَهُ
 
فَكَأَنَّمَا صَادَفَتْهُ مَغْلُولَا٨٣٣
سَمِعَ ابْنَ عَمَّتِهِ بِهِ وَبِحَالِهِ
 
فَنَجَا يُهَرْوِلُ مِنْكَ أَمْسِ مَهُولَا٨٣٤
وَأَمَرُّ مِمَّا فَرَّ مِنْهُ فِرَارُهُ
 
وَكَقَتْلِهِ أَنْ لَا يَمُوتَ قَتِيلَا٨٣٥
تَلَفُ الَّذِي اتَّخَذَ الْجَرَاءَةَ خُلَّةً
 
وَعَظَ الَّذِي اتَّخَذَ الْفِرَارَ خَلِيلَا٨٣٦
لَوْ كَانَ عِلْمُكَ بِالْإِلَهِ مُقَسَّمًا
 
فِي النَّاسِ مَا بَعَثَ الْإِلَهُ رَسُولَا٨٣٧
لَوْ كَانَ لَفْظُكَ فِيهِمِ مَا أَنْزَلَ الـْ
 
ـقُرْآنَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَا
لَوْ كَانَ مَا تُعْطِيهِمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ
 
تُعْطِيهِمِ لَمْ يَعْرِفُوا التَّأْمِيلَا٨٣٨
فَلَقَدْ عُرِفْتَ، وَمَا عُرِفْتَ حَقِيقَةً
 
وَلَقَدْ جُهِلْتَ وَمَا جُهِلْتَ خُمُولَا٨٣٩
نَطَقَتْ بِسُؤْدُدِكَ الْحَمَامُ تَغَنِّيًا
 
وَبِمَا تُجَشِّمُهَا الْجِيَادُ صَهِيلَا٨٤٠
مَا كُلُّ مَنْ طَلَبَ الْمَعَالِيَ نَافِذًا
 
فِيهَا وَلَا كُلُّ الرِّجَالِ فُحُولَا٨٤١

وقال وقد نظر إلى جانبه خلعة مطوية فسأل عنها فقيل: هي خلع الولاية، وكان أبو الطيب عند وصولها عليلًا:

أَرَى حُلَلًا مَطَوَّاةً حِسَانًا
 
عَدَانِي أَنْ أَرَاكَ بِهَا اعْتِلَالِي٨٤٢
وَهَبْكَ طَوَيْتَهَا وَخَرَجَتْ عَنْهَا
 
أَتَطْوِي مَا عَلَيْكَ مِنَ الْجَمَالِ؟!٨٤٣
لَقَدْ ظَلَّتْ أَوَاخِرُهَا الْأَعَالِي
 
مَعَ الْأُولَى بِجِسْمِكَ فِي قِتَالِ٨٤٤
تُلَاحِظُكَ الْعُيُونُ وَأَنْتَ فِيهَا
 
كَأَنَّ عَلَيْكَ أَفْئِدَةَ الرِّجَالِ٨٤٥
مَتَى أَحْصَيْتُ فَضْلَكَ فِي كَلَامٍ
 
فَقَدْ أَحْصَيْتُ حَبَّاتِ الرِّمَالِ٨٤٦
وَإِنَّ بِهَا، وَإِنَّ بِهِ لَنَقْصًا
 
وَأَنْتَ لَهَا النِّهَايَةُ فِي الْكَمَالِ٨٤٧

وقال فيه أيضًا:

عَذَلَتْ مُنَادَمَةُ الْأَمِيرِ عَوَاذِلِي
 
فِي شُرْبِهَا وَكَفَتْ جَوابَ السَّائِلِ٨٤٨
مَطَرَتْ سَحَابُ يَدَيْكَ رِيَّ جَوَانِحِي
 
وَحَمَلْتُ شُكْرَكَ وَاصْطِنَاعُكَ حَامِلِي٨٤٩
فَمَتَى أَقُومُ بِشُكْرِ مَا أَوْلَيْتَنِي
 
وَالْقَوْلُ فِيكَ عُلُوُّ قَدْرِ الْقَائِلِ؟!٨٥٠

وقال يمدحه:

بَدْرٌ فَتًى لَوْ كَانَ مِنْ سُؤَّالِهِ
 
يَوْمًا تَوَفَّرَ حَظُّهُ مِنْ مَالِهِ٨٥١
تَتَحَيَّرُ الْأَفْعَالُ فِي أَفْعَالِهِ
 
وَيَقِلُّ مَا يَأْتِيهِ فِي إِقْبَالِهِ٨٥٢
قَمَرًا نَرَى وَسَحَابَتَيْنِ بِمَوْضِعٍ
 
مِنْ وَجْهِهِ وَيَمِينِهِ وَشِمَالِهِ٨٥٣
سَفَكَ الدِّمَاءَ بِجُودِهِ لَا بَأْسِهِ
 
كَرَمًا لِأَنَّ الطَّيْرَ بَعْضُ عِيَالِهِ٨٥٤
إِنْ يُفْنِ مَا يَحْوِي فَقَدْ أَبْقَى بِهِ
 
ذِكْرًا يَزُولُ الدَّهْرُ قَبْلَ زَوَالِهِ٨٥٥

وسأله حاجة فقضاها له، فنهض فقال:

قَدْ أُبْتُ بِالْحَاجَةِ مَقْضِيَّةً
 
وَعِفْتُ فِي الْجَلْسَةِ تَطْوِيلَهَا٨٥٦
أَنْتَ الَّذِي طُولُ بَقَاءٍ لَهُ
 
خَيْرٌ لِنَفْسِي مِنْ بَقَائِي لَهَا

وقال يمدح القاضي أبا الفضل أحمد بن عبد الله الأنطاكي:

لَكِ يَا مَنَازِلُ فِي الْقُلُوبِ مَنَازِلُ
 
أَقْفَرْتِ أَنْتِ وَهُنَّ مِنْكِ أَوَاهِلُ٨٥٧
يَعْلَمْنَ ذَاكَ وَمَا عَلِمْتِ وَإِنَّمَا
 
أَوْلَاكُمَا بِبُكًى عَلَيْهِ الْعَاقِلُ٨٥٨
وَأَنَا الَّذِي اجْتَلَبَ الْمَنِيَّةَ طَرْفُهُ
 
فَمَنِ الْمُطَالَبُ وَالْقَتِيلُ الْقَاتِلُ؟!٨٥٩
تَخْلُو الدِّيَارُ مِنَ الظِّبَاءِ وَعِنْدَهُ
 
مِنْ كُلِّ تَابِعَةٍ خَيَالٌ خَاذِلُ٨٦٠
اللَّاءِ أَفْتَكُهَا الْجَبَانُ بِمُهْجَتِي
 
وَأَحَبُّهَا قُرْبًا إِلَيَّ الْبَاخِلُ٨٦١
الرَّامِيَاتُ لَنَا وَهُنَّ نَوَافِرٌ
 
وَالْخَاتِلَاتُ لَنَا وَهُنَّ غَوَافِلُ٨٦٢
كَافَأْنَنَا عَنْ شِبْهِهِنَّ مِنَ الْمَهَا
 
فَلَهُنَّ فِي غَيْرِ التُّرَابِ حَبَائِلُ٨٦٣
مِنْ طَاعِنِي ثُغْرِ الرِّجَالِ جَآذِرٌ
 
وَمِنَ الرِّمَاحِ دَمَالِجٌ وَخَلَاخِلُ٨٦٤
وَلِذَا اسْمُ أَغْطِيَةِ الْعُيُونِ جُفُونُهَا
 
مِنْ أَنَّهَا عَمَلَ السُّيُوفِ عَوَامِلُ٨٦٥
كَمْ وَقْفَةٍ سَجَرَتْكَ شَوْقًا بَعْدَمَا
 
غَرِيَ الرَّقِيبُ بِنَا وَلَجَّ الْعَاذِلُ!٨٦٦
دُونَ التَّعَانُقِ نَاحِلَيْنِ كَشَكْلَتَيْ
 
نَصْبٍ أَدَقَّهُمَا وَصَمَّ الشَّاكِلُ٨٦٧
انْعَمْ وَلَذَّ فَلِلْأُمُورِ أَوَاخِرٌ
 
أَبَدًا إِذَا كَانَتْ لَهُنَّ أَوَائِلُ٨٦٨
مَا دُمْتَ مِنْ أَرَبِ الْحِسَانِ فَإِنَّمَا
 
رَوْقُ الشَّبَابِ عَلَيْكَ ظِلٌّ زَائِلُ٨٦٩
لِلَّهْوِ آوِنَةٌ تَمُرُّ كَأَنَّهَا
 
قُبَلٌ يُزَوِّدُهَا حَبِيبٌ رَاحِلُ٨٧٠
جَمَحَ الزَّمَانُ فَمَا لَذِيذٌ خَالِصٌ
 
مِمَّا يَشُوبُ وَلَا سُرُورٌ كَامِلُ
حَتَّى أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدِ اللهِ رُؤْ
 
يَتُهُ الْمُنَى وَهْيَ الْمَقَامُ الْهَائِلُ٨٧١
مَمْطُورَةٌ طُرُقِي إِلَيْهَا دُونَهَا
 
مِنْ جُودِهِ فِي كُلِّ فَجٍّ وَابِلُ٨٧٢
مَحْجُوبَةٌ بِسُرَادِقٍ مِنْ هَيْبَةٍ
 
تُثْنِي الْأَزِمَّةَ وَالْمَطِيُّ ذَوَامِلُ٨٧٣
لِلشَّمْسِ فِيهِ وَلِلرِّيَاحِ وَلِلسَّحَا
 
بِ وَلِلْبِحَارِ وَلِلْأُسُودِ شَمَائِلُ٨٧٤
وَلَدَيْهِ مِلْعِقْيَانِ وَالْأَدَبِ الْمُفَا
 
دِ وَمِلْحَيَاةِ وَمِلْمَمَاتِ مَنَاهِلُ٨٧٥
لَوْ لَمْ يُهَبْ لَجَبُ الْوُفُودِ حَوَالَهُ
 
لَسَرَى إِلَيْهِ قَطَا الْفَلَاةِ النَّاهِلُ٨٧٦
يَدْرِي بِمَا بِكَ قَبْلَ تُظْهِرُهُ لَهُ
 
مِنْ ذِهْنِهِ وَيُجِيبُ قَبْلَ تُسَائِلُ٨٧٧
وَتَرَاهُ مُعْتَرِضًا لَهَا وَمُوَلِّيًا
 
أَحْدَاقُنَا وَتَحَارُ حِينَ يُقَابِلُ٨٧٨
كَلِمَاتُهُ قُضُبٌ وَهُنَّ فَوَاصِلٌ
 
كُلُّ الضَّرَائِبِ تَحْتَهُنَّ مَفَاصِلُ٨٧٩
هَزَمَتْ مَكَارِمُهُ الْمَكَارِمَ كُلَّهَا
 
حَتَّى كَأَنَّ الْمَكْرُمَاتِ قَنَابِلُ٨٨٠
وَقَتَلْنَ دَفْرًا وَالدُّهَيْمَ فَمَا تُرَى
 
أُمُّ الدُّهَيْمِ وَأُمُّ دَفْرٍ هَابِلُ٨٨١
عَلَّامَةُ الْعُلَمَاءِ وَاللُّجُّ الَّذِي
 
لَا يَنْتَهِي وَلِكُلِّ لُجٍّ سَاحِلُ٨٨٢
لَوْ طَابَ مَوْلِدُ كُلِّ حَيٍّ مِثْلَهُ
 
وَلَد النِّسَاءُ وَمَا لَهُنَّ قَوَابِلُ٨٨٣
لَوْ بَانَ بِالْكَرَمِ الْجَنِينُ بَيَانَهُ
 
لَدَرَتْ بِهِ ذَكَرٌ أَمُ انْثَى الْحَامِلُ٨٨٤
لِيَزِدْ بَنُو الْحَسَنِ الشِّرَافُ تَوَاضُعًا
 
هَيْهَاتَ تُكْتَمُ فِي الظَّلَامِ مَشَاعِلُ٨٨٥
سَتَرُوا النَّدَى سَتْرَ الْغُرَابِ سِفَادَهُ
 
فَبَدَا وَهَلْ يَخْفَى الرَّبَابُ الْهَاطِلُ٨٨٦
جَفَخَتْ وَهُمْ لَا يَجْفُخُونَ بِهَابِهِمْ
 
شِيَمٌ عَلَى الْحَسَبِ الْأَغَرِّ دَلَائِلُ٨٨٧
مُتَشَابِهِي وَرَعِ النُّفُوسِ كَبِيرُهُمْ
 
وَصَغِيرُهُمْ عَفُّ الْإِزَارِ حُلَاحِلُ٨٨٨
يَا افْخَرْ فَإِنَّ النَّاسَ فِيكَ ثَلَاثَةٌ
 
مُسْتَعْظِمٌ أَوْ حَاسِدٌ أَوْ جَاهِلُ٨٨٩
وَلَقَدْ عَلَوْتَ فَمَا تُبَالِي بَعْدَمَا
 
عَرَفُوا، أَيَحْمَدُ أَمْ يَذُمُّ الْقَائِلُ؟٨٩٠
أُثْنِي عَلَيْكَ وَلَوْ تَشَاءُ لَقُلْتَ لِي:
 
قَصَّرْتَ فَالْإِمْسَاكُ عَنِّي نَائِلُ٨٩١
لَا تَجْسُرُ الْفُصَحَاءُ تُنْشِدُ هَا هُنَا
 
بَيْتًا وَلَكِنِّي الْهِزْبَرُ الْبَاسِلُ٨٩٢
مَا نَالَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كُلُّهُمْ
 
شِعْرِي وَلَا سَمِعَتْ بِسِحْرِيَ بَابِلُ٨٩٣
وَإِذَا أَتَتْكَ مَذَمَّتِي مِنْ نَاقِصٍ
 
فَهْيَ الشَّهَادَةُ لِي بِأَنِّيَ كَامِلُ٨٩٤
مَنْ لِي بِفَهْمِ أُهَيْلِ عَصْرٍ يَدَّعِي
 
أَنْ يَحْسُبَ الْهِنْدِيَّ فِيهِمْ بَاقِلُ؟!٨٩٥
وَأَمَا وَحَقِّكَ وَهْوَ غَايَةُ مُقْسِمٍ
 
لَلْحَقُّ أَنْتَ وَمَا سِوَاكَ الْبَاطِلُ٨٩٦
الطِّيبُ أَنْتَ إِذَا أَصَابَكَ طِيبُهُ
 
وَالْمَاءُ أَنْتَ إِذَا اغْتَسَلْتَ الْغَاسِلُ٨٩٧
مَا دَارَ فِي الْحَنَكِ اللِّسَانُ وَقلَّبَتْ
 
قَلَمًا بِأَحْسَنَ مِنْ نَثَاكَ أَنَامِلُ٨٩٨

وقال يهجو قومًا توعدوه:

أَمَاتَكُمُ مِنْ قَبْلِ مَوْتِكُمُ الْجَهْلُ
 
وَجَرَّكُمُ مِنْ خِفَّةٍ بِكُمُ النَّمْلُ٨٩٩
وُلَيْدَ أُبَيِّ الطَّيِّبِ الْكَلْبِ مَا لَكُمُ
 
فَطِنْتُمْ إِلَى الدَّعْوَى وَمَا لَكُمُ عَقْلُ؟!٩٠٠
وَلَوْ ضَرَبَتْكُمْ مَنْجَنِيقِي وَأَصْلُكُمْ
 
قَوِيٌّ لَهَدَّتْكُمُ فَكَيْفَ وَلَا أَصْلُ؟!٩٠١
وَلَوْ كُنْتُمُ مِمَّنْ يُدَبِّرُ أَمْرَهُ
 
لَمَا كُنْتُمُ نَسْلَ الَّذِي مَا لَهُ نَسْلُ٩٠٢

وقال: وقد جعل أبو محمد بن طغج يضرب بكمه البخور، ويقول: سَوْقًا إلى أبي الطيب:

يَا أَكْرَمَ النَّاسِ فِي الْفَعَالِ
 
وَأَفْصَحَ النَّاسِ فِي الْمَقَالِ!٩٠٣
إِنْ قُلْتَ فِي ذَا الْبَخُورِ: سَوْقًا
 
فَهَكَذَا قُلْتَ فِي النَّوَالِ٩٠٤
وقال، وقد بلغه أن إسحاق بن كيغلغ يتهدده وهو ببلاد الروم، وكان أبو الطيب بدمشق:٩٠٥
أَتَانِي كَلَامُ الْجَاهِلِ ابْنِ كَيَغْلَغٍ
 
يَجُوبُ حُزُونًا بَيْنَنَا وَسُهُولَا٩٠٦
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ ابْنِ صَفْرَاءَ حَائِلٌ
 
وَبَيْنِي سِوَى رُمْحِي لَكَانَ طَوِيلَا٩٠٧
وَإِسِحَقُ مَأْمُونٌ عَلَى مَنْ أَهَانَهُ
 
وَلَكِنْ تَسَلَّى بِالْبُكَاءِ قَلِيلَا٩٠٨
وَلَيْسَ جَمِيلًا عِرْضُهُ فَيَصُونَهُ
 
وَلَيْسَ جَمِيلًا أَنْ يَكُونَ جَمِيلَا٩٠٩
وَيَكْذِبُ مَا أَذْلَلْتُهُ بِهِجَائِهِ
 
لَقَدْ كَانَ مِنْ قَبْلِ الْهِجَاءِ ذَلِيلَا٩١٠

وقال يمدح أبا العشائر:

لَا تَحْسَبُوا رَبْعَكُمْ وَلَا طَلَلَهْ
 
أَوَّلَ حَيٍّ فِرَاقُكُمْ قَتَلَهْ٩١١
قَدْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ النُّفُوسُ بِكُمْ
 
وَأَكْثَرَتْ فِي هَوَاكُمُ الْعَذَلَهْ٩١٢
خَلَا وَفِيهِ أَهْلٌ وَأَوْحَشَنَا
 
وَفِيهِ صِرْمٌ مُرَوِّحٌ إِبِلَهْ٩١٣
لَوْ سَارَ ذَاكَ الْحَبِيبُ عَنْ فَلَكٍ
 
مَا رَضِيَ الشَّمْسَ بُرْجُهُ بَدَلَهْ٩١٤
أُحِبُّهُ وَالْهَوَى وَأَدْؤُرَهُ
 
وَكُلُّ حُبٍّ صَبَابَةٌ وَوَلَهْ٩١٥
يَنْصُرُهَا الْغَيْثُ وَهْيَ ظَامِئَةٌ
 
إِلَى سِوَاهُ وَسُحْبُهَا هَطِلَهْ٩١٦
وَاحَرَبَا مِنْكِ يَا جَدَايَتَهَا
 
مُقِيمَةً فَاعْلَمِي وَمُرْتَحِلَهْ٩١٧
لَوْ خُلِطَ الْمِسْكُ وَالْعَبِيرُ بِهَا
 
وَلَسْتِ فِيهَا لَخِلْتُهَا تَفِلَهْ٩١٨
أَنَا ابْنُ مَنْ بَعْضُهُ يَفُوقُ أَبَا الْبَا
 
حِثِ وَالنَّجْلُ بَعْضُ مَنْ نَجَلَهْ٩١٩
وَإِنَّمَا يَذْكُرُ الْجُدُودَ لَهُمْ
 
مَنْ نَفَرُوهُ وَأَنْفَدُوا حِيَلَهْ٩٢٠
فَخْرًا لِعَضْبٍ أَرُوحُ مُشْتَمِلَهْ
 
وَسَمْهَرِيٍّ أَرُوحُ مُعْتَقِلَهْ٩٢١
وَلْيَفْخَرِ الْفَخْرُ إِذْ غَدَوْتُ بِهِ
 
مُرْتَدِيًا خَيْرَهُ وَمُنْتَعِلَهْ٩٢٢
أَنَا الَّذِي بَيَّنَ الْإِلَهُ بِهِ الـْ
 
أَقْدَارَ وَالْمَرْءُ حَيْثُمَا جَعَلَهْ٩٢٣
جَوْهَرَةٌ يَفْرَحُ الْكِرَامُ بِهَا
 
وَغُصَّةٌ لَا تُسِيغُهَا السَّفِلَهْ٩٢٤
إِنَّ الْكِذَابَ الَّذِي أُكَادُ بِهِ
 
أَهْوَنُ عِنْدِي مِنَ الَّذِي نَقَلَهْ٩٢٥
فَلَا مُبَالٍ وَلَا مُدَاجٍ وَلَا
 
وَانٍ وَلَا عَاجِزٌ وَلَا تُكَلَهْ٩٢٦
وَدَارِعٍ سِفْتُهُ فَخَرَّ لَقًى
 
فِي الْمُلْتَقَى وَالْعَجَاجِ وَالْعَجَلَهْ٩٢٧
وَسَامِعٍ رُعْتُهُ بِقَافِيَةٍ
 
يَحَارُ فِيهَا الْمُنَقِّحُ الْقُوَلَهْ٩٢٨
وَرُبَّمَا أُشْهِدُ الطَّعَامَ مَعِي
 
مَنْ لَا يُسَاوِي الْخُبْزَ الَّذِي أَكَلَهْ٩٢٩
وَيُظْهِرُ الْجَهْلَ بِي وَأَعْرِفُهُ
 
وَالدُّرُّ دُرٌّ بِرَغْمِ مَنْ جَهِلَهْ٩٣٠
مُسْتَحْيِيًا مِنْ أَبِي الْعَشَائِرِ أَنْ
 
أَسْحَبَ فِي غَيْرِ أَرْضِهِ حُلَلَهْ٩٣١
أَسْحَبُهَا عِنْدَهُ لَدَى مَلِكٍ
 
ثِيَابُهُ مِنْ جَلِيسِهِ وَجِلَهْ٩٣٢
وَبِيضُ غِلْمَانِهِ كَنَائِلِهِ
 
أَوَّلُ مَحْمُولِ سَيْبِهِ الْحَمَلَهْ٩٣٣
مَا لِي لَا أَمْدَحُ الْحُسَيْنَ وَلا
 
أَبْذُلُ مِثْلَ الْوُدِّ الَّذِي بَذَلَهْ٩٣٤
أَأَخْفَتِ الْعَيْنُ عِنْدَهُ خَبَرًا
 
أَمْ بَلَغَ الْكَيْذُبَانُ مَا أَمَلَهْ؟!٩٣٥
أَمْ لَيْسَ ضَرَّابَ كُلِّ جُمْجُمَةٍ
 
مَنْخُوَّةٍ سَاعَةَ الْوَغَى زَعِلَهْ؟!٩٣٦
وَصَاحِبَ الْجُودِ مَا يُفَارِقُهُ
 
لَوْ كَانَ لِلْجُودِ مَنْطِقٌ عَذَلَهْ٩٣٧
وَرَاكِبَ الْهَوْلِ لَا يُفَتِّرُهُ
 
لَوْ كَانَ لِلْهَوْلِ مَحْزِمٌ هَزَلَهْ٩٣٨
وَفَارِسَ الْأَحْمَرِ الْمُكَلِّلَ فِي
 
طَيِّئِ الْمُشْرَعَ الْقَنَا قِبَلَهْ٩٣٩
لَمَّا رَأَتْ وَجْهَهُ خُيُولُهُمُ
 
أَقْسَمَ بِاللهِ لَا رَأَتْ كَفَلَهْ٩٤٠
فَأَكْبَرُوا فِعْلَهُ وَأَصْغَرَهُ
 
أَكْبَرُ مِنْ فِعْلِهِ الَّذِي فَعَلَهْ٩٤١
الْقَاطِعُ الْوَاصِلُ الْكَمِيلُ فَلَا
 
بَعْضُ جَمِيلٍ عَنْ بَعْضِهِ شَغَلَهْ٩٤٢
فَوَاهِبٌ وَالرِّمَاحُ تَشْجُرُهُ
 
وَطَاعِنٌ وَالْهِبَاتُ مُتَّصِلَهْ٩٤٣
وَكُلَّمَا آمَنَ الْبِلادَ سَرَى
 
وَكُلَّمَا خِيفَ مَنْزِلٌ نَزَلَهْ٩٤٤
وَكُلَّمَا جَاهَرَ الْعَدُوَّ ضُحًى
 
أَمْكَنَ حَتَّى كَأَنَّهُ خَتَلَهْ٩٤٥
يَحْتَقِرُ الْبِيضَ وَاللِّدَانَ إِذَا
 
سَنَّ عَلَيْهِ الدِّلَاصَ أَوْ نَثَلَهْ٩٤٦
قَدْ هَذَّبَتْ فَهْمَهُ الْفَقاهَةُ لِي
 
وَهَذَّبَتْ شِعْرِيَ الْفَصَاحَةَ لَهْ٩٤٧
فَصِرْتُ كَالسَّيْفِ حَامِدًا يَدَهُ
 
لَا يَحْمَدُ السَّيْفُ كُلَّ مَنْ حَمَلَهْ٩٤٨

واستأذن كافورًا في المسير إلى الرملة ليخلص مالًا كتب له به، وإنما أراد أن يعرف ما عند كافور في مسيره. فقال: لا والله لا نكلفك المسير، نحن نبعث في خلاصه ونكفيك، فقال أبو الطيب:

أَتَحْلِفُ لَا تُكَلِّفُنِي مَسِيرًا
 
إِلَى بَلَدٍ أُحَاوِلُ فِيهِ مَالَا
وَأَنْتَ مُكَلِّفِي أَنْبَى مَكَانًا
 
وَأَبْعَدَ شُقَّةً وَأَشَدَّ حَالَا٩٤٩
إِذَا سِرْنَا عَلَى الْفُسْطَاطِ يَوْمًا
 
فَلَقِّنِيَ الْفَوَارِسَ وَالرِّجَالَا٩٥٠
لِتَعْلَمَ قَدْرَ مَنْ فَارَقْتَ مِنِّي
 
وَأَنَّكَ رُمْتَ مِنْ ضَيْمِي مُحَالَا٩٥١
وقال يمدح أبا شجاع فاتكًا٩٥٢ وكان قد قدم من الفيوم إلى مصر فوصل أبا الطيب وحمل إليه هدية قيمتها ألف دينار:
لَا خَيْلَ عِنْدَكَ تُهْدِيهَا وَلَا مَالُ
 
فَلْيُسْعِدِ النُّطْقُ إِنْ لَمْ تُسْعِدِ الْحَالُ٩٥٣
وَاجْزِ الْأَمِيرَ الَّذِي نُعْمَاهُ فَاجِئَةٌ
 
بِغَيْرِ قَوْلٍ وَنُعْمَى النَّاسِ أَقْوَالُ٩٥٤
فَرُبَّمَا جَزِيَ الْإِحْسَانَ مُولِيَهُ
 
خَرِيدَةٌ مِنْ عَذَارَى الْحَيِّ مِكْسَالُ٩٥٥
وَإِنْ تَكُنْ مُحْكَماتُ الشُّكْلِ تَمْنَعُنِي
 
ظُهُورَ جَرْيٍ فَلِي فِيهِنَّ تَصْهَالُ٩٥٦
وَمَا شَكَرْتُ لِأَنَّ الْمَالَ فَرَّحَنِي
 
سِيَّانِ عِنْدِيَ إِكْثَارٌ وَإِقْلَالُ٩٥٧
لَكِنْ رَأَيْتُ قَبِيحًا أَنْ يُجَادَ لَنَا
 
وَأَنَّنَا بِقَضَاءِ الْحَقِّ بُخَّالُ٩٥٨
فَكُنْتُ مَنْبِتَ رَوْضِ الْحَزْنِ بَاكَرَهُ
 
غَيْثٌ بِغَيْرِ سِبَاخِ الْأَرْضِ هَطَّالُ٩٥٩
غَيْثٌ يُبَيِّنُ لِلنُّظَّارِ مَوْقِعُهُ
 
أَنَّ الْغُيُوثَ بِمَا تَأْتِيهِ جُهَّالُ٩٦٠
لَا يُدْرِكُ الْمَجْدَ إِلَّا سَيِّدٌ فَطِنٌ
 
لِمَا يَشُقُّ عَلَى السَّادَاتِ فَعَّالُ٩٦١
لَا وَارِثٌ جَهِلَتْ يُمْنَاهُ مَا وَهَبَتْ
 
وَلَا كَسُوبٌ بِغَيْرِ السَّيْفِ سَئَّالُ٩٦٢
قَالَ الزَّمَانُ لَهُ قَوْلًا فَأَفْهَمَهُ
 
إِنَّ الزَّمَانَ عَلَى الْإِمْسَاكِ عَذَّالُ٩٦٣
تَدْرِي الْقَنَاةُ إِذَا اهْتَزَّتْ بِرَاحَتِهِ
 
أَنَّ الشَّقِيَّ بِهَا خَيْلٌ وَأَبْطَالُ٩٦٤
كَفَاتِكٍ وَدُخُولُ الْكَافِ مَنْقَصَةٌ
 
كَالشَّمْسِ قُلْتُ وَمَا للشَّمْسِ أَمْثَالُ٩٦٥
أَلْقَائِدِ الْأُسْدَ غَذَّتْهَا بَرَاثِنُهُ
 
بِمِثْلِهَا مِنْ عِدَاهُ وَهْيَ أَشْبَالُ٩٦٦
أَلْقَاتِلِ السَّيْفَ فِي جِسْمِ الْقَتِيلِ بِهِ
 
وَلِلسُّيُوفِ كَمَا لِلنَّاسِ آجَالُ٩٦٧
تُغِيرُ عَنْهُ عَلَى الْغَارَاتِ هَيْبَتُهُ
 
وَمَالُهُ بِأَقَاصِي الْأَرْضِ أَهْمَالُ٩٦٨
لَهُ مِنَ الْوَحْشِ مَا اخْتَارَتْ أَسِنَّتُهُ
 
عَيْرٌ وَهَيْقٌ وَخَنْسَاءٌ وَذَيَّالُ٩٦٩
تُمْسِي الضُّيُوفُ مُشَهَّاةً بِعَقْوَتِهِ
 
كَأَنَّ أَوْقَاتَهَا فِي الطِّيبِ آصَالُ٩٧٠
لَوِ اشْتَهَتْ لَحْمَ قَارِيهَا لَبَادَرَهَا
 
خَرَادِلٌ مِنْهُ فِي الشِّيزَى وَأَوْصَالُ٩٧١
لَا يَعْرِفُ الرُّزْءَ فِي مَالٍ وَلَا وَلَدٍ
 
إِلَّا إِذَا حَفَزَ الْأَضْيَافَ تَرْحَالُ٩٧٢
يُرْوِي صَدَى الْأَرْضِ مِنْ فَضْلَاتِ مَا شَرِبُوا
 
مَحْضُ اللِّقَاحِ وَصَافِي اللَّوْنِ سَلْسَالُ٩٧٣
تَقْرِي صَوَارِمُهُ السَّاعَاتِ عَبْطَ دَمٍ
 
كَأَنَّمَا السَّاعُ نُزَّالٌ وَقُفَّالُ٩٧٤
تَجْرِي النُّفُوسُ حَوَالَيْهِ مُخَلَّطَةً
 
مِنْهَا عُدَاةٌ وَأَغْنَامٌ وَآبَالُ٩٧٥
لَا يَحْرِمُ الْبُعْدُ أَهْلَ الْبُعْدِ نَائِلَهُ
 
وَغَيْرُ عَاجِزَةٍ عَنْهُ الْأُطَيْفَالُ٩٧٦
أَمْضَى الْفَرِيقَيْنِ فِي أَقْرَانِهِ ظُبَةً
 
وَالْبِيضُ هَادِيَةٌ وَالسُّمْرُ ضُلَّالُ٩٧٧
يُرِيكَ مَخْبَرُهُ أَضْعَافَ مَنْظَرِهِ
 
بَيْنَ الرِّجَالِ وَفِيهَا الْمَاءُ وَالْآلُ٩٧٨
وَقَدْ يُلَقِّبُهُ الْمَجْنُونَ حَاسِدُهُ
 
إِذَا اخْتَلَطْنَ وَبَعْضُ الْعَقْلِ عُقَّالُ٩٧٩
يَرْمِي بِهَا الْجَيْشَ لَا بُدٌّ لَهُ وَلَها
 
مِنْ شَقِّهِ وَلَوَ انَّ الْجَيْشَ أَجْبَالُ٩٨٠
إِذَا الْعِدَى نَشِبَتْ فِيهِمْ مَخَالِبُهُ
 
لَمْ يَجْتَمِعْ لَهُمُ حِلْمٌ وَرِئْبَالِ٩٨١
يَرُوعُهُمْ مِنْهُ دَهْرٌ صَرْفُهُ أَبَدًا
 
مُجَاهِرٌ وَصُرُوفُ الدَّهْرِ تَغْتَالُ٩٨٢
أَنَالَهُ الشَّرَفَ الْأَعْلَى تَقَدُّمُهُ
 
فَمَا الَّذِي بِتَوَقِّي مَا أَتَى نَالُوا؟!٩٨٣
إِذَا الْمُلُوكُ تَحَلَّتْ كَانَ حِلْيَتَهُ
 
مُهَنَّدٌ وَأضَمُّ الْكَعْبِ عَسَّالُ٩٨٤
أَبُو شُجَاعٍ أَبُو الشُّجْعَانِ قَاطِبَةً
 
هَوْلٌ نَمَتْهُ مِنَ الْهَيْجَاءِ أَهْوَالُ٩٨٥
تَمَلَّكَ الْحَمْدَ حَتَّى مَا لِمُفْتَخِرٍ
 
فِي الْحَمْدِ حَاءٌ وَلا مِيمٌ وَلَا دَالُ٩٨٦
عَلَيْهِ مِنْهُ سَرَابِيلٌ مُضَاعَفَةٌ
 
وَقَدْ كَفَاهُ مِنَ الْمَاذِيِّ سِرْبَالُ٩٨٧
وَكَيْفَ أَسْتُرُ مَاْ أَوْلَيْتَ مِنْ حَسَنٍ
 
وَقَدْ غَمَرْتَ نَوَالًا أَيُّهَا النَّالُ٩٨٨
لَطَّفْتَ رَأْيَكَ فِي بِرِّي وَتَكْرِمَتِي
 
إِنَّ الْكَرِيمَ عَلَى الْعَلْيَاءِ يَحْتَالُ٩٨٩
حَتَّى غَدَوْتَ وَلِلْأَخْبَارِ تَجْوَالُ
 
وَلِلْكَوَاكِبِ فِي كَفَّيْكَ آمَالُ٩٩٠
وَقَدْ أَطَالَ ثَنَائِي طُولُ لَابِسِهِ
 
إِنَّ الثَّنَاءَ عَلَى التِّنْبَالِ تِنْبَالُ٩٩١
إِنْ كُنْتَ تَكْبُرُ أَنْ تَخْتَالَ فِي بَشَرٍ
 
فَإِنَّ قَدْرَكَ فِي الْأَقْدَارِ يَخْتَالُ٩٩٢
كَأَنَّ نَفْسَكَ لَا تَرْضَاكَ صَاحِبَهَا
 
إِلَّا وَأَنْتَ عَلَى الْمِفْضَالِ مِفْضَالُ٩٩٣
وَلا تَعُدُّكَ صَوَّانًا لِمُهْجَتِهَا
 
إِلَّا وَأَنْتَ لَهَا فِي الرَّوْعِ بَذَّالُ٩٩٤
لَوْلَا الْمَشَقَّةُ سَادَ النَّاسُ كُلُّهُمُ
 
الْجُودُ يُفْقِرُ وَالْإِقْدَامُ قَتَّالُ٩٩٥
وَإِنَّمَا يَبْلُغُ الْإِنْسَانُ طَاقَتَهُ
 
مَا كُلُّ مَاشِيَةٍ بِالرَّحْلِ شِمْلَالُ٩٩٦
إِنَّا لَفِي زَمَنٍ تَرْكُ الْقَبِيحِ به
 
مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ إِحْسَانٌ وَإِجْمَالُ٩٩٧
ذِكْرُ الْفَتَى عُمْرُهُ الثَّانِي وَحَاجَتُهُ
 
مَا قَاتَهُ وَفُضُولُ الْعَيْشِ أَشْغَالُ٩٩٨

وقال يمدح أبا الفوارس دلير بن لشكروز سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، وكان قد جاء إلى الكوفة لقتال الخارجي الذي نجم بها من بني كلاب، وانصرف الخارجي عن الكوفة قبل وصول دلير إليها:

كَدَعْوَاكِ كُلٌّ يَدَّعِي صِحَّةَ الْعَقْلِ
 
وَمَنْ ذا الَّذِي يَدْرِي بمَا فِيهِ مِنْ جَهْلِ؟٩٩٩
لِهَنَّكِ أَوْلَى لَائِمٍ بِمَلَامَةٍ
 
وَأَحْوَجُ مِمَّنْ تَعْذُلِينَ إلى الْعَذْلِ١٠٠٠
تَقُولِينَ: مَا في النَّاسِ مِثْلَكَ عَاشِقٌ
 
جِدِي مِثْلَ مَنْ أَحْبَبْتُهُ تَجِدِي مِثْلِي١٠٠١
مُحِبٌّ كَنَى بِالْبِيضِ عَنْ مُرْهَفَاتِهِ
 
وَبِالْحُسْنِ في أَجْسَامِهِنَّ عَنِ الصَّقْلِ١٠٠٢
وَبِالسُّمْرِ عَنْ سُمْرِ الْقَنَا غَيْرَ أَنَّنِي
 
جَنَاهَا أَحِبَّائِي وَأَطْرَافُهَا رُسْلِي١٠٠٣
عَدِمْتُ فُؤَادًا لَمْ تَبِتْ فيهِ فَضْلَةٌ
 
لِغَيْرِ الثَّنَايَا الْغُرِّ وَالْحَدَقِ النُّجْلِ١٠٠٤
فَمَا حَرَمَتْ حَسْنَاءُ بِالْهَجْرِ غِبْطَةً
 
وَلَا بَلَغَتْهَا مَنْ شَكَى الْهَجْرَ بالْوَصْلِ١٠٠٥
ذَرِينِي أَنَلْ مَا لَا يُنَالُ مِنَ الْعُلَا
 
فَصَعْبَ الْعُلَا في الصَّعْبِ وَالسَّهْلُ في السَّهْلِ١٠٠٦
تُرِيدِينَ لُقْيَانَ الْمَعَالِي رَخِيصَةً
 
وَلَا بُدَّ دُونَ الشَّهْدِ مِنْ إِبَرِ النَّحْلِ١٠٠٧
حَذِرْتِ عَلَيْنَا الْمَوْتَ وَالْخَيْلُ تَلْتَقِي
 
وَلَمْ تَعْلَمِي عَنْ أَيِّ عَاقِبَةٍ تُجْلَى١٠٠٨
فَلَسْتُ غَبِينًا لَوْ شَرَيْتُ مَنِيَّتِي
 
بِإِكْرَامِ دِلَّيْرَ بْنِ لَشْكَرَوَزٍّ لِي١٠٠٩
تُمِرُّ الْأنَابِيبُ الْخَوَاطِرُ بَيْنَنَا
 
وَنَذْكُرُ إقْبَالَ الأمِيرِ فَتَحْلَوْ لِي١٠١٠
وَلَوْ كُنْتُ أَدْرِي أَنَّهَا سَببٌ لَهُ
 
لَزَادَ سُرُورِي بِالزِّيَادَةِ في الْقَتْلِ١٠١١
فَلَا عَدِمَتْ أَرْضُ الْعِرَاقَيْنِ فِتْنَةً
 
دَعَتْكَ إليْهَا كَاشِفَ الْخَوْفِ وَالمَحْلِ١٠١٢
ظَلِلْنَا إذَا أَنْبَى الْحَدِيدُ نُصُولَنَا
 
نُجَرِّدُ ذِكْرًا مِنْكَ أَمْضَى مِنَ النَّصْلِ١٠١٣
وَنَرْمِي نَوَاصِيهَا مِنِ اسْمِكَ في الْوَغَى
 
بِأَنْفذَ مِنْ نُشَّابِنَا وَمِنَ النَّبْلِ١٠١٤
فَإِنْ تَكُ مِنْ بَعْدِ الْقِتَالِ أَتَيْتَنَا
 
فَقَدْ هَزَمَ الْأَعْدَاءَ ذِكْرُكَ مِنْ قَبْلِ١٠١٥
وَمَا زِلْتُ أَطْوِي الْقَلْبَ قَبْلَ اجْتِمَاعِنَا
 
عَلَى حَاجَةٍ بَيْنَ السَّنَابِكِ وَالسُّبْلِ١٠١٦
وَلوْ لَمْ تَسِرْ سِرْنَا إِلَيْكَ بِأَنْفُسٍ
 
غَرَائِبَ يُؤْثِرْنَ الْجِيَادَ عَلَى الْأَهْلِ١٠١٧
وَخَيْلٍ إذَا مَرَّتْ بِوَحْشٍ وَرَوْضَةٍ
 
أَبَتْ رَعْيَهَا إلَّا وَمِرْجَلُنَا يَغْلِي١٠١٨
وَلكِنْ رَأَيْتَ الْقَصْدَ فِي الْفَضْلِ شِرْكَةً
 
فَكَانَ لَكَ الْفَضْلَانِ بِالْقَصْدِ وَالْفَضْلِ١٠١٩
وَلَيْسَ الَّذِي يَتَّبِّعُ الْوَبْلَ رَائِدًا
 
كَمَنْ جَاءَهُ فِي دَارِهِ رَائِدُ الْوَبْلِ١٠٢٠
وَمَا أَنَا مِمَّنْ يَدَّعِي الشَّوْقَ قَلْبُهُ
 
وَيَحْتَجُّ فِي تَرْكِ الزِّيَارَةِ بالشُّغْلِ١٠٢١
أَرَادَتْ كِلَابٌ أَنْ تَفُوزَ بِدَوْلَةٍ
 
لِمَنْ تَرَكَتْ رَعْيَ الشُّوَيْهَاتِ وَالِإبْلِ١٠٢٢
أبى رَبُّهَا أَنْ يَتْرُكَ الوحْشَ وَحْدَهَا
 
وَأَنْ يُؤْمِنَ الضَّبَّ الْخَبِيثَ مِنَ الْأَكْلِ١٠٢٣
وَقَادَ لَهَا دِلَّيْرُ كُلَّ طِمِرَّةٍ
 
تُنِيفُ بِخَدَّيْهَا سَحُوقٌ مِنَ النَّخْلِ١٠٢٤
وَكُلَّ جَوَادٍ تَلْطِمُ الأرْضَ كَفُّهُ
 
بِأَغْنَى عَنِ النَّعْلِ الْحَدِيدِ مِنَ النَّعْلِ١٠٢٥
فَوَلَّتْ تُرِيغُ الْغَيْثَ وَالْغَيْثَ خَلَّفتْ
 
وَتَطْلُبُ مَا قَدْ كَانَ فِي الْيَدِ بِالرِّجْل١٠٢٦
تُحاذِرُ هَزْلَ المَالِ وَهْيَ ذَلِيلَةٌ
 
وَأَشْهَدُ أنَّ الذُّلَّ شَرٌّ مِنَ الْهَزْلِ١٠٢٧
وَأَهْدَتْ إلَيْنَا غَيْرَ قَاصِدَةٍ بِهِ
 
كَرِيمَ السَّجَايَا يَسْبِقُ الْقَوْلَ بِالْفِعْلِ١٠٢٨
تَتَبَّعَ آثَارَ الرَّزَايا بِجودِهِ
 
تَتَبُّعَ آثَارِ الأسِنَّةِ بِالْفُتْلِ١٠٢٩
شَفَى كُلَّ شَاكٍ سَيْفُهُ وَنَوَالُهُ
 
مِنَ الدَّاءِ حَتَّى الثَّاكِلَاتِ مِنَ الثُّكْلِ١٠٣٠
عَفِيفٌ تَرُوقُ الشَّمْسَ صُورَةُ وَجْهِهِ
 
وَلَوْ نَزَلت شَوْقًا لَحَادَ إلَى الظِّلِّ١٠٣١
شُجَاعٌ كَأَنَّ الْحَرْبَ عَاشِقَةٌ لَهُ
 
إذَا زَارَهَا فَدَّتْهُ بِالْخَيْلِ وَالرَّجْلِ١٠٣٢
وَرَيَّانُ لَا تَصْدَى إلَى الْخَمْرِ نَفْسُهُ
 
وَعَطْشَانُ لَا تَرْوَى يَدَاهُ مِنَ الْبَذْلِ١٠٣٣
فَتَمْلِيكُ دِلَّيْرٍ وَتَعْظِيمُ قَدْرِهِ
 
شَهِيدٌ بِوَحْدَانِيَّةِ اللهِ وَالْعَدْلِ١٠٣٤
وَمَا دَامَ دِلَّيْرٌ يَهُزُّ حُسَامَهُ
 
فَلَا نَابَ فِي الدُّنْيا لِلَيْثٍ وَلَا شِبْلِ١٠٣٥
وَمَا دَامَ دِلَّيْرٌ يُقَلِّبُ كَفَّهُ
 
فَلَا خَلْقَ مِنْ دَعْوَى الْمَكَارِمِ فِي حِلِّ١٠٣٦
فَتًى لَا يُرَجِّي أَنْ تَتِمَّ طَهَارَةٌ
 
لِمَنْ لَمْ يُطَهِّرْ رَاحَتَيْهِ مِنَ الْبُخْلِ١٠٣٧
فَلَا قَطَعَ الرَّحْمنُ أَصْلًا أَتَى بِهِ
 
فَإِنِّي رَأَيتُ الطَّيِّبَ الطَّيِّبَ الْأَصْلِ١٠٣٨

وقال يمدح عضد الدولة، ويذكر وقعة وَهْشُوذَان بن محمد الكردي بالطرم، وكان والده ركن الدولة أنفذ إليه جيشًا من الري فهزمه وأخذ بلده:

اثْلِثْ فَإنَّا أَيُّها الطَّلَلُ
 
نَبْكِي وَتُرْزِمُ تَحْتَنَا الْإِبِلُ١٠٣٩
أوْلَا فَلَا عَتْبٌ عَلَى طَلَلٍ
 
إنَّ الطُّلُولَ لِمِثْلِهَا فُعُلُ١٠٤٠
لَوْ كُنْتَ تَنْطِقُ قُلْتَ مُعْتَذِرًا:
 
بِي غَيْرُ مَا بِكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ١٠٤١
أَبْكَاكَ أنَّكَ بَعْضُ مَنْ شَغَفُوا
 
لَمْ أَبْكِ أَنِّي بَعْضُ مَنْ قَتَلُوا١٠٤٢
إنَّ الَّذِينَ أقَمْتَ وَاحْتَمَلُوا
 
أيَّامُهُمْ لِدِيَارِهِمْ دُوَلُ١٠٤٣
الْحُسْنُ يَرْحَلُ كُلَّمَا رَحَلُوا
 
مَعَهُمْ وَيَنْزِلُ حَيْثُمَا نَزَلُوا١٠٤٤
فِي مُقْلَتَي رَشَأٍ تُدِيرُهُمَا
 
بَدَوِيَّةٌ فُتِنَتْ بِهَا الْحِلَلُ١٠٤٥
تَشْكُو الْمَطَاعِمُ طُولَ هِجْرَتِهَا
 
وَصُدُودِهَا وَمَنِ الَّذِي تَصِلُ١٠٤٦
مَا أَسْأَرَتْ فِي الْقَعْبِ مِنْ لَبَنٍ
 
تَرَكَتْهُ وَهْوَ المِسْكُ وَالْعَسَلُ١٠٤٧
قَالَتْ: ألَا تَصْحُو فَقُلتُ لَهَا:
 
أعْلَمْتِنِي أَنَّ الْهَوَى ثَمَلُ١٠٤٨
لَوْ أنَّ فَنَّاخُسْرَ صَبَّحَكُمْ
 
وَبَرَزْتِ وَحْدَكِ عَاقَهُ الْغَزَلُ١٠٤٩
وَتَفَرَّقَتْ عَنْكُمْ كَتَائِبُهُ
 
إنَّ المِلَاحَ خَوَادِعٌ قُتُلُ١٠٥٠
مَا كُنْتِ فَاعِلَةً وَضَيْفُكُمُ
 
مَلِكُ الْمُلُوكِ وَشَأْنُكِ الْبَخَلُ١٠٥١
أتُمَنِّعِينَ قِرًى فَتَفْتَضِحِي
 
أمْ تَبْذُلِينَ لَهُ الَّذِي يَسَلُ؟١٠٥٢
بَلْ لا يَحُلُّ بِحَيْثُ حَلَّ بِهِ
 
بُخْلٌ وَلَا جَوْرٌ وَلَا وَجَلُ١٠٥٣
مَلِكٌ إذَا مَا الرُّمْحُ أدْرَكَهُ
 
طَنَبٌ ذَكَرْنَاهُ فَيَعْتَدِلُ١٠٥٤
إنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ قَبْلَهُ عَجَزُوا
 
عَمَّا يَسُوسُ بِهِ فَقَدْ غَفَلُوا١٠٥٥
حتَّى أتَى الدُّنْيَا ابْنُ بَجْدَتِهَا
 
فَشَكَا إلَيْهِ السَّهْلُ وَالْجَبَلُ١٠٥٦
شَكْوَى الْعَليلِ إلَى الْكَفِيلِ لَهُ
 
أنْ لَا تَمُرَّ بِجِسْمِهِ الْعِلَلُ١٠٥٧
قَالَتْ — فَلَا كَذَبَتْ — شَجَاعَتُهُ:
 
أَقْدِمْ فنَفْسُكَ مَا لَهَا أَجَلُ١٠٥٨
فَهْوَ النِّهَايَةُ إنْ جَرَى مَثَلٌ
 
أَوْ قِيلَ يَوْمَ وَغًى مَنِ الْبَطَلُ١٠٥٩
عُدَدُ الْوُفُودِ الْعَامِدِينَ لَهُ
 
دُونَ السِّلَاحِ الشُّكْلُ وَالْعقُلُ١٠٦٠
فَلِشُكْلِهِمْ في خَيْلِهِ عَمَلٌ
 
وَلِعُقْلِهِمْ في بُخْتِهِ شُغُلُ١٠٦١
تُمْسِي عَلَى أَيْدِي مَوَاهِبِهِ
 
هِيَ أَوْ بَقِيَّتُهَا أوِ الْبَدَلُ١٠٦٢
يَشْتَاقُ مِنْ يَدِهِ إلَى سَبَلٍ
 
شَوْقًا إلَيْهِ يَنْبُتُ الْأَسَلُ١٠٦٣
سَبَلٌ تَطُولُ الْمَكْرُمَاتُ بِهِ
 
وَالْمَجْدُ لَا الْحَوْذَانُ وَالنَّفَلُ١٠٦٤
وَإلَى حَصَى أَرْضٍ أقَامَ بِهَا
 
بِالنَّاسِ مِنْ تَقْبِيلِهَا يَلَلُ١٠٦٥
إنْ لَمْ تُخَالِطْهُ ضَوَاحِكُهُمْ
 
فَلِمَنْ تُصَانُ وَتُذخَرُ القُبَلُ؟١٠٦٦
في وَجْهِهِ مِنْ نُورِ خَالِقِهِ
 
قُدَرٌ هِيَ الآيَاتُ وَالرُّسُلُ١٠٦٧
وَإذَا القُلُوبُ أبَتْ حُكُومَتَهُ
 
رَضِيَتْ بِحُكْمِ سُيُوفِهِ الْقُلَلُ١٠٦٨
وَإذَا الْخَمِيسُ أَبَى السُّجُودَ لَهُ
 
سَجَدَتْ لَهُ فِيهِ الْقَنَا الذُّبُلُ١٠٦٩
أرَضِيتَ وَهْشُوَذَانُ مَا حَكَمَتْ
 
أَمْ تَسْتَزِيدَ لِأُمِّكَ الْهَبَلُ؟١٠٧٠
وَرَدَتْ بِلَادَكَ غَيْرَ مُعْمَدَةٍ
 
وَكَأنَّهَا بَيْنَ الْقَنَا شُعَلُ١٠٧١
وَالْقَوْمُ في أَعْيَانِهِمْ خَزَرٌ
 
وَالْخَيْلُ في أَعْيَانِهَا قَبَلُ١٠٧٢
فَأتَوْكَ لَيْسَ بِمَنْ أتَوْا قِبَلٌ
 
بِهِمُ وَلَيْسَ بِمَنْ نَأَوْا خَلَلُ١٠٧٣
لَمْ يَدْرِ مَنْ بالرَّيِّ أَنَّهُمُ
 
فَصَلُوا وَلَا يَدْرِي إذَا قَفَلوا١٠٧٤
فَأتَيْتَ مُعْتَزِمًا وَلَا أسَدٌ
 
وَمَضَيْتَ مُنْهَزِمًا وَلَا وَعِلُ١٠٧٥
تُعْطِي سِلَاحَهُمُ وَرَاحَهُمُ
 
مَا لَمْ تَكُنْ لِتَنَالَهُ المُقَلُ١٠٧٦
أَسْخَى الْمُلوكِ بِنَقْلِ مَمْلَكَةٍ
 
مَنْ كَادَ عَنْهُ الرَّأْسُ يَنْتَقِلُ١٠٧٧
لَوْلَا الْجَهَالَةُ مَا دَلَفْتَ إلَى
 
قَوْمٍ غَرِقْتَ وَإنَّمَا تَفَلُوا١٠٧٨
لَا أقْبَلُوا سِرًّا وَلَا ظَفِرُوا
 
غَدْرًا وَلَا نَصَرَتْهُمُ الْغِيَلُ١٠٧٩
لَا تَلْقَ أَفْرَسَ مِنْكَ تَعْرِفُهُ
 
إلَّا إذَا ضَاقَتْ بِكَ الْحِيَلُ١٠٨٠
لَا يَسْتَحِي أَحَدٌ يُقَالُ لَهُ
 
نَضَلُوكَ آلُ بُوَيْهِ أوْ فَضَلُوا١٠٨١
قَدَرُوا عَفَوْا وَعَدُوا وَفَوْا سُئِلُوا
 
أَغْنَوْا عَلَوْا أَعْلَوْا وَلَوْا عَدَلُوا١٠٨٢
فَوْقَ السَّمَاءِ وَفَوْقَ مَا طَلَبُوا
 
فَإِذَا أَرَادُوا غَايَةً نَزَلُوا١٠٨٣
قَطَعَتْ مَكَارِمُهُمْ صَوَارِمَهُمْ
 
فَإذَا تَعَذَّرَ كَاذِبٌ قَبِلُوا١٠٨٤
لَا يَشْهَرُونَ عَلَى مُخَالِفِهِمْ
 
سَيْفًا يَقُومُ مَقَامَهُ الْعَذَلُ١٠٨٥
فَأَبُو عَلِيٍّ مَنْ بِهِ قَهَرُوا
 
وَأَبُو شُجَاعٍ مَنْ بِهِ كَمَلوا١٠٨٦
حَلَفَتْ لِذَا بَرَكَاتُ غُرَّةِ ذَا
 
فِي الْمَهْدِ أَنْ لَا فَاتَهُمْ أَمَلُ١٠٨٧

وخرج أبو شجاع يتصيد ومعه آلة الصيد، وكان يسير قدام الجيش يَمنة ويَسرة، فلا يرى صيدًا إلا صاده، حتى وصل إلى دشت الأرزن؛ وهو موضع حسن على عشرة فراسخ من شيراز، تحف به الجبال، وفيه غاب ومياه ومروج، فكانت الوحوش تصاد، وإذا اعتصمت بالجبال أخذت الرجال عليها المضايق، فإذا أثخنها النشاب هربت من رءوس الجبال إلى الدشت فتسقط بين يديه؛ فأقام بذلك المكان أيامًا على عين ماء حسنة ومعه أبو الطيب، فوصف الحال وأنشده في رجب سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، وفي هذه السنة قتل أبو الطيب، قال:

مَا أَجْدَرَ الأيَّامَ وَاللَّيَالِي
 
بِأَنْ تَقُولَ: مَا لَهُ وَمَا لِي؟١٠٨٨
لَا أَنْ يَكُونَ هَكَذَا مَقَالِي
 
فَتًى بِنِيرَانِ الْحُرُوبِ صَالِ١٠٨٩
مِنْهَا شَرَابي وَبِهَا اغْتِسَالِي
 
لَا تَخْطُرُ الْفَحْشَاءُ لِي بِبَالِ١٠٩٠
لَوْ جَذَبَ الزَّرَّادُ مِنْ أَذْيَالِي
 
مُخَيَّرًا لِي صَنْعَتَيْ سِرْبَالِ١٠٩١
مَا سُمْتُهُ سَرْدَ سِوَى سِرْوَالِ
 
وَكَيْفَ لَا وَإنَّمَا إدْلَالِي١٠٩٢
بِفَارِسِ الْمَجْرُوحِ وَالشَّمَالِ
 
أَبي شُجَاعٍ قَاتِلِ الأبْطَالِ١٠٩٣
سَاقِي كُئُوسِ الْمَوْتِ وَالْجِرْيَالِ١٠٩٤
 
لَمَّا أَصَارَ الْقُفْصَ أَمْسِ الْخَالِي١٠٩٥
وَقَتَّلَ الْكُرْدَ عَنِ الْقِتَالِ
 
حَتَّى اتَّقَتْ بِالْفَرِّ وَالْإجْفَالِ١٠٩٦
فَهَالِكٌ وَطَائِعٌ وَجَالِي
 
وَاقْتَنَصَ الْفُرْسَانَ بالْعَوَالِي١٠٩٧
وَالْعُتُقِ المُحْدَثَةِ الصِّقَالِ
 
سَارَ لِصَيْدِ الْوَحْشِ فِي الْجِبَالِ١٠٩٨
وَفِي رِقَاقِ الْأَرْضِ وَالرِّمَالِ
 
عَلَى دِمَاءِ الإنْسِ وَالأوْصَالِ١٠٩٩
مُنْفَرِدَ الْمُهْرِ عَنِ الرِّعَالِ
 
مِنْ عِظَمِ الهِمَّةِ لَا المَلَالِ١١٠٠
وَشِدَّةِ الضَّنِّ لَا الِاسْتِبْدَالِ
 
مَا يَتَحَرَّكْنَ سِوَى انْسِلَالِ١١٠١
فَهُنَّ يُضْرَبْنَ عَلَى التَّصْهَالِ
 
كُلُّ عَلِيلٍ فَوْقَهَا مُخْتَالِ١١٠٢
يُمْسِكُ فَاهُ خَشْيَةَ السُّعَالِ
 
مِنْ مَطْلَعِ الشَّمْسِ إِلَى الزَّوَالِ١١٠٣
فَلَمْ يَئِلْ مَا طَارَ غَيْرَ آلِ
 
وَمَا عَدَا فَانْغَلَّ فِي الْأَدْغَالِ١١٠٤
وَمَا احْتَمَى بِالْمَاءِ وَالدِّحَالِ
 
مِنَ الْحَرَامِ اللَّحْمِ وَالْحَلَالِ١١٠٥
إِنَّ النُّفُوسَ عَدَدُ الآجَالِ
 
سَقْيًا لِدَشْتِ الأرْزُنِ الطُّوَالِ١١٠٦
بَيْنَ المُرُوجِ الْفِيحِ وَالْأَغْيَالِ
 
مُجَاوِرِ الخِنْزِيرِ لِلرِّئْبَالِ١١٠٧
دَانِي الْخَنَانِيصِ مِنَ الأشْبَالِ
 
مُشْتَرِفِ الدُّبِّ عَلَى الْغَزَالِ١١٠٨
مُجْتَمِعِ الأضْدَادِ وَالْأَشْكَالِ١١٠٩
كَأنَّ فَنَّاخُسْرَ ذَا الإفْضَالِ
 
خَافَ عَلَيْهَا عَوَزَ الكَمَالِ
فَجَاءَهَا بِالْفِيلِ وَالفَيَّالِ١١١٠
فَقِيدَتِ الأُيَّلُ فِي الْحِبَالِ
 
طَوْعَ وُهُوقِ الْخَيْلِ وَالرِّجَالِ١١١١
تَسِيرُ سَيْرَ النَّعَمِ الأرْسَالِ
 
مُعْتَمَّةً بيَبِسِ الأَجْذَالِ١١١٢
وُلِدْنَ تَحْتَ أثْقَلِ الأَحْمَالِ
 
قَدْ مَنَعَتْهُنَّ مِنَ التَّفَالِي١١١٣
لا تَشْرَكُ الأجْسَامَ فِي الْهُزالِ١١١٤
 
إذا تَلَفَّتْنَ إلى الأظْلَالِ١١١٥
أَرَيْنَهُنَّ أشْنَعَ الأمْثَالِ
 
كَأنَّمَا خُلِقْنَ لِلإذْلَالِ١١١٦
زِيادَةً فِي سُبَّةَ الْجُهَّالِ١١١٧
 
وَالعُضْوُ لَيْسَ نَافِعًا فِي حَالِ
لِسَائِرِ الْجِسْمِ مِنَ الخَبَالِ١١١٨
وَأوْفَتِ الْفُدْرُ مِنَ الأوْعَالِ
 
مُرْتَدِيَاتٍ بِقِسِيِّ الضَّالِ١١١٩
نَوَاخِسَ الْأطْرَافِ لِلَاكْفَالِ
 
يَكَدْنَ يَنْفُذْنَ مِنَ الآطَالِ١١٢٠
لَهَا لِحًى سُودٌ بِلَا سِبَالِ
 
يَصْلُحْنَ لِلْإضْحَاكِ لَا الإجْلَالِ١١٢١
كُلُّ أَثِيثٍ نَبْتُهَا مُتْفَالِ
 
لَمْ تُغْذَ بالْمِسْكِ وَلَا الْغَوَالِي
تَرْضَى مِنَ الأدْهَانِ بِالْأبْوَالِ
 
وَمِنْ ذَكِيِّ المِسْكِ بِالدِّمَالِ١١٢٢
لَوْ سُرِّحَتْ فِي عَارِضَيْ مُحْتَالِ
 
لَعَدَّهَا مِنْ شَبَكَاتِ المَالِ١١٢٣
بَيْنَ قُضَاةِ السَّوْءِ وَالأطْفَالِ١١٢٤
 
شَبِيهَةِ الْإدْبَارِ بِالإقْبَالِ
لا تُؤْثِرُ الْوَجْهَ عَلَى الْقَذَالِ١١٢٥
 
فاخْتَلَفَتْ في وَابِلَيْ نِبَالِ
مِنْ أسْفَلِ الطَّوْدِ وَمِنْ مُعَالِ١١٢٦
قَدْ أوْدَعَتْهَا عَتَلُ الرِّجَالِ
 
في كُلِّ كِبْدٍ كَبِدَيْ نِصَالِ١١٢٧
فَهُنَّ يَهْوِينَ مِنَ الْقِلَالِ
 
مَقْلُوبَةَ الْأَظْلَافِ وَالْإِرْقَالِ١١٢٨
يُرْقِلْنَ في الْجَوِّ عَلَى المَحَالِ
 
فِي طُرُقٍ سَرِيعَةِ الْإِيصَالِ١١٢٩
يَنَمْنَ فِيهَا نِيمَةَ المِكْسَالِ
 
عَلَى الْقُفِيِّ أَعْجَلَ الْعِجَالِ١١٣٠
لَا يَتَشَكَّيْنَ مِنَ الْكَلَالِ
 
وَلَا يُحَاذِرْنَ مِنَ الضَّلَالِ١١٣١
فكَانَ عَنْهَا سَبَبَ التَّرْحَالِ
 
تَشْوِيقُ إِكْثَارٍ إِلَى إِقْلَالِ١١٣٢
فَوَحْشُ نَجْدٍ مِنْهُ في بَلْبَالِ
 
يَخَفْنَ فِي سَلْمَى وَفِي قِيَالِ١١٣٣
نَوَافِرَ الضِّبَابِ وَالْأَوْرَالِ
 
وَالْخَاضِبَاتِ الرُّبْدِ وَالرِّئَالِ١١٣٤
وَالظَّبْيِ وَالْخَنْسَاءِ وَالذَّيَّالِ
 
يَسْمَعْنَ مِنْ أَخْبَارِهِ الْأَزْوَالِ
مَا يَبْعَثُ الْخُرْسَ عَلَى السُّؤَالِ١١٣٥
فُحُولُهَا وَالْعُوذُ وَالْمَتَالِي
 
تَوَدُّ لَوْ يُتْحِفُهَا بِوَالِي١١٣٦
يَرْكَبُهَا بالْخُطْمِ وَالرِّحَالِ
 
يُؤْمِنُهَا مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَالِ١١٣٧
وَيَخْمُسُ الْعُشْبَ وَلَا تُبَالِي
 
وَمَاءَ كُلِّ مُسْبِلٍ هَطَّالِ١١٣٨
يَا أقْدَرَ السُّفَّارِ وَالقُفَّالِ
 
لَوْ شِئْتَ صِدْتَ الْأُسْدَ بالثَّعَالِي١١٣٩
أَوْ شِئْتَ غَرَّقْتَ الْعِدَا بِالْآلِ
 
وَلَوْ جَعَلْتَ مَوْضِعَ الْإِلَالِ
لَآلِئًا قَتَلْتَ بِاللَّآلِي١١٤٠
لَمْ يَبْقَ إِلا طَرَدُ السَّعَالِي
 
في الظُّلَمِ الْغَائِبَةِ الْهِلَالِ
عَلَى ظُهُورِ الْإِبِلِ الْأُبَّالِ
 
فَقَدْ بَلَغْتَ غَايَةَ الْآمَالِ١١٤١
فَلَمْ تَدَعْ مِنْهَا سِوَى الْمُحَالِ
 
فِي لَا مَكَانٍ عِنْدَ لَا مَنَالِ١١٤٢
يَا عَضُدَ الدَّوْلَةِ وَالْمَعَالِي
 
النَّسَبُ الْحَلْيُ وَأَنْتَ الْحَالِي
بِالْأَبِ لَا بِالشَّنْفِ وَالْخَلْخَالِ
 
حَلْيًا تَحَلَّى مِنْكَ بِالْجَمَالِ١١٤٣
وَرُبَّ قُبْحٍ وَحُلًى ثِقَالِ
 
أَحْسَنُ مِنْهَا الْحُسْنُ فِي المِعْطَالِ١١٤٤
فَخْرُ الْفَتَى بِالنَّفْسِ وَالْأفْعَالِ
 
مِنْ قَبْلِهِ بِالْعَمِّ وَالْأَخْوَالِ١١٤٥

قافية الميم

وقال يمدح سيف الدولة، وهي أول ما أنشده سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة عند نزوله أنطاكية من ظفره بحصن بَرْزُوَيْهِ، وكان جالسًا تحت فازة من الديباج١ عليها صورة ملك الروم وصور وحش وحيوان:
وَفَاؤُكُمَا كَالرَّبْعِ أَشْجَاهُ طَاسِمُهْ
 
بِأَنْ تُسْعِدَا وَالدَّمْعُ أَشْفَاهُ سَاجِمُهْ٢
وَمَا أَنَا إلَّا عَاشِقٌ كُلُّ عَاشِقٍ
 
أَعَقُّ خَلِيلَيْهِ الصَّفِيَّيْنِ لَائِمُهْ٣
وَقدْ يَتَزَيَّا بِالْهَوَى غَيْرُ أَهْلِهِ
 
ويَستَصْحِبُ الْإِنْسَانُ مَنْ لَا يُلَائِمُهْ٤
بَلِيتُ بِلَى الْأَطْلَالِ إنْ لَمْ أَقِفْ بِهَا
 
وُقُوفَ شَحِيحٍ ضَاعَ فِي التُّرْبِ خَاتِمُهْ٥
كَئِيبًا تَوَقَّانِي الْعَوَاذِلُ فِي الْهَوَى
 
كَمَا يَتَوَقَّى رَيِّضَ الْخَيْلِ حَازِمُهْ٦
قِفِي تَغْرَمِ الْأُولَى مِنَ اللَّحْظِ مُهْجَتِي
 
بِثَانِيَةٍ وَالْمُتْلِفُ الشَّيْءَ غَارِمُهْ٧
سَقَاكِ وَحَيَّانَا بِكِ اللهُ إِنَّمَا
 
عَلَى الْعِيسِ نَوْرٌ وَالْخُدُورُ كَمَائِمُهْ٨
وَمَا حَاجَةُ الْأَظْعَانِ حَوْلَكِ فِي الدُّجَى
 
إلَى قَمَرٍ مَا وَاجِدٌ لَكِ عَادِمُهْ؟٩
إذَا ظَفِرَتْ مِنْكِ الْعُيُونُ بِنَظْرَةٍ
 
أَثَابَ بِهَا مُعْيِي الْمَطِيِّ وَرَازِمُهْ١٠
حَبِيبٌ كَأَنَّ الْحُسْنَ كَانَ يُحِبُّهُ
 
فآثَرَهُ أَوْ جَارَ فِي الْحُسْنِ قَاسِمُهْ١١
تَحُولُ رِمَاحُ الْخَطِّ دُونَ سِبَائِهِ
 
وتُسْبَى لَهُ مِنْ كُلِّ حَيٍّ كَرَائِمُهْ١٢
وَيُضْحِي غُبَارُ الْخَيْلِ أَدْنَى سُتُورِهِ
 
وَآخِرُهَا نَشْرُ الْكِبَاءِ الْمُلَازِمُهْ١٣
وَمَا اسْتَغْرَبَتْ عَيْنِي فِرَاقًا رَأَيْتُهُ
 
وَلَا عَلَّمَتْنِي غَيْرَ مَا الْقَلْبُ عَالِمُهْ١٤
فَلَا يَتَّهِمْنِي الْكَاشِحُونَ فَإنَّنِي
 
رَعَيْتُ الرَّدَى حَتَّى حَلَتْ لِي عَلَاقِمُهْ١٥
مُشِبُّ الَّذِي يَبْكِي الشَّبَابَ مُشِيبُهُ
 
فكَيْفَ تَوَقِّيهِ وَبَانِيهِ هَادِمُهْ؟١٦
وَتَكْمِلَةُ الْعَيْشِ الصِّبَا وَعَقِيبُهُ
 
وَغَائِبُ لَوْنِ الْعَارِضَيْنِ وَقَادِمُهْ١٧
وما خَضَبَ النَّاسُ الْبَيَاضَ لِأَنَّهُ
 
قَبِيحٌ وَلكِنْ أَحْسَنُ الشَّعْرِ فَاحِمُهْ١٨
وَأَحْسَنُ مِنْ مَاءِ الشَّبِيبَةِ كُلِّهِ
 
حيَا بَارِقٍ فِي فَازَةٍ أَنَا شَائِمُهْ١٩
عَلَيْهَا رِياضٌ لَمْ تَحُكْهَا سَحَابَةٌ
 
وَأَغْصَانُ دَوْحٍ لَمْ تَغَنَّ حَمَائِمُهْ٢٠
وَفَوْقَ حَوَاشِي كُلِّ ثَوْبٍ مُوَجَّهٍ
 
مِنَ الدُّرِّ سِمْطٌ لَمْ يُثَقِّبْهُ نَاظِمُهْ٢١
تَرَى حَيَوَانَ البَرِّ مُصْطَلِحًا بِهَا
 
يُحَارِبُ ضِدٌّ ضِدَّهُ وَيُسَالِمُهْ٢٢
إِذَا ضَرَبَتْهُ الرِّيحُ مَاجَ كَأنَّهُ
 
تَجُولُ مَذَاكِيهِ وَتَدْأَى ضَرَاغِمُهْ٢٣
وَفِي صُورَةِ الرُّومِيِّ ذِي التَّاجِ ذِلَّةٌ
 
لِأَبْلَجَ لا تِيجَانَ إِلَّا عَمَائِمُهْ٢٤
تُقَبِّلُ أَفْوَاهُ الْمُلُوكِ بِسَاطَهُ
 
ويَكْبُرُ عَنْهَا كُمُّهُ وَبَرَاجِمُهْ٢٥
قِيَامًا لِمَنْ يَشْفِي مِنَ الدَّاءِ كَيُّهُ
 
وَمَنْ بَيْنَ أُذْنَيْ كُلِّ قَرْمٍ مَوَاسِمُهْ٢٦
قَبَائِعُهَا تَحْتَ الْمَرَافِقِ هَيْبَةً
 
وأنْفَذُ مِمَّا فِي الْجُفُونِ عَزَائِمُهْ٢٧
لَهُ عَسْكَرَا خَيْلٍ وَطَيْرٍ إذَا رَمَى
 
بِهَا عَسْكَرًا لَمْ يَبْقَ إلَّا جَمَاجِمُهْ٢٨
أَجِلَّتُها مِنْ كُلِّ طَاغٍ ثِيَابُهُ
 
وَمَوْطِئُهَا مِنْ كُلِّ بَاغٍ مَلَاغِمُهْ٢٩
فَقَدْ مَلَّ ضَوْءُ الصُّبْحِ مِمَّا تُغِيرُهُ
 
وَمَلَّ سَوَادُ اللَّيْلِ مِمَّا تُزَاحِمُهْ٣٠
وَمَلَّ الْقَنَا مِمَّا تَدُقُّ صُدُورَهُ
 
وَمَلَّ حَدِيدُ الْهِنْدِ مِمَّا تُلَاطِمُهْ٣١
سَحَابٌ مِن الْعِقْبَانِ يَزْحَفُ تَحْتَهَا
 
سَحَابٌ إِذَا اسْتَسْقَتْ سَقَتْهَا صَوَارِمُهْ٣٢
سَلَكْتُ صُرُوفَ الدَّهْرِ حَتَّى لَقِيتُهُ
 
عَلَى ظَهْرِ عَزْمٍ مُؤْيَدَاتٍ قَوَائِمُهْ٣٣
مَهَالِكَ لَمْ تَصْحَبْ بِهَا الذِّئْبَ نَفْسُهُ
 
وَلَا حَمَلَتْ فِيهَا الْغُرَابَ قَوَادِمُهْ٣٤
فَأَبْصَرْتُ بَدْرًا لا يَرَى الْبَدْرُ مِثْلَهُ
 
وَخَاطَبْتُ بَحْرًا لَا يَرَى الْعِبْرَ عَائِمُهْ٣٥
غَضِبْتُ لَهُ لَمَّا رَأيْتُ صِفَاتِهِ
 
بِلَا وَاصِفٍ وَالشِّعْرُ تَهْذِي طَمَاطِمُهْ٣٦
وَكُنْتُ إِذَا يَمَّمْتُ أَرْضًا بَعِيدَةً
 
سَرَيْتُ وَكُنْتُ السِّرَّ وَاللَّيْلُ كَاتِمُهْ٣٧
لَقَدْ سَلَّ سَيْفَ الدَّوْلَةِ الْمَجْدُ مُعْلِمًا
 
فَلَا الْمَجْدُ مُخْفِيهِ وَلَا الضَّرْبُ ثَالِمُهْ٣٨
عَلَى عاتِقِ الْمَلْكِ الْأَغَرِّ نِجَادُهُ
 
وَفِي يَدِ جَبَّارِ السَّمَوَاتِ قَائِمُهْ٣٩
تُحَارِبُهُ الْأَعْدَاءُ وَهْيَ عَبِيدُهُ
 
وتَدَّخِرُ الْأَمْوَالَ وَهْيَ غَنَائِمُهْ٤٠
وَيَسْتَكْبِرُونَ الدَّهْرَ وَالدَّهْرُ دُونَهُ
 
وَيَسْتَعْظِمُونَ الْمَوْتَ والْمَوْتُ خَادِمُهْ٤١
وَإِنَّ الَّذِي سَمَّى عَلِيًّا لَمُنْصِفٌ
 
وَإِنَّ الَّذِي سَمَّاهُ سَيْفًا لَظَالِمُهْ
وَمَا كُلُّ سَيْفٍ يَقْطَعُ الْهَامَ حَدُّهُ
 
وتَقْطَعُ لَزْبَاتِ الزَّمَانِ مَكَارِمُهْ٤٢

وقال يمدحه، وقد عزم على الرحيل عن أنطاكية:

أيْنَ أزْمَعْتَ أيُّهَذَا الْهُمَامُ؟
 
نَحْنُ نَبْتُ الرُّبَا وَأَنتَ الْغَمَامُ٤٣
نَحْنُ مَنْ ضَايَقَ الزَّمَانُ لَهُ فِيـ
 
ـكَ وَخَانَتْهُ قُرْبَكَ الْأيَّامُ٤٤
في سَبِيلِ الْعُلَا قِتَالُكَ وَالسِّلـْ
 
ـمُ وَهذَا المُقَامُ وَالإجْذَامُ٤٥
لَيْتَ أَنَّا إِذَا ارْتَحَلْتَ لَكَ الْخَيـْ
 
ـلُ وَأَنَّا إذَا نَزَلْتَ الْخِيَامُ٤٦
كُلَّ يَوْمٍ لَكَ احْتِمَالٌ جَدِيدُ
 
وَمَسِيرٌ لِلْمَجْدِ فِيهِ مُقَامُ٤٧
وَإِذَا كَانَتِ النُّفُوسُ كِبَارًا
 
تَعِبَتْ فِي مُرَادِهَا الْأَجْسَامُ٤٨
وَكَذَا تَطْلُعُ الْبُدُورُ عَلَيْنَا
 
وَكَذَا تَقْلَقُ الْبُحُورُ الْعِظَامُ٤٩
وَلَنَا عَادَةُ الْجَمِيلِ مِنَ الصَّبـْ
 
ـرِ لَوَ انَّا سِوَى نَوَاكَ نُسَامُ٥٠
كُلُّ عَيْشٍ مَا لَمْ تُطِبْهُ حِمَامٌ
 
كُلُّ شَمْسٍ مَا لَمْ تَكُنْهَا ظَلَامُ٥١
أَزِلِ الْوَحْشَةَ الَّتِي عِنْدَنَا يَا
 
مَنْ بِهِ يَأْنَسُ الْخَمِيسُ اللُّهَامُ٥٢
وَالَّذِي يَشْهَدُ الْوَغَى سَاكِنَ الْقَلـْ
 
ـبِ كَأَنَّ الْقِتَالَ فِيهَا ذِمَامُ٥٣
وَالَّذِي يَضْرِبُ الْكَتَائِبَ حَتَّى
 
تَتَلَاقَى الْفِهَاقُ والْأَقْدَامُ٥٤
وَإذَا حَلَّ سَاعَةً بِمَكَانٍ
 
فَأَذَاهُ عَلَى الزَّمَانِ حَرَامُ٥٥
وَالَّذِي تُنْبِتُ الْبِلَادُ سُرُورٌ
 
وَالَّذِي تَمْطُرُ السَّحَابُ مُدَامُ٥٦
كُلَّما قِيلَ: قَدْ تَنَاهَى أَرَانَا
 
كَرَمًا مَا اهْتَدَتْ إلَيْهِ الْكِرَامُ٥٧
وَكِفَاحًا تَكِعُّ عَنْهُ الْأَعَادِي
 
وَارْتِيَاحًا يَحَارُ فِيهِ الْأَنَامُ٥٨
إِنَّمَا هَيْبَةُ المُؤَمَّلِ سَيْفِ الدَّ
 
وْلَةِ الْمَلْكِ في الْقُلوبِ حُسَامُ٥٩
فَكَثِيرٌ مِنَ الشُّجَاعِ التَّوَقِّي
 
وَكَثِيرٌ مِنَ الْبَلِيغِ السَّلَامُ٦٠

وقال يمدحه أيضًا:

أنَا مِنكَ بَيْنَ فَضَائِلٍ وَمَكَارِمِ
 
وَمِنِ ارْتِيَاحِكَ فِي غَمَامٍ دَائِمِ٦١
وَمِنِ احْتِقَارِكَ كُلَّ مَا تَحْبُو بِهِ
 
فِيمَا أُلَاحِظُهُ بِعَيْنَيْ حَالِمِ٦٢
إنَّ الْخَلِيفَةَ لَمْ يُسَمِّكَ سَيْفَهَا
 
حَتَّى بَلَاكَ فَكُنْتَ عَيْنَ الصَّارِمِ٦٣
فَإِذَا تَتَوَّجَ كُنْتَ دُرَّةَ تَاجِهِ
 
وَإِذَا تَخَتَّمَ كُنْتَ فَصَّ الْخَاتِمِ٦٤
وَإِذَا انْتَضَاكَ عَلَى الْعِدَى فِي مَعْرَكٍ
 
هَلَكُوا وَضَاقَتْ كَفُّهُ بِالْقَائِمِ٦٥
أَبْدَى سَخَاؤُكَ عَجْزَ كُلِّ مُشَمِّرٍ
 
فِي وَصْفِهِ وَأَضَاقَ ذَرْعَ الْكَاتِمِ٦٦

وقال يمدحه، وكان سيف الدولة قد أمر غلمانه أن يلبسوا، وقصد ميَّافارقين في خمسة آلاف من الجند وألفين من غلمانه، ليزور قبر والدته، وذلك سنة ثمانٍ وثلاثين وثلاثمائة:

إِذَا كَانَ مَدْحٌ فَالنَّسِيبُ الْمُقَدَّمُ
 
أَكُلُّ فَصِيحٍ قَالَ شِعْرًا مُتَيَّمُ٦٧
لَحُبُّ ابْنِ عَبْدِ اللهِ أَوْلَى فَإنَّهُ
 
بِهِ يُبْدَأُ الذِّكْرُ الْجَمِيلُ وَيُخْتَمُ٦٨
أَطَعْتُ الْغَوَانِي قَبْلَ مَطْمَحِ نَاظِرِي
 
إِلَى مَنْظَرٍ يَصْغُرْنَ عَنْهُ وَيَعْظُمُ٦٩
تَعَرَّضَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ الدَّهْرَ كُلَّهُ
 
يُطَبِّقُ فِي أَوْصَالِهِ وَيُصَمِّمُ٧٠
فَجَازَ لَهُ حَتَّى عَلَى الشَّمْسِ حُكْمُهُ
 
وَبَانَ لَهُ حَتَّى عَلَى الْبَدْرِ مَيْسَمُ٧١
كَأَنَّ الْعِدَا في أَرْضِهِمْ خُلَفَاؤُهُ
 
فَإنْ شَاءَ حَازُوهَا وَإنْ شَاءَ سَلَّمُوا٧٢
وَلَا كُتْبَ إلَّا الْمَشْرَفِيَّةُ عِنْدَهُ
 
وَلَا رُسُلٌ إِلَّا الْخَمِيسُ الْعَرَمْرَمُ٧٣
فَلَمْ يَخْلُ مِنْ نَصْرٍ لَهُ مَنْ لَهُ يَدٌ
 
وَلَمْ يَخْلُ مِنْ شُكْرٍ لَهُ مَنْ لَهُ فَمُ٧٤
وَلَمْ يَخْلُ مِنْ أَسْمَائِهِ عُودُ مِنْبَرٍ
 
وَلَمْ يَخْلُ دِينَارٌ وَلَمْ يَخْلُ دِرْهَمُ٧٥
ضَرُوبٌ وَمَا بَيْنَ الْحُسَامَيْنِ ضَيِّقٌ
 
بَصِيرٌ وَمَا بَيْنَ الشُّجَاعَيْنِ مُظْلِمُ٧٦
تُبَارِي نُجُومَ الْقَذْفِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ
 
نُجُومٌ لَهُ مِنْهُنَّ وَرْدٌ وَأدْهَمُ٧٧
يَطَأْنَ مِنَ الْأَبْطَالِ مَنْ لَا حَمَلْنَهُ
 
وَمِنْ قِصَدِ الْمرَّانِ مَا لَا يُقَوَّمُ٧٨
فَهُنَّ مَعَ السِّيدَانِ فِي الْبَرِّ عُسَّلٌ
 
وَهُنَّ مَعَ النِّينَانِ فِي الْمَاءِ عُوَّمُ٧٩
وَهُنَّ مَعَ الْغِزْلَانِ فِي الْوَادِ كُمَّنٌ
 
وَهُنَّ مَعَ الْعِقْبَانِ فِي النِّيقِ حُوَّمُ٨٠
إِذَا جَلَبَ النَّاسُ الْوَشِيجَ فَإِنَّهُ
 
بِهِنَّ وَفي لَبَّاتِهِنَّ يُحَطَّمُ٨١
بِغُرَّتِهِ فِي الْحَرْبِ وَالسِّلْمِ والْحِجَا
 
وَبَذْلِ اللُّهَا وَالْحَمْدِ وَالْمَجْدِ مُعْلَمُ٨٢
يُقِرُّ لَهُ بِالْفَضْلِ مَنْ لَا يَوَدُّهُ
 
وَيَقْضِي لَهُ بِالسَّعْدِ مَنْ لَا يُنَجِّمُ٨٣
أَجَارَ عَلَى الْأَيَّامِ حَتَّى ظَنَنْتُهُ
 
تُطَالِبُهُ بِالرَّدِّ عَادٌ وَجُرْهُمُ٨٤
ضَلَالًا لِهَذِي الرِّيحِ! مَاذَا تُرِيدُهُ؟
 
وَهَدْيًا لِهَذَا السَّيْلِ! مَاذَا يُؤَمِّمُ؟٨٥
أَلَمْ يَسْأَلِ الْوَبْلُ الَّذِي رَامَ ثَنْيَنَا
 
فَيُخْبِرَهُ عَنْكَ الْحَدِيدُ الْمُثَلَّمُ٨٦
وَلَمَّا تَلَقَّاكَ السَّحَابُ بِصَوْبِهِ
 
تَلَقَّاهُ أعْلَى مِنْهُ كَعْبًا وَأكْرَمُ٨٧
فَبَاشَرَ وَجْهًا طَالَمَا بَاشَرَ الْقَنَا
 
وَبَلَّ ثِيَابًا طَالَمَا بَلَّهَا الدَّمُ٨٨
تَلَاكَ وَبَعْضُ الْغَيْثِ يَتْبَعُ بَعْضَهُ
 
مِنَ الشَّأْمِ يَتْلُو الْحَاذِقَ الْمُتَعَلِّمُ٨٩
فَزَارَ الَّتِي زَارَتْ بِكَ الْخَيْلُ قَبْرَهَا
 
وَجَشَّمَهُ الشَّوْقُ الَّذِي تَتَجَشَّمُ٩٠
وَلَمَّا عَرَضْتَ الْجَيْشَ كَانَ بَهَاؤُهُ
 
عَلَى الْفَارِسِ الْمُرْخِي الذُّؤَابَةَ مِنْهُمُ٩١
حَوَالَيْهِ بَحْرٌ لِلتَّجَافِيفِ مَائِجٌ
 
يَسِيرُ بِهِ طَرْدٌ مِنَ الْخَيْلِ أَيْهَمُ٩٢
تَسَاوَتْ بِهِ الْأَقْطَارُ حَتَّى كَأَنَّهُ
 
يُجَمِّعُ أَشْتَاتَ الْجِبَالِ وَيَنْظِمُ٩٣
وَكُلُّ فَتًى لِلْحَرْبِ فَوْقَ جَبِينِهِ
 
مِنَ الضَّرْبِ سَطْرٌ بِالْأَسِنَّةِ مُعْجَمُ٩٤
يَمُدُّ يَدَيْهِ فِي الْمُفَاضَةِ ضَيْغَمٌ
 
وَعَيْنَيْهِ مِنْ تَحْتِ التِّرِيكَةِ أَرْقَمُ٩٥
كَأَجْنَاسِهَا رَايَاتُهَا وَشِعَارُهَا
 
وَمَا لَبِسَتْهُ وَالسِّلَاحُ الْمُسَمَّمُ٩٦
وَأَدَّبَهَا طُولُ الْقِتَالِ فَطَرْفُهُ
 
يُشِيرُ إلَيْهَا مِنْ بَعيدٍ فَتَفْهَمُ٩٧
تُجَاوِبُهُ فِعْلًا وَمَا تَعْرِفُ الْوَحَى
 
وَيُسْمِعُها لَحْظًا وَمَا يَتَكَلَّمُ٩٨
تَجَانَفُ عَنْ ذَاتِ الْيَمِينِ كَأَنَّهَا
 
تَرِقُّ لِمَيَّافَارِقِينَ وَتَرْحَمُ٩٩
وَلَوْ زَحَمَتْهَا بِالْمَنَاكِبِ زَحْمَةً
 
دَرَتْ أَيُّ سُورَيْهَا الضَّعِيفُ الْمُهَدَّمُ؟١٠٠
عَلَى كُلِّ طَاوٍ تَحْتَ طَاوٍ كَأَنَّهُ
 
مِنَ الدَّمِ يُسْقَى أَوْ مِنَ اللَّحْمِ يُطْعَمُ١٠١
لَهَا فِي الْوَغَى زِيُّ الْفَوَارِسِ فَوْقَهَا
 
فكُلُّ حِصَانٍ دَارِعٌ مُتَلَثِّمُ١٠٢
وَمَا ذَاكَ بُخْلًا بِالنُّفُوسِ عَلَى الْقَنَا
 
وَلَكِنَّ صَدْمَ الشَّرِّ بِالشَّرِّ أَحْزَمُ١٠٣
أتَحْسِبُ بِيضُ الْهِنْدِ أَصْلَكَ أَصلَهَا
 
وَأنَّكَ مِنْهَا؟ سَاءَ مَا تَتَوَهَّمُ١٠٤
إِذَا نَحْنُ سَمَّيْنَاكَ خِلْنَا سُيُوفَنَا
 
مِنَ التِّيهِ فِي أَغْمَادِهَا تَتَبَسَّمُ١٠٥
وَلَمْ نَرَ مَلْكًا قَطُّ يُدْعَى بِدُونِهِ
 
فيَرْضَى وَلَكِنْ يَجْهَلُونَ وَتَحْلُمُ١٠٦
أَخَذْتَ عَلَى الْأَعْدَاءِ كُلَّ ثَنِيَّةٍ
 
مِنَ الْعَيْشِ تُعْطِي مَنْ تَشَاءُ وَتَحْرِمُ١٠٧
فَلَا مَوْتَ إلَّا مِنْ سِنَانِكَ يُتَّقَى
 
وَلَا رِزْقَ إلَّا مِنْ يَمِينِكَ يُقْسَمُ١٠٨

وقال يعاتب سيف الدولة — وأنشدها في محفل من العرب — وكان سيف الدولة إذا تأخر عنه مدحُه شق عليه وأحضر من لا خير فيه، وتقدم إليه بالتعرض له في مجلسه بما لا يحب، وأكثر عليه مرة بعد مرة، فقال يعاتبه:

وَا حَرَّ قَلْبَاهُ مِمَّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ
 
وَمَنْ بِجِسْمِي وَحَالِي عِنْدَهُ سَقَمُ١٠٩
مَا لِي أُكَتِّمُ حُبًّا قَدْ بَرَى جَسَدِي
 
وَتَدَّعِي حُبَّ سَيْفِ الدَّوْلَةِ الْأُمَمُ١١٠
إِنْ كَانَ يَجْمَعُنَا حُبٌّ لِغُرَّتِهِ
 
فَلَيْتَ أَنَّا بِقَدْرِ الْحُبِّ نَقْتَسِمُ١١١
قَدْ زُرْتُهُ وَسُيُوفُ الْهِنْدِ مُغْمَدَةٌ
 
وَقَدْ نَظَرْتُ إلَيْهِ وَالسُّيُوفُ دَمُ١١٢
فَكَانَ أَحْسَنَ خَلْقِ اللهِ كُلِّهِمِ
 
وَكَانَ أَحْسَنَ مَا فِي الْأَحْسَنِ الشِّيَمُ١١٣
فَوْتُ الْعَدُوِّ الَّذِي يَمَّمْتَهُ ظَفَرٌ
 
فِي طَيِّهِ أَسَفٌ فِي طَيِّهِ نِعَمُ١١٤
قَدْ نَابَ عَنْكَ شَدِيدُ الْخَوْفِ وَاصْطَنَعَتْ
 
لَكَ الْمَهَابَةُ مَا لَا تَصْنَعُ الْبُهَمُ١١٥
أَلْزَمْتَ نَفْسَكَ شَيْئًا لَيْسَ يَلْزَمُهَا
 
أَنْ لَا يُوَارِيَهُمْ أَرْضٌ وَلَا عَلَمُ١١٦
أَكُلَّمَا رُمْتَ جَيْشًا فانْثَنَى هَرَبًا
 
تَصَرَّفَتْ بِكَ فِي آثَارِهِ الْهِمَمُ؟!١١٧
عَلَيْكَ هَزْمُهُمُ فِي كُلِّ مُعْتَرَكٍ
 
وَمَا عَلَيْكَ بِهِمْ عَارٌ إِذَا انْهَزَمُوا١١٨
أَمَا تَرَى ظَفَرًا حُلْوًا سِوَى ظَفَرٍ
 
تَصَافَحَتْ فِيهِ بِيضُ الْهِنْدِ وَاللَّمَمُ١١٩
يَا أَعْدَلَ النَّاسِ إلَّا فِي مُعَامَلَتِي
 
فِيكَ الْخِصَامُ وَأَنْتَ الْخَصْمُ وَالْحَكَمُ١٢٠
أُعِيذُهَا نَظَرَاتٍ مِنْكَ صَادِقَةً
 
أَنْ تَحْسِبَ الشَّحْمَ فِيمَنْ شَحْمُهُ وَرَمُ١٢١
وَمَا انْتِفَاعُ أَخِي الدُّنْيَا بِنَاظِرِهِ
 
إِذَا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الْأَنْوَارُ وَالظُّلَمُ١٢٢
أَنَا الَّذِي نَظَرَ الْأَعْمَى إِلَى أَدَبِي
 
وَأَسْمَعَتْ كَلِمَاتِي مَنْ بِهِ صَمَمُ١٢٣
أَنَامُ مِلْءَ جُفُونِي عَنْ شَوَارِدِهَا
 
وَيَسْهَرُ الْخَلْقُ جَرَّاهَا وَيَخْتَصِمُ١٢٤
وَجَاهِلٍ مَدَّهُ فِي جَهْلِهِ ضَحِكِي
 
حَتى أَتَتْهُ يَدٌ فَرَّاسَةٌ وَفَمُ١٢٥
إِذَا نَظَرْتَ نُيُوبَ اللَّيْثِ بَارِزَةً
 
فَلَا تَظُنُّنَّ أَنَّ اللَّيْثَ مُبْتَسِمُ١٢٦
وَمُهْجَةٍ مُهْجَتِي مِنْ هَمِّ صَاحِبِهَا
 
أَدْرَكْتُهَا بِجَوَادٍ ظَهْرُهُ حَرَمُ١٢٧
رِجْلَاهُ فِي الرَّكْضِ رِجْلٌ وَالْيَدَانِ يَدٌ
 
وَفِعْلُهُ مَا تُرِيدُ الْكَفُّ وَالقَدَمُ١٢٨
وَمُرْهَفٍ سِرْتُ بَيْنَ الْجَحْفَلَيْنِ بِهِ
 
حَتَّى ضَرَبْتُ وَمَوْجُ الْمَوْتِ يَلْتَطِمُ١٢٩
فَالْخَيْلُ وَاللَّيْلُ وَالْبَيْدَاءُ تَعْرِفُنِي
 
وَالسَّيْفُ وَالرُّمْحُ وَالْقِرْطَاسُ وَالْقَلَمُ١٣٠
صَحِبْتُ فِي الفَلَوَاتِ الْوَحْشَ مُنفَرِدًا
 
حَتَّى تَعَجَّبَ مِنِّي الْقُورُ وَالْأَكَمُ١٣١
يَا مَنْ يَعِزُّ عَلَيْنَا أَنْ نُفَارِقَهُمْ
 
وِجْدَانُنَا كُلَّ شَيْءٍ بَعْدَكُمْ عَدَمُ١٣٢
مَا كَانَ أَخْلَقَنَا مِنْكُمْ بِتَكْرِمَةٍ
 
لَوْ أَنَّ أَمْرَكُمُ مِنْ أَمْرِنَا أَمَمُ!١٣٣
إِنْ كَانَ سَرَّكُمُ مَا قَالَ حَاسِدُنَا
 
فَمَا لِجُرْحٍ إِذَا أَرْضَاكُمُ أَلَمُ١٣٤
وَبَيْنَنَا — لَوْ رَعَيْتُمْ ذَاكَ — مَعْرِفَةٌ
 
إِنَّ الْمَعَارِفَ فِي أَهْلِ النُّهَى ذِمَمُ١٣٥
كَمْ تَطْلُبُونَ لَنَا عَيْبًا فيُعْجِزُكمْ!
 
وَيَكْرَهُ اللهُ مَا تَأْتُونَ وَالكَرَمُ١٣٦
مَا أَبْعَدَ الْعَيْبَ وَالنُّقْصَانَ عَنْ شَرَفِي!
 
أَنَا الثُّرَيَّا وَذَانِ الشَّيْبُ وَالْهَرَمُ١٣٧
لَيْتَ الْغَمَامَ الَّذِي عِنْدِي صَوَاعِقُهُ
 
يُزيلُهُنَّ إِلَى مَنْ عِنْدَهُ الدِّيَمُ!١٣٨
أَرَى النَّوَى تَقتَضِيني كلَّ مَرْحَلَة
 
لَا تَسْتَقِلُّ بِهَا الْوَخَّادَةُ الرُّسُمُ١٣٩
لَئِنْ تَرَكْنَ ضُمَيْرًا عَنْ مَيامِنِنَا
 
لَيَحْدُثَنَّ لِمَنْ وَدَّعْتُهُمْ نَدَمُ١٤٠
إذَا تَرَحَّلْتَ عَنْ قَوْمٍ وَقَدْ قَدَرُوا
 
أَنْ لَا تُفارِقَهُمْ فالرَّاحِلُونَ هُمُ١٤١
شَرُّ الْبِلَادِ مَكَانٌ لَا صَدِيقَ بِهِ
 
وَشَرُّ مَا يَكسِبُ الْإِنْسَانُ مَا يَصِمُ١٤٢
وَشَرُّ مَا قَنَصَتْهُ رَاحَتِي قَنَصٌ
 
شُهْبُ البُزَاةِ سَوَاءٌ فِيهِ والرَّخَمُ١٤٣
بِأَيِّ لَفْظٍ تَقُولُ الشِّعْرَ زِعْنِفَةٌ
 
تَجُوزُ عِنْدَكَ لَا عُرْبٌ وَلَا عَجَمُ؟١٤٤
هَذَا عِتَابُكَ إلَّا أَنَّهُ مِقَةٌ
 
قَدْ ضُمِّنَ الدُّرَّ إلَّا أَنَّهُ كَلِمُ١٤٥

وقال وقد عوفي سيف الدولة مما كان به:

الْمَجْدُ عُوفِيَ إِذْ عُوفِيتَ وَالْكَرَمُ
 
وَزَالَ عَنْكَ إِلَى أَعْدَائِكَ الْألَمُ١٤٦
صَحَّتْ بِصِحَّتِكَ الْغَارَاتُ وَابْتَهَجَتْ
 
بِهَا الْمَكَارِمُ وَانْهَلَّتْ بِهَا الدِّيَمُ١٤٧
وَرَاجَعَ الشَّمْسَ نُورٌ كَانَ فَارَقَهَا
 
كَأَنَّمَا فَقْدُهُ فِي جِسْمِهَا سَقَمُ١٤٨
وَلَاحَ بَرْقُكَ لِي مِنْ عَارِضَيْ مَلِكٍ
 
مَا يَسْقُطُ الْغَيْثُ إِلَّا حَيْثُ يَبْتَسِمُ١٤٩
يُسْمَى الْحُسَامَ ولَيْسَتْ مِنْ مُشَابَهَةٍ
 
وَكَيْفَ يَشْتَبِهُ الْمَخْدُومُ وَالْخَدَمُ؟١٥٠
تَفَرَّدَ الْعُرْبُ فِي الدُّنْيَا بِمَحْتِدِهِ
 
وَشَارَكَ الْعُرْبَ فِي إِحْسَانِهِ الْعَجَمُ١٥١
وَأَخْلَصَ اللهُ لِلْإِسْلَامِ نُصْرَتَهُ
 
وَإنْ تَقَلَّبَ فِي آلَائِهِ الْأُمَمُ١٥٢
وَمَا أَخُصُّكَ فِي بُرْءٍ بتَهْنِئَةٍ
 
إِذَا سَلِمْتَ فكُلُّ النَّاسِ قَدْ سَلِمُوا١٥٣
وأنفذ شاعر إلى سيف الدولة أبياتًا فيها يشكو الفقر، ويذكر أنه رآها في المنام، فقال أبو الطيب:١٥٤
قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْتَ فِي الْأَحْلَامِ
 
وَأَنَلْنَاكَ بَدْرَةً فِي الْمَنَامِ١٥٥
وَانْتَبَهْنَا كَمَا انْتَبَهْتَ بِلَا شَيْ
 
ءٍ وَكَانَ النَّوَالُ قَدْرَ الْكَلَامِ١٥٦
كُنْتَ فِيمَا كَتَبْتَهُ نَائِمَ الْعَيـْ
 
ـنِ فَهَلْ كُنْتَ نَائِمَ الْأَقْلَامِ؟١٥٧
أَيُّهَا الْمُشْتَكِي إِذَا رَقَدَ الْإِعـْ
 
ـدَامَ لَا رَقْدَةٌ مَعَ الْإِعْدَامِ١٥٨
افْتَحِ الْجَفْنَ وَاتْرُكِ الْقَوْلَ فِي النَّوْ
 
مِ وَمَيِّزْ خِطَابَ سَيْفِ الْأَنَامِ١٥٩
الَّذِي لَيْسَ عَنْهُ مُغْنٍ وَلَا مِنـْ
 
ـهُ بَدِيلٌ وَلَا لِمَا رَامَ حَامِي١٦٠
كُلُّ آبَائِهِ كِرَامُ بَنِي الدُّنـْ
 
ـيَا وَلكنَّهُ كَرِيمُ الْكِرَامِ١٦١
وقال يمدحه ويذكر بناءه ثغر الحدث سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة:١٦٢
عَلَى قَدْرِ أَهْلِ الْعَزْمِ تَأْتِي الْعَزَائِمُ
 
وَتَأْتِي عَلَى قَدْرِ الْكِرَامِ الْمَكَارِمُ١٦٣
وَتَعْظُمُ فِي عَيْنِ الصَّغِيرِ صِغَارُهَا
 
وَتَصْغُرُ فِي عَيْنِ الْعَظِيمِ الْعَظَائِمُ١٦٤
يُكَلِّفُ سَيْفُ الدَّوْلَةِ الْجَيْشَ هَمَّهُ
 
وَقَدْ عَجَزَتْ عَنْهُ الْجُيُوشُ الْخَضَارِم١٦٥
وَيَطْلُبُ عِنْدَ النَّاسِ مَا عِنْدَ نَفْسِهِ
 
وَذَلِكَ مَا لَا تَدَّعِيهِ الضَّرَاغِمُ١٦٦
يُفدِّي أَتَمُّ الطَّيْرِ عُمْرًا سِلَاحَهُ
 
نُسُورُ الْمَلَا أَحْدَاثُهَا وَالْقَشَاعِمُ١٦٧
وَمَا ضَرَّهَا خَلْقٌ بِغَيْرِ مَخَالِبٍ
 
وَقَدْ خُلِقَتْ أَسْيَافُهُ وَالْقَوَائِمُ١٦٨
هَلِ الْحَدَثُ الْحَمْرَاءُ تَعْرِفُ لَوْنَهَا
 
وَتَعْلَمُ أَيُّ السَّاقِيَيْنِ الْغَمَائِمُ؟١٦٩
سَقَتْهَا الْغَمَامُ الْغُرُّ قَبْلَ نُزُولِهِ
 
فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا سَقَتْهَا الْجَمَاجِمُ١٧٠
بَنَاهَا فَأَعْلَى وَالْقَنَا تَقْرَعُ الْقَنَا
 
وَمَوْجُ الْمَنَايَا حَوْلَهَا مُتَلَاطِمُ١٧١
وَكَانَ بِهَا مِثْلُ الْجُنُونِ فَأَصْبَحَتْ
 
وَمِنْ جُثَثِ الْقَتْلَى عَلَيْهَا تَمَائِمُ١٧٢
طَرِيدَةُ دَهْرٍ سَاقَهَا فَرَدَدْتَهَا
 
عَلَى الدِّينِ بِالْخَطِّيِّ وَالدَّهْرُ رَاغِمُ١٧٣
تُفِيتُ اللَّيَالِي كُلَّ شَيْءٍ أخَذْتَهُ
 
وَهُنَّ لِمَا يَأْخُذْنَ مِنْكَ غَوَارِمُ١٧٤
إِذَا كَانَ مَا تَنْوِيهِ فِعْلًا مُضَارِعًا
 
مَضَى قَبْلَ أَنْ تُلْقَى عَلَيْهِ الْجَوَازِمُ١٧٥
وَكَيْفَ تُرَجِّي الرُّومُ وَالرُّوسُ هَدْمَهَا
 
وَذَا الطَّعْنُ آسَاسٌ لَهَا وَدَعَائِمُ؟!١٧٦
وَقَدْ حَاكَمُوهَا وَالْمَنَايَا حَوَاكِمٌ
 
فَمَا مَاتَ مَظْلُومٌ وَلَا عَاشَ ظَالِمُ١٧٧
أَتَوْكَ يَجُرُّونَ الْحَدِيدَ كَأنَّهُمْ
 
سَرَوْا بِجِيَادٍ مَا لَهُنَّ قَوَائِمُ١٧٨
إِذَا بَرَقُوا لَمْ تُعْرَفِ الْبِيضُ مِنْهُمُ
 
ثِيَابُهُمُ مِنْ مِثْلِها وَالْعَمَائِمُ١٧٩
خَمِيسٌ بِشَرْقِ الْأَرْضِ وَالْغَرْبِ زَحْفُهُ
 
وَفِي أُذُنِ الْجَوْزَاءِ مِنْهُ زَمَازِمُ١٨٠
تَجَمَّعَ فِيهِ كُلُّ لِسْنٍ وَأُمَّةٍ
 
فَمَا تُفْهِمُ الْحُدَّاثَ إلَّا التَّرَاجِمُ١٨١
فَلِلَّهِ وَقْتٌ ذَوَّبَ الْغِشَّ نَارُهُ
 
فَلَمْ يَبْقَ إلَّا صَارِمٌ أَوْ ضُبَارِمُ١٨٢
تَقَطَّعَ مَا لَا يَقْطَعُ الدِّرْعَ وَالْقَنَا
 
وَفَرَّ مِنَ الْأَبْطَالِ مَنْ لَا يُصَادِمُ١٨٣
وَقَفْتَ وَمَا فِي الْمَوْتِ شَكٌّ لِوَاقِفٍ
 
كَأَنَّكَ فِي جَفْنِ الرَّدَى وَهْوَ نَائِمُ١٨٤
تَمُرُّ بِكَ الْأبْطَالُ كَلْمَى هَزِيمَةً
 
وَوَجْهُكَ وَضَّاحٌ وَثَغْرُكَ بَاسِمُ١٨٥
تَجَاوَزْتَ مِقْدَارَ الشَّجَاعَةِ وَالنُّهَى
 
إِلَى قَوْلِ قَوْمٍ: أَنْتَ بِالْغَيْبِ عَالِمُ١٨٦
ضَمَمْتَ جَنَاحَيْهِمْ عَلَى الْقَلْبِ ضَمَّةً
 
تَمُوتُ الْخَوَافِي تَحْتَهَا وَالْقَوَادِمُ١٨٧
بِضَرْبٍ أَتَى الْهَامَاتِ وَالنَّصْرُ غَائِبٌ
 
وَصَارَ إِلَى اللَّبَاتِ وَالنَّصْرُ قَادِمُ١٨٨
حَقَرْتَ الرُّدَيْنِيَّاتِ حَتَّى طَرَحْتَهَا
 
وَحَتَّى كَأنَّ السَّيْفَ لِلرُّمْحِ شَاتِمُ١٨٩
وَمَنْ طَلَبَ الْفَتْحَ الْجَلِيلَ فَإِنَّمَا
 
مَفَاتِيحُهُ الْبِيضُ الْخِفَافُ الصَّوَارِمُ١٩٠
نَثَرْتَهُمُ فَوْقَ الْأُحَيْدِبِ كُلِّهِ
 
كَمَا نُثِرَتْ فَوْقَ الْعَرُوسِ الدَّرَاهِمُ١٩١
تَدُوسُ بِكَ الْخَيلُ الْوُكُورَ عَلَى الذُّرَا
 
وَقَدْ كَثُرَتْ حَوْلَ الْوُكُورِ الْمَطَاعِمُ١٩٢
تَظُنُّ فِرَاخُ الْفُتْخِ أنَّكَ زُرْتَهَا
 
بِأُمَّاتِهَا وَهْيَ الْعِتَاقُ الصَّلَادِمُ١٩٣
إِذَا زَلِفَتْ مَشَّيْتَهَا بِبُطُونِهَا
 
كَمَا تَتَمَشَّى فِي الصَّعِيدِ الْأَرَاقِمُ١٩٤
أَفِي كُلِّ يَوْمٍ ذَا الدُّمُسْتُقُ مُقْدِمٌ
 
قَفَاهُ عَلَى الْإقْدَامِ لِلْوَجْهِ لَائِمُ١٩٥
أَيُنْكِرُ رِيحَ اللَّيْثِ حَتَّى يَذُوقَهُ
 
وَقَدْ عَرَفَتْ رِيْحَ اللُّيُوثِ الْبَهَائِمُ؟!١٩٦
وَقَدْ فَجَعَتْهُ بِابْنِهِ وَابْنِ صِهْرِهِ
 
وَبِالصِّهْرِ حَمْلَاتُ الْأَمِيرِ الْغَوَاشِمُ١٩٧
مَضَى يَشْكُرُ الْأَصْحَابَ فِي فَوْتِهِ الظُّبَا
 
بِما شَغَلَتْهَا هَامُهُمْ وَالْمَعَاصِمُ١٩٨
وَيَفْهَمُ صَوْتَ الْمَشْرَفِيَّةِ فِيهِمِ
 
عَلَى أَنَّ أَصْوَاتَ السُّيُوفِ أَعَاجِمُ١٩٩
يُسَرُّ بِمَا أَعْطَاكَ لَا عَنْ جَهَالَةٍ
 
وَلكِنَّ مَغْنُومًا نَجَا مِنْكَ غَانِمُ٢٠٠
وَلَسْتَ مَلِيكًا هَازِمًا لِنَظِيرِهِ
 
وَلَكِنَّكَ التَّوْحِيدُ لِلشِّرْكِ هَازِمُ٢٠١
تَشَرَّفُ عَدْنَانٌ بِهِ لَا رَبِيعَةٌ
 
وَتَفْتَخِرُ الدُّنْيَا بِهِ لَا الْعَوَاصِمُ٢٠٢
لَكَ الْحَمْدُ فِي الدُّرِّ الَّذِي لِيَ لَفْظُهُ
 
فَإِنَّكَ مُعْطِيهِ وَإنِّيَ نَاظِمُ٢٠٣
وَإِنِّي لَتَعْدُو بِي عَطَايَاكَ فِي الْوَغَى
 
فَلَا أَنَا مَذْمُومٌ وَلَا أَنْتَ نَادِمُ٢٠٤
عَلَى كُلِّ طَيَّارٍ إِلَيْهَا بِرِجْلِهِ
 
إِذَا وَقَعَتْ فِي مِسْمَعَيْهِ الْغَمَاغِمُ٢٠٥
أَلَا أَيُّهَا السَّيْفُ الَّذِي لَيْسَ مُغْمَدًا
 
وَلَا فِيهِ مُرْتَابٌ وَلَا مِنْهُ عَاصِمُ٢٠٦
هَنِيئًا لِضَرْبِ الْهَامِ وَالْمَجْدِ وَالْعُلَا
 
وَرَاجِيكَ وَالْإِسْلَامِ أَنَّكَ سَالِمُ٢٠٧
وَلِمْ لَا يَقِي الرَّحْمَنُ حَدَّيْكَ مَا وَقَى
 
وَتَفْلِيقُهُ هَامَ الْعِدَا بِكَ دَائِمُ؟!٢٠٨

وقال: وقد ورد فرسان الثغور ومعهم رسول ملك الروم يطلب الهدنة، وأنشده إياها بحضرتهم وقت دخولهم لثلاث عشرة بقين من المحرم سنة أربع وأربعين وثلاثمائة:

أَرَاعَ كَذَا كُلَّ المُلُوكِ هُمَامُ
 
وَسَحَّ لَهُ رُسْلَ المُلُوكِ غَمَامُ؟!٢٠٩
وَدَانَتْ لَهُ الدُّنْيَا فَأَصْبَحَ جَالِسًا
 
وَأيَّامُهَا فِيمَا يُرِيدُ قِيَامُ؟!٢١٠
إِذَا زَارَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ الرُّومَ غَازِيًا
 
كَفَاهَا لِمَامٌ لَوْ كَفَاهُ لِمَامُ٢١١
فَتًى تَتْبَعُ الْأَزْمَانُ فِي النَّاسِ خَطْوَهُ
 
لكُلِّ زَمَانٍ فِي يَدَيْهِ زِمَامُ٢١٢
تَنَامُ لَدَيْكَ الرُّسْلُ أَمْنًا وَغِبْطَةً
 
وَأَجْفَانُ رَبِّ الرُّسْلِ لَيْسَ تَنَامُ٢١٣
حِذَارًا لِمُعْرَوِرِي الْجِيَادِ فُجَاءَةً
 
إِلَى الطَّعْنِ قُبْلًا مَا لَهُنَّ لِجَامُ٢١٤
تُعَطَّفُ فِيهِ وَالْأَعِنَّةُ شَعْرُهَا
 
وَتُضْرَبُ فِيهِ وَالسِّيَاطُ كَلَامُ٢١٥
وَمَا تَنْفَعُ الْخَيْلُ الْكِرَامُ وَلَا الْقَنَا
 
إِذَا لَمْ يَكُنْ فَوْقَ الْكِرَامِ كِرَامُ٢١٦
إِلَى كَمْ تَرُدُّ الرُّسْلَ عَمَّا أَتَوْا لَهُ
 
كَأنَّهُمُ فِيمَا وَهَبْتَ مَلَامُ؟!٢١٧
وَإنْ كُنْتَ لَا تُعْطِي الذِّمَامَ طَوَاعَةً
 
فَعَوْذُ الْأَعَادِي بِالْكَرِيمِ ذِمَامُ٢١٨
وَإِنَّ نُفُوسًا أَمَّمَتْكَ مَنِيعَةٌ
 
وَإنَّ دِمَاءً أَمَّلَتْكَ حَرَامُ٢١٩
إذا خَافَ مَلْكٌ مِنْ مَلِيكٍ أَجَرْتَهُ
 
وَسَيْفَكَ خَافُوا وَالْجِوَارَ تُسَامُ٢٢٠
لَهُمْ عَنْكَ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ تَفَرُّقٌ
 
وَحَوْلَكَ بِالْكُتْبِ اللِّطَافِ زِحَامُ٢٢١
تَغُرُّ حَلَاوَاتُ النُّفُوسِ قُلُوبَهَا
 
فَتَخْتَارُ بَعْضَ الْعَيْشِ وَهْوَ حِمَامُ٢٢٢
وَشَرُّ الْحِمَامَيْنِ الزُّؤَامَيْنِ عِيشَةٌ
 
يَذِلُّ الَّذِي يَخْتَارُهَا وَيُضَامُ٢٢٣
فَلَوْ كَانَ صُلْحًا لَمْ يَكُنْ بِشَفَاعَةٍ
 
وَلَكِنَّهُ ذُلٌّ لَهُمْ وَغَرَامُ٢٢٤
وَمَنٌّ لِفُرْسَانِ الثُّغُورِ عَلَيْهِمِ
 
بِتَبْلِيغِهِمْ مَا لَا يَكَادُ يُرَامُ٢٢٥
كَتَائِبُ جَاءُوا خَاضِعِينَ فَأَقْدَمُوا
 
وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا خَاضِعِينَ لَخَامُوا٢٢٦
وَعَزَّتْ قَدِيمًا في ذَرَاكَ خُيُولُهُمْ
 
وَعَزُّوا وَعَامَتْ فِي نَدَاكَ وَعَامُوا٢٢٧
عَلَى وَجْهِكَ الْمَيْمُونِ فِي كُلِّ غَارَةٍ
 
صَلَاةٌ تَوَالَى مِنْهُمُ وَسَلَامُ٢٢٨
وَكُلُّ أُنَاسٍ يَتْبَعُونَ إِمَامَهُمْ
 
وَأَنْتَ لِأَهْلِ الْمَكْرُمَاتِ إِمَامُ٢٢٩
وَرُبَّ جَوَابٍ عَنْ كِتَابٍ بَعَثْتَهُ
 
وَعُنْوَانُهُ لِلنَّاظِرِينَ قَتَامُ٢٣٠
تَضِيقُ بِهِ الْبَيْدَاءُ مِنْ قَبْلِ نَشْرِهِ
 
وَمَا فُضَّ بِالْبَيْدَاءِ عَنهُ خِتَامُ٢٣١
حُرُوفُ هِجَاءِ النَّاسِ فِيهِ ثَلَاثَةٌ
 
جَوَادٌ وَرُمْحٌ ذَابِلٌ وَحُسَامُ٢٣٢
أَذَا الْحَرْبِ قَدْ أتْعَبْتَهَا فَالْهُ سَاعَةً
 
لِيُغْمَدَ نَصْلٌ أوْ يُحَلَّ حِزَامُ٢٣٣
وَإِنْ طَالَ أَعْمَارُ الرِّمَاحِ بِهُدْنَةٍ
 
فَإِنَّ الَّذِي يَعْمَرْنَ عِنْدَكَ عَامُ٢٣٤
وَمَا زِلْتَ تُفْنِي السُّمْرَ وَهْيَ كَثِيرَةٌ
 
وَتُفْنِي بِهِنَّ الْجَيْشَ وَهْوَ لُهَامُ٢٣٥
مَتَى عَاوَدَ الْجَالُونَ عَاوَدْتَ أَرْضَهُمْ
 
وَفِيهَا رِقَابٌ لِلسُّيُوفِ وَهَامُ٢٣٦
وَرَبَّوْا لَكَ الْأوْلَادَ حَتَّى تُصِيبَهَا
 
وَقَدْ كَعَبَتْ بِنْتٌ وَشَبَّ غُلَامُ٢٣٧
جَرَى مَعَكَ الْجَارُونَ حَتَّى إذا انْتَهَوْا
 
إِلَى الْغَايَةِ الْقُصْوَى جَرَيْتَ وَقَامُوا٢٣٨
فَلَيْسَ لِشَمْسٍ مُذْ أَنَرْتَ إنَارَةٌ
 
وَلَيْسَ لِبَدْرٍ مُذْ تَمَمْتَ تَمَامُ٢٣٩

وقال يمدحه ويودعه، وقد خرج إلى إقطاع قطعه إياه بناحية معرة النعمان:

أَيَا رَامِيًا يُصْمِي فُؤَادَ مَرَامِهِ
 
تُرَبِّي عِدَاهُ رِيشَهَا لِسِهَامِهِ٢٤٠
أَسِيرُ إِلَى إِقْطَاعِهِ فِي ثِيَابِهِ
 
عَلَى طِرْفِهِ، مِنْ دَارِهِ، بِحُسَامِهِ٢٤١
وَمَا مَطَرَتْنِيهِ مِنَ الْبِيضِ وَالْقَنَا
 
وَرُومِ الْعِبِدَّى هَاطِلَاتُ غَمَامِهِ٢٤٢
فَتًى يَهَبُ الْإِقْلِيمَ بِالمَالِ وَالْقُرَى
 
وَمَنْ فِيهِ مِنْ فُرْسَانِهِ وَكِرَامِهِ٢٤٣
وَيَجْعَلُ مَا خُوِّلْتُهُ مِنْ نَوَالهِ
 
جَزَاءً لِمَا خُوِّلْتُهُ مِنْ كَلامِهِ٢٤٤
فَلَا زَالَتِ الشَّمْسُ الَّتِي فِي سَمَائِهِ
 
مُطَالِعَةَ الشَّمْسِ الَّتِي فِي لِثَامِهِ٢٤٥
وَلَا زَالَ تَجْتَازُ الْبُدُورُ بِوَجْهِهِ
 
تَعَجَّبُ مِنْ نُقْصَانِهَا وَتَمَامِهِ٢٤٦

وأنشد سيفُ الدولة متمثلًا بقول النابغة:

وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ
 
بِهِنَّ فلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ٢٤٧

فقال أبو الطيب مرتجلًا:

رَأَيْتُكَ تُوسِعُ الشُّعَرَاءَ نَيْلًا
 
حَدِيثَهُمُ المُوَلَّدَ وَالْقَدِيمَا٢٤٨
فَتُعْطِي مَنْ بَقَى مَالًا جَسِيمًا
 
وَتُعْطِي مَنْ مَضَى شَرَفًا عَظِيمَا٢٤٩
سَمِعْتُكَ مُنْشِدًا بَيْتَيْ زِيَادٍ
 
نَشِيدًا مِثْلَ مُنْشِدِهِ كَرِيمَا٢٥٠
فَمَا أَنْكَرْتُ مَوْضِعَهُ وَلَكِنْ
 
غَبَطْتُ بِذَاكَ أَعْظُمَهُ الرَّمِيمَا٢٥١

وقال يمدحه، ويذكر إيقاعه بعمرو بن حابس وبني ضبة سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، ولم ينشده إياها:

ذِكَرُ الصِّبَا وَمَرَاتِعِ الْآرَامِ
 
جَلَبَتْ حِمَامِي قَبْلَ وَقْتِ حِمَامِي٢٥٢
دِمَنٌ تَكَاثَرَتِ الْهُمُومُ عَليَّ فِي
 
عَرَصَاتِها كَتَكَاثُرِ اللُّوَّامِ٢٥٣
فَكَأنَّ كُلَّ سَحَابَةٍ وَكَفَتْ بِهَا
 
تَبْكِي بِعَيْنِيْ عُرْوَةَ بْنِ حِزَامِ٢٥٤
وَلَطَالَمَا أَفْنَيْتُ رِيقَ كَعَابِهَا
 
فِيهَا وَأَفْنَتْ بِالْعِتَابِ كَلَامِي٢٥٥
قَدْ كُنْتَ تَهْزَأُ بالْفِرَاقِ مَجَانَةً
 
وَتَجُرُّ ذَيْلَيْ شِرَّةٍ وَعُرَامِ٢٥٦
لَيْسَ الْقِبَابُ عَلَى الرِّكَابِ وَإِنَّمَا
 
هُنَّ الْحَيَاةُ تَرَحَّلَتْ بِسَلَامِ٢٥٧
لَيْتَ الَّذِي خَلَقَ النَّوَى جَعَلَ الْحَصَى
 
لِخِفَافِهِنَّ مَفَاصِلِي وَعِظَامِي!٢٥٨
مُتَلَاحِظَيْنِ نَسُحُّ مَاءَ شُئُونِنَا
 
حَذَرًا مِنَ الرُّقَبَاءِ فِي الْأَكْمَامِ٢٥٩
أَرْوَاحُنَا انْهَمَلَتْ وَعِشْنَا بَعْدَهَا
 
مِنْ بَعْدِ مَا قَطَرَتْ عَلَى الْأَقْدَامِ٢٦٠
لَوْ كُنَّ يَوْمَ جَرَيْنَ كُنَّ كَصَبْرِنَا
 
عِنْدَ الرَّحِيلِ لَكُنَّ غَيْرَ سِجَامِ٢٦١
لَمْ يَتْرُكُوا لِي صَاحِبًا إلَّا الْأَسَى
 
وَذَمِيلَ دِعْبِلَةٍ كَفَحْلِ نَعَامِ٢٦٢
وَتَعَذُّرُ الْأَحْرَارِ صَيَّرَ ظَهْرَهَا
 
إلَّا إلَيْكَ عَلَيَّ فَرْجَ حَرَامِ٢٦٣
أَنْتَ الْغَرِيبَةُ فِي زَمَانٍ أَهْلُهُ
 
وُلِدَتْ مَكَارِمُهُمْ لِغَيْرِ تَمَامِ٢٦٤
أَكْثَرْتَ مِنْ بَذْلِ النَّوَالِ وَلَمْ تَزَلْ
 
عَلَمًا عَلَى الْإِفْضَالِ وَالْإِنْعَامِ٢٦٥
صَغَّرْتَ كُلَّ كَبِيرَةٍ وَكَبُرَتْ عَنْ
 
لَكَأنَّهُ وَعَدَدْتَ سِنَّ غُلَامِ٢٦٦
وَرَفَلْتَ فِي حُلَلِ الثَّنَاءِ وَإِنمَا
 
عَدَمُ الثَّنَاءِ نِهَايَةُ الْإِعْدَامِ٢٦٧
عَيْبٌ عَلَيْكَ تُرَى بِسَيْفٍ فِي الْوَغَى
 
مَا يَصْنَعُ الصَّمْصَامُ بالصَّمْصَامِ٢٦٨
إِنْ كَانَ مِثْلُكَ كَانَ أوْ هُوَ كَائِنٌ
 
فَبَرِئْتُ حِينَئِذٍ مِنَ الْإسْلَامِ٢٦٩
مَلِكٌ زُهَتْ بِمَكَانِهِ أَيَّامُهُ
 
حَتَّى افْتَخَرْنَ بِهِ عَلَى الْأَيَّامِ٢٧٠
وَتَخَالُهُ سَلَبَ الْوَرَى أَحْلَامَهُم
 
مِنْ حِلْمِهِ فَهُمُ بِلَا أَحْلَامِ٢٧١
وَإذَا امْتَحَنْتَ تَكَشَّفَتْ عَزَمَاتُهُ
 
عَنْ أَوْحَدِيِّ النَّقْضِ وَالْإِبْرَامِ٢٧٢
وَإِذَا سَأَلْتَ بَنَانَهُ عَنْ نَيْلِهِ
 
لَمْ يَرْضَ بِالدُّنْيَا قَضَاءَ ذِمَامِ٢٧٣
مَهْلًا ألَا لِلَّهِ مَا صَنَعَ الْقَنَا
 
فِي عَمْرِو حَابِ وَضَبَّةَ الْأَغْتَامِ!٢٧٤
لَمَّا تَحَكَّمَتِ الْأَسِنَّةُ فِيهِمِ
 
جَارَتْ وَهُنَّ يَجُرْنَ فِي الْأَحْكَامِ٢٧٥
فَتَرَكْتَهُمْ خَلَلَ الْبُيُوتِ كَأَنَّمَا
 
غَضِبَتْ رُءوسُهُمُو عَلَى الْأَجْسَامِ٢٧٦
أَحْجَارُ نَاسٍ فَوْقَ أَرْضٍ مِنْ دَمٍ
 
وَنُجُومُ بَيْضٍ فِي سَمَاءِ قَتَامِ٢٧٧
وَذِرَاعُ كُلِّ أَبِي فُلَانٍ كُنْيَةً
 
حَالَتْ فَصَاحِبُهَا أَبُو الْأَيْتَامِ٢٧٨
عَهْدِي بِمَعْرَكَةِ الْأَمِيرِ وَخَيْلُهُ
 
فِي النَّقْعِ مُحْجِمَةٌ عَنِ الْإِحْجَامِ٢٧٩
يَا سَيْفَ دَوْلَةِ هَاشِمٍ مَنْ رَامَ أَنْ
 
يَلْقَى مَنَالَكَ رَامَ غَيْرَ مَرَامِ٢٨٠
صَلَّى الْإِلَهُ عَلَيْكَ غَيْرَ مُوَدَّعٍ
 
وَسَقَى ثَرَى أبَوَيْكَ صَوْبَ غَمَامِ٢٨١
وَكَسَاكَ ثَوْبَ مَهَابَةٍ مِنْ عِنْدِهِ
 
وَأرَاكَ وَجْهَ شَقِيقِكَ الْقَمْقَامِ٢٨٢
فَلَقَدْ رَمَى بَلَدَ العَدُوِّ بِنَفْسِهِ
 
فِي رَوْقِ أَرْعَنَ كَالْغِطَمِّ لُهَامِ٢٨٣
قَوْمٌ تَفَرَّسَتِ الْمَنَايَا فِيكُمُ
 
فَرَأتْ لَكُمْ فِي الْحَرْبِ صَبْرَ كِرَامِ٢٨٤
تَاللهِ مَا عَلِمَ امْرُؤٌ لَوْلَاكُمُ
 
كَيْفَ السَّخَاءُ وَكَيْفَ ضَرْبُ الْهَامِ٢٨٥

وقال، وقد تُحدِّث بحضرة سيف الدولة أن البطريق أقسم عند ملكه أنه يعارض سيف الدولة في الدرب، وسأله أن ينجده ببطارقته وعدده وعُدده، ففعل، فخاب ظنه. أنشده إياها سنة خمس وأربعين وثلاثمائة، وهي آخر ما أنشده بحلب:

عُقْبَى الْيَمِينِ عَلَى عُقْبَى الْوَغَى نَدَمُ
 
مَاذَا يَزِيدُكَ فِي إقْدَامِكَ الْقَسَمُ؟٢٨٦
وَفي الْيَمِينِ عَلَى مَا أَنْتَ وَاعِدُهُ
 
مَا دَلَّ أنَّكَ في المِيعَادِ مُتَّهَمُ٢٨٧
آلَى الْفَتَى ابْنُ شُمُشْقِيقٍ فَأَحْنَثَهُ
 
فَتًى مِنَ الضَّرْبِ تُنْسَى عِنْدَهُ الْكَلِمُ٢٨٨
وَفَاعِلٌ مَا اشْتَهَى يُغْنِيهِ عَنْ حَلِفٍ
 
عَلَى الْفِعَالِ حُضُورُ الْفِعْلِ وَالْكَرَمُ٢٨٩
كلُّ السُّيُوفِ إذا طَالَ الضِّرَابُ بِهَا
 
يَمَسُّهَا غَيْرَ سَيْفِ الدَّوْلَةِ السَّأَمُ٢٩٠
لَوْ كَلَّتِ الْخَيْلُ حَتَّى لا تَحَمَّلُهُ
 
تَحَمَّلَتْهُ إلى أَعْدَائِهِ الهِمَمُ٢٩١
أَيْنَ الْبَطَارِيقُ وَالْحَلْفُ الَّذِي حَلَفُوا
 
بِمَفْرَقِ الْمَلْكِ وَالزَّعْمُ الَّذِي زَعَمُوا؟٢٩٢
وَلَّى صَوَارِمَهُ إِكْذَابَ قَوْلِهِمِ
 
فَهُنَّ أَلْسِنَةٌ أَفْوَاهُهَا الْقِمَمُ٢٩٣
نَوَاطِقٌ مُخْبِرَاتٌ فِي جَمَاجِمِهِمْ
 
عَنْهُ بِمَا جَهِلُوا مِنْهُ وَمَا عَلِمُوا٢٩٤
الرَّاجِعُ الْخَيْلَ مُحْفَاةً مُقَوَّدَةً
 
مِنْ كُلِّ مِثْلِ وَبَارٍ أَهْلُهَا إِرَمُ٢٩٥
كَتَلِّ بِطْرِيقٍ المَغْرُورِ سَاكِنُهَا
 
بِأَنَّ دَارَكَ قِنَّسْرِينُ وَالْأَجَمُ٢٩٦
وَظَنِّهِمْ أَنَّكَ المِصْبَاحُ في حَلَبٍ
 
إِذَا قَصَدْتَ سِوَاهَا عَادَهَا الظُّلَمُ٢٩٧
وَالشَّمْسَ يَعْنُونَ إِلَّا أَنَّهُمْ جَهِلُوا
 
وَالْمَوْتَ يَدْعُونَ إِلَّا أَنَّهُمْ وَهَمُوا٢٩٨
فَلَمْ تُتِمَّ سَرُوجٌ فَتْحَ نَاظِرِهَا
 
إِلَّا وَجَيْشُكَ فِي جَفْنَيْهِ مُزْدَحِمُ٢٩٩
وَالنَّقْعُ يَأْخُذُ حَرَّانًا وَبَقْعَتَهَا
 
وَالشَّمْسُ تَسْفِرُ أَحْيَانًا وَتَلْتَثِمُ٣٠٠
سُحْبٌ تَمُرُّ بِحِصْنِ الرَّانِ مُمْسِكَةً
 
وَمَا بِهَا الْبُخْلُ لَوْلَا أَنَّهَا نِقَمُ٣٠١
جَيْشٌ كَأَنَّكَ فِي أَرْضٍ تُطَاوِلُهُ
 
فَالْأَرْضُ لَا أَمَمٌ وَالْجَيْشُ لَا أَمَمُ٣٠٢
إِذَا مَضَى عَلَمٌ مِنْهَا بَدَا عَلَمٌ
 
وَإنْ مَضَى عَلَمٌ مِنْهُ بَدَا عَلَمُ٣٠٣
وَشُزَّبٌ أَحْمَتِ الشِّعْرَى شَكَائِمَهَا
 
وَوَسَّمَتْهَا عَلَى آنَافِهَا الْحَكَمُ٣٠٤
حَتَّى وَرَدْنَ بِسِمْنَيْنٍ بُحَيْرَتُهَا
 
تَنِشُّ بِالْمَاءِ فِي أَشْدَاقِهَا اللُّجُمُ٣٠٥
وَأَصْبَحَتْ بِقُرَى هِنْزِيطَ جَائِلَةً
 
تَرْعَى الظُّبَا فِي خَصِيبٍ نَبْتُهُ اللِّمَمُ٣٠٦
فَمَا تَرَكْنَ بِهَا خُلْدًا لَهُ بَصَرٌ
 
تَحْتَ التُّرَابِ وَلَا بَازًا لَهُ قَدَمُ٣٠٧
وَلَا هِزَبْرًا لَهُ مِنْ دِرْعِهِ لِبَدٌ
 
وَلَا مَهَاةً لَهَا مِنْ شِبْهِهَا حَشَمُ٣٠٨
تَرْمِي عَلَى شَفَرَاتِ الْبَاتِرَاتِ بِهِمْ
 
مَكَامِنُ الْأَرْضِ وَالْغِيطَانُ وَالْأَكَمُ٣٠٩
وَجَاوَزُوا أَرْسَنَاسًا مُعْصِمِينَ بهِ
 
وَكَيْفَ يَعْصِمُهُمْ مَا لَيْسَ يَنْعَصِمُ؟!٣١٠
وَمَا يَصُدُّكَ عَنْ بَحْرٍ لَهُمْ سَعَةٌ
 
وَمَا يَرُدُّكَ عَنْ طَوْدٍ لَهُمْ شَمَمُ٣١١
ضَرَبْتَهُ بِصُدُورِ الْخَيْلِ حَامِلَةً
 
قَوْمًا إذا تَلِفُوا قُدْمًا فَقَدْ سَلِمُوا٣١٢
تَجَفَّلُ المَوْجُ عَنْ لَبَّاتِ خَيْلِهِمِ
 
كمَا تَجَفَّلُ تَحْتَ الْغَارَةِ النَّعَمُ٣١٣
عَبَرْتَ تَقْدُمُهُمْ فِيهِ وَفِي بَلَدٍ
 
سُكَّانُهُ رِمَمٌ مَسْكُونُهَا حُمَمُ٣١٤
وَفِي أَكُفِّهِمِ النَّارُ التي عُبِدَتْ
 
قَبْلَ الْمَجُوسِ إلَى ذَا الْيَوْمِ تَضْطَرِمُ٣١٥
هِنْدِيَّةٌ إنْ تُصَغِّرْ مَعْشَرًا صَغُرُوا
 
بِحَدِّهَا أوْ تُعَظِّمْ مَعْشَرًا عَظَمُوا٣١٦
قَاسَمْتَهَا تَلَّ بِطْرِيقٍ فَكَانَ لَهَا
 
أَبْطَالُهَا وَلَكَ الْأَطْفَالُ وَالْحُرَمُ٣١٧
تَلْقَى بِهِمْ زَبَدَ التَّيَّارِ مُقْرَبَةٌ
 
عَلَى جَحَافِلِهَا مِنْ نَضْحِهِ رَثَمُ٣١٨
دُهْمٌ فَوَارِسُهَا رُكَّابُ أَبْطُنِهَا
 
مَكْدُودَةٌ بِقَوْمٍ لَا بِهَا الْأَلَمُ٣١٩
مِنَ الْجِيَادِ الَّتِي كِدْتَ الْعَدُوَّ بهَا
 
وَمَا لَهَا خِلَقٌ منْهَا وَلَا شِيَمُ٣٢٠
نِتَاجُ رَأْيِكَ في وَقْتٍ عَلَى عَجَلٍ
 
كَلَفْظِ حَرْفٍ وَعَاهُ سامعٌ فَهِمُ٣٢١
وَقَدْ تَمَنَّوْا غَدَاةَ الدَّرْبِ فِي لَجَبٍ
 
أَنْ يُبْصِرُوكَ فَلَمَّا أَبْصَرُوكَ عَمُوا٣٢٢
صَدَمْتَهُمْ بِخَمِيسٍ أَنْتَ غُرَّتُهُ
 
وَسَمْهَرِيَّتُه في وَجْهه غَمَمُ٣٢٣
فَكَانَ أَثْبَتَ مَا فِيهِمْ جُسُومُهُمُ
 
يَسْقُطْنَ حَوْلَكَ وَالْأَرْوَاحُ تَنْهَزِمُ٣٢٤
وَالْأَعْوَجِيَّةُ مِلْءَ الطُّرْقِ خَلفَهُمْ
 
وَالْمَشْرَفِيَّةُ مِلْءَ الْيَوْمِ فَوْقَهُمْ٣٢٥
إِذَا تَوَافَقَتِ الضَّرْبَاتُ صَاعِدَةً
 
تَوَافَقَتْ قُلَلٌ فِي الْجَوِّ تَصْطَدِمُ٣٢٦
وَأسْلَمَ ابْنُ شُمُشْقِيقٍ أَلِيَّتَهُ
 
أَلَّا انْثَنَى فَهْوَ يَنْأَى وَهْيَ تَبْتَسِمُ٣٢٧
لَا يَأْمُلُ النَّفَسَ الْأَقْصَى لِمُهْجَتِهِ
 
فَيَسْرِقُ النَّفَسَ الْأَدْنَى وَيَغْتَنِمُ٣٢٨
تَرُدُّ عَنْهُ قَنَا الْفُرْسَانِ سَابِغَةٌ
 
صَوْبُ الْأَسِنَّةِ فِي أَثْنَائِهَا دِيَمُ٣٢٩
تَخُطُّ فِيهَا الْعَوَالِي لَيْسَ تَنْفُذُهَا
 
كَأَنَّ كُلَّ سِنَانٍ فَوْقَهَا قَلَمُ٣٣٠
فَلَا سَقَى الْغَيْثُ مَا وَارَاهُ مِنْ شَجَرٍ
 
لَوْ زَلَّ عَنْهُ لَوَارَتْ شَخْصَهُ الرَّخَمُ٣٣١
أَلْهَى الْمَمَالِكَ عَنْ فَخْرٍ قَفَلْتَ بِهِ
 
شُرْبُ الْمُدَامَةِ وَالْأَوْتَارُ وَالنَّغَمُ٣٣٢
مُقَلَّدًا فَوْقَ شُكْرِ اللهِ ذَا شُطَبٍ
 
لا تُسْتَدَامُ بِأَمْضَى مِنْهُمَا النِّعَمُ٣٣٣
أَلْقَتْ إِلَيْكَ دِمَاءُ الرُّومِ طَاعَتَهَا
 
فَلَوْ دَعَوْتَ بِلَا ضَرْبٍ أَجَابَ دَمُ٣٣٤
يُسَابِقُ القَتْلُ فِيهِمْ كُلَّ حَادِثَةٍ
 
فَمَا يُصِيبُهُمُ مَوْتٌ وَلَا هَرَمُ٣٣٥
نَفَتْ رُقَادَ عَلِيٍّ عَنْ مَحَاجِرِهِ
 
نَفْسٌ يُفَرِّجُ نَفْسًا غَيْرَهَا الْحُلُمُ٣٣٦
الْقَائِمُ الْمَلِكُ الْهَادِي الَّذِي شَهِدَتْ
 
قِيَامَهُ وَهُدَاهُ الْعُرْبُ وَالْعَجَمُ٣٣٧
ابْنُ الْمُعَفِّرِ فِي نَجْدٍ فَوَارِسَهَا
 
بِسَيْفِهِ وَلَهُ كُوفَانُ وَالْحَرَمُ٣٣٨
لَا تَطْلُبَنَّ كَرِيمًا بَعْدَ رُؤيَتِهِ
 
إنَّ الْكِرَامَ بِأَسْخَاهُمْ يَدًا خُتِمُوا٣٣٩
وَلَا تُبَالِ بِشِعْرٍ بَعْدَ شَاعِرِهِ
 
قَدْ أُفْسِدَ الْقَوْلُ حَتَّى أُحْمِدَ الصَّمَمُ٣٤٠

وقال يمدح إنسانًا، وأراد أن يستكشفه عن مذهبه، وهي من قوله في صباه:

كُفِّي أَرَانِي وَيْكِ لَوْمَكِ أَلْوَمَا
 
هَمٌّ أَقَامَ عَلَى فُؤَادٍ أَنْجَمَا٣٤١
وَخَيَالُ جِسْمٍ لَمْ يُخَلِّ لَهُ الْهَوَى
 
لَحْمًا فَيُنْحِلَهُ السَّقَامُ وَلَا دَمَا٣٤٢
وَخُفُوقُ قَلْبٍ لَوْ رَأَيْتِ لَهِيبَهُ
 
يَا جَنَّتِي لَظَنَنْتِ فِيه جَهَنَّمَا٣٤٣
وَإِذَا سَحَابَةُ صَدِّ حِبٍّ أَبْرَقَتْ
 
تَرَكَتْ حَلَاوَةَ كُلِّ حُبٍّ عَلْقَمَا٣٤٤
يَا وَجْهَ دَاهِيَةَ الَّذِي لَوْلَاكَ مَا
 
أَكَلَ الضَّنَى جَسَدِي وَرَضَّ الْأَعْظُمَا٣٤٥
إِنْ كَانَ أَغْنَاهَا السُّلُوُّ فَإِنَّنِي
 
أَصْبَحْتُ مِنْ كَبِدِي وَمِنْهَا مُعْدِمَا٣٤٦
غُصْنٌ عَلَى نَقَوَيْ فَلَاةٍ نَابِتٌ
 
شَمْسُ النَّهَارِ تُقِلُّ لَيْلًا مُظْلِمَا٣٤٧
لَمْ تُجْمَعِ الْأَضْدَادُ فِي مُتَشَابِهٍ
 
إِلَّا لِتَجْعَلَنِي لِغُرْمِيَ مَغْنَمَا٣٤٨
كَصِفَاتِ أَوْحَدِنَا أَبِي الْفَضْلِ الَّتي
 
بَهَرَتْ فَأَنْطَقَ وَاصِفِيهِ وَأَفْحَمَا٣٤٩
يُعْطِيكَ مُبْتَدِرًا فَإِنْ أَعْجَلْتَهُ
 
أَعْطَاكَ مُعْتَذِرًا كَمَنْ قَدْ أَجْرَمَا٣٥٠
وَيَرَى التَّعَظُّمَ أَنْ يُرَى مُتَوَاضِعًا
 
وَيَرَى التَّوَاضُعَ أَنْ يُرَى مُتَعَظِّمَا٣٥١
نَصَرَ الْفَعَالَ عَلَى الْمِطَالِ كَأَنَّمَا
 
خَالَ السُّؤَالَ عَلَى النَّوَالِ مُحَرَّمَا٣٥٢
يَا أَيُّهَا المَلَكُ الْمُصَفَّى جَوْهَرًا
 
مِنْ ذَاتِ ذِي الْمَلَكُوتِ أَسْمَى مَنْ سَمَا٣٥٣
نُورٌ تَظَاهَرَ فِيكَ لَاهُوتِيَّةً
 
فتَكَادُ تَعْلَمُ عِلْمَ مَا لَنْ يُعْلَمَا٣٥٤
وَيُهِمُّ فِيكَ إِذَا نَطَقْتَ فَصَاحَةً
 
مِنْ كُلِّ عُضْوٍ مِنْكَ أَنْ يَتَكَلَّمَا٣٥٥
أَنَا مُبْصِرٌ وَأَظُنُّ أَنِّيَ نَائِمٌ
 
مَنْ كَانَ يَحْلُمُ بِالْإِلَهِ فَأَحْلُمَا؟!٣٥٦
كَبُرَ الْعِيَانُ عَلَيَّ حَتَّى إِنَّهُ
 
صَارَ الْيَقِينُ مِنَ الْعِيَانِ تَوَهُّمَا٣٥٧
يَا مَنْ لِجُودِ يَدَيْهِ فِي أَمْوالِهِ
 
نِقَمٌ تَعُودُ عَلَى الْيَتَامَى أَنْعُمَا٣٥٨
حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ: مَا ذَا عَاقِلًا
 
وَيَقُولَ بَيْتُ المَالِ: مَا ذَا مُسْلِمَا٣٥٩
إِذْكَارُ مِثْلِكَ تَرْكُ إِذْكَارِي لَهُ
 
إِذْ لَا تُرِيدُ لِمَا أُرِيدُ مُتَرْجِمَا٣٦٠

وقال في صباه:

إِلَى أَيِّ حِينٍ أَنْتَ فِي زِيِّ مُحْرِمِ؟
 
وَحَتَّى مَتَى في شِقْوَةٍ وَإِلَى كَمِ؟٣٦١
وَإِلَّا تَمُتْ تَحْتَ السُّيُوفِ مُكَرَّمًا
 
تَمُتْ وَتُقَاسِ الذُّلَّ غَيْرَ مُكَرَّمِ٣٦٢
فَثِبْ وَاثِقًا بِاللهِ وِثْبَةَ مَاجِدٍ
 
يَرَى الْمَوْتَ في الْهَيْجَا جَنَى النَّحْلِ في الْفَمِ٣٦٣

وقال في صباه:

ضَيْفٌ أَلَمَّ بِرَأْسِي غَيْرَ مُحْتَشِمِ
 
والسَّيْفُ أَحْسَنُ فِعْلًا مِنْهُ بِاللِّمَمِ٣٦٤
إِبْعَدْ بَعِدْتَ بَيَاضًا لا بَيَاضَ لَهُ
 
لَأَنْتَ أَسْوَدُ فِي عَيْنِي مِنَ الظُّلَمِ٣٦٥
بِحُبِّ قَاتِلَتِي وَالشَّيْبِ تَغْذِيَتِي
 
هَوَايَ طِفْلًا وَشَيْبِي بَالِغَ الْحُلُمِ٣٦٦
فَمَا أَمُرُّ بِرَسْمٍ لَا أُسَائِلُهُ
 
وَلَا بِذَاتِ خِمَارٍ لا تُرِيقُ دَمِي٣٦٧
تَنَفَّسَتْ عَنْ وَفَاءٍ غَيْرِ مُنصَدِعٍ
 
يَوْمَ الرَّحِيلِ وشَعْبٍ غَيْرِ مُلْتَئِمِ٣٦٨
قَبَّلْتُهَا وَدُمُوعِي مَزْجُ أَدْمُعِهَا
 
وَقَبَّلَتْنِي عَلَى خَوْفٍ فَمًا لِفَمِ٣٦٩
فَذُقْتُ مَاءَ حَيَاةٍ مِنْ مُقَبَّلِهَا
 
لَوْ صَابَ تُرْبًا لَأَحْيَا سَالِفَ الْأُمَمِ٣٧٠
تَرْنُو إِلَيَّ بِعَيْنِ الظَّبْي مُجْهِشَةً
 
وتَمْسَحُ الطَّلَّ فَوْقَ الْوَرْدِ بِالْعَنَمِ٣٧١
رُوَيْدَ حُكْمَكِ فِينَا غَيْرَ مُنْصِفَةٍ
 
بِالنَّاسِ كُلِّهِمِ أَفْدِيكِ مِنْ حَكَمِ٣٧٢
أَبْدَيْتِ مِثْلَ الَّذِي أَبْدَيْتُ مِنْ جَزَعٍ
 
وَلَمْ تُجِنِّي الَّذِي أَجْنَنْتُ مِنْ أَلَمْ٣٧٣
إِذَنْ لَبَزَّكِ ثَوْبَ الْحُسْنِ أَصْغَرُهُ
 
وَصِرْتِ مِثْلِيَ فِي ثَوْبَيْنِ مِنْ سَقَمِ٣٧٤
لَيْسَ التَّعَلُّلُ بِالْآمَالِ مِنْ أَرَبِي
 
وَلَا الْقَنَاعَةُ بِالْإِقْلَالِ مِنْ شِيَمِي٣٧٥
وَلَا أَظُنُّ بَنَاتِ الدَّهْرِ تَتْرُكُنِي
 
حَتَّى تَسُدَّ عَلَيْهَا طُرْقَهَا هِمَمِي٣٧٦
لُمِ اللَّيَالِي الَّتِي أَخْنَتْ عَلَى جِدَتِي
 
بِرِقَّةِ الْحَالِ وَاعْذُرْنِي وَلَا تَلُمِ٣٧٧
أَرَى أُنَاسًا وَمَحْصُولِي عَلَى غَنَمٍ
 
وَذِكْرَ جُودٍ وَمَحْصُولِي عَلَى الْكَلِمِ٣٧٨
وَرَبُّ مَالٍ فَقِيرًا مِنْ مُرُوَّتِهِ
 
لَمْ يُثْرِ مِنْهَا كَمَا أَثْرَى مِنَ الْعَدَمِ٣٧٩
سَيَصْحَبُ النَّصْلُ مِنِّي مِثْلَ مَضْرِبِهِ
 
وَيَنْجَلِي خَبَرِي عَنْ صِمَّةِ الصَّمَمِ٣٨٠
لَقَدْ تَصَبَّرْتُ حَتَّى لَاتَ مُصْطَبَرٍ
 
فَالْآنَ أُقْحِمُ حَتَّى لَاتَ مُقْتَحَمِ٣٨١
لَأَتْرُكَنَّ وُجُوهَ الْخَيْلِ سَاهِمَةً
 
وَالْحَرْبُ أَقْوَمُ مِنْ سَاقٍ عَلَى قَدَمِ٣٨٢
وَالطَّعْنُ يُحْرِقُهَا وَالزَّجْرُ يُقلِقُهَا
 
حَتَّى كَأَنَّ بِهَا ضَرْبًا مِنَ اللَّمَمِ٣٨٣
قَدْ كَلَّمَتْهَا الْعَوَالِي فَهْيَ كَالِحَةٌ
 
كَأَنَّمَا الصَّابُ مَعْصُوبٌ عَلَى اللُّجُمِ٣٨٤
بِكُلِّ مُنْصَلِتٍ مَا زَالَ مُنْتَظِرِي
 
حَتَّى أَدَلْتُ لَهُ مِنْ دَوْلَةِ الْخَدَمِ٣٨٥
شَيْخٍ يَرَى الصَّلَواتِ الْخَمْسَ نَافِلَةً
 
وَيَسْتَحِلُّ دَمَ الْحُجَّاجِ في الْحَرَمِ٣٨٦
وَكُلَّمَا نُطِحَتْ تَحْتَ الْعَجَاجِ بِهِ
 
أُسْدُ الْكَتَائِبِ رَامَتْهُ وَلَمْ يَرِمِ٣٨٧
تُنْسِي الْبِلَادَ بُرُوقَ الْجَوِّ بَارِقَتِي
 
وَتَكْتَفِي بِالدَّمِ الْجَارِي عَنِ الدِّيَمِ٣٨٨
رِدِي حِيَاضَ الرَّدَى يَا نفْسِ وَاتَّرِكِي
 
حِيَاضَ خَوْفِ الرَّدَى لِلشَّاءِ والنَّعَمِ٣٨٩
إِنْ لَمْ أَذَرْكِ عَلَى الْأَرْمَاحِ سَائِلَةً
 
فَلَا دُعِيتُ ابْنَ أُمِّ الْمَجْدِ وَالْكَرَمِ٣٩٠
أَيَمْلِكُ الْمُلْكَ وَالْأَسْيَافُ ظَامِئَةٌ
 
وَالطَّيْرُ جَائِعَةٌ لَحْمٌ عَلَى وَضَمِ؟!٣٩١
مَنْ لَوْ رَآنِيَ مَاءً مَاتَ مِنْ ظَمَأٍ
 
وَلَوْ مَثَلْتُ لَهُ فِي النَّوْمِ لَمْ يَنَمِ٣٩٢
مِيعَادُ كُلِّ رَقِيقِ الشَّفْرَتَيْنِ غَدًا
 
وَمَنْ عَصَى مِنْ مُلُوكِ الْعُرْبِ وَالْعَجَمِ٣٩٣
فَإِنْ أَجَابُوا فَمَا قَصْدِي بِهَا لَهُمُ
 
وَإِنْ تَوَلَّوْا فَمَا أَرْضَى لَهَا بِهِمِ٣٩٤
وعذله أبو عبد الله معاذ بن إسماعيل اللاذقي، على ما كان قد شاهده من تهوره فقال:٣٩٥
أَبَا عَبْدِ الْإِلَهِ مُعَاذُ إِنِّي
 
خَفِيٌّ عَنْكَ فِي الْهَيْجَا مَقَامِي٣٩٦
ذَكَرْتَ جَسِيمَ مَا طَلَبِي وَأَنَّا
 
نُخَاطِرُ فِيهِ بِالْمُهَجِ الْجِسَامِ٣٩٧
أَمِثْلِي تَأْخُذُ النَّكَبَاتُ مِنْهُ
 
وَيَجْزَعُ مِنْ مُلَاقَاةِ الْحِمَامِ٣٩٨
وَلَوْ بَرَزَ الزَّمَانُ إِلَيَّ شَخْصًا
 
لَخَضَّبَ شَعْرَ مَفْرِقِهِ حُسَامِي٣٩٩
وَمَا بَلَغَتْ مَشِيئَتَهَا اللَّيَالِي
 
وَلَا سَارَتْ وَفِي يَدِهَا زِمَامِي٤٠٠
إِذَا امْتَلَأَتْ عُيُونُ الْخَيْلِ مِنِّي
 
فَوَيْلٌ فِي التَّيَقُّظِ وَالْمَنَامِ!٤٠١

وقال له بعض بني كلاب: أَشْرَبُ هذه الكأس سرورًا بك، فقال:

إِذَا مَا شَرِبْتَ الْخَمْرَ صِرْفًا مُهَنَّأً
 
شَرِبْنَا الَّذِي مِنْ مِثْلِهِ شَرِبَ الْكَرْمُ٤٠٢
أَلَا حَبَّذَا قَوْمٌ نَدَامَاهُمُ الْقَنَا
 
يُسَقُّونَهَا رِيًّا وَسَاقِيهِمُ الْعَزْمُ٤٠٣

وقال وقد مد له إنسان يده بكأس وحلف بالطلاق ليشربنها:

وَأَخٍ لَنَا بَعَثَ الطَّلَاقَ أَلِيَّةً
 
لَأُعَلِّلَنَّ بِهذِهِ الْخُرْطُومِ٤٠٤
فَجَعَلْتُ رَدِّي عِرْسَهُ كَفَّارَةً
 
عَنْ شُرْبِهَا وَشَرِبْتُ غَيْرَ أَثِيمِ٤٠٥

وقال يمدح الحسين بن إسحق التنوخي:

مَلَامِي النَّوَى في ظُلْمِهَا غَايَةُ الظُّلْمِ
 
لَعَلَّ بِهَا مِثْلَ الَّذِي بِي مِنَ السُّقْمِ٤٠٦
فَلَوْ لَمْ تَغَرْ لَمْ تَزْوِ عَنِّي لِقَاءَكُمْ
 
وَلَوْ لَمْ تُرِدْكُمْ لَمْ تَكُنْ فِيكُمُ خَصْمِي٤٠٧
أَمُنْعِمَةٌ بِالْعَوْدَةِ الظَّبْيَةُ الَّتِي
 
بِغَيْرِ وَلِيٍّ كَانَ نَائِلَهَا الْوَسْمِي٤٠٨
تَرَشَّفْتُ فَاهَا سُحْرَةً فَكَأَنَّنِي
 
تَرَشَّفْتُ حَرَّ الْوَجْدِ مِنْ بَارِدِ الظَّلْمِ٤٠٩
فَتَاةٌ تَسَاوَى عِقْدُهَا وَكَلَامُهَا
 
وَمَبْسِمُهَا الدُّرِّيُّ فِي الْحُسْنِ وَالنَّظْمِ٤١٠
وَنَكْهَتُهَا وَالْمَنْدَلِيُّ وَقَرْقَفٌ
 
مُعَتَّقَةٌ صَهْبَاءُ في الرِّيحِ وَالطَّعْمِ٤١١
جَفَتْنِي كَأَنِّي لَسْتُ أَنْطَقَ قَوْمِهَا
 
وَأَطْعَنَهُمْ وَالشُّهْبُ في صُورَةِ الدُّهْمِ٤١٢
يُحَاذِرُنِي حَتْفِي كَأَنِّيَ حَتْفُهُ
 
وَتَنْكُزُنِي الْأَفْعَى فَيَقْتُلُهَا سُمِّي٤١٣
طِوَالُ الرُّدَيْنِيَّاتِ يَقْصِفُهَا دَمِي
 
وَبِيضُ السُّرَيْجِيَّاتِ يَقْطَعُهَا لَحْمِي٤١٤
بَرَتْنِي السُّرَى بَرْيَ الْمُدَى فَرَدَدْنَنِي
 
أَخَفُّ عَلَى الْمَرْكُوبِ مِنْ نَفَسِي جِرْمِي٤١٥
وَأَبْصَرَ مِنْ زَرْقَاءِ جَوٍّ لِأَنَّني
 
إِذَا نَظَرَتْ عَيْنَايَ سَاوَاهُمَا عِلْمِي٤١٦
كَأَنِّي دَحَوْتُ الْأَرْضَ مِنْ خِبْرَتِي بهَا
 
كَأَنِّي بَنَى الْإِسْكَنْدَرُ السَّدَّ مِنْ عَزْمِي٤١٧
لِأَلْقَى ابْنَ إسْحَاقَ الَّذِي دَقَّ فَهْمُهُ
 
فَأَبْدَعَ حَتَّى جَلَّ عَنْ دِقَّةِ الْفَهْمِ٤١٨
وَأَسْمَعَ مِنْ أَلْفَاظِهِ اللُّغَةَ الَّتِي
 
يَلَذُّ بِهَا سَمْعِي وَلَوْ ضُمِّنَتْ شَتْمِي٤١٩
يَمِينُ بَنِي قَحْطَانَ رَأْسُ قُضَاعَةٍ
 
وَعِرْنِينُهَا بَدْرُ النُّجُومِ بَنِي فَهْمِ٤٢٠
إِذَا بَيَّتَ الْأَعْدَاءَ كَانَ اسْتِمَاعُهُمْ
 
صَرِيرَ الْعَوَالِي قَبْلَ قَعْقَعَةِ اللُّجْمِ٤٢١
مُذِلُّ الْأَعِزَّاءِ الْمُعِزُّ وَإِنْ يَئِنْ
 
بِهِ يُتْمُهُمْ فَالْمُوتِمُ الْجَابِرُ الْيُتْمِ٤٢٢
وَإنْ تُمْسِ دَاءً في الْقُلُوبِ قَنَاتُهُ
 
فَمُمْسِكُهَا مِنْهُ الشِّفَاءُ مِنَ الْعُدْمِ٤٢٣
مُقَلَّدُ طَاغِي الشَّفْرَتَيْنِ مُحَكَّمٍ
 
عَلَى الْهَامِ إِلَّا أَنَّهُ جَائِرُ الْحُكْمِ٤٢٤
تَحَرَّجَ عَنْ حَقْنِ الدِّمَاءِ كَأَنَّهُ
 
يَرَى قَتْلَ نَفْسٍ تَرْكَ رَأْسٍ عَلَى جِسْمِ٤٢٥
وَجَدْنَا ابْنَ إِسْحَاقَ الْحُسَيْنِ كَجَدِّهِ
 
عَلَى كَثْرَةِ الْقَتْلَى بَرِيئًا مِنَ الْإِثْمِ٤٢٦
مَعَ الْحَزْمِ حَتَّى لَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ
 
لِأَلْحَقَهُ تَضَيِيعُهُ الْحَزْمَ بالْحَزْمِ٤٢٧
وَفي الْحَرْبِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ تَأَخُّرًا
 
لَأَخَّرَهُ الطبْعُ الْكَرِيمُ إِلَى القُدْمِ٤٢٨
لَهُ رَحْمَةٌ تُحْيي الْعِظَامَ وَغَضْبَةٌ
 
بِهَا فَضْلَةٌ لِلْجُرْمِ عَنْ صَاحِبِ الْجُرْمِ٤٢٩
وَرِقَّةُ وَجْهٍ لَوْ خَتَمْتَ بِنَظْرَةٍ
 
عَلَى وَجْنَتَيْهِ مَا انْمَحَى أَثَرُ الْخَتْمِ٤٣٠
أَذَاقَ الْغَوَانِي حُسْنُهُ مَا أَذَقْنَنِي
 
وَعَفَّ فَجَازَاهُنَّ عَنِّي عَلَى الصُّرْمِ٤٣١
فِدًى مَنْ عَلَى الْغَبْرَاءِ أَوَّلُهُمْ أَنَا
 
لِهَذَا الْأَبِيِّ الْمَاجِدِ الْجَائِدِ الْقَرْمِ٤٣٢
لَقَدْ حَالَ بَيْنَ الْجِنِّ وَالْأَمْنِ سَيْفُهُ
 
فَمَا الظَّنُّ بَعْدَ الْجِنِّ بِالْعُرْبِ وَالْعُجْمِ٤٣٣
وَأَرْهَبَ حَتَّى لَوْ تَأَمَّلَ دِرْعَهُ
 
جَرَتْ جَزَعًا مِنْ غَيْرِ نَارٍ وَلَا فَحْمِ٤٣٤
وَجَادَ فَلَوْلَا جُودُهُ غَيْرَ شَارِبٍ
 
لَقُلْنَا: كَرِيمٌ هَيَّجَتْهُ ابْنَةُ الْكَرْمِ٤٣٥
أَطَعْنَاكَ طَوْعَ الدَّهْرِ يَا ابْنَ ابْنِ يُوسُفٍ
 
لِشَهْوَتِنا، وَالْحَاسِدُو لَكَ بِالرُّغْمِ٤٣٦
وَثِقْنَا بِأَنْ تُعْطِي فَلَوْ لَمْ تَجُدْ لَنَا
 
لَخِلْنَاكَ قَدْ أَعْطَيْتَ مِنْ قُوَّةِ الْوَهْمِ٤٣٧
دُعِيتُ بِتَقْرِيظِيكَ فِي كلِّ مَجْلِسٍ
 
وَظَنَّ الَّذِي يَدْعُو ثَنَائِي عَلَيْكَ اسْمِي٤٣٨
وَأَطْمَعْتَنِي فِي نَيْلِ مَا لَا أَنَالُهُ
 
بِمَا نِلْتُ حَتَّى صِرْتُ أَطْمَعُ فِي النَّجْمِ٤٣٩
إِذَا مَا ضَرَبْتَ الْقِرْنَ ثُمَّ أَجَزْتَنِي
 
فَكِلْ ذَهَبًا لِي مَرَّةً مِنْهُ بِالْكَلْمِ٤٤٠
أَبَتْ لَكَ ذَمِّي نَخْوَةٌ يَمَنِيَّةٌ
 
وَنَفْسٌ بهَا فِي مَأزِقٍ أَبَدًا تَرْمِي٤٤١
فَكَمْ قَائِلٍ: لَوْ كَانَ ذَا الشَّخْصُ نَفْسَهُ
 
لَكَانَ قَرَاهُ مَكْمَنَ الْعَسْكَرِ الدَّهْمِ!٤٤٢
وَقَائِلَةٍ — وَالْأَرْضَ أَعْنِي تَعَجُّبًا:
 
عَلَيَّ امْرُؤٌ يَمْشِي بِوَقْرِي مِنَ الْحِلْمِ!٤٤٣
عَظُمْتَ فَلَمَّا لَمْ تُكَلَّمْ مَهَابَةً
 
تَوَاضَعْتَ وَهْوَ الْعُظْمُ عُظْمًا عَنِ الْعُظْم٤٤٤

وقال يمدح علي بن إبراهيم التنوخي:

أَحَقُّ عَافٍ بِدَمْعِكَ الْهِمَمُ
 
أَحْدَثُ شَيْءٍ عَهْدًا بِهَا الْقِدَمُ٤٤٥
وَإِنَّمَا النَّاسُ بِالْمُلُوكِ وَمَا
 
تُفْلِحُ عُرْبٌ مُلُوكُهَا عَجَمُ٤٤٦
لَا أَدَبٌ عِنْدَهُمْ وَلَا حَسَبٌ
 
وَلَا عُهُودٌ لَهُمْ وَلَا ذِمَمُ٤٤٧
بِكُلِّ أَرْضٍ وَطِئْتُهَا أُمَمٌ
 
تُرْعَى بِعَبْدٍ كَأَنَّها غَنَمُ٤٤٨
يَسْتَخْشِنُ الْخَزَّ حِينَ يَلْمُسُهُ
 
وَكَانَ يُبْرَى بِظُفْرِهِ الْقَلَمُ٤٤٩
إِنِّي وَإِنْ لُمْتُ حَاسِدِيَّ فَما
 
أُنْكِرُ أنِّي عُقُوبَةٌ لَهُمُ٤٥٠
وَكَيْفَ لَا يُحْسَدُ امْرُؤٌ عَلَمٌ
 
لَهُ عَلَى كُلِّ هَامَةٍ قَدَمُ؟!٤٥١
يَهَابُهُ أَبْسَأُ الرِّجَالِ بِهِ
 
وَتَتَّقِي حَدَّ سَيْفِهِ الْبُهَمُ٤٥٢
كَفَانِيَ الذَّمَّ أَنَّنِي رَجُلٌ
 
أَكْرَمُ مَالٍ مَلَكْتُهُ الْكَرَمُ٤٥٣
يَجْنِي الْغِنَى لِلِّئَامِ لَوْ عَقَلُوا
 
مَا لَيْسَ يَجْنِي عَلَيْهِمِ الْعَدَمُ٤٥٤
هُمُ لِأَمْوَالِهِمْ وَلَسْنَ لَهُمْ
 
وَالْعَارُ يَبْقَى والْجُرْحُ يَلْتَئِمُ٤٥٥
مَنْ طَلَبَ الْمَجْدَ فَلْيَكُنْ كَعَلِيـْ
 
ـيٍ يَهَبُ الْأَلْفَ وَهْوَ يَبْتَسِمُ٤٥٦
وَيَطْعَنُ الْخَيْلَ كُلَّ نَافِذَةٍ
 
لَيْسَ لَهَا مِنْ وَحَائِهَا أَلَمُ٤٥٧
وَيَعْرِفُ الْأَمْرَ قَبْلَ مَوْقِعِهِ
 
فَمَا لَهُ بَعْدَ فِعْلِهِ نَدَمُ٤٥٨
وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ والسَّلَاهِبُ وَالـْ
 
ـبِيضُ لَهُ وَالْعَبِيدُ وَالْحَشَمُ٤٥٩
وَالسَّطَوَاتُ الَّتِي سَمِعْتَ بِهَا
 
تَكَادُ مِنْهَا الْجِبَالُ تَنْفَصِمُ٤٦٠
يُرْعِيكَ سَمْعًا فِيهِ اسْتِمَاعٌ إِلَى الدْ
 
دَاعِي وَفِيهِ عَنِ الْخَنَا صَمَمُ٤٦١
يُرِيكَ مِنْ خَلْقِهِ غَرَائِبَهُ
 
فِي مَجْدِهِ كَيْفَ تُخْلَقُ النَّسَمُ٤٦٢
مِلْتُ إِلَى مَنْ يَكَادُ بَيْنَكُمَا
 
إِنْ كُنْتُمَا السَّائِلَيْنِ يَنْقَسِمُ٤٦٣
مِنْ بَعْدِ مَا صِيغَ مِنْ مَوَاهِبِهِ
 
لِمَنْ أُحِبُّ الشُّنُوفُ وَالْخَدَمُ٤٦٤
مَا بَذَلَتْ مَا بِهِ يَجُودُ يَدٌ
 
وَلَا تَهَدَّى لِمَا يَقُولُ فَمُ٤٦٥
بَنُو الْعَفَرْنَى مَحَطَّةَ الْأَسَدِ الـْ
 
أُسْدُ وَلكِنْ رِمَاحُهَا الْأَجَمُ٤٦٦
قَوْمٌ بُلُوغُ الْغُلَامِ عِنْدَهُمُ
 
طَعْنُ نُحُورِ الكُمَاةِ لَا الْحُلُمُ٤٦٧
كَأَنَّمَا يُولَدُ النَّدَى مَعَهُمْ
 
لَا صِغَرٌ عَاذِرٌ وَلَا هَرِمُ٤٦٨
إِذَا تَوَلَّوْا عَدَاوَةً كَشَفُوا
 
وَإِنْ تَوَلَّوْا صَنِيعَةً كَتَمُوا٤٦٩
تَظُنُّ مِنْ فَقْدِكَ اعْتِدَادَهُمُ
 
أَنَّهُمْ أَنْعَمُوا وَمَا عَلِمُوا٤٧٠
إِنْ بَرَقُوا فَالْحُتُوفُ حَاضِرَةٌ
 
أَوْ نَطَقُوا فَالصَّوَابُ وَالْحِكَمُ٤٧١
أَوْ حَلَفُوا بِالْغَمُوسِ وَاجْتَهَدُوا
 
فَقَوْلُهُمْ: «خَابَ سَائِلِي» الْقَسَمُ٤٧٢
أَوْ رَكِبُوا الْخَيْلَ غَيْرَ مُسْرَجَةٍ
 
فَإِنَّ أَفْخَاذَهُمْ لَهَا حُزُمُ٤٧٣
أَوْ شَهِدُوا الْحَرْبَ لَاقِحًا أَخَذُوا
 
مِنْ مُهَجِ الدَارِعِينَ مَا احْتَكَمُوا٤٧٤
تُشْرِقُ أَعْرَاضُهُمْ وَأَوْجُهُهُمْ
 
كَأَنَّهَا فِي نُفُوسِهِمْ شِيَمُ٤٧٥
لَوْلَاكَ لَمْ أَتْرُكِ الْبُحَيْرَةَ وَالـْ
 
ـغَوْرُ دَفِيءٌ وَمَاؤُهَا شَبِمُ٤٧٦
وَالْمَوْجُ مِثْلُ الفُحُولِ مُزْبِدَةً
 
تَهْدِرُ فِيهَا وَمَا بِهَا قَطَمُ٤٧٧
وَالطَّيْرُ فَوْقَ الْحَبَابِ تَحْسَبُهَا
 
فُرْسَانَ بُلْقٍ تَخُونُهَا اللُّجُمُ٤٧٨
كَأَنَّهَا وَالرِّيَاحُ تَضْرِبُهَا
 
جَيْشَا وَغًى هَازِمٌ وَمُنْهَزِمُ٤٧٩
كَأَنَّهَا فِي نَهَارِهَا قَمَرٌ
 
حَفَّ بِهِ مِنْ جِنَانِهَا ظُلَمُ٤٨٠
نَاعِمَةُ الْجِسْمِ لَا عِظَامَ لَهَا
 
لَهَا بَنَاتٌ وَمَا لَهَا رَخِمَ٤٨١
يُبْقَرُ عَنْهُنَّ بَطْنُهَا أَبَدًا
 
وَمَا تَشَكَّى وَلَا يَسِيلُ دَمُ٤٨٢
تَغَنَّتِ الطَّيْرُ فِي جَوَانِبِهَا
 
وَجَادَتِ الْأَرْضُ حَوْلَهَا الدِّيَمُ٤٨٣
فَهْيَ كَمَاوِيَّةٍ مُطَوَّقَةٍ
 
جُرِّدَ عَنْهَا غِشَاؤُهَا الْأَدَمُ٤٨٤
يَشِينُهَا جَرْيُهَا عَلَى بَلَدٍ
 
تَشِينُهُ الْأَدْعِيَاءُ وَالْقَزَمُ٤٨٥
أَبَا الْحُسَيْنِ اسْتَمِعْ فَمَدْحُكُمُ
 
في الْفِعْلِ قَبْلَ الْكَلَام مُنْتَظِمُ٤٨٦
وَقَدْ تَوَالَى الْعِهَادُ مِنْهُ لَكُمْ
 
وَجَادَتِ الْمَطْرَةُ الَّتِي تَسِمُ٤٨٧
أُعِيذُكُمْ مِنْ صُرُوفِ دَهْرِكُمُ
 
فَإِنَّهُ في الْكِرَامِ مُتَّهَمُ٤٨٨

وقال يمدح المغيث بن العجلي:

فُؤَادٌ مَا تُسَلِّيهِ الْمُدَامُ
 
وَعُمْرٌ مِثْلُ مَا تَهَبُ اللِّئَامُ٤٨٩
وَدَهْرٌ نَاسُهُ نَاسٌ صِغَارٌ
 
وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ جُثَثٌ ضِخَامُ٤٩٠
وَمَا أَنَا مِنْهُمُ بالْعَيْشِ فِيهِمْ
 
وَلكِنْ مَعْدِنُ الذَّهَبِ الرَّغَامُ٤٩١
أَرَانِبُ غَيْرَ أَنَّهُمُ مُلُوكٌ
 
مُفَتَّحَةٌ عُيُونُهُمُ نِيَامُ٤٩٢
بِأَجْسَامٍ يَحَرُّ الْقَتْلُ فِيهَا
 
وَمَا أَقْرَانُهَا إِلَّا الطَّعَامُ٤٩٣
وَخَيْلٍ مَا يَخِرُّ لَهَا طَعِينٌ
 
كَأَنَّ قَنَا فَوَارِسِهَا ثُمَامُ٤٩٤
خَلِيلُكَ أَنْتَ لَا مَنْ قُلْتَ: خِلِّي
 
وَإِنْ كَثُرَ التَّجَمُّلُ والْكَلَامُ٤٩٥
وَلَوْ حِيزَ الْحِفَاظُ بِغَيْرِ عَقْلٍ
 
تَجَنَّبَ عُنْقَ صَيقَلِهِ الْحُسَامُ٤٩٦
وَشِبْهُ الشَّيْءِ مُنْجَذِبٌ إِلَيْهِ
 
وَأَشْبَهُنَا بِدُنْيَانَا الطَّغَامُ٤٩٧
وَلَوْ لَمْ يَعْلُ إِلَّا ذُو مَحَلٍّ
 
تَعَالَى الْجَيْشُ وَانْحَطَّ القَتَامُ٤٩٨
وَلَوْ لَمْ يَرْعَ إِلَّا مُسْتَحِقٌّ
 
لِرُتْبَتِهِ أَسَامَهُمُ الْمُسَامُ٤٩٩
وَمَنْ خَبَرَ الْغَوَانِي فَالْغَوَانِي
 
ضِيَاءٌ فِي بَوَاطِنِهِ ظَلَامُ٥٠٠
إِذَا كَانَ الشَّبَابُ السُّكْرَ وَالشَّيـْ
 
ـبُ هَمًّا فَالْحَيَاةُ هِيَ الْحِمَامُ٥٠١
وَمَا كُلٌّ بِمَعْذُورٍ بِبُخْلٍ
 
وَلَا كُلٌّ عَلَى بُخْلٍ يُلَامُ٥٠٢
وَلَمْ أَرَ مِثْلَ جِيرَانِي وَمِثْلِي
 
لِمِثْلِي عِنْدَ مِثْلِهِمِ مُقَامُ٥٠٣
بِأَرْضٍ مَا اشْتَهَيْتَ رَأَيْتَ فِيهَا
 
فلَيْسَ يَفُوتُهَا إِلَّا الْكِرَامُ٥٠٤
فَهَلَّا كَانَ نَقْصُ الْأَهْلِ فِيهَا
 
وَكَانَ لِأَهْلِهَا مِنْهَا التَّمَامُ؟٥٠٥
بِهَا الْجَبَلَانِ مِنْ صَخْرٍ وَفَخْرٍ
 
أَنَافَا: ذَا الْمُغِيثُ وَذَا اللَّكَامُ٥٠٦
وَلَيْسَتْ مِنْ مَواطِنِهِ وَلَكِنْ
 
يَمُرُّ بِهَا كَمَا مَرَّ الغَمَامُ٥٠٧
سَقَى اللهُ ابْنَ مُنْجِبَةٍ سَقَانِي
 
بِدَرٍّ مَا لِرَاضِعِهِ فِطَامُ٥٠٨
وَمَنْ إِحْدَى فَوَائِدِهِ العَطَايَا
 
وَمَنْ إِحْدَى عَطَايَاهُ الدَّوَامُ٥٠٩
وَقَدْ خَفِيَ الزَّمَانُ بِهِ عَلَينَا
 
كَسِلْكِ الدُّرِّ يُخْفِيهِ النِّظَامُ٥١٠
تَلَذُّ لَهُ الْمُرُوءَةُ وَهْيَ تُؤْذِي
 
وَمَنْ يَعْشَقْ يَلَذُّ لَهُ الْغَرَامُ٥١١
تَعَلَّقَهَا هَوَى قَيْسٍ لِلَيْلَى
 
وَوَاصَلَهَا فَلَيْسَ بِهِ سَقَامُ٥١٢
يَرُوعُ رَكَانَةً وَيَذُوبُ ظَرْفًا
 
فَمَا نَدْرِى أشَيْخٌ أمْ غُلَامُ؟٥١٣
وَتَمْلِكُهُ الْمَسَائِلُ فِي نَدَاهُ
 
وَأَمَّا فِي الْجِدَالِ فَلَا يُرَامُ٥١٤
وَقَبْضُ نَوَالِهِ شَرَفٌ وَعِزٌّ
 
وَقَبْضُ نَوَالِ بَعْضِ الْقَوْمِ ذَامُ٥١٥
أَقَامَتْ فِي الرِّقَابِ لَهُ أَيَادٍ
 
هِيَ الْأَطْوَاقُ وَالنَّاسُ الْحَمَامُ٥١٦
إِذَا عُدَّ الْكِرَامُ فَتِلْكَ عِجْلٌ
 
كَمَا الأنْوَاءُ حِينَ تُعَدُّ عَامُ٥١٧
تَقِي جَبَهَاتُهُمْ مَا فِي ذَرَاهُمْ
 
إِذَا بِشِفَارِهَا حَمِيَ اللِّطَامُ٥١٨
وَلَو يَمَّمْتَهُمْ فِي الْحَشْرِ تجْدُو
 
لَأَعْطَوْكَ الَّذِي صَلَّوْا وَصَامُوا٥١٩
فَإِنْ حَلُمُوا فَإِنَّ الْخَيْلَ فِيهِمْ
 
خِفَافٌ وَالرِّمَاحُ بِهَا عُرَامُ٥٢٠
وَعِنْدَهُمُ الْجِفَانُ مُكَلَّلَاتٍ
 
وَشَزْرُ الطَّعْنِ وَالضَّرْبُ التُّؤَامُ٥٢١
نُصَرِّعُهُمْ بِأَعْيُنِنَا حَيَاءً
 
وَتَنْبُو عَنْ وُجُوهِهِمُ السِّهَامُ٥٢٢
قَبِيلٌ يَحْمِلُونَ مِنَ الْمَعَالِي
 
كَمَا حَمَلَتْ مِنَ الْجَسَدِ الْعِظَامُ٥٢٣
قَبِيلٌ أَنْتَ أَنْتَ وَأَنْتَ مِنْهُمْ
 
وَجَدُّكَ بِشْرٌ الْمَلِكُ الْهُمَامُ٥٢٤
لِمَنْ مَالٌ تُمَزِّقُهُ الْعَطَايَا
 
وَيَشْرَكُ فِي رَغَائِبِهِ الْأَنَامُ؟!
وَلَا نَدْعُوكَ صَاحِبَهُ فَتَرْضَى
 
لِأَنَّ بِصُحْبَةٍ يَجِبُ الذِّمَامُ٥٢٥
تُحَايِدُهُ كَأَنَّكَ سَامِرِيٌّ
 
تُصَافِحُهُ يَدٌ فِيهَا جُذَامُ٥٢٦
إِذَا مَا الْعَالِمُونَ عَرَوْكَ قَالُوا:
 
أَفِدْنَا أَيُّهَا الْحِبْرُ الْإِمَامُ٥٢٧
إِذَا مَا الْمُعْلِمُونَ رَأَوْكَ قَالُوا:
 
بِهَذَا يُعْلَمُ الْجَيْشُ اللُّهَامُ٥٢٨
لَقَدْ حَسُنَتْ بِكَ الْأَوْقَاتُ حَتَّى
 
كَأَنَّكَ فِي فَمِ الدَّهْرِ ابْتِسَامُ٥٢٩
وَأُعْطِيتَ الَّذِي لَمْ يُعْطَ خَلْقٌ
 
عَلَيْكَ صَلَاةُ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ

وقال يمدح عمر بن سليمان الشرابي وهو يومئذٍ يتولى الفداء بين العرب والروم:

نَرَى عِظَمًا بِالْبَيْنِ وَالصَّدُّ أَعْظَمُ
 
وَنَتَّهِمُ الْوَاشِينَ وَالدَّمْعُ مِنْهُمُ٥٣٠
وَمَنْ لُبُّهُ مَعْ غَيْرِهِ كَيْفَ حَالهُ؟!
 
وَمَنْ سِرُّهُ فِي جَفْنِهِ كيْفَ يَكْتَمُ؟!٥٣١
وَلَمَّا الْتَقَيْنَا وَالنَّوَى وَرَقِيبُنَا
 
غَفُولَانِ عَنَّا ظِلْتُ أَبْكِي وَتَبْسِمُ٥٣٢
فَلَمْ أَرَ بَدْرًا ضَاحِكًا قَبْلَ وَجْهِهَا
 
وَلَمْ تَرَ قَبْلِي مَيِّتًا يَتَكَلَّمُ
ظَلُومٌ كَمَتْنَيْهَا لِصَبٍّ كَخَصْرِهَا
 
ضَعِيفِ الْقُوَى مِنْ فِعْلِهَا يَتَظَلَّمُ٥٣٣
بفَرْعٍ يُعِيدُ اللّيْلَ والصُّبْحُ نَيِّرٌ
 
وَوَجْهٍ يُعِيدُ الصُّبْحَ واللَّيْلُ مُظْلِمُ٥٣٤
فَلَوْ كَانَ قَلْبِي دَارَها كَانَ خَالِيًا
 
وَلَكِنَّ جَيْشَ الشَّوْقِ فِيهِ عَرَمْرَمُ٥٣٥
أَثَافٍ بِهَا مَا بِالْفُؤَادِ مِنَ الصَّلَى
 
وَرَسْمٌ كَجِسْمِي ناحِلٌ مُتَهَدِّمُ٥٣٦
بَلَلْتُ بِهَا رُدْنَيَّ والْغَيْمُ مُسْعِدِي
 
وَعَبْرَتُهُ صِرْفٌ وَفِي عَبْرَتِي دَمُ٥٣٧
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَا انْهَلَّ فِي الْخَدِّ مِنْ دَمِي
 
لَمَا كَانَ مُحْمَرًّا يَسِيلُ فَأَسْقَمُ٥٣٨
بِنَفْسِي الْخَيَالُ الزَّائِرِي بَعْدَ هَجْعَةٍ
 
وَقوْلَتُهُ لِي: بَعْدَنَا الْغُمْضَ تَطْعَمُ؟!٥٣٩
سَلَامٌ فَلَوْلَا الْخَوْفُ وَالْبُخْلُ عِنْدَهُ
 
لَقُلْتُ: أَبُو حَفْصٍ عَلَيْنَا الْمُسَلِّمُ٥٤٠
مُحِبُّ النَّدَى الصَّابِي إلَى بَذْلِ مَالِهِ
 
صُبُوًّا كَمَا يَصْبُو الْمُحِبُّ الْمُتَيَّمُ٥٤١
وَأُقْسِمُ لَوْلَا أَنَّ فِي كُلِّ شَعْرَةٍ
 
لَهُ ضَيْغَمًا قُلْنَا لَهُ: أَنْتَ ضَيْغَمُ٥٤٢
أَنَنْقُصُهُ مِنْ حَظِّهِ وَهْوَ زَائِدٌ
 
وَنَبْخَسُهُ وَالْبَخْسُ شَيْءٌ مُحَرَّمُ؟!٥٤٣
يَجِلُّ عَنِ التَّشْبِيهِ لَا الْكَفُّ لُجَّةٌ
 
وَلَا هُوَ ضِرْغَامٌ وَلَا الرَّأْيُ مِخْذَمُ٥٤٤
وَلَا جُرْحُهُ يُؤسَى وَلَا غَوْرُهُ يُرَى
 
وَلَا حَدُّهُ يَنْبُو وَلَا يَتَثَلَّمُ٥٤٥
وَلَا يُبْرَمُ الْأَمْرُ الَّذِي هُوَ حَالِلٌ
 
وَلَا يُحْلَلُ الْأَمْرُ الَّذِي هُوَ مُبْرِمُ٥٤٦
وَلَا يَرْمَحُ الْأَذْيَالَ مِنْ جَبَرِيَّةٍ
 
وَلَا يَخْدُمُ الدُّنْيَا وَإِيَّاهُ تَخْدُمُ٥٤٧
وَلَا يَشْتَهِي يَبْقَى وَتَفْنَى هِبَاتُهُ
 
وَلَا تَسْلَمُ الْأَعْدَاءُ مِنْهُ وَيَسْلَمُ٥٤٨
أَلَذُّ مِنَ الصَّهْبَاءِ بِالْمَاءِ ذِكْرُهُ
 
وَأَحْسَنُ مِنْ يُسْرٍ تَلَقَّاهُ مُعْدِمُ٥٤٩
وَأَغْرَبُ مِنْ عَنْقَاءَ فِي الطَّيْرِ شَكْلُهُ
 
وَأَعْوَزُ مِنْ مُسْتَرْفِدٍ مِنْهُ يُحْرَمُ٥٥٠
وَأَكْثَرُ مِنْ بَعْدِ الْأَيَادِي أَيَادِيًا
 
مِنْ الْقَطْرِ بَعْدَ الْقَطْرِ وَالْوَبْلُ مُثْجِمُ٥٥١
سَنِيُّ الْعَطَايَا لَوْ رَأَى نَوْمَ عَيْنهِ
 
مِنَ اللُّؤْمِ آلَى أَنَّهُ لَا يُهَوِّمُ٥٥٢
وَلَوْ قَالَ: هَاتُوا دِرْهَمًا لَمْ أَجُدْ بِهِ
 
عَلَى سَائِلٍ أَعْيَا عَلَى النَّاسِ درْهَمُ٥٥٣
ولَوْ ضَرَّ مَرْءًا قَبْلَهُ مَا يَسُرُّهُ
 
لَأَثَّرَ فِيهِ بَأْسُهُ وَالتَّكَرُّمُ٥٥٤
يُرَوِّي بِكَالْفِرْصَادِ فِي كُلِّ غَارَةٍ
 
يَتَامَى مِنَ الْأَغْمَادِ تُنْضَى فَتُوتِمُ٥٥٥
إِلَى الْيَوْمِ مَا حَطَّ الْفِدَاءُ سُرُوجَهُ
 
مُذُ الْغَزْوُ سَارٍ مُسْرَجُ الْخَيْلِ مُلْجَمُ٥٥٦
يَشُقُّ بِلَادَ الرُّومِ وَالنَّقْعُ أَبْلَقٌ
 
بِأَسْيَافِهِ وَالْجَوُّ بِالنَّقْعِ أَدْهَمُ٥٥٧
إِلَى المَلِكِ الطَّاغِي فَكَمْ مِنْ كَتِيبَةٍ
 
تُسَايِرُ مِنْهُ حَتْفَهَا وَهْيَ تَعْلَمُ!٥٥٨
وَمِنْ عَاتِقٍ نَصْرَانَةٍ بَرَزَتْ لَهُ
 
أُسِيلَةِ خَدٍّ عَنْ قَرِيبٍ ستُلْطَمُ!٥٥٩
صُفُوفًا لِلَيْثٍ فِي لُيُوثٍ حُصُونُها
 
مُتُونُ المَذَاكِي وَالْوَشِيجُ الْمُقَوَّمُ٥٦٠
تَغِيبُ الْمَنَايَا عَنْهُمُ وَهْوَ غَائِبٌ
 
وتَقْدَمُ في سَاحَاتِهِمْ حِينَ يَقْدَمُ٥٦١
أَجِدَّكَ مَا تَنْفَكُّ عَانٍ تَفُكُّهُ
 
عُمَ بْنَ سُلَيْمَانَ وَمَالٌ تُقَسِّمُ٥٦٢
مُكَافِيكَ مَنْ أَوْلَيْتَ دِينَ رَسُولِهِ
 
يَدًا لَا تُؤَدِّي شُكْرَهَا الْيَدُ وَالْفَمُ٥٦٣
عَلَى مَهَلٍ إِنْ كُنْتَ لَسْتَ بِرَاحِمٍ
 
لِنَفْسِكَ مِنْ جُودٍ فَإِنَّكَ تُرْحَمُ٥٦٤
مَحَلُّكَ مَقْصُودٌ وَشَانِيكَ مُفْحَمُ
 
وَمِثْلُكَ مَفْقُودٌ وَنَيْلُكَ خِضْرِمُ٥٦٥
وَزَارَكَ بِي دُونَ الْمُلُوكِ تَحَرُّجِي
 
إِذَا عَنَّ بَحْرٌ لَمْ يَجُزْ لِي التَّيَمُّمُ٥٦٦
فَعِشْ لَوْ فَدَى المَمْلُوكُ رَبًّا بِنَفْسِهِ
 
مِنَ المَوْتِ لَمْ تُفْقَدْ وَفِي الْأَرْضِ مُسْلِمُ٥٦٧

واجتاز بمكان يعرف بالفراديس من أرض قِنَّسْرِين فسمع زئير الأسد، فقال:

أَجَارُكِ يَا أُسْدَ الْفَرَادِيسِ مُكْرَمُ
 
فتَسْكُنَ نَفْسِي أَمْ مُهَانٌ فَمُسْلَمُ؟٥٦٨
وَرَائِي وَقُدَّامِي عُدَاةٌ كَثِيرَةٌ
 
أُحَاذِرُ مِنْ لِصٍّ وَمِنْكِ وَمِنْهُمُ٥٦٩
فَهَلْ لَكِ فِي حِلْفِي عَلَى مَا أُرِيدُهُ؟
 
فَإِنِّي بِأَسْبَابِ الْمَعِيشَةِ أَعْلَمُ٥٧٠
إِذَنْ لَأَتَاكِ الخَيْرُ مِنْ كُلِّ وِجْهَةٍ
 
وَأَثْرَيْتِ مِمَّا تَغْنَمِينَ وَأَغْنَمُ٥٧١

وقال في لعبة كانت تدور فسقطت عند بدر بن عمار:

مَا نَقَلَتْ فِي مَشِيئَةٍ قَدَمَا
 
وَلَا اشْتَكَتْ مِنْ دُوَارِهَا أَلَمَا٥٧٢
لَمْ أَرَ شَخْصًا مِنْ قَبْلِ رُؤْيَتِهَا
 
يَفْعَلُ أَفْعَالَهَا وَمَا عَزَمَا
فَلَا تَلُمْهَا عَلَى تَوَاقُعِهَا
 
أَطْرَبَهَا أَنْ رَأَتْكَ مُبْتَسِمَا٥٧٣

وخرج أبو الطيب إلى جبل حرس، فنزل بأبي الحسين علي بن أحد المري الخراساني، وكان بينهما مودة بطبرية، فقال يمدحه:

لَا افْتِخَارٌ إِلَّا لِمَنْ لَا يُضَامُ
 
مُدْرِكٍ أَوْ مُحَارِبٍ لَا يَنَامُ٥٧٤
لَيْسَ عَزْمًا مَا مَرَّضَ المَرْءُ فِيهِ
 
لَيْسَ هَمًّا مَا عَاقَ عَنْهُ الظَّلَامُ٥٧٥
وَاحْتِمَالُ الْأَذَى وَرُؤْيَةُ جَانِيـ
 
ـهِ غِذَاءٌ تَضْوَى بِهِ الْأَجْسَامُ٥٧٦
ذَلَّ مَنْ يَغْبِطُ الذَّلِيلَ بِعَيْشٍ
 
رُبَّ عَيْشٍ أَخَفُّ مِنْهُ الْحِمَامُ٥٧٧
كُلُّ حِلْمٍ أَتَى بِغَيْرِ اقْتِدَارٍ
 
حُجَّةٌ لَاجِئٌ إِلَيْهَا اللِّئَامُ٥٧٨
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الْهَوَانُ عَلَيْهِ
 
مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلَامُ٥٧٩
ضَاقَ ذَرْعًا بِأَنْ أَضِيقَ بِهِ ذَرْ
 
عًا زَمَانِي وَاسْتَكْرَمَتْنِي الْكِرَامُ٥٨٠
وَاقِفًا تَحْتَ أَخْمَصَيْ قَدْرِ نَفْسِي
 
وَاقِفًا تَحْتَ أَخْمَصَيَّ الْأَنَامُ٥٨١
أَقَرَارًا أَلَذُّ فَوْقَ شَرَارٍ
 
وَمَرَامًا أَبْغِي وَظُلْمِي يُرَامُ؟!
دُونَ أَنْ يَشْرَقَ الْحِجَازُ وَنَجْدٌ
 
وَالْعِرْاقَانِ بِالْقَنَا وَالشَّآمُ
شَرَقَ الْجَوِّ بِالْغُبَارِ إِذَا سَا
 
رَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْقَمْقَامُ٥٨٢
الْأَدِيبُ الْمُهَذَّبُ الْأَصْيَدُ الضَّرْ
 
بُ الذَّكِيُّ الْجَعْدُ السَّرِيُّ الْهُمَامُ٥٨٣
وَالَّذِي رَيْبُ دَهْرِهِ مِنْ أُسَارَا
 
هُ وَمِنْ حَاسِدِي يَدَيْهِ الْغَمَامُ٥٨٤
يَتَدَاوَى مِنْ كَثْرَةِ المَالِ بِالْإِقـْ
 
ـلَالِ جُودًا كَأَنَّ مَالًا سَقَامُ٥٨٥
حَسَنٌ فِي عُيُونِ أَعْدَائِهِ أَقـْ
 
ـبَحُ مِنْ ضَيْفِهِ رَأَتْهُ السَّوَامُ٥٨٦
لَوْ حَمَى سَيِّدًا مِنَ الْمَوْتِ حَامٍ
 
لَحَمَاكَ الْإِجْلَالُ وَالْإِعْظَامُ٥٨٧
وَعَوَارٍ لَوَامِعٌ دِينُهَا الْحِلـْ
 
ـلُ وَلَكِنَّ زِيَّهَا الْإِحْرَامُ٥٨٨
كُتِبَتْ فِي صَحَائِفِ الْمَجْدِ: بِسْمٌ
 
ثُمَّ قَيْسٌ وَبَعْدَ قَيْسِ السَّلَامُ٥٨٩
إِنَّمَا مُرَّةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ سَعْدٍ
 
لَجَمَرَاتٌ لَا تَشْتَهِيهَا النَّعَامُ٥٩٠
لَيْلُهَا صُبْحُهَا مِنَ النَّارِ وَالْإِصـْ
 
ـبَاحُ لَيْلٌ مِنَ الدُّخَانِ تِمَامُ٥٩١
هِمَمٌ بَلَّغَتْكُمُ رُتَبَاتٍ
 
قَصُرَتْ عَنْ بُلُوغِهَا الْأَوْهَامُ
وَنُفُوسٌ إِذَا انْبَرَتْ لِقِتَالٍ
 
نَفِدَتْ قَبْلَ يَنْفَدُ الْإِقْدَامُ٥٩٢
وَقُلُوبٌ مُوَطَّنَاتٌ عَلَى الرَّوْ
 
عِ كَأَنَّ اقْتِحَامَهَا اسْتِسْلَامُ٥٩٣
قَائِدُو كُلِّ شَطْبَةٍ وَحِصَانٍ
 
قَدْ بَراهَا الْإِسْرَاجُ وَالْإِلْجَامُ٥٩٤
يَتَعَثَّرْنَ بِالرُّءُوسِ كَمَا مَرْ
 
رَ بِتَاءَاتِ نُطْقِهِ التَّمْتَامُ٥٩٥
طَالَ غِشْيَانُكَ الكَرَائِهَ حَتَّى
 
قَالَ فِيكَ الَّذِي أَقُولُ الْحُسَامُ٥٩٦
وَكَفَتْكَ الصَّفَائِحُ النَّاسَ حَتَّى
 
قَدْ كَفَتْكَ الصَّفَائِحَ الْأَقْلَامُ٥٩٧
وَكَفَتْكَ التَّجَارِبُ الْفِكْرَ حَتَّى
 
قَدْ كَفَاكَ التَّجَارِبَ الْإِلْهَامُ٥٩٨
فَارِسٌ يَشْتَرِي بِرَازَكَ لِلْفَخـْ
 
ـرِ بِقَتْلٍ مُعَجَّلٍ لَا يُلَامُ٥٩٩
نَائِلٌ مِنْكَ نَظْرَةً سَاقَهُ الْفَقـْ
 
ـرُ عَلَيْهِ لِفَقْرِهِ إِنْعَامُ٦٠٠
خَيْرُ أَعْضَائِنَا الرُّءُوسُ وَلَكِنْ
 
فَضَلَتْهَا بِقَصْدِكَ الْأَقْدَامُ٦٠١
قَدْ لَعَمْرِي أَقْصَرْتُ عَنْكَ وَلِلْوَفـْ
 
ـدِ ازْدِحَامٌ وَلِلْعَطَايَا ازْدِحَامُ٦٠٢
خِفْتُ إِنْ صِرْتُ فِي يَمِينِكَ أَنْ تَأْ
 
خُذَنِي في هِبَاتِكَ الْأَقْوَامُ٦٠٣
وَمِنَ الرُّشْدِ لَمْ أَزُرْكَ عَلَى الْقُرْ
 
بِ، عَلَى الْبُعْدِ يُعْرَفُ الْإِلْمَامُ٦٠٤
وَمِنَ الْخَيْرِ بُطْءُ سَيْبِكَ عَنِّي
 
أَسْرَعُ السُّحْبِ فِي الْمَسِيرِ الْجَهَامُ٦٠٥
قُلْ فَكَمْ مِنْ جَوَاهِرٍ بِنِظَامٍ
 
وُدُّهَا أَنَّهَا بِفِيكَ كَلَامُ!٦٠٦
هَابَكَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فَلَوْ تَنـْ
 
ـهَاهُمَا لَمْ تَجُزْ بِكَ الْأَيَّامُ٦٠٧
حَسْبُكَ اللهُ مَا تَضِلُّ عَنِ الْحَقـْ
 
ـقِ وَمَا يَهْتَدِي إِلَيْكَ أَثَامُ٦٠٨
لِمَ لَا تَحْذَرُ الْعَوَاقِبَ فِي غَيـْ
 
ـرِ الدَّنَايَا أَمَا عَلَيْكَ حَرَامُ؟!٦٠٩
كَمْ حَبِيبٍ لَا عُذْرَ فِي اللَّوْمِ فِيهِ
 
لَكَ فِيهِ مِنَ التُّقَى لُوَّامُ!٦١٠
رَفَعَتْ قَدْرَكَ النَّزَاهَةُ عَنْهُ
 
وَثَنَتْ قَلْبَكَ المَسَاعِي الْجِسَامُ٦١١
إِنَّ بَعْضًا مِنَ الْقَرِيضِ هُذَاءٌ
 
لَيْسَ شَيْئًا وَبَعْضَهُ أَحْكَامُ٦١٢
مِنْهُ مَا يَجْلُبُ الْبَرَاعَةُ والفَضـْ
 
ـلُ ومِنْهُ مَا يَجْلُبُ الْبِرْسَامُ٦١٣

وورد على أبي الطيب كتاب من جدته لأمه تشكو شوقها إليه وطول غيبته عنها، فتوجه نحو العراق، ولم يمكنه وصول الكوفة على حالته تلك، فانحدر إلى بغداد، وكانت جدته قد يئست منه، فكتب إليها كتابًا يسألها المسيرَ إليه، فقبَّلت كتابه، وحُمَّت لوقتها سرورًا به، وغلب الفرح على قبلها فقتلها، فقال يرثيها:

أَلَا لَا أُرِي الْأَحْدَاثَ حَمْدًا وَلَا ذَمًّا
 
فَمَا بَطْشُها جَهْلًا وَلَا كَفُّهَا حِلْمَا٦١٤
إِلَى مِثْلِ مَا كَانَ الفَتَى مَرْجِعُ الْفَتَى
 
يَعُودُ كَمَا أُبْدِي وَيُكْرِي كَمَا أَرْمَى٦١٥
لَكِ اللهُ مِنْ مَفْجُوعَةٍ بِحَبِيبِهَا
 
قَتِيلَةِ شَوْقٍ غَيْرِ مُلْحِقِهَا وَصْمَا٦١٦
أَحِنُّ إِلَى الْكَأْسِ الَّتِي شَرِبَتْ بِهَا
 
وَأَهْوَى لِمَثْوَاهَا التُّرَابَ وَمَا ضَمَّا٦١٧
بَكَيْتُ عَلَيْهَا خِيفَةً فِي حَيَاتِهَا
 
وَذَاقَ كِلَانَا ثُكْلَ صَاحِبِهِ قِدْمَا٦١٨
وَلَوْ قَتَلَ الْهَجْرُ الْمُحِبِّينَ كُلَّهُمْ
 
مَضَى بَلَدٌ بَاقٍ أَجَدَّتْ لَهُ صَرْمَا٦١٩
عَرَفْتُ اللَّيَالِي قَبْلَ مَا صَنَعَتْ بِنَا
 
فَلَمَّا دَهَتْنِي لَمْ تَزِدْنِي بِهَا عِلْمَا٦٢٠
مَنَافِعُهَا مَا ضَرَّ فِي نَفْعِ غَيْرِهَا
 
تَغَذَّى وَتَرْوَى أَنْ تَجُوعَ وَأَنْ تَظْمَا٦٢١
أَتَاهَا كِتَابِي بَعْدَ يَأْسٍ وَتَرْحَةٍ
 
فَمَاتَتْ سُرُورًا بي فَمُتُّ بِهَا غَمَّا٦٢٢
حَرَامٌ عَلَى قَلْبِي السُّرُورُ فَإِنَّنِي
 
أَعُدُّ الَّذِي مَاتَتْ بِهِ بَعْدَهَا سُمَّا٦٢٣
تَعَجَّبُ مِنْ خَطِّي وَلَفْظِي كَأَنَّهَا
 
تَرَى بِحُرُوفِ السَّطْرِ أَغْرِبَةً عُصْمَا٦٢٤
وَتَلْثَمُهُ حَتَّى أَصَارَ مِدَادُهُ
 
مَحَاجِرَ عَيْنَيْهَا وَأَنْيَابَهَا سُحْمَا٦٢٥
رَقَا دَمْعُهَا الْجَارِي وَجَفَّتْ جُفُونُهَا
 
وَفَارَقَ حُبِّي قَلْبَهَا بَعْدَ مَا أَدْمَى٦٢٦
وَلَمْ يُسْلِهَا إِلَّا المَنَايَا وَإِنَّمَا
 
أَشَدُّ مِنَ السُّقْمِ الَّذِي أَذْهَبَ السُّقْمَا٦٢٧
طَلَبْتُ لَهَا حَظًّا فَفَاتَتْ وَفَاتَنِي
 
وَقَدْ رَضِيَتْ بِي لَوْ رَضِيتُ بِهَا قِسْمَا٦٢٨
فَأَصْبَحْتُ أَسْتَسْقِي الْغَمَامَ لِقَبْرِهَا
 
وَقَدْ كُنْتُ أَسْتَسْقِي الْوَغَى وَالْقَنَا الصُّمَّا٦٢٩
وَكُنْتُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ أَسْتَعْظِمُ النَّوَى
 
فَقَدْ صَارَتِ الصُّغْرَى الَّتي كَانَتِ الْعُظْمَى٦٣٠
هَبِينِي أَخَذْتُ الثَّأْرَ فِيكِ مِنَ الْعِدَا
 
فَكَيْفَ بِأَخْذِ الثَّأْرِ فِيكِ مِنَ الْحُمَّى؟!٦٣١
وَمَا انْسَدَّتِ الدُّنْيَا عَلَيَّ لِضِيقِهَا
 
وَلَكِنَّ طَرْفًا لَا أَرَاكِ بِهِ أَعْمَى٦٣٢
فَوَا أَسَفَا أنْ لَا أُكِبَّ مُقَبِّلًا
 
لِرَأْسِكِ وَالصَّدْرِ اللَّذَيْ مُلِئَا حَزْمَا٦٣٣
وَأَنْ لَا أُلَاقِي رُوحَكِ الطَّيِّبَ الَّذِي
 
كَأَنَّ ذَكِيَّ المِسْكِ كَانَ لَهُ جِسْمَا٦٣٤
وَلَوْ لَمْ تَكُونِي بِنْتَ أَكْرَمِ وَالِدٍ
 
لَكَانَ أَبَاكِ الضَّخْمَ كَوْنُكِ لِي أُمَّا٦٣٥
لَئِنْ لَذَّ يَوْمُ الشَّامِتِينَ بِيَوْمِهَا
 
فَقَدْ وَلَدَتْ مِنِّي لِأَنْفِهِمِ رَغْمَا٦٣٦
تَغَرَّبَ لَا مُسْتَعْظِمًا غَيْرَ نَفْسِهِ
 
وَلَا قَابِلًا إِلَّا لِخَالِقِهِ حُكْمَا٦٣٧
وَلَا سَالِكًا إِلَّا فُؤَادَ عَجَاجَةٍ
 
وَلَا وَاجِدًا إِلَّا لِمَكْرُمَةٍ طَعْمَا٦٣٨
يَقُولُونَ لِي: مَا أَنْتَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ؟
 
وَمَا تَبْتَغِي؟ مَا أَبْتَغِي جَلَّ أَنْ يُسْمَى٦٣٩
كَأَنَّ بَنِيهِمْ عَالِمُونَ بِأَنَّنِي
 
جَلُوبٌ إِلَيْهِمْ مِنْ مَعَادِنِهِ الْيُتْمَا٦٤٠
وَمَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالنَّارِ فِي يَدِي
 
بِأَصْعَبَ مِنْ أَنْ أَجْمَعَ الْجَدَّ وَالْفَهْمَا٦٤١
وَلَكِنَّنِي مُسْتَنْصِرٌ بِذُبَابِهِ
 
وَمُرْتَكِبٌ فِي كُلِّ حَالٍ بِهِ الْغَشْمَا٦٤٢
وَجَاعِلُهُ يَوْمَ اللِّقَاءِ تَحِيَّتِي
 
وَإِلَّا فَلَسْتُ السَّيِّدَ الْبَطَلَ القَرْمَا٦٤٣
إِذَا فَلَّ عَزْمِي عَنْ مَدًى خَوْفُ بُعْدِهِ
 
فَأَبْعَدُ شَيْءٍ مُمْكِنٌ لَمْ يَجِدْ عَزْمَا٦٤٤
وَإِنِّي لَمِنْ قَوْمٍ كَأَنَّ نُفُوسَنَا
 
بِهَا أَنَفٌ أَنْ تَسْكُنَ اللَّحْمَ وَالْعَظْمَا٦٤٥
كَذَا أَنَا يَا دُنْيَا إِذَا شِئْتِ فَاذْهَبِي
 
وَيَا نَفْسُ زِيدِي فِي كَرَائِهِهَا قُدْمَا٦٤٦
فَلَا عَبَرَتْ بِي سَاعَةٌ لَا تُعِزُّنِي
 
وَلَا صَحِبَتْني مُهْجَةٌ تَقْبَلُ الظُّلْمَا٦٤٧

وقال يمدح الأمير أبا محمد الحسن بن عبيد الله بن طغج بالرملة، وكان أبو محمد قد كثرت مراسلته إلى أبي الطيب من الرملة، فسار إليه، فلما دخل الرملة أكرمه أبو محمد فمدحه بهذه القصيدة:

أَنَا لَائِمي إِنْ كُنْتُ وَقْتَ اللَّوَائِمِ
 
عَلِمْتُ بِمَا بِي بَيْنَ تِلكَ الْمَعَالِمِ٦٤٨
وَلَكِنَّنِي مِمَّا شُدِهْتُ مُتَيَّمٌ
 
كَسَالٍ وَقَلْبِي بَائِحٌ مِثْلُ كَاتِمِ٦٤٩
وَقَفْنَا كَأَنَّا كُلُّ وَجْدِ قُلُوبِنَا
 
تَمَكَّنَ مِنْ أَذْوَادِنَا فِي الْقَوَائِمِ٦٥٠
وَدُسْنَا بِأَخْفَافِ الْمَطِيِّ تُرَابَهَا
 
فَلَا زِلْتُ أَسْتَشْفِي بِلَثْمِ الْمَنَاسِمِ٦٥١
دِيَارُ اللَّوَاتِي دَارُهُنَّ عَزِيزَةٌ
 
بِطُولِ الْقَنَا يُحْفَظْنَ لَا بِالتَّمَائِمِ٦٥٢
حِسَانُ التَّثَنِّي يَنْقُشُ الْوَشْيُ مِثْلَهُ
 
إِذَا مِسْنَ فِي أَجْسَامِهِنَّ النَّوَاعِمِ٦٥٣
وَيَبْسِمْنَ عَنْ دُرٍّ تَقَلَّدْنَ مِثْلَهُ
 
كَأَنَّ التَّرَاقِي وُشِّحَتْ بِالْمَبَاسِمِ٦٥٤
فَمَا لِي وَلِلدُّنْيَا طِلَابِي نُجُومُهَا
 
وَمَسْعَايَ مِنْهَا فِي شُدُوقِ الْأَرَاقِمِ؟!٦٥٥
مِنَ الْحِلْمِ أنْ تَسْتَعْمِلَ الْجَهْلَ دُونَهُ
 
إِذَا اتَّسَعَتْ فِي الْحِلْمِ طُرْقُ الْمَظَالِمِ٦٥٦
وَأَنْ تَرِدَ الْمَاءَ الَّذِي شَطْرُهُ دَمٌ
 
فَتُسْقَى إِذَا لَمْ يُسْقَ مَنْ لَمْ يُزَاحِمِ٦٥٧
وَمَنْ عَرَفَ الْأَيَّامَ مَعْرِفَتِي بِهَا
 
وَبِالنَّاسِ رَوَّى رُمْحَهُ غَيْرَ رَاحِمِ
فَلَيْسَ بِمَرْحُومٍ إِذَا ظَفِرُوا بِهِ
 
وَلَا فِي الرَّدَى الْجَارِي عَلَيْهِم بِآثِمِ٦٥٨
إِذَا صُلْتُ لَمْ أَتْرُكْ مَصَالًا لِصَائِلٍ
 
وَإِنْ قُلْتُ لَمْ أَتْرُكْ مَقَالًا لِعَالِمِ٦٥٩
وَإِلَّا فَخَانَتْنِي الْقَوَافِي وَعَاقَنِي
 
عَنْ ابْنِ عُبَيْدِ اللهِ ضُعْفُ الْعَزَائِمِ٦٦٠
عَنِ الْمُقْتَنِي بَذْلَ التَّلَادِ تِلَادَهُ
 
وَمُجْتَنِبِ الْبُخْلِ اجْتِنَابَ الْمَحَارِمِ٦٦١
تَمَنَّى أَعَادِيهِ مَحَلَّ عُفَاتِهِ
 
وَتَحْسُدُ كَفَّيْهِ ثِقَالُ الْغَمَائِمِ٦٦٢
وَلَا يَتَلَقَّى الْحَرْبَ إِلَّا بِمُهْجَةٍ
 
مُعَظَّمَةٍ مَذْخُورَةٍ لِلْعَظَائِمِ٦٦٣
وَذِي لَجَبٍ لَا ذُو الْجَنَاحِ أَمَامَهُ
 
بِنَاجٍ وَلَا الْوَحْشُ الْمُثَارُ بِسَالمِ٦٦٤
تَمُرُّ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهْيَ ضَعِيفَةٌ
 
تُطَالِعُهُ مِنْ بَيْنِ رِيشِ الْقَشَاعِمِ٦٦٥
إِذَا ضَوْءُهَا لَاقَى مِنَ الطَّيْرِ فُرْجَةً
 
تَدَوَّرَ فَوْقَ البَيْضِ مِثْلَ الدَّرَاهِمِ٦٦٦
وَيَخْفَى عَلَيْكَ الْبَرْقُ وَالرَّعْدُ فَوْقَهُ
 
مِنَ اللَّمْعِ فِي حَافَاتِهِ وَالْهَمَاهِمِ٦٦٧
أَرَى دُونَ مَا بَيْنَ الْفُرَاتِ وَبَرْقَةٍ
 
ضِرَابًا يُمَشِّي الْخَيْلَ فَوْقَ الْجَمَاجِمِ٦٦٨
وَطَعْنَ غَطَارِيفٍ كَأَنَّ أَكُفَّهُمْ
 
عَرَفْنَ الرُّدَيْنِيَّاتِ قَبْلَ الْمَعَاصِمِ٦٦٩
حَمَتْهُ عَلَى الْأَعْدَاءِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ
 
سُيُوفُ بَنِي طُغْجِ بْنِ جُفِّ الْقَمَاقِمِ٦٧٠
هُمُ الْمُحْسِنُونَ الْكَرَّ فِي حَوْمَةِ الْوَغَى
 
وَأَحْسَنُ مِنْهُ كَرُّهُمْ فِي الْمَكَارِمِ٦٧١
وَهُمْ يُحْسِنُونَ الْعَفْوَ عَنْ كُلِّ مُذْنِبٍ
 
وَيَحْتَمِلُونَ الْغُرْمَ عَنْ كُلِّ غَارِمِ٦٧٢
حَيِيُّونَ إِلَّا أَنَّهُمْ فِي نِزَالِهِمْ
 
أَقَلُّ حَيَاءً مِنْ شِفَارِ الصَّوَارِمِ٦٧٣
وَلَوْلَا احْتِقَارُ الْأُسْدِ شَبَّهْتُهَا بِهِمْ
 
وَلكِنَّهَا مَعْدُودَةٌ فِي الْبَهَائِمِ٦٧٤
سَرَى النَّوْمُ عَنِّي فِي سُرَايَ إِلَى الَّذِي
 
صَنَائِعُهُ تَسْرِي إِلَى كُلِّ نَائِمِ٦٧٥
إِلَى مُطْلِقِ الْأَسْرَى وَمُخْتَرِمِ الْعِدَا
 
وَمُشْكِي ذَوِي الشَّكْوَى وَرَغْمِ الْمُرَاغِمِ٦٧٦
كَرِيمٌ نَفَضْتُ النَّاسَ لَمَّا بَلَغْتُهُ
 
كَأَنَّهُمْ مَا جَفَّ مِنْ زَادِ قَادِمِ٦٧٧
وَكَادَ سُرُورِي لَا يَفِي بِنَدَامَتِي
 
عَلَى تَرْكِهِ فِي عُمْرِيَ المُتَقَادِمِ٦٧٨
وَفَارَقْتُ شَرَّ الْأَرْضِ أَهْلًا وَتُرْبَةً
 
بِهَا عَلَوِيٌّ جَدُّهُ غَيْرُ هَاشِمِ٦٧٩
بَلَى اللهُ حُسَّادَ الْأَمِيرِ بِحِلْمِهِ
 
وَأَجْلَسَهُ مِنْهُمْ مَكَانَ الْعَمَائِمِ٦٨٠
فَإِنَّ لَهُمْ فِي سُرْعَةِ الْمَوْتِ رَاحَةً
 
وَإِنَّ لَهُمْ فِي الْعَيْشِ حَزَّ الْغَلَاصِمِ٦٨١
كَأَنَّكَ مَا جَاوَدْتَ مَنْ بَانَ جُودُهُ
 
عَلَيْكَ وَلَا قَاتَلْتَ مَنْ لَمْ تُقَاوِمِ٦٨٢

وأقسم عليه أبو محمد أن يشرب فأخذ الكأس، وقال ارتجالًا:

حُيِّيتَ مِنْ قَسَمٍ وَأَفْدِي الْمُقْسِمَا
 
أَمْسى الْأَنَامُ لَهُ مُجِلًّا مُعْظِمَا٦٨٣
وَإِذَا طَلبْتُ رِضَا الْأَمِيرِ بِشُرْبِهَا
 
وَأَخَذْتُهَا فَلَقَدْ تَرَكْتُ الْأَحْرَمَا٦٨٤

وحدث أبو محمد عن مسيرهم في الليل لكبس بادية وأن المطر أصابهم، فقال:

غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ لَكَ الْإِقْدَامُ
 
فَلِمَنْ ذَا الْحَدِيثُ وَالْإعْلَامُ؟!
قَدْ عَلِمْنَا مِنْ قَبْلُ أَنَّكَ مَنْ لَمْ
 
يَمْنَعِ اللَّيْلُ هَمَّهُ وَالْغَمَامُ٦٨٥

وقال، وقد كبست أَنطاكيَة فقتل مهره الطخْرور والْحِجْرُ أمه:

إِذَا غَامَرْتَ فِي شَرَفٍ مَرُومِ
 
فَلَا تَقْنَعْ بِمَا دُونَ النُّجُومِ٦٨٦
فَطَعْمُ الْمَوْتِ فِي أَمْرٍ صَغِيرٍ
 
كَطَعْمِ الْمَوْتِ فِي أَمْرٍ عَظِيمِ٦٨٧
ستَبْكِي شَجْوَهَا فَرَسِي وَمُهْرِي
 
صَفَائِحُ دَمْعُهَا مَاءُ الْجُسُومِ٦٨٨
قَرَبْنَ النَّارَ ثُمَّ نَشَانَ فِيهَا
 
كَمَا نشأ الْعَذَارَى فِي النَّعِيمِ٦٨٩
وَفَارَقْنَ الصَّيَاقِلَ مُخْلَصَاتٍ
 
وَأَيْدِيهَا كَثِيرَاتُ الْكُلُومِ٦٩٠
يَرَى الْجُبَنَاءُ أَنَّ الْعَجْزَ عَقْلٌ
 
وَتِلْكَ خَدِيعَةُ الطَّبْعِ اللَّئِيمِ٦٩١
وَكُلُّ شَجَاعَةٍ فِي الْمَرْءِ تُغْنِي
 
وَلَا مِثْلَ الشَّجَاعَةِ فِي الْحَكِيمِ٦٩٢
وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا
 
وآفَتُهُ مِنَ الْفَهْمِ السَّقِيمِ!٦٩٣
وَلكِنْ تَاخُذُ الآذانُ مِنْهُ
 
عَلَى قَدْرِ الْقَرَائِحِ وَالْعُلُومِ٦٩٤

وسار أبو الطيب من الرملة يريد أنطاكية في سنة ست وثلاثين، فنزل بطرابلس وبها إسحاق بن إبراهيم الأعور بن كيغلغ. وكان جاهلًا، وكان يجالسه ثلاثة نفر من بني حيدرة، وكان بينه وبين أبي الطيب عداوة قديمة، فقالوا له: أتحب أن يتجاوزك ولا يمدحك؟! وجعلوا يغرونه، فراسله أن يمدحه، فاحتج عليه بيمين لحقته لا يمدح أحدًا إلى مدة، فعاقه عن طريقه ينتظر المدة، وأخذ عليه الطريق وضبطها. ومات النفر الثلاثة الذين كانوا يغرونه في مدة أربعين يومًا، فهجاه أبو الطيب، وأملاها على من يثق به. فلما ذاب الثلج خرج كأنه يسير فرسه وسار إلى دمشق، فأتبعه ابن كيغلغ خيلًا ورجلًا، فأعجزهم وظهرت القصيدة، وهي:

لِهَوَى النُّفُوسِ سَرِيرَةٌ لَا تُعْلَمُ
 
عَرَضًا نَظَرْتُ وَخِلْتُ أَنِّي أَسْلَمُ٦٩٥
يَا أُخْتَ مُعْتَنِقِ الْفَوَارِسِ فِي الْوَغَى
 
لَأَخُوكِ ثَمَّ أَرَقُّ مِنْكِ وَأَرْحَمُ
يَرْنُو إِلَيْكِ مَعَ الْعَفَافِ وَعِنْدَهُ
 
أَنَّ الْمَجُوسَ تُصِيبُ فِيمَا تَحْكُمُ٦٩٦
رَاعَتْكِ رَائِعَةُ البَيَاضِ بِعَارضِي
 
وَلَوَ انَّهَا الْأُولَى لَرَاعَ الْأَسْحَمُ٦٩٧
لَوْ كَانَ يُمْكِنُنِي سَفَرْتُ عَنِ الصِّبَا
 
فَالشَّيْبُ مِنْ قَبْلِ الْأَوَانِ تَلَثُّمُ٦٩٨
وَلَقَدْ رَأَيْتُ الْحَادِثَاتِ فَلَا أَرَى
 
يَقَقًا يُمِيتُ وَلَا سَوَادًا يَعْصِمُ٦٩٩
وَالْهَمُّ يَخْتَرِمُ الْجَسِيمَ نَحَافَةً
 
وَيُشِيبُ نَاصِيَةَ الصَّبِيِّ وَيُهْرِمُ٧٠٠
ذُو الْعَقْلِ يَشْقَى فِي النَّعِيمِ بِعَقْلِهِ
 
وَأَخُو الْجَهَالَةِ فِي الشَّقَاوَةِ يَنْعَمُ٧٠١
وَالنَّاسُ قَدْ نَبَذُوا الْحِفَاظَ فَمُطْلَقٌ
 
يَنْسَى الَّذِي يُولَى وَعَافٍ يَنْدَمُ٧٠٢
لَا يَخْدَعَنَّكَ مِنْ عَدُوٍّ دَمْعُهُ
 
وَارْحَمْ شَبَابَكَ مِنْ عَدُوٍّ تَرْحَمُ٧٠٣
لَا يَسْلَمُ الشَّرَفُ الرَّفِيعُ مِنَ الْأَذَى
 
حَتَّى يُرَاقَ عَلَى جَوَانِبِهِ الدَّمُ٧٠٤
يُؤْذِي الْقَلِيلُ مِنَ اللِّئَامِ بِطَبْعِهِ
 
مَنْ لَا يَقِلُّ كَمَا يَقِلُّ وَيَلْؤُمُ٧٠٥
الظُّلْمُ مِنْ شِيَمِ النُّفُوسِ فَإِنْ تَجِدْ
 
ذَا عِفَّةٍ فَلِعِلَّةٍ لَا يَظْلِمُ٧٠٦
يَحْمِي ابْنَ كَيْغَلَغَ الطَّرِيقَ وَعِرْسُهُ
 
مَا بَيْنَ رِجْلَيْهَا الطَّرِيقُ الْأَعْظَمُ٧٠٧
أَقِمِ المَسَالِحَ فَوْقَ شُقْرِ سُكَيْنَةٍ
 
إِنَّ المَنِيَّ بِحَلْقَتَيْهَا خِضرِمُ٧٠٨
وَارْفُقْ بِنَفْسِكَ إِنَّ خَلْقَكَ نَاقِصٌ
 
وَاسْتُرْ أَبَاكَ فَإِنَّ أَصْلَكَ مُظْلِمُ٧٠٩
وَغِنَاكٌ مَسْأَلَةٌ وَطَيْشُكَ نَفْخَةٌ
 
وَرِضَاكَ فَيْشَلَةٌ وَرَبُّكَ دِرْهَمُ٧١٠
وَاحْذَرْ مُنَاوَاةَ الرِّجَالِ فَإِنَّمَا
 
تَقْوَى عَلَى كَمَرِ الْعَبِيدِ وَتُقْدِمُ٧١١
وَمِنَ البَلِيَّةِ عَذْلُ مَنْ لَا يَرْعَوِي
 
عَنْ غَيِّهِ وَخِطَابُ مَنْ لَا يَفْهَمُ٧١٢
يَمْشِي بِأَرْبَعَةٍ عَلَى أَعْقَابِهِ
 
تَحْتَ الْعُلُوجِ وَمِنْ وَرَاءٍ يُلْجَمُ٧١٣
وَجُفُونُهُ مَا تَسْتَقِرُّ كَأَنَّهَا
 
مَطْرُوفَةٌ أَوْ فُتَّ فِيهَا حِصْرِمُ٧١٤
وَإِذَا أَشَارَ مُحَدِّثًا فَكَأَنَّهُ
 
قِرْدٌ يُقَهْقِهُ أَوْ عَجُوزٌ تَلْطِمُ٧١٥
يَقْلِي مُفَارَقَةَ الْأَكُفِّ قَذَالُهُ
 
حَتَّى يَكَادَ عَلَى يَدٍ يَتَعَمَّمُ٧١٦
وَتَرَاهُ أَصْغَرَ مَا تَرَاهُ نَاطِقًا
 
وَيَكُونُ أَكْذَبَ مَا يَكُونُ وَيُقْسِمُ٧١٧
وَالذُّلُّ يُظْهِرُ فِي الذَّلِيلِ مَوَدَّةً
 
وَأَوَدُّ مِنْهُ لِمَنْ يَوَدُّ الْأَرْقَمُ٧١٨
وَمِنَ الْعَدَاوَةِ مَا يَنَالُكَ نَفْعُهُ
 
وَمِنَ الصَّدَاقَةِ مَا يَضُرُّ وَيُؤْلِمُ٧١٩
أَرْسَلْتَ تَسْأَلُنِي الْمَدِيحَ سَفَاهَةً
 
صَفْرَاءُ أَضْيَقُ مِنْكَ مَاذَا أَزْعُمُ؟!٧٢٠
أَتُرَى الْقِيَادَة فِي سِوَاكَ تَكَسُّبًا
 
يَا ابْنَ الْأُعَيِّرِ وَهْيَ فِيكَ تَكَرُّمُ٧٢١
فَلَشَدَّ مَا جَاوَزْتَ قَدْرَكَ صَاعِدًا
 
وَلَشَدَّ مَا قَرُبَتْ عَلَيْكَ الْأَنْجُمُ٧٢٢
وَأَرَغْتَ مَا لِأَبِي الْعَشَائِرِ خَالِصًا
 
إِنَّ الثَّنَاءَ لِمَنْ يُزَارُ فيُنْعِمُ٧٢٣
وَلِمَنْ أَقَمْتَ عَلَى الْهَوَانِ بِبَابِهِ
 
تَدْنُو فَيُوجَأُ أَخْدَعَاكَ وَتُنْهَمُ٧٢٤
وَلِمَنْ يُهِينُ الْمَالَ وَهْوَ مُكَرَّمٌ
 
وَلِمَنْ يَجُرُّ الْجَيْشَ وَهْوَ عَرَمْرَمُ٧٢٥
وَلِمَنْ إِذَا الْتَقَتِ الْكُمَاةُ بِمَأَزِقٍ
 
فَنَصِيبُهُ مِنْهَا الكَمِيُّ المُعْلِمُ٧٢٦
وَلَرُبَّمَا أَطَرَ القَنَاةَ بِفَارِسٍ
 
وَثَنَى فَقَوَّمَهَا بِآخَرَ مِنْهُمُ٧٢٧
وَالْوَجْهُ أَزْهَرُ وَالْفُؤَادُ مُشَيَّعٌ
 
وَالرُّمْحُ أَسْمَرُ وَالْحُسَامُ مُصَمِّمُ٧٢٨
أَفْعَالُ مَنْ تَلِدُ الْكِرَامُ كَرِيمَةٌ
 
وَفَعَالُ مَنْ تَلِدُ الْأَعَاجِمُ أَعْجَمُ٧٢٩

واجتاز ببعلبك فخلع عليه علي بن عسكر، وسأله أن يقيم عنده، وكان يريد السفر إلى أَنطاكيَة، فقال يستأذنه:

رَوِينَا يَا ابْنَ عَسْكَرٍ الْهُمَامَا
 
وَلَمْ يَتْرُكْ نَدَاكَ بِنَا هُيَامَا٧٣٠
وَصَارَ أَحَبُّ مَا تُهْدِي إلَيْنَا
 
لِغَيْرِ قِلًى وَدَاعَكَ وَالسَّلَامَا٧٣١
وَلَمْ نَمْلَلْ تَفَقُّدَكَ الْمَوَالِي
 
وَلَمْ نَذْمُمْ أَيَادِيَكَ الْجِسَامَا٧٣٢
وَلَكِنَّ الْغُيُوثَ إِذَا تَوَالَتْ
 
بِأَرْضِ مُسَافِرٍ كَرِهَ الْمُقَامَا٧٣٣

وكان مع أبي العشائر ليلًا على الشراب، فكلما أراد النهوض وهب له شيئًا، حتى وهب له ثيابًا وجارية ومهرًا فقال:

أَعَنْ إِذْنِي تَهُبُّ الرِّيحُ رَهْوًا
 
وَيَسْرِي كُلَّمَا شِئْتُ الْغَمَامُ؟!٧٣٤
وَلَكِنَّ الْغَمَامَ لَهُ طِبَاعٌ
 
تَبَجُّسُهُ بِهَا وَكَذَا الْكِرَامُ٧٣٥

وقال يمدح كافورًا، وقد أهدى إليه مهرًا أدهم في شهر ربيع الآخر سنة ٣٤٧ﻫ:

فِرَاقٌ وَمَنْ فَارَقْتُ غَيْرُ مُذَمَّمِ
 
وَأَمٌّ وَمَنْ يَمَّمْتُ خَيْرُ مُيَمَّمِ٧٣٦
وَمَا مَنْزِلُ اللَّذَّاتِ عِنْدِي بِمَنْزِلٍ
 
إِذَا لَمْ أُبَجَّلْ عِنْدَهُ وَأُكَرَّمِ٧٣٧
سَجِيَّةُ نَفْسٍ مَا تَزَالُ مُلِيحَةً
 
مِنَ الضَّيْمِ مَرْمِيًّا بِهَا كُلُّ مَخْرِمِ٧٣٨
رَحَلْتُ فَكَمْ بَاكٍ بِأَجْفَانِ شَادِنٍ
 
عَلَيَّ وَكَمْ بَاكٍ بِأَجْفَانِ ضَيْغَمِ!٧٣٩
وَمَا رَبَّةُ القُرْطِ الْمَلِيحِ مَكَانُهُ
 
بِأَجْزَعَ مِنْ رَبِّ الْحُسَامِ الْمُصَمِّمِ٧٤٠
فَلَوْ كَانَ مَا بِي مِنْ حَبِيبٍ مُقَنَّعٍ
 
عَذَرْتُ وَلَكِنْ مِنْ حَبِيبٍ مُعَمَّمِ٧٤١
رَمَى وَاتَّقَى رَمْيِي وَمِنْ دُونِ مَا اتَّقَى
 
هَوًى كَاسِرٌ كَفِّي وَقَوْسِي وَأَسْهُمي٧٤٢
إِذَا سَاءَ فِعْلُ الْمَرْءِ سَاءَتْ ظُنُونُهُ
 
وَصَدَّقَ مَا يَعتَادُهُ مِنْ تَوَهُّمِ٧٤٣
وَعَادَى مُحِبِّيهِ بِقَوْلِ عُدَاتِهِ
 
وَأَصْبَحَ فِي لَيْلٍ مِنَ الشَّكِّ مُظْلِمِ٧٤٤
أُصَادِقُ نَفْسَ الْمَرْءِ مِنْ قَبْلِ جِسْمِهِ
 
وَأَعْرِفُهَا فِي فِعْلِهِ وَالتَّكَلُّمِ٧٤٥
وَأَحْلُمُ عَنْ خِلِّي وَأَعْلَمُ أَنَّهُ
 
مَتَى أَجْزِهِ حِلْمًا عَلَى الْجَهْلِ يَنْدَمِ٧٤٦
وَإِنْ بَذَلَ الْإِنْسَانُ لِي جُودَ عَابِسٍ
 
جَزَيْتُ بِجُودِ التَّارِكِ المُتَبَسِّمِ٧٤٧
وَأَهْوَى مِنَ الْفِتْيَانِ كُلَّ سَمَيْذَعٍ
 
نَجِيبٍ كَصَدْرِ السَّمْهَرِيِّ الْمُقَوَّمِ٧٤٨
خَطَتْ تَحْتَهُ الْعِيسُ الْفَلَاةَ وَخَالَطَتْ
 
بِهِ الْخَيْلُ كَبَّاتِ الْخَمِيسِ الْعَرَمْرَمِ٧٤٩
وَلَا عِفَّةٌ فِي سَيْفِهِ وَسِنَانِهِ
 
وَلَكِنَّهَا فِي الْكَفِّ وَالْفَرْجِ وَالْفَمِ٧٥٠
وَمَا كُلُّ هَاوٍ لِلْجَمِيلِ بِفَاعِلٍ
 
وَلَا كُلُّ فَعَّالٍ لَهُ بِمُتَمِّمِ٧٥١
فِدًى لِأَبِي الْمِسْكِ الْكِرَامُ فَإِنَّهَا
 
سَوَابِقُ خَيْلٍ يَهْتَدِينَ بِأدْهَمِ٧٥٢
أَغَرَّ بِمَجْدٍ قَدْ شَخَصْنَ وَرَاءَهُ
 
إِلَى خُلُقٍ رَحْبٍ وَخَلْقٍ مُطَهَّمِ٧٥٣
إِذَا مَنَعَتْ مِنْكَ السِّيَاسَةُ نَفْسَهَا
 
فَقِفْ وَقْفَةً قُدَّامَهُ تَتَعَلَّمِ٧٥٤
يَضِيقُ عَلَى مَنْ رَاءَهُ الْعُذْرُ أَنْ يُرَى
 
ضَعِيفَ الْمَسَاعِي أَوْ قَلِيلَ التَّكَرُّمِ٧٥٥
وَمَنْ مِثْلُ كَافُورٍ إِذَا الْخَيْلُ أَحْجَمَتْ
 
وَكَانَ قَلِيلًا مَنْ يَقُولُ لَهَا: اقْدُمِي٧٥٦
شَدِيدُ ثَبَاتِ الطِّرْفِ وَالنَّقْعُ وَاصِلٌ
 
إِلَى لَهَوَاتِ الْفَارِسِ المُتَلَثِّمِ٧٥٧
أَبَا الْمِسْكِ أَرْجُو مِنْكَ نَصْرًا عَلَى الْعِدَا
 
وآمُلُ عِزًّا يَخْضِبُ الْبِيضَ بِالدَّمِ٧٥٨
وَيَوْمًا يَغِيظُ الْحاسِدِينَ وَحَالَةً
 
أُقِيمُ الشَّقَا فِيهَا مَقَامَ التَّنَعُّمِ٧٥٩
وَلَمْ أَرْجُ إِلَّا أَهْلَ ذَاكَ وَمَنْ يُرِدْ
 
مَوَاطِرَ مِنْ غَيْرِ السَّحَائِبِ يَظْلِمِ٧٦٠
فَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِي مِصْرَ مَا سِرْتُ نَحْوَهَا
 
بِقَلْبِ الْمَشُوقِ الْمُسْتَهَامِ الْمُتَيَّمِ٧٦١
وَلَا نَبَحَتْ خَيْلِي كلَابُ قَبَائِلٍ
 
كَأَنَّ بِهَا فِي اللَّيلِ حَمْلَاتِ دَيْلَمِ٧٦٢
وَلَا اتَّبَعَتْ آثَارَنَا عَيْنُ قَائِفٍ
 
فَلَمْ تَرَ إِلَّا حَافِرًا فَوْقَ مَنْسِمِ٧٦٣
وَسَمْنَا بِهَا الْبَيْدَاءَ حَتَّى تَغَمَّرَتْ
 
مِنَ النِّيلِ وَاسْتَذْرَتْ بِظِلِّ الْمُقَطَّمِ٧٦٤
وَأَبْلَخَ يَعْصِي بِاخْتِصَاصِي مُشِيرَهُ
 
عَصَيْتُ بِقَصْدِيهِ مُشِيرِي وَلُوَّمِي٧٦٥
فَسَاقَ إِلَيَّ الْعُرْفَ غَيْرَ مُكَدَّرٍ
 
وَسُقْتُ إِلَيْهِ الشُّكْرَ غَيْرَ مُجَمْجَمِ٧٦٦
قَدِ اخْتَرْتُكَ الْأَمْلَاكَ فاخْتَرْ لَهُمْ بِنَا
 
حَدِيثًا وَقَدْ حَكَّمْتُ رَأْيَكَ فَاحْكُمِ٧٦٧
فَأَحْسَنُ وَجْهٍ فِي الْوَرَى وَجْهُ مُحْسِنٍ
 
وَأَيْمَنُ كَفٍّ فِيهِمِ كَفُّ مُنْعِمِ٧٦٨
وَأَشرَفُهُمْ مَنْ كَانَ أَشْرَفَ هِمَّةً
 
وَأَكْبَرَ إِقْدَامًا عَلَى كُلِّ مُعْظَمِ٧٦٩
لِمَنْ تَطْلُبُ الدُّنْيَا إِذَا لَمْ تُرِدْ بِهَا
 
سُرُورَ مُحِبٍّ أَوْ إِسَاءَةَ مُجْرِمِ؟!٧٧٠
وَقَدْ وَصَلَ الْمُهْرُ الَّذِي فَوْقَ فَخْذِهِ
 
مِنِ اسْمِكَ مَا فِي كُلِّ عُنْقٍ وَمِعْصَمِ٧٧١
لَكَ الْحَيَوَانُ الرَّاكِبُ الْخَيْلَ كُلُّهُ
 
وَإِنْ كَانَ بِالنِّيرَانِ غَيْرَ مُوَسَّمِ٧٧٢
وَلَوْ كُنْتُ أَدْرِي كَمْ حَيَاتِي قَسَمْتُهَا
 
وَصَيَّرْتُ ثُلْثَيْهَا انْتِظَارَكَ فَاعْلَمِ٧٧٣
وَلَكِنَّ مَا يَمْضِي مِنَ الْعُمْرِ فَائِتٌ
 
فَجُدْ لِي بِخَطِّ الْبَادِرِ الْمُتَغَنِّمِ٧٧٤
رَضِيتُ بِمَا تَرْضَى بِهِ لِي مَحَبَّةً
 
وَقُدْتُ إِلَيْكَ النَّفْسَ قَوْدَ الْمُسَلِّمِ٧٧٥
وَمِثْلُكَ مَنْ كَانَ الْوَسِيطَ فُؤَادُهُ
 
فَكَلَّمَهُ عَنِّي وَلَمْ أَتَكَلَّمِ٧٧٦

وقال يذكر حُمَّى كانت تغشاه بمصر ويعرض بالرحيل عن مصر، وذلك في ذي الحجة سنة ثمانٍ وأربعين وثلاثمائة:

مَلُومُكُمَا يَجِلُّ عَنِ المَلَامِ
 
وَوَقْعُ فَعَالِهِ فَوْقَ الكَلام٧٧٧
ذَرَانِي وَالْفَلَاةَ بِلَا دَلِيلٍ
 
وَوَجْهِي وَالْهَجِيرَ بِلَا لِثَامِ٧٧٨
فَإِنِّي أَسْتَرِيحُ بِذِي وَهَذَا
 
وَأَتْعَبُ بِالْإِنَاخَةِ وَالمُقَامِ٧٧٩
عُيُونُ رَوَاحِلِي إِنْ حِرْتُ عَيْنِي
 
وَكُلُّ بُغَامِ رَازِحَةٍ بُغَامِي٧٨٠
فَقَدْ أَرِدُ المِيَاهَ بِغَيْرِ هَادٍ
 
سِوَى عَدِّي لَهَا بَرْقَ الْغَمَامِ٧٨١
يُذِمُّ لِمُهْجَتِي رَبِّي وَسَيْفِي
 
إِذَا احْتَاجَ الوَحِيدُ إِلَى الذِّمَامِ٧٨٢
وَلَا أُمْسِي لِأَهْلِ الْبُخْلِ ضَيْفًا
 
وَلَيْسَ قِرًى سِوَى مُخِّ النَّعَامِ٧٨٣
فَلَمَّا صَارَ وُدُّ النَّاسِ خِبًّا
 
جَزَيْتُ عَلَى ابْتِسَامٍ بابْتِسَامِ٧٨٤
وَصِرْتُ أَشُكُّ فِيمَنْ أَصْطَفِيهِ
 
لِعِلْمِي أَنَّهُ بَعْضُ الْأَنَامِ٧٨٥
يُحِبُّ الْعَاقِلُونَ عَلَى التَّصَافِي
 
وَحُبُّ الْجَاهِلِينَ عَلَى الْوَسَامِ٧٨٦
وَآنَفُ مِنْ أَخِي لِأَبِي وَأُمِّي
 
إِذَا مَا لَمْ أَجِدْهُ مِنَ الكِرَامِ٧٨٧
أَرَى الْأَجْدَادَ تَغْلِبُهَا كَثِيرًا
 
عَلَى الْأَوْلَادِ أَخْلَاقُ اللِّئَامِ٧٨٨
وَلَسْتُ بِقَانِعٍ مِنْ كُلِّ فَضْلٍ
 
بِأَنْ أُعْزَى إِلَى جَدٍّ هُمَامِ٧٨٩
عَجِبْتُ لِمَنْ لَهُ قَدٌّ وَحَدٌّ
 
وَيَنْبُو نَبْوَةَ الْقَضِمِ الكَهَامِ٧٩٠
وَمَنْ يَجِدُ الطَّرِيقَ إِلَى الْمَعَالِي
 
فَلَا يَذَرُ الْمَطِيَّ بِلَا سَنَامِ٧٩١
وَلَمْ أرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ شَيْئًا
 
كَنَقْصِ الْقَادِرِينَ عَلَى التَّمَامِ٧٩٢
أَقَمْتُ بِأَرْضِ مِصْرَ فَلَا وَرَائِي
 
تَخُبُّ بِيَ الْمَطِيُّ وَلَا أَمَامِي٧٩٣
وَمَلَّنِيَ الْفِرَاشُ وَكَانَ جَنْبِي
 
يَمَلُّ لِقَاءَهُ فِي كُلِّ عَامِ٧٩٤
قَلِيلٌ عَائِدِي سَقِمٌ فُؤَادِي
 
كَثِيرٌ حَاسِدِي صَعْبٌ مَرَامِي٧٩٥
عَلِيلُ الْجِسْمِ مُمْتَنِعُ الْقِيَامِ
 
شَدِيدُ السُّكْرِ مِنْ غَيرِ المُدَامِ٧٩٦
وَزَائِرَتِي كَأَنَّ بِهَا حَيَاءً
 
فَلَيْسَ تَزُورُ إِلَّا فِي الظَّلِامِ٧٩٧
بَذَلْتُ لَهَا الْمَطَارِفَ وَالْحَشَايَا
 
فَعَافَتْهَا وَبَاتَتْ فِي عِظَامِي٧٩٨
يَضِيقُ الْجِلْدُ عَنْ نَفَسِي وَعَنْهَا
 
فَتُوسِعُهُ بِأَنْوَاعِ السِّقَامِ٧٩٩
إِذَا مَا فَارَقَتْنِي غَسَّلَتْنِي
 
كَأَنَّا عَاكِفَانِ عَلَى حَرَامِ٨٠٠
كَأَنَّ الصُّبْحَ يَطْرُدُهَا فتَجْرِي
 
مَدَامِعُهَا بِأَرْبَعَةٍ سِجَامِ٨٠١
أُرَاقِبُ وَقْتَهَا مِنْ غَيْرِ شَوْقٍ
 
مُرَاقَبَةَ الْمَشُوقِ الْمُسْتَهَامِ٨٠٢
وَيَصْدُقُ وَعْدُهَا وَالصِّدْقُ شَرٌّ
 
إِذَا أَلْقَاكَ فِي الْكُرَبِ الْعِظَامِ٨٠٣
أَبِنْتَ الدَّهْرِ عِنْدِي كُلُّ بِنْتٍ
 
فَكَيْفَ وَصَلْتِ أَنْتِ مِنَ الزِّحَامِ؟!٨٠٤
جَرَحْتِ مُجَرَّحًا لَمْ يَبْقَ فِيهِ
 
مَكَانٌ لِلسُّيُوفِ وَلَا السِّهَامِ٨٠٥
أَلَا يَا لَيْتَ شِعْرَ يَدِي أتُمْسِي
 
تَصَرَّفُ فِي عِنَانٍ أوْ زِمَامِ؟٨٠٦
وَهَلْ أَرْمِي هَوَايَ بِرَاقِصَاتٍ
 
مُحَلَّاةِ الْمَقَاوِدِ باللُّغَامِ؟٨٠٧
فَرُبَّتَمَا شَفَيْتُ غَلِيلَ صَدْري
 
بِسَيْرٍ أَوْ قَنَاةٍ أَوْ حُسَامِ٨٠٨
وَضَاقَتْ خُطَّةٌ فَخَلَصْتُ مِنْهَا
 
خَلَاصَ الْخَمْرِ مِنْ نَسْجِ الْفِدَامِ٨٠٩
وَفَارَقْتُ الْحَبِيبَ بِلَا وَدَاعٍ
 
وَوَدَّعْتُ الْبِلَادَ بِلَا سَلَامِ٨١٠
يَقُولُ لِيَ الطَّبِيبُ: أَكَلْتَ شَيْئًا
 
وَدَاؤُكَ فِي شَرَابِكَ وَالطَّعَامِ
وَمَا فِي طِبِّهِ أَنِّي جَوَادٌ
 
أَضَرَّ بِجِسْمِهِ طُولُ الجِمَامِ٨١١
تَعَوَّدَ أَنْ يُغَبِّرَ فِي السَّرَايَا
 
وَيَدْخُلَ مِنْ قَتَامٍ فِي قَتَامِ٨١٢
فَأُمْسِكَ لَا يُطَالُ لَهُ فيَرْعَى
 
وَلَا هُوَ فِي العَلِيقِ وَلَا اللِّجَامِ٨١٣
فَإِنْ أَمْرَضْ فَمَا مَرِضَ اصْطِبَارِي
 
وَإِنْ أُحْمَمْ فَمَا حُمَّ اعْتِزَامِي٨١٤
وَإِنْ أَسْلَمْ فَمَا أَبْقَى وَلَكِنْ
 
سَلِمْتُ مِنَ الْحِمَامِ إِلَى الْحِمَامِ٨١٥
تَمَتَّعْ مِنْ سُهَادٍ أَوْ رُقَادٍ
 
وَلَا تَأْمُلْ كَرًى تَحْتَ الرِّجَامِ٨١٦
فَإِنَّ لِثَالِثِ الْحَالَيْنِ مَعْنًى
 
سِوَى مَعْنَى انْتِبَاهِكَ وَالْمَنَامِ٨١٧

وقال يهجو كافورًا:

مِنْ أَيَّةِ الطُّرْقِ يَأْتِي نَحْوَكَ الْكَرَمُ
 
أَيْنَ الْمَحَاجِمُ يَا كَافُورُ وَالْجَلَمُ؟٨١٨
جَازَ الْأُلَى مَلَكَتْ كَفَّاكَ قَدْرَهُمُ
 
فَعُرِّفُوا بِكَ أَنَّ الْكَلْبَ فَوْقَهُمْ٨١٩
لَا شَيْءَ أَقْبَحُ مِنْ فَحْلٍ لَهُ ذَكَرٌ
 
تَقُودُه أَمَةٌ لَيْسَتْ لَهَا رَحِمُ٨٢٠
سَادَاتُ كُلِّ أُنَاسٍ مِنْ نُفُوسِهِمِ
 
وَسَادَةُ الْمُسْلِمِينَ الْأَعْبُدُ الْقَزَمُ٨٢١
أَغَايَةُ الدِّينِ أَنْ تُحْفُوا شَوَارِبَكُمْ
 
يَا أُمَّةً ضَحِكَتْ مِنْ جَهْلِهَا الْأُمَمُ٨٢٢
أَلَا فَتًى يُورِدُ الْهِنْدِيَّ هَامَتَهُ
 
كَيْمَا تَزُولَ شُكُوكُ النَّاسِ وَالتُّهَمُ٨٢٣
فَإِنَّهُ حُجَّةٌ يُؤْذِي القُلُوبَ بِهَا
 
مَنْ دِينُهُ الدَّهْرُ وَالتَّعْطِيلُ وَالْقِدَمُ٨٢٤
مَا أَقْدَرَ اللهَ أَنْ يُخْزِي خَلِيقَتَهُ
 
وَلَا يُصَدِّقَ قَوْمًا فِي الَّذِي زَعَمُوا٨٢٥

وقال يهجوه أيضًا:

أَمَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا كَرِيمُ
 
تَزُولُ بِهِ عَنِ الْقَلْبِ الْهُمُومُ؟٨٢٦
أَمَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مَكَانٌ
 
يُسَرُّ بِأَهْلِهِ الْجَارُ الْمُقيمُ؟٨٢٧
تَشَابَهَتِ الْبَهَائِمُ وَالْعِبِدَّى
 
عَلَيْنَا وَالْمَوَالِي وَالصَّمِيمُ٨٢٨
وَمَا أَدْرِي أَذَا دَاءٌ حَدِيثٌ
 
أَصَابَ النَّاسَ أمْ دَاءٌ قَدِيمُ؟٨٢٩
حَصَلْتُ بِأَرْضِ مِصْرَ عَلَى عَبِيدٍ
 
كَأَنَّ الحُرَّ بَيْنَهُمُ يَتِيمُ٨٣٠
كَأَنَّ الْأَسْوَدَ اللَّابِيَّ فِيهِمْ
 
غُرَابٌ حَوْلَهُ رَخَمٌ وَبُومُ٨٣١
أُخِذْتُ بِمَدْحِهِ فَرَأَيْتُ لَهْوًا
 
مَقَالِي لِلْأُحَيْمِقِ يَا حَلِيمُ٨٣٢
وَلَمَّا أَنْ هَجَوْتُ رَأَيْتُ عِيًّا
 
مَقَالِي لِابْنِ آوَى يَا لَئِيمُ٨٣٣
فَهَلْ مِنْ عَاذِرٍ فِي ذَا وَفِي ذَا
 
فَمَدْفُوعٌ إلَى السَّقَمِ السَّقِيمُ؟٨٣٤
إِذَا أَتَتِ الْإِسَاءَةُ مِنْ لَئِيمٍ
 
وَلَمْ أَلُمِ الْمُسِيءَ فَمَنْ أَلُومُ؟!٨٣٥

ودخل عليه صديق له بالكوفة وبيده تفاحة ندٍّ عليها اسم فاتك، وكانت مما أهداه له، فاستحسنها الرجل، فقال المتنبي:

يُذَكِّرُنِي فَاتِكًا حِلْمُهُ
 
وَشَيْءٌ مِنَ النَّدِّ فِيهِ اسْمُهُ٨٣٦
وَلَسْتُ بِنَاسٍ وَلَكِنَّنِي
 
يُجَدِّدُ لِي رِيحَهُ شَمُّهُ٨٣٧
وَأَيَّ فَتًى سَلَبَتْنِي الْمَنُونُ
 
وَلَمْ تَدْرِ مَا وَلَدَتْ أُمُّهُ!٨٣٨
وَلَا مَا تَضُمُّ إِلَى صَدْرِهَا
 
وَلَوْ عَلِمَتْ هَالَهَا ضَمُّهُ٨٣٩
بِمِصْرَ مُلُوكٌ لَهُمْ مَا لَهُ
 
وَلَكِنَّهُمْ مَا لَهُمْ هَمُّهُ٨٤٠
فَأَجْوَدُ مِنْ جُودِهِمْ بُخْلُهُ
 
وَأَحْمَدُ مِنْ حَمْدِهِمْ ذَمُّهُ٨٤١
وَأَشْرَفُ مِنْ عَيْشِهِمْ مَوْتُهُ
 
وَأَنْفَعُ مِنْ وَجْدِهِمْ عُدْمُهُ٨٤٢
وَإِنَّ مَنِيَّتَهُ عِنْدَهُ
 
لَكَالْخَمْرِ سُقِّيَهُ كَرْمُهُ٨٤٣
فَذَاكَ الَّذِي عَبَّهُ مَاؤُهُ
 
وَذَاكَ الَّذِي ذَاقَهُ طَعْمُهُ٨٤٤
وَمَنْ ضَاقَتِ الْأَرْضُ عَنْ نَفسِهِ
 
حَرًى أَنْ يَضِيقَ بِهَا جِسْمُهُ٨٤٥

وقال يذكر مسيره من مصر ويرثي فاتكًا، وأنشأها يوم الثلاثاء لتسعٍ خلون من شعبان سنة ٣٥٢:

حَتَّامَ نَحْنُ نُسَارِي النَّجْمَ فِي الظُّلَمِ؟!
 
وَمَا سُرَاهُ عَلَى خُفٍّ وَلَا قَدَمِ٨٤٦
وَلَا يُحِسُّ بِأَجْفَانٍ يُحِسُّ بِهَا
 
فَقْدَ الرُّقَادِ غَرِيبٌ بَاتَ لَمْ يَنَمِ٨٤٧
تُسَوِّدُ الشَّمْسُ مِنَّا بِيضَ أَوْجُهِنَا
 
وَلَا تُسَوِّدُ بِيضَ العُذْرِ وَاللِّمَمِ٨٤٨
وَكَانَ حَالُهُمَا فِي الْحُكْمِ وَاحِدَةً
 
لَوِ احْتَكَمْنَا مِنَ الدُّنْيَا إِلَى حِكَمِ٨٤٩
وَنَتْرُكُ الْمَاءَ لَا يَنْفَكُّ مِنْ سَفَرٍ
 
مَا سَارَ في الْغَيْمِ مِنْهُ سَارَ فِي الْأَدَمِ٨٥٠
لَا أُبْغِضُ العِيسَ لَكِنِّي وَقَيْتُ بِهَا
 
قَلْبِي مِنَ الْحُزْنِ أَوْ جِسْمِي مِنَ السَّقَمِ٨٥١
طَرَدْتُ مِنْ مِصْرَ أَيْدِيهَا بِأَرْجُلِهَا
 
حَتَّى مَرَقْنَ بِنَا مِنْ جَوْشَ وَالْعَلَمِ٨٥٢
تَبْرِي لَهُنَّ نَعَامُ الدَّوِّ مُسْرَجَةً
 
تُعَارِضُ الْجُدُلَ المُرْخَاةَ بِاللُّجُمِ٨٥٣
فِي غِلْمَةٍ أَخْطَرُوا أَرْوَاحَهُم وَرَضُوا
 
بِمَا لَقِينَ رِضَا الْأَيْسَارِ بِالزَّلَمِ٨٥٤
تَبْدُو لَنَا كُلَّمَا أَلْقَوْا عَمَائِمَهُمْ
 
عَمَائِمٌ خُلِقَتْ سُودًا بِلَا لُثُمِ٨٥٥
بِيضُ الْعَوَارِضِ طَعَّانُونَ مَنْ لَحِقُوا
 
مِنَ الْفَوَارِسِ شَلَّالُونَ لِلنَّعَمِ٨٥٦
قَدْ بَلَّغُوا بِقَنَاهُمْ فَوْقَ طَاقَتِهِ
 
وَلَيْسَ يَبلُغُ مَا فِيهِمْ مِنَ الْهِمَمِ٨٥٧
فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا أَنَّ أَنْفُسَهُمْ
 
مِنْ طِيبِهِنَّ بِهِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ٨٥٨
نَاشُوا الرِّمَاحَ وَكَانَتْ غَيْرَ نَاطِقَةٍ
 
فَعَلَّمُوهَا صِيَاحَ الطَّيرِ فِي الْبُهَمِ٨٥٩
تَخْدِي الرِّكَابُ بِنَا بِيضًا مَشَافِرُهَا
 
خُضْرًا فَرَاسِنُهَا فِي الرُّغْلِ وَالْيَنَمِ٨٦٠
مَكْعُومَةً بِسِيَاطِ الْقَوْمِ نَضْرِبُهَا
 
عَنْ مَنْبِتِ الْعُشْبِ نَبْغِي مَنْبِتَ الْكَرَمِ٨٦١
وَأَيْنَ مَنْبِتُهُ مِنْ بَعْدِ مَنْبِتِهِ
 
أَبِي شُجَاعٍ قَرِيعِ الْعُرْبِ وَالْعَجَمِ؟!٨٦٢
لَا فَاتِكٌ آخَرٌ فِي مِصْرَ نَقْصِدُهُ
 
وَلَا لَهُ خَلَفٌ فِي النَّاسِ كُلِّهِمِ٨٦٣
مَنْ لَا تُشَابِهُهُ الْأَحْيَاءُ فِي شِيَمٍ
 
أَمْسَى تُشَابِهُهُ الْأَمْوَاتُ فِي الرِّمَمِ٨٦٤
عَدِمْتُهُ وَكَأَنِّي سِرْتُ أَطْلُبُهُ
 
فَمَا تَزِيدُنِيَ الدُّنْيَا عَلَى الْعَدَمِ٨٦٥
مَا زِلْتُ أُضْحِكُ إِبْلِي كُلَّمَا نَظَرَتْ
 
إِلَى مَنِ اختَضَبَتْ أَخْفَافُهَا بِدَمِ٨٦٦
أُسِيرُهَا بَيْنَ أَصْنَامٍ أُشَاهِدُهَا
 
وَلَا أُشَاهِدُ فِيهَا عِفَّةَ الصَّنَمِ٨٦٧
حَتَّى رَجَعْتُ وَأَقْلَامِي قَوَائِلُ لِي
 
أَلْمَجْدُ لِلسَّيْفِ لَيْسَ الْمَجْدُ لِلْقَلَمِ٨٦٨
اكْتُبْ بِنَا أَبَدًا بَعْدَ الْكِتَابِ بِهِ
 
فَإِنَّمَا نَحْنُ لِلْأَسْيَافِ كَالْخَدَمِ٨٦٩
أَسْمَعْتِنِي وَدَوَائِي مَا أَشَرْتِ بِهِ
 
فَإِنْ غَفَلْتُ فَدَائِي قِلَّةُ الْفَهَمِ٨٧٠
مَنِ اقْتَضَى بِسِوَى الْهِنْدِيِّ حَاجَتَهُ
 
أَجَابَ كُلَّ سُؤَالٍ عَنْ هَلٍ بِلَمِ٨٧١
تَوَهَّمَ الْقَوْمُ أَنَّ الْعَجْزَ قَرَّبَنَا
 
وَفِي التَّقَرُّبِ مَا يَدْعُو إِلَى التُّهَمِ٨٧٢
وَلَمْ تَزَلْ قِلَّةُ الْإِنْصَافِ قَاطِعَةً
 
بَيْنَ الرِّجَالِ وَلَوْ كَانُوا ذَوِي رَحِمِ٨٧٣
فَلَا زِيَارَةَ إِلَّا أَنْ تَزُورَهُمُ
 
أَيْدٍ نَشَأْنَ مَعَ المَصْقُولَةِ الْخُذُمِ٨٧٤
مِنْ كُلِّ قَاضِيَةٍ بِالْمَوْتِ شَفْرَتُهُ
 
مَا بَيْنَ مُنْتَقَمٍ مِنْهُ وَمُنْتَقِمِ٨٧٥
صُنَّا قَوَائِمَهَا عَنْهُمْ فَمَا وَقَعَتْ
 
مَوَاقِعَ اللُّؤْمِ فِي الْأَيْدِي وَلَا الكَزَمِ٨٧٦
هَوِّنْ عَلَى بَصَرٍ مَا شَقَّ مَنْظَرُهُ
 
فَإِنَّمَا يَقَظَاتُ الْعَيْنِ كَالْحُلُمِ٨٧٧
وَلَا تَشَكَّ إِلَى خَلْقٍ فَتُشْمِتَهُ
 
شَكْوَى الْجَرِيحِ إِلَى الْغِرْبَانِ وَالرَّخَمِ٨٧٨
وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ لِلنَّاسِ تَسْتُرُهُ
 
وَلَا يَغُرَّكَ مِنْهُمْ ثَغْرُ مُبْتَسِمِ٨٧٩
غَاضَ الْوَفَاءُ فَمَا تَلْقَاهُ فِي عِدَةٍ
 
وَأَعْوَزَ الصِّدْقُ فِي الْإِخْبَارِ وَالْقَسَمِ٨٨٠
سُبْحَانَ خَالِقِ نَفْسِي كَيْفَ لذَّتُهَا
 
فِيمَا النُّفُوسُ تَرَاهُ غَايَةَ الْأَلَمِ؟!٨٨١
الدَّهْرُ يَعْجَبُ مِنْ حَمْلِي نَوَائِبَهُ
 
وَصَبْرِ جِسْمِي عَلَى أَحْدَاثِهِ الْحُطُمِ٨٨٢
وَقْتٌ يَضِيعُ وَعُمْرٌ لَيْتَ مُدَّتَهُ
 
فِي غَيْرِ أُمَّتِهِ مِنْ سَالِفِ الْأُمَمِ٨٨٣
أَتَى الزَّمَانَ بَنُوهُ فِي شَبِيبَتِهِ
 
فَسَرَّهُمْ وَأَتَيْنَاهُ عَلَى الْهَرَمِ٨٨٤

وقال يمدح عضد الدولة، وقد نثر عليهم الورد، وهم قيام بين يديه حتى غرقوا فيه:

قَدْ صَدَقَ الْوَرْدُ فِي الَّذِي زَعَمَا
 
أَنَّكَ صَيَّرْتَ نَثْرَهُ دِيَمَا٨٨٥
كَأَنَّمَا مَائِجُ الْهَوَاءِ بِهِ
 
بَحْرٌ حَوَى مِثْلَ مَائِهِ عَنَمَا٨٨٦
نَاثِرُهُ نَاثِرُ السُّيُوفِ دَمًا
 
وَكُلَّ قَوْلٍ يَقُولُهُ حِكَمَا٨٨٧
وَالْخَيْلَ قَدْ فَصَّلَ الضِّياعَ بِهَا
 
وَالنِّعَمَ السَّابِغَاتِ وَالنِّقَمَا٨٨٨
فَلْيُرِنَا الْوَرْدُ إِنْ شَكَا يَدَهُ
 
أَحْسَنَ مِنْهُ مِنْ جُودِهِ سَلِمَا٨٨٩
وَقُلْ لَهُ: لَسْتَ خَيْرَ مَا نَثَرَتْ
 
وَإِنَّمَا عَوَّذَتْ بِكَ الْكَرَمَا٨٩٠
خَوْفًا مِنَ الْعَيْنِ أَنْ يُصَابَ بِهَا
 
أَصَابَ عَيْنًا بِهَا يُصَابُ عَمَى٨٩١

قافية النون

وعزم سيف الدولة على لقاء الروم في السنَبُوس سنة أربعين وثلاثمائة، وبلغه أن العدو في أربعين ألفًا، فتهيبتهم أصحابه، فأنشد أبو الطيب بحضرة الجيش:

تَزُورُ دِيَارًا ما نُحِبُّ لَهَا مَغْنَى
 
وَنَسْأَلُ فِيهَا غَيْرَ سَاكِنِهَا الْإِذْنَا١
نَقُودُ إِلَيْهَا الْآخِذَاتِ لَنَا الْمَدَى
 
عَلَيْهَا الْكُمَاةُ الْمُحْسِنُونَ بِهَا الظَّنَّا٢
وَنُصْفِي الَّذِي يُكْنَى أَبَا الْحَسَنِ الْهَوَى
 
وَنُرْضِي الَّذِي يُسْمَى الْإِلَهَ وَلَا يُكْنَى٣
وَقَدْ عَلِمَ الرُّومُ الشَّقِيُّونَ أَنَّنَا
 
إِذَا مَا تَرَكْنَا أَرْضَهُمْ خَلْفَنَا عُدْنَا٤
وَأَنَّا إِذَا مَا الْمَوْتُ صَرَّحَ فِي الْوَغَى
 
لَبِسْنَا إِلَى حَاجَاتِنَا الضَّرْبَ وَالطَّعْنَا٥
قَصَدْنَا لَهُ قَصْدَ الْحَبِيبِ لِقَاؤُهُ
 
إِلَيْنَا وَقُلْنَا لِلسُّيُوفِ: هَلُمِّنَّا٦
وَخَيْلٍ حَشَوْنَاهَا الْأَسِنَّةَ بَعْدَمَا
 
تَكَدَّسْنَ مِنْ هَنَّا عَلَيْنَا وَمِنْ هَنَّا٧
ضُرِبْنَ إِلَيْنَا بِالسِّيَاطِ جَهَالَةً
 
فَلَمَّا تَعَارَفْنَا ضُرِبْنَ بِهَا عَنَّا٨
تَعَدَّ الْقُرَى وَالْمُسْ بِنَا الْجَيشَ لَمْسَةً
 
نُبَارِ إِلَى مَا تَشْتَهِي يَدُكَ الْيُمْنَى٩
فَقَدْ بَرَدَتْ فَوْقَ اللُّقَانِ دِمَاؤُهُمْ
 
وَنَحْنُ أُنَاسٌ نُتْبِعُ البَارِدَ السُّخْنَا١٠
وَإِنْ كُنتَ سَيْفَ الدَّوْلَةِ الْعَضْبَ فِيهِمِ
 
فَدَعْنَا نَكُنْ قَبْلَ الضِّرَابِ الْقَنَا اللُّدْنَا١١
فَنَحْنُ الْأُلَى لَا نَأْتَلِي لَكَ نُصْرَةً
 
وَأَنْتَ الَّذِي لَوْ أَنَّهُ وَحْدَهُ أَغْنى١٢
يَقِيكَ الرَّدَى مَنْ يَبْتَغِي عِنْدَكَ الْعُلَا
 
وَمَنْ قَالَ: لَا أَرْضَى مِنَ الْعَيْشِ بِالْأدْنَى١٣
فَلَوْلَاكَ لَمْ تَجْرِ الدِّمَاءُ وَلَا اللُّهَا
 
وَلَمْ يَكُ لِلدُّنْيَا وَلَا أَهْلِهَا مَعْنَى١٤
وَمَا الْخَوْفُ إِلَّا مَا تَخَوَّفَهُ الْفَتَى
 
وَمَا الْأَمْنُ إِلَّا مَا رَآهُ الْفَتَى أَمْنَا١٥

وقال يمدحه وقد أهدى له ثياب ديباج ورمحًا وفرسًا معها مهرها، وكان المهر أحسن:

ثِيَابُ كَرِيمٍ مَا يَصُونُ حِسَانَهَا
 
إِذَا نُشِرَتْ كَانَ الْهِبَاتُ صِوَانَهَا١٦
تُرِينَا صَنَاعُ الرُّومِ فِيهَا مُلُوكَهَا
 
وَتَجْلُو عَلَيْنَا نَفْسَهَا وَقِيَانَهَا١٧
وَلَمْ يَكْفِهَا تَصْوِيرُهَا الْخَيْلَ وَحْدَهَا
 
فَصَوَّرَتِ الْأَشْيَاءَ إِلَّا زَمَانَهَا١٨
وَمَا ادَّخَرَتْهَا قُدْرَةً في مُصَوِّرٍ
 
سِوَى أَنَّهَا مَا أَنْطَقَتْ حَيَوَانَهَا١٩
وَسَمْرَاءُ يَسْتَغْوِي الْفَوَارِسَ قَدُّهَا
 
وَيُذْكِرُهَا كَرَّاتِهَا وَطِعَانَهَا٢٠
رُدَيْنِيَّةٌ تَمَّتْ وَكَادَ نَبَاتُهَا
 
يُرَكِّبُ فِيهَا زُجَّهَا وَسِنَانَهَا٢١
وَأُمُّ عَتِيقٍ خَالُهُ دُونَ عَمِّهِ
 
رَأَى خَلْقَهَا مَنْ أَعْجَبَتْهُ فَعَانَهَا٢٢
إِذَا سَايَرَتْهُ بَايَنَتْهُ وَبَانَهَا
 
وَشَانَتْهُ فِي عَيْنِ الْبَصِيرِ وَزَانَهَا٢٣
فَأَيْنَ الَّتِي لَا تَأْمَنُ الْخَيْلُ شَرَّهَا
 
وَشَرِّي وَلَا تُعْطِي سِوَايَ أَمَانَهَا؟٢٤
وَأَيْنَ الَّتِي لَا تَرْجِعُ الرُّمْحَ خَائِبًا
 
إِذَا خَفَضَتْ يُسْرَى يَدَيَّ عِنَانَهَا٢٥
وَمَا لِي ثَنَاءٌ لَا أَرَاكَ مَكَانَهُ
 
فَهَلْ لَكَ نُعْمَى لَا تَرَانِي مَكَانَهَا؟٢٦

ومد نهر قويق وهو نهر بحلب حتى أحاط بدار سيف الدولة، وخرج أبو الطيب من عنده فبلغ الماء إلى صدر فرسه فقال أبو الطيب مرتجلًا:

حَجَّبَ ذَا الْبَحْرَ بِحَارٌ دُونَهُ
 
يَذُمُّهَا النَّاسُ وَيَحْمَدُونَهُ٢٧
يَا مَاءُ هَلْ حَسَدْتَنَا مَعِينَهُ؟
 
أَمِ اشْتَهَيْتَ أَنْ تُرَى قَرِينَهُ؟٢٨
أَمِ انْتَجَعْتَ لِلْغِنَى يَمِينَهُ؟
 
أَمْ زُرْتَهُ مُكَثِّرًا قَطِينَهُ؟٢٩
أَمْ جِئْتَهُ مُخَنْدِقًا حُصُونَهُ
 
إِنَّ الْجِيَادَ وَالْقَنَا يَكْفِينَهُ٣٠
يَا رُبَّ لُجٍّ جُعِلَتْ سَفِينَهُ
 
وَعَازِبِ الرَّوْضِ تَوَفَّتْ عُونَهُ٣١
وَذِي جُنُونٍ أَذْهَبَتْ جُنُونَهُ
 
وَشَرْبِ كَأْسٍ أَكْثَرَتْ رَنِينَهُ٣٢
وَأَبْدَلَتْ غِنَاءَهُ أَنِينَهُ
 
وَضَيْغَمٍ أَوْلَجَهَا عَرِينَهُ٣٣
وَمَلِكٍ أَوْطَأَهَا جَبِينَهُ
 
يَقُودُهَا مُسَهِّدًا جُفُونَهُ٣٤
مُبَاشِرًا بِنَفْسِهِ شُئُونَهُ
 
مُشَرِّفًا بِطَعْنِهِ طَعِينَهُ٣٥
عَفِيفَ مَا فِي ثَوْبِهِ مَأْمُونَهُ٣٦
أَبْيَضَ مَا فِي تَاجِهِ مَيْمُونَهُ٣٧
 
بَحْرٌ يَكُونُ كُلُّ بَحْرٍ نُونَهُ٣٨
شَمْسٌ تَمَنَّى الشَّمَسُ أَنْ تَكُونَهُ٣٩
إِنْ تَدْعُ: يَا سَيْفُ؛ لِتَسْتَعِينَهُ
 
يُجِبْكَ قَبْلَ أنْ تُتِمَّ سِينَهُ٤٠
أَدَامَ مِنْ أَعْدَائِهِ تَمْكِينَهُ
 
مَنْ صَانَ مِنْهُمْ نَفْسَهُ وَدِينَهُ٤١

وقال يمدحه عند منصرفه من بلد الروم سنة خمس وأربعين وثلاثمائة وأنشده إياها بآمد:

الرَّأْيُ قَبْلَ شَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ
 
هُوَ أَوَّلٌ وَهْيَ الْمَحَلُّ الثَّانِي٤٢
فَإِذَا هُمَا اجْتَمَعَا لِنَفْسٍ مِرَّةٍ
 
بَلَغَتْ مِنَ الْعَلْيَاءِ كُلَّ مَكَانِ٤٣
وَلَرُبَّمَا طَعَنَ الْفَتَى أَقْرَانَهُ
 
بِالرَّأْيِ قَبْلَ تَطَاعُنِ الْأَقْرَانِ٤٤
لَوْلَا الْعُقُولُ لَكَانَ أَدْنَى ضَيْغَمٍ
 
أَدْنَى إِلَى شَرَفٍ مِنَ الْإِنْسَانِ
وَلَمَا تَفَاضَلَتِ النُّفُوسُ وَدَبَّرَتْ
 
أَيْدِي الكُمَاةِ عَوَالِيَ المُرَّانِ٤٥
لَوْلَا سَمِيُّ سُيُوفِهِ وَمَضَاؤُهُ
 
لَمَّا سُلِلْنَ لَكُنَّ كَالْأَجْفَانِ٤٦
خَاضَ الْحِمَامَ بِهِنَّ حَتَّى مَا دُرَى
 
أَمِنِ احْتِقَارٍ ذَاكَ أمْ نِسْيَانِ؟٤٧
وَسَعَى فَقَصَّرَ عَنْ مَدَاهُ في الْعُلَا
 
أَهْلُ الزَّمَانِ وَأَهْلُ كُلِّ زَمَانِ٤٨
تَخِذُوا الْمَجَالِسَ فِي الْبُيُوتِ وَعِنْدَهُ
 
أَنَّ السُّرُوجَ مَجَالِسُ الْفِتْيَانِ٤٩
وَتَوَهَّمُوا اللَّعِبَ الْوَغَى وَالطَّعْنُ فِي الـْ
 
ـهَيْجَاءِ غَيْرُ الطَّعْنِ فِي الْمَيْدَانِ٥٠
قَادَ الْجِيَادَ إِلَى الطِّعَانِ وَلَمْ يَقُدْ
 
إِلَّا إِلَى الْعَادَاتِ وَالْأَوْطَانِ٥١
كُلُّ ابْنِ سَابِقَةٍ يُغِيرُ بِحُسْنِهِ
 
فِي قَلْبِ صَاحِبِهِ عَلَى الْأَحْزَانِ٥٢
إِنْ خُلِّيَتْ رُبِطَتْ بِآدَابِ الْوَغَى
 
فَدُعَاؤُهَا يُغْنِي عَنِ الْأَرْسَانِ٥٣
فِي جَحْفَلٍ سَتَرَ الْعُيُونَ غُبَارُهُ
 
فَكَأَنَّمَا يُبْصِرْنَ بِالْآذَانِ٥٤
يَرْمِي بِهَا الْبَلَدَ البَعِيدَ مُظَفَّرٌ
 
كُلُّ الْبَعِيدِ لَهُ قَرِيبٌ دَانِ٥٥
فَكَأَنَّ أَرْجُلَهَا بِتُرْبَةِ مَنْبِجٍ
 
يَطْرَحْنَ أَيْدِيَهَا بِحِصْنِ الرَّانِ٥٦
حَتَّى عَبَرْنَ بِأَرْسَنَاسَ سَوَابحًا
 
يَنْشُرْنَ فِيهِ عَمَائِمَ الْفُرْسَانِ٥٧
يَقْمُصْنَ فِي مِثْلِ الْمُدَى مِنْ بَارِدٍ
 
يَذَرُ الْفُحُولَ وَهُنَّ كَالْخِصْيَانِ٥٨
وَالْمَاءُ بَيْنَ عَجَاجَتَيْنِ مُخَلِّصٌ
 
تَتَفَرَّقانِ بِهِ وَتَلْتَقِيَانِ٥٩
رَكَضَ الْأَمِيرُ وَكَاللُّجَيْنِ حَبَابُهُ
 
وَثَنَى الْأَعِنَّةَ وَهْوَ كَالْعِقْيَانِ٦٠
فَتَلَ الْحِبَالَ مِنَ الْغَدَائِرِ فَوْقَهُ
 
وَبَنَى السَّفينَ لَهُ مِنَ الصُّلْبَانِ٦١
وَحَشَاهُ عَادِيَةً بِغَيْرِ قَوَائِمٍ
 
عُقْمَ الْبُطُونِ حَوَالِكَ الْأَلْوَانِ٦٢
تَأْتِي بِمَا سَبَتِ الْخُيُولُ كَأَنَّهَا
 
تَحْتَ الْحِسَانِ مَرَابِضُ الْغِزْلَانِ٦٣
بَحْرٌ تَعَوَّدَ أَنْ يُذِمَّ لِأَهْلِهِ
 
مِنْ دَهْرِهِ وَطَوَارِقِ الْحِدْثَانِ
فَتَرَكْتَهُ وَإِذَا أَذَمَّ مِنَ الْوَرَى
 
رَاعَاكَ وَاسْتَثْنَى بَنِي حَمْدَانِ٦٤
الْمُخْفِرِينَ بِكُلِّ أَبْيَضَ صَارِمٍ
 
ذِمَمَ الدُّرُوعِ عَلَى ذَوِي التِّيجَانِ٦٥
مُتَصَعْلِكِينَ عَلَى كَثَافَةِ مُلْكِهِمْ
 
مُتَوَاضِعِينَ عَلَى عَظِيمِ الشَّانِ٦٦
يَتَقَيَّلُونَ ظِلَالَ كُلِّ مُطَهَّمٍ
 
أَجَلِ الظَّلِيمِ وَرِبْقَةِ السِّرْحَانِ٦٧
خَضَعَتْ لِمُنْصُلِكَ الْمَنَاصِلُ عَنْوَةً
 
وَأَذَلَّ دِينُكَ سَائِرَ الْأَدْيَانِ٦٨
وَعَلَى الدُّرُوبِ وَفِي الرُّجُوعِ غَضَاضَةٌ
 
وَالسَّيْرُ مُمْتَنِعٌ مِنَ الْإِمْكَانِ
وَالطُّرْقُ ضَيِّقَةُ الْمَسَالِكِ بِالْقَنَا
 
وَالْكُفْرُ مُجْتَمِعٌ عَلَى الْإِيْمَانِ
نَظَرُوا إِلَى زُبَرِ الْحَدِيدِ كَأَنَّمَا
 
يَصْعَدْنَ بَيْنَ مَنَاكِبِ الْعِقْبَانِ٦٩
وَفَوَارِسٍ يُحْيِي الْحِمَامُ نُفُوسَهَا
 
فَكَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْحَيَوَانِ٧٠
مَا زِلْتَ تَضْرِبُهُم دِرَاكًا فِي الذُّرَا
 
ضَرْبًا كَأَنَّ السَّيْفَ فِيهِ اثْنَانِ٧١
خَصَّ الْجَمَاجِمَ وَالْوُجُوهَ كَأَنَّمَا
 
جَاءَتْ إِلَيْكَ جُسُومُهمْ بِأَمَانِ٧٢
فَرَمَوْا بِمَا يَرْمُونَ عَنْهُ وَأَدْبَرُوا
 
يَطَئُونَ كُلَّ حَنِيَّةٍ مِرْنَانِ٧٣
يَغْشَاهُمُ مَطَرُ السَّحَابِ مُفَصَّلًا
 
بمُثَقَّفٍ ومُهَنَّدٍ وَسِنَانِ٧٤
حُرِمُوا الَّذِي أَمَلُوا وَأَدْرَكَ مِنْهُمُ
 
آمَالَهُ مَنْ عَادَ بِالْحِرْمَانِ٧٥
وَإِذَا الرِّمَاحُ شَغَلْنَ مُهْجَةَ ثَائِرٍ
 
شَغَلَتْهُ مُهْجَتُهُ عَنِ الْإِخْوَانِ٧٦
هَيْهَاتَ عَاقَ عَنِ الْعِوَادِ قَوَاضِبٌ
 
كَثُرَ الْقَتِيلُ بِهَا وَقَلَّ الْعَانِي٧٧
وَمُهَذَّبٌ أَمَرَ الْمَنَايَا فِيهِمِ
 
فَأَطَعْنَهُ فِي طَاعَةِ الرَّحْمَنِ٧٨
قَدْ سَوَّدَتْ شَجَرَ الْجِبَالِ شُعُورُهُمْ
 
فَكَأَنَّ فِيهِ مُسِفَّةَ الْغِرْبَانِ٧٩
وَجَرَى عَلَى الْوَرَقِ النَّجِيعُ الْقَانِي
 
فَكَأَنَّهُ النَّارَنْجُ فِي الْأَغْصَانِ٨٠
إِنَّ السُّيُوفَ مَعَ الَّذِينَ قُلُوبُهُمْ
 
كَقُلُوبِهِنَّ إِذَا الْتَقَى الْجَمْعَانِ٨١
تَلْقَى الْحُسَامَ عَلَى جَرَاءَةِ حَدِّهِ
 
مِثْلَ الْجَبَانِ بِكَفِّ كُلِّ جَبَانِ٨٢
رَفَعَتْ بِكَ الْعَرَبُ الْعِمَادَ وَصَيَّرَتْ
 
قِمَمَ الْمُلُوكِ مَوَاقِدَ النِّيرَانِ٨٣
أَنْسَابُ فَخْرِهِمِ إِلَيْكَ وَإِنَّمَا
 
أَنْسَابُ أَصْلِهِمِ إِلَى عَدْنَانِ٨٤
يَا مَنْ يُقَتِّلُ مَنْ أَرَادَ بِسَيْفِهِ
 
أَصْبَحْتُ مِنْ قَتْلَاكَ بِالْإِحْسَانِ٨٥
فَإِذَا رَأَيْتُكَ حَارَ دُونَكَ نَاظِرِي
 
وَإِذَا مَدَحتُكَ حَارَ فِيكَ لِسَانِي

وقال في صباه في المكتب:

أَبْلَى الْهَوَى أَسَفًا يَوْمَ النَّوَى بَدَنِي
 
وَفَرَّقَ الْهَجْرُ بَيْنَ الْجَفْنِ وَالْوَسَنِ٨٦
رُوحٌ تَرَدَّدُ فِي مِثْلِ الْخِلَالِ إِذَا
 
أَطَارَتِ الرِّيحُ عَنْهُ الثَّوْبَ لَمْ يَبِنِ٨٧
كَفَى بِجِسْمِي نُحُولًا أَنَّنِي رَجُلٌ
 
لَوْلَا مُخَاطَبَتِي إِيَّاكَ لَمْ تَرَنِي٨٨

وقال في صباه على لسان بعض التنوخيين وقد سأله ذلك:

قُضَاعَةُ تَعْلَمُ أَنِّي الفَتَى الَّـْ
 
ـذِي ادَّخَرَتْ لِصُرُوفِ الزَّمَانِ٨٩
وَمَجْدِي يَدُلُّ بَنِي خِنْدِفٍ
 
عَلَى أَنَّ كُلَّ كَريمٍ يَمَانِ٩٠
أَنَا ابْنُ اللِّقَاءِ أَنَا ابْنُ السَّخَاءِ
 
أَنَا ابْنُ الضِّرَابِ أَنَا ابْنُ الطِّعَانِ٩١
أَنَا ابْنُ الْفَيَافِي أَنَا ابْنُ الْقَوَافِي
 
أَنَا ابْنُ السُّرُوجِ أَنَا ابْنُ الرِّعَانِ٩٢
طَوِيلُ النِّجَادِ طَوِيلُ الْعِمَادِ
 
طَوِيلُ القَنَاةِ طَوِيلُ السِّنَانِ٩٣
حَدِيدُ اللِّحَاظِ حَدِيدُ الْحِفَاظِ
 
حَدِيدُ الْحُسَامِ حَدِيدُ الْجَنَانِ٩٤
يُسَابِقُ سَيْفِي مَنَايَا الْعِبَادِ
 
إِلَيْهِمْ كَأَنَّهُمَا فِي رِهَانِ٩٥
يُرَى حَدُّهُ غَامِضَاتِ الْقُلُوبِ
 
إِذَا كُنْتُ فِي هَبْوَةٍ لَا أَرَانِي٩٦
سَأَجْعَلُهُ حَكَمًا فِي النُّفُوسِ
 
وَلَوْ نَابَ عَنْهُ لِسَانِي كَفَانِي٩٧

وقال أيضًا في صباه:

كَتَمْتُ حُبَّكِ حَتَّى مِنْكِ تَكْرِمَةً
 
ثُمَّ اسْتَوَى فِيهِ إِسْرَارِي وَإِعْلَانِي٩٨
كَأنَّهُ زَادَ حَتَّى فَاضَ مِنْ جَسَدِي
 
فَصَارَ سُقْمِي بِهِ فِي جِسْمِ كِتْمَانِي٩٩

ودخل على عليِّ بن إبراهيم التنوخي فعرض عليه كأسًا فيها شراب أسود، فقال ارتجالًا:

إِذَا مَا الْكَأْسُ أَرْعَشَتِ الْيَدَيْنِ
 
صَحَوْتُ فَلَمْ تَحُلْ بَيْنِي وبَيْنِي١٠٠
هَجَرْتُ الْخَمْرَ كَالذَّهَبِ الْمُصَفَّى
 
فَخَمْرِي مَاءُ مُزْنٍ كَاللُّجَيْنِ١٠١
أَغَارُ مِنَ الزُّجَاجَةِ وَهْيَ تَجْرِي
 
عَلَى شَفَةِ الْأَمِيرِ أَبِي الْحُسَيْنِ١٠٢
كَأَنَّ بَيَاضَهَا وَالرَّاحُ فِيهَا
 
بَيَاضٌ مُحْدِقٌ بِسَوادِ عَيْنِ١٠٣
أَتَيْنَاهُ نُطَالِبُهُ بِرِفْدٍ
 
يُطَالِبَ نَفْسَهُ مِنْهُ بِدَيْنِ١٠٤

وقال يمدح بدر بن عمار وقد سار إلى الساحل، ثم عاد إلى طبرية، وكان أبو الطيب قد تخلف عنه، فقال يعتذر له:

أَلْحُبُّ مَا مَنَعَ الْكَلَامَ الْأَلْسُنَا
 
وَأَلَذُّ شَكْوَى عَاشِقٍ مَا أَعْلَنَا١٠٥
لَيْتَ الْحَبِيبَ الْهَاجِرِي هَجْرَ الْكَرَى
 
مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ وَاصِلِي صِلَةَ الضَّنَى١٠٦
بِنَّا فَلَوْ حَلَّيْتَنَا لَمْ تَدْرِ مَا
 
أَلْوَانُنَا مِمَّا امْتُقِعْنَ تَلَوُّنَا١٠٧
وَتَوَقَّدَتْ أَنْفَاسُنَا حَتَّى لَقَدْ
 
أَشْفَقْتُ تَحْتَرِقُ الْعَوَاذِلُ بَيْنَنَا١٠٨
أَفْدِي الْمُوَدِّعَةَ الَّتِي أَتْبَعْتُهَا
 
نَظَرًا فُرَادَى بَيْنَ زَفْرَاتٍ ثُنَا١٠٩
أَنْكَرْتُ طَارِقَةَ الْحَوَادِثِ مَرَّةً
 
ثُمَّ اعْتَرَفتُ بِهَا فَصَارَتْ دَيْدَنَا١١٠
وَقَطَعْتُ فِي الدُّنْيَا الْفَلَا وَرَكَائِبِي
 
فِيهَا وَوَقْتَيَّ الضُّحَا وَالْمَوْهِنَا١١١
وَوَقَفْتُ مِنْهَا حَيْثُ أَوْقَفَنِي النَّدَى
 
وَبَلَغْتُ مِنْ بَدْرِ بْنِ عَمَّارِ الْمُنَى١١٢
لِأَبي الْحُسَيْنِ جَدًا يَضِيقُ وِعَاؤُهُ
 
عَنْهُ وَلَوْ كَانَ الْوِعَاءُ الْأَزْمُنَا١١٣
وَشَجَاعَةٌ أَغْنَاهُ عَنْهَا ذِكْرُهَا
 
وَنَهَى الْجَبَانَ حَدِيثُهَا أَنْ يَجْبُنَا١١٤
نِيطَتْ حَمَائِلُهُ بِعَاتِقِ مِحْرَبٍ
 
مَا كَرَّ قَطُّ وَهَلْ يَكُرُّ وَمَا انْثَنَى١١٥
فَكَأنَّهُ وَالطَّعْنُ مِنْ قُدَّامِهِ
 
مُتَخَوِّفٌ مِنْ خَلْفِهِ أَنْ يُطْعَنَا١١٦
نَفَتِ التَّوَهُّمَ عَنْهُ حِدَّةُ ذِهْنِهِ
 
فَقَضَى عَلَى غَيْبِ الْأُمُورِ تَيَقُّنَا١١٧
يَتَفَزَّعُ الْجَبَّارُ مِنْ بَغَتَاتِهِ
 
فَيَظَلُّ فِي خَلَوَاتِهِ مُتَكَفِّنَا١١٨
أَمْضَى إِرَادَتَهُ فَسَوْفَ لَهُ قَدٌ
 
وَاسْتَقْرَبَ الْأَقْصَى فَثَمَّ لَهُ هُنَا١١٩
يَجِدُ الْحَدِيدَ عَلَى بَضَاضَةِ جِلْدِهِ
 
ثَوْبًا أَخَفَّ مِنَ الْحَرِيرِ وَأَلْيَنَا١٢٠
وَأَمَرُّ مِنْ فَقْدِ الْأَحِبَّةِ عِنْدَهُ
 
فَقْدُ السُّيُوفِ الْفَاقِدَاتِ الْأَجْفُنَا١٢١
لَا يَسْتَكِنُّ الرُّعْبُ بَيْنَ ضُلُوعِهِ
 
يَوْمًا وَلَا الْإِحْسَانُ أَنْ لَا يُحْسِنَا١٢٢
مُسْتَنْبِطٌ مِنْ عِلْمِهِ مَا فِي غَدٍ
 
فَكَأَنَّ مَا سَيَكُونُ فِيهِ دُوِّنَا١٢٣
تَتَقَاصَرُ الْأَفْهَامُ عَنْ إِدْرَاكِهِ
 
مِثْلَ الَّذِي الْأفْلَاكُ فِيهِ وَالدُّنَا١٢٤
مَنْ لَيْسَ مِنْ قَتْلَاهُ مِنْ طُلَقَائِهِ
 
مَنْ لَيْسَ مِمَّنْ دَانَ مِمَّنْ حُيِّنَا١٢٥
لَمَّا قَفَلْتَ مِنَ السَّوَاحِلِ نَحْوَنَا
 
قَفَلَتْ إِلَيْهَا وَحْشَةٌ مِنْ عِنْدِنَا١٢٦
أَرِجَ الطَّرِيقُ فَمَا مَرَرْتَ بِمَوْضِعٍ
 
إِلَّا أَقَامَ بِهِ الشَّذَا مُسْتَوْطِنَا١٢٧
لَوْ تَعْقِلُ الشَّجَرُ الَّتِي قَابَلْتَهَا
 
مَدَّتْ مُحَيِّيَةً إِلَيْكَ الْأَغْصُنَا١٢٨
سَلَكَتْ تَمَاثِيلَ الْقِبَابِ الْجِنُّ مِنْ
 
شَوْقٍ بِهَا فَأَدَرْنَ فِيكَ الْأَعْيُنَا١٢٩
طَرِبَتْ مَرَاكِبُنَا فَخِلْنَا أَنَّهَا
 
لَوْلَا حَيَاءٌ عَاقَهَا رَقَصَتْ بِنَا١٣٠
أَقْبَلْتَ تَبْسِمُ وَالْجِيَادُ عَوَابِسٌ
 
يَخْبُبْنَ بالْحَلَقِ الْمُضَاعَفِ وَالْقَنَا١٣١
عَقَدَتْ سَنَابِكُهَا عَلَيْهَا عِثْيَرًا
 
لَوْ تَبْتَغِي عَنَقًا عَلَيْهِ أَمْكَنَا١٣٢
وَالْأَمْرُ أَمْرُكَ وَالْقُلُوبُ خَوَافِقٌ
 
فِي مَوْقِفٍ بَيْنَ الْمَنِيَّةِ وَالْمُنَى١٣٣
فَعَجِبْتُ حَتَّى مَا عَجِبْتُ مِنَ الظُّبَا
 
وَرَأَيْتُ حَتَّى مَا رَأَيْتُ مِنَ السَّنَا١٣٤
إِنِّي أَرَاكَ مِنَ الْمَكَارِمِ عَسْكَرًا
 
في عَسْكَرٍ وَمِنَ الْمَعَالِي مَعْدِنَا١٣٥
فَطِنَ الْفُؤَادُ لِمَا أَتَيْتُ عَلَى النَّوَى
 
وَلِمَا تَرَكْتُ مَخَافَةً أَنْ تَفْطُنَا١٣٦
أَضْحَى فِرَاقُكَ لِي عَلَيْهِ عُقُوبَةً
 
لَيْسَ الَّذِي قَاسَيْتُ مِنْهُ هَيِّنَا١٣٧
فَاغْفِرْ فِدًى لَكَ وَاحْبُنِي مِنْ بَعْدِهَا
 
لِتَخُصَّنِي بِعَطِيَّةٍ مِنْهَا أَنَا١٣٨
وَانْهَ الْمُشِيرَ عَلَيْكَ فِيَّ بِضَلَّةٍ
 
فَالْحُرُّ مُمْتَحَنٌ بِأَوْلَادِ الزِّنَا١٣٩
وَإِذَا الْفَتَى طَرَحَ الْكَلَامَ مُعَرِّضًا
 
فِي مَجْلِسٍ أَخَذَ الْكَلَامَ اللَّذْعَنَا١٤٠
وَمَكَايِدُ السُّفَهَاءِ وَاقِعَةٌ بِهِمْ
 
وَعَدَاوَةُ الشُّعَرَاءِ بِئْسَ الْمُقْتَنَى١٤١
لُعِنَتْ مُقارَنَةُ اللَّئِيمِ فَإِنَّهَا
 
ضَيْفٌ يَجُرُّ مِنَ النَّدَامَةِ ضَيْفَنَا١٤٢
غَضَبُ الْحَسُودِ إِذَا لَقِيتُكَ رَاضِيًا
 
رُزْءٌ أَخَفُّ عَلَيَّ مِنْ أَنْ يُوزَنَا١٤٣
أَمْسَى الَّذِي أَمْسَى بِرَبِّكَ كَافِرًا
 
مِنْ غَيْرِنَا مَعَنَا بِفَضْلِكَ مُؤْمِنَا١٤٤
خَلَتِ الْبِلَادُ مِنَ الْغَزَالَةِ لَيْلَهَا
 
فَأَعَاضَهَاكَ اللهُ كَيْ لَا تَحْزَنَا١٤٥

وقال وقد سأله الجلوس:

يَا بَدْرُ إِنَّكَ وَالْحَدِيثُ شُجُونُ
 
مَنْ لَمْ يَكُنْ لِمِثَالِهِ تَكْوِينُ١٤٦
لَعَظُمْتَ حَتَّى لَوْ تَكُونُ أَمَانَةً
 
مَا كَانَ مُؤْتَمَنًا بِهَا جِبْرِينُ١٤٧
بَعْضُ الْبَرِيَّةِ فَوْقَ بَعْضٍ خَالِيًا
 
فَإِذَا حَضَرْتَ فَكُلُّ فَوْقٍ دُونُ١٤٨

وقال يمدح أبا عبيد الله محمد بن عبد الله بن محمد الخطيب الخصيبي، وهو يومئذٍ يتقلد القضاء بأنطاكية:

أَفَاضِلُ النَّاسِ أَغْرَاضٌ لِذَا الزَّمَنِ
 
يَخْلُو مِنَ الْهَمِّ أَخْلَاهُمْ مِنَ الْفِطَنِ١٤٩
وَإِنَّمَا نَحْنُ فِي جِيلٍ سَوَاسِيَةٍ
 
شَرٍّ عَلَى الْحُرِّ مِنْ سُقْمٍ عَلَى بَدَنِ١٥٠
حَوْلِي بِكُلِّ مَكَانٍ مِنْهُمُ خِلَقٌ
 
تُخْطِي إِذَا جِئْتَ فِي اسْتِفْهَامِهَا بِمَنِ؟١٥١
لَا أَقْتَرِي بَلَدًا إِلَّا عَلَى غَرَرٍ
 
وَلَا أَمُرُّ بِخَلْقٍ غَيْرِ مُضْطَغِنِ١٥٢
وَلَا أُعَاشِرُ مِنْ أَمْلَاكِهِمْ أَحَدًا
 
إِلَّا أَحَقَّ بِضَرْبِ الرَّأْسِ مِنْ وَثَنِ١٥٣
إِنِّي لَأَعْذِرُهُمْ مِمَّا أُعَنِّفُهُمْ
 
حَتَّى أُعَنِّفُ نَفْسِي فِيهِمِ وَأَنِي١٥٤
فَقْرُ الْجَهُولِ بِلَا عَقْلٍ إِلَى أَدَبٍ
 
فَقْرُ الْحِمَارِ بِلَا رَأْسٍ إِلَى رَسَنِ١٥٥
وَمُدْقِعِينَ بِسُبْرُوتٍ صَحِبْتُهُمُ
 
عَارِينَ مِنْ حُلَلٍ كَاسِينَ مِنْ دَرَنِ١٥٦
خُرَّابِ بَادِيَةٍ غَرْثَى بُطُونُهُمُ
 
مَكْنُ الضِّبَابِ لَهُمْ زَادٌ بِلَا ثَمَنِ١٥٧
يَسْتَخْبِرُونَ فَلَا أُعْطِيهِمُ خَبَرِي
 
وَمَا يَطِيشُ لَهُمْ سَهْمٌ مِنَ الظِّنَنِ١٥٨
وَخَلَّةٍ فِي جَلِيسٍ أَتَّقِيهِ بِهَا
 
كَيْمَا يُرَى أَنَّنَا مِثْلَانِ فِي الْوَهَنِ١٥٩
وَكِلْمَةٍ فِي طَرِيقٍ خِفْتُ أُعْرِبُهَا
 
فَيُهْتَدَى لِي فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى اللَّحَنِ١٦٠
قَدْ هَوَّنَ الصَّبْرُ عِنْدِي كُلَّ نَازِلَةٍ
 
ولَيَّنَ الْعَزْمُ حَدَّ المَرْكَبِ الْخَشِنِ١٦١
كَمْ مَخْلَصٍ وَعُلًا فِي خَوْضِ مَهْلَكَةٍ
 
وَقَتْلَةٍ قُرِنَتْ بِالذَّمِّ فِي الْجُبُنِ!١٦٢
لَا يُعْجِبَنَّ مَضِيمًا حُسْنُ بِزَّتِهِ
 
وَهَلْ يَرُوقُ دَفِينًا جَوْدَةُ الْكَفَنِ؟!١٦٣
للهِ حَالٌ أُرَجِّيهَا وَتُخْلِفُنِي!
 
وَأَقْتَضِي كَوْنَهَا دَهْرِي وَيَمْطُلُني١٦٤
مَدَحْتُ قَوْمًا وَإِنْ عِشْنَا نَظَمْتُ لَهُمْ
 
قَصَائِدًا مِنْ إِنَاثِ الْخَيْلِ وَالْحُصُنِ١٦٥
تَحْتَ الْعَجَاجِ قَوَافِيهَا مُضَمَّرَةً
 
إِذَا تُنُوشِدْنَ لَمْ يَدْخُلْنَ فِي أُذُنِ١٦٦
فَلَا أُحَارِبُ مَدْفُوعًا إِلَى جُدُرٍ
 
وَلَا أُصَالِحُ مَغْرُورًا عَلَى دَخَنِ١٦٧
مُخَيِّمُ الْجَمْعِ بِالْبَيْدَاءِ يَصْهَرُهُ
 
حَرُّ الْهَوَاجِرِ فِي صُمٍّ مِنَ الْفِتَنِ١٦٨
أَلْقَى الْكِرَامُ الْأُلَى بَادُوا مَكَارِمَهُمْ
 
عَلَى الْخَصِيبِيِّ عِنْدَ الفَرْضِ وَالسُّنَنِ١٦٩
فَهُنَّ فِي الْحَجْرِ مِنْهُ كُلَّمَا عَرَضَتْ
 
لَهُ الْيَتَامَى بَدَا بِالْمَجْدِ وَالْمِنَنِ١٧٠
قَاضٍ إِذَا الْتَبَسَ الْأَمْرَانِ عَنَّ لَهُ
 
رَأْيٌ يُخَلِّصُ بَيْنَ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ١٧١
غَضُّ الشَّبَابِ بَعِيدٌ فَجْرُ لَيْلَتِهِ
 
مُجَانِبُ الْعَيْنِ لِلْفَحْشَاءِ وَالْوَسَنِ١٧٢
شَرَابُهُ النَّشْحُ لَا لِلرِّيِّ يَطْلُبُهُ
 
وَطُعْمُهُ لِقَوَامِ الْجِسْمِ لَا السِّمَنِ١٧٣
أَلْقَائِلُ الصِّدْقَ فِيهِ مَا يُضِرُّ بِهِ
 
وَالْوَاحِدُ الْحَالَتَيْنِ: السِّرِّ وَالْعَلَنِ١٧٤
ألْفَاصِلُ الْحُكْمَ عَيَّ الْأَوَّلُونَ بِهِ
 
وَالْمُظْهِرُ الْحَقَّ لِلسَّاهِي عَلَى الذَّهِنِ١٧٥
أَفْعَالُهُ نَسَبٌ لَوْ لَمْ يَقُلْ مَعَهَا
 
جَدِّي الْخَصِيبُ عَرَفْنَا الْعِرْقَ بِالْغُصُنِ١٧٦
الْعَارِضُ الْهَتِنُ ابْنُ الْعَارِضِ الْهَتِنِ ابـْ
 
ـنِ الْعَارِضِ الْهَتِنِ ابْنِ الْعَارِضِ الْهتِنِ١٧٧
قَدْ صَيَّرَتْ أَوَّلَ الدُّنْيَا وَآخِرَهَا
 
آبَاؤُهُ مِنْ مُغَارِ الْعِلْمِ فِي قَرَنِ١٧٨
كَأَنَّهُمْ وُلِدُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ وُلِدُوا
 
أَوْ كَانَ فَهْمُهُمُ أَيَّامَ لَمْ يَكُنِ١٧٩
الْخَاطِرِينَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ أَبَدًا
 
مِنَ الْمَحَامِدِ فِي أَوْقَى مِنَ الْجُنَنِ١٨٠
لِلنَّاظِرِينَ إِلَى إِقْبَالِهِ فَرَحٌ
 
يُزيلُ مَا بِجِبَاهِ الْقَوْمِ مِنْ غَضَنِ١٨١
كَأَنَّ مَالَ ابْنِ عَبْدِ اللهِ مُغْتَرَفٌ
 
مِنْ رَاحَتَيْهِ بِأَرْضِ الرُّومِ وَالْيَمَنِ١٨٢
لَمْ نَفْتَقِدْ بِكَ مِنْ مُزْنٍ سِوَى لَثَقٍ
 
وَلَا مِنَ الْبَحْرِ غَيْرَ الرِّيحِ وَالسُّفُنِ١٨٣
وَلَا مِنَ اللَّيْثِ إِلَّا قُبْحَ مَنْظَرِهِ
 
وَمِنْ سِوَاهُ سِوَى مَا لَيْسَ بِالْحَسَنِ١٨٤
مُنْذُ احْتَبَيْتَ بِأَنْطَاكِيَّةَ اعْتَدَلَتْ
 
حَتَّى كَأَنَّ ذَوِي الْأَوْتَارِ في هُدَنِ١٨٥
وَمُذْ مَرَرْتَ عَلَى أَطْوَادِهَا قُرِعَتْ
 
مِنَ السُّجُودِ فَلَا نَبْتٌ عَلَى القُنَنِ١٨٦
أَخْلَتْ مَوَاهِبُكَ الْأَسْوَاقَ مِنْ صَنَعٍ
 
أَغْنَى نَدَاكَ عَنِ الْأَعْمَالِ وَالْمِهَنِ١٨٧
ذَا جُودُ مَنْ لَيْسَ مِنْ دَهْرٍ عَلَى ثِقَةٍ
 
وَزُهْدُ مَنْ لَيْسَ مِنْ دُنْيَاهُ فِي وَطَنِ١٨٨
وَهَذِهِ هَيْبَةٌ لَمْ يُؤْتَهَا بَشَرٌ
 
وَذَا اقْتِدَارُ لِسَانٍ لَيْسَ فِي الْمُنَنِ١٨٩
فَمُرْ وَأَوْمٍ تُطَعْ قُدِّسْتَ مِنْ جَبَلٍ
 
تَبَارَكَ اللهُ مُجْرِي الرُّوحِ في حَضَنِ١٩٠

وقال يمدح أبا سهل سعيد بن عبد الله بن عبيد الله بن الحسن الأنطاكي:

قَدْ عَلَّمَ الْبَيْنُ مِنَّا الْبَيْنَ أَجْفَانَا
 
تَدْمَى وَأَلَّفَ فِي ذَا الْقَلْبِ أَحْزَانَا١٩١
أَمَّلْتُ سَاعَةَ سَارُوا كَشْفَ مِعْصَمِهَا
 
لِيَلْبَثَ الْحَيُّ دُونَ السَّيْرِ حَيْرَانَا١٩٢
وَلَوْ بَدَتْ لَأَتَاهَتْهُمْ فَحَجَّبَهَا
 
صَوْنٌ عُقُولَهُمْ مِنْ لَحْظِهَا صَانَا١٩٣
بالْوَاخِدَاتِ وَحَادِيهَا وَبِي قَمَرٌ
 
يَظَلُّ مِنْ وَخْدِهَا فِي الْخِدْرِ حَشْيَانَا١٩٤
أَمَّا الثِّيَابُ فَتَعْرَى مِنْ مَحَاسِنِهِ
 
إِذَا نَضَاهَا وَيَكْسَا الْحُسنَ عُرْيَانَا١٩٥
يَضُمُّهُ الْمِسْكُ ضَمَّ الْمُسْتَهَامِ بِهِ
 
حَتَّى يَصِيرَ عَلَى الْأَعْكَانِ أَعْكَانَا١٩٦
قَدْ كُنْتُ أُشْفِقُ مِنْ دَمْعِي عَلَى بَصَرِي
 
فَالْيَوْمَ كُلُّ عَزِيزٍ بَعْدَكُمْ هَانَا١٩٧
تُهْدِي الْبَوَارِقُ أَخْلَافَ الْمِيَاهِ لَكُمْ
 
وَلِلْمُحِبِّ مِنَ التَّذْكَارِ نِيرَانَا١٩٨
إِذَا قَدِمْتُ عَلَى الْأَهْوَالِ شَيَّعَنِي
 
قَلْبٌ إِذَا شِئْتُ أَنْ يَسْلَاكمُ خَانَا١٩٩
أَبْدُو فَيَسْجُدُ مَنْ بِالسُّوْءِ يَذْكُرُنِي
 
وَلَا أُعَاتِبُهُ صَفْحًا وَإِهْوَانَا٢٠٠
وَهَكَذَا كُنْتُ فِي أَهْلِي وَفِي وَطَنِي
 
إِنَّ النَّفِيسَ غَرِيبٌ حَيْثُمَا كَانَا٢٠١
مُحَسَّدُ الْفَضْلِ مَكْذُوبٌ عَلَى أَثَرِي
 
أَلْقَى الْكَمِيَّ وَيَلْقَانِي إِذَا حَانَا٢٠٢
لَا أَشْرَئِبُّ إِلَى مَا لَمْ يَفُتْ طَمَعًا
 
وَلَا أَبِيتُ عَلَى مَا فَاتَ حَسْرَانَا٢٠٣
وَلَا أُسَرُّ بِمَا غَيْرِي الْحَمِيدُ بِهِ
 
وَلَوْ حَمَلْتَ إِلَيَّ الدَّهْرَ مَلْآنَا٢٠٤
لَا يَجْذِبَنَّ رِكَابِي نَحْوَهُ أَحَدٌ
 
مَا دُمْتُ حَيًّا وَمَا قَلْقَلْنَ كِيرَانَا٢٠٥
لَوِ اسْتَطَعْتُ رَكِبْتُ النَّاسَ كُلَّهُمُ
 
إِلَى سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بُعْرَانَا٢٠٦
فَالْعِيسُ أَعْقَلُ مِنْ قَوْمٍ رَأَيْتُهُمُ
 
عَمَّا يَرَاهُ مِنَ الْإِحْسَانِ عُمْيَانَا٢٠٧
ذَاكَ الْجَوادُ وَإِنْ قَلَّ الْجَوَادُ لَهُ
 
ذَاكَ الشُّجَاعُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ أَقْرَانَا٢٠٨
ذَاكَ الْمُعِدُّ الَّذِي تَقْنُو يَدَاهُ لَنَا
 
فَلَوْ أُصِيبَ بِشَيءٍ مِنْهُ عَزَّانَا٢٠٩
خَفَّ الزَّمَانُ عَلَى أَطْرَافِ أَنْمُلِهِ
 
حَتَّى تُوُهِّمْنَ لِلْأَزْمَانِ أَزْمَانَا٢١٠
يَلْقَى الْوَغَى وَالْفَنَا وَالنَّازِلَاتِ بِهِ
 
وَالسَّيْفَ وَالضَّيْفَ رَحْبَ الْبَاعِ جَذْلَانَا٢١١
تَخَالُهُ مِنْ ذَكَاءِ الْقَلْبِ مُحْتَمِيًا
 
وَمِنْ تَكَرُّمِهِ وَالْبِشْرِ نَشْوَانَا٢١٢
وَتَسْحَبُ الْحِبَرَ القَيْنَاتُ رَافِلَةً
 
في جُودِهِ وتَجُرُّ الْخَيْلُ أَرْسَانَا٢١٣
يُعْطِي الْمُبَشِّرَ بِالقُصَّادِ قَبْلَهُمُ
 
كَمَنْ يُبَشِّرُهُ بِالْمَاءِ عَطْشَانَا٢١٤
جَزَتْ بَنِي الْحَسَنِ الْحُسْنَى فَإِنَّهُمُ
 
فِي قَوْمِهِمْ مِثلُهُمْ في الْغُرِّ عَدْنَانَا٢١٥
مَا شَيَّدَ اللهُ مِنْ مَجْدٍ لِسَالِفِهِمْ
 
إِلَّا وَنَحْنُ نَرَاهُ فِيهِمِ الْآنَا٢١٦
إِنْ كُوتِبُوا أَوْ لُقُوا أَوْ حُورِبُوا وُجِدُوا
 
فِي الخَطِّ وَاللَّفْظِ وَالْهَيْجَاءِ فُرْسَانَا٢١٧
كَأَنَّ أَلْسُنَهُمْ فِي النُّطْقِ قَدْ جُعِلَتْ
 
عَلَى رِمَاحِهِمِ فِي الطَّعْنِ خِرْصَانَا٢١٨
كَأَنَّهُمْ يَرِدُونَ الْمَوْتَ مِنْ ظَمَأٍ
 
أَوْ يَنْشَقُونَ مِنَ الْخَطِّيِّ رَيْحَانَا٢١٩
الْكَائِنِينَ لِمَنْ أَبْغِي عَدَاوَتَهُ
 
أَعْدَى الْعِدَا وَلِمَنْ آخَيْتُ إِخْوَانَا٢٢٠
خَلَائِقٌ لَوْ حَوَاهَا الزِّنْجُ لَانْقَلَبُوا
 
ظُمْيَ الشِّفَاهِ جِعَادَ الشَّعْرِ غُرَّانَا٢٢١
وَأَنْفُسٌ يَلْمَعِيَّاتٌ تُحِبُّهُمُ
 
لَهَا اضْطِرَارًا وَلَوْ أَقْصَوْكَ شَنْآنَا٢٢٢
الْوَاضِحِينَ أُبُوَّاتٍ وَأَجْبِنَةً
 
وَوَالِدَاتٍ وَأَلْبَابًا وَأَذْهَانَا٢٢٣
يَا صَائِدَ الْجَحْفَلِ الْمَرْهُوبِ جَانِبُهُ
 
إِنَّ الليُوثَ تَصِيدُ النَّاسَ أُحْدَانَا٢٢٤
وَوَاهِبًا كُلُّ وَقْتٍ وَقْتُ نَائِلِهِ
 
وَإِنَّمَا يَهَبُ الْوُهَّابُ أَحْيَانَا٢٢٥
أَنْتَ الَّذِي سَبَكَ الْأَمَوَالَ مَكْرُمَةً
 
ثُمَّ اتَّخَذْتَ لَهَا السُّؤَّالَ خُزَّانَا٢٢٦
عَلَيْكَ مِنْكَ إِذَا أُخْلِيتَ مُرْتَقِبٌ
 
لَمْ تَأْتِ فِي السِّرِّ مَا لَمْ تَأْتِ إِعْلَانَا٢٢٧
لَا أَسْتَزِيدُكَ فِيمَا فِيكَ مِنْ كَرَمٍ
 
أَنَا الَّذِي نَامَ إِنْ نَبَّهْتُ يَقْظَانَا٢٢٨
فَإِنَّ مِثْلَكَ بَاهَيْتُ الْكِرَامَ بِهِ
 
وَرَدَّ سُخْطًا عَلَى الْأَيَّامِ رِضْوَانَا٢٢٩
وَأَنْتَ أَبْعَدُهُمْ ذِكْرًا وَأَكْبَرُهُمْ
 
قَدْرًا وَأَرْفَعُهُمْ فِي الْمَجْدِ بُنْيَانَا
قَدْ شَرَّفَ اللهُ أَرْضًا أَنْتَ سَاكِنُهَا
 
وَشَرَّفَ النَّاسَ إِذْ سَوَّاكَ إِنْسَانَا٢٣٠

وقال في مجلس أبي محمد بن طغج وقد أقبل الليل وهما في بستان:

زَالَ النَّهَارُ وَنُورٌ مِنْكَ يُوهِمُنَا
 
أَنْ لَمْ يَزُلْ وَلِجُنْحِ اللَّيْلِ إِجْنَانُ٢٣١
فَإِنْ يَكُنْ طَلَبُ الْبُسْتَانِ يُمْسِكُنَا
 
فَرُحْ فَكُلُّ مَكَانٍ مِنْكَ بُسْتَانُ٢٣٢
وقال في بطيخة من الند في غشاء من الخيزران عليها قلادة لؤلؤ وعلى رأسها عنبر قد أدير حولها كانت في يد أبي العشائر:٢٣٣
مَا أَنَا وَالْخَمْرُ وَبِطِّيخَةٌ
 
سَوْدَاءُ فِي قِشْرٍ مِنَ الْخَيْزُرَانْ٢٣٤
يَشْغَلُنِي عَنْهَا وَعَنْ غَيْرِهَا
 
تَوْطِينِيَ النَّفْسَ لِيَوْمِ الطِّعَانْ٢٣٥
وَكُلُّ نَجْلَاءَ لَهَا صَائِكٌ
 
يَخضُبُ مَا بَيْنَ يَدِي وَالسِّنَانْ٢٣٦

وقال، وقد بلغ أبا الطيب أن قومًا نعوه في مجلس سيف الدولة بحلب وهو بمصر:

بِمَ التَّعَلُّلُ لَا أَهْلٌ وَلَا وَطَنُ
 
وَلَا نَدِيمٌ وَلَا كَأْسٌ وَلَا سَكَنُ؟!٢٣٧
أُرِيدُ مِنْ زَمَنِي ذَا أَنْ يُبَلِّغَنِي
 
مَا لَيْسَ يَبْلُغُهُ مِنْ نَفْسِهِ الزَّمَنُ٢٣٨
لَا تَلْقَ دَهْرَكَ إلَّا غَيرَ مُكتَرِثٍ
 
مَا دَامَ يَصْحَبُ فِيهِ رُوحَكَ الْبَدَنُ٢٣٩
فَمَا يَدُومُ سُرُور مَا سُرِرْتَ بِهِ
 
وَلَا يَرُدُّ عَلَيْكَ الْفَائِتَ الْحَزَنُ٢٤٠
مِمَّا أَضَرَّ بِأَهْلِ الْعِشْقِ أَنَّهُمُ
 
هَوُوا وَمَا عَرَفُوا الدُّنْيَا وَمَا فَطِنُوا٢٤١
تَفْنَى عُيُونُهُمُ دَمْعًا وَأَنْفُسُهُمْ
 
فِي إِثْرِ كُلِّ قَبِيحٍ وَجْهُهُ حَسَنُ٢٤٢
تَحَمَّلُوا حَمَلَتْكُمْ كُلُّ نَاجِيَةٍ
 
فَكُلُّ بَيْنٍ عَلَيَّ الْيَوْمَ مُؤْتَمَنُ٢٤٣
مَا فِي هَوَادِجِكُمْ مِنْ مُهْجَتِي عِوَضٌ
 
إِنْ مُتُّ شَوْقًا وَلَا فِيهَا لَهَا ثَمَنُ٢٤٤
يَا مَنْ نُعِيتُ عَلَى بُعْدٍ بِمَجْلِسِهِ
 
كُلٌّ بِمَا زَعَمَ النَّاعُونَ مُرْتَهَنُ٢٤٥
كَمْ قَدْ قُتِلْتُ وَكَمْ قَدْ مِتُّ عِنْدَكُمُ!
 
ثُمَّ انْتَفَضْتُ فَزَالَ الْقَبْرُ وَالْكَفَنُ٢٤٦
قَدْ كَانَ شَاهَدَ دَفْنِي قَبْلَ قَوْلِهِمِ
 
جَمَاعَةٌ ثُمَّ مَاتُوا قَبْلَ مَنْ دَفَنُوا٢٤٧
مَا كُلُّ مَا يَتَمَنَّى الْمَرْءُ يُدْرِكُهُ
 
تَجْرِي الرِّيَاحُ بِمَا لَا تَشْتَهِي السُّفُنُ٢٤٨
رَأَيْتُكُمْ لَا يَصُونُ الْعِرْضَ جَارُكُمُ
 
وَلَا يَدِرُّ عَلَى مَرْعَاكُمُ اللَّبَنُ٢٤٩
جَزَاءُ كُلِّ قَرِيبٍ مِنْكُمُ مَلَلٌ
 
وَحَظُّ كُلِّ مُحِبٍّ مِنْكُمُ ضَغَنُ٢٥٠
وَتَغْضَبُونَ عَلَى مَنْ نَالَ رِفْدَكُمُ
 
حَتَّى يُعَاقِبَهُ التَّنْغِيصُ وَالْمِنَنُ٢٥١
فَغَادَرَ الْهَجْرُ مَا بَيْنِي وَبيْنَكُمُ
 
يَهْمَاهَ تَكْذِبُ فِيهَا الْعَيْنُ وَالْأُذُنُ٢٥٢
تَحْبُو الرَّوَاسِمُ مِنْ بَعْدِ الرِّسِيمِ بِهَا
 
وَتَسْأَلُ الْأَرْضَ عَنْ أَخْفَافِهَا الثَّفِنُ٢٥٣
إِنِّي أُصَاحِبُ حِلْمِي وَهْوَ بِي كَرَمٌ
 
وَلَا أُصَاحِبُ حِلْمِي وَهْوَ بِي جُبُنُ٢٥٤
وَلَا أُقِيمُ عَلَى مَالٍ أَذِلُّ بِهِ
 
وَلَا أَلَذُّ بِمَا عِرْضِي بِهِ دَرِنُ٢٥٥
سَهِرْتُ بَعْدَ رَحِيلِي وَحْشَةً لَكُمُ
 
ثُمَّ اسْتَمَرَّ مَرِيرِي وَارْعَوَى الوَسَنُ٢٥٦
وَإِنْ بُلِيتُ بِوُدٍّ مِثْلِ وُدِّكُمُ
 
فَإِنَّنِي بفِرَاقٍ مِثْلِهِ قَمِنُ٢٥٧
أَبْلَى الْأَجِلَّةَ مُهْرِي عِنْدَ غَيْرِكُمُ
 
وَبُدِّلَ الْعُذْرُ بِالفُسْطَاطِ وَالرَّسَنُ٢٥٨
عِنْدَ الْهُمَامِ أَبِي الْمِسْكِ الَّذِي غَرِقَتْ
 
فِي جُودِهِ مُضَرُ الْحَمْرَاءِ وَاليَمَنُ٢٥٩
وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنِّي بَعْضُ مَوْعِدِهِ
 
فَمَا تَأَخَّرُ آمَالِي وَلَا تَهِنُ٢٦٠
هُوَ الْوَفِيُّ وَلَكِنِّي ذَكَرْتُ لَهُ
 
مَوَدَّةً فَهْوَ يَبْلُوهَا وَيَمْتَحِنُ٢٦١

وقال بمصر ولم ينشدها كافورًا:

صَحِبَ النَّاسُ قَبْلَنَا ذَا الزَّمَانَا
 
وَعَنَاهُمْ مِنْ شَأْنِهِ مَا عَنَانَا٢٦٢
وَتَوَلَّوْا بِغُصَّةٍ كُلُّهُمْ مِنـْ
 
ـهُ وَإِنْ سَرَّ بَعْضَهُمْ أَحْيَانَا٢٦٣
رُبَّمَا تُحْسِنُ الصَّنِيعَ لَيَالِيـ
 
ـهِ وَلَكِنْ تُكَدِّرُ الْإِحْسَانَا٢٦٤
وَكَأَنَّا لَمْ يَرْضَ فِينَا بِرَيْبِ الدْ
 
دَهْرِ حَتَّى أَعَانَهُ مَنْ أَعَانَا٢٦٥
كُلَّمَا أَنْبَتَ الزَّمَانُ قَنَاةً
 
رَكَّبَ الْمَرْءُ فِي الْقَنَاةِ سِنَانَا٢٦٦
وَمُرَادُ النُّفُوسِ أَصْغَرُ مِنْ أَنْ
 
نَتَعَادَى فِيهِ وَأَنْ نَتَفَانَى٢٦٧
غَيْرَ أَنَّ الْفَتَى يُلَاقِي الْمَنَايَا
 
كَالِحَاتٍ وَلَا يُلَاقِي الْهَوَانَا٢٦٨
وَلَوَ أَنَّ الْحَيَاةَ تَبْقَى لِحَيٍّ
 
لَعَدَدْنَا أَضَلَّنَا الشُّجْعَانَا٢٦٩
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَوْتِ بُدٌّ
 
فَمِنَ الْعَجْزِ أَنْ تَكُونَ جَبَانَا٢٧٠
كُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الصَّعْبِ فِي الْأَنـْ
 
ـفُسِ سَهْلٌ فِيهَا إِذَا هُوَ كَانَا٢٧١

وقال يذكر خروج شبيب العُقَيلي على الأستاذ كافور، وقتله بدمشق سنة ثمانٍ وأربعين وثلاثمائة:

عَدُوُّكَ مَذْمُومٌ بِكُلِّ لِسَانِ
 
وَلَوْ كَانَ مِنْ أَعْدَائِكَ الْقَمَرَانِ٢٧٢
وَللهِ سِرٌّ فِي عُلَاكَ وَإِنَّمَا
 
كَلَامُ الْعِدَا ضَرْبٌ مِنَ الْهَذَيَانِ٢٧٣
أَتَلْتَمِسُ الْأَعْدَاءُ بَعْدَ الَّذِي رَأَتْ
 
قِيَامَ دَلِيلٍ أَوْ وُضُوحَ بَيَانِ؟!٢٧٤
رَأَتْ كُلَّ مَنْ يَنْوِي لَكَ الْغَدْرَ يُبْتَلَى
 
بِغَدْرِ حَيَاةٍ أَوْ بِغَدْرِ زَمَانِ٢٧٥
بِرَغْمِ شَبِيبٍ فَارَقَ السَّيْفُ كَفَّهُ
 
وَكَانَا عَلَى الْعِلَّاتِ يَصْطَحِبَانِ٢٧٦
كَأَنَّ رِقَابَ النَّاسِ قَالَتْ لِسَيْفِهِ:
 
رَفِيقُكَ قَيْسِيٌّ وَأَنْتَ يَمَانِ٢٧٧
فَإِنْ يَكُ إِنْسَانًا مَضَى لِسَبِيلِهِ
 
فَإِنَّ الْمَنَايَا غَايَةُ الْحَيَوَانِ٢٧٨
وَمَا كَانَ إِلَّا النَّارَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ
 
تُثِيرُ غُبَارًا فِي مَكَانِ دُخَانِ٢٧٩
فَنَالَ حَيَاةً يَشْتَهِيهَا عَدُوُّهُ
 
وَمَوْتًا يُشَهِّي الْمَوْتَ كُلَّ جَبَانِ٢٨٠
نَفَى وَقْعَ أَطْرَافِ الرِّمَاحِ بِرُمْحِهِ
 
وَلَمْ يَخْشَ وَقْعَ النَّجْمِ وَالدَّبَرَانِ٢٨١
وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ الْمَوْتَ فَوْقَ شَوَاتِهِ
 
مُعَارُ جَنَاحٍ مُحسِنِ الطَّيَرَانِ٢٨٢
وَقَدْ قَتَلَ الْأَقرَانَ حَتَّى قَتَلْتَهُ
 
بِأَضْعَفِ قِرْنٍ فِي أَذَلِّ مَكَانِ٢٨٣
أَتَتْهُ الْمَنَايَا فِي طَرِيقٍ خَفِيَّةٍ
 
عَلَى كُلِّ سَمْعٍ حَوْلَهُ وَعِيَانِ٢٨٤
وَلَوْ سَلَكَتْ طُرْقَ السِّلَاحِ لَرَدَّهَا
 
بِطُولِ يَمِينٍ وَاتِّسَاعِ جَنَانِ٢٨٥
تَقَصَّدَهُ الْمِقْدَارُ بَيْنَ صِحَابِهِ
 
عَلَى ثِقَةٍ مِنْ دَهْرِهِ وَأَمَانِ٢٨٦
وَهَلْ يَنْفَعُ الْجَيْشُ الْكَثِيرُ الْتِفَافُهُ
 
عَلَى غَيْرِ مَنْصُورٍ وَغَيْرِ مُعَانِ؟!٢٨٧
وَدَى مَا جَنَى قَبْلَ الْمَبِيتِ بِنَفْسِهِ
 
وَلَمْ يَدِهِ بِالْجَامِلِ الْعَكَنَانِ٢٨٨
أَتُمْسِكُ مَا أَوْلَيْتُهُ يَدُ عَاقِلٍ
 
وَتُمْسِكُ فِي كُفْرَانِهِ بِعِنَانِ؟!٢٨٩
وَيَرْكَبُ مَا أَرْكَبْتَهُ مِنْ كَرَامَةٍ
 
وَيَرْكَبُ لِلْعِصْيَانِ ظَهْرَ حِصَانِ٢٩٠
ثَنَى يَدَهُ الْإِحْسَانُ حَتَّى كَأَنَّهَا
 
وَقَدْ قُبِضَتْ كَانَتْ بِغَيْرِ بَنَانِ٢٩١
وَعِنْدَ مَنِ الْيَوْمَ الْوَفَاءُ لِصَاحِبٍ
 
شَبِيبٌ وَأَوْفَى مَنْ تَرَى أَخَوَانِ؟!٢٩٢
قَضَى اللهُ يَا كَافُورُ أَنَّكَ أَوَّلٌ
 
وَلَيْسَ بِقَاضٍ أَنْ يُرَى لَكَ ثَانِ٢٩٣
فَمَا لَكَ تَخْتَارُ الْقِسِيَّ وَإِنَّمَا
 
عَنِ السَّعْدِ يَرْمِي دُونَكَ الثَّقَلَانِ؟!٢٩٤
وَمَا لَكَ تُعْنَى بِالْأَسِنَّةِ وَالْقَنَا
 
وَجَدُّكَ طَعَّانٌ بِغَيْرِ سِنَانِ؟!٢٩٥
وَلِمْ تَحْمِلُ السَّيفَ الطَّوِيلَ نِجَادُهُ
 
وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْهُ بِالْحَدَثَانِ؟!٢٩٦
أَرِدْ لي جَمِيلًا جُدْتَ أَوْ لَمْ تَجُدْ بِهِ
 
فَإِنَّكَ مَا أَحْبَبْتَ فِيَّ أَتَانِي٢٩٧
لَوِ الْفَلَكَ الدَّوَّارَ أَبْغَضْتَ سَعْيَهُ
 
لَعَوَّقَهُ شَيْءٌ عَنِ الدَّوَرَانِ٢٩٨

ونظر يومًا إلى كافور فقال:

لَوْ كَانَ ذَا الْآكِلُ أَزْوَادَنَا
 
ضَيْفًا لَأَوْسَعْنَاهُ إِحْسَانَا٢٩٩
لَكِنَّنَا فِي الْعَيْنِ أَضْيَافُهُ
 
يُوسِعُنَا زُورًا وَبُهْتَانَا٣٠٠
فَلَيْتَهُ خَلَّى لَنَا سُبْلنَا
 
أَعَانَهُ اللهُ وَإِيَّانَا٣٠١

وكتب إلى يوسف بن عبد العزيز الخزاعي في بُلْبِيس يطلب منه دليلًا فأنفذه إليه:

جَزَى عَرَبًا أَمْسَتْ بِبُلْبَيْسَ رَبُّهَا
 
بِمَسْعَاتِهَا تَقْرَرْ بِذَاكَ عُيُونُهَا٣٠٢
كَرَاكِرَ مِنْ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ سَاهِرًا
 
جُفُونُ ظُبَاهَا لِلْعُلَا وَجُفُونُهَا٣٠٣
وَخَصَّ بِهِ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ يُوسُفٍ
 
فَمَا هُوَ إِلَّا غَيْثُهَا وَمَعِينُهَا٣٠٤
فَتًى زَانَ فِي عَيْنَيَّ أَقْصَى قَبِيلِهِ
 
وَكَمْ سَيِّدٍ فِي حِلَّةٍ لَا يَزِينُهَا٣٠٥

وقال يمدح عضد الدولة وولديه: أبا الفوارس وأبا دلف، ويذكر طريقه بشعب بوَّان:

مَغَانِي الشِّعْبِ طِيبًا فِي الْمَغَانِي
 
بِمَنْزِلَةِ الرَّبِيعِ مِنَ الزَّمَانِ٣٠٦
وَلَكِنَّ الْفَتَى الْعَرَبِيَّ فِيهَا
 
غَرِيبُ الْوَجْهِ وَالْيَدِ وَاللِّسَانِ٣٠٧
مَلَاعِبُ جِنَّةٍ لَوْ سَارَ فِيهَا
 
سُلَيْمَانٌ لَسَارَ بِتَرْجُمَانِ٣٠٨
طَبَتْ فُرْسَانَنَا وَالْخَيْلَ حَتَّى
 
خَشِيتُ وَإِنْ كَرُمْنَ مِنَ الْحِرَانِ٣٠٩
غَدَوْنَا تَنْفُضُ الْأَغْصَانُ فِيهَا
 
عَلَى أَعْرافِهَا مِثْلَ الْجُمَانِ٣١٠
فَسِرْتُ وَقَدْ حَجَبْنَ الشَّمْسَ عَنِّي
 
وَجِبْنَ مِنَ الضِّيَاءِ بِمَا كَفَانِي٣١١
وَأَلْقَى الشَّرْقُ مِنْهَا فِي ثِيَابِي
 
دَنَانِيرًا تَفِرُّ مِنَ الْبنَانِ٣١٢
لَهَا ثَمَرٌ تُشِيرُ إِلَيْكَ مِنْهُ
 
بِأَشْرِبَةٍ وَقَفْنَ بِلَا أَوَانِي٣١٣
وَأَمْوَاهٌ تَصِلُّ بِهَا حَصَاهَا
 
صَلِيلَ الْحَلْيِ فِي أَيْدِي الْغَوَانِي٣١٤
وَلَوْ كَانَتْ دِمَشْقَ ثَنَى عِنَانِي
 
لَبِيقُ الثُّرْدِ صِينِيُّ الْجِفَانِ٣١٥
يَلَنْجُوجِيُّ مَا رُفِعَتْ لِضَيْفٍ
 
بِهِ النِّيرَانُ نَدِّيُّ الدُّخَانِ٣١٦
تَحِلُّ بِهِ عَلَى قَلْبٍ شُجَاعٍ
 
وَتَرْحَلُ مِنْهُ عَنْ قَلْبٍ جَبَانِ٣١٧
مَنَازِلُ لَمْ يَزَلْ مِنْهَا خَيَالٌ
 
يُشَيِّعُنِي إِلَى النِّوْبَنْذَجَانِ٣١٨
إِذَا غَنَّى الْحَمَامُ الْوُرْقُ فِيهَا
 
أَجَابَتْهُ أَغَانِيُّ الْقِيَانِ٣١٩
وَمَنْ بِالشِّعْبِ أَحْوَجُ مِنْ حَمَامٍ
 
إِذَا غَنَّى وَنَاحَ إِلَى الْبَيَانِ٣٢٠
وَقَدْ يَتَقَارَبُ الْوَصْفَانِ جِدًّا
 
وَمَوْصُوفَاهُمَا مُتَبَاعِدَانِ٣٢١
يَقُولُ بِشِعْبِ بَوَّانٍ حِصَاني:
 
أَعَنْ هَذَا يُسَارُ إِلَى الطِّعَانِ؟!٣٢٢
أَبُوكُمْ آدَمٌ سَنَّ الْمَعَاصِي
 
وَعَلَّمَكُمْ مُفَارَقَةَ الْجِنَانِ٣٢٣
فَقُلْتُ: إِذَا رَأَيْتُ أَبَا شُجَاعٍ
 
سَلَوْتُ عَنِ الْعِبَادِ وَذَا الْمَكَانِ٣٢٤
فَإِنَّ النَّاسَ وَالدُّنْيَا طَرِيقٌ
 
إِلَى مَنْ مَا لَهُ فِي النَّاسِ ثَانِ٣٢٥
لَقَدْ عَلَّمْتُ نَفْسِي الْقَوْلَ فِيهِمْ
 
كَتَعْلِيمِ الطَّرَادِ بِلَا سِنَانِ٣٢٦
بِعَضْدِ الدَّوْلَةِ امْتَنَعَتْ وَعَزَّتْ
 
وَلَيْسَ لِغَيْرِ ذِي عَضُدٍ يَدَانِ٣٢٧
وَلَا قَبْضٌ عَلَى الْبِيضِ المَوَاضِي
 
وَلَا حَظٌّ مِنَ السُّمْرِ اللِّدَانِ٣٢٨
دَعَتْهُ بِمَفْزَعِ الْأَعْضَاءِ مِنْهَا
 
لِيَوْمِ الْحَرْبِ بِكْرٍ أَوْ عَوَانِ٣٢٩
فَمَا يُسْمِي كَفَنَّاخُسْرَ مُسْمٍ
 
وَلَا يُكْنِي كَفَنَّاخُسْرَ كَانِي٣٣٠
وَلَا تُحْصَى فَضَائِلُهُ بِظَنٍّ
 
وَلَا الْإِخْبَارِ عَنْهُ وَلَا الْعِيَانِ٣٣١
أُرُوضُ النَّاسِ مِنْ تُرْبٍ وَخَوْفٍ
 
وَأَرْضُ أَبِي شُجَاعٍ مِنْ أَمَانِ٣٣٢
تُذِمُّ عَلَى اللُّصُوصِ لِكُلِّ تَجْرٍ
 
وَيَضْمَنُ لِلصَّوَارِمِ كُلَّ جَانِي٣٣٣
إِذَا طَلَبَتْ وَدَائِعُهُمْ ثِقَاتٍ
 
دُفِعْنَ إِلَى الْمَحَانِي وَالرِّعَانِ٣٣٤
فَبَاتَتْ فَوْقَهُنَّ بِلَا صِحَابٍ
 
تَصِيحُ بِمَنْ يَمُرُّ: أَمَا تَرَانِي؟٣٣٥
رُقَاهُ كُلُّ أَبْيَضَ مَشْرَفِيٍّ
 
لِكُلِّ أَصَمَّ صِلٍّ أُفْعُوَانِ٣٣٦
وَمَا تُرْقَى لُهَاهُ مِنْ نَدَاهُ
 
وَلَا الْمَالُ الْكَرِيمُ مِنَ الْهَوَانِ٣٣٧
حَمَى أَطْرَافَ فَارِسَ شَمَّرِيٌّ
 
يَحُضُّ عَلَى التَّبَاقِي بِالتَّفَانِي٣٣٨
بِضَرْبٍ هَاجَ أَطْرَابَ الْمَنَايَا
 
سِوَى ضَرْبِ الْمَثَالِثِ وَالْمَثَانِي٣٣٩
كَأَنَّ دَمَ الْجَمَاجِمِ فِي الْعَنَاصِي
 
كَسَا الْبُلْدَانَ رِيشَ الْحَيقُطَانِ٣٤٠
فَلَوْ طُرِحَتْ قُلُوبُ الْعِشْقِ فِيهَا
 
لَمَا خَافَتْ مِنَ الْحَدَقِ الْحِسَانِ٣٤١
وَلَمْ أَرَ قَبْلَهُ شِبْلَيْ هِزَبْرٍ
 
كَشِبْلَيْهِ وَلَا مُهْرَيْ رِهَانِ٣٤٢
أَشَدَّ تَنَازُعًا لِكَرِيمِ أَصْلٍ
 
وَأَشْبَهَ مَنْظَرًا بِأَبٍ هِجَانِ٣٤٣
وَأَكْثَرَ فِي مَجَالِسِهِ اسْتِمَاعًا
 
فُلَانٌ دَقَّ رُمْحًا فِي فُلَانِ٣٤٤
وَأَوَّلُ رَأْيَةٍ رَأَيَا الْمَعَالِي
 
فَقَدْ عَلِقَا بِهَا قَبْلَ الْأَوَانِ٣٤٥
وَأَوَّلُ لَفْظَةٍ فَهِمَا وَقَالَا
 
إِغَاثَةُ صَارِخٍ أَوْ فَكُّ عَانِ٣٤٦
وَكُنْتَ الشَّمْسَ تَبْهَرُ كُلَّ عَيْنٍ
 
فَكَيْفَ وَقَدْ بَدَتْ مَعَهَا اثْنَتَانِ؟!٣٤٧
فَعَاشَا عِيشَةَ الْقَمَرَيْنِ يُحْيَا
 
بِضَوْئِهِمَا وَلَا يَتَحَاسَدَانِ٣٤٨
وَلَا مَلَكَا سِوَى مُلْكِ الْأَعَادِي
 
وَلَا وَرِثَا سِوَى مَنْ يَقْتُلَانِ٣٤٩
وَكَانَ ابْنَا عَدُوٍّ كَاثَرَاهُ
 
لَهُ يَاءَيْ حُرُوفِ أُنَيْسِيَانِ٣٥٠
دُعَاءٌ كَالثَّنَاءِ بِلَا رِئَاءٍ
 
يُؤَدِّيهِ الْجَنَانُ إِلَى الْجَنَانِ٣٥١
فَقَدْ أَصْبَحْتَ مِنْهُ فِي فِرِنْدٍ
 
وَأَصْبَحَ مِنْكَ فِي عَضْبٍ يَمَانِ٣٥٢

وَلَوْلَا كَوْنُكُمْ فِي النَّاسِ كَانُوا
 
هُرَاءً كَالْكَلَامَ بِلَا مَعَانِي٣٥ 

قافية الهاء

وذكر سيف الدولة جَدَّ أبي العشائر وأباه فقال:

أَغْلَبُ الْحَيِّزَيْنِ مَا كُنْتَ فِيهِ
 
وَوَلِيُّ النَّمَاءِ مَنْ تَنْمِيهِ١
ذَا الَّذِي أَنْتَ جَدُّهُ وَأَبُوهُ
 
دِنْيَةً دُونَ جَدِّهِ وَأَبِيهِ٢

وأجمل سيف الدولة ذكره وهو يسايره فقال:

أَنَا بِالْوُشَاةِ إِذَا ذَكَرْتُكَ أَشْبَهُ
 
تَأْتِي النَّدَى وَيُذَاعُ عَنْكَ فَتَكْرَهُ٣
وَإِذَا رَأَيْتُكَ دُونَ عِرْضِي عَارِضًا
 
أَيْقَنْتُ أَنَّ اللهَ يَبْغِي نَصْرَهُ٤

وقال يمدح أبا العشائر ويودعه، وقد أراد سفرًا:

النَّاسُ مَا لَمْ يَرَوْكَ أَشْبَاهُ
 
وَالدَّهْرُ لَفْظٌ وَأَنْتَ مَعْنَاهُ٥
وَالْجُودُ عَيْنٌ وَأَنْتَ نَاظِرُهَا
 
وَالْبَأْسُ بَاعٌ وَأَنْتَ يُمْنَاهُ٦
أَفْدِي الَّذِي كُلُّ مَأْزِقٍ حَرِجٍ
 
أَغْبَرَ فُرْسَانُهُ تَحَامَاهُ٧
أَعْلَى قَنَاةِ الْحُسَيْنِ أَوْسَطُهَا
 
فِيهِ وَأَعْلَى الْكَمِيِّ رِجْلَاهُ٨
تُنْشِدُ أَثُوابُنَا مَدَائِحَهُ
 
بِأَلْسُنٍ مَا لَهُنَّ أَفْوَاهُ٩
إِذَا مَرَرْنَا عَلَى الْأَصَمِّ بِهَا
 
أَغْنَتْهُ عَنْ مِسْمَعَيْهِ عَيْنَاهُ١٠
سُبْحَانَ مَنْ خَارَ لِلْكَوَاكِبِ بِالـْ
 
ـبُعْدِ ولَوْ نِلْنَ كُنَّ جَدْوَاهُ١١
لَوْ كَانَ ضَوْءُ الشُّمُوسِ فِي يَدِهِ
 
لَصَاعَهُ جُودُهُ وَأفْنَاهُ١٢
يَا رَاحِلًا كُلُّ مَنْ يُوَدِّعُهُ
 
مُوَدِّعٌ دِينَهُ وَدُنْيَاهُ١٣
إِنْ كَانَ فِيمَا نَرَاهُ مِنْ كَرَمٍ
 
فِيكَ مَزِيدٌ فَزَادَكَ اللهُ١٤

وقال قوم: لم يكنك أبو الطيب يا أبا العشائر، وأنت تعرف بكنيتك، فقال:

قَالُوا: أَلَمْ تَكْنِهِ؟ فقُلتُ لَهُمْ:
 
ذَلِكَ عِيٌّ إِذَا وَصَفْنَاهُ١٥
لَا يَتَوَقَّى أَبُو الْعَشَائِرِ مِنْ
 
لَبْسِ مَعَانِي الْوَرَى بِمَعْنَاهُ١٦
أَفْرَسُ مَنْ تَسْبَحُ الْجِيَادُ بِهِ
 
وَلَيْسَ إِلَّا الْحَدِيدَ أَمْوَاهُ١٧

وكان الأسود قد عمر دارًا، وانتقل إليها فمات له فيها خمسون غلامًا، ففزع من ذلك وخرج منها إلى دار أخرى، فقال وأنشده إياها في شهر المحرم سنة سبع وأربعين وثلاثمائة:

أَحَقُّ دَارٍ بِأَنْ تُسْمَى مُبَارَكَةً
 
دَارٌ مُبَارَكَةُ الْمَلْكِ الَّذِي فِيهَا١٨
وَأَجْدَرُ الدُّورِ أَنْ تُسْقَى بِسَاكِنِهَا
 
دَارٌ غَدَا النَّاسُ يَسْتَسْقُونَ أَهْلِيهَا١٩
هَذِي مَنَازِلُكَ الْأُخْرَى نُهَنِّئُهَا
 
فَمَنْ يَمُرُّ عَلَى الْأُولَى يُسَلِّيهَا؟٢٠
إِذَا حَلَلْتَ مَكَانًا بَعْدَ صَاحِبِهِ
 
جَعَلْتَ فِيهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ تِيهَا٢١
لَا يُنْكَرُ الْعَقْلُ مِنْ دَارٍ تَكُونُ بِهَا
 
فَإِنَّ رِيحَكَ رُوحٌ فِي مَغَانِيهَا٢٢
أَتَمَّ سَعْدَكَ مَنْ لَقَّاكَ أَوَّلَهُ
 
وَلَا اسْتَرَدَّ حَيَاةً مِنْكَ مُعْطِيهَا٢٣

ونزل أبو الطيب في أرض حِسْمَى برجل يقال له: وردان بن ربيعة الطائي، فاستغوى وردان عبيد أبي الطيب؛ فجعلوا يسرقون له من أمتعته، فلما شعر أبو الطيب بذلك ضرب أحد عبيده بالسيف فأصاب وجهه، وأمر الغلمان فأجهزوا عليه كما تقدم — وقال يهجو وردان:

لَئِنْ تَكُ طَيِّئٌ كَانَتْ لِئَامًا
 
فَأَلْأَمُهَا رَبِيعَةُ أَوْ بَنُوهُ
وَإِنْ تَكُ طَيِّئٌ كَانَتْ كِرَامًا
 
فَوَرْدَانٌ لِغَيْرِهِمِ أَبُوهُ٢٤
مَرَرْنَا مِنْهُ فِي حِسْمَى بِعَبْدٍ
 
يَمُجُّ اللُّؤْمَ مَنْخِرُهُ وَفُوهُ٢٥
أَشَذَّ بِعِرْسِهِ عَنِّي عَبِيدِي
 
فَأَتْلَفَهُمْ وَمَالِي أَتْلَفُوهُ٢٦
فَإِنْ شَقِيَتْ بِأَيْدِيهِمْ جِيَادِي
 
لَقَدْ شَقِيَتْ بِمُنْصُلِيَ الْوُجُوهُ٢٧

وقال يمدح عضد الدولة أبا شجاع فَنَّاخُسْرَوْ سنة أربع وخمسين وثلاثمائة:

أَوْهِ بَدِيلٌ مِنْ قَوْلَتِي: وَاهَا
 
لِمَنْ نَأَتْ وَالْبَدِيلُ ذِكْرَاهَا٢٨
أَوْهِ لِمَنْ لَا أَرَى مَحَاسِنَهَا
 
وَأَصْلُ وَاهًا وَأَوْهِ مَرْآهَا٢٩
شَامِيَّةٌ طَالَمَا خَلَوْتُ بِهَا
 
تُبْصِرُ فِي نَاظِرِي مُحَيَّاهَا٣٠
فَقَبَّلَتْ نَاظِرِي تُغَالِطُنِي
 
وَإِنَّمَا قَبَّلَتْ بِهِ فَاهَا٣١
فَلَيْتَهَا لَا تَزَالُ آوِيَةً
 
وَلَيْتَهُ لَا يَزَالُ مَأْوَاهَا٣٢
كُلُّ جَرِيحٍ تُرْجَى سَلَامَتُهُ
 
إِلَّا فُؤَادًا دَهَتْهُ عَيْنَاهَا٣٣
تَبُلُّ خَدَّيَّ كُلَّمَا ابْتَسَمَتْ
 
مِنْ مَطَرٍ بَرْقُهُ ثَنَايَاهَا٣٤
مَا نَفَضَتْ فِي يَدِي غَدَائِرُهَا
 
جَعَلْتُهُ فِي الْمُدَامِ أَفْوَاهَا٣٥
فِي بَلَدٍ تُضْرَبُ الْحِجَالُ بِهِ
 
عَلَى حِسَانٍ وَلَسْنَ أَشْبَاهَا٣٦
لَقِينَنَا وَالْحُمُولُ سَائِرَةٌ
 
وَهُنَّ دُرٌّ فَذُبْنَ أَمْوَاهَا٣٧
كُلُّ مَهَاةٍ كَأَنَّ مُقْلَتَهَا
 
تَقُولُ: إِيَّاكُمُ وَإِيَّاهَا!٣٨
فِيهِنَّ مَنْ تَقْطُرُ السُّيُوفُ دَمًا
 
إِذَا لِسَانُ الْمُحِبِّ سَمَّاهَا٣٩
أُحِبُّ حِمْصًا إِلَى خُنَاصِرَةٍ
 
وَكُلُّ نَفْسٍ تُحِبُّ مَحْيَاهَا٤٠
حَيْثُ الْتَقَى خَدُّهَا وَتُفَّاحُ لُبـْ
 
ـنَانَ وَثَغْرِي عَلَى حُمَيَّاهَا٤١
وَصِفْتُ فِيهَا مَصِيفَ بَادِيَةٍ
 
شَتَوْتُ بِالصَّحْصَحَانِ مَشْتَاهَا٤٢
إِنْ أَعْشَبَتْ رَوْضَةٌ رَعَيْنَاهَا
 
أَوْ ذُكِرَتْ حِلَّةٌ غَزَوْنَاهَا٤٣
أَوْ عَرَضَتْ عَانَةٌ مُقَزَّعَةٌ
 
صِدْنَا بِأُخْرَى الْجِيَادِ أُوْلَاهَا٤٤
أَوْ عَبَرَتْ هَجْمَةٌ بِنَا تُرِكَتْ
 
تَكُوسُ بَيْنَ الشُّرُوبِ عَقْرَاهَا٤٥
وَالْخَيْلُ مَطْرُودَةٌ وَطَارِدَةٌ
 
تَجُرُّ طُولَى الْقَنَا وَقُصْرَاهَا٤٦
يُعْجِبُهَا قَتْلُهَا الْكُمَاةَ وَلَا
 
يُنْظِرُهَا الدَّهْرُ بَعْدَ قَتْلَاهَا٤٧
وَقَدْ رَأَيْتُ الْمُلُوكَ قَاطِبَةً
 
وَسِرْتُ حَتَّى رَأَيْتُ مَوْلَاهَا٤٨
وَمَنْ مَنَايَاهُمُ بِرَاحَتِهِ
 
يَأْمُرُهَا فِيهِمِ وَيَنْهَاهَا٤٩
أَبَا شُجَاعٍ بِفَارِسٍ عَضُدَ الدَّ
 
وْلَةِ فَنَّاخُسْرُوْ شَهَنْشَاهَا٥٠
أَسَامِيًا لَمْ تَزِدْهُ مَعْرِفَةً
 
وَإِنَّمَا لَذَّةً ذَكَرْنَاهَا٥١
تَقُودُ مُسْتَحْسَنَ الْكَلَامِ لَنَا
 
كَمَا تَقُودُ السَّحَابَ عُظْمَاهَا٥٢
هُوَ النَّفِيسُ الَّذِي مَوَاهِبُهُ
 
أَنْفَسُ أَمْوَالِهِ وَأَسْنَاهَا٥٣
لَوْ فَطِنَتْ خَيْلُهُ لِنَائِلِهِ
 
لَمْ يُرْضِهَا أَنْ تَرَاهُ يَرْضَاهَا٥٤
لَا تَجِدُ الْخَمْرُ فِي مَكَارِمِهِ
 
إِذَا انْتَشَى خَلَّةً تَلَافَاهَا٥٥
تُصَاحِبُ الرَّاحُ أَرْيَحِيَّتَهُ
 
فَتَسْقُطُ الرَّاحُ دُونَ أَدْنَاهَا٥٦
تَسُرُّ طَرْبَاتُهُ كَرَائِنَهُ
 
ثُمَّ تُزِيلُ السُّرُورَ عُقْبَاهَا٥٧
بِكُلِّ مَوْهُوبَةٍ مُوَلْوَلَةٍ
 
قَاطِعَةٍ زِيرَهَا وَمَثْنَاهَا٥٨
تَعُومُ عَوْمَ القَذَاةِ فِي زَبَدٍ
 
مِنْ جُودِ كَفِّ الْأَمِيرِ يَغْشَاهَا٥٩
تُشْرِقُ تِيجَانُهُ بِغُرَّتِهِ
 
إِشْرَاقَ أَلْفَاظِهِ بِمَعْنَاهَا٦٠
دَانَ لَهُ شَرْقُهَا وَمَغْرِبُهَا
 
وَنَفْسُهُ تَسْتَقِلُّ دُنْيَاهَا٦١
تَجَمَّعَتْ فِي فُؤَادِهِ هِمَمٌ
 
مِلْءُ فُؤَادِ الزَّمَانِ إِحْدَاهَا٦٢
فَإِنْ أَتَى حَظُّهَا بِأَزْمِنَةٍ
 
أَوْسَعَ مِنْ ذَا الزَّمَانِ أَبْدَاهَا٦٣
وَصَارَتِ الْفَيْلَقَانِ وَاحِدَةً
 
تَعْثُرُ أَحْيَاؤهَا بِمَوْتَاهَا٦٤
وَدَارَتِ النَّيِّرَاتُ فِي فَلَكٍ
 
تَسْجُدُ أَقْمَارُهَا لِأَبْهَاهَا٦٥
الْفَارِسُ المُتَّقَى السِّلَاحُ بِهِ الـْ
 
ـمُثْنِي عَلَيْهِ الْوَغَى وَخَيْلَاهَا٦٦
لَوْ أَنْكَرَتْ مِنْ حَيَائِهَا يَدُهُ
 
فِي الْحَرْبِ آثَارَهَا عَرَفْنَاهَا٦٧
وَكَيْفَ تَخْفَى الَّتي زِيَادَتُهَا
 
وَنَاقِعُ الْمَوْتِ بَعْضُ سِيمَاهَا؟!٦٨
أَلْوَاسِعُ الْعُذْرِ أَنْ يَتِيهَ عَلَى الدُّ
 
نْيَا وَأَبْنَائِهَا وَمَا تَاهَا٦٩
لَوْ كَفَرَ الْعَالَمُونَ نِعْمَتَهُ
 
لَمَا عَدَتْ نَفْسُهُ سَجَايَاهَا٧٠
كَالشَّمْسِ لَا تَبْتَغِي بِمَا صَنَعَتْ
 
مَنْفَعَةً عِنْدَهُمْ وَلَا جَاهَا٧١
وَلِّ السَّلَاطِينَ مَنْ تَوَلَّاهَا
 
وَالْجَأْ إِلَيْهِ تَكُنْ حُدَيَّاهَا٧٢
وَلَا تَغُرَّنَّكَ الْإِمَارَةُ فِي
 
غَيْرِ أَمِيرٍ وَإِنْ بِهَا بَاهَى٧٣
فَإِنَّمَا الْمَلْكُ رَبُّ مَمْلَكَةٍ
 
قَدْ فَغَمَ الْخَافِقَيْنِ سَرَيَّاهَا٧٤
مُبْتَسِمٌ وَالْوُجُوهُ عَابِسَةٌ
 
سِلْمُ الْعِدَا عِنْدَهُ كَهَيْجَاهَا٧٥

أَلنَّاسُ كَالْعَابِدِينَ آلِهَةً
 
وَعَبْدُهُ كَالْمُوَحِّدِ اللهَ 
قاف

ية الياء

وفارق أبو الطيب سيف الدولة، ورحل إلى دمشق، وكاتبه الأستاذ كافور بالمسير إليه، فلما ورد مصر أخلى له كافور دارًا وخلع عليه وحمل إليه آلافًا من الدراهم، فقال يمدحه وأنشده إياها في جمادى الآخرة سنة ست وأربعين وثلاثمائة:

كَفَى بِكَ دَاءً أَنْ تَرَى الْمَوْتَ شَافِيَا
 
وَحَسْبُ الْمَنَايَا أَنْ يَكُنَّ أَمَانِيَا١
تَمَنَّيْتَهَا لَمَّا تَمَنَّيْتَ أَنْ تَرَى
 
صَدِيقًا فَأَعْيَا أَوْ عَدُوًّا مُدَاجِيَا٢
إِذَا كُنْتَ تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ بذِلَّةٍ
 
فَلَا تَسْتَعِدَّنَّ الْحُسَامَ الْيَمَانِيَا٣
وَلَا تَسْتَطِيلَنَّ الرِّمَاحَ لِغَارَةٍ
 
وَلَا تَسْتَجِيدَنَّ الْعِتَاقَ الْمَذَاكِيَا٤
فَمَا يَنْفَعُ الْأُسْدَ الْحَيَاءُ مِنَ الطَّوَى
 
وَلَا تُتَّقَى حَتَّى تَكُونَ ضَوَارِيَا٥
حَبَبْتُكَ قَلْبِي قَبْلَ حُبِّكَ مَنْ نَأَى
 
وَقَدْ كَانَ غَدَّارًا فَكُنْ أَنْتَ وَافِيَا٦
وَأَعْلَمُ أَنَّ الْبَيْنَ يُشْكِيكَ بَعْدَهُ
 
فَلَسْتَ فُؤَادِي إِنْ رَأَيْتُكَ شَاكِيَا٧
فَإِنَّ دُمُوعَ الْعَيْنِ غُدْرٌ بِرَبِّهَا
 
إِذَا كُنَّ إِثْرَ الْغَادِرِينَ جَوَارِيَا٨
إِذَا الْجُودُ لَمْ يُرْزَقْ خَلَاصًا مِنَ الْأذَى
 
فَلَا الْحَمْدُ مَكْسُوبًا وَلَا الْمَالُ بَاقِيَا٩
وَلِلنَّفْسِ أَخْلَاقٌ تَدُلُّ عَلَى الْفَتَى
 
أَكَانَ سَخَاءً مَا أَتَى أَمْ تَسَاخِيَا؟١٠
أَقِلَّ اشْتِيَاقًا أَيُّهَا الْقَلْبُ رُبَّمَا
 
رَأَيْتُكَ تُصْفِي الْوُدَّ مَنْ لَيْسَ جَازِيَا١١
خُلِقْتُ أَلُوفًا لَوْ رَحَلْتُ إِلَى الصِّبَا
 
لَفَارَقْتُ شَيْبِي مُوجَعَ الْقَلْبِ بَاكِيَا١٢
وَلَكِنَّ بِالْفُسْطَاطِ بَحْرًا أَزَرْتُهُ
 
حَيَاتِي وَنُصْحِي وَالْهَوَى وَالْقَوَافِيَا١٣
وَجُرْدًا مَدَدْنَا بَيْنَ آذَانِهَا الْقَنَا
 
فَبِتْنَ خِفَافًا يَتَّبِعْنَ الْعَوَالِيَا١٤
تَمَاشَى بِأَيْدٍ كُلَّمَا وَافَتِ الصَّفَا
 
نَقَشْنَ بِهِ صَدْرَ الْبُزَاةِ حَوَافِيَا١٥
وَتَنْظُرُ مِنْ سُودٍ صَوَادِقَ فِي الدُّجَى
 
يَرَيْنَ بَعِيدَاتِ الشُّخُوصِ كَمَا هِيَا١٦
وَتَنْصِبُ لِلْجَرْسِ الْخَفِيِّ سَوَامِعًا
 
يَخَلْنَ مُنَاجَاةَ الضَّمِيرِ تَنَادِيَا١٧
تُجَاذِبُ فُرْسَانَ الصَّبَاحِ أَعِنَّةً
 
كَأَنَّ عَلَى الْأَعْنَاقِ مِنْهَا أَفَاعِيَا١٨
بِعَزْمٍ يَسِيرُ الْجِسْمُ فِي السَّرْجِ رَاكِبًا
 
بِهِ وَيَسِيرُ الْقَلْبُ فِي الْجِسْمِ مَاشِيَا١٩
قَوَاصِدَ كَافُورٍ تَوَارِكَ غَيْرِهِ
 
وَمَنْ قَصَدَ الْبَحْرَ استَقَلَّ السَّوَاقِيَا٢٠
فَجَاءَتْ بِنَا إِنْسَانَ عَيْنِ زَمَانِهِ
 
وَخَلَّتْ بَيَاضًا خَلْفَهَا وَمَآقِيَا٢١
نَجُوزَ عَلَيْهَا الْمُحْسِنِينَ إِلَى الَّذِي
 
نَرَى عِنْدَهُمْ إِحْسَانَهُ وَالْأَيَادِيَا٢٢
فَتًى مَا سَرَيْنَا فِي ظُهُورِ جُدُودِنَا
 
إِلَى عَصْرِهِ إِلَّا نُرَجِّي التَّلَاقِيَا٢٣
تَرَفَّعَ عَنْ عُونِ الْمَكَارِمِ قَدْرُهُ
 
فَمَا يَفْعَلُ الْفَعْلَاتِ إِلَّا عَذَارِيَا٢٤
يُبِيدُ عَدَاوَاتِ الْبُغَاةِ بِلُطْفِهِ
 
فَإِنْ لَمْ تَبِدْ مِنْهُمْ أَبَادَ الْأَعَادِيَا٢٥
أَبَا الْمِسْكِ ذَا الْوَجْهُ الَّذِي كُنْتُ تَائِقًا
 
إِلَيْهِ وَذَا الْوَقْتُ الَّذِي كُنْتُ رَاجِيَا٢٦
لَقِيتُ الْمَرَوْرَى وَالشَّنَاخِيبَ دُونَهُ
 
وَجُبْتُ هَجِيرًا يَتْرُكُ الْمَاءَ صَادِيَا٢٧
أَبَا كُلِّ طِيبٍ لَا أَبَا الْمِسْكِ وَحْدَهُ
 
وَكُلَّ سَحَابٍ لَا أَخَصُّ الْغَوَادِيَا٢٨
يَدِلُّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كُلُّ فَاخِرٍ
 
وَقَدْ جَمَعَ الرَّحْمَنُ فِيكَ الْمَعَانِيَا٢٩
إِذَا كَسَبَ النَّاسُ الْمَعَالِيَ بِالنَّدَى
 
فَإِنَّكَ تُعْطِي فِي نَدَاكَ الْمَعَالِيَا٣٠
وَغَيْرُ كَثِيرٍ أَنْ يَزُورَكَ رَاجِلٌ
 
فَيَرْجِعَ مَلْكًا لِلْعِرَاقَيْنِ وَالِيَا٣١
فَقَدْ تَهَبُ الْجَيْشَ الَّذِي جَاءَ غَازِيًا
 
لِسَائِلِكَ الْفَرْدِ الَّذِي جَاءَ عَافِيَا٣٢
وَتَحْتَقِرُ الدُّنْيَا احْتِقَارَ مُجَرِّبٍ
 
يَرَى كُلَّ مَا فِيهَا وَحَاشَاكَ فَانِيَا٣٣
وَمَا كُنْتَ مِمَّن أَدْرَكَ الْمُلْكَ بِالْمُنَى
 
وَلَكِنْ بِأَيَّامٍ أَشَبْنَ النَّوَاصِيَا٣٤
عِدَاكَ تَرَاهَا فِي الْبِلَادِ مَسَاعِيًا
 
وَأَنْتَ تَرَاهَا فِي السَّمَاءِ مَرَاقِيَا٣٥
لَبِسْتَ لَهَا كُدْرَ الْعَجَاجِ كَأَنَّمَا
 
تَرَى غَيْرَ صَافٍ أَنْ تَرَى الْجَوَّ صَافِيَا٣٦
وَقُدْتَ إلَيْهَا كُلَّ أَجْرَدَ سَابِحٍ
 
يُؤَدِّيكَ غَضْبَانًا وَيَثْنِيكَ رَاضِيَا٣٧
وَمُخْتَرَطٍ مَاضٍ يُطِيعُكَ آمِرًا
 
وَيَعْصِي إِذَا اسْتَثْنَيْتَ لَوْ كُنْتَ نَاهِيَا٣٨
وَأَسْمَرَ ذِي عِشْرِينَ تَرْضَاهُ وَارِدًا
 
وَيَرْضَاكَ فِي إِيرَادِهِ الْخَيْلَ سَاقِيَا٣٩
كَتَائِبَ مَا انْفَكَّتْ تَجُوسُ عَمَائِرًا
 
مِنَ الْأَرْضِ قَدْ جَاسَتْ إِلَيْهَا فَيَافِيَا٤٠
غَزَوْتَ بِهَا دُورَ الْمُلُوكِ فَبَاشَرَتْ
 
سَنَابِكُهَا هَامَاتِهِمْ وَالْمَغَانِيَا٤١
وَأَنْتَ الَّذِي تَغْشَى الْأَسِنَّةَ أَوَّلًا
 
وَتَأَنَفُ أَنْ تَغْشَى الْأَسِنَّةَ ثَانِيَا٤٢
إِذَا الْهِنْدُ سَوَّتْ بَيْنَ سَيْفَيْ كَرِيهَةٍ
 
فَسَيْفُكَ فِي كَفٍّ تُزِيلُ التَّسَاوِيَا٤٣
وَمِنْ قَوْلِ سَامٍ لَوْ رَآكَ لِنَسْلِهِ:
 
فِدَى ابْنَ أَخِي نَسْلِي وَنَفْسِي وَمَالِيَا٤٤
مَدًى بَلَّغَ الْأُسْتَاذَ أَقْصَاهُ رَبُّهُ
 
وَنَفْسٌ لَهُ لَمْ تَرْضَ إِلَّا التَّنَاهِيَا٤٥
دَعَتْهُ فَلَبَّاهَا إِلَى الْمَجْدِ وَالْعُلَا
 
وَقَدْ خَالَفَ النَّاسُ النُّفُوسَ الدَّوَاعِيَا٤٦
فَأَصْبَحَ فَوْقَ الْعَالَمِينَ يَرَوْنَهُ
 
وَإِنْ كَانَ يُدْنِيهِ التَّكَرُّمُ نَائِيَا٤٧

ودخل على كافور بعد إنشاده هذه القصيدة، وابتسم إليه الأسود، ونهض فلبس نعلًا فرأى أبو الطيب شقوقًا برجليه وقبحًا، فقال يهجوه:

أُرِيكَ الرِّضَا لَوْ أَخْفَتِ النَّفْسُ خَافِيَا
 
وَمَا أَنَا عَنْ نَفْسِي وَلَا عَنْكَ رَاضِيَا٤٨
أَمَيْنًا وَإِخْلَافًا وَغَدْرًا وَخِسَّةً
 
وَجُبْنًا؟ أَشَخْصًا لُحتَ لِي أَمْ مَخَازِيَا؟!٤٩
تَظُنُّ ابْتِسَامَاتِي رَجَاءً وَغِبْطَةً
 
وَمَا أَنَا إِلَّا ضَاحِكٌ مِنْ رَجَائِيَا٥٠
وَتُعْجِبُنِي رِجْلَاكَ فِي النَّعْلِ إِنَّنِي
 
رَأَيْتُكَ ذَا نَعْلٍ إِذَا كُنْتَ حَافِيَا٥١
وَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَلَوْنُكَ أَسْوَدٌ
 
مِنَ الْجَهْلِ أَمْ قَدْ صَارَ أَبْيَضَ صَافِيَا؟!٥٢
وَيُذْكِرُنِي تَخْيِيطُ كَعْبِكَ شَقَّهُ
 
وَمَشْيَكَ فِي ثَوْبٍ مِنَ الزَّيْتِ عَارِيَا٥٣
وَلَوْلَا فُضُولُ النَّاسِ جِئْتُكَ مَادِحًا
 
بِمَا كُنْتُ فِي سِرِّي بِهِ لَكَ هَاجِيَا٥٤
فَأَصْبَحْتَ مَسْرُورًا بِمَا أَنَا مُنْشِدٌ
 
وَإِنْ كَانَ بِالْإِنْشَادِ هَجْوُكَ غَالِيَا٥٥
فَإِنْ كُنْتَ لَا خَيْرًا أَفَدْتَ فَإِنَّنِي
 
أَفَدْتُ بِلَحْظِي مِشْفَرَيْكَ الْمَلَاهِيَا٥٦
وَمِثْلُكَ يُؤْتَى مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ
 
لِيُضْحِكَ رَبَّاتِ الْحِدَادِ الْبَوَاكِيَا٥٧

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التذكرة