قافية الهمزة
قال — وقد طلب إليه سيف الدولة إجازة أبيات لأبي ذر سهل بن محمد الكاتب:
١الْقَلْبُ أَعْلَمُ يَا عَذُولُ بِدَائِهِ
وَأَحَقُّ مِنْكَ بِجَفْنِهِ وَبِمَائِهِ
٢فَوَمَنْ أُحِبُّ لَأَعْصِيَنَّكَ فِي الْهَوَى
قَسَمًا بِهِ وَبِحُسْنِهِ وَبَهَائِهِ
٣أَأُحِبُّهُ وَأُحِبُّ فِيهِ مَلَامَةً
إِنَّ الْمَلَامَةَ فِيهِ مِنْ أَعْدَائِهِ
٤عَجِبَ الْوُشَاةُ مِنَ اللُّحَاةِ وَقَوْلِهِمْ
دَعْ مَا بَرَاكَ ضَعُفْتَ عَنْ إِخْفَائِهِ
٥مَا الْخِلُّ إِلَّا مَنْ أَوَدُّ بِقَلْبِهِ
وَأَرَى بِطَرْفٍ لَا يَرَى بِسِوَائِهِ
٦إِنَّ الْمُعِينَ عَلَى الصَّبَابَةِ بِالْأَسَى
أَوْلَى بِرَحْمَةِ رَبِّهَا وَإِخَائِهِ
٧مَهْلًا فَإِنَّ الْعَذْلَ مِنْ أَسْقَامِهِ
وَتَرَفُّقًا فَالسَّمْعُ مِنْ أَعْضَائِهِ
٨وَهَبِ الْمَلَامَةَ فِي اللَّذَاذَةِ كَالْكَرَى
مَطْرُودَةً بِسُهَادِهِ وَبُكَائِهِ
٩لَا تَعْذُلِ الْمُشْتَاقَ فِي أَشْوَاقِهِ
حَتَّى يَكُونَ حَشَاكَ فِي أَحْشَائِهِ
١٠إِنَّ الْقَتِيلَ مُضَرَّجًا بِدُمُوعِهِ
مِثْلُ الْقَتِيلِ مُضَرَّجًا بِدِمَائِهِ
١١وَالْعِشْقُ كَالْمَعْشُوقِ يَعْذُبُ قُرْبُهُ
لِلْمُبْتَلَى وَيَنَالُ مِنْ حَوْبَائِهِ
١٢لَوْ قُلْتَ لِلدَّنِفِ الْحَزِينِ فَدَيْتُهُ
مِمَّا بِهِ لَأَغَرْتَهُ بِفِدَائِهِ
١٣وُقِيَ الْأَمِيرُ هَوَى الْعُيُونِ فَإِنَّهُ
مَا لَا يَزُولُ بِبَأْسِهِ وَسَخَائِهِ
١٤يَسْتَاسِرُ الْبَطَلُ الْكَمِيَّ بِنَظْرَةٍ
وَيَحُولُ بَيْنَ فُؤَادِهِ وَعَزَائِهِ
١٥إِنِّي دَعَوْتُكَ لِلنَّوَائِبِ دَعْوَةً
لَمْ يُدْعَ سَامِعُهَا إِلَى أَكْفَائِهِ
١٦فَأَتَيْتَ مِنْ فَوْقِ الزَّمَانِ وَتَحْتِهِ
مُتَصَلْصِلًا وَأَمَامِهِ وَوَرَائِهِ
١٧مَنْ لِلسُّيُوفِ بِأَنْ تَكُونَ سَمِيَّهَا
فِي أَصْلِهِ وَفِرِنْدِهِ وَوَفَائِهِ
١٨وَعَلِيٌّ الْمَطْبُوعُ مِنْ آبَائِهِ
١٩
واستزاده سيف الدولة فقال أيضًا:
عَذْلُ الْعَوَاذِلِ حَوْلَ قَلْبِ التَّائِهِ
وَهَوَى الْأَحِبَّةِ مِنْهُ فِي سَوْدَائِهِ
٢٠يَشْكُو الْمَلَامُ إِلَى اللَّوَائِمِ حَرَّهُ
وَيَصُدُّ حِينَ يَلُمْنَ عَنْ بُرَحَائِهِ
٢١وَبِمُهْجَتِي يَا عَاذِلِي الْمَلِكُ الَّذِي
أَسْخَطْتُ كُلَّ النَّاسِ فِي إِرْضَائِهِ
٢٢إِنْ كَانَ قَدْ مَلَكَ الْقُلُوبَ فَإِنَّهُ
مَلَكَ الزَّمَانَ بِأَرْضِهِ وَسَمَائِهِ
٢٣الشَّمْسُ مِنْ حُسَّادِهِ وَالنَّصْرُ مِنْ
قُرَنَائِهِ وَالسَّيْفُ مِنْ أَسْمَائِهِ
٢٤أَيْنَ الثَّلَاثَةُ مِنْ ثَلَاثِ خِلَالِهِ
مِنْ حُسْنِهِ وَإِبَائِهِ وَمَضَائِهِ
٢٥مَضَتِ الدُّهُورُ وَمَا أَتَيْنَ بِمِثْلِهِ
وَلَقَدْ أَتَى فَعَجَزْنَ عَنْ نُظَرَائِهِ
٢٦وقال يمدح الحسين بن إسحاق التنوخي، وكان قوم قد هَجَوْه، وعزوا الهجاء إلى أبي الطيب فكتب إليه يعاتبه، فكتب أبو الطيب إليه:
أَتُنْكِرُ يَا ابْنَ إِسْحَاقٍ إِخَائِي
وَتَحْسَبُ مَاءَ غَيْرِي مِنْ إِنَائِي
٢٧أَأَنْطِقُ فِيكَ هُجْرًا بَعْدَ عِلْمِي
بِأَنَّكَ خَيْرُ مَنْ تَحْتَ السَّمَاءِ
٢٨وَأَكْرَهُ مِنْ ذُبَابِ السَّيْفِ طَعْمًا
وَأَمْضَى فِي الْأُمُورِ مِنَ الْقَضَاءِ
٢٩وَمَا أَرْبَتْ عَلَى الْعِشْرِينَ سِنِّي
فَكَيْفَ مَلِلْتُ مِنْ طُولِ الْبَقَاءِ
٣٠وَمَا اسْتَغْرَقْتُ وَصْفَكَ فِي مَدِيحِي
فَأَنْقُصَ مِنْهُ شَيْئًا بِالْهِجَاءِ
٣١وَهَبْنِي قُلْتُ هَذَا الصُّبْحُ لَيْلٌ
أَيَعْمَى الْعَالِمُونَ عَنِ الضِّيَاءِ
٣٢تُطِيعُ الْحَاسِدِينَ وَأَنْتَ مَرْءٌ
جُعِلْتُ فِدَاءَهُ وَهُمُ فِدَائِي
٣٣وَهَاجِي نَفْسِهِ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ
كَلَامِي مِنْ كَلَامِهِمِ الْهُرَاءِ
٣٤وَإِنَّ مِنَ الْعَجَائِبِ أَنْ تَرَانِي
فَتَعْدِلَ بِي أَقَلَّ مِنَ الْهَبَاءِ
٣٥وَتُنْكِرَ مَوْتَهُمُ وَأَنَا سُهَيْلٌ
طَلَعْتُ بِمَوْتِ أَوْلَادِ الزِّنَاءِ
٣٦وقال يمدح أبا علي هارون بن عبد العزيز الأوراجي الكاتب، وكان يذهب إلى التصوف
٣٧.
أَمِنَ ازْدِيَاركِ فِي الدُّجَى الرُّقَبَاءُ
إِذْ حَيْثُ أَنْتِ مِنَ الظَّلَامِ ضِيَاءُ
٣٨قَلَقُ الْمَلِيحَةِ وَهْيِ مِسْكٌ هَتْكُهَا
وَمَسِيرُهَا فِي اللَّيْلِ وَهْيَ ذُكَاءُ
٣٩أَسَفِي عَلَى أَسَفِي الَّذِي دَلَّهْتِنِي
عَنْ عِلْمِهِ فَبِهِ عَلَيَّ خَفَاءُ
٤٠وَشَكِيَّتِي فَقْدُ السَّقَامِ لِأَنَّهُ
قَدْ كَانَ لَمَّا كَانَ لِي أَعْضَاءُ
٤١مَثَّلْتِ عَيْنَكِ فِي حَشَايَ جِرَاحَةً
فَتَشَابَهَا كِلْتَاهُمَا نَجْلَاءُ
٤٢نَفَذَتْ عَلَيَّ السَّابِرِيَّ وَرُبَّمَا
تَنْدَقُّ فِيهِ الصَّعْدَةُ السَّمْرَاءُ
٤٣أَنَا صَخْرَةُ الْوَادِي إذِاَ مَا زُوحِمَتْ
وَإِذَا نَطَقْتُ فَإِنَّنِي الْجَوْزَاءُ
٤٤وَإِذَا خَفِيتُ عَلَى الْغَبِيِّ فَعَاذِرٌ
أَنْ لَا تَرَانِي مُقْلَةٌ عَمْيَاءُ
٤٥شِيَمُ اللَّيَالِي أَنْ تُشَكِّكَ نَاقَتِي
صَدْرِي بِهَا أَفْضَى أَمِ الْبَيْدَاءُ
٤٦فَتَبِيتُ تُسْئِدُ مُسْئِدًا فِي نَيِّهَا
إِسْآدَهَا فِي الْمَهْمَهِ الْإِنضَاءُ
٤٧أَنْسَاعُهَا مَمْغُوطَةٌ وَخِفَافُهَا
مَنْكُوحَةٌ وَطَرِيقُهَا عَذْرَاءُ
٤٨يَتَلَوَّنُ الْخِرِّيتُ مِنْ خَوْفِ التَّوَى
فِيهَا كَمَا يَتَلَوَّنُ الْحِرْبَاءُ
٤٩بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي عَلِيٍّ مِثْلُهُ
شُمُّ الْجِبَالِ وَمِثْلُهُنَّ رَجَاءُ
٥٠وَعِقَابُ لُبْنَانٍ وَكَيْفَ بِقَطْعِهَا
وَهْوَ الشِّتَاءُ وَصَيْفُهُنَّ شِتَاءُ
٥١لَبَسَ الثُّلُوجُ بِهَا عَلَيَّ مَسَالِكِي
فَكَأَنَّهَا بِبَيَاضِهَا سَوْدَاءُ
٥٢وَكَذَا الْكَرِيمُ إِذَا أَقَامَ بِبَلْدَةٍ
سَالَ النُّضَارُ بِهَا وَقَامَ الْمَاءُ
٥٣جَمَدَ الْقِطَارُ وَلَوْ رَأَتْهُ كَمَا تَرَى
بُهِتَتْ فَلَمْ تَتَبَجَّسِ الْأَنْوَاءُ
٥٤فِي خَطِّهِ مِنْ كُلِّ قَلْبٍ شَهْوَةٌ
حَتَّى كَأَنَّ مِدَادَهُ الْأَهْوَاءُ
٥٥وَلِكُلِّ عَيْنٍ قُرَّةٌ فِي قُرْبِه
حَتَّى كَأَنَّ مَغِيبَهُ الْأَقْذَاءُ
٥٦مَنْ يَهْتَدِي فِي الْفِعْلِ مَا لَا تَهْتَدِي
فِي الْقَوْلِ حَتَّى يَفْعَلَ الشُّعَرَاءُ
٥٧فِي كُلِّ يَوْمٍ لِلْقَوَافِي جَوْلَةٌ
فِي قَلْبِهِ وَلِأُذْنِهِ إِصْغَاءُ
٥٨وَإِغَارَةٌ فِيمَا احْتَوَاهُ كَأَنَّمَا
فِي كُلِّ بَيْتٍ فَيْلَقٌ شَهْبَاءُ
٥٩مَنْ يَظْلِمِ اللُّؤَمَاءَ فِي تَكْلِيفِهِمْ
أَنْ يُصْبِحُوا وَهُمُ لَهُ أَكْفَاءُ
٦٠وَنَذِيمُهُمْ وَبِهِمْ عَرَفْنَا فَضْلَهُ
وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ
٦١مَنْ نَفْعُهُ فِي أَنْ يُهَاجَ وَضَرُّهُ
فِي تَرْكِهِ لَوْ تَفْطَنُ الْأَعْدَاءُ
٦٢فَالسَّلْمُ يَكْسِرُ مِنْ جَنَاحَيْ مَالِهِ
بِنَوَالِهِ مَا تَجْبُرُ الْهَيْجَاءُ
٦٣يُعْطِي فَتُعْطَى مِنْ لُهَى يَدِهِ اللُّهَى
وَتُرَى بِرُؤْيَةِ رَأْيِهِ الآرَاءُ
٦٤مُتَفَرِّقُ الطَّعْمَيْنِ مُجْتَمِعُ الْقُوَى
فَكَأَنَّهُ السَّرَّاءُ وَالضَّرَّاءُ
٦٥وَكَأَنَّهُ مَا لَا تَشَاءُ عدَاتُهُ
مُتَمَثِّلًا لِوُفُودِهِ مَا شَاءُوا
٦٦يَا أَيُّهَا الْمُجْدَى عَلَيْهِ رُوحُهُ
إِذْ لَيْسَ يَأْتِيهِ لَهَا اسْتِجْدَاءُ
٦٧احْمَدْ عُفَاتَكَ لَا فُجِعْتَ بِفَقْدِهِمْ
فَلَتَرْكُ مَا لَمْ يَأْخُذُوا إِعْطَاءُ
٦٨لَا تَكْثُرُ الْأَمْوَاتُ كَثْرَةَ قِلَّةٍ
إِلَّا إِذَا شَقِيَتْ بِكَ الْأَحْيَاءُ
٦٩وَالْقَلْبُ لَا يَنْشَقُّ عَمَّا تَحْتَهُ
حَتَّى تَحُلَّ بِهِ لَكَ الشَّحْنَاءُ
٧٠لَمْ تُسْمَ يَا هَارُونُ إِلَّا بَعْدَمَا اقـْ
ـتَرَعَتْ وَنَازَعَتِ اسْمَكَ الْأَسْمَاءُ
٧١فَغَدَوْتَ وَاسْمُكَ فِيكَ غَيْرُ مُشَارَكٍ
وَالنَّاسُ فِيمَا فِي يَدَيْكَ سَوَاءُ
٧٢لَعَمَمْتَ حَتَّى الْمُدْنُ مِنْكَ مِلَاءُ
وَلَفُتَّ حَتَّى ذَا الثَّنَاءُ لَفَاءُ
٧٣وَلَجُدْتَ حَتَّى كِدْتَ تَبْخَلُ حَائِلًا
لِلْمُنْتَهَى وَمِنَ السُّرُورِ بُكَاءُ
٧٤أَبَدَأْتَ شَيْئًا مِنْكَ يُعْرَفُ بَدْؤُهُ
وَأَعَدْتَ حَتَّى أُنْكِرَ الْإِبْدَاءُ
٧٥فَالْفَخْرُ عَنْ تَقْصِيرِهِ بِكَ نَاكِبٌ
وَالْمَجْدُ مِنْ أَنْ تُسْتَزَادُ بَرَاءُ
٧٦فَإِذَا سُئِلْتَ فَلَا لِأَنَّكَ مُحْوَجٌ
وَإِذَا كُتِمْتَ وَشَتْ بِكَ الْآلَاءُ
٧٧وَإِذَا مُدِحْتَ فَلَا لِتَكْسِبَ رِفْعَةً
لِلشَّاكِرِينَ عَلَى الْإِلَهِ ثَنَاءُ
٧٨وَإِذَا مُطِرْتَ فَلَا لِأَنَّكَ مُجْدِبٌ
يُسْقَى الْخَصِيبُ وَتُمْطَرُ الدَّأْمَاءُ
٧٩لَمْ تَحْكِ نَائِلَكَ السَّحَابُ وَإِنَّمَا
حُمَّتْ بِهِ فَصَبِيبُهَا الرُّحَضَاءُ
٨٠لَمْ تَلْقَ هَذَا الْوَجْهَ شَمْسُ نَهَارِنَا
إِلَّا بِوَجْهٍ لَيْسَ فِيهِ حَيَاءُ
٨١فَبِأَيِّمَا قَدَمٍ سَعَيْتَ إِلَى الْعُلَا
أُدُمُ الْهِلَالِ لِأَخْمَصَيْكَ حِذَاءُ
٨٢وَلَكَ الزَّمَانُ مِنَ الزَّمَانِ وِقَايَةٌ
وَلَكَ الْحِمَامُ مِنَ الْحِمَامِ فِدَاءُ
٨٣لَوْ لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَا الْوَرَى اللَّذْ مِنْكَ هُو
عَقِمَتْ بِمَوْلِدِ نَسْلِهَا حَوَّاءُ
٨٤وغنى المغني في دار الأمير أبي محمد الحسن بن عبيد الله بن طغج فأحسن فقال:
مَاذَا يَقُولُ الَّذِي يُغَنِّي
يَا خَيْرَ مَنْ تَحْتَ ذِي السَّمَاءِ
٨٥شَغَلْتَ قَلْبِي بِلَحْظِ عَيْنِي
إِلَيْكَ عَنْ حُسْنِ ذَا الْغِنَاءِ
٨٦وبنى كافور دارًا بإزاء الجامع الأعلى على البركة، وطالب أبا الطيب بذكرها فقال:
إِنَّمَا التَّهْنِئَاتُ لِلْأَكْفَاءِ
وَلِمَنْ يَدَّنِي مِنَ الْبُعَدَاءِ
٨٧وَأَنا مِنْكَ لَا يُهَنِّئُ عُضْوٌ
بِالْمَسَرَّاتِ سِائِرَ الْأَعْضَاءِ
٨٨مُسْتَقِلٌّ لَكَ الدِّيَارُ وَلَوْ كَا
نَ نُجُومًا آجُرُّ هَذَا الْبِنَاءِ
٨٩وَلَوَ انَّ الَّذِي يَخِرُّ مِنَ الْأَمـْ
ـوَاهِ فِيهَا مِنْ فِضَّةٍ بَيْضَاءِ
٩٠أَنْتَ أَعْلَى مَحَلَّةً أَنْ تُهَنَّى
بِمَكَانٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي السَّمَاءِ
٩١وَلَكَ النَّاسُ وَالْبِلَادُ وَمَا يَسـْ
ـرَحُ بَيْنَ الْغَبْرَاءِ وَالْخَضْرَاءِ
٩٢وَبَسَاتِينُكَ الْجِيَادُ وَمَا تَحـْ
ـمِلُ مِنْ سَمْهَرِيَّةٍ سَمْرَاءِ
٩٣إِنَّمَا يَفْخَرُ الْكَرِيمُ أَبُو الْمِسـْ
ـكِ بِمَا يَبْتَنِي مِنَ الْعَلْيَاءِ
٩٤وَبِأَيَّامِهِ الَّتِي انْسَلَخَتْ عَنـْ
ـهُ وَمَا دَارُهُ سِوَى الْهَيْجَاءِ
٩٥وَبِمَا أَثَّرَتْ صَوَارِمُهُ الْبِيـ
ـضُ لَهُ فِي جَمَاجِمِ الْأَعْدَاءِ
٩٦وَبِمِسْكٍ يُكْنَى بِهِ لَيْسَ بِالْمِسـْ
ـكِ وَلَكِنَّهُ أَرِيجُ الثَّنَاءِ
٩٧لَا بِمَا يَبْتَنِي الْحَوَاضِرُ فِي الرِّيـ
ـفِ وَمَا يَطَّبِي قُلُوبَ النِّسَاءِ
٩٨نَزَلَتْ إِذْ نَزَلْتَهَا الدَّارُ فِي أَحـْ
ـسَنَ مِنْهَا مِنَ السَّنَا وَالسَّنَاءِ
٩٩حَلَّ فِي مَنْبِتِ الرَّيَاحِينِ مِنْهَا
مَنْبِتُ الْمَكْرُمَاتِ وَالْآلَاءِ
١٠٠تَفْضَحُ الشَّمْسَ كُلَّمَا ذَرَّتِ الشَّمـْ
ـسُ بِشَمْسٍ مُنِيرَةٍ سَوْدَاءِ
١٠١إِنَّ فِي ثَوبِكَ الَّذِي الْمَجْدُ فِيهِ
لَضِيَاءً يُزْرِي بِكُلِّ ضِيَاءِ
١٠٢إِنَّمَا الْجِلْدُ مَلْبَسٌ وَابْيِضَاضُ النـْ
ـنَفْسِ خَيْرٌ مِنَ ابْيِضَاضِ الْقَبَاءِ
١٠٣كَرَمٌ فِي شَجَاعَةٍ وَذَكَاءٌ
فِي بَهَاءٍ وَقُدْرَةٌ فِي وَفَاءِ
١٠٤مَنْ لِبِيضِ الْمُلُوكِ أَنْ تُبْدِلَ اللَّوْ
نَ بِلَوْنِ الْأُسْتَاذِ وَالسَّحْنَاءِ
١٠٥فَتَرَاهَا بَنُو الْحُرُوبِ بِأَعْيَا
نٍ تَرَاهُ بِهَا غَدَاةَ اللِّقَاءِ
١٠٦يَا رَجَاءَ الْعُيُونِ فِي كُلِّ أَرْضٍ
لَمْ يَكُنْ غَيْرَ أَنْ أَرَاكَ رَجَائِي
وَلَقَدْ أَفْنَتِ الْمَفَاوِزُ خَيْلِي
قَبْلَ أَنْ نَلْتَقِي وَزَادِي وَمَائِي
١٠٧فَارْمِ بِي مَا أَرَدْتَ مِنِّي فَإِنِّي
أَسَدُ الْقَلْبِ آدَمِيُّ الرُّوَاءِ
١٠٨وَفُؤَادِي مِنَ الْمُلُوكِ وَإِنْ كَا
نَ لِسَانِي يُرَى مِنَ الشُّعَرَاءِ
١٠٩وقال يذكر خروجه من مصر وما لقي في طريقه، ويهجو كافورًا:
أَلَا كُلُّ مَاشِيَةِ الْخَيْزَلَى
فِدَا كُلِّ مَاشِيَةِ الْهَيْذَبَى
١١٠وَكُلُّ نَجَاةٍ بِجَاوِيَّةٍ
خَنُوفٍ وَمَا بِي حُسْنُ الْمِشَى
١١١وَلَكِنَّهُنَّ حِبَالُ الْحَيَاةِ
وَكَيْدُ الْعُدَاةِ وَمَيْطُ الْأَذَى
١١٢ضَرَبْتُ بِهَا التِّيهَ ضَرْبَ الْقِمَا
رِ إِمَّا لِهَذَا وَإِمَّا لِذَا
١١٣إِذَا فَزِعَتْ قَدَّمَتْهَا الْجِيَادُ
وَبِيضُ السُّيُوفِ وَسُمْرُ الْقَنَا
١١٤فَمَرَّتْ بِنَخْلٍ وَفِي رَكْبِهَا
عَنِ الْعَالَمِينَ وَعَنْهُ غِنَى
١١٥وَأَمْسَتْ تُخَيِّرُنَا بِالنِّقَا
بِ وَادِي الْمِيَاهِ وَوَادِي الْقُرَى
١١٦وَقُلْنَا لَهَا أَيْنَ أَرْضُ الْعِرَاقِ
فَقَالَتْ وَنَحْنُ بِتُرْبَانَ هَا
١١٧وَهَبَّتْ بِحِسْمَى هُبُوبَ الدَّبُو
رِ مُسْتَقْبِلَاتٍ مَهَبَّ الصَّبَا
١١٨رَوَامِي الْكِفَافِ وَكِبْدِ الْوِهَادِ
وَجَارِ الْبُوَيْرَةِ وَادِي الْغَضَى
١١٩وَجَابَتْ بُسَيْطَةَ جَوْبَ الرِّدَا
ءِ بَيْنَ النَّعَامِ وَبَيْنَ الْمَهَا
١٢٠إِلَى عُقْدَةِ الْجَوْفِ حَتَّى شَفَتْ
بِمَاءِ الْجَرَاوِيِّ بَعْضَ الصَّدَى
١٢١وَلَاحَ لَهَا صَوَرٌ وَالصَّبَاحَ
وَلَاحَ الشَّغُورُ لَهَا وَالضُّحَى
١٢٢وَمَسَّى الْجُمَيْعِيَّ دِئْدَاؤُهَا
وَغَادَى الْأَضَارِعَ ثُمَّ الدَّنَا
١٢٣فَيَا لَكَ لَيْلًا عَلَى أَعْكُشٍ
أَحَمَّ الْبِلَادِ خَفِيَّ الصُّوَى
١٢٤وَرَدْنَا الرُّهَيْمَةَ فِي جَوْزِهِ
وَبَاقِيهِ أَكْثَرُ مِمَّا مَضَى
١٢٥فَلَمَّا أَنَخْنَا رَكَزْنَا الرِّمَا
حَ فَوْقَ مَكَارِمِنَا وَالْعُلَا
١٢٦وَبِتْنَا نُقَبِّلُ أَسْيَافَنَا
وَنَمْسَحُهَا مِنْ دِمَاءِ الْعِدَا
١٢٧لِتَعْلَمَ مِصْرُ وَمَنْ بِالْعِرَاقِ
وَمَنْ بِالْعَوَاصِمِ أَنِّي الْفَتَى
١٢٨وَأَنِّي وَفَيْتُ وَأَنِّي أَبَيْتُ
وَأَنِّي عَتَوْتُ عَلَى مَنْ عَتَا
١٢٩وَمَا كُلُّ مَنْ قَالَ قَوْلًا وَفَى
وَلَا كُلُّ مَنْ سِيمَ خَسْفًا أَبَى
١٣٠وَلَا بُدَّ لِلْقَلْبِ مِنْ آلَةٍ
وَرَأْيٍ يُصَدِّعُ صُمَّ الصَّفَا
١٣١وَمَنْ يَكُ قَلْبٌ كَقَلْبِي لَهُ
يَشُقُّ إِلَى الْعِزِّ قَلْبَ التَّوَى
١٣٢وَكُلُّ طَرِيقٍ أَتَاهُ الْفَتَى
عَلَى قَدَرِ الرِّجْلِ فِيهِ الْخُطَا
١٣٣وَنَامَ الْخُوَيْدِمُ عَنْ لَيْلِنَا
وَقَدْ نَامَ قَبْلُ عَمًى لَا كَرَى
١٣٤وَكَان عَلَى قُرْبِنَا بَيْنَنَا
مَهَامِهُ مِنْ جَهْلِهِ وَالْعَمَى
١٣٥لَقَدْ كُنْتُ أَحْسِبُ قَبْلَ الْخَصِيـْ
ـيِ أَنَّ الرُّءُوسَ مَقَرُّ النُّهَى
١٣٦فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَى عَقْلِهِ
رَأَيْتُ النُّهَى كُلَّهَا فِي الْخُصَى
١٣٧وَمَاذَا بِمِصْرَ مِنَ الْمُضْحِكَاتِ
وَلَكِنَّهُ ضَحِكٌ كَالْبُكَا
١٣٨بِهَا نَبَطِيٌّ مِنَ اهْلِ السَّوَادِ
يُدَرِّسُ أَنْسَابَ أَهْلِ الْفَلَا
١٣٩وَأَسْوَدُ مِشْفَرُهُ نِصْفُهُ
يُقَالُ لَهُ أَنْتَ بَدْرُ الدُّجَى
١٤٠وَشِعْرٍ مَدَحْتُ بِهِ الْكَرْكَدَنَّ
بَيْنَ الْقَرِيضِ وَبَيْنَ الرُّقَى
١٤١فَمَا كَانَ ذَلِكَ مَدْحًا لَهُ
وَلَكِنَّهُ كَانَ هَجْوَ الْوَرَى
١٤٢وَقَدْ ضَلَّ قَوْمٌ بِأَصْنَامِهِمْ
فَأَمَّا بِزِقِّ رِيَاحٍ فَلَا
١٤٣وَتِلْكَ صُمُوتٌ وَذَا نَاطِقٌ
إِذَا حَرَّكُوهُ فَسَا أَوْ هَذَى
١٤٤وَمَنْ جَهِلَتْ نَفْسُهُ قَدْرَهُ
رَأَى غَيْرُهُ مِنْهُ مَا لَا يَرَى
١٤٥وعاب قوم عليه علوَّ الخيام، فقال
١٤٦:
لَقَدْ نَسَبُوا الْخِيَامَ إِلَى عَلَاءِ
أَبَيْتُ قَبُولَهُ كُلَّ الْإِبَاءِ
١٤٧وَمَا سَلَّمْتُ فَوْقَك لِلثُّرَيَّا
وَلَا سَلَّمْتُ فَوْقَكَ لِلسَّمَاءِ
١٤٨وَقَدْ أَوْحَشْتَ أَرْضَ الشَّامِ حَتَّى
سَلَبْتَ رُبُوعَهَا ثَوْبَ الْبَهَاءِ
١٤٩تَنَفَّسُ وَالْعَوَاصِمُ مِنْكَ عَشْرٌ
فَتَعْرِفُ طِيبَ ذَلِكَ فِي الْهَوَاءِ
١٥٠أَسَامِرِيُّ ضُحْكَةَ كُلِّ رَاءِ
فَطِنْتَ وَأَنْتَ أَغْبَى الْأَغْبِيَاءِ
١٥٢صَغُرْتَ عَنِ الْمَدِيحِ فَقُلْتَ أُهْجَى
كَأَنَّكَ مَا صَغُرْتَ عَنِ الْهِجَاءِ
١٥٣وَمَا فَكَّرْتُ قَبْلَكَ فِي مُحَالِ
وَلَا جَرَّبْتُ سَيْفِي فِي هَبَاءِ
١٥٤قافية الباء
وقال يمدح سيف الدولة وهو يسايره إلى الرقة وقد اشتد المطر بموضع يعرف بالثديين:
لِعَيْنِي كُلَّ يَوْمٍ مِنْكَ حَظٌّ
تَحَيَّرُ مِنْهُ فِي أَمْرٍ عُجَابِ
١حِمَالَةُ ذَا الْحُسَامِ عَلَى حُسَامٍ
وَمَوْقِعُ ذَا السَّحَابِ عَلَى سَحَابِ
٢وزاد المطر فقال:
تَجِفُّ الْأَرْضُ مِنْ هَذَا الرَّبَابِ
وَيَخْلُقُ مَا كَسَاهَا مِنْ ثِيَابِ
٣وَمَا يَنْفَكُّ مِنْكَ الدَّهْرُ رَطْبًا
وَلَا يَنْفَكُّ غَيْثُكَ فِي انْسِكَابِ
٤تُسَايِرُكَ السَّوَارِي وَالْغَوَادِي
مُسَايَرَةَ الْأَحِبَّاءِ الطِّرَابِ
٥تُفِيدُ الْجُودَ مِنْكَ فَتَحْتَذِيهِ
وَتَعْجِزُ عَنْ خَلَائِقِكَ الْعِذَابِ
٦وأمره سيف الدولة بإجازة هذا البيت:
خَرَجْتُ غَدَاةَ النَّفْرِ أَعْتَرِضُ الدُّمَى
فَلَمْ أَرَ أَحْلَى مِنْكَ فِي الْعَيْنِ وَالْقَلْبِ
٧فقال:
فَدَيْنَاكَ أَهْدَى النَّاسِ سَهْمًا إِلَى قَلْبِي
وَأَقْتَلَهُمْ لِلدَّارِعِينَ بِلَا حَرْبِ
٨تَفَرَّدَ بِالْأَحْكَامِ فِي أَهْلِهِ الْهَوَى
فَأَنْتَ جَمِيلُ الْخُلْفِ مُسْتَحْسَنُ الْكِذْبِ
٩وَإِنِّي لَمَمْنُوعُ الْمَقَاتِلِ فِي الْوَغَى
وَإِنْ كُنْتُ مَبْذُولَ الْمَقَاتِلِ فِي الْحُبِّ
١٠وَمَنْ خُلِقَتْ عَيْنَاكَ بَيْنَ جُفُونِهِ
أَصَابَ الْحُدُورَ السَّهْلَ فِي الْمُرْتَقَى الصَّعْبِ
١١«وقال يعزيه عن عبده يماك التركي، وقد مات بحلب سنة أربعين وثلاثمائة»:
لَا يُحْزِنُ اللهُ الْأَمِيرَ فَإِنَّنِي
سَآخُذُ مِنْ حَالَاتِهِ بِنَصِيبِ
١٢وَمَنْ سَرَّ أَهْلَ الْأَرْضِ ثُمَّ بَكَى أَسًى
بَكَى بِعُيُونٍ سَرَّهَا وَقُلُوبِ
١٣وَإِنِّي وَإِنْ كَانَ الدَّفِينُ حَبِيبَهُ
حَبِيبٌ إِلَى قَلْبِي حَبِيبُ حَبِيبِي
١٤وَقَدْ فَارَقَ النَّاسُ الْأَحِبَّةَ قَبْلَنَا
وَأَعْيَا دَوَاءُ الْمَوْتِ كُلَّ طَبِيبِ
سُبِقْنَا إِلَى الدُّنْيَا فَلَوْ عَاشَ أَهْلُهَا
مُنِعْنَا بِهَا مِنْ جِيئَةٍ وَذُهُوبِ
١٥تَمَلَّكَهَا الآتِي تَمَلُّكَ سَالِبٍ
وَفَارَقَهَا الْمَاضِي فِرَاقَ سَلِيبِ
١٦وَلَا فَضْلَ فِيهَا لِلشَّجَاعَةِ وَالنَّدَى
وَصَبْرِ الْفَتَى لَوْلَا لِقَاءُ شَعُوبِ
١٧وَأَوْفَى حَيَاةِ الْغَابِرِينَ لِصَاحِبٍ
حَيَاةُ امْرِئٍ خَانَتْهُ بَعْدَ مَشِيبِ
١٨لَأَبْقَى يَمَاكٌ فِي حَشَايَ صَبَابَةً
إِلَى كُلِّ تُرْكِيِّ النِّجَارِ جَلِيبِ
١٩وَمَا كُلُّ وَجْهٍ أَبْيَضٍ بِمُبَارَكٍ
وَلَا كُلُّ جَفْنٍ ضَيِّقٍ بِنَجِيبِ
٢٠لَئِنْ ظَهَرَتْ فِينَا عَلَيْهِ كَآبَةٌ
لَقَدْ ظَهَرَتْ فِي حَدِّ كُلِّ قَضِيبِ
٢١وَفِي كُلِّ قَوْسٍ كُلَّ يَوْمِ تَنَاضُلٍ
وَفِي كُلِّ طِرْفٍ كُلَّ يَوْمِ رُكُوبِ
٢٢يَعِزُّ عَلَيْهِ أَنْ يُخِلَّ بِعَادَةٍ
وَتَدْعُو لِأَمْرٍ وَهْوَ غَيْرُ مُجِيبِ
٢٣وَكُنْتُ إِذَا أَبْصَرُتُه لَكَ قَائِمًا
نَظَرْتُ إِلَى ذِي لِبْدَتَيْنِ أَدِيبِ
٢٤فَإِنْ يَكُنِ الْعِلْقَ النَّفِيسَ فَقَدْتَهُ
فَمِنْ كَفِّ مِتْلَافٍ أَغَرَّ وَهُوبِ
٢٥كَأَنَّ الرَّدَى عَادٍ عَلَى كُلِّ مَاجِدٍ
إِذَا لَمْ يُعَوِّذْ مَجْدَهُ بِعُيُوبِ
٢٦وَلَوْلَا أَيَادِي الدَّهْرِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَنَا
غَفَلْنَا فَلَمْ نَشْعُرْ لَهُ بِذُنُوبِ
٢٧وَلَلتَّرْكُ لِلْإِحْسَانِ خَيْرٌ لِمُحْسِنٍ
إِذَا جَعَلَ الْإِحْسَانَ غَيْرَ رَبِيبِ
٢٨وَإِنَّ الَّذِي أَمْسَتْ نِزَارٌ عَبِيدَهُ
غَنِيٌّ عَنِ اسْتَعْبَادِهِ لِغَرِيبِ
٢٩كَفَى بِصَفَاءِ الْوَدِّ رِقًّا لِمْثْلِهِ
وَبِالْقُرْبِ مِنْهُ مَفْخَرًا لِلَبِيبِ
٣٠فَعُوِّضَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ الْأَجْرُ إِنَّهُ
أَجَلُّ مَثَابٍ مِنْ أَجَلِّ مُثِيبِ
٣١فَتَى الْخَيْل قَدْ بَلَّ النَّجِيعُ نُحُورَهَا
يُطَاعِنُ فِي ضَنْكِ الْمُقَامِ عَصِيبِ
٣٢يَعَافُ خِيَامَ الرَّيْطِ فِي غَزَوَاتِهِ
فَمَا خَيْمُهُ إِلَّا غُبَارُ حُرُوبِ
٣٣عَلَيْنَا لَكَ الْإِسْعَادُ إِنْ كَانَ نَافِعًا
بِشَقِّ قُلُوبٍ لَا بِشَقِّ جُيُوبِ
٣٤فَرُبَّ كَئِيبٍ لَيْسَ تَنْدَى جُفُونُهُ
وَرُبَّ كَثِيرِ الدَّمْعِ غَيْرُ كَئِيبِ
٣٥تَسَلَّ بِفِكْرٍ فِي أَبيكَ فَإِنَّمَا
بَكَيْتَ فَكَانَ الضِّحْكُ بَعْدَ قَرِيبِ
٣٦إِذَا اسْتَقْبَلَتْ نَفْسُ الْكَرِيمِ مُصَابَهَا
بِخُبْثٍ ثَنَتْ فَاسْتَدْبَرَتْهُ بِطِيبِ
٣٧وَلِلْوَاجِدِ الْمَكْرُوبِ مِنْ زَفَرَاتِهِ
سُكُونُ عَزَاءٍ أَوْ سُكُونُ لُغُوبِ
٣٨وَكَمْ لَكَ جَدًّا لَمْ تَرَ الْعَيْنُ وَجْهَهُ
فَلَمْ تَجْرِ فِي آثَارِهِ بِغُرُوبِ
٣٩فَدَتْكَ نُفُوسُ الْحَاسِدِينَ فَإِنَّهَا
مُعَذَّبَةٌ فِي حَضْرَةٍ وَمَغِيبِ
وَفِي تَعَبٍ مَنْ يَحْسُدُ الشَّمْسَ نُورَهَا
وَيَجْهَدُ أَنْ يَأْتِي لَهَا بِضَرِيبِ
٤٠وقال يمدحه، ويذكر بناء مَرْعَشَ سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة:
فَدَيْنَاكَ مِنْ رَبْعٍ وَإِنْ زِدْتَنَا كَرْبَا
فَإِنَّكَ كُنْتَ الشَّرْقَ لِلشَّمْسِ وَالْغَرْبَا
٤١وَكَيْفَ عَرَفْنَا رَسْمَ مَنْ لَمْ يَدَعْ لَنَا
فُؤَادًا لِعِرْفَانِ الرُّسُومِ وَلَا لُبَّا
٤٢نَزَلْنَا عَنِ الْأَكْوَارِ نَمْشِي كَرَامَةً
لِمَنْ بَانَ عَنْهُ أَنْ نُلِمَّ بِهِ رَكْبَا
٤٣نَذُمُّ السَّحَابَ الْغُرَّ فِي فِعْلِهَا بِهِ
وَنُعْرِضُ عَنْهَا كُلَّمَا طَلَعَتْ عَتْبَا
٤٤وَمَنْ صَحِبَ الدُّنْيَا طَوِيلًا تَقَلَّبَتْ
عَلَى عَيْنِهِ حَتَّى يَرَى صِدْقَهَا كِذْبَا
٤٥وَكَيْفَ الْتِذَاذِي بِالْأَصَائِلِ وَالضُّحَى
إِذَا لَمْ يَعُدْ ذَاكَ النَّسِيمُ الَّذِي هَبَّا
٤٦ذَكَرْتُ بِهِ وَصْلًا كَأَنْ لَمْ أَفُزْ بِهِ
وَعَيْشًا كَأَنِّي كُنْتُ أَقْطَعُهُ وَثْبَا
٤٧وَفَتَّانَةَ الْعَيْنَيْنِ قَتَّالَةَ الْهَوَى
إِذَا نَفَحَتْ شَيْخًا رَوَائِحُهَا شَبَّا
٤٨لَهَا بَشَرُ الدُّرِّ الَّذِي قُلِّدَتْ بِهِ
وَلَمْ أَرَ بَدْرًا قَبْلَهَا قُلِّدَ الشُّهْبَا
٤٩فَيَا شَوْقِ مَا أَبْقَى وَيَا لِي مِنَ النَّوَى
وَيَا دَمْعِ مَا أَجْرَى وَيَا قَلْب مَا أَصْبَى
٥٠لَقَدْ لَعِبَ الْبَيْنُ الْمُشِتُّ بِهَا وَبِي
وَزَوَّدَنِي فِي السَّيْرِ مَا زَوَّدَ الضِّبَّا
٥١وَمَنْ تَكُنِ الْأُسْدُ الضَّوَارِي جُدُودَهُ
يَكُنْ لَيْلُهُ صُبْحًا وَمَطْعَمُهُ غَصْبَا
٥٢وَلَسْتُ أُبَالِي بَعْدَ إِدْرَاكِيَ الْعُلَا
أَكَانَ تُرَاثًا مَا تَنَاوَلْتُ أَمْ كَسْبَا
٥٣فَرُبَّ غُلَامٍ عَلَّمَ الْمَجْدَ نَفْسَهُ
كَتَعْلِيمِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ الطَّعْنَ وَالضَّرْبَا
٥٤إِذَا الدَّوْلَةُ اسْتَكْفَتْ بِهِ فِي مُلِمَّةٍ
كَفَاهَا فَكَانَ السَّيْفَ وَالْكَفَّ وَالْقَلْبَا
٥٥تُهَابُ سُيُوفُ الْهِنْدِ وَهْيَ حَدَائِدٌ
فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ نِزَارِيَّةً عُرْبَا
٥٦وَيُرْهَبُ نَابُ اللَّيْثِ وَاللَّيْثُ وَحْدَهُ
فَكَيْفَ إِذَا كَانَ اللُّيُوثُ لَهُ صَحْبَا
٥٧وَيُخْشَى عُبَابُ الْبَحْرِ وَهْوَ مَكَانَهُ
فَكَيْفَ بِمَنْ يَغْشَى الْبِلَادَ إِذَا عَبَّا
٥٨عَلِيمٌ بِأَسْرَارِ الدِّيَانَاتِ وَاللغَى
لَهُ خَطَرَاتٌ تَفْضَحُ النَّاسَ وَالْكُتْبَا
٥٩فَبُورِكْتَ مِنْ غَيْثٍ كَأَنَّ جُلُودَنَا
بِهِ تُنْبِتُ الدِّيبَاجَ وَالْوَشْيَ وَالْعَصْبَا
٦٠وَمِنْ وَاهِبٍ جَزْلًا وَمِنْ زَاجِرِ هَلًا
وَمِنْ هَاتِكٍ دِرْعًا وَمِنْ نَاثِرٍ قُصْبَا
٦١هَنِيئًا لِأَهْلِ الثَّغْرِ رَأْيُكَ فِيهِمِ
وَأَنَّكَ حِزْبَ اللهِ صِرْتَ لَهُمْ حِزْبَا
٦٢وَأَنَّكَ رُعْتَ الدَّهْرَ فِيهَا وَرَيْبَهُ
فَإِنْ شَكَّ فَلْيُحْدِثْ بِسَاحَتِهَا خَطْبَا
٦٣فَيَوْمًا بِخَيْلٍ تَطْرُدُ الرُّومَ عَنْهُمُ
وَيَوْمًا بِجُودٍ يَطْرُدُ الْفَقْرَ وَالْجَدْبَا
٦٤سَرَايَاكَ تَتْرَى وَالدُّمُسْتُقُ هَارِبٌ
وَأَصْحَابُهُ قَتْلَى وَأَمْوَالُهُ نُهْبَى
٦٥أَتَى مَرْعَشًا يَسْتَقْرِبُ الْبُعْدَ مُقْبِلًا
وَأَدْبَرَ إِذْ أَقْبَلْتَ يَسْتَبْعِدُ الْقُرْبَا
٦٦كَذَا يَتْرُكُ الْأَعْدَاءَ مَنْ يَكْرَهُ الْقَنَا
وَيَقْفُلُ مَنْ كَانَتْ غَنِيمَتُهُ رُعْبَا
٦٧وَهَلْ رَدَّ عَنْهُ بِاللُّقَانِ وُقُوفُهُ
صُدُورَ الْعَوَالِي وَالْمُطَهَّمَةَ الْقبَّا
٦٨مَضَى بَعْدَمَا الْتَفَّ الرِّمَاحَانِ سَاعَةً
كَمَا يَتَلَقَّى الْهُدْبُ فِي الرَّقْدَةِ الْهُدْبَا
٦٩وَلَكِنَّهُ وَلَّى وَلِلطَّعْنِ سَوْرَةٌ
إِذَا ذَكَرَتْهَا نَفْسُهُ لَمَسَ الْجُنْبَا
٧٠وَخَلَّى الْعَذَارَى وَالْبَطَارِيقَ وَالْقُرَى
وَشُعْثَ النَّصَارَى وَالْقَرَابِينَ وَالصُّلْبَا
٧١أَرَى كُلَّنَا يَبْغِي الْحَيَاةَ لِنَفْسِهِ
حَرِيصًا عَلَيْهَا مُسْتَهَامًا بِهَا صَبَّا
٧٢فَحُبُّ الْجَبَانِ النَّفْسَ أَوْرَدَهُ التُّقَى
وَحُبُّ الشُّجَاعِ النَّفْسَ أَوْرَدَهُ الْحَرْبَا
٧٣وَيَخْتَلِفُ الرِّزْقَانِ وَالْفِعْلُ وَاحِدٌ
إِلَى أَنْ يُرَى إِحْسَانُ هَذَا لِذَا ذَنْبَا
٧٤فَأَضْحَتْ كَأَنَّ السُّورَ مِنْ فَوْقِ بَدْئِهِ
إِلَى الْأَرْضِ قَدْ شَقَّ الْكَوَاكِبَ وَالتُّرْبَا
٧٥تَصُدُّ الرِّيَاحُ الْهُوجُ عَنْهَا مَخَافَةً
وَتَفْزَعُ مِنْهَا الطَّيْرُ أَنْ تَلْقُطَ الْحَبَّا
٧٦وَتَرْدِي الْجِيَادُ الْجُرْدُ فَوْقَ جِبَالِهَا
وَقَدْ نَدَفَ الصِّنَّبْرُ فِي طُرْقِهَا الْعُطْبَا
٧٧كَفَى عَجَبًا أَنْ يَعْجَبَ النَّاسُ أَنَّهُ
بَنَى مَرْعشًا تَبًّا لِآرَائِهِمْ تَبَّا
٧٨وَمَا الْفَرْقُ مَا بَيْنَ الْأَنَامِ وَبَيْنَهُ
إِذَا حَذِرَ الْمَحْذُورَ وَاسْتَصْعَبَ الصَّعْبَا
٧٩لِأَمْرٍ أَعَدَّتْهُ الْخِلَافَةُ لِلْعِدَا
وَسَمَّتْهُ دُونَ الْعَالَمِ الصَّارِمَ الْعَضْبَا
٨٠وَلَمْ تَفْتَرِقْ عَنْهُ الْأَسِنَّةُ رَحْمَةً
وَلَمْ يَتْرُكِ الشَّامَ الْأَعَادِي لَهُ حُبَّا
٨١وَلَكِنْ نَفَاهَا عَنْهُ غَيْرَ كَرِيمَةٍ
كَرِيمُ الثَّنَا مَا سُبَّ قَطُّ وَلَا سَبَّا
٨٢وَجَيْشٌ يُثَنِّي كُلَّ طَوْدٍ كَأَنَّهُ
خَرِيقُ رِيَاحٍ وَاجَهَتْ غُصُنًا رَطْبَا
٨٣كَأَنَّ نُجُومَ اللَّيْلِ خَافَتْ مُغَارَهُ
فَمَدَّتْ عَلَيْهَا مِنْ عَجَاجَتِهِ حُجْبَا
٨٤فَمَنْ كَانَ يُرْضِي اللُّؤْمَ وَالْكُفْرَ مُلْكُهُ
فَهَذَا الَّذِي يُرْضِي الْمَكَارِمَ وَالرَّبَّا
٨٥وقال فيما كان يجري بينهما من معاتبة مستعتبًا:
٨٦من القصيدة الميمية:
أَلَا مَا لِسَيْفِ الدَّوْلَةِ الْيَوْمَ عَاتِبًا
فَدَاهُ الْوَرَى أَمْضَى السُّيُوفِ مَضَارِبَا
٨٧وَمَا لِي إِذَا مَا اشْتَقْتُ أَبْصَرْتُ دُونَهُ
تَنَائِفَ لَا أَشْتَاقُهَا وَسَباسِبَا
٨٨وَقَدْ كَانَ يُدْنِي مَجْلِسِي مِنْ سَمَائِهِ
أُحَادِثُ فِيهَا بَدْرَهَا وَالْكَوَاكِبَا
٨٩حَنَانَيْكَ مَسْئُولًا وَلَبَّيْكَ دَاعِيًا
وَحَسْبِيَ مَوْهُوبًا وَحَسْبُكَ وَاهِبَا
٩٠أَهَذَا جَزَاءُ الصِّدْقِ إِنْ كُنْتُ صَادِقًا
أَهَذَا جَزَاءُ الْكِذْبِ إِنْ كُنْتُ كَاذِبَا
٩١وَإِنْ كَانَ ذَنْبِي كُلَّ ذَنْبٍ فَإِنَّهُ
مَحَا الذَّنْبَ كُلَّ الْمَحْوِ مَنْ جَاءَ تَائِبَا
٩٢وقال، وقد عرض على سيف الدولة سيوف مذهبة، وفيها سيف غير مذهب فأمر بإذهابه:
أَحْسَنُ مَا يُخْضَبُ الْحَدِيد بِهِ
وَخَاضِبَيْهِ النَّجِيعُ وَالْغَضَبُ
٩٣فَلَا تَشِينَنْهُ بِالنُّضَارِ فَمَا
يَجْتَمِعُ الْمَاءُ فِيهِ وَالذَّهَبُ
٩٤وتشكَّى سيف الدولة من دمل فقال فيه:
أَيَدْرِي مَا أَرَابَكَ مَنْ يُرِيبُ
وَهَلْ تَرْقَى إِلَى الْفَلَكِ الْخُطُوبُ
٩٥وَجِسْمُكَ فَوْقَ هِمَّةِ كُلِّ دَاءٍ
فَقُرْبُ أَقَلِّهَا مِنْهُ عَجِيبُ
٩٦يُجَمِّشُكَ الزَّمَانُ هَوًى وَحُبًّا
وَقَدْ يُؤْذَى مِنَ الْمِقَةِ الْحَبِيبُ
٩٧وَكَيْفَ تُعِلُّكَ الدُّنْيَا بِشَيْءٍ
وَأَنْتَ لِعِلَّةِ الدُّنْيَا طَبِيبُ
٩٨وَكَيْفَ تَنُوبُكَ الشَّكْوى بِدَاءٍ
وَأَنْتَ الْمُسْتَغَاثُ لِمَا يَنُوبُ
٩٩مَلِلْتُ مُقَامَ يَوْمٍ لَيْسَ فِيهِ
طِعَانٌ صَادِقٌ وَدٌّ صَبِيبُ
١٠٠وَأَنْتَ الْمَلْكُ تُمْرِضُهُ الْحَشَايَا
لِهِمَّتِهِ وَتَشْفِيهِ الْحُرُوبُ
١٠١وَمَا بِكَ غَيْرُ حُبِّكَ أَنْ تَرَاهَا
وَعِثْيَرُهَا لِأَرْجُلِهَا جَنِيبُ
١٠٢مُجَلِّحَةً لَهَا أَرْضُ الْأَعَادِي
وَلِلسُّمْرِ الْمَنَاحِرُ وَالْجُنُوبُ
١٠٣فَقَرِّطْهَا الْأَعِنَّةَ رَاجِعَاتٍ
فَإِنَّ بَعِيدَ مَا طَلَبَتْ قَرِيبُ
١٠٤أذَا دَاءٌ هَفَا بُقْرَاطُ عَنْهُ
فَلَمْ يُعْرَفْ لِصَاحِبِهِ ضَرِيبُ
١٠٥بِسَيْفِ الدَّوْلَةِ الْوُضَّاءِ تُمْسِي
جُفُونِي تَحْتَ شَمْسٍ مَا تَغِيبُ
١٠٦فَأَغْزُو مَنْ غَزَا وَبِهِ اقْتِدَارِي
وَأَرْمِي مَنْ رَمَى وَبِهِ أُصِيبُ
وَلِلْحُسَّادِ عُذْرٌ أَنْ يَشِحُّوا
عَلَى نَظَرِي إِلَيْهِ وَأَنْ يَذُوبُوا
١٠٧فَإِنِّي قَدْ وَصَلْتُ إِلَى مَكَانٍ
عَلَيْهِ تَحْسُدُ الْحَدَقَ الْقُلُوبُ
١٠٨وأحدث بنو كلاب حدثًا بنواحي بالس، وسار سيف الدولة خلفهم وأبو الطيب معه، فأدركهم بعد ليلة بين ماءين يعرفان بالغبارات والخرارات فأوقع بهم وملك الحريم فأبقى عليه، فقال أبو الطيب بعد رجوعه من هذه الغزوة — وأنشده إياها في جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة:
بِغَيْرِكَ رَاعِيًا عَبِثَ الذِّئَابُ
وَغَيْرَكَ صَارِمًا ثَلمَ الضِّرَابُ
١٠٩وَتَمْلِكُ أَنْفُسَ الثَّقَلَيْنِ طُرًّا
فَكَيْفَ تَحُوزُ أَنْفُسَهَا كِلَابُ
١١٠وَمَا تَرَكُوكَ مَعْصِيَةً وَلَكِنْ
يُعَافُ الْوِرْدُ وَالْمَوْتُ الشَّرَابُ
١١١طَلَبْتَهُمُ عَلَى الْأَمْوَاهِ حَتَّى
تَخَوَّفَ أَنْ تُفَتِّشَهُ السَّحَابُ
١١٢فَبِتَّ لَيَالِيًا لَا نَوْمَ فِيهَا
تَخُبُّ بِكَ الْمُسَوَّمَةُ الْعِرَابُ
١١٣يَهُزُّ الْجَيْشُ حَوْلَكَ جَانِبَيْهِ
كَمَا نَفَضَتْ جَنَاحَيْهَا الْعُقَابُ
١١٤وَتَسْأَلُ عَنْهُمُ الْفَلَوَاتِ حَتَّى
أَجَابَكَ بَعْضُهَا وَهْمُ الْجَوَابِ
١١٥فَقَاتَلَ عَنْ حَرِيمِهِمِ وَفَرُّوا
نَدَى كَفَّيْكَ وَالنَّسْبُ الْقُرَابُ
١١٦وَحِفْظُكَ فِيهِمِ سَلَفَيْ مَعَدٍّ
وَأَنَّهُمُ الْعَشَائِرُ وَالصِّحَابُ
١١٧تُكَفْكِفُ عَنْهُمُ صُمَّ الْعَوَالِي
وَقَدْ شَرِقَتْ بِظُعْنِهِمِ الشَّعَابُ
١١٨وَأُسْقِطَتِ الْأَجِنَّةُ فِي الْوَلَايَا
وَأُجْهِضَتِ الْحَوَائِلُ وَالسِّقَابُ
١١٩وَعَمْرٌو فِي مَيَامِنِهِمْ عُمُورٌ
وَكَعْبٌ فِي مَيَاسِرِهِمْ كِعَابُ
١٢٠وَقَدْ خَذَلَتْ أَبُو بَكْرٍ بَنِيهَا
وَخَاذَلَهَا قُرَيْظٌ وَالضِّبَابُ
١٢١إِذَا مَا سِرْتَ فِي آثَارِ قَوْمٍ
تَخَاذَلَتِ الْجَمَاجِمُ وَالرِّقَابُ
١٢٢فَعُدْنَ كَمَا أُخِذْنَ مُكَرَّمَاتٍ
عَلَيْهِنَّ الْقَلَائِدُ وَالْمَلَابُ
١٢٣يُثِبْنَكَ بِالَّذِي أَوْلَيْتَ شُكْرًا
وَأَيْنَ مِنَ الَّذِي تُولِي الثَّوَابُ
١٢٤وَلَيْسَ مَصِيرُهُنَّ إِلَيْكَ شَيْنًا
وَلَا فِي صَوْنِهِنَّ لَدَيْكَ عَابُ
١٢٥وَلَا فِي فَقْدِهِنَّ بَنِي كِلَابٍ
إِذَا أَبْصَرْنَ غُرَّتَكَ اغْتِرَابُ
١٢٦وَكَيْفَ يَتِمُّ بَأْسُكَ فِي أُنَاسٍ
تُصِيبُهُمُ فَيُؤْلِمُكَ الْمُصَابُ
١٢٧تَرَفَّقْ أَيُّهَا الْمَوْلَى عَلَيْهِمْ
فَإِنَّ الرِّفْقَ بِالْجَانِي عِتَابُ
١٢٨وَإِنَّهُمُ عَبِيدُكَ حَيْثُ كَانُوا
إِذَا تَدْعُو لِحَادِثَةٍ أَجَابُوا
١٢٩وَعَيْنُ الْمُخْطِئِينَ هُمُ وَلَيْسُوا
بِأَوَّلِ مَعْشَرٍ خَطِئُوا فَتَابُوا
١٣٠وَأَنْتَ حَيَاتُهُمْ غَضِبَتْ عَلَيْهِمْ
وَهَجْرُ حَيَاتِهِمْ لَهُمُ عِقَابُ
١٣١وَمَا جَهِلَتْ أَيَادِيَكَ الْبَوَادِي
وَلَكِنْ رُبَّمَا خَفِيَ الصَّوَابُ
١٣٢وَكَمْ ذَنْبٍ مُوَلِّدُهُ دَلَالٌ
وَكَمْ بُعْدٍ مُوَلِّدُهُ اقْتِرَابُ
١٣٣وَجُرْمٍ جَرَّهُ سُفَهَاءُ قَوْمٍ
وَحَلَّ بِغَيْرِ جَارِمِهِ الْعَذَابُ
١٣٤فَإِنْ هَابُوا بِجُرْمِهِمِ عَلِيًّا
فَقَدْ يَرْجُو عَلِيًّا مَنْ يَهَابُ
١٣٥وَإِنْ يَكُ سَيْفَ دَوْلَةِ غَيْرِ قَيْسٍ
فَمِنْهُ جُلُودُ قَيْسٍ وَالثِّيَابُ
١٣٦وَتَحْتَ رَبَابِهِ نَبَتُوا وَأَثُّوا
وَفِي أَيَّامِهِ كَثُرُوا وَطَابُوا
١٣٧وَتَحْتَ لِوَائِهِ ضَرَبُوا الْأَعَادِي
وَذَلَّ لَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ الصِّعَابُ
١٣٨وَلَوْ غَيْرُ الْأَمِيرِ غَزَا كِلَابًا
ثَنَاهُ عَنْ شُمُوسِهِمِ ضَبَابُ
١٣٩وَلَاقَى دُونَ ثَايهِمْ طِعَانًا
يُلَاقِي عِنْدَهُ الذِّئْبَ الْغُرَابُ
١٤٠وَخَيْلًا تَغْتَذِي رِيحَ الْمَوَامِي
وَيَكْفِيهَا مِنَ الْمَاءِ السَّرَابُ
١٤١وَلِكْن رَبُّهُمْ أَسْرَى إِلَيْهِمْ
فَمَا نَفَعَ الْوُقُوفُ وَلَا الذَّهَابُ
١٤٢وَلَا لَيْلٌ أَجَنَّ وَلَا نَهَارٌ
وَلَا خَيْلٌ حَمَلْنَ وَلَا رِكَابُ
١٤٣رَمَيْتَهُمُ بِبَحْرٍ مِنْ حَدِيدٍ
لَهُ فِي الْبَرِّ خَلْفَهُمُ عُبَابُ
١٤٤فَمَسَّاهُمْ وَبُسْطُهُمُ حَرِيرٌ
وَصَبَّحَهُمْ وَبُسْطُهُمُ تُرَابُ
١٤٥وَمَنْ فِي كَفِّهِ مِنْهُمْ قَنَاةٌ
كَمَنْ فِي كَفِّهِ مِنْهُمْ خِضَابُ
١٤٦بَنُو قَتْلَى أَبِيكَ بِأَرْضِ نَجْدٍ
وَمَنْ أَبْقَى وَأَبْقَتْهُ الْحِرَابُ
١٤٧عَفَا عَنْهُمْ وَأَعْتَقَهُمْ صِغَارَا
وَفِي أَعْنَاقِ أَكْثَرِهِمْ سِخَابُ
١٤٨وَكُلُّكُمُ أَتَى مَأْتَى أَبِيهِ
فَكُلُّ فَعَالِ كُلِّكُمُ عُجَابُ
١٤٩كَذَا فَلْيَسْرِ مَنْ طَلَبَ الْأَعَادِي
وَمِثْلَ سُرَاكَ فَلْيَكُنِ الطِّلَابُ
١٥٠وقال يرثي أخت سيف الدولة، وقد توفيت بميَّافارقين، وورد خبرها إلى الكوفة، فكتب أبو الطيب بهذه المرثية إليه من الكوفة سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة:
يَا أُخْتَ خَيْرِ أَخٍ يَا بِنْتَ خَيْرِ أَبٍ
كِنَايَةً بِهِمَا عَنْ أَشْرَفِ النَّسَبِ
١٥١أُجِلُّ قَدْرَكِ أَنْ تُسْمَيْ مُؤَبَّنَةً
وَمَنْ يَصِفْكِ فَقَدْ سَمَّاكِ لِلْعَرَبِ
١٥٢لَا يَمْلِكُ الطَّرِبُ الْمَحْزُونُ مَنْطِقَهُ
وَدَمْعَهُ وَهُمَا فِي قَبْضَةِ الطَّرَبِ
١٥٣غَدَرْتَ يَا مَوْتُ كَمْ أَفْنَيْتَ مِنْ عَدَدٍ
بِمَنْ أَصَبْتَ وَكَمْ أَسْكَتَّ مِنْ لَجَبِ
١٥٤وَكَمْ صَحِبَتْ أَخَاهَا فِي مُنَازَلَةٍ
وَكَمْ سَأَلْتَ فَلَمْ يَبْخَلْ وَلَمْ تَخِبِ
١٥٥طَوَى الْجَزِيرَةَ حَتَّى جَاءَنِي خَبَرٌ
فَزِعْتُ فِيهِ بِآمَالِي إِلَى الْكَذِبِ
١٥٦حَتَّى إِذَا لَمْ يَدَعْ لِي صِدْقُهُ أَمَلًا
شَرِقْتُ بِالدَّمْعِ حَتَّى كَادَ يَشْرَقُ بِي
١٥٧تَعَثَّرَتْ بِهِ فِي الْأَفْوَاهِ أَلْسُنُهَا
وَالْبُرْدُ فِي الطُّرْقِ وَالْأَقْلَامُ فِي الْكُتُبِ
١٥٨كَأَنَّ فَعْلَةَ لَمْ تَمْلَأْ مَوَاكِبُهَا
دِيَارَ بَكْرٍ وَلَمْ تَخْلَعْ وَلَمْ تَهَبِ
١٥٩وَلَمْ تَرُدَّ حَيَاةً بَعْدَ تَوْلِيَةٍ
وَلَمْ تُغِثْ دَاعِيًا بِالْوَيْلِ وَالْحَرَبِ
١٦٠أَرَى الْعِرَاقَ طَوِيلَ اللَّيْلِ مُذْ نُعِيَتْ
فَكَيْفَ لَيْلُ فَتَى الْفِتْيَانِ فِي حَلَبِ
١٦١يَظُنُّ أَنَّ فُؤَادِي غَيْرُ مُلْتَهِبٍ
وَأَنَّ دَمْعَ جُفُونِي غَيْرُ مُنْسَكِبِ
١٦٢بَلَى وَحُرْمَةِ مَنْ كَانَتْ مُرَاعِيَةً
لِحُرْمَةِ الْمَجْدِ وَالْقُصَّادِ وَالْأَدَبِ
١٦٣وَمَنْ مَضَتْ غَيْرَ مَوْرُوثٍ خَلَائِقُهَا
وَإِنْ مَضَتْ يَدُهَا مَوْرُوثَةَ النَّشَبِ
١٦٤وَهَمُّهَا فِي الْعُلَى وَالْمَجْدِ نَاشِئَةً
وَهَمُّ أَتْرَابِهَا فِي اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ
١٦٥يَعْلَمْنَ حِينَ تُحَيَّا حُسْنَ مَبْسِمِهَا
وَلَيْسَ يَعْلَمُ إِلَّا اللهُ بِالشَّنَبِ
١٦٦مَسَرَّةٌ فِي قُلُوبِ الطِّيبِ مَفْرِقُهَا
وَحَسْرَةٌ فِي قُلُوبِ الْبِيضِ وَالْيَلَبِ
١٦٧إِذَا رَأَى وَرَآهَا رَأْسَ لَابِسِهِ
رَأَى الْمَقَانِعَ أَعْلَى مِنْهُ فِي الرُّتَبِ
١٦٨وَإِنْ تَكُنْ خُلِقَتْ أُنْثَى لَقَدْ خُلِقَتْ
كَرِيمَةً غَيْرَ أُنْثَى الْعَقْلِ وَالْحَسَبِ
١٦٩وَإِنْ تَكُنْ تَغْلِبُ الْغَلْبَاءُ عُنْصُرَهَا
فَإِنَّ فِي الْخَمْرِ مَعْنًى لَيْسَ فِي الْعِنَبِ
١٧٠فَلَيْتَ طَالِعَةَ الشَّمْسَيْنِ غَائِبَةٌ
وَلَيْتَ غَائِبَةَ الشَّمْسَيْنِ لَمْ تَغِبِ
١٧١وَلَيْتَ عَيْنَ الَّتِي آبَ النَّهَارُ بِهَا
فِدَاءُ عَيْنِ الَّتِي زَالَتْ وَلَمْ تَؤُبِ
١٧٢فَمَا تَقَلَّدَ بِالْيَاقُوتِ مُشْبِهُهَا
وَلَا تَقَلَّدَ بِالْهِنْدِيَّةِ الْقُضُبِ
١٧٣وَلَا ذَكَرْتُ جَمِيلًا مِنْ صَنَائِعِهَا
إِلَّا بَكَيْتُ وَلَا وُدٌّ بِلَا سَبَبِ
١٧٤قَدْ كَانَ كُلُّ حِجَابٍ دُونَ رُؤْيَتِهَا
فَمَا قَنِعْتِ لَهَا يَا أَرْضُ بِالْحُجُبِ
١٧٥وَلَا رَأَيْتِ عُيُونَ الْإِنْسِ تُدْرِكُهَا
فَهَلْ حَسَدْتِ عَلَيْهَا أَعْيُنَ الشُّهُبِ
١٧٦وَهَلْ سَمِعْتِ سَلَامًا لِي أَلَمَّ بِهَا
فَقَدْ أَطَلْتُ وَمَا سَلَّمْتُ مِنْ كَثَبِ
١٧٧وَكَيْفَ يَبْلُغُ مَوْتَانَا الَّتِي دُفِنَتْ
وَقَدْ يُقَصِّرُ عَنْ أَحْيَائِنَا الْغَيَبِ
١٧٨يَا أَحْسَنَ الصَّبْرِ زُرْ أَوْلَى الْقُلُوبِ بِهَا
وَقُلْ لِصَاحِبِهِ يَا أَنْفَعَ السُّحُبِ
١٧٩وَأَكْرَمَ النَّاسِ لَا مُسْتَثْنِيًا أَحَدًا
مِنَ الْكِرَامِ سِوَى آبَائِكَ النُّجُبِ
١٨٠قَدْ كَانَ قَاسَمَكَ الشَّخْصَيْنِ دَهْرُهُمَا
وَعَاشَ دُرُّهُمَا الْمَفْدِيُّ بِالذَّهَبِ
١٨١وَعَادَ فِي طَلَبِ الْمَتْرُوكِ تَارِكُهُ
إِنَّا لَنَغْفُلُ وَالْأَيَّامُ فِي الطَّلَبِ
١٨٢مَا كَانَ أَقْصَرَ وَقْتًا كَانَ بَيْنَهُمَا
كَأَنَّهُ الْوَقْتُ بَيْنَ الْوِرْدِ وَالْقَرَبِ
١٨٣جَزَاكَ رَبُّكَ بِالْأَحْزَانِ مَغْفِرَةً
فَحُزْنُ كُلِّ أَخِي حُزْنٍ أَخُو الْغَضَبِ
١٨٤وَأَنْتُمُ نَفَرٌ تَسْخُو نُفُوسُكُمُ
بِمَا يَهَبْنَ وَلَا يَسْخُونَ بِالسَّلَبِ
١٨٥حَلَلْتُمُ مِنْ مُلُوكِ النَّاسِ كُلِّهِمِ
مَحَلَّ سُمْرِ الْقَنَا مِنْ سَائِرِ الْقَصَبِ
١٨٦فَلَا تَنَلْكَ اللَّيَالِي إِنَّ أَيْدِيَهَا
إِذَا ضَرَبْنَ كَسَرْنَ النَّبْعَ بِالْغَرَبِ
١٨٧وَلَا يُعِنَّ عَدُوًّا أَنْتَ قَاهِرُهُ
فَإِنَّهُنَّ يَصِدْنَ الصَّقْرَ بِالْخَرَبِ
١٨٨وَإِنْ سَرَرْنَ بِمَحْبُوبٍ فَجَعْنَ بِهِ
وَقَدْ أَتَيْنَكَ فِي الْحَالَيْنِ بِالْعَجَبِ
١٨٩وَرُبَّمَا احْتَسَبَ الْإِنْسَانُ غَايَتَهَا
وَفَاجَأَتْهُ بِأَمْرٍ غَيْرِ مُحْتَسَبِ
١٩٠وَمَا قَضَى أَحَدٌ مِنْهَا لُبَانَتَهُ
وَلَا انْتَهَى أَرَبٌ إِلَّا إِلَى أَرَبِ
١٩١تَخَالَفَ النَّاسُ حَتَّى لَا اتِّفَاقَ لَهُمْ
إِلَّا عَلَى شَجَبٍ وَالْخُلْفُ فِي الشَّجَبِ
١٩٢فَقِيلَ تَخْلُصُ نَفْسُ الْمَرْءِ سَالِمَةً
١٩٣ وَقِيلَ تَشْرَكُ جِسْمَ الْمَرْءِ فِي الْعَطَبِ
وَمَنْ تَفَكَّرَ فِي الدُّنْيَا وَمُهْجَتِهِ
أَقَامَهُ الْفِكْرُ بَيْنَ الْعَجْزِ وَالتَّعَبِ
١٩٤وأنفذ إليه سيف الدولة كتابًا بخطه إلى الكوفة يسأله المسير إليه، فأجابه بهذه الأبيات، وأنفذها إليه ميَّافارِقِين، وكان ذلك في شهر ذي الحجة سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة:
١٩٥فَهِمْتُ الْكِتَابَ أَبَرَّ الْكُتُبْ
فَسَمْعًا لِأَمْرِ أَمِيرِ الْعَرَبْ
١٩٦وَطَوْعًا لَهُ وَابْتِهَاجًا بِهِ
وَإِنْ قَصَّرَ الْفِعْلُ عَمَّا وَجَبْ
١٩٧وَمَا عَاقَنِي غَيْرُ خَوْفِ الْوُشَاةِ
وَإِنَّ الْوِشَايَاتِ طُرْقُ الْكَذِبْ
١٩٨وَتَكْثِيرِ قَوْمٍ وَتَقْلِيلِهِمْ
وَتَقْرِيبِهِمْ بَيْنَنَا وَالْخَبَبْ
١٩٩وَقَدْ كَانَ يَنْصُرُهُمْ سَمْعُهُ
وَيَنْصُرُنِي قَلْبُهُ وَالْحَسَبْ
٢٠٠وَمَا قُلْتُ لِلْبَدْرِ أَنْتَ اللُّجَيـْ
ـنُ وَلَا قُلْتُ لِلشَّمْسِ أَنْتِ الذَّهَبْ
٢٠١فَيَقْلَقَ مِنْهُ الْبَعِيدُ الْأَنَاةِ
وَيَغْضَبَ مِنْهُ الْبَطِيءُ الْغَضَبْ
٢٠٢وَمَا لَاقَنِي بَلَدٌ بَعْدَكُمْ
وَلَا اعْتَضْتُ مِنْ رَبِّ نُعْمَاي رَبْ
٢٠٣وَمَنْ رَكِبَ الثَّوْرَ بَعْدَ الْجَوَا
دِ أَنْكَرَ أَظْلَافَهُ وَالْغَبَبْ
٢٠٤وَمَا قِسْتُ كُلَّ مُلُوكِ الْبِلَادِ
فَدَعْ ذِكْرَ بَعْضٍ بِمَنْ فِي حَلَبْ
٢٠٥وَلَوْ كُنْتُ سَمَّيْتُهُمْ بِاسْمِهِ
لَكَانَ الْحَدِيدَ وَكَانُوا الْخَشَبْ
٢٠٦أَفِي الرَّأيِ يُشْبَهُ أَمْ فِي السَّخَا
ءِ أَمْ فِي الشَّجَاعَةِ أَمْ فِي الْأَدَبْ
٢٠٧مُبَارَكُ الِاسْمِ أَغَرُّ اللَّقَبْ
كَرِيمُ الْجِرِشَّى شَرِيفُ النَّسَبْ
٢٠٨أَخُو الْحَرْبِ يُخْدِمُ مِمَّا سَبَى
قَنَاهُ وَيَخْلَعُ مِمَّا سَلَبْ
٢٠٩إِذَا حَازَ مَالًا فَقَدْ حَازَهُ
فَتًى لَا يُسَرُّ بِمَا لَا يَهَبْ
٢١٠وَإِنِّي لَأُتْبِعُ تَذْكَارَهُ
صَلَاةَ الْإِلَهِ وَسَقْيَ السُّحُبْ
٢١١وَأُثْنِي عَلَيْهِ بِآلَائِهِ
وَأَقْرُبُ مِنْهُ نَأَى أَوْ قَرُبْ
٢١٢وَإِنْ فَارَقَتْنِي أَمْطَارُهُ
فَأَكْثَرُ غُدْرَانِهَا مَا نَضَبْ
٢١٣أَيَا سَيْفَ رَبِّكَ لَا خَلْقِهِ
وَيَا ذَا الْمَكَارِمِ لَا ذَا الشُّطَبْ
٢١٤وَأَبْعَدَ ذِي هِمَّةٍ هِمَّةً
وَأَعْرَفَ ذِي رُتْبَةٍ بِالرُّتَبْ
٢١٥وَأَطْعَنَ مَنْ مَسَّ خَطِّيَّةً
وَأَضْرَبَ مِنْ بِحُسَامٍ ضَرَبْ
٢١٦بِذَا اللَّفْظِ نَادَاكَ أَهْلُ الثُّغُورِ
فَلَبَّيْتَ وَالْهَامُ تَحْتَ الْقُضُبْ
٢١٧وَقَدْ يَئِسُوا مِنْ لَذِيذِ الْحَيَاةِ
فَعَيْنٌ تَغُورُ وَقَلْبٌ يَجِبْ
٢١٨وَغَرَّ الدُّمُسْتُقَ قَوْلُ الْعُدَا
ةِ أَنَّ عَلِيًّا ثَقِيلٌ وَصِبْ
٢١٩وَقَدْ عَلِمَتْ خَيْلُهُ أَنَّهُ
إِذَا هَمَّ وَهْوَ عَلِيلٌ رَكِبْ
٢٢٠أَتَاهُمْ بِأَوْسَعَ مِنْ أَرْضِهِمْ
طِوَالَ السَّبِيبِ قِصَارَ الْعُسُبْ
٢٢١تَغِيبُ الشَّوَاهِقُ فِي جَيْشِهِ
وَتَبْدُو صِغَارًا إِذَا لَمْ تَغِبْ
٢٢٢وَلَا تَعْبُرُ الرِّيحُ فِي جَوِّهِ
إِذَا لَمْ تَخَطَّ الْقَنَا أَوْ تَثِبْ
٢٢٣فَغَرَّقَ مُدْنَهُمُ بِالْجُيُوشِ
وَأَخْفَتَ أَصْوَاتَهُمْ بِاللَّجَبْ
٢٢٤فَأَخْبِثْ بِهِ طَالِبًا قَهْرَهُمْ
وَأَخْبِثْ بِهِ تَارِكًا مَا طَلَبْ
٢٢٥نَأَيْتَ فَقَاتَلَهُمْ بِاللِّقَاءِ
وَجِئْتَ فَقَاتَلَهُمْ بِالْهَرَبْ
٢٢٦وَكَانُوا لَهُ الْفَخْرَ لَمَّا أَتَى
وَكُنْتَ لَهُ الْعُذْرَ لَمَّا ذَهَبْ
٢٢٧سَبَقْتَ إِلَيْهِمْ مَنَايَاهُمُ
وَمَنْفَعَةُ الْغَوْثِ قَبْلَ الْعَطَبْ
٢٢٨فَخَرُّوا لِخَالِقِهِمْ سُجَّدًا
وَلَوْ لَمْ تُغِثْ سَجَدُوا لِلصُّلُبْ
٢٢٩وَكَمْ ذُدْتَ عَنْهُمْ رَدًى بِالرَّدَى
وَكَشَّفْتَ مِنْ كُرَبٍ بِالْكُرَبْ
٢٣٠وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّهُ إِنْ يَعُدْ
يَعُدْ مَعَهُ الْمَلِكُ الْمُعْتَصِبْ
٢٣١وَيَسْتَنْصِرَانِ الَّذِي يَعْبُدَانِ
وَعِنْدَهُمَا أَنَّهُ قَدْ صُلِبْ
٢٣٢لِيَدْفَعَ مَا نَالَهُ عَنْهُمَا
فَيَا لَلرِّجَالِ لِهَذَا الْعَجَبْ
٢٣٣أَرَى الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْمُشْرِكِيـ
ـنَ إِمَّا لِعَجْزٍ وَإِمَّا رَهَبْ
٢٣٤وَأَنْتَ مَعَ اللهِ فِي جَانِبٍ
قَلِيلُ الرُّقَادِ كَثِيرُ التَّعَبْ
٢٣٥كَأَنَّكَ وَحْدَكَ وَحَّدْتَهُ
وَدَانَ الْبَرِيَّةُ بِابْنِ وَأَبْ
٢٣٦فَلَيْتَ سُيُوفَكَ فِي حَاسِدٍ
إِذَا مَا ظَهَرَتْ عَلَيْهِمْ كَئِبْ
٢٣٧وَلَيْتَ شَكَاتَكَ فِي جِسْمِهِ
وَلَيْتَكَ تَجْزِي بِبُغْضٍ وَحُبْ
٢٣٨فَلَوْ كُنْتَ تَجْزِي بِهِ نِلْتُ مِنـْ
ـكَ أَضْعَفَ حَظٍّ بِأَقْوَى سَبَبْ
٢٣٩وقال في صباه ارتجالًا، وقد عذله أبو سعيد المجَيْمري
٢٤٠ على تركه لقاء الملوك:
أَبَا سَعِيدٍ جَنِّبِ الْعِتَابَا
فَرُبَّ رَائِي خَطَأٍ صَوَابَا
٢٤١فَإِنَّهُمْ قَدْ أَكْثَرُوا الْحُجَّابَا
وَاسْتَوْقَفُوا لِرَدِّنَا الْبَوَّابَا
٢٤٢وَإِنَّ حَدَّ الصَّارِمِ الْقِرْضَابَا
وَالذَّابِلَاتِ السُّمْرَ وَالْعَرَابَا
يَرْفَعُ فِيمَا بَيْنَنَا الْحِجَابَا
٢٤٣وقال في صباه ارتجالًا لبعض الكلابيين وهم على شراب:
لِأَحِبَّتِي أَنْ يَمْلَئُوا
بِالصَّافِيَاتِ الْأَكْوُبَا
٢٤٤وَعَلَيْهِمِ أَنْ يَبْذُلُوا
٢٤٥ وَعَليَّ أَنْ لَا أَشْرَبَا
حَتَّى تَكُونَ الْبَاتِرَا
تُ الْمُسْمِعَاتُ فَأَطْرَبَا
٢٤٦وقال يرثي محمد بن إسحاق التنوخي، وينفي الشماتة عن بني عمه:
٢٤٧لِأَيِّ صُرُوفِ الدَّهْرِ فِيهِ نُعَاتِبُ
وَأَيَّ رَزَايَاهُ بِوِتْرٍ نُطَالِبُ
٢٤٨مَضَى مَنْ فَقَدْنَا صَبْرَنَا عِنْدَ فَقْدِهِ
وَقَدْ كَانَ يُعْطِي الصَّبْرَ وَالصَّبْرُ عَازِبُ
٢٤٩يَزُورُ الْأَعَادِي فِي سَمَاءِ عَجَاجَةٍ
أَسِنَّتُهُ فِي جَانِبَيْهَا الْكَوَاكِبُ
٢٥٠فَتُسْفِرُ عَنْهُ وَالسُّيُوفُ كَأَنَّمَا
مَضَارِبُهَا مِمَّا انْفَلَلْنَ ضَرَائِبُ
٢٥١طَلَعْنَ شُمُوسًا وَالْغُمُودُ مَشَارِقُ
لَهُنَّ وَهَامَاتُ الرِّجَالِ مَغَارِبُ
٢٥٢مَصَائِبُ شَتَّى جُمِّعَتْ فِي مُصِيبَةٍ
وَلَمْ يَكْفِهَا حَتَّى قَفَتْهَا مَصَائِبُ
٢٥٣رَثَى ابْنَ أَبِينَا غَيْرُ ذِي رَحِمٍ لَهُ
فَبَاعَدَنَا مِنْهُ وَنَحْنُ الْأَقَارِبُ
٢٥٤وَعَرَّضَ أَنَّا شَامِتُونَ بِمَوْتِهِ
وَإِلَّا فَزَارَتْ عَارِضَيْهِ الْقَوَاضِبُ
٢٥٥أَلَيْسَ عَجِيبًا أَنَّ بَيْنَ بَنِي أَبٍ
لِنَجْلِ يَهُودِيٍّ تَدِبُّ الْعَقَارِبُ
٢٥٦أَلَا إِنَّمَا كَانَتْ وَفَاةُ مُحَمَّدٍ
دَلِيلًا عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلهِ غَالِبُ
٢٥٧وقال يمدح المغيث بن عليِّ بن بشر العجلي:
دَمْعٌ جَرَى فَقَضَى فِي الرَّبْعِ مَا وَجَبَا
لِأَهْلِهِ وَشَفَى أَنَّى وَلَا كَرَبَا
٢٥٨عُجْنَا فَأَذْهَبَ مَا أَبْقَى الْفِرَاقُ لَنَا
مِنَ الْعُقُولِ وَمَا رَدَّ الَّذِي ذَهَبَا
٢٥٩سَقَيْتُهُ عَبَرَاتٍ ظَنَّهَا مَطَرًا
سَوَائِلًا مِنْ جُفُونٍ ظَنَّهَا سُحُبَا
٢٦٠دَارُ الْمُلِمِّ لَهَا طَيْفٌ تَهَدَّدَنِي
لَيْلًا فَمَا صَدَقَتْ عَيْنِي وَلَا كَذَبَا
٢٦١نَاءَيْتُهُ فَدَنَا أَدْنَيْتُهُ فَنَأَى
جَمَّشْتُهُ فَنَبَا قَبَّلْتُهُ فَأَبَى
٢٦٢هَامَ الْفُؤَادُ بِأَعْرَابِيَّةٍ سَكَنَتْ
بَيْتًا مِنَ الْقَلْبِ لَمْ تَمْدُدْ لَهُ طُنُبَا
٢٦٣مَظْلُومَةُ الْقَدِّ فِي تَشْبِيهِهِ غُصُنًا
مَظْلُومَةُ الرِّيقِ فِي تَشْبِيهِهِ ضَرَبَا
٢٦٤بَيْضَاءُ تُطْمِعُ فِيمَا تَحْتَ حُلَّتِهَا
وَعَزَّ ذَلِكَ مَطْلُوبًا إِذَا طُلِبَا
٢٦٥كَأَنَّهَا الشَّمْسُ يُعْيِي كَفَّ قَابِضِهِ
شُعَاعُهَا وَيَرَاهُ الطَّرْفُ مُقْتَرِبَا
٢٦٦مَرَّتْ بِنَا بَيْنَ تِرْبَيْهَا فَقُلْتُ لَهَا
مِنْ أَيْنَ جَانَسَ هَذَا الشَّادِنُ الْعَرَبَا
٢٦٧فَاسْتَضْحَكَتْ ثُمَّ قَالَتْ كَالْمُغِيثِ يُرَى
لَيْثَ الشَّرَى وَهْوَ مِنْ عِجْلٍ إِذَا انْتَسَبَا
٢٦٨جَاءَتْ بِأَشْجَعَ مَنْ يُسْمَى وَأَسْمَحَ مَنْ
أَعْطَى وَأَبْلَغَ مَنْ أَمْلَى وَمَنْ كَتَبَا
٢٦٩لَوْ حَلَّ خَاطِرُهُ فِي مُقْعَدٍ لَمَشَى
أَوْ جَاهِلٍ لَصَحَا أَوْ أَخْرَسٍ خَطَبَا
٢٧٠إِذَا بَدَا حَجَبَتْ عَيْنَيْكَ هَيْبَتُهُ
وَلَيْسَ يَحْجُبُهُ سِتْرٌ إِذَا احْتَجَبَا
٢٧١بَيَاضُ وَجْهٍ يُرِيكَ الشَّمْسَ حَالِكَةً
وَدُرُّ لَفْظٍ يُرِيكَ الدُّرَّ مَخْشَلَبَا
٢٧٢وَسَيْفُ عَزْمٍ تَرُدُّ السَّيْفَ هِبَّتُهُ
رَطْبَ الْغِرَارِ مِنَ التَّأْمُورِ مُخْتَضِبَا
٢٧٣عُمْرُ الْعَدُوِّ إِذَا لَاقَاهُ فِي رَهَجٍ
أَقَلُّ مِنْ عُمْرِ مَا يَحْوِي إِذَا وَهَبَا
٢٧٤تَوَقَّهُ فَمَتَى مَا شِئْتَ تَبْلُوَهُ
فَكُنْ مُعَادِيَهُ أَوْ كُنْ لَهُ نَشَبَا
٢٧٥تَحْلُو مَذَاقَتُهُ حَتَّى إِذَا غَضِبَا
حَالَتْ فَلَوْ قَطَرَتْ فِي الْمَاءِ مَا شُرِبَا
٢٧٦وَتَغْبِطُ الْأَرْضُ مِنْهَا حَيْثُ حَلَّ بِهِ
وَتَحْسُدُ الْخَيْلُ مِنْهَا أَيَّهَا رَكِبَا
٢٧٧وَلَا يَرُدُّ بِفِيهِ كَفَّ سَائِلِهِ
عَنْ نَفْسِهِ وَيَرُدُّ الْجَحْفَلَ اللَّجِبَا
٢٧٨وَكُلَّمَا لَقِيَ الدِّينَارُ صَاحِبَهُ
فِي مُلْكِهِ افْتَرَقَا مِنْ قَبْلِ يَصْطَحِبَا
٢٧٩مَالٌ كَأَنَّ غُرَابَ الْبَيْنِ يَرْقُبُهُ
فَكُلَّمَا قِيلَ هَذَا مُجْتَدٍ نَعَبَا
٢٨٠بَحْرٌ عَجَائِبُهُ لَمْ تُبْقِ فِي سَمَرٍ
وَلَا عَجَائِبِ بَحْرٍ بَعْدَهَا عَجَبَا
٢٨١لَا يُقْنِعُ ابْنَ عَلِيٍّ نَيْلُ مَنْزِلَةٍ
يَشْكُو مُحَاوِلُهَا التَّقْصِيرَ وَالْتَّعَبَا
٢٨٢هَزَّ اللِّوَاءَ بَنُو عِجْلٍ بِهِ فَغَدَا
رَأْسًا لَهُمْ وَغَدَا كُلٌّ لَهُمْ ذَنَبَا
٢٨٣التَّارِكِينَ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَهْوَنَهَا
وَالرَّاكِبِينَ مِنَ الْأَشْيَاءِ مَا صَعُبَا
٢٨٤مُبَرْقِعِي خَيْلِهِمْ بِالْبِيضِ مُتَّخِذِي
هَامِ الْكُمَاةِ عَلَى أَرْمَاحِهِمْ عَذَبَا
٢٨٥إِنَّ الْمَنِيَّةَ لَوْ لَاقَتْهُمُ وَقَفَتْ
خَرْقَاءَ تَتَّهِمُ الْإِقْدَامَ وَالْهَرَبَا
٢٨٦مَرَاتِبٌ صَعِدَتْ وَالْفِكْرُ يَتْبَعُهَا
فَجَازَ وَهْوَ عَلَى آثَارِهَا الشُّهُبَا
٢٨٧مَحَامِدٌ نَزَفَتْ شِعْرِي لِيَمْلَأَهَا
فَآلَ مَا امْتَلَأَتْ مِنْهُ وَلَا نَضَبَا
٢٨٨مَكَارِمٌ لَكَ فُتَّ الْعَالَمِينَ بِهَا
مَنْ يَسْتَطِيعُ لِأَمْرٍ فَائِتٍ طَلَبَا
٢٨٩لَمَّا أَقَمْتَ بِإِنْطَاكِيَّةَ اخْتَلَفَتْ
إِلَيَّ بِالْخَبَرِ الرُّكْبَانُ فِي حَلَبَا
٢٩٠فَسِرْتُ نَحْوَكَ لَا أَلْوِي عَلَى أَحَدٍ
أَحُثُّ رَاحِلَتِيَّ الْفَقْرَ وَالْأَدَبَا
٢٩١أَذَاقَنِي زَمَنِي بَلْوَى شَرِقْتُ بِهَا
لَو ذَاقَهَا لَبَكَى مَا عَاشَ وَانْتَحَبَا
٢٩٢وَإِنْ عَمَرْتُ جَعَلْتُ الْحَرْبَ وَالِدَةً
وَالسَّمْهَرِيَّ أَخًا وَالْمَشْرَفِيَّ أَبَا
٢٩٣بِكُلِّ أَشْعَثَ يَلْقَى الْمَوْتَ مُبْتَسِمًا
حَتَّى كَأَنَّ لَهُ فِي قَتْلِهِ أَرَبَا
٢٩٤قُحٍّ يَكَادُ صَهِيلُ الْخَيْلِ يَقْذِفُهُ
٢٩٥ عَنْ سَرْجِهِ مَرَحًا بِالْغَزْوِ أَوْ طَرَبَا
فَالْمَوْتُ أَعْذَرُ لِي وَالصَّبْرُ أَجْمَلُ بِي
وَالْبَرُّ أَوْسَعُ وَالدُّنْيَا لِمَنْ غَلَبَا
٢٩٦وقال يمدح علي بن منصور الحاجب:
٢٩٧بِأَبِي الشُّمُوسُ الْجَانِحَاتُ غَوَارِبَا
اللَّابِسَاتُ مِنَ الْحَرِيرِ جَلَابِبَا
٢٩٨الْمُنْهِبَاتُ قُلُوبَنَا وَعُقُولَنَا
وَجَنَاتِهِنَّ النَّاهِبَاتِ النَّاهِبَا
٢٩٩النَّاعِمَاتُ الْقَاتِلَاتُ الْمُحْيِيَا
تُ الْمُبْدِيَاتُ مِنَ الدَّلَالِ غَرَائِبَا
٣٠٠حَاوَلْنَ تَفْدِيَتِي وَخِفْنَ مُرَاقِبًا
فَوَضَعْنَ أَيْدِيَهُنَّ فَوْقَ تَرَائِبَا
٣٠١وَبَسَمْنَ عَنْ بَرَدٍ خَشِيتُ أُذِيبَهُ
مِنْ حَرِّ أَنْفَاسِي فَكُنْتُ الذَّائِبَا
٣٠٢يَا حَبَّذَا الْمُتَحَمِّلُونَ وَحَبَّذَا
وَادٍ لَثَمْتُ بِهِ الْغَزَالَةَ كَاعِبَا
٣٠٣كَيْفَ الرَّجَاءُ مِنَ الْخُطُوبِ تَخَلُّصًا
مِنْ بَعْدِ مَا أَنْشَبْنَ فِيَّ مَخَالِبَا
٣٠٤أَوْحَدْنَنِي وَوَجَدْنَ حُزْنًا وَاحِدًا
مُتَنَاهِيًا فَجَعَلْنَهُ لِيَ صَاحِبَا
٣٠٥وَنَصَبْنَنِي غَرَضَ الرُّمَاةِ تُصِيبُنِي
مِحَنٌ أَحَدُّ مِنَ السُّيُوفِ مَضَارِبَا
٣٠٦أَظْمَتْنِيَ الدُّنْيَا فَلَمَّا جِئْتُهَا
مُسْتَسْقِيًا مَطَرَتْ عَلَيَّ مَصَائِبَا
٣٠٧وَحُبِيتُ مِنْ خُوصِ الرِّكَابِ بِأَسْوَدٍ
مِنْ دَارِشٍ فَغَدَوْتُ أَمْشِي رَاكِبَا
٣٠٨حَالٌ مَتَى عَلِمَ ابْنُ مَنْصُورٍ بِهَا
جَاءَ الزَّمَانُ إِلَيَّ مِنْهَا تَائِبَا
٣٠٩مَلِكٌ سِنَانُ قَنَاتِهِ وَبَنَانُهُ
يَتَبَارَيَانِ دَمًا وَعُرْفًا سَاكِبَا
٣١٠يَسْتَصْغِرُ الْخَطَرَ الْكَبِيرَ لِوَفْدِهِ
وَيَظُنُّ دِجْلَةَ لَيْسَ تَكْفِي شَارِبَا
٣١١كَرَمًا فَلَوْ حَدَّثْتَهُ عَنْ نَفْسِهِ
بِعَظِيمِ مَا صَنَعَتْ لَظَنَّكَ كَاذِبَا
٣١٢سَلْ عَنْ شَجَاعَتِهِ وَزُرْهُ مُسَالِمًا
وَحَذَارِ ثُمَّ حَذَارِ مِنْهُ مُحَارِبَا
٣١٣فَالْمَوْتُ تُعْرَفُ بِالصِّفَاتِ طِبَاعُهُ
لَمْ تَلْقَ خَلْقًا ذَاقَ مَوْتًا آيِبَا
٣١٤إِنْ تَلْقَهُ لَا تَلْقَ إِلَّا قَسْطَلًا
أَوْ جَحْفَلًا أَوْ طَاعِنًا أَوْ ضَارِبَا
٣١٥أَوْ هَارِبًا أَوْ طَالِبًا أَوْ رَاغِبًا
أَوْ رَاهِبًا أَوْ هَالِكًا أَوْ نَادِبَا
٣١٦وَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى الْجِبَالِ رَأَيْتَهَا
فَوْقَ السُّهُولِ عَوَاسِلًا وَقَوَاضِبَا
٣١٧وَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى السُّهُولِ رَأَيْتَهَا
تَحْتَ الْجِبَالِ فَوَارِسًا وَجَنَائِبَا
٣١٨وَعَجَاجَةً تَرَكَ الْحَدِيدُ سَوَادَهَا
زِنْجًا تَبَسَّمُ أَوْ قَذَالًا شَائِبَا
٣١٩فَكَأَنَّمَا كُسِيَ النَّهَارُ بِهَا دُجَى
لَيْلٍ وَأَطْلَعَتِ الرِّمَاحُ كَوَاكِبَا
٣٢٠قَدْ عَسْكَرَتْ مَعَهَا الرَّزَايَا عَسْكَرًا
وَتَكَتَّبَتْ فِيهَا الرِّجَالُ كَتَائِبَا
٣٢١أُسُدٌ فَرَائِسُهَا الْأُسُودُ يَقُودُهَا
أَسَدٌ تَصِيرُ لَهُ الْأُسُودُ ثَعَالِبَا
فِي رُتْبَةٍ حَجَبَ الْوَرَى عَنْ نَيْلِهَا
وَعَلَا فَسَمَّوْهُ عَلِيَّ الْحَاجِبَا
٣٢٢وَدَعَوْهُ مِنْ فَرْطِ السَّخَاءِ مُبَذِّرًا
وَدَعَوْهُ مِنْ غَصْبٍ النُّفُوسِ الْغَاصِبَا
هَذَا الَّذِي أَفْنَى النُّضَارَ مَوَاهِبًا
وَعِدَاهُ قَتْلًا وَالزَّمَانَ تَجَارِبَا
٣٢٣وَمُخَيِّبُ الْعُذَّالِ فِيمَا أَمَّلُوا
مِنْهُ وَلَيْسَ يَرُدُّ كَفًّا خَائِبَا
٣٢٤هَذَا الَّذِي أَبْصَرْتُ مِنْهُ حَاضِرًا
مِثْلُ الَّذِي أَبْصَرْتُ مِنْهُ غَائِبَا
٣٢٥كَالْبَدْرِ مِنْ حَيْثُ الْتَفَتَّ رَأَيْتَهُ
يُهْدِي إِلَى عَيْنَيْكَ نُورًا ثَاقِبَا
٣٢٦كَالْبَحْرِ يَقْذِفُ لِلْقَرِيبِ جَوَاهِرًا
جُودًا وَيَبْعَثُ لِلْبَعِدِ سَحَائِبَا
كَالشَّمْسِ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ وَضَوْءُهَا
يَغْشَى الْبِلَادَ مَشَارِقًا وَمَغَارِبَا
أَمُهَجِّنَ الْكُرَمَاءِ وَالْمُزْرِي بِهِمْ
وَتَرُوكَ كُلِّ كَرِيمِ قَوْمٍ عَاتِبَا
٣٢٧شَادُوا مَنَاقِبَهُمْ وَشِدْتَ مَنَاقِبًا
وُجِدَتْ مَنَاقِبُهُمْ بِهِنَّ مَثَالِبَا
٣٢٨لَبَّيْكَ غَيْظَ الْحَاسِدِينَ الرَّاتِبَا
إِنَّا لَنَخْبُرُ مِنْ يَدَيْكَ عَجَائِبَا
٣٢٩تَدْبِيرُ ذِي حُنَكٍ يُفَكِّرُ فِي غَدٍ
وَهُجُومُ غِرٍّ لَا يَخَافُ عَوَاقِبَا
٣٣٠وَعَطَاءُ مَالٍ لَوْ عَدَاهُ طَالِبٌ
أَنْفَقْتَهُ فِي أَنْ تُلَاقِيَ طَالِبَا
٣٣١خُذْ مِنْ ثَنَايَ عَلَيْكَ مَا أَسْطِيعُهُ
لَا تُلْزِمَنِّي فِي الثَّنَاءِ الْوَاجِبَا
٣٣٢فَلَقَدْ دَهِشْتُ لِمَا فَعَلْتُ وَدُونَهُ
مَا يُدْهِشُ الْمَلَكَ الْحَفِيظَ الْكَاتِبَا
٣٣٣وقال يمدح بدر بن عمار ارتجالًا، وهو على الشراب والفاكهة والنرجس حوله:
إِنَّمَا بَدْرُ بْنُ عَمَّارٍ سَحَابُ
هَطِلٌ فِيهِ ثَوَابٌ وَعِقَابُ
٣٣٤إِنَّمَا بَدْرٌ رَزَايَا وَعَطَايَا
وَمَنَايَا وَطِعَانٌ وَضِرَابُ
٣٣٥مَا يُجِيلُ الطَّرْفَ إِلَّا حَمِدَتْهُ
جُهْدَهَا الْأَيْدِي وَذَمَّتْهُ الرِّقَابُ
٣٣٦مَا بِهِ قَتْلُ أَعَادِيهِ وَلَكِنْ
يَتَّقِي إِخْلَافَ مَا تَرْجُو الذِّئَابُ
٣٣٧فَلَهُ هَيْبَةُ مَنْ لَا يُتَرَجَّى
وَلَهُ جُودُ مُرَجًّى لَا يُهَابُ
٣٣٨طَاعِنُ الْفُرْسَانِ فِي الْأَحْدَاقِ شَزْرًا
وَعَجَاجُ الْحَرْبِ لِلشَّمْسِ نِقَابُ
٣٣٩بَاعِثُ النَّفْسِ عَلَى الْهَوْلِ الَّذِي لَيـْ
ـسَ لِنَفْسٍ وَقَعَتْ فِيهِ إِيَابُ
٣٤٠بِأَبِي رِيحُكَ لَا نَرْجِسُنَا ذَا
وَأَحادِيثُكَ لَا هَذَا الشَّرَابُ
٣٤١لَيْسَ بِالْمُنْكَرِ إِنْ بَرَّزْتَ سَبْقًا
غَيْرُ مَدْفُوعٍ عَنِ السَّبْقِ الْعِرَابُ
٣٤٢وجلس بدر بن عمار يلعب بالشطرنج، وقد كثر المطر، فقال أبو الطيب:
أَلَمْ تَرَ أَيُّهَا الْمَلِكُ الْمُرَجَّى
عَجَائِبَ مَا رَأَيْتُ مِنَ السَّحَابِ
تَشَكَّى الْأَرْضُ غَيْبَتَهُ إِلَيْهِ
وَتَرْشُفُ مَاءَهُ رَشْفَ الرُّضَابِ؟
٣٤٣وَأُوهِمُ أَنَّ فِي الشِّطْرَنْجِ هَمِّي
وَفِيكَ تَأَمُّلِي وَلَكَ انْتِصَابِي
٣٤٤سَأَمْضِي وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ مِنِّي
مَغِيبِي لَيْلَتِي وَغَدًا إِيَابِي
٣٤٥وقال في لعبةٍ أُحضرت مجلس بدر على صورة جارية، وأديرت فوقفت حذاء بدر رافعة رجلها، وكانت ترقص بحركات:
يَا ذَا الْمَعَالِي وَمَعْدِنَ الْأَدَبِ
سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِ الْعَرَبِ
أَنْتَ عَلِيمٌ بِكُلِّ مُعْجِزَةٍ
وَلَوْ سَأَلْنَا سِوَاكَ لَمْ يُجِبِ
٣٤٦أَهَذِه قَابَلَتْكَ رَاقِصَةً
أَمْ رَفَعَتْ رِجْلَهَا مِنَ التَّعَبِ؟
وقال يمدح علي بن محمد بن سيار بن مُكرَم التميمي، وكان يحب الرمي بالنشاب ويتعاطاه، وكان له وكيل يتعرض للشعر، فأنفذه إلى أبي الطيب يناشده، فتلقاه وأجلسه في مجلسه، ثم كتب إلى عليٍّ يقول:
ضُرُوبُ النَّاسِ عُشَّاقٌ ضُرُوبَا
فَأَعْذَرُهُمْ أَشَفُّهُمُ حَبِيبَا
٣٤٧وَمَا سَكَنِي سِوَى قَتْلِ الْأَعَادِي
فَهَلْ مِنْ زَوْرَةٍ تَشْفِي الْقُلُوبَا؟
٣٤٨تَظَلُّ الطَّيْرُ مِنْهَا فِي حَدِيثٍ
تَرُدُّ بِهِ الصَّرَاصِرَ وَالنَّعِيبَا
٣٤٩وَقَدْ لَبِسَتْ دِمَاءَهُمُ عَلَيْهِمْ
حِدَادًا لَمْ تَشُقَّ لَهَا جُيُوبَا
٣٥٠أَدَمْنَا طَعْنَهُمْ وَالْقَتْلَ حَتَّى
خَلَطْنَا فِي عِظَامِهِمِ الْكُعُوبَا
٣٥١كَأَنَّ خُيُولَنَا كَانَتْ قَدِيمًا
تُسَقَّى فِي قُحُوفِهِمِ الْحَلِيبَا
٣٥٢فَمَرَّتْ غَيْرَ نَافِرَةٍ عَلَيْهِمْ
تَدُوسُ بِنَا الْجَمَاجِمَ وَالتَّرِيبَا
٣٥٣يُقَدِّمُهَا وَقَدْ خُضِبَتْ شَوَاهَا
فَتًى تَرْمِي الْحُرُوبُ بِهِ الْحُرُوبَا
٣٥٤شَدِيدُ الْخُنْزُوَانَةِ لَا يُبَالِي
أَصَابَ إِذَا تَنَمَّرَ أَمْ أُصِيبَا
٣٥٥أَعَزْمِي طَالَ هَذَا اللَّيْلُ فَانْظُرْ
أَمِنْكَ الصُّبْحُ يَفْرَقُ أَنْ يَئُوبَا؟
٣٥٦كَأَنَّ الْفَجْرَ حِبٌّ مُسْتَزَارٌ
يُرَاعِي مِنْ دُجُنَّتِهِ رَقِيبَا
٣٥٧كَأَنَّ نُجُومَهُ حَلْيٌ عَلَيْهِ
وَقَدْ حُذِيَتْ قَوَائِمُهُ الْجَبُوبَا
٣٥٨كَأَنَّ الْجَوَّ قَاسَى مَا أُقَاسِي
فَصَارَ سَوَادُهُ فِيهِ شُحُوبَا
٣٥٩كَأَنَّ دُجَاهُ يَجْذِبُهَا سُهَادِي
فَلَيْسَ تَغِيبُ إِلَّا أَنْ يَغِيبَا
٣٦٠أُقَلِّبُ فِيهِ أَجْفَانِي كَأَنِّي
أَعُدُّ بِهِ عَلَى الدَّهْرِ الذُّنُوبَا
٣٦١وَمَا لَيْلٌ بِأَطْوَلَ مِنْ نَهَارٍ
يَظَلُّ بِلَحْظِ حُسَّادِي مَشُوبَا
٣٦٢وَمَا مَوْتٌ بِأَبْغَضَ مِنْ حَيَاةٍ
أَرَى لَهُمُ مَعِي فِيهَا نَصِيبَا
٣٦٣عَرَفْتُ نَوَائِبَ الْحَدَثَانِ حَتَّى
لَوِ انْتَسَبَتْ لَكُنْتُ لَهَا نَقِيبَا
٣٦٤وَلَمَّا قَلَّتِ الْإِبِلُ امْتَطَيْنَا
إِلَى ابْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْخُطُوبَا
٣٦٥مَطَايَا لَا تَذِلُّ لِمَنْ عَلَيْهَا
وَلَا يَبْغِي لَهَا أَحَدٌ رُكُوبَا
٣٦٦وَتَرْتَعُ دُونَ نَبْتِ الْأَرْضِ فِينَا
فَمَا فَارَقْتُهَا إِلَّا جَدِيبَا
٣٦٧إِلَى ذِي شِيمَةٍ شَعَفَتْ فُؤَادِي
فَلَوْلَاهُ لَقُلْتُ بِهَا النَّسِيبَا
٣٦٨تُنَازِعُنِي هَوَاهَا كُلُّ نَفْسٍ
وَإِنْ لَمْ تُشْبِهِ الرَّشَأَ الرَّبِيبَا
٣٦٩عَجِيبٌ فِي الزَّمَانِ وَمَا عَجِيبٌ
أَتَى مِنْ آلِ سَيَّارٍ عَجِيبَا
٣٧٠وَشَيْخٌ فِي الشَّبَابِ وَلَيْسَ شَيْخًا
يُسَمَّى كُلُّ مَنْ بَلَغَ الْمَشِيبَا
٣٧١قَسَا فَالْأُسْدُ تَفْزَعُ مِنْ قُوَاهُ
وَرَقَّ فَنَحْنُ نَفْزَعُ أَنْ يَذُوبَا
٣٧٢أَشَدُّ مِنَ الرِّيَاحِ الْهُوجِ بَطْشًا
وَأَسْرَعُ فِي النَّدَى مِنْهَا هُبُوبَا
٣٧٣وَقَالُوا ذَاكَ أَرْمَى مَنْ رَأَيْنَا
فَقُلْتُ رَأَيْتُمُ الْغَرَضَ الْقَرِيبَا
٣٧٤وَهَلْ يُخْطِي بِأَسْهُمِهِ الرَّمَايَا
وَمَا يُخْطِي بِمَا ظَنَّ الْغُيُوبَا
٣٧٥إِذَا نُكِبَتْ كِنَانَتُهُ اسْتَبَنَّا
بِأَنْصُلِهَا لِأَنْصُلِهَا نُدُوبَا
٣٧٦يُصِيبُ بِبَعْضِهَا أَفْوَاقَ بَعْضٍ
فَلَوْلَا الْكَسْرُ لَاتَّصَلَتْ قَضِيبَا
٣٧٧بِكُلِّ مُقَوَّمٍ لَمْ يَعْصِ أَمْرًا
لَهُ حَتَّى ظَنَنَّاهُ لَبِيبَا
٣٧٨يُرِيكَ النَّزْعُ بَيْنَ الْقَوْسِ مِنْهُ
وَبَيْنَ رَمِيِّهِ الْهَدَفَ الْمَهِيبَا
٣٧٩أَلَسْتَ ابْنَ الْأُلَى سَعِدُوا وَسَادُوا
وَلَمْ يَلِدُوا امْرَأً إِلَّا نَجِيبَا
٣٨٠وَنَالُوا مَا اشْتَهَوْا بِالْحَزْمِ هَوْنًا
وَصَادَ الْوَحْشَ نَمْلُهُمُ دَبِيبَا
٣٨١وَمَا رِيحُ الرِّيَاضِ لَهَا وَلَكِنْ
كَسَاهَا دَفْنُهُمْ فِي التُّرْبِ طِيبَا
٣٨٢أَيَا مَنْ عَادَ رُوحُ الْمَجْدِ فِيهِ
وَعَادَ زَمَانُهُ التَّالِي قَشِيبَا
٣٨٣تَيَمَّمَنِي وَكِلُكَ مَادِحًا لِي
وَأَنْشَدَنِي مِنَ الشِّعْرِ الْغَرِيبَا
٣٨٤فَآجَرَكَ الْإِلَهُ عَلَى عَلِيلٍ
بَعَثْتَ إِلَى الْمَسِيحِ بِهِ طَبِيبَا
٣٨٥وَلَسْتُ بِمُنْكِرٍ مِنْكَ الْهَدَايَا
وَلَكِنْ زِدْتَنِي فِيهَا أَدِيبَا
فَلَا زَالَتْ دِيَارُكَ مُشْرِقَاتٍ
وَلَا دَانَيْتَ يَا شَمْسُ الْغُرُوبَا
٣٨٦لِأُصْبِحَ آمِنًا فِيكَ الرَّزَايَا
كَمَا أَنَا آمِنٌ فِيكَ الْعُيُوبَا
٣٨٧وقال يصف مجلسين لأبي محمد الحسن بن عبد الله بن طُغْج، قد انزوى أحدهما عن الآخر ليُرَى من كل واحد منهما ما لا يُرى من صاحبه:
الْمَجْلِسَانِ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا
مُقَابِلَانِ وَلَكِنْ أَحْسَنَا الْأَدَبَا
٣٨٨إِذَا صَعِدْتَ إِلَى ذَا، مَال ذَا رَهَبًا
وَإِنْ صَعِدْتَ إِلَى ذَا، مَالَ ذَا رَهَبَا
٣٨٩فَلِمْ يَهَابُكَ مَا لَا حِسَّ يَرْدَعُهُ
إِنِّي لَأُبْصِرُ مِنْ شَأْنَيْهِمَا عَجَبَا
٣٩٠وقال، وقد استقل في القبة، ونظر إلى السحاب:
تَعَرَّضَ لِي السَّحَابُ وَقَدْ قَفَلْنَا
فَقُلْتُ إِلَيْكَ إِنَّ مَعِي السَّحَابَا
٣٩١فَشِمْ فِي الْقُبَّةِ الْمَلِكَ الْمُرَجَّى
فَأَمْسَكَ بَعْدَمَا عَزَمَ انْسِكَابَا
٣٩٢وأشار إليه طاهر العلوي بمسك وأبو محمد حاضر فقال:
الطِّيبُ مِمَّا غَنِيتُ عَنْهُ
كَفَى بِقُرْبِ الْأَمِيرِ طِيبَا
يَبْنِي بِهِ رَبُّنَا الْمَعَالِي
كَمَا بِكُمْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَا
٣٩٣وقال، وقد استحسن عين باز في مجلسه:
أَيَا مَا أُحَيْسِنَهَا مُقْلَةً
وَلَوْلَا الْمِلَاحَةُ لَمْ أَعْجَبِ
٣٩٤خَلُوقِيَّةٌ فِي خَلُوقِيِّهَا
سُوَيْدَاءُ مِنْ عِنَبِ الثَّعْلَبِ
٣٩٥إِذَا نَظَرَ الْبَازُ فِي عِطْفِهِ
كَسَتْهُ شُعَاعًا عَلَى الْمَنْكِبِ
٣٩٦وقال يمدح أبا القاسم طاهر بن الحسين العلوي:
٣٩٧أَعِيدُوا صَبَاحِي فَهْوَ عِنْدَ الْكَوَاعِبِ
وَرُدُّوا رُقَادِي فَهْوَ لَحْظُ الْحَبَائِبِ
٣٩٨فَإِنَّ نَهَارِي لَيْلَةٌ مُدْلَهِمَّةٌ
عَلَى مُقْلَةٍ مِنْ بَعْدِكُمْ فِي غَيَاهِبِ
٣٩٩بَعِيدَةِ مَا بَيْنَ الْجُفُونِ كَأَنَّمَا
عَقَدْتُمْ أَعَالِي كُلِّ هُدْبٍ بِحَاجِبِ
٤٠٠وَأَحْسَبُ أَنِّي لَوْ هَوِيتُ فِرَاقَكُمْ
لَفَارَقْتُهُ وَالدَّهْرُ أَخْبَثُ صَاحِبِ
٤٠١فَيَا لَيْتَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَحِبَّتِي
مِنَ الْبُعْدِ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَصَائِبِ
٤٠٢أَرَاكِ ظَنَنْتِ السِّلْكَ جِسْمِي فَعُقْتِهِ
عَلَيْكِ بِدُرٍّ عَنْ لِقَاءِ التَّرَائِبِ
٤٠٣وَلَوْ قَلَمٌ أُلْقِيتُ فِي شَقِّ رَأْسِهِ
مِنَ السُّقْمِ مَا غَيَّرْتُ مِنْ خَطِّ كَاتِبِ
٤٠٤تُخَوِّفُنِي دُونَ الَّذِي أَمَرَتْ بِهِ
وَلَمْ تَدْرِ أَنَّ الْعَارَ شَرُّ الْعَوَاقِبِ
٤٠٥وَلَا بُدَّ مِنْ يَوْمٍ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ
يَطُولُ اسْتِمَاعِي بَعْدَهُ لِلنَّوَادِبِ
٤٠٦يَهُونُ عَلَى مِثْلِي إِذَا رَامَ حَاجَةً
وُقُوعُ الْعَوَالِي دُونَهَا وَالْقَوَاضِبِ
٤٠٧كَثِيرُ حَيَاةِ الْمَرْءِ مِثْلُ قَلِيلِهَا
يَزُولُ وَبَاقِي عَيْشِهِ مِثْلُ ذَاهِبِ
٤٠٨إِلَيْكِ فَإِنِّي لَسْتُ مِمَّنْ إِذَا اتَّقَى
عِضَاضَ الْأَفَاعِي نَامَ فَوْقَ الْعَقَارِبِ
٤٠٩أَتَانِي وَعِيدُ الْأَدْعِيَاءِ وَأَنَّهُمْ
أَعَدُّوا لِيَ السُّودَانَ فِي كَفْرِ عَاقِبِ
٤١٠وَلَوْ صَدَقُوا فِي جَدِّهِمْ لَحَذِرْتُهُمْ
فَهَلْ فِيَّ وَحْدِي قَوْلُهُمْ غَيْرُ كَاذِبِ
٤١١إِلَيَّ لَعَمْرِي قَصْدُ كُلِّ عَجِيبَةٍ
كَأَنِّي عَجِيبٌ فِي عُيُونِ الْعَجَائِبِ
٤١٢بِأَيِّ بِلَادٍ لَمْ أَجُرَّ ذُؤَابَتِي
وَأَيُّ مَكَانٍ لَمْ تَطَأْهُ رَكَائِبِي
٤١٣كَأَنَّ رَحِيلِي كَانَ مِنْ كَفِّ طَاهِرٍ
فَأَثْبَتَ كُورِي فِي ظُهُورِ الْمَوَاهِبِ
٤١٤فَلَمْ يَبْقَ خَلْقٌ لَمْ يَرِدْنَ فِنَاءَهُ
وَهُنَّ لَهُ شِرْبٌ وُرُودَ الْمَشَارِبِ
٤١٥فَتًى عَلَّمَتْهُ نَفْسُهُ وَجُدُودُهُ
قِرَاعَ الْأَعَادِي وَابْتِذَالَ الرَّغَائِبِ
٤١٦فَقَدْ غَيَّبَ الشُّهَّادَ عَنْ كُلِّ مَوْطِنٍ
وَرَدَّ إِلَى أَوْطَانِهِ كُلَّ غَائِبِ
٤١٧كَذَا الْفَاطِمِيُّونَ النَّدَى فِي بَنَانِهِمْ
أَعَزُّ امِّحَاءً مِنْ خُطُوطِ الرَّوَاجِبِ
٤١٨أُنَاس إِذَا لَاقَوْا عِدًى فَكَأَنَّمَا
سِلَاحُ الَّذِي لَاقَوْا غُبَارُ السَّلَاهِبِ
٤١٩رَمَوْا بِنَواصِيهَا الْقِسِيَّ فَجِئْنَهَا
دَوَامِي الْهَوَادِي سَالِمَاتِ الْجَوَانِبِ
٤٢٠أُولَئِكَ أَحْلَى مِنْ حَيَاةٍ مُعَادَةٍ
وَأَكْثَرُ ذِكْرًا مِنْ دُهُورِ الشَّبَائِبِ
٤٢١نَصَرْتَ عَلِيًّا يَا ابْنَهُ بِبَوَاتِر
مِنَ الْفِعْلِ لَا فَلٌّ لَهَا فِي الْمَضَارِبِ
٤٢٢وَأَبْهَرُ آيَاتِ التِّهَامِيِّ أَنَّهُ
أَبُوكَ وَأَجْدَى مَا لَكُمْ مِنْ مَنَاقِبِ
٤٢٣إِذَا لَمْ تَكُنْ نَفْسُ النَّسِيبِ كَأَصْلِهِ
فَمَاذَا الَّذِي تُغْنِي كِرَامُ الْمَنَاصِبِ
٤٢٤وَمَا قَرُبَتْ أَشْبَاهُ قَوْمٍ أَبَاعِدٍ
وَلَا بَعُدَتْ أَشْبَاهُ قَوْمٍ أَقَارِبِ
٤٢٥إِذَا عَلَوِيٌّ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ طَاهِرٍ
فَمَا هُوَ إِلَّا حُجَّةٌ لِلنَّوَاصِبِ
٤٢٦يَقُولُونَ تَأْثِيرُ الْكَوَاكِبِ فِي الْوَرَى
فَمَا بَالُهُ تَأْثِيرُهُ فِي الْكَوَاكِبِ
٤٢٧عَلَا كَتَدَ الدُّنْيَا إِلَى كُلِّ غَايَةٍ
تَسِيرُ بِهِ سَيْرَ الذَّلُولِ بِرَاكِبِ
٤٢٨وَحُقَّ لَهُ أَنْ يَسْبِقَ النَّاسَ جَالِسًا
وَيُدْرِكَ مَا لَمْ يُدْرِكُوا غَيْرَ طَالِبِ
٤٢٩وَيُحْذَى عَرَانِينَ الْمُلُوكِ وَإِنَّهَا
لَمِنْ قَدَمَيْهِ فِي أَجَلِّ الْمَرَاتِبِ
٤٣٠يَدٌ لِلزَّمَانِ الْجَمْعُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ
لِتَفْرِيقِهِ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّوَائِبِ
٤٣١هُوَ ابْنُ رَسُولِ اللهِ وَابْنُ وَصِيِّهِ
وَشِبْهُهُمَا شَبَّهْتُ بَعْدَ التَّجَارِبِ
٤٣٢يَرَى أَنَّ مَا مَا بَانَ مِنْك لِضَارِبٍ
بِأَقْتَلَ مِمَّا بَانَ مِنْكَ لِعَائِبِ
٤٣٣أَلَا أَيُّهَا الْمَالُ الَّذِي قَدْ أَبَادَهُ
تَعَزَّ فَهَذَا فِعْلُهُ فِي الْكَتَائِبِ
٤٣٤لَعَلَّكَ فِي وَقْتٍ شَغَلْتَ فُؤَادَهُ
عَنِ الْجُودِ أَوْ كَثَّرْتَ جَيْشَ مُحَارِبِ
٤٣٥حَمَلْتُ إِلَيْهِ مِنْ لِسَانِي حَدِيقَةً
سَقَاهَا الْحِجَى سَقْيَ الرِّيَاضَ السَّحَائِبِ
٤٣٦فَحُيِّيتَ خَيْرَ ابْنٍ لِخَيْرِ أَبٍ بِهَا
لِأَشْرَفِ بَيْتٍ فِي لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ
٤٣٧وقال يمدح كافورًا سنة ستٍّ وأربعين وثلاثمائة — وهي من محاسن شعره:
مَنِ الْجآذِرُ فِي زِيِّ الْأَعَارِيبِ
حُمْرَ الْحُلَى وَالْمَطَايَا وَالْجَلَابِيبِ
٤٣٨إِنْ كُنْتَ تَسْأَلُ شَكًّا فِي مَعَارِفِهَا
فَمَنْ بَلَاكَ بِتَسْهِيدٍ وَتَعْذِيبِ
٤٣٩لَا تَجْزِنِي بِضَنًى بِي بَعْدَهَا بَقَرٌ
تَجْزِي دُمُوعِيَ مَسْكُوبًا بِمَسْكُوبِ
٤٤٠سَوَائِرٌ رُبَّمَا سَارَتْ هَوَادِجُهَا
مَنِيعَةً بَيْنَ مَطْعُونٍ وَمَضْرُوبِ
٤٤١وَرُبَّمَا وَخَدَتْ أَيْدِي الْمَطِيِّ بِهَا
عَلَى نَجِيعٍ مِنَ الْفُرْسَانِ مَصْبُوبِ
٤٤٢كَمْ زَوْرَةٍ لَكَ فِي الْأَعْرَابِ خَافِيَةٍ
أَدْهَى وَقَدْ رَقَدُوا مِنْ زَوْرَةِ الذِّيبِ
٤٤٣أَزُورُهُمْ وَسَوَادُ اللَّيْلِ يَشْفَعُ لِي
وَأَنْثَنِي وَبَيَاضُ الصُّبْحِ يُغْرِي بِي
٤٤٤قَدْ وَافَقُوا الْوَحْشَ فِي سُكْنَى مَرَاتِعِهَا
وَخَالَفُوهَا بِتَقْوِيضٍ وَتَطْنِيبِ
٤٤٥جِيرَانُهَا وَهُمْ شَرُّ الْجِوَارِ لَهَا
وَصَحْبُهَا وَهُمُ شَرُّ الْأَصَاحِيبِ
٤٤٦فُؤَادُ كُلِّ مُحِبٍّ فِي بُيُوتِهِمِ
وَمَالُ كُلِّ أَخِيذِ الْمَالِ مَحْرُوبِ
٤٤٧مَا أَوْجُهُ الْحَضَرِ الْمُسْتَحْسَنَاتُ بِهِ
كَأَوْجُهِ الْبَدَوِيَّاتِ الرَّعَابِيبِ
٤٤٨حُسْنُ الْحَضَارَةِ مَجْلُوبٌ بِتَطْرِيَةٍ
وَفِي الْبَدَاوَةِ حُسْنٌ غَيْرُ مَجْلُوبِ
٤٤٩أَيْنَ الْمَعِيزُ مِنَ الْآرَامِ نَاظِرَةً
وَغَيْرَ نَاظِرَةٍ فِي الْحُسْنِ وَالطِّيبِ
٤٥٠أَفْدِي ظِبَاءَ فَلَاةٍ مَا عَرَفْنَ بِهَا
مَضْغَ الْكَلَامِ وَلَا صَبْغَ الْحَوَاجِيبِ
٤٥١وَلَا بَرَزْنَ مِنَ الْحَمَّامِ مَاثِلَةً
أَوْرَاكُهُنَّ صَقِيلَاتِ الْعَرَاقِيبِ
٤٥٢وَمِنْ هَوَى كُلِّ مَنْ لَيْسَتْ مُمَوِّهَةً
تَرَكْتُ لَوْنَ مَشِيبِي غَيْرَ مَخْضُوبِ
٤٥٣وَمِنْ هَوَى الصِّدْقِ فِي قَوْلِي وَعَادَتِهِ
رَغِبْتُ عَنْ شَعَرٍ فِي الرَّأْسِ مَكْذُوبِ
٤٥٤لَيْتَ الْحَوَادِثَ بَاعَتْنِي الَّذِي أَخَذَتْ
مِنِّي بِحِلْمِي الَّذِي أَعْطَتْ وَتَجْرِيبِي
٤٥٥فَمَا الْحَدَاثَةُ مِنْ حِلْمٍ بِمَانِعَةٍ
قَدْ يُوجَدُ الْحِلْمُ فِي الشُّبَّانِ وَالشِّيبِ
٤٥٦تَرَعْرَعَ الْمَلِكُ الْأُسْتَاذُ مُكْتَهِلًا
قَبْلَ اكْتِهَالٍ أَدِيبًا قَبْلَ تَأْدِيبِ
٤٥٧مُجَرَّبًا فَهَمًا مِنْ قَبْلِ تَجْرِبَةٍ
مُهَذَّبًا كَرَمًا مِنْ غَيْرِ تَهْذِيبِ
٤٥٨حَتَّى أَصَابَ مِنَ الدُّنْيَا نِهَايَتَهَا
وَهَمُّهُ فِي ابْتِدَاءَاتٍ وَتَشْبِيبِ
٤٥٩يُدَبِّرُ الْمُلْكَ مِنْ مِصْرٍ إِلَى عَدَنٍ
إِلَى الْعِرَاقِ فَأَرْضِ الرُّومِ فَالنُّوبِ
٤٦٠إِذَا أَتَتْهَا الرِّيَاحُ النُّكْبُ مِنْ بَلَدٍ
فَمَا تَهُبُّ بِهَا إِلَّا بِتَرْتِيبِ
٤٦١وَلَا تُجَاوِزُهُاَ شَمْسٌ إِذَا شَرَقَتْ
إِلَّا وَمِنْهُ لَهَا إِذْنٌ بِتَغْرِيبِ
٤٦٢يُصَرِّفُ الْأَمْرَ فِيهَا طِينُ خَاتَمِهِ
وَلَوْ تَطَلَّسَ مِنْهُ كُلُّ مَكْتُوبِ
٤٦٣يَحُطُّ كُلَّ طَوِيلِ الرُّمْحِ حَامِلُهُ
مِنْ سَرْجِ كُلِّ طَوِيلِ الْبَاعِ يَعْبُوبِ
٤٦٤كَأَنَّ كُلَّ سُؤَالٍ فِي مَسَامِعِهِ
قَمِيصُ يُوسُفَ فِي أَجْفَانِ يَعْقُوبِ
٤٦٥إِذَا غَزَتْهُ أَعَادِيهِ بِمَسْأَلَةٍ
فَقَدْ غَزَتْهُ بِجَيْشٍ غَيْرِ مَغْلُوبِ
٤٦٦أَوْ حَارَبْتُهُ فَمَا تَنْجُو بِتَقْدِمَةٍ
مِمَّا أَرَادَ وَلَا تَنْجُو بِتَجْبِيبِ
٤٦٧أَضْرَتْ شَجَاعَتُهُ أَقْصَى كَتَائِبِهِ
عَلَى الْحِمَامِ فَمَا مَوْتٌ بِمَرْهُوبِ
٤٦٨قَالُوا هَجَرْتَ إِلَيْهِ الْغَيْثَ قُلْتُ لَهُمْ
إِلَى غُيُوثِ يَدَيْهِ وَالشَّآبِيبِ
٤٦٩إِلَى الَّذِي تَهَبُ الدولَاتِ رَاحَتُهُ
وَلَا يَمُنُّ عَلَى آثَارِ مَوْهُوبِ
٤٧٠وَلَا يَرُوعُ بِمَغْدُورٍ بِهِ أَحَدًا
وَلَا يُفَزِّعُ مَوْفُورًا بِمَنْكُوبِ
٤٧١بَلَى يَرُوعُ بِذِي جَيْشٍ يُجَدِّلُهُ
ذَا مِثْلِهِ فِي أَحَمِّ النَّقْعِ غِرْبِيبِ
٤٧٢وَجَدْتُ أَنْفَعَ مَالٍ كُنْتُ أَذْخَرُهُ
مَا فِي السَّوَابِقِ مِنْ جَرْيٍ وَتَقْرِيبِ
٤٧٣لَمَّا رَأَيْنَ صُرُوفَ الدَّهْرِ تَغْدِرُ بِي
وَفَيْنَ لِي وَوَفَتْ صُمُّ الْأَنَابِيبِ
٤٧٤فُتْنَ الْمَهَالِكَ حَتَّى قَاَل قَائِلُهَا
مَاذَا لَقِينَا مِنْ الْجُرْدِ السَّرَاحِيبِ
٤٧٥تَهْوِي بِمُنْجَرِدٍ لَيْسَتْ مَذَاهِبُهُ
لِلُبْسِ ثَوْبٍ وَمَأْكُولٍ وَمَشْرُوبِ
٤٧٦يَرَى النُّجُومَ بِعَيْنَيْ مَنْ يُحَاوِلُهَا
كَأَنَّهَا سَلَبٌ فِي عَيْنِ مَسْلُوبِ
٤٧٧حَتَّى وَصَلْتُ إِلَى نَفْسٍ مُحَحَّبَةٍ
تَلْقَى النُّفُوسَ بِفَضْلٍ غَيْرِ مَحْجُوبِ
٤٧٨فِي جِسْمِ أَرْوَعَ صَافِي الْعَقْلِ تُضْحِكُهُ
خَلَائِقُ النَّاسِ إِضْحَاكَ الْأَعَاجِيبِ
٤٧٩فَالْحَمْدُ قَبْلُ لَهُ وَالْحَمْدُ بَعْدُ لَهَا
وَلِلْقَنَا وَلِإِدْلَاجِي وَتَأْوِيبِي
٤٨٠وَكَيْفَ أَكْفُرُ يَا كَافُورُ نِعْمَتَهَا
وَقَدْ بَلَغْنَكَ بِي يَا كُلَّ مَطْلُوبِي
يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ الْغَانِي بِتَسْمِيَةٍ
فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ عَنْ وَصْفٍ وَتَلْقِيبِ
٤٨١أَنْتَ الْحَبِيبُ وَلَكِنِّي أَعُوذُ بِهِ
مِنْ أَنْ أَكُونَ مُحِبًّا غَيْرَ مَحْبُوبِ
٤٨٢وقال يمدحه في شوال سنة سبع وأربعين وثلاثمائة:
٤٨٣أُغَالِبُ فِيكَ الشَّوْقَ وَالشَّوْقُ أَغْلَبُ
وَأَعْجَبُ مِنْ ذَا الْهَجْرِ وَالْوَصْلُ أَعْجَبُ
٤٨٤أَمَا تَغْلَطُ الْأَيَّامُ فِيَّ بِأَنْ أَرَى
بَغِيضًا تُنَائِي أَوْ حَبِيبًا تُقَرِّبُ
٤٨٥وَلِلهِ سَيْرِي مَا أَقَلَّ تَئِيَّةً
عَشِيَّةَ شَرْقِيَّ الْحَدَالَى وَغُرَّبُ
٤٨٦عَشِيَّةَ أَحْفَى النَّاس بِي مَنْ جَفَوْتُهُ
وَأَهْدَى الطِّرِيقَيْنِ الَّتِي أَتَجَنَّبُ
٤٨٧وَكَمْ لِظَلَامِ اللَّيْلِ عِنْدَكَ مِنْ يَدٍ
تُخَبِّرُ أَنَّ الْمَانَوِيَّةَ تَكْذِبُ
٤٨٨وَقَاكَ رَدَى الْأَعْدَاءِ تَسْرِي إِلَيْهِم
وَزَارَكَ فِيهِ ذُو الدَّلَالِ الْمُحَجَّبُ
٤٨٩وَيَوْمٍ كَلَيْلِ الْعَاشِقِينَ كَمَنْتُهُ
أُرَاقِبُ فِيهِ الشَّمْسَ أَيَّانَ تَغْرُبُ
٤٩٠وَعَيْنِي إِلَى أُذُنَيْ أَغَرَّ كَأَنَّهُ
مِنَ اللَّيْلِ بَاقٍ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَوْكَبُ
٤٩١لَهُ فَضْلَةٌ عَنْ جِسْمِهِ فِي إِهَابِهِ
تَجِيءُ عَلَى صَدْرٍ رَحِيبٍ وَتَذْهَبُ
٤٩٢شَقَقْتُ بِهِ الظَّلْمَاءَ أُدْنِي عِنَانَهُ
فَيَطْغَى وَأُرْخِيهِ مِرَارًا فَيَلْعَبُ
٤٩٣وَأَصْرَعُ أَيَّ الْوَحْشِ قَفَّيْتُهُ بِهِ
وَأَنْزِلُ عَنْهُ مِثْلَهُ حِينَ أَرْكَبُ
٤٩٤وَمَا الْخَيْلُ إِلَّا كَالصَّدِيقِ قَلِيلَةٌ
وَإِنْ كَثُرَتْ فِي عَيْنِ مَنْ لَا يُجَرِّبُ
٤٩٥إِذَا لَمْ تُشَاهِدْ غَيْرَ حُسْنِ شِيَاتِهَا
وَأَعْضَائِهَا فَالْحُسْنُ عَنْكَ مُغَيَّبُ
٤٩٦لَحَا اللهُ ذِي الدُّنْيَا مُنَاخًا لِرَاكِبٍ
فَكُلُّ بَعِيدِ الْهَمِّ فِيهَا مُعَذَّبُ
٤٩٧أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَقُولُ قَصِيدَةً
فَلَا أَشْتَكِي فِيهَا وَلَا أَتَعَتَّبُ
٤٩٨وَبِي مَا يَذُودُ الشِّعْرَ عَنِّي أَقَلُّهُ
وَلَكِنَّ قَلْبِي يَا ابْنَةَ الْقَوْمِ قُلَّبُ
٤٩٩وَأَخْلَاقُ كَافُورٍ إِذَا شِئْتُ مَدْحَهُ
وَإِنْ لَمْ أَشَأْ تُمْلِي عَلَيَّ وَأَكْتُبُ
٥٠٠إِذَا تَرَكَ الْإِنْسَانُ أَهْلًا وَرَاءَهُ
وَيَمَّمَ كَافُورًا فَمَا يَتَغَرَّبُ
٥٠١فَتًى يَمْلَا الْأَفْعَالَ رَأْيًا وَحِكْمَةً
وَنَادِرَةً أَحْيَانَ يَرْضَى وَيَغْضَبُ
٥٠٢إِذَا ضَرَبَتْ فِي الْحَرْبِ بِالسَّيْفِ كَفُّهُ
تَبَيَّنْتَ أَنَّ السَّيْفَ بِالْكَفِّ يَضْرِبُ
٥٠٣تَزِيدُ عَطَايَاهُ عَلَى اللَّبْثِ كَثْرَةً
وَتَلْبَثُ أَمْوَاهُ السَّحَابِ فَتَنْضَبُ
٥٠٤أَبَا الْمِسْكِ هَلْ فِي الْكَأْسِ فَضْلٌ أَنَالُهُ
فَإِنِّي أُغَنِّي مُنْذُ حِينٍ وَتَشْرَبُ
٥٠٥وَهَبْتَ عَلَى مِقْدَارِ كَفَّيْ زَمَانِنَا
وَنَفْسِي عَلَى مِقْدَارِ كَفَّيْكَ تَطْلُبُ
٥٠٦إِذَا لَمْ تَنُطْ بِي ضَيْعَةً أَوْ وِلَايَةً
فَجُودُكَ يَكْسُونِي وَشُغْلُكَ يَسْلُبُ
٥٠٧يُضَاحِكُ فِي ذَا الْعِيدِ كُلٌّ حَبِيبَهُ
حِذَائِي وَأَبْكِي مَنْ أُحِبُّ وَأَنْدُبُ
٥٠٨أَحِنُّ إِلَى أَهْلِي وَأَهْوَى لِقَاءَهُمْ
وَأَيْنَ مِنَ الْمُشْتَاقِ عَنْقَاءُ مُغْرِبُ
٥٠٩فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا أَبُو الْمِسْكِ أَوْ هُمُ
فَإِنَّكَ أَحْلَى فِي فُؤَادِي وَأَعْذَبُ
٥١٠وَكُلُّ امْرِئٍ يُولِي الْجَمِيلَ مُحَبَّبٌ
وَكُلُّ مَكَانٍ يُنْبِتُ الْعِزَّ طَيِّبُ
٥١١يُرِيدُ بِكَ الْحُسَّادُ مَا اللهُ دَافِعٌ
وَسُمْرُ الْعَوَالِي وَالْحَدِيدُ الْمُذَرَّبُ
٥١٢وَدُونَ الَّذِي يَبْغُونَ مَا لَوْ تَخَلَّصُوا
إِلَى الْمَوْتِ مِنْهُ عِشْتَ وَالطِّفْلُ أَشْيَبُ
٥١٣إِذَا طَلَبُوا جَدْوَاكَ أُعْطُوا وَحُكِّمُوا
وَإِنْ طَلَبُوا الْفَضْلَ الَّذِي فِيكَ خُيِّبُوا
٥١٤وَلَوْ جَازَ أَنْ يَحْوُوا عُلَاكَ وَهَبْتَهَا
وَلَكِنْ مِنَ الْأَشْيَاءِ مَا لَيْسَ يُوهَبُ
٥١٥وَأَظْلَمُ أَهْلِ الظُّلْمِ مَنْ بَاتَ حَاسِدًا
لِمَنْ بَاتَ فِي نَعْمَائِهِ يَتَقَلَّبُ
٥١٦وَأَنْتَ الَّذِي رَبَّيْتَ ذَا الْمُلْكِ مُرْضَعًا
وَلَيْسَ لَهُ أُمٌّ سِوَاكَ وَلَا أَبُ
٥١٧وَكُنْتَ لَهُ لَيْثَ الْعَرِينِ لِشِبْلِهِ
وَمَا لَكَ إِلَّا الْهِنْدُوَانِيَّ مِخْلَبُ
٥١٨لَقِيتَ الْقَنَا عَنْهُ بِنَفْسٍ كَرِيمَةٍ
إِلَى الْمَوْتِ فِي الْهَيْجَا مِنَ الْعَارِ تَهْرُبُ
٥١٩وَقَدْ يَتْرُكُ النَّفْسَ الَّتِي لَا تَهَابُهُ
وَيَخْتَرِمُ النَّفْسَ الَّتِي تَتَهَيَّبُ
٥٢٠وَمَا عَدِمَ اللَّاقُوكَ بَأْسًا وَشِدَّةً
وَلَكِنَّ مَنْ لَاقَوْا أَشَدُّ وَأَنْجَبُ
٥٢١ثَنَاهُمْ وَبَرْقُ الْبِيضِ فِي الْبَيْضِ صَادِقٌ
عَلَيْهِمْ وَبَرْقُ الْبَيْضِ فِي الْبيضِ خُلَّبُ
٥٢٢سَلَلْتَ سُيُوفًا عَلَّمَتْ كُلَّ خَاطِبٍ
عَلَى كُلِّ عُودٍ كَيْفَ يَدْعُو وَيَخْطُبُ
٥٢٣وَيُغْنِيكَ عَمَّا يَنْسُبُ النَّاسُ أَنَّهُ
إِلَيْكَ تَنَاهَى الْمَكْرُمَاتُ وَتُنْسَبُ
٥٢٤وَأَيُّ قَبِيلٍ يَسْتَحِفُّكَ قَدْرُهُ
مَعَدُّ بْنُ عَدْنَان فِدَاكَ وَيَعْرُبُ
٥٢٥وَمَا طَرَبِي لَمَّا رَأَيْتُكَ بِدْعَةً
لَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ أَرَاكَ فَأَطْرَبُ
٥٢٦وَتَعْذِلُنِي فِيكَ الْقَوَافِي وَهِمَّتِي
كَأَنِّي بِمَدْحٍ قَبْلَ مَدْحِكَ مُذْنِبُ
٥٢٧وَلَكِنَّهُ طَالَ الطَّرِيقُ وَلَمْ أَزَلْ
أُفَتِّشُ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ وَيُنْهَبُ
٥٢٨فَشَرَّقَ حَتَّى لَيْسَ لِلشَّرْقِ مَشْرِقٌ
وَغَرَّبَ حَتَّى لَيْسَ لِلْغَرْبِ مَغْرِبُ
٥٢٩إِذَا قُلْتُهُ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ وُصُولِهِ
جِدَارٌ مُعَلًّى أَوْ خِبَاءٌ مُطَنَّبُ
٥٣٠وقال يمدحه، وأنشده إياها في شوال سنة تسع وأربعين وثلاثمائة، وهي آخر ما أنشده، ولم يلقه بعدها:
مُنًى كُنَّ لِي أَنَّ الْبَيَاضَ خِضَابُ
فَيَخْفَى بِتَبْيِيضِ الْقُرُونِ شَبَابُ
٥٣١لِيَالِيَ عِنْدَ الْبِيضِ فَوْدَايَ فِتْنَةٌ
وَفَخْرٌ وَذَاكَ الْفَخْرُ عِنْدِيَ عَابُ
٥٣٢فَكَيْفَ أَذُمُّ الْيَوْمَ مَا كُنْتُ أَشْتَهِي
وَأَدْعُو بِمَا أَشْكُوهُ حِينَ أُجَابُ
٥٣٣جَلَا اللَّوْنُ عَنْ لَوْنٍ هَدَى كُلَّ مَسْلَكٍ
كَمَا انْجَابَ عَنْ ضَوْءِ النَّهَارِ ضَبَابُ
٥٣٤وَفِي الْجِسْمِ نَفْسٌ لَا تَشِيبُ بِشَيبِهِ
وَلَوَ انَّ مَا فِي الْوَجْهِ مِنْهُ حِرَابُ
٥٣٥لَهَا ظُفْرٌ إِنْ كَلَّ ظُفْرٌ أُعِدُّهُ
وَنَابٌ إِذَا لَمْ يَبْقَ فِي الْفَمِ نَابُ
٥٣٦يُغَيِّرُ مِنِّي الدِّهْرُ مَا شَاءَ غَيْرَهَا
وَأَبْلُغُ أَقْصَى الْعُمْرِ وَهْيَ كَعَابُ
٥٣٧وَإِنِّي لَنَجْمٌ تَهْتَدِي بِي صُحْبَتِي
إِذَا حَالَ مِنْ دُونِ النُّجُومِ سَحَابُ
٥٣٨غَنِيٌّ عَنِ الْأَوْطَانِ لَا يَسْتَفِزُّنِي
إِلَى بَلَدٍ سَافَرْتُ عَنْهُ إِيَابُ
٥٣٩وَعَنْ ذَمَلَانِ الْعِيسِ إِنْ سَامَحَتْ بِهِ
وَإِلَّا فَفِي أَكْوَارِهِنَّ عُقَابُ
٥٤٠وَأَصْدَى فَلَا أُبْدِي إِلَى الْمَاءِ حَاجَةً
وَلِلشَّمْسِ فَوْقَ الْيَعْمُلَاتِ لُعَابُ
٥٤١وَلِلسِّرِّ مِنِّي مَوْضِعٌ لَا يَنَالُهُ
نَدِيمٌ وَلَا يُفْضِي إِلَيْهِ شَرَابُ
٥٤٢وَلِلْخَوْدِ مِنِّي سَاعَةٌ ثُمَّ بَيْنَنَا
فَلَاةٌ إِلَى غَيْرِ اللِّقَاءِ تُجَابُ
٥٤٣وَمَا الْعِشْقُ إِلَّا غِرَّةٌ وَطَمَاعَةٌ
يُعَرِّضُ قَلْبٌ نَفْسَهُ فَيُصَابُ
٥٤٤وَغَيْرُ فُؤَادِي لِلْغَوَانِي رَمِيَّةٌ
وَغَيْرُ بَنَانِي لِلزُّجَاجِ رِكَابُ
٥٤٥تَرَكْنَا لِأَطْرَافِ الْقَنَا كُلَّ شَهْوَةٍ
فَلَيْسَ لَنَا إِلَّا بِهِنَّ لِعَابُ
٥٤٦نُصَرِّفُهُ لِلطَّعْنِ فَوْقَ حَوَادِرٍ
قَدِ انْقَصَفَتْ فِيهِنَّ مِنْهُ كِعَابُ
٥٤٧أَعَزُّ مَكَانٍ فِي الدُّنَى سَرْجُ سَابِحٍ
وَخَيْرُ جَلِيسٍ فِي الزَّمَانِ كِتَابُ
٥٤٨وَبَحْرٌ أَبُو الْمِسْكِ الْخِضَمُّ الَّذِي لَهُ
عَلَى كُلِّ بَحْرٍ زَخْرَةٌ وَعُبَابُ
٥٤٩تَجَاوَزَ قَدْرَ الْمَدْحِ حَتَّى كَأَنَّهُ
بِأَحْسَنِ مَا يُثْنَى عَلَيْهِ يُعَابُ
٥٥٠وَغَالَبَهُ الْأَعْدَاءُ ثُمَّ عَنَوْا لَهُ
كَمَا غَالَبَتْ بِيضَ السُّيُوفِ رِقَابُ
٥٥١وَأَكْثَرُ مَا تَلْقَى أَبَا الْمِسْكِ بِذْلَةً
إِذَا لَمْ تَصُنْ إِلَّا الْحَدِيدَ ثِيَابُ
٥٥٢وَأَوْسَعُ مَا تَلْقَاهُ صَدْرًا وَخَلْفَهُ
رِمَاءٌ وَطَعْنٌ وَالْأَمَامَ ضِرَابُ
٥٥٣وَأَنْفَذُ مَا تَلْقَاهُ حُكْمًا إِذَا قَضَى
قَضَاءً مُلُوكُ الْأَرْضِ مِنْهُ غِضَابُ
٥٥٤يَقُودُ إِلَيْهِ طَاعَةَ النَّاسِ فَضْلُهُ
وَلَوْ لَمْ يَقُدْهَا نَائِلٌ وَعِقَابُ
٥٥٥أَيَا أَسَدًا فِي جِسْمِهِ رُوحُ ضَيْغَمٍ
وَكَمْ أُسُدٍ أَرْوَاحُهُنَّ كِلَابُ
٥٥٦وَيَا آخِذًا مِنْ دَهْرِهِ حَقَّ نَفْسِهِ
وَمِثْلُكَ يُعْطَى حَقَّهُ وَيُهَابُ
٥٥٧لَنَا عِنْدَ هَذَا الدَّهْرِ حَقٌّ يَلُطُّهُ
وَقَدْ قَلَّ إِعْتَابٌ وَطَالَ عِتَابُ
٥٥٨وَقَدْ تُحْدِثُ الْأَيَّامُ عِنْدَكَ شِيمَةً
وَتَنْعَمِرُ الْأَوْقَاتُ وَهْيَ يَبَابُ
٥٥٩وَلَا مُلْكَ إِلَّا أَنْتَ وَالْمُلْكُ فَضْلَةٌ
كَأَنَّكَ سَيْفٌ فِيهِ وَهْوَ قِرَابُ
٥٦٠أَرَى لِي بِقُرْبِي مِنْكَ عَيْنًا قَرِيرَةً
وَإِنْ كَانَ قُرْبًا بِالْبِعَادِ يُشَابُ
٥٦١وَهَلْ نَافِعِي أَنْ تُرْفَعَ الْحُجْبُ بَيْنَنَا
وَدُونَ الَّذِي أَمَّلْتُ مِنْكَ حِجَابُ
٥٦٢أُقِلُّ سَلَامِي حُبَّ مَا خَفَّ عَنْكُمُ
وَأَسْكُتُ كَيْمَا لَا يَكُونَ جَوَابُ
٥٦٣وَفِي النَّفْسِ حَاجَاتٌ وَفِيكَ فَطَانَةٌ
سُكُوتِي بَيَانٌ عِنْدَهَا وَخِطَابُ
٥٦٤وَمَا أَنَا بِالْبَاغِي عَلَى الْحُبِّ رِشْوَةً
ضَعِيفٌ هَوًى يُبْغَى عَلَيْهِ ثَوَابُ
٥٦٥وَمَا شِئْتُ إِلَّا أَنْ أَدُلَّ عَوَاذِلِي
عَلَى أَنَّ رَأْيِي فِي هَوَاكَ صَوَابُ
٥٦٦وَأُعْلِمَ قَوْمًا خَالَفُونِي فَشَرَّقُوا
وَغَرَّبْتُ أَنِّي قَدْ ظَفِرْتُ وَخَابُوا
٥٦٧جَرَى الْخُلْفُ إِلَّا فِيكَ أَنَّكَ وَاحِدٌ
وَأَنَّكَ لَيْثٌ وَالْمُلُوكُ ذِئَابُ
٥٦٨وَأَنَّكَ إِنْ قُويِسْتَ صَحَّفَ قَارِئٌ
ذِئَابًا وَلَمْ يُخْطِئْ فَقَالَ ذُبَابُ
٥٦٩وَإِنَّ مَدِيحَ النَّاسِ حَقٌّ وَبَاطِلٌ
وَمَدْحُكَ حَقٌّ لَيْسَ فِيهِ كِذَابُ
٥٧٠إِذَا نِلْتُ مِنْكَ الْوُدَّ فَالْمَالُ هَيِّنٌ
وَكُلُّ الَّذِي فَوْقَ التُّرَابِ تُرَابُ
وَمَا كُنْتُ لَوْلَا أَنْتَ إِلَّا مُهَاجِرًا
لَهُ كُلَّ يَوْمٍ بَلْدَةٌ وَصِحَابُ
٥٧١وَلَكِنَّكَ الدُّنْيَا إِلَيَّ حَبِيبَةً
فَمَا عَنْكَ لِي إِلَّا إِلَيْكَ ذَهَابُ
٥٧٢ومرَّ في صِباه برجلين قد قتلا جرذًا وأبرزاه يُعجبان الناس من كِبَره فقال:
لَقَدْ أَصْبَحَ الْجُرَذُ الْمُسْتَغِيرُ
أَسِيرَ الْمَنَايَا صَرِيعَ الْعَطَبْ
٥٧٣رَمَاهُ الْكِنَانِيُّ وَالْعَامِرِيُّ
وَتَلَّاهُ لِلْوَجْهِ فِعْلَ الْعَرَبْ
٥٧٤كِلَا الرَّجُلَيْنِ اتَّلَا قَتْلَهُ
فَأَيُّكُمَا غَلَّ حُرَّ السَّلَبْ
٥٧٥وَأَيُّكُمَا كَانَ مِنْ خَلْفِهِ
فَإِنَّ بِهِ عَضَّةً فِي الذَّنَبْ
وقال يهجو ضبة بن يزيد العتبي:
٥٧٦مَا أَنْصَفَ الْقَوْمُ ضَبَّهْ
وَأُمُّهُ الطُّرْطُبَّهْ
٥٧٧رَمَوْا بِرَأْسِ أَبِيهِ
وَبَاكَوُا الْامَّ غُلُبَّهْ
٥٧٨فَلَا بِمَنْ مَاتَ فَخْرٌ
وَلَا بِمَنْ نِيكَ رَغْبَهْ
٥٧٩وَإِنَّمَا قُلْتُ مَا قُلـْ
ـتُ رَحْمَةً لَا مَحَبَّهْ
٥٨٠وَحِيلَةً لَكَ حَتَّى
عُذِرْتَ لَوْ كُنْتَ تِيبَهْ
٥٨١وَمَا عَلَيْكَ مِنَ الْقَتـْ
ـلِ إِنَّمَا هِيَ ضَرْبَهْ
٥٨٢وَمَا عَلَيْكَ مِنَ الْغَدْ
رِ إِنَّمَا هُوَ سُبَّهْ
٥٨٣وَمَا عَلَيْكَ مِنَ الْعَا
رِ إِنَّ أُمَّكَ قَحْبَهْ
٥٨٤وَمَا يَشُقُّ عَلَى الْكَلـْ
ـبِ أَنْ يَكُونَ ابْنَ كَلْبَهْ
مَا ضَرَّهَا مَنْ أَتَاهَا
وَإِنَّمَا ضَرَّ صُلْبَهْ
وَلَمْ يَنِكْهَا وَلَكِنْ
عِجَانُهَا نَاكَ زُبَّهْ
٥٨٥يَلُومُ ضَبَّةَ قَوْمٌ
وَلَا يَلُومُونَ قَلْبَهْ
وَقَلْبُهُ يَتَشَهَّى
وَيُلْزِمُ الْجِسْمَ ذَنْبَهْ
لَوْ أَبْصَرَ الْجِذْعَ شَيْئًا
أَحَبَّ فِي الْجِذْعِ صَلْبَهْ
٥٨٦يَا أَطْيَبَ النَّاسِ نَفْسًا
وَأَلْيَنَ النَّاسِ رُكْبَهْ
٥٨٧وَأَخْبَثَ النَّاسِ أَصْلًا
فِي أَخْبَثِ الْأَرْضِ تُرْبَهْ
وَأَرْخَصَ النَّاسِ أُمًّا
تَبِيعُ أَلْفًا بِحَبَّهْ
كُلُّ الْفُعُولِ سِهَامٌ
لِمَرْيَمٍ وَهْيَ جَعْبَهْ
٥٨٨وَمَا عَلَى مَنْ بِهِ الدَّا
ءُ مِنْ لِقَاءِ الْأَطِبَّهْ
٥٨٩وَلَيْسَ بَيْنَ هَلُوكٍ
وَحُرَّةٍ غَيْرُ خِطْبَهْ
٥٩٠يَا قَاتِلًا كُلَّ ضَيْفٍ
غَنَاهُ ضَيْحٌ وَعُلْبَهْ
٥٩١وَخَوْفُ كُلِّ رَفِيقٍ
أَبَاتَكَ اللَّيْلُ جَنْبَهْ
٥٩٢كَذَا خُلِقْتَ وَمَنْ ذَا الـ
ـذِي يُغَالِبُ رَبَّهْ
٥٩٣وَمَنْ يُبَالِي بِذَمٍّ
إِذَا تَعَوَّدَ كَسْبَهْ
أَمَا تَرَى الْخَيْلَ فِي النَّخـْ
ـلِ سُرْبَةً بَعْدَ سُرْبَهْ
٥٩٤عَلَى نِسَائِكَ تَجْلُو
فَعُولَهَا مُنْذُ سَنْبَهْ
٥٩٥وَهُنَّ حَوْلَكَ يَنْظُرْ
نَ وَالْأُحَيْرَاحُ رَطْبَهْ
٥٩٦وَكُلُّ غُرْمُولِ بَغْلٍ
يَرَيْنَ يَحْسُدْنَ قُنْبَهْ
٥٩٧فَسَلْ فُؤَادَكَ يَا ضَبَّ
أَيْنَ خَلَّفَ عُجْبَهْ
٥٩٨وَإِنْ يَخُنْكَ لَعَمْرِي
لَطَالَمَا خَانَ صَحْبَهْ
٥٩٩وَكَيْفَ تَرْغَبُ فِيهِ
وَقَدْ تَبَيَّنْتَ رُعْبَهْ
٦٠٠مَا كُنْتَ إِلَّا ذُبَابًا
نَفَتْكَ عَنَّا مِذَبَّهْ
٦٠١وَكُنْتَ تَفْخَرُ تِيهًا
فَصِرْتَ تَضْرِطُ رَهْبَهْ
وَإِنْ بَعُدْنَا قَلِيلًا
حَمَلْتَ رُمْحًا وَحَرْبَهْ
٦٠٢وَقُلْتَ لَيْتَ بِكَفِّي
عِنَانَ جَرْدَاءَ شَطْبَهْ
٦٠٣إِنْ أَوْحَشَتْكَ الْمَعَالِي
فَإِنَّهَا دَارُ غُرْبَهْ
٦٠٤أَوْ آنَسَتْكَ الْمَخَازِي
فَإِنَّهَا لَكَ نِسْبَهْ
٦٠٥وَإِنْ عَرَفْتَ مُرَادِي
تَكَشَّفَتْ عَنْكَ كُرْبَهْ
٦٠٦وَإِنْ جَهِلْتَ مُرَادِي
فَإِنَّهُ بِكَ أَشْبَهْ
٦٠٧وقال يعزي أبا شجاع عضد الدولة بِعَمَّتِه، وقد توفيت ببغداد:
آخِرُ مَا المَلْكُ مُعَزًّى بِهِ
هَذَا الَّذِي أَثَّرَ في قلْبِهِ
٦٠٨لَا جَزَعًا بَلْ أَنَفًا شَابَهُ
أَنْ يَقْدِرَ الدَّهْرُ عَلَى غَصْبِه
٦٠٩لَوْ دَرَتِ الدُّنْيَا بِمَا عِنْدَهُ
لَاسْتَحْيَتِ الأَيَّامُ مِنْ عَتْبِهِ
٦١٠لَعَلَّهَا تَحْسَبُ أَنَّ الَّذِي
لَيْسَ لَدَيْهِ لَيْسَ مِنْ حِزْبِه
٦١١وَأَنَّ مَنْ بَغْدَادُ دَارٌ لَهُ
لَيْسَ مُقِيمًا فِي ذَرَى عَضْبِه
٦١٢وَأَنَّ جَدَّ الْمَرْءِ أَوْطَانُهُ
مَنْ لَيْسَ مِنْهَا لَيْسَ مِنْ صُلْبِه
٦١٣أَخَافُ أَنْ تَفْطُنَ أَعْدَاؤُهُ
فَيُجْفِلُوا خَوْفًا إِلَى قُرْبِه
٦١٤لَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ مِنْ ضَجْعَةٍ
لَا تَقْلِبُ الْمُضْجَعَ عَنْ جَنْبِه
٦١٥يَنْسَى بِهَا مَا كَانَ مِنْ عُجْبِه
وَمَا أَذَاقَ الْمَوْتُ مِنْ كَرْبِه
٦١٦نَحْنُ بَنُو الْمَوْتَى فَمَا بَالُنَا
نَعَافُ مَا لَا بُدَّ مِنْ شُرْبِه
٦١٧تَبْخَلُ أَيْدِيَنَا بِأَرْوَاحِنَا
عَلَى زَمَانٍ هِيَ مِنْ كَسْبِه
٦١٨فَهَذِهِ الْأَرْوَاحُ مِنْ جَوِّهِ
وَهَذِهِ الْأَجْسَامُ مِنْ تُرْبِه
٦١٩لَوْ فَكَّرَ الْعَاشِقُ فِي مُنْتَهَى
حُسْنِ الَّذِي يَسْبِيهِ لَمْ يَسْبِه
٦٢٠لَمْ يُرَ قَرْنُ الشَّمْسِ فِي شَرْقِهِ
فَشَكَّتِ الْأَنْفُسُ فِي غَرْبِه
٦٢١يَمُوتُ رَاعِي الضَّأْنِ فِي جَهْلِهِ
مَوْتَةَ جَالِينُوسَ فِي طِبِّه
٦٢٢وَرُبَّمَا زَادَ عَلَى عُمْرِهِ
وَزَادَ فِي الْأَمْنِ عَلَى سِرْبِه
٦٢٣وَغَايَةُ الْمُفْرِطِ فِي سِلْمِهِ
كَغَايَةِ الْمُفْرِطِ فِي حَرْبِه
٦٢٤فَلَا قَضَى حَاجَتَهُ طَالِبٌ
فُؤَادُهُ يَخْفِقُ مِنْ رُعْبِه
٦٢٥أَسْتَغْفِرُ اللهَ لِشَخْصٍ مَضَى
كَانَ نَدَاهُ مُنْتَهَى ذَنْبِه
٦٢٦وَكَانَ مَنْ عَدَّدَ إِحْسَانَهُ
كَأَنَّهُ أَفْرَطَ فِي سَبِّه
٦٢٧يُرِيدُ مِنْ حُبِّ الْعُلَى عَيْشَهُ
وَلَا يُرِيدُ الْعَيْشَ مِنْ حُبِّه
٦٢٨يَحْسَبُهُ دَافِنُهُ وَحْدَهُ
وَمَجْدُهُ فِي الْقَبْرِ مِنْ صَحْبِه
٦٢٩وَيُظْهَرُ التَّذْكِيرُ فِي ذِكْرِهِ
وَيُسْتَرُ التَّأْنِيثُ فِي حُجْبِهِ
٦٣٠أُخْتُ أَبِي خَيْر أَمِيرٍ دَعَا
فَقَالَ جَيْشٌ لِلْقَنَا لَبِّهِ
٦٣١يَا عَضُدَ الدَّوْلَةِ مَنْ رُكْنُهَا
أَبُوهُ وَالْقَلْبُ أَبُو لُبِّهِ
٦٣٢وَمَنْ بَنُوهُ زَيْنُ آبَائِهِ
كَأَنَّهَا النَّوْرُ عَلَى قُضْبِهِ
٦٣٣فَخْرًا لِدَهْرٍ أَنْتَ مِنْ أَهْلِهِ
وَمُنْجِبٍ أَصْبَحْتَ مِنْ عَقْبِهِ
٦٣٤إِنَّ الْأَسَى الْقِرْنُ فَلَا تُحْيِهِ
وَسَيْفُكَ الصَّبْرُ فَلَا تُنْبِهِ
٦٣٥مَا كَانَ عِنْدِي أَنَّ بَدْرَ الدُّجَى
يُوحِشُهُ الْمَفْقُودُ مِنْ شُهْبِهِ
٦٣٦حَاشَاكَ أَنْ تَضْعُفَ عَنْ حَمْلِ مَا
تَحَمَّلَ السَّائِرُ فِي كُتْبِهِ
٦٣٧وَقَدْ حَمَلْتَ الثِّقْلَ مِنْ قَبْلِهِ
فَأَغْنَتِ الشِّدَّةُ عَنْ سَحْبِهِ
٦٣٨يَدْخُلُ صَبْرُ الْمَرْءِ فِي مَدْحِهِ
وَيَدْخُلُ الْإِشْفَاقُ فِي ثَلْبِهِ
٦٣٩مِثْلُكَ يَثْنِي الْحُزْنَ عَنْ صَوْبِهِ
وَيَسْتَرِدُّ الدَّمْعَ عَنْ غَرْبِهِ
٦٤٠إِيمَا لِإِبْقَاءٍ عَلَى فَضْلِهِ
إِيمَا لِتَسْلِيمٍ إِلَى رَبِّهِ
٦٤١وَلَمْ أَقُلْ مِثْلُكَ أَعْنِي بِهِ
سِوَاكَ يَا فَرْدًا بِلَا مُشْبِهِ
٦٤٢وقال في صباه يهجو القاضي الذهبي:
لَمَّا نُسِبْتَ فَكُنْتَ ابْنًا لِغَيْرِ أَبٍ
ثُمَّ امْتُحِنْتَ فَلَمْ تَرْجِعْ إِلَى أَدَبِ
سُمِّيتَ بِالذَّهَبِيِّ الْيَوْمَ تَسْمِيَةً
مُشْتَقَّةً مِنْ ذَهَابِ الْعَقْلِ لَا الذَّهَبِ
٦٤٣مُلَقَّبٌ بِكَ مَا لُقِّبْتَ وَيْكَ بِهِ
يَا أَيُّهَا اللَّقَبُ الْمُلْقَى عَلَى اللَّقَبِ
٦٤٤وقال يهجو وردان بن ربيعة الطائي، وقد كان أبو الطيب نزل به في أرض حِسْمَى منصرفه من مصر؛ فاستغوى وردان عبيد أبي الطيب، فجعلوا يسرقون له من أمتعته؛ فلما شعر أبو الطيب بذلك ضرب أحد عبيده بالسيف فأصاب وجهه، وأمر الغلمان فأجهزوا عليه:
لَحَا اللهُ وَرْدَانًا وَأُمَّا أَتَتْ بِهِ
لَهُ كَسْبُ خِنْزِيرٍ وَخُرْطُومُ ثَعْلَبِ
٦٤٥فَمَا كَانَ فِيهِ الْغَدْرُ إِلَّا دَلَالَةً
عَلَى أَنَّهُ فِيهِ مِنَ الْأُمِّ وَالْأَبِ
٦٤٦إِذَا كَسَبَ الْإِنْسَانُ مِنْ هَنِ عِرْسِهِ
فَيَا لُؤْمَ إِنْسَانٍ وَيَا لُؤْمَ مَكْسَبِ
٦٤٧أَهَذَا اللَّذَيَّا بِنْتُ وَرْدَانَ بِنْتُهُ
هُمَا الطَّالِبَانِ الرِّزْقَ مِنْ شَرِّ مَطْلَبِ
٦٤٨لَقَدْ كُنْتُ أَنْفِي الْغَدْرَ عَنْ تُوسِ طَيِّئٍ
فَلَا تَعْذِلَانِي رُبَّ صِدْقٍ مُكَذَّبِ
قافية التاء
وأنفذ إليه سيف الدولة قول الشاعر:
رَأَى خَلَّتِي مِنْ حَيْثُ يَخْفَى مَكَانُهَا
فَكَانَتْ قَذَى عَيْنَيْهِ حَتَّى تَجَلَّتِ
١وسأله إجازته، فقال أبو الطيب والرسول واقف ارتجالًا:
لَنَا مَلِكٌ لَا يَطْعَمُ النَّوْمَ هَمُّهُ
مَمَاتٌ لِحَيٍّ أَوَ حَيَاةٌ لِمَيِّتِ
٢وَيَكْبُرُ أَنْ تَقْذَى بِشَيْءٍ جُفُونُهُ
إِذَا مَا رَأَتْهُ خَلَّةٌ بِكَ فَرَّتِ
٣جَزَى اللهُ عَنِّي سَيْفَ دَوْلَةِ هَاشِمٍ
فَإِنَّ نَدَاهُ الْغَمْرَ سَيْفِي وَدَوْلَتِي
٤وقال في صباه عند وداعه بعض الأمراء:
اُنْصُرْ بِجُودِكَ أَلْفَاظًا تَرَكْتُ بِهَا
فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ مَنْ عَادَاكَ مَكْبُوتَا
٥فَقَدْ نَظَرْتُكَ حَتَّى حَانَ مُرْتَحَلِي
وَذَا الْوَدَاعُ فَكُنْ أَهْلًا لِمَا شِيتَا
٦وقال مرتجلًا يَمدح بدر بن عمار بن إسماعيل الأسدي:
فَدَتْكَ الْخَيْلُ وَهْيَ مُسَوَّمَاتُ
وَبِيضُ الْهِنْدِ وَهْيَ مُجَرَّدَاتُ
٧وَصَفْتُكَ فِي قَوافٍ سَائِرَاتٍ
وَقَدْ بَقِيَتْ وَإِنْ كَثُرَتْ صِفَاتُ
٨أَفَاعِيلُ الْوَرَى مِنْ قَبْلُ دُهْمٌ
وَفِعْلُكَ فِي فِعَالِهِمِ شِيَاتُ
٩وقال يمدح أبا أيوبَ أحمدَ بن عمران:
سِرْبٌ مَحَاسِنُهُ حُرِمْتُ ذَوَاتِهَا
دَانِي الصِّفَاتِ بَعِيدُ مَوْصُوفَاتِهَا
١٠أَوْفَى فَكُنْتُ إِذَا رَمَيْتُ بِمُقْلَتِي
بَشَرًا رَأَيْتُ أَرَقَّ مِنْ عَبَرَاتِهَا
١١يَسْتَاقُ عِيسَهُمُ أَنِينِي خَلْفَهَا
تَتَوَهَّمُ الزَّفَرَاتِ زَجْرَ حُدَاتِهَا
١٢وَكَأَنَّهَا شَجَرٌ بَدَتْ لَكِنَّهَا
شَجَرٌ جَنَيْتُ الْمَوْتَ مِنْ ثَمَرَاتِهَا
١٣لَا سِرْتِ مِنْ إِبِلٍ لَوْ انِّي فَوْقَهَا
لَمَحَتْ حَرَارَةَ مَدْمَعَيَّ سِمَاتِهَا
١٤وَحَمَلْتُ مَا حُمِّلْتِ مِنْ هَذِي الْمَهَا
وَحَمَلْتِ مَا حُمِّلْتُ مِنْ حَسَرَاتِهَا
١٥إِنِّي عَلَى شَغَفِي بِمَا فِي خُمْرِهَا
لَأَعَفُّ عَمَّا فِي سَرَاوِيلَاتِهَا
١٦وَتَرَى الْفُتُوَّةَ وَالْمُرُوَّةَ وَالْأُبُوَّ
ةَ فِيَّ كُلُّ مَلِيحَةٍ ضَرَّاتِهَا
١٧هُنَّ الثَّلَاثُ الْمَانِعَاتِ لَذَّتِي
فِي خَلْوَتِي لَا الْخَوْفُ مِنْ تَبِعَاتِهَا
١٨وَمَطَالِبٍ فِيهَا الْهَلَاكُ أَتَيْتُهَا
ثَبْتَ الْجَنَانِ كَأَنَّنِي لَمْ آتِهَا
١٩وَمَقَانِبٍ بِمَقَانِبٍ غَادَرْتُهَا
أَقْوَاتَ وَحْشٍ كُنَّ مِنْ أَقْوَاتِهَا
٢٠أَقْبَلْتُهَا غُرَرَ الْجِيَادِ كَأَنَّمَا
أَيْدِي بَنِي عِمْرَانَ فِي جَبَهَاتِهَا
٢١الثَّابِتِينَ فُرُوسَةً كَجُلُودِهَا
فِي ظَهْرِهَا وَالطَّعْنُ فِي لَبَّاتِهَا
٢٢الْعَارِفِينَ بِهَا كَمَا عَرَفْتُهُمُ
وَالرَّاكِبِينَ جُدُودُهُمْ أُمَّاتِهَا
٢٣فَكَأَنَّمَا نُتِجَتْ قِيَامًا تَحْتَهُمْ
وَكَأَنَّهُمْ وُلِدُوا عَلَى صَهَوَاتِهَا
٢٤إِنَّ الْكِرَامَ بِلَا كِرَامٍ مِنْهُمُ
مِثْلُ الْقُلُوبِ بِلَا سُوَيْدَاوَاتِهَا
٢٥تِلْكَ النُّفُوسُ الْغَالِبَاتُ عَلَى الْعُلَى
وَالْمَجْدُ يَغْلِبُهَا عَلَى شَهَوَاتِهَا
٢٦سُقِيَتْ مَنَابِتُهَا الَّتِي سَقَتِ الْوَرَى
بِيَدَيْ أَبِي أَيُّوبَ خَيْرِ نَبَاتِهَا
٢٧لَيْسَ التَّعَجُّبُ مِنْ مَوَاهِبِ مَالِهِ
بَلْ مِنْ سَلَامَتِهَا إِلَى أَوْقَاتِهَا
٢٨عَجَبًا لَهُ حَفِظَ الْعِنَانَ بِأَنْمُلٍ
مَا حِفْظُهَا الْأَشْيَاءَ مِنْ عَادَاتِهَا
٢٩لَو مَرَّ يَرْكُضُ فِي سُطُورِ كِتَابَةٍ
أَحْصَى بِحَافِرِ مُهْرِهِ مِيمَاتِهَا
٣٠يَضَعُ السِّنَانَ بِحَيْثُ شَاءَ مُجَاوِلًا
حَتَّى مِنَ الآذَانِ فِي أُخْرَاتِهَا
٣١تَكْبُو وَرَاءَكَ يَا ابْنَ أَحْمَدَ قُرَّحٌ
لَيْسَتْ قَوَائِمُهُنَّ مِنْ آلَاتِهَا
٣٢رِعَدُ الْفَوَارِسِ مِنْكَ فِي أَبْدَانِهَا
أَجْرَى مِنَ الْعَسَلَانِ فِي قَنَوَاتِهَا
٣٣لَا خَلْقَ أَسْمَحُ مِنْكَ إِلَّا عَارِفٌ
بِكَ رَاءَ نَفْسَكَ لَمْ يَقُلْ لَكَ هَاتِهَا
٣٤غَلِتَ الَّذِي حَسَبَ الْعُشُورَ بِآيَةٍ
تَرْتِيلُكَ السُّورَاتِ مِنْ آيَاتِهَا
٣٥كَرَمٌ تَبَيَّنَ فِي كَلَامِكَ مَاثِلًا
وَيَبِينُ عِتْقُ الْخَيْلِ فِي أَصْوَاتِهَا
٣٦أَعْيَا زَوَالُكَ عَنْ مَحَلٍّ نِلْتَهُ
لَا تَخْرُجُ الْأَقْمَارُ عَنْ هَالَاتِهَا
٣٧لَا نَعْذِلُ الْمَرَضَ الَّذِي بِكَ شَائِقٌ
أَنْتَ الرِّجَالَ وَشَائِقٌ عِلَّاتِهَا
٣٨فَإِذَا نَوَتْ سَفَرًا إِلَيْكَ سَبَقْنَهَا
فَأَضَفْتَ قَبْلَ مُضَافِهَا حَالَاتِهَا
٣٩وَمَنَازِلُ الْحُمَّى الْجُسُومُ فَقُلْ لَنَا
مَا عُذْرُهَا فِي تَرْكِهَا خَيْرَاتِهَا
٤٠وَمَنَازِلُ الْحُمَّى الْجَسُومُ فَقُلْ لَنَا
مَا عُذْرُهَا فِي تَرْكِهَا خَيْرَاتِهَا
٤١أَعْجَبْتَهَا شَرَفًا فَطَالَ وُقُوفُهَا
لِتَأَمُّلِ الْأَعْضَاءِ لَا لِأَذَاتِهَا
٤٢وَبَذَلْتَ مَا عَشِقَتْهُ نَفْسُكَ كُلَّهُ
حَتَّى بَذَلْتَ لِهَذِهِ صِحَّاتِهَا
٤٣حَقُّ الْكَوَاكِبِ أَنْ تَزُورَكَ مِنْ عَلٍ
وَتَعُودَكَ الآسَادُ مِنْ غَابَاتِهَا
٤٤وَالْجِنُّ مِنْ سُتُرَاتِهَا وَالْوَحْشُ مِنْ
فَلَوَاتِهَا وَالطَّيْرُ مِنْ وُكْنَاتِهَا
٤٥ذُكِرَ الْأَنَامُ لَنَا فَكَانَ قَصِيدَةً
كُنْتَ الْبَدِيعَ الْفَرْدَ مِنْ أَبْيَاتِهَا
٤٦فِي النَّاسِ أَمْثِلَةٌ تَدُورُ حَيَاتُهَا
كَمَمَاتِهَا وَمَمَاتُهَا كَحَيَاتِهَا
٤٧هِبْتُ النِّكَاحَ حِذَارَ نَسْلٍ مِثْلِهَا
حَتَّى وَفَرْتُ عَلَى النِّسَاءِ بَنَاتِهَا
٤٨فَالْيَوْمَ صِرْتُ إِلَى الَّذِي لَوْ أَنَّهُ
مَلَكَ الْبَرِيَّةَ لَاسْتَقَلَّ هِبَاتِهَا
٤٩مُسْتَرْخَصٌ نَظَرٌ إِلَيْهِ بِمَا بِهِ
نَظَرَتْ وَعَثْرَةُ رِجْلِهِ بِدِيَاتِهَا
٥٠قافية الحاء
وقال يعتذر إليه، وقد تأخر مدحه عنه، فظن أنه عاتب عليه:
أَدْنَى ابْتِسَامٍ مِنْكَ تَحْيَا الْقَرَائِحُ
وَتَقْوَى مِنَ الْجِسْمِ الضَّعِيفِ الْجَوَارِحُ
١وَمَنْ ذَا الَّذْيِ يَقْضِي حُقُوقَكَ كُلَّهَا
وَمَنْ ذَا الَّذِي يُرْضِي سِوَى مَنْ تُسَامِحُ
٢وَقَدْ تَقْبَلُ الْعُذْرَ الْخَفِيَّ تَكَرُّمًا
فَمَا بَالُ عُذْرِي وَاقِفًا وَهْوَ وَاضِحُ
٣وَإِنَّ مُحَالًا — إِذْ بِكَ الْعَيْشُ — أَنْ أُرَى
وَجِسْمُكَ مُعْتَلٌّ وَجِسْمِيَ صَالِحُ
٤وَمَا كَانَ تَرْكِي الشِّعْرَ إِلَّا لِأَنَّهُ
تُقَصِّرُ عَنْ وَصْفِ الْأَمِيرِ الْمَدَائِحُ
وقال في صباه، وقد بُلِّغ عن قوم كلامًا:
أَنَا عَيْنُ الْمُسَوَّدِ الْجَحْجَاحِ
هَيَّجَتْنِي كِلَابُكُمْ بِالنُّبَاحِ
٥أَيَكُونُ الْهِجَانُ غَيْرَ هِجَانٍ
أَمْ يَكُونُ الصُّرَاحُ غَيْرَ صُرَاحِ
٦جَهِلُونِي وَإِنْ عَمَرْتُ قَلِيلًا
نَسَبَتْنِي لَهُمْ رُءُوسُ الرِّمَاحِ
٧وقال يمدح مساور بن محمد الرومي:
جَلَلًا كَمَا بِي فَلْيَكُ التَّبْرِيحُ
أَغِذَاءُ ذَا الرَّشَإِ الْأَغَنِّ الشِّيحُ
٨لَعِبَتْ بِمِشْيَتِهِ الشَّمُولُ وَغَادَرَتْ
صَنَمًا مِنَ الْأَصْنَامِ لَوْلَا الرُّوحُ
٩مَا بَالُهُ لَاحَظْتُهُ فَتَضَرَّجَتْ
وَجَنَاتُهُ وَفُؤَادِيَ الْمَجْرُوحُ
١٠وَرَمَى وَمَا رَمَتَا يَدَاهُ فَصَابَنِي
سَهْمٌ يُعَذِّبُ وَالسِّهَامُ تُرِيحُ
١١قَرُبَ الْمَزَارُ وَلَا مَزَارَ وَإِنَّمَا
يَغْدُو الْجَنَانُ فَنَلْتَقِي وَيَرُوحُ
١٢وَفَشَتْ سَرَائِرُنَا إِلَيْكَ وَشَفَّنَا
تَعْرِيضُنَا فَبَدَا لَكَ التَّصْرِيحُ
١٣لَمَا تَقَطَّعَتِ الْحُمُولُ تَقَطَّعَتْ
نَفْسِي أَسًى وَكَأَنَّهُنَّ طُلُوحُ
١٤وَجَلَا الْوَدَاعُ مِنَ الْحَبِيبِ مَحَاسِنًا
حُسْنُ الْعَزَاءِ وَقَدْ جُلِينَ قَبِيحُ
١٥فَيَدٌ مُسَلِّمَةٌ وَطَرْفٌ شَاخِصٌ
وَحَشًى يَذُوبُ وَمَدْمَعٌ مَسْفُوحُ
١٦يَجِدُ الْحَمَامُ وَلَوْ كَوَجْدِي لَانْبَرَى
شَجَرُ الْأَرَاكِ مَعَ الْحَمَامِ يَنُوحُ
١٧وَأَمَقَّ لَوْ خَدَتِ الشَّمَالُ بِرَاكِبٍ
فِي عَرْضِهِ لَأَنَاخَ وَهْيَ طَلِيحُ
١٨نَازَعْتُهُ قُلَصَ الرِّكَابِ وَرَكْبُهَا
خَوْفُ الْهَلَاكِ حُدَاهُمُ التَّسْبِيحُ
١٩لَوْلَا الْأَمِينُ مُسَاوِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ
مَا جُشِّمَتْ خَطَرًا وَرُدَّ نَصِيحُ
٢٠وَمَتَى وَنَتْ وَأَبُو الْمُظَفَّرِ أَمُّهَا
فَأَتَاحَ لِي وَلَهَا الْحِمَامَ مُتِيحُ
٢١شِمْنَا وَمَا حُجِبَ السَّمَاءُ بُرُوقَهُ
وَحَرًى يَجُودُ وَمَا مَرَتْهُ الرِّيحُ
٢٢مَرْجُوُّ مَنْفَعَةٍ مَخُوفُ أَذِيَّةٍ
مَغْبُوقُ كَاسِ مَحَامِدٍ مَصْبُوحُ
٢٣حَنِقٌ عَلَى بَدْرِ اللُّجَيْنِ وَمَا أَتَتْ
بِإِسَاءَةٍ وَعَنِ الْمُسِيءِ صَفُوحُ
٢٤لَوْ فُرِّقَ الْكَرَمُ الْمُفَرِّقُ مَالَهُ
فِي النَّاسِ لَمْ يَكُ فِي الزَّمَانِ شَحِيحُ
٢٥أَلَغَتْ مَسَامِعُهُ الْمَلَامَ وَغَادَرَتْ
سِمَةً عَلَى أَنْفِ اللِّئَامِ تَلُوحُ
٢٦هَذَا الَّذِي خَلَتِ الْقُرُونُ وِذِكْرُهُ
وَحَدِيثُهُ فِي كُتْبِهَا مَشْرُوحُ
٢٧أَلْبَابُنَا بِجَمَالِهِ مَبْهُورَةٌ
وَسَحَابُنَا بِنَوَالِهِ مَفْضُوحُ
٢٨يَغْشَى الطِّعَانَ فَلَا يَرُدُّ قَنَاتَهُ
مَكْسُورَةً وَمِنَ الْكُمَاةِ صَحِيحُ
٢٩وَعَلَى التُّرَابِ مِنَ الدِّمَاءِ مَجَاسِدٌ
وَعَلَى السَّمَاءِ مِنَ الْعَجَاجِ مُسُوحُ
٣٠•••
يَخْطُو الْقَتِيلُ إِلَى الْقَتِيلِ أَمَامَهُ
رَبُّ الْجَوَادِ وَخَلْفَهُ الْمَبْطُوحُ
٣١فَمَقِيلُ حُبِّ مُحِبِّهِ فَرِحٌ بِهِ
وَمَقِيلُ غَيْظِ عَدُوِّهِ مَقْرُوحُ
٣٢يُخْفِي الْعَدَاوَةَ وَهْيَ غَيْرُ خَفِيَّةٍ
نَظَرُ الْعَدُوِّ بِمَا أَسَرَّ يَبُوحُ
٣٣يَا ابْنَ الَّذِي مَا ضَمَّ بُرْدٌ كَابْنِهِ
شَرَفًا وَلَا كَالْجَدِّ ضَمَّ ضَرِيحُ
٣٤نَفْدِيكَ مِنْ سَيْلٍ إِذَا سُئِلَ النَّدَى
هَوْلٍ إِذَا اخْتَلَطَا دَمٌ وَمَسِيحُ
٣٥لَوْ كُنْتَ بَحْرًا لَمْ يَكُنْ لَكَ سَاحِلٌ
أَوْ كُنْتَ غَيْثًا ضَاقَ عَنْكَ اللُّوحُ
٣٦وَخَشِيتُ مِنْكَ عَلَى الْبِلَادِ وَأَهْلِهَا
مَا كَانَ أَنْذَرَ قَوْمَ نُوحٍ نُوحُ
٣٧عَجْزٌ بِحُرٍّ فَاقَةٌ وَوَرَاءَهُ
رِزْقُ الْإِلَه وَبَابُكَ الْمَفْتُوحُ
٣٨إِنَّ الْقَرِيضَ شَجٍ بِعِطْفِي عَائِذٌ
مِنْ أَنْ يَكُونَ سِوَاءَكَ الْمَمْدُوحُ
٣٩وَذَكِيُّ رَائِحَةِ الرِّيَاضِ كَلَامُهَا
تَبْغِي الثَّنَاءَ عَلَى الْحَيَا فَتَفُوحُ
٤٠جُهْدُ الْمُقِلِّ فَكَيْفَ بِابْنِ كَرِيمَةٍ
تُولِيهِ خَيْرًا وَاللِّسَانُ فَصِيحُ
٤١وقال يصف لعبة على صورة جارية:
جَارِيَةٌ مَا لِجِسْمِهَا رُوحُ
بِالْقَلْبِ مِنْ حُبِّهَا تَبَارِيحُ
٤٢فِي كَفِّهَا طَاقَةٌ تُشِيرُ بِهَا
لَكُلِّ طِيبٍ مِنْ طِيبِهَا رِيحُ
٤٣سَأَشْرَبُ الْكَأْسَ عَنْ إِشَارَتِهَا
وَدَمْعُ عَيْنِي فِي الْخَدِّ مَسْفُوحُ
٤٤وأراد الانصراف من عند سيف الدولة ليلًا فقال:
يُقَاتِلُنِي عَلَيْكَ اللَّيْلُ جِدًّا
وَمُنْصَرَفِي لَهُ أَمْضَى السِّلَاحِ
٤٥لِأَنِّي كُلَّمَا فَارَقْتُ طَرْفِي
بَعِيدٌ بَيْنَ جَفْنِي وَالصَّبَاحِ
٤٦وجرى حديث وقعة أبي الساج مع أبي طاهر صاحب الأحساء، فذكر أبو الطيب ما كان فيها من القتل، فهال بعض الجلساء ذلك وجزع منه، فقال أبو الطيب لأبي محمد بن طغج ارتجالًا:
أَبَاعِثَ كُلِّ مَكْرُمَةٍ طَمُوحِ
وَفَارِسَ كُلِّ سَلْهَبَةٍ سَبُوحِ
٤٧وَطَاعِنَ كُلِّ نَجْلَاءٍ غَمُوسٍ
وَعَاصِيَ كُلِّ عَذَّالٍ نَصِيحِ
٤٨سَقَانِي اللهُ قَبْلَ الْمَوْتِ يَوْمًا
دَمَ الْأَعْدَاءِ مِنْ جَوْفِ الْجُرُوحِ
٤٩وأرسل أبو العشائر بازيًا على حَجَلة فأخذها فقال المتنبي:
وَطَائِرَةٍ تَتَبَّعُهَا الْمَنَايَا
عَلَى آثَارِهَا زَجَلُ الْجَنَاحِ
٥٠كَأَنَّ الرِّيشَ مِنْهُ فِي سِهَامٍ
عَلَى جَسَدٍ تَجَسَّمَ مِنْ رِيَاحِ
٥١كَأَنَّ رُءُوسَ أَقْلَامٍ غِلَاظٍ
مُسِحْنَ بِرِيشِ جُؤْجُؤَةِ الصِّحَاحِ
٥٢فَأَقْعَصَهَا بِحَجْنٍ تَحْتَ صُفْرٍ
لَهَا فِعْلُ الْأَسِنَّةِ وَالصِّفَاحِ
٥٣فَقُلْتُ لِكُلِّ حَيٍّ يَوْمُ مَوْتٍ
وَإِنْ حَرَصَ النُّفُوسُ عَلَى الْفَلَاحِ
٥٤قافية الدال
وقال يمدح سيف الدولة، ويرثي ابن عمه أبا وائل تغلب بن داود بن حمدان، وقد توفي في حمص سنة ثمانٍ وثلاثين وثلاثمائة:
مَا سَدِكَتْ عِلَّةٌ بِمَوْرُودِ
أَكْرَمَ مِنْ تَغْلِبَ بْنِ دَاوُدِ
١يَأْنَفُ مِنْ مِيتَةِ الْفِرَاشِ وَقَدْ
حَلَّ بِهِ أَصْدَقُ الْمَوَاعِيدِ
٢وَمِثْلُهُ أَنْكَرَ الْمَمَاتَ عَلَى
غَيْرِ سُرُوجِ السَّوَابِحِ الْقُودِ
٣بَعْدَ عِثَارِ الْقَنَا بِلَبَّتِهِ
وَضَرْبِهِ أَرْؤُسَ الصَّنَادِيدِ
٤وَخَوْضِهِ غَمْرَ كُلِّ مَهْلَكَةٍ
لِلذِّمْرِ فِيهَا فُؤَادُ رِعْدِيدِ
٥فَإِنْ صَبَرْنَا فَإِنَّنَا صُبُرٌ
وَإِنْ بَكَيْنَا فَغَيْرُ مَرْدُودِ
٦وَإِنْ جَزِعْنَا لَهُ فَلَا عَجَبٌ
ذَا الْجَزْرُ فِي الْبَحْرِ غَيْرُ مَعْهُودِ
٧أَيْنَ الْهِبَاتُ الَّتِي يُفَرِّقُهَا
عَلَى الزَّرَافَاتِ وَالْمَوَاحِيدِ
٨سَالِمُ أَهْلِ الْوِدَادِ بَعْدَهُمُ
يَسْلَمُ لِلْحُزْنِ لَا لِتَخْلِيدِ
٩فَمَا تُرَجِّي النُّفُوسُ مِنْ زَمَنٍ
أَحْمَدُ حَالَيْهِ غَيْرُ مَحْمُودِ
١٠إِنَّ نُيُوبَ الزَّمَانِ تَعْرِفُنِي
أَنَا الَّذِي طَالَ عَجْمُهَا عُودِي
١١وَفِيَّ مَا قَارَعَ الْخُطُوبَ وَمَا
آنَسَنِي بِالْمَصَائِبِ السُّودِ
١٢مَا كُنْتَ عَنْهُ إِذِ اسْتَغَاثَكَ يَا
سَيْفَ بَنِي هَاشِمٍ بِمَغْمُودِ
١٣يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ يَا مَلِكَ الْأَمـْ
ـلَاكِ طُرًّا يَا أَصْيَدَ الصِّيدِ
١٤قَدْ مَاتَ مِنْ قَبْلِهَا فَأَنْشَرَهُ
وَقْعُ قَنَا الْخطِّ فِي اللَّغَادِيدِ
١٥وَرَمْيُكَ اللَّيْلَ بِالْجُنُودِ وَقَدْ
رَمَيْتَ أَجْفَانَهُمْ بِتَسْهِيدِ
١٦فَصَبَّحْتُهُمْ رِعَالُهَا شُزَّبًا
بَيْنَ ثُبَاتٍ إِلَى عَبَادِيدِ
١٧تَحْمِلُ أَغْمَادُهَا الْفِدَاءَ لَهُمْ
فَانْتَقَدُوا الضَّرْبَ كَالْأَخَادِيدِ
١٨مَوْقِعُهُ فِي فِرَاشِ هَامِهِمْ
وَرِيحُهُ فِي مَنَاخِرِ السِّيدِ
١٩أَفْنَى الْحَيَاةَ الَّتِي وَهَبْتَ لَهُ
فِي شَرَفٍ شَاكِرًا وَتَسْوِيدِ
٢٠سَقِيمَ جِسْمٍ صَحِيحَ مَكْرُمَةٍ
مَنْجُودَ كَرْبٍ غِيَاثَ مَنْجُودِ
٢١ثُمَّ غَدَا قَيْدُهُ الْحِمَامُ وَمَا
تَخْلُصُ مِنْهُ يَمِينُ مَصْفُودِ
٢٢لَا يَنْقُصُ الْهَالِكُونَ مِنْ عَدَدٍ
مِنْهُ عَلِيٌّ مُضَيَّقُ الْبِيدِ
٢٣تَهُبُّ فِي ظَهْرِهَا كَتَائِبُهُ
هُبُوبَ أَرْوَاحِهَا الْمَرَاوِيدِ
٢٤أَوَّلَ حَرْفٍ مِنِ اسْمِهِ كَتَبَتْ
سَنَابِكُ الْخَيْلِ فِي الْجَلَامِيدِ
٢٥مَهْمَا يُعَزُّ الْفَتَى الْأَمِيرَ بِهِ
فَلَا بِإِقْدَامِهِ وَلَا الْجُودِ
٢٦وَمِنْ مُنَانَا بَقَاؤُهُ أَبَدًا
حَتَّى يُعَزَّى بِكُلِّ مَوْلُودِ
٢٧وقال يمدحه، ويذكر هجوم الشتاء الذي عاقه عن غزو خرشنة، ويذكر الواقعة:
عَوَاذِلُ ذَاتِ الْخَالِ فِيَّ حَوَاسِدُ
وَإِنَّ ضَجِيعَ الْخَوْدِ مِنِّي لَمَاجِدُ
٢٨يَرُدُّ يَدًا عَنْ ثَوْبِهَا وَهْوَ قَادِرٌ
وَيَعْصِي الْهَوَى فِي طَيْفِهَا وَهْوَ رَاقِدُ
٢٩مَتَى يَشْتَفِي مِنْ لَاعِجِ الشَّوْقِ فِي الْحَشَى
مُحِبٌّ لَهَا فِي قُرْبِهِ مُتَبَاعِدُ
٣٠إِذَا كُنْتَ تَخْشَى الْعَارَ فِي كُلِّ خَلْوَةٍ
فَلِمْ تَتَصَبَّاكَ الْحِسَانُ الْخَرَائِدُ
٣١أَلَحَّ عَلَيَّ السُّقْمُ حَتَّى أَلِفْتُهُ
وَمَلَّ طَبِيبِي جَانِبِي وَالْعَوَائِدُ
٣٢مَرَرْتُ عَلَى دَارِ الْحَبِيبِ فَحَمْحَمَتْ
جَوَادِي وَهَلْ تَشْجُو الْجِيَادَ الْمَعَاهِدُ
٣٣وَمَا تُنْكِرُ الدَّهْمَاءُ مِنْ رَسْمِ مَنْزِلٍ
سَقَتْهَا ضَرِيبَ الشَّوْلِ فِيهَا الْوَلَائِدُ
٣٤أَهُمُّ بِشَيْءٍ وَاللَّيَالِي كَأَنَّهَا
تُطَارِدُنِي عَنْ كَوْنِهِ وَأُطَارِدُ
٣٥وَحِيدٌ مِنَ الْخُلَّانِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ
إِذَا عَظُمَ الْمَطْلُوبُ قَلَّ الْمُسَاعِدُ
٣٦وَتُسْعِدُنِي فِي غَمْرَةٍ بَعْدَ غَمْرَةٍ
سَبُوحٌ لَهَا مِنْهَا عَلَيْهَا شَوَاهِدُ
٣٧تَثَنَّى عَلَى قَدْرِ الطِّعَانِ كَأَنَّمَا
مَفَاصِلُهَا تَحْتَ الرِّمَاحِ مَرَاوِدُ
٣٨مُحَرَّمَةٌ أَكْفَالُ خَيْلِي عَلَى الْقَنَا
مُحَلَّلَةٌ لَبَّاتُهَا وَالْقَلَائِدُ
٣٩وَأُورِدُ نَفْسِي وَالْمُهَنَّدُ فِي يَدِي
مَوَارِدَ لَا يُصْدِرْنَ مَنْ لَا يُجَالِدُ
٤٠وَلَكِنْ إِذَا لَمْ يَحْمِلِ الْقَلْبُ كَفَّهُ
عَلَى حَالَةٍ لَمْ يَحْمِلِ الْكَفَّ سَاعِدُ
٤١خَلِيلَيَّ إِنِّي لَا أَرَى غَيْرَ شَاعِرٍ
فَلِمْ مِنْهُمُ الدَّعْوَى وَمِنِّي الْقَصَائِدُ
٤٢فَلَا تَعْجَبَا إِنَّ السُّيُوفَ كَثِيرَةٌ
وَلَكِنَّ سَيْفَ الدَّوْلَةِ الْيَوْمَ وَاحِدُ
٤٣لَهُ مِنْ كَرِيمِ الطَّبْعِ فِي الْحَرْبِ مُنْتَضٍ
وَمِنْ عَادَةِ الْإِحْسَانِ وَالصَّفْحِ غَامِدُ
٤٤وَلَمَّا رَأَيْتُ النَّاسَ دُونَ مَحَلِّهِ
تَيَقَّنْتُ أَنَّ الدَّهْرَ لِلنَّاسِ نَاقِدُ
٤٥أَحَقُّهُمُ بِالسَّيْفِ مِنْ ضَرَبَ الطُّلَى
وَبِالْأَمْنِ مَنْ هَانَتْ عَلَيْهِ الشَّدَائِدُ
٤٦وَأَشْقَى بِلَادِ اللهِ مَا الرُّومُ أَهْلُهَا
بِهَذَا وَمَا فِيهَا لِمَجْدِكَ جَاحِدُ
٤٧شَنَنْتَ بِهَا الْغَارَاتِ حَتَّى تَرَكْتَهَا
وَجَفْنُ الَّذِي خَلْفَ الْفَرَنْجَةَ سَاهِدُ
٤٨مُخَضَّبَةٌ وَالْقَوْمُ صَرْعَى كَأَنَّهَا
وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا سَاجِدِينَ مَسَاجِدُ
٤٩تُنَكِّسُهُمْ وَالسَّابِقَاتُ جِبَالُهُمْ
وَتَطْعُنُ فِيهِمْ وَالرِّمَاحُ الْمَكَايِدُ
٥٠وَتَضْرِبُهُمْ هَبْرًا وَقَدْ سَكَنُوا الْكُدَى
كَمَا سَكَنَتْ بَطْنَ التُّرَابِ الْأَسَاوِدُ
٥١وَتُضْحِي الْحُصُونُ الْمُشمَخراتُ فِي الذُّرَى
وَخَيْلُكَ فِي أَعْنَاقِهِنَّ قَلَائِدُ
٥٢عَصَفْنَ بِهِمْ يَوْمَ اللُّقَانِ وَسُقْنَهُمْ
بِهِنْرِيطَ حَتَّى ابْيَضَّ بَالسَّبْيِ آمِدُ
٥٣وَأَلْحَقْنَ بِالصَّفْصَافِ سَابُورَ فَانْهَوَى
وَذَاقَ الرَّدَى أَهْلَاهُمَا وَالْجَلَامِدُ
٥٤وغَلَّسَ فِي الْوَادِي بِهِنَّ مُشَيَّعٌ
مُبَارَكُ مَا تَحْتَ اللِّثَامَيْنِ عَابِدُ
٥٥فَتًى يَشْتَهِي طُولَ الْبِلَادِ وَوَقْتِهِ
تَضِيقُ بِهِ أَوْقَاتُهُ وَالْمَقَاصِدُ
٥٦أَخُو غَزَوَاتٍ مَا تُغِبُّ سُيُوفُهُ
رِقَابَهُمُ إِلَّا وَسَيْحَانُ جَامِدُ
٥٧فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ حَمَاهَا مِنَ الظُّبَا
لَمَى شَفَتَيْهَا وَالثُّدِيُّ النَّوَاهِدُ
٥٨تُبَكِّي عَلَيْهِنَّ الْبَطَارِيقُ فِي الدُّجَى
وَهُنَّ لَدَيْنَا مُلْقَيَاتٌ كَوَاسِدُ
٥٩بِذَا قَضَتِ الْأَيَّامُ مَا بَيْنَ أَهْلِهَا
مَصَائِبُ قَوْمٍ عِنْدَ قَوْمٍ فَوَائِدُ
٦٠وَمِنْ شَرَفِ الْإِقْدَامِ أَنَّكَ فِيهِمِ
عَلَى الْقَتْلِ مَوْمُوقٌ كَأَنَّكَ شَاكِدُ
٦١وَأَنَّ دَمًا أَجْرَيْتَهُ بِكَ فَاخِرٌ
وَأَنَّ فُؤَادًا رُعْتَهُ لَكَ حَامِدُ
٦٢وَكُلٌّ يَرَى طُرْقَ الشَّجَاعَةِ وَالنَّدَى
وَلَكِنَّ طَبْعَ النَّفْسِ لِلنَّفْسِ قَائِدُ
٦٣نَهَبْتَ مِنَ الْأَعْمَارِ مَا لَوْ حَوَيْتَهُ
لَهُنِّئَتِ الدُّنْيَا بِأَنَّكَ خَالِدُ
٦٤فَأَنْتَ حُسَامُ الْمُلْكِ وَاللهُ ضَارِبٌ
وَأَنْتَ لِوَاءُ الدِّينِ وَاللهُ عَاقِدُ
٦٥وَأَنْتَ أَبُو الْهَيْجَا ابْنُ حَمْدَانَ يَا ابْنَهُ
تَشَابَهَ مَوْلُودٌ كَرِيمٌ وَوَالِدُ
٦٦وَحَمْدَانُ حَمْدُونٌ وَحَمْدُونُ حَارِثٌ
وَحَارِثُ لُقْمَانٌ وَلُقْمَانُ رَاشِدُ
٦٧أُولَئِكَ أَنْيَابُ الْخِلَافَةِ كُلُّهَا
وَسَائِرُ أَمْلَاكِ الْبِلَادِ الزَّوَائِدُ
٦٨أُحِبُّكَ يَا شَمْسَ الزَّمَانِ وَبَدْرَهُ
وَإِنْ لَامَنِي فِيكَ السُّهَى وَالْفَرَاقِدُ
٦٩وَذَاكَ لِأَنَّ الْفَضْلَ عِنْدَكَ بَاهِرٌ
وَلَيْسَ لِأَنَّ الْعَيْشُ عِنْدَكَ بَارِدُ
٧٠فَإِنَّ قَلِيلَ الْحُبِّ بِالْعَقْلِ صَالِحٌ
وَإِنَّ كَثِيرَ الْحُبِّ بِالْجَهْلِ فَاسِدُ
٧١وقال يمدح سيف الدولة ويهنئه بعيد الأضحى سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة، أنشده إياها في ميدانه بحلب وهما على فرسيهما:
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْ دَهْرِهِ مَا تَعَوَّدَا
وَعَادَاتُ سَيْفِ الدَّوْلَةِ الطَّعْنُ فِي الْعِدَا
٧٢وَأَنْ يُكْذِبَ الْإِرْجَافَ عَنْهُ بِضِدِّهِ
وَيُمْسِي بِمَا تَنْوِي أَعَادِيهِ أَسْعَدَا
٧٣وَرُبَّ مُرِيدٍ ضَرَّهُ ضَرَّ نَفْسَهُ
وَهَادٍ إِلَيْهِ الْجَيْشَ أَهْدَى وَمَا هَدَى
٧٤وَمُسْتَكْبِرٍ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ سَاعَةً
رَأَى سَيْفَهُ فِي كَفِّهِ فَتَشَهَّدَا
٧٥هُوَ الْبَحْرُ غُصْ فِيهِ إِذَا كَانَ سَاكِنًا
عَلَى الدُّرِّ وَاحْذَرْهُ إِذَا كَانَ مُزْبِدَا
٧٦فَإِنِّي رَأَيْتُ الْبَحْرَ يَعْثُرُ بِالْفَتَى
وَهَذَا الَّذِي يَأْتِي الْفَتَى مُتَعَمِّدَا
٧٧تَظَلُّ مُلُوكُ الْأَرْضِ خَاشِعَةً لَهُ
تُفَارِقُهُ هَلْكَى وَتَلْقَاهُ سُجَّدَا
٧٨وَتُحْيِي لَهُ الْمَالَ الصَّوَارِمُ وَالْقَنَا
وَيَقْتُلُ مَا يُحْيِي التَّبَسُّمُ وَالْجَدَا
٧٩ذَكِيٌّ تَظَنِّيهِ طَلِيعَةُ عَيْنِهِ
يَرَى قَلْبُهُ فِي يَوْمِهِ مَا تَرَى غَدَا
٨٠وَصُولٌ إِلَى الْمُسْتَصْعَبَاتِ بِخَيْلِهِ
فَلَوْ كَانَ قَرْنُ الشَّمْسِ مَاءً لَأوَرْدَا
٨١لِذَلِكَ سَمَّى ابْنُ الدُّمُسْتُقِ يَوْمَهُ
مَمَاتًا وَسَمَّاهُ الدُّمُسْتُقُ مَوْلِدَا
٨٢سَرَيْتَ إِلَى جَيْحَانَ مِنْ أَرْضِ آمِدٍ
ثَلَاثًا لَقَدْ أَدْنَاكَ رَكْضٌ وَأَبْعَدَا
٨٣فَوَلَّى وَأَعْطَاكَ ابْنَهُ وَجُيُوشَهُ
جَمِيعًا وَلَمْ يُعْطِ الْجَمِيعَ لِيُحْمَدَا
٨٤عَرَضْتَ لَهُ دُونَ الْحَيَاةِ وَطَرْفِهِ
وَأَبْصَرَ سَيْفَ اللهِ مِنْكَ مُجَرَّدَا
٨٥وَمَا طَلَبَتْ زُرْقُ الْأَسِنَّةِ غَيْرَهُ
وَلَكِنَّ قُسْطَنْطِينَ كَانَ لَهُ الْفِدَا
٨٦فَأَصْبَحَ يَجْتَابُ الْمُسُوحَ مَخَافَةً
وَقَدْ كَانَ يَجْتَابُ الدِّلَاصَ الْمُسَرَّدَا
٨٧وَيَمْشِي بِهِ الْعُكَّازُ فِي الدَّيْرِ تَائِبًا
وَمَا كَانَ يَرْضَى مَشْيَ أَشْقَرَ أَجْرَدَا
٨٨وَمَا تَابَ حَتَّى غَادَرَ الْكَرُّ وَجْهَهُ
جَرِيحًا وَخَلَّى جَفْنَهُ النَّقْعُ أَرْمَدَا
٨٩فَلَوْ كَانَ يُنْجِي مِنْ عَلِيٍّ تَرَهُّبٌ
تَرَهَّبَتِ الْأَمْلَاكُ مَثْنَى وَمَوْحَدَا
٩٠وَكُلُّ امْرِئٍ فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ بَعْدَهَا
يُعِدُّ لَهُ ثَوْبًا مِنَ الشَّعْرِ أَسْوَدَا
٩١هَنِيئًا لَكَ الْعِيدُ الَّذِي أَنْتَ عِيدُهُ
وَعِيدٌ لِمَنْ سَمَّى وَضَحَّى وَعِيدَا
٩٢وَلَا زَالَتِ الْأَعْيَادُ لُبْسَكَ بَعْدَهُ
تُسَلِّمُ مَخْرُوقًا وَتُعْطَى مُجَدَّدَا
٩٣فَذَا الْيَوْمُ فِي الْأَيَّامِ مِثْلُكَ فِي الْوَرَى
كَمَا كُنْتَ فِيهِمْ أَوْحَدًا كَانَ أَوْحَدَا
٩٤هُوَ الْجَدُّ حَتَّى تَفْضُلَ الْعَيْنُ أُخْتَهَا
وَحَتَّى يَصِيرَ الْيَوْمُ لِلْيَوْمِ سَيِّدَا
٩٥فَيَا عَجَبًا مِنْ دَائِلٍ أَنْتَ سَيْفُهُ
أَمَا يَتَوَقَّى شَفْرَتَيْ مَا تَقَلَّدَا
٩٦وَمَنْ يَجْعَلِ الضِّرْغَامَ بَازًا لِصَيْدِهِ
تَصَيَّدَهُ الضِّرْغَامُ فِيمَا تَصَيَّدَا
٩٧رَأَيْتُكَ مَحْضَ الْحِلْمِ فِي مَحْضِ قُدْرَةٍ
وَلَوْ شِئْتَ كَانَ الْحِلْمُ مِنْكَ الْمُهَنَّدَا
٩٨وَمَا قَتَلَ الْأَحْرَارَ كَالْعَفْوِ عَنْهُمُ
وَمَنْ لَكَ بِالْحُرِّ الَّذِي يَحْفَظُ الْيَدَا
٩٩إِذَا أَنْتَ أَكْرَمْتَ الْكَرِيمَ مَلَكْتَهُ
وَإِنْ أَنْتَ أَكْرَمْتَ اللَّئِيمَ تَمَرَّدَا
١٠٠وَوَضْعُ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ بِالْعُلَا
مُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ فِي مَوْضِعِ النَّدَى
١٠١وَلَكِنْ تَفُوقُ النَّاسَ رَأْيًا وَحِكْمَةً
كَمَا فُقْتَهُمْ حَالًا وَنَفْسًا وَمَحْتِدَا
١٠٢يَدِقُّ عَلَى الْأَفْكَارِ مَا أَنْتَ فَاعِلٌ
فَيُتْرَكُ مَا يَخْفَى وَيُؤْخَذُ مَا بَدَا
١٠٣أَزِلْ حَسَدَ الْحُسَّادِ عَنِّي بِكَبْتِهِمْ
فَأَنْتَ الَّذِي صَيَّرْتَهُمْ لِي حُسَّدَا
١٠٤إِذَا شَدَّ زَنْدِيُ حُسْنُ رَأْيِكَ فِيهِمُ
ضَرَبْتُ بِسَيْفٍ يَقْطَعُ الْهَامَ مُغْمَدَا
١٠٥وَمَا أَنَا إِلَّا سَمْهَرِيٌّ حَمَلْتَهُ
فَزَيَّنَ مَعْرُوضًا وَرَاعَ مُسَدَّدَا
١٠٦وَمَا الدَّهْرُ إِلَّا مِنْ رُوَاةِ قَلَائِدِي
إِذَا قُلْتُ شِعْرًا أَصْبَحَ الدَّهْرُ مُنْشِدَا
١٠٧فَسَارَ بِهِ مَنْ لَا يَسِيرُ مُشَمِّرًا
وَغَنَّى بِهِ مَنْ لَا يُغَنِّي مُغَرِّدَا
١٠٨أَجِزْنِي إِذَا أُنْشِدْتَ شِعْرًا فَإِنَّمَا
بِشِعْرِي أَتَاكَ الْمَادِحُونَ مُرَدَّدَا
١٠٩وَدَعْ كُلَّ صَوْتٍ غَيْرَ صَوْتِي فَإِنَّنِي
أَنَا الصَّائِحُ الْمَحْكِيُّ وَالْآخَرُ الصَّدَى
١١٠تَرَكْتُ السُّرَى خَلْفِي لِمَنْ قَلَّ مَالُهُ
وَأَنْعَلْتُ أَفْرَاسِي بِنُعَمَاكَ عَسْجَدَا
١١١وَقَيَّدْتُ نَفْسِي فِي ذَرَاكَ مَحَبَّةً
وَمَنْ وَجَدَ الْإِحْسَانَ قَيْدًا تَقَيَّدَا
١١٢إِذَا سَأَلَ الْإِنْسَانُ أَيَّامَهُ الْغِنَى
وَكُنْتَ عَلَى بُعْدٍ جَعَلْنَكَ مَوْعِدَا
١١٣وقال بمصر وهو يريد سيف الدولة:
فَارَقْتُكُمْ فَإِذَا مَا كَانَ عِنْدَكُمُ
قَبْلَ الْفِرَاقِ أَذًى بَعْدَ الْفِرَاقِ يَدُ
إِذَا تَذَكَّرْتُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمُ
أَعَانَ قَلْبِي عَلَى الشَّوْقِ الَّذِي أَجِدُ
١١٤وقال في صباه يمدح محمد بن عبيد الله العلوي المشطب:
أَهْلًا بِدَارٍ سَبَاكَ أَغْيَدُهَا
أَبْعَدُ مَا بَانَ عَنْكَ خُرَّدُهَا
١١٥ظَلْتَ بِهَا تَنْطَوِي عَلَى كَبِدٍ
نَضِيجَةٍ فَوْقَ خِلْبِهَا يَدُهَا
١١٦يَا حَادِيَيْ عِيرِهَا وَأَحْسَبُنِي
أُوجَدُ مَيْتًا قُبَيْلَ أَفْقِدُهَا
١١٧قِفَا قَلِيلًا بِهَا عَلَيَّ فَلَا
أَقَلَّ مِنْ نَظْرَةٍ أُزَوِّدُهَا
١١٨فَفِي فُؤَادِ الْمُحِبِّ نَارُ جَوًى
أَحَرُّ نَارِ الْجَحِيمِ أَبْرَدُهَا
١١٩شَابَ مِنَ الْهَجْرِ فَرْقُ لِمَّتِهِ
فَصَارَ مِثْلَ الدِّمَقْسِ أَسْوَدُهَا
١٢٠بَانُوا بِخُرْعُوبَةٍ لَهَا كَفَلٌ
يَكَادُ عِنْدَ الْقِيَامِ يُقْعِدُهَا
١٢١رِبَحْلَةٍ أَسْمَرٍ مُقَبَّلُهَا
سِبَحْلَةٍ أَبْيَضٍ مُجَرَّدُهَا
١٢٢يَا عَاذِلَ الْعَاشِقِينَ دَعْ فِئَةً
أَضَلَّهَا اللهُ كَيْفَ تُرْشِدُهَا؟!
١٢٣لَيْسَ يُحِيكُ الْمَلَامُ فِي هِمَمٍ
أَقْرَبُهَا مِنْكَ عَنْكَ أَبْعَدُهَا
١٢٤بِئْسَ اللَّيَالِي سَهِرْتُ مِنْ طَرَبِي
شَوْقًا إِلَى مَنْ يَبِيتُ يَرْقُدُهَا
١٢٥أَحْيَيْتُهَا وَالدُّمُوعُ تُنْجِدُنِي
شُئُونُهَا وَالظَّلَامُ يُنْجِدُهَا
١٢٦لَا نَاقَتِي تَقْبَلُ الرَّدِيفَ وَلَا
بِالسَّوْطِ يَوْمَ الرِّهَانِ أُجْهِدُهَا
١٢٧شِرَاكُهَا كُورُهَا وَمِشْفَرُهَا
زِمَامُهَا وَالشُّسُوعُ مِقْوَدُهَا
١٢٨أَشَدُّ عَصْفِ الرِّيَاحِ يَسْبِقُهُ
تَحْتِيَ مِنْ خَطْوِهَا تَأَيُّدُهَا
١٢٩فِي مِثْلِ ظَهْرِ الْمِجَنِّ مُتَّصِلٍ
بِمِثْلِ بَطنِ الْمِجَنِّ قَرْدَدُهَا
١٣٠مُرْتَمِيَاتٌ بِنَا إِلَى ابْنِ عُبَيْـ
ـدِ اللهِ غِيطَانُهَا وَفَدْفَدُهَا
١٣١إِلَى فَتًى يُصْدِرُ الرِّمَاحَ وَقَدْ
أَنْهَلَهَا فِي الْقُلُوبِ مُورِدُهَا
١٣٢لَهُ أَيَادٍ إِلَيَّ سَابِقَةٌ
أُعَدُّ مِنْهَا وَلَا أُعَدِّدُهَا
١٣٣يُعْطِي فَلَا مَطْلَةٌ يُكَدِّرُهَا
بِهَا وَلَا مَنَّةٌ يُنَكِّدُهَا
١٣٤خَيْرُ قُرَيْشٍ أَبًا وَأَمْجَدُهَا
أَكْثَرُهَا نَائِلًا وَأَجْوَدُهَا
١٣٥أَطْعَنُهَا بِالْقَنَاةِ أَضْرَبُهَا
بِالسَّيْفِ جَحْجَاحُهَا مُسَوَّدُهَا
١٣٦أَفْرَسُهَا فَاِرسًا وَأَطْوَلُهَا
بَاعًا وَمِغْوَارُهَا وَسَيِّدُهَا
١٣٧تَاُج لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ وَبِهِ
سَمَا لَهَا فَرْعُهَا وَمَحْتِدُهَا
١٣٨شَمْسُ ضُحَاهَا هِلَالُ لَيْلَتِهَا
دُرُّ تَقَاصِيرِهَا زَبَرْجَدُهَا
١٣٩يَا لَيْتَ بِي ضَرْبَةً أُتِيحَ لَهَا
كَمَا أُتِيحَتْ لَهُ مُحَمَّدُهَا
١٤٠أَثَّرَ فِيهَا وَفِي الْحَدِيدِ وَمَا
أَثَّرَ فِي وَجْهِهِ مُهَنَّدُهَا
١٤١فَاغْتَبَطَتْ إِذْ رَأَتْ تَزَيُّنَهَا
بِمِثْلِهِ وَالْجِرَاحُ تَحْسُدُهَا
١٤٢وَأَيْقَنَ النَّاسُ أَنَّ زَارِعَهَا
بِالْمَكْرِ فِي قَلْبِهِ سيَحْصِدُهَا
١٤٣أَصْبَحَ حُسَّادُهُ وَأَنْفُسُهُمْ
يُحْدِرُهَا خَوْفُهُ وَيُصْعِدُهَا
١٤٤تَبْكِي عَلَى الْأَنْصُلِ الْغُمُودُ إِذَا
أَنْذَرَهَا أَنَّهُ يُجَرِّدُهَا
لِعِلْمِهَا أَنَّهَا تَصِيرُ دَمًا
وَأَنَّهُ فِي الرِّقَابِ يُغْمِدُهَا
١٤٥أَطْلَقَهَا فَالْعَدُوُّ مِنْ جَزَعٍ
يَذُمُّهَا وَالصَّدِيقُ يَحْمَدُهَا
١٤٦تَنْقَدِحُ النَّارُ مِنْ مَضَارِبِهَا
وَصَبُّ مَاءِ الرِّقَابِ يُخْمِدُهَا
١٤٧إِذَا أَضَلَّ الْهُمَامُ مُهْجَتَهُ
يَوْمًا فَأَطْرَافُهُنَّ تَنْشُدُهَا
١٤٨قَدْ أَجْمَعَتْ هَذِهِ الْخَلِيقَةُ لِي
أَنَّكَ يَا ابْنَ النَّبِيِّ أَوْحَدُهَا
١٤٩وَأَنْكَ بِالْأَمْسِ كُنْتَ مُحْتَلِمًا
شَيْخَ مَعَدٍّ وَأَنْتَ أَمْرَدُهَا
١٥٠فَكَمْ وَكَمْ نِعْمَةٍ مُجَلِّلَةٍ
رَبَّيْتَهَا كَانَ مِنْكَ مَوْلِدُهَا!
١٥١وَكَمْ وَكَمْ حَاجَةٍ سَمَحْتَ بِهَا!
أَقْرَبُ مِنِّي إِلَيَّ مَوْعِدُهَا
١٥٢وَمَكْرُمَاتٍ مَشَتْ عَلَى قَدَمِ الْـ
ـبِرِّ إِلَى مَنْزِلِي تُرَدِّدُهَا
١٥٣أَقَرَّ جِلْدِي بِهَا عَلَيَّ فَلَا
أَقْدِرُ حَتَّى الْمَمَاتِ أَجْحَدُهَا
١٥٤فَعُدْ بِهَا لَا عَدِمْتُهَا أَبَدًا
خَيْرُ صِلَاتِ الْكَرِيمِ أَعْوَدُهَا
١٥٥وقال أيضًا في صباه:
كَمْ قَتِيلٍ كَمَا قُتِلْتُ شَهِيدِ
بِبَيَاضِ الطُّلَا وَوَرْدِ الْخُدُودِ
١٥٦وَعُيُونِ الْمَهَا وَلَا كَعُيُونٍ
فَتَكَتْ بِالْمُتَيَّمِ الْمَعْمُودِ
١٥٧دَرَّ دَرُّ الصِّبَا أَأَيَّامَ تَجْرِيـ
ـرِ ذُيُولِي بِدَارِ أَثْلَةَ عُودِي
١٥٨عَمْرَكَ اللهُ هَلْ رَأَيْتَ بُدُورًا
طَلَعَتْ فِي بَرَاقِعٍ وَعُقُودِ
١٥٩رَامِيَاتٍ بِأَسْهُمٍ رِيشُهَا الْهُدْ
بُ تَشُقُّ الْقُلُوبَ قَبْلَ الْجُلُودِ
١٦٠يَتَرَشَّفْنَ مِنْ فَمِي رَشَفَاتٍ
هُنَّ فِيهِ أَحْلَى مِنَ التَّوْحِيدِ
١٦١كُلُّ خُمْصَانَةٍ أَرَقَّ مِنَ الْخَمْـ
ـرِ بِقَلْبٍ أَقْسَى مِنَ الْجُلْمُودِ
١٦٢ذَاتِ فَرْعٍ كَأَنَّمَا ضُرِبَ الْعَنْـ
ـبَرُ فِيهِ بِمَاءِ وَرْدٍ وَعُودِ
١٦٣حَالِكٍ كَالْغُدَافِ جَثْلٍ دَجُوجِيٍّ
أَثِيثٍ جَعْدٍ بِلَا تَجْعِيدِ
١٦٤تَحْمِلُ الْمِسْكَ عَنْ غَدَائِرِهَا الرِّيـ
ـحُ وَتَفْتَرُّ عَنْ شَنِيبٍ بَرُودِ
١٦٥جَمَعَتْ بَيْنَ جِسْمِ أَحْمَدَ وَالسُّقْـ
ـمِ وَبَيْنَ الْجُفُونِ وَالتَّسْهِيدِ
١٦٦هَذِهِ مُهْجَتِي لَدَيْكِ لِحَيْنِي
فَانْقُصِي مِنْ عَذَابِهَا أَوْ فَزِيدِي
١٦٧أَهْلُ مَا بِي مِنَ الضَّنَى بَطَلٌ صِيـ
ـدَ بِتَصْفِيفِ طُرَّةٍ وَبِجِيدِ
١٦٨كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الدِّمَاءِ حَرَامٌ
شُرْبُهُ مَا خَلَا دَمَ الْعُنْقُودِ
١٦٩فَاسْقِنِيهَا فِدًى لِعَيْنَيْكِ نَفْسِي
مِنْ غَزَالٍ وَطَارِفِي وَتَلِيدِي
١٧٠شَيْبُ رَأْسِي وَذِلَّتِي وَنُحُولِي
وَدُمُوعِي عَلَى هَوَاكِ شُهُودِي
١٧١أَيَّ يَوْمٍ سَرَرْتَنِي بِوِصَالٍ
لَمْ تَرُعْنِي ثَلَاثَةً بِصُدُودِ
١٧٢مَا مُقَامِي بِأَرْضِ نَخْلَةَ إِلَّا
كَمُقَامِ الْمَسِيحِ بَيْنَ الْيَهُودِ
١٧٣مَفْرَشِي صَهْوَةُ الْحِصَانِ وَلَكِنـْ
ـنَ قَمِيصِي مَسْرُودَةٌ مِنْ حَدِيدِ
١٧٤لَأْمَةٌ فَاضَةٌ أَضَاةٌ دِلَاصٌ
أَحْكَمَتْ نَسْجَهَا يَدَا دَاوُدِ
١٧٥أَيْنَ فَضْلِي إِذَا قَنِعْتُ مِنَ الدَّهْـ
ـرِ بِعَيْشٍ مُعَجَّلِ التَّنْكِيدِ
ضَاقَ صَدْرِي وَطَالَ فِي طَلَبِ الرِّزْ
قِ قِيَامِي وَقَلَّ عَنْهُ قُعُودِي
١٧٦أَبَدًا أَقْطَعُ الْبِلَادَ وَنَجْمِي
فِي نُحُوسٍ وَهِمَّتِي فِي سُعُودِ
١٧٧وَلَعَلِّي مُؤَمِّلٌ بَعْضَ مَا أَبْـ
ـلُغُ بِاللُّطْفِ مِنْ عَزِيزٍ حَمِيدِ
١٧٨لِسَرِيٍّ لِبَاسُهُ خَشِنُ الْقُطْـ
ـنِ وَمَرْوِيُّ مَرْوَ لِبْسُ الْقُرُودِ
١٧٩عِشْ عَزِيزًا أَوْ مُتْ وَأَنْتَ كَرِيمٌ
بَيْنَ طَعْنِ الْقَنَا وَخَفْقِ الْبُنُودِ
١٨٠فَرُءُوسِ الرِّمَاحِ أَذْهَبُ لِلْغَيْـ
ـظِ وَأَشْفَى لِغِلِّ صَدْرِ الْحَقُودِ
١٨١لَا كَمَا قَدْ حَيِيتَ غَيْرَ حَمِيدٍ
وَإِذَا مُتَّ مُتَّ غَيْرَ فَقِيدِ
١٨٢فَاطْلُبِ الْعِزَّ فِي لَظَى وَذَرِ الذُّلـْ
ـلَ وَلَوْ كَانَ فِي جِنَانِ الْخُلُودِ
١٨٣يُقْتَلُ الْعَاجِزُ الْجَبَانُ وَقَدْ يَعْـ
ـجِزُ عَنْ قَطْعِ بِخُنُقِ الْمَوْلُودِ
١٨٤وَيُوَقَّى الْفَتَى الْمِخَشُّ وَقَدْ خَوَّ
ضَ فِي مَاءِ لَبَّةِ الصِّنْدِيدِ
١٨٥لَا بِقَوْمِي شَرُفْتُ بَلْ شَرُفُوا بِي
وَبِنَفْسِي فَخَرْتُ لَا بِجُدُودِي
١٨٦وَبِهِمْ فَخْرُ كُلِّ مَنْ نَطَقَ الضَّا
دَ وَعَوْذُ الْجَانِي وَغَوْثُ الطَّرِيدِ
١٨٧إِنْ أَكُنْ مُعْجَبًا فَعُجْبُ عَجِيبٍ
لَمْ يَجِدْ فَوْقَ نَفْسِهِ مِنْ مَزِيدِ
١٨٨أَنَا تِرْبُ النَّدَى وَرَبُّ الْقَوَافِي
وَسِمَامُ الْعِدَا وَغَيْظُ الْحَسُودِ
١٨٩أَنَا فِي أُمَّةٍ تَدَارَكَهَا اللهُ
غَرِيبٌ كَصَالِحٍ فِي ثَمُودِ
١٩٠وأهدى إليه عبيد الله بن خلكان — من خراسان — هدية فيها سمك من سكر ولوز في عسل، فرد إليه الجامة وكتب عليها هذه الأبيات بالزعفران:
أَقْصِرْ فَلَسْتَ بِزَائِدِي وُدَّا
بَلَغَ الْمَدَى وَتَجَاوَزَ الْحَدَّا
١٩١أَرْسَلْتَهَا مَمْلُوءَةً كَرَمًا
فَرَدَدْتُهَا مَمْلُوءَةً حَمْدَا
١٩٢جَاءَتْكَ تَطْفَحُ وَهْيَ فَارِغَةٌ
مَثْنَى بِهِ وَتَظُنُّهَا فَرْدَا
١٩٣تَأْبَى خَلَائِقُكَ الَّتِي شَرُفَتْ
أَنْ لَا تَحِنَّ وَتَذْكُرَ الْعَهْدَا
١٩٤لَوْ كُنْتَ عَصْرًا مُنْبِتًا زَهَرًا
كُنْتَ الرَّبِيعَ وَكَانَتِ الْوَرْدَا
١٩٥وقال يمدح شجاع بن محمد الطائي المَنبِجي:
الْيَوْمَ عَهْدُكُمُ فَأَيْنَ الْمَوْعِدُ؟
هَيْهَاتَ لَيْسَ لِيَوْمِ عَهْدِكُمُ غَدُ!
١٩٦الْمَوْتُ أَقْرَبُ مِخْلَبًا مِنْ بَيْنِكُمْ
وَالْعَيْشُ أَبْعَدُ مِنْكُمُ لَا تَبْعُدُوا
١٩٧إِنَّ الَّتِي سَفَكَتْ دَمِي بِجُفُونِهَا
لَمْ تَدْرِ أَنَّ دَمِي الَّذِي تَتَقَلَّدُ
١٩٨قَالَتْ وَقَدْ رَأَتِ اصْفِرَارِي: مَنْ بِهِ
وَتَنَهَّدَتْ، فَأَجْبْتُهَا: الْمُتَنَهِّدُ
١٩٩فَمَضَتْ وَقَدْ صَبَغَ الْحَيَاءُ بَيَاضَهَا
لَوْنِي كَمَا صَبَغَ اللُّجْيَنَ الْعَسْجَدُ
٢٠٠فَرَأَيْتُ قَرْنَ الشَّمْسِ فِي قَمَرِ الدُّجَى
مُتَأَوِّدًا غُصْنٌ بِهِ يَتَأَوَّدُ
٢٠١عَدَوِيَّةٌ بَدَوِيَّةٌ مِنْ دُونِهَا
سَلْبُ النُّفُوسِ وَنَارُ حَرْبٍ تُوقَدُ
٢٠٢وَهَوَاجِلٌ وَصَوَاهِلٌ وَمَنَاصِلٌ
وَذَوَابِلٌ وَتَوَعُّدٌ وَتَهَدُّدُ
٢٠٣أَبْلَتْ مَوَدَّتَهَا اللَّيَالِي بَعْدَنَا
وَمَشَى عَلَيْهَا الدَّهْرُ وَهْوَ مُقَيَّدُ
٢٠٤بَرَّحْتَ يَا مَرَضَ الْجُفُونِ بِمُمْرَضٍ
مَرِضَ الطَّبِيبُ لَهُ وَعِيدَ الْعُوَّدُ
٢٠٥فَلَهُ بَنُو عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الرِّضَا
وَلِكُلِّ رَكْبٍ عِيسُهُمْ وَالْفَدْفَدُ
٢٠٦مَنْ فِي الْأَنَامِ مِنَ الْكِرَامِ وَلَا تَقُلْ:
مَنْ فِيكَ شَأْمُ سِوَى شُجَاعٍ يُقْصَدُ
٢٠٧أَعْطَى فَقُلْتُ لِجُودِهِ: مَا يُقْتَنَى
وَسَطَا فَقُلْتُ لِسَيْفِهِ: مَا يُولَدُ
٢٠٨وَتَحَيَّرَتْ فِيهِ الصِّفَاتُ لِأَنَّهَا
أَلْفَتْ طَرَائِقَهُ عَلَيْهَا تَبْعُدُ
٢٠٩فِي كُلِّ مُعْتَرَكٍ كُلًى مَفْرِيَّةٌ
يَذْمُمْنَ مِنْهُ مَا الْأَسِنَّةُ تَحْمَدُ
٢١٠نِقَمٌ عَلَى نِقَمِ الزَّمَانِ يَصُبُّهَا
نِعَمٌ عَلَى النِّعَمِ الَّتِي لَا تُجْحَدُ
٢١١فِي شَانِهِ وَلِسَانِهِ وَبَنَانِهِ
وَجَنَانِهِ عَجَبٌ لِمَنْ يَتَفَقَّدُ
٢١٢أَسَدٌ دَمُ الْأَسَدِ الْهِزَبْرِ خِضَابُه
مَوْتٌ فَرِيصُ الْمَوْتِ مِنْهُ تُرْعَدُ
٢١٣مَا مَنْبِجٌ مُذْ غِبْتَ إِلَّا مُقْلَةٌ
سَهِدَتْ وَوَجْهُكَ نَوْمُهَا وَالْإِثْمِدُ
٢١٤فَاللَّيْلُ حِينَ قَدِمْتَ فِيهَا أَبْيَضٌ
وَالصُّبْحُ مُنْذُ رَحَلْتَ عَنْهَا أَسْوَدُ
٢١٥مَا زِلْتَ تَدْنُو وَهْيَ تَعْلُو عِزَّةً
حَتَّى تَوَارَى فِي ثَرَاهَا الْفَرْقَدُ
٢١٦أَرْضٌ لَهَا شَرَفٌ سِوَاهَا مِثْلُهَا
لَوْ كَانَ مِثْلُكَ فِي سِوَاهَا يُوجَدُ
٢١٧أَبْدَى الْعُدَاةُ بِكَ السُّرُورَ كَأَنَّهُمْ
فَرِحُوا وَعِنْدَهُمُ الْمُقِيمُ الْمُقْعِدُ
٢١٨قَطَّعْتَهُمْ حَسَدًا أَرَاهُمْ مَا بِهِمْ
فَتَقَطَّعُوا حَسَدًا لِمَنْ لَا يَحْسُدُ
٢١٩حَتَّى انْثَنَوْا وَلَوَ انَّ حَرَّ قُلُوبِهِمْ
فِي قَلْبِ هَاجِرَةٍ لَذَابَ الْجَلْمَدُ
٢٢٠نَظَرَ الْعُلُوجُ فَلَمْ يَرَوْا مَنْ حَوْلَهُمْ
لَمَّا رَأَوْكَ وَقِيلَ: هَذَا السَّيِّدُ
٢٢١بَقِيَتْ جُمُوعُهُمْ كَأَنَّكَ كُلُّهَا
وَبَقِيتَ بَيْنَهُمُ كَأَنَّكَ مُفْرَدُ
٢٢٢لَهْفَانَ يَسْتَوْبِي بِكَ الْغَضَبَ الوَرَى
لَوْ لَمْ يُنَهْنِهْكَ الْحِجَا وَالسُّؤْدُدُ
٢٢٣كُنْ حَيْثُ شِئْتَ تَسِرْ إِلَيْكَ رِكَابُنَا
فَالْأَرْضُ وَاحِدَةٌ وَأَنْتَ الْأَوْحَدُ
٢٢٤وَصُنِ الْحُسَامَ وَلَا تُذِلْهُ فَإِنَّهُ
يَشْكُو يَمِينَكَ وَالْجَمَاجِمُ تَشْهَدُ
٢٢٥يَبِسَ النَّجِيعُ عَلَيْهِ وَهْوَ مُجَرَّدٌ
مِنْ غِمْدِهِ وَكَأَنَّمَا هُوَ مُغْمَدُ
٢٢٦رَيَّانَ لَوْ قَذَفَ الَّذِي أَسْقَيْتَهُ
لَجَرَى مِنَ الْمُهَجَاتِ بَحْرٌ مُزْبِدُ
٢٢٧مَا شَارَكَتْهُ مَنِيَّةٌ فِي مُهْجَةٍ
إِلَّا وَشَفْرَتُهُ عَلَى يَدِهَا يَدُ
٢٢٨إِنَّ الرَّزَايَا والْعَطَايَا وَالْقَنَا
حُلَفَاءُ طَيٍّ غَوَّرُوا أَوْ أَنْجَدُوا
٢٢٩صِحْ يَا لَجُلْهُمَةٍ تُجِبْكَ وَإِنَّمَا
أَشْفَارُ عَيْنِكَ ذَابِلٌ وَمُهَنَّدٌ
٢٣٠مِنْ كُلِّ أَكْبَرَ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةٍ
قَلْبًا وَمِنْ جَوْدِ الْغَوَادِي أَجْوَدُ
٢٣١يَلْقَاكَ مُرْتَدِيًا بِأَحْمَرَ مِنْ دَمٍ
ذَهَبَتْ بِخُضْرَتِهِ الطُّلَا وَالْأَكْبُدُ
٢٣٢حَتَّى يُشَارَ إِلَيْكَ ذَا مَوْلَاهُمُ
وَهُمُ الْمَوَالِي وَالْخَلِيقَةُ أَعْبُدُ
٢٣٣أَنَّى يَكُونُ أَبَا الْبَرِيَّةِ آدَمٌ
وَأَبُوكَ وَالثَّقَلَانِ أَنْتَ مُحَمَّدُ
٢٣٤يَفْنَى الْكَلَامُ وَلَا يُحِيطُ بِوَصْفِكُمْ
أَيُحِيطُ مَا يَفْنَى بِمَا لَا يَنْفَدُ
٢٣٥وقال وقد وشى به قوم إلى السلطان فحبسه فكتب إليه من الحبس:
أَيَا خَدَّدَ اللهُ وَرْدَ الْخُدُودِ
وَقَدَّ قُدُودَ الْحِسَانِ الْقُدُودِ
٢٣٦فَهُنَّ أَسَلْنَ دَمًا مُقْلَتِي
وَعَذَّبْنَ قَلْبِي بِطُولِ الصُّدُودِ
٢٣٧وَكَمْ لِلْهَوَى مِنْ فَتًى مُدْنَفٍ
وَكَمْ لِلنَّوَى مِنْ قَتِيلٍ شَهِيدِ
٢٣٨فَوَا حَسْرَتَا مَا أَمَرَّ الْفِرَاقَ
وَأَعْلَقَ نِيَرَانَهُ بِالْكُبُودِ!
٢٣٩وَأَغْرَى الصَّبَابَةَ بِالْعَاشِقِينَ
وَأَقْتَلَهَا لِلْمُحِبِّ الْعَمِيدِ!
٢٤٠وَأَلْهَجَ نَفْسِي لِغَيْرِ الْخَنَا
بِحُبِّ ذَوَاتِ اللَّمَى وَالنُّهُودِ!
٢٤١فَكَانَتْ وَكُنَّ فِدَاءَ الْأَمِيرِ
وَلَا زَالَ مِنْ نِعْمَةٍ فِي مَزِيدِ
٢٤٢لَقَدْ حَالَ بِالسَّيْفِ دُونَ الْوَعِيدِ
وَحَالَتْ عَطَايَاهُ دُونَ الْوُعُودِ
٢٤٣فَأَنْجُمُ أَمْوَالِهِ فِي النُّحُوسِ
وَأَنْجُمُ سُؤَّلِهِ فِي السُّعُودِ
٢٤٤وَلَوْ لَمْ أَخَفْ غَيْرَ أَعْدَائِهِ
عَلَيْهِ لَبَشَّرْتُهُ بِالْخُلُودِ
٢٤٥رَمَى حَلَبًا بِنَوَاصِي الْخُيُولِ
وَسُمْرٍ يُرِقْنَ دَمًا فِي الصَّعِيدِ
٢٤٦وَبِيضٍ مُسَافِرَةٍ مَا يُقِمْـ
ـنَ لَا فِي الرِّقَابِ وَلَا فِي الْغُمُودِ
٢٤٧يَقُدْنَ الْفَنَاءَ غَدَاةَ اللِّقَاءِ
إِلَى كُلِّ جَيْشٍ كَثِير الْعَدِيدِ
٢٤٨فَوَلَّى بِأَشْيَاعِهِ الَخَرْشَنِيُّ
كَشَاءٍ أَحَسَّ بِزَأْرِ الْأُسُودِ
٢٤٩يُرَوْنَ مِنَ الذُّعْرِ صَوْتَ الرِّيَاحِ
صَهِيلَ الْجِيَادِ وَخَفْقَ الْبُنُودِ
٢٥٠فَمَنْ كَالْأَمِيرِ ابْنِ بِنْتِ الْأَمِيـ
ـرِ أَوْ مَنْ كَآبَائِهِ وَالجُدُودِ
٢٥١سَعَوْا لِلْمَعَالِي وَهُمْ صِبْيَةٌ
وَسَادُوا وَجَادُوا وَهُمْ فِي الْمُهُودِ
٢٥٢أَمَالِكَ رِقِّي وَمَنْ شَأْنُهُ
هِبَاتُ اللُّجَيْنِ وَعِتْقُ الْعَبِيدِ
٢٥٣دَعَوْتُكَ عِنْدَ انْقِطَاعِ الرَّجَا
ءِ وَالْمَوْتُ مِنِّي كَحَبْلِ الْوَرِيدِ
٢٥٤دَعَوْتُكَ لَمَّا بَرَانِي الْبَلَاءُ
وَأَوْهَنَ رِجْلَيَّ ثِقْلُ الْحَدِيدِ
٢٥٥وَقَدْ كَانَ مَشْيُهُمَا فِي النِّعَالِ
فَقَدْ صَارَ مَشْيُهُمَا فِي الْقُيُودِ
وَكُنْتُ مِنَ النَّاسِ فِي مَحْفِلٍ
فَهَا أَنَا فِي مَحْفِلٍ مِنْ قُرُودِ
٢٥٦تُعَجِّلُ فِيَّ وُجُوبَ الْحُدُودِ
وَحَدِّي قُبَيْلَ وُجُوبِ السُّجُودِ
٢٥٧وَقِيلَ: عَدَوْتَ عَلَى الْعَالَمِيـ
ـنَ بَيْنَ وِلَادِي وَبَيْنَ الْقُعُودِ
٢٥٨فَمَا لَكَ تَقْبَلُ زُورَ الْكَلَامِ
وَقَدْرُ الشَّهَادَةِ قَدْرُ الشُّهُودِ
٢٥٩فَلَا تَسْمَعَنَّ مِنَ الْكَاشِحِيـ
ـنَ وَلَا تَعْبَأَنَّ بِمَحْكِ الْيَهُودِ
٢٦٠وَكُنْ فَارِقًا بَيْنَ دَعْوَى أَرَدْ
تُ وَدَعْوَى فَعَلْتُ بِشَأْوٍ بَعِيدِ
٢٦١وَفِي جُودِ كَفَّيْكَ مَا جُدْتَ لِي
بِنَفْسِي وَلَوْ كُنْتُ أَشْقَى ثَمُودِ
٢٦٢ونام أبو بكر الطائي وهو ينشد فقال:
إِنَّ الْقَوَافِيَ لَمْ تُنِمْكَ وَإِنَّمَا
مَحَقَتْكَ حَتَّى صِرْتَ مَا لَا يُوجَدُ
٢٦٣فَكَأَنَّ أُذْنَكَ فُوكَ حِينَ سَمِعْتَهَا
وَكَأَنَّهَا مِمَّا سَكِرْتَ الْمُرْقِدُ
٢٦٤وقال يمدح محمد بن زريق الطرسوسي:
مُحَمَّدُ بْنَ زُرَيْقٍ مَا نَرَى أَحَدَا
إِذَا فَقَدْنَاكَ يُعْطِي قَبْلَ أَنْ يَعِدَا
وَقَدْ قَصَدْتُكَ وَالتَّرْحَالُ مُقْتَرِبٌ
وَالدَّارُ شَاسِعَةٌ وَالزَّادُ قَدْ نَفِدَا
٢٦٥فَخَلِّ كَفَّكَ تَهْمِي وَاثْنِ وَابِلَهَا
إِذَا اكْتَفَيْتُ وِإِلَّا أَغْرَقَ الْبَلَدَا
٢٦٦وقال يمدح أبا عبادة بن يحيى البحتري:
مَا الشَّوْقُ مُقْتَنِعًا مِنِّي بِذَا الْكَمَدِ
حَتَّى أَكُونَ بِلَا قَلْبٍ وَلَا كَبِدِ
٢٦٧وَلَا الدِّيَارُ الَّتِي كَانَ الْحَبِيبُ بِهَا
تَشْكُو إِلَيَّ وَلَا أَشْكُو إِلَى أَحَدِ
٢٦٨مَا زَالَ كُلُّ هَزِيمِ الْوَدْقِ يُنْحِلُهَا
وَالسُّقْمُ يُنْحِلُنِي حَتَّى حَكَتْ جَسَدِي
٢٦٩وَكُلَّمَا فَاضَ دَمْعِي غَاضَ مُصْطَبَرِي
كَأَنَّ مَا سَالَ مِنْ جَفْنَيَّ مِنْ جَلَدِي
٢٧٠فَأَيْنَ مِنْ زَفَرَاتِي مَنْ كَلِفْتُ بِهِ
وَأَيْنَ مِنْكَ ابْنَ يَحْيَى صَوْلَةُ الْأَسَدِ!
٢٧١لَمَّا وَزَنْتُ بِكَ الدُّنْيَا فَمِلْتَ بِهَا
وَبِالْوَرَى قَلَّ عِنْدِي كَثْرَةُ الْعَدَدِ
٢٧٢مَا دَارَ فِي خَلَدِ الْأَيَّامِ لِي فَرَحٌ
أَبَا عُبَادَةَ حَتَّى دُرْتَ فِي خَلَدِي
٢٧٣مَلْكٌ إِذَا امْتَلَأَتْ مَالًا خَزَائِنُهُ
أَذَاقَهَا طَعْمَ ثُكْلِ الْأُمِّ لِلْوَلَدِ
٢٧٤مَاضِي الْجَنَانِ يُرِيهِ الْحَزْمُ قَبْلَ غَدٍ
بِقَلْبِهِ مَا تَرَى عَيْنَاهُ بَعْدَ غَدٍ
٢٧٥مَا ذَا الْبَهَاءُ وَلَا ذَا النُّورُ مِنْ بَشَرٍ
وَلَا السَّمَاحُ الَّذِي فِيهِ سَمَاحُ يَدِ
٢٧٦أَيُّ الْأَكُفِّ تُبَارِي الْغَيْثَ مَا اتَّفَقَا
حَتَّى إِذَا افْتَرَقَا عَادَتْ وَلَمْ يَعُدِ
٢٧٧قَدْ كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ الْمَجْدَ مِنْ مُضَرٍ
حَتَّى تَبَحْتَرَ فَهْوَ الْيَوْمَ مِنْ أُدَدِ
٢٧٨قَوْمٌ إِذَا أَمْطَرَتْ مَوْتًا سُيُوفُهُمُ
حَسِبْتَهَا سُحُبًا جَادَتْ عَلَى بَلَدِ
٢٧٩لَمْ أُجْرِ غَايَةَ فِكْرِي مِنْكَ فِي صِفَةٍ
إِلَّا وَجَدْتُ مَدَاهَا غَايَةَ الْأَبَدِ
٢٨٠وقال يمدح علي بن إبراهيم التنوخي:
أُحَادٌ أَمْ سُدَاسٌ فِي أُحَادِ
لُيَيْلَتُنَا الْمَنُوطَةُ بِالتَّنَادِ؟!
٢٨١كَأَنَّ بَنَاتِ نَعْشٍ فِي دُجَاهَا
خَرَائِدُ سَافِرَاتٌ فِي حِدَادِ
٢٨٢أُفَكِّرُ فِي مُعَاقَرَةِ الْمَنَايَا
وَقَوْدِ الْخَيْلِ مُشْرِفَةَ الْهَوَادِي
٢٨٣زَعِيمٌ لِلْقَنَا الْخَطِّيِّ عَزْمِي
بِسَفْكِ دَمِ الْحَوَاضِرِ وَالْبَوَادِي
٢٨٤إِلَى كَمْ ذَا التَّخَلُّفُ وَالتَّوَانِي
وَكَمْ هَذَا التَّمَادِي فِي التَّمَادِي
٢٨٥وَشُغْلُ النَّفْسِ عَنْ طَلَبِ الْمَعَالِي
بِبَيْعِ الشِّعْرِ فِي سُوقِ الْكَسَادِ
٢٨٦وَمَا مَاضِي الشَّبَابِ بِمُسْتَرَدٍّ
وَلَا يَوْمٌ يَمُرُّ بِمُسْتَعَادِ
٢٨٧مَتَى لَحَظَتْ بَيَاضَ الشَّيْبِ عَيْنِي
فَقَدْ وَجَدَتْهُ مِنْهَا فِي السَّوَادِ
٢٨٨مَتَى مَا ازْدَدْتُ مِنْ بَعْدِ التَّنَاهِي
فَقَدْ وَقَعَ انْتِقَاصِي فِي ازْدِيَادِي
٢٨٩أَأَرْضَى أَنْ أَعِيشَ وَلَا أُكَافِي
عَلَى مَا لِلْأَمِيرِ مِنَ الْأَيَادِي
٢٩٠جَزَى اللهُ الْمَسِيرَ إِلَيْهِ خَيْرًا
وَإِنْ تَرَكَ الْمَطَايَا كَالْمَزَادِ
٢٩١فَلَمْ تَلْقَ ابْنَ إِبْرَاهِيمَ عَنْسِي
وَفِيهَا قُوتُ يَوْمٍ لِلْقُرَادِ
٢٩٢أَلَمْ يَكُ بَيْنَنَا بَلَدٌ بَعِيدٌ
فَصَيَّرَ طُولَهُ عَرْضَ النِّجَادِ
٢٩٣وَأَبْعَدَ بُعْدَنَا بُعْدَ التَّدَانِي
وَقَرَّبَ قُرْبَنَا قُرْبَ الْبِعَادِ
٢٩٤فَلَمَّا جِئْتُهُ أَعْلَى مَحَلِّي
وَأَجْلَسَنِي عَلَى السَّبْعِ الشِّدَادِ
٢٩٥تَهَلَّلَ قَبْلَ تَسْلِيمِي عَلَيْهِ
وَأَلْقَى مَالَهُ قَبْلَ الْوِسَادِ
٢٩٦نَلُومُكَ يَا عَلِيُّ لِغَيْرِ ذَنْبٍ
لِأَنَّكَ قَدْ زَرَيْتَ عَلَى الْعِبَادِ
٢٩٧وَأَنَّكَ لَا تَجُودُ عَلَى جَوَادٍ
هِبَاتُكَ أَنْ يُلَقَّبَ بِالْجَوَادِ
٢٩٨كَأَنَّ سَخَاءَكَ الْإِسْلَامُ تَخْشَى
إِذَا مَا حُلْتَ عَاقِبَةَ ارْتِدَادِ
٢٩٩كَأَنَّ الْهَامَ فِي الْهَيْجَا عُيُونٌ
وَقَدْ طُبِعَتْ سُيُوفُكَ مِنْ رُقَادِ
٣٠٠وَقَدْ صُغْتَ الْأَسِنَّةَ مِنْ هُمُومٍ
فَمَا يَخْطُرْنَ إِلَّا فِي فُؤَادِ
٣٠١وَيَوْمَ جَلَبْتَهَا شُعْثَ النَّوَاصِي
مُعَقَّدَةَ السَّبَائِبِ لِلطِّرَادِ
٣٠٢وَحَامَ بِهَا الْهَلَاكُ عَلَى أُنَاسٍ
لَهُمْ بِاللَّاذِقِيَّةِ بَغْيُ عَادِ
٣٠٣فَكَانَ الْغَرْبُ بَحْرًا مِنْ مِيَاهٍ
وَكَانَ الشَّرْقُ بَحْرًا مِنْ جِيَادِ
٣٠٤وَقَدْ خَفَقَتْ لَكَ الرَّايَاتُ فِيهِ
فَظَلَّ يَمُوجُ بِالْبِيضِ الْحِدَادِ
٣٠٥لَقَوْكُ بِأَكْبُدِ الْإِبِلِ الْأَبَايَا
فَسُقْتَهُمُ وَحَدُّ السَّيْفِ حَادِ
٣٠٦وَقَدْ مَزَّقْتَ ثَوْبَ الْغَيِّ عَنْهُمْ
وَقَدْ أَلْبَسْتَهُمْ ثَوْبَ الرَّشَادِ
٣٠٧فَمَا تَرَكُوا الْإِمَارَةَ لِاخْتِيَارٍ
وَلَا انْتَحَلُوا وِدَادَكَ مِنْ وِدَادِ
٣٠٨وَلَا اسْتَفَلُوا لِزُهْدٍ فِي التَّعَالِي
وَلَا انْقَادُوا سُرُورًا بِانْقِيَادِ
٣٠٩وَلَكِنْ هَبَّ خَوْفُكَ فِي حَشَاهُمْ
هُبُوبَ الرِّيحِ فِي رِجْلِ الْجَرَادِ
٣١٠وَمَاتُوا قَبْلَ مَوْتِهِمُ فَلَمَّا
مَنَنْتَ أَعَدْتَهُمْ قَبْلَ الْمَعَادِ
٣١١غَمَدْتَ صَوَارِمًا لَوْ لَمْ يَتُوبُوا
مَحَوْتَهُمُ بِهَا مَحْوَ الْمِدَادِ
٣١٢وَمَا الْغَضَبُ الطَّرِيفُ وَإِنْ تَقَوَّى
بِمُنْتَصِفٍ مِنَ الْكَرَمِ التِّلَادِ
٣١٣فَلَا تَغْرُرْكَ أَلْسِنَةٌ مَوَالٍ
تُقَلِّبْهُنَّ أَفْئِدَةٌ أَعَادِي
٣١٤وَكُنْ كَالْمَوْتِ لَا يَرْثِي لِبَاكٍ
بَكَى مِنْهُ وَيَرْوَى وَهْوَ صَادِ
٣١٥فَإِنَّ الْجُرْحَ يَنْفِرُ بَعْدَ حِينٍ
إِذَا كَانَ الْبِنَاءُ عَلَى فَسَادِ
٣١٦وَإِنَّ الْمَاءَ يَجْرِي مِنْ جَمَادٍ
وَإِنَّ النَّارَ تَخْرُجُ مِنْ زِنَادِ
٣١٧وَكَيْفَ يَبِيتُ مُضْطَجِعًا جَبَانٌ
فَرَشْتَ لِجَنْبِهِ شَوْكَ الْقَتَادِ
٣١٨يَرَى فِي النَّوْمِ رُمْحَكَ فِي كُلَاهُ
وَيَخْشَى أَنْ يَرَاهُ فِي السُّهَادِ
٣١٩أَشَرْتَ أَبَا الْحُسَيْنِ بِمَدْحِ قَوْمٍ
نَزَلْتُ بِهِمْ فَسِرْتُ بِغَيْرِ زَادِ
وَظَنُّونِي مَدَحْتُهُمُ قَدِيمًا
وَأَنْتَ بِمَا مَدَحْتُهُمُ مُرَادِي
٣٢٠وَإِنِّي عَنْكَ بَعْدَ غَدٍ لَغَادٍ
وَقَلْبِي عَنْ فِنَائِكَ غَيْرُ غَادِ
٣٢١مُحِبُّكَ حَيْثُمَا اتَّجَهَتْ رِكَابِي
وَضَيْفُكَ حَيْثُ كُنْتَ مِنَ الْبِلَادِ
٣٢٢وقال يمدح بدر بن عمار الأسدي الطبرستاني، وهو يومئذٍ يتولى حرب طبرية من قبل أبي بكر محمد بن رائق سنة ٣٢٨:
أَحُلْمًا نَرَى أَمْ زَمَانًا جَدِيدَا
أَمِ الْخَلْقُ فِي شَخْصِ حَيٍّ أُعِيدَا
٣٢٣تَجَلَّى لَنَا فَأَضَأْنَا بِهِ
كَأَنَّا نُجُومٌ لَقِينَا سُعُودَا
٣٢٤رَأَيْنَا بِبَدْرٍ وَآبَائِهِ
لِبَدْرٍ وَلُودًا وَبَدْرًا وَلِيدَا
٣٢٥طَلَبْنَا رِضَاهُ بِتَرْكِ الَّذِي
رَضِينَا لَهُ فَتَرَكْنَا السُّجُودَا
٣٢٦أَمِيرٌ أَمِيرٌ عَلَيْهِ النَّدَى
جَوَادٌ بَخِيلٌ بِأَنْ لَا يَجُودَا
٣٢٧يُحَدِّثُ عَنْ فَضْلِهِ مُكْرَهًا
كَأَنَّ لَهُ مِنْهُ قَلْبًا حَسُودَا
٣٢٨وَيُقْدِمُ إِلَّا عَلَى أَنْ يَفِرَّ
وَيَقْدِرُ إِلَّا عَلَى أَنْ يَزِيدَا
٣٢٩كَأَنَّ نَوَالَكَ بَعْضُ الْقَضَاءِ
فَمَا تُعْطِ مِنْهُ نَجِدْهُ جُدُودَا
٣٣٠وَرُبَّتَمَا حَمْلَةٍ فِي الْوَغَى
رَدَدْتَ بِهَا الذُّبَّلَ السُّمْرَ سُودَا
٣٣١وَهَوْلٍ كَشَفْتَ وَنَصْلٍ قَصَفْتَ
وَرُمْحٍ تَرَكْتَ مُبَادًا مُبِيدَا
٣٣٢وَمَالٍ وَهَبْتَ بِلَا مَوْعِدٍ
وَقِرْنٍ سَبَقْتَ إِلَيْهِ الْوَعِيدَا
٣٣٣بِهَجْرِ سُيُوفِكَ أَغْمَادَهَا
تَمَنَّى الطُّلَا أَنْ تَكُونَ الْغُمُودَا
٣٣٤إِلَى الْهَامِ تَصْدُرُ عَنْ مِثْلِهِ
تَرَى صَدْرًا عَنْ وُرُودٍ وُرُودَا
٣٣٥قَتَلْتَ نُفُوسَ الْعِدَا بِالْحَدِيـ
ـدِ حَتَّى قَتَلْتَ بِهِنَّ الْحَدِيدَا
٣٣٦فَأَنْفَدْتَ مِنْ عَيْشِهِنَّ الْبَقَاءَ
وَأَبْقَيْتَ مِمَّا مَلَكْتَ النُّفُودَا
٣٣٧كَأَنَّكَ بِالْفَقْرِ تَبْغِي الْغِنَى
وَبِالْمَوْتِ فِي الْحَرْبِ تَبْغِي الْخُلُودَا
٣٣٨خَلَائِقُ تَهْدِي إِلَى رَبِّهَا
وَآيَةُ مَجْدٍ أَرَاهَا الْعَبِيدَا
٣٣٩مُهَذَّبَةٌ حُلْوَةٌ مُرَّةٌ
حَقَرْنَا الْبِحَارَ بِهَا وَالْأُسُودَا
٣٤٠بَعِيدٌ عَلَى قُرْبِهَا وَصْفُهَا
تَغُولُ الظُّنُونَ وَتُنْضِي الْقَصِيدَا
٣٤١فَأَنْتَ وَحِيدُ بَنِي آدَمٍ
وَلَسْتَ لِفَقْدِ نَظِيرٍ وَحِيدَا
٣٤٢وقال لما استعظم قوم ما قاله في آخر مرثية جدته:
يَسْتَعْظِمُونَ أُبَيَّاتًا نَأَمْتُ بِهَا
لَا تَحْسُدُنَّ عَلَى أَنْ يَنْأَمَ الْأَسَدَا
٣٤٣لَوْ أَنَّ ثَمَّ قُلُوبًا يَعْقِلُونَ بِهَا
أَنْسَاهُمُ الذُّعْرُ مِمَّا تَحْتَهَا الْحَسَدَا
٣٤٤وقال يمدح محمد بن سيار بن مكرم التميمي:
أَقَلُّ فِعَالِي بَلْهَ أَكْثَرَهُ مَجْدُ
وَذَا الْجِدُّ فِيهِ نِلْتُ أَمْ لَمْ أَنَلْ جِدُّ
٣٤٥سَأَطْلُبُ حَقِّي بِالْقَنَا وَمَشَايِخٍ
كَأَنَّهُمُ مِنْ طُولِ مَا الْتَثَمُوا مُرْدُ
٣٤٦ثِقَالٍ إِذَا لَاقَوْا خِفَافٍ إِذَا دُعُوا
كَثِيرٍ إِذَا شَدُّوا قَلِيلٍ إِذَا عُدُّوا
٣٤٧وَطَعْنٍ كَأَنَّ الطَّعْنَ لَا طَعْنَ عِنْدَهُ
وَضَرْبٍ كَأَنَّ النَّارَ مِنْ حَرِّهِ بَرْدُ
٣٤٨إِذَا شِئْتُ حَفَّتْ بِي عَلَى كُلِّ سَابِحٍ
رِجَالٌ كَأَنَّ الْمَوْتَ فِي فَمِهَا شَهْدُ
٣٤٩أَذُمُّ إِلَى هَذَا الزَّمَانِ أُهَيْلَهُ
فَأَعْلَمُهُمْ فَدْمٌ وَأَحْزَمُهُمْ وَغْدُ
٣٥٠وَأَكْرَمُهُمْ كَلْبٌ وَأَبْصَرُهُمْ عَمٍ
وَأَسْهَدُهُمْ فَهْدٌ وَأَشْجَعُهُمْ قِرْدُ
٣٥١وَمِنْ نَكَدِ الدُّنْيَا عَلَى الْحُرِّ أَنْ يَرَى
عَدُوًّا لَهُ مَا مِنْ صَدَاقِتِهِ بُدُّ
٣٥٢بِقَلْبِي وَإِنْ لَمْ أَرْوَ مِنْهَا مَلَالَةٌ
وَبِي عَنْ غَوَانِيهَا وَإِنْ وَصَلَتْ صَدُّ
٣٥٣خَلِيلَايَ دُونَ النَّاسِ حُزْنٌ وَعَبْرَةٌ
عَلَى فَقْدِ مَنْ أَحْبَبْتُ مَا لَهُمَا فَقْدُ
٣٥٤تَلَجُّ دُمُوعِي بِالْجُفُونِ كَأَنَّمَا
جُفُونِي لِعَيْنِي كُلِّ بَاكِيَةٍ خَدُّ
٣٥٥وَإِنِّي لَتُغْنِينِي مِنَ الْمَاءِ نُغْبَةٌ
وَأَصْبِرُ عَنْهُ مِثْلَ مَا تَصْبِرُ الرُّبْدُ
وَأَمْضِي كَمَا يَمْضِي السِّنَانُ لِطِيَّتِي
وَأَطْوِي كَمَا تَطْوِي الْمُجَلِّحَةُ الْعُقْدُ
٣٥٦وَأُكْبِرُ نَفْسِي عَنْ جَزَاءٍ بِغِيبَةٍ
وَكُلُّ اغْتِيَابٍ جُهْدُ مَنْ مَا لَهُ جُهْدُ
٣٥٧وَأَرْحَمُ أَقْوَامًا مِنَ الْعَيِّ وَالْغَبَا
وَأَعْذِرُ فِي بُغْضِي؛ لِأَنَّهُمُ ضِدُّ
٣٥٨وَيَمْنَعُنِي مِمَّن سِوَى ابْنِ مُحَمَّدٍ
أَيَادٍ لَهُ عِنْدِي تَضِيقُ بِهَا عِنْدُ
٣٥٩تَوَالَى بِلَا وَعْدٍ وَلَكِنَّ قَبْلَهَا
شَمَائِلَهُ مِنْ غَيْرِ وَعْدٍ بِهَا وَعْدُ
٣٦٠سَرَى السَّيْفُ مِمَّا تَطْبَعُ الْهِنْدُ صَاحِبِي
إِلَى السَّيْفِ مِمَّا يَطْبَعُ اللهُ لَا الْهِنْدُ
٣٦١فَلَمَّا رَآنِي مُقْبِلًا هَزَّ نَفْسَهُ
إِلَيَّ حُسَامٌ كُلُّ صَفْحٍ لَهُ حَدُّ
٣٦٢فَلَمْ أَرَ قَبْلِي مَنْ مَشَى الْبَحْرُ نَحْوَهُ
وَلَا رَجُلًا قَامَتْ تُعَانِقُهُ الْأُسْدُ
٣٦٣كَأَنَّ الْقِسِيَّ الْعَاصِيَاتِ تُطِيعُهُ
هَوًى أَوْ بِهَا فِي غَيْرِ أُنْمُلُهِ زُهْدُ
٣٦٤يَكَادُ يُصِيبُ الشَّيْءَ مِنْ قَبْلِ رَمْيِهِ
وَيُمْكِنُهُ فِي سَهْمِهِ الْمُرْسَلِ الرَّدُّ
٣٦٥وَيُنْفِذُهُ فِي الْعَقْدِ وَهْوَ مُضَيَّقٌ
مِنَ الشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ وَاللَّيْلُ مُسْوَدُّ
٣٦٦بِنَفْسِي الَّذِي لَا يُزْدَهَى بِخَدِيعَةٍ
وَإِنْ كَثُرَتْ فِيهَا الذَّرَائِعُ وَالْقَصْدُ
٣٦٧وَمَنْ بُعْدُهُ فَقْرٌ وَمَنْ قُرْبُهُ غِنًى
وَمَنْ عِرْضُهُ حُرٌّ وَمَنْ مَالُهُ عَبْدُ
٣٦٨وَيَصْطَنِعُ الْمَعْرُوفَ مُبْتَدِئًا بِهِ
وَيَمْنَعُهُ مِنْ كُلِّ مَنْ ذَمُّهُ حَمْدُ
٣٦٩وَيَحْتَقِرُ الْحُسَّادَ عَنْ ذِكْرِهِ لَهُمْ
كَأَنَّهُمُ فِي الْخَلْقِ مَا خُلِقُوا بَعْدُ
٣٧٠وَتَأْمَنُهُ الْأَعْدَاءُ مِنْ غَيْرِ ذِلَّةٍ
وَلَكِنْ عَلَى قَدْرِ الَّذِي يُذْنِبُ الْحِقْدُ
٣٧١فَإِنْ يَكُ سَيَّارُ بْنُ مَكْرَمٍ انْقَضَى
فَإِنَّكَ مَاءُ الْوَرْدِ إِنْ ذَهَبَ الْوَرْدُ
٣٧٢مَضَى وَبَنُوهُ وَانْفَرَدْتَ بِفَضْلِهِمْ
وَأَلْفٌ إِذَا مَا جُمِّعَتْ وَاحِدٌ فَرْدُ
٣٧٣لَهُمْ أَوْجُهٌ غُرٌّ وَأَيْدٍ كَرِيمَةٌ
وَمَعْرِفَةٌ عِدٌّ وَأَلْسِنَةٌ لُدُّ
٣٧٤وَأَرْدِيَةٌ خُضْرٌ وَمُلْكٌ مُطَاعَةٌ
وَمَرْكُوزَةٌ سُمْرٌ وَمَقْرَبَةٌ جُرْدُ
٣٧٥وَمَا عِشْتَ مَا مَاتُوا وَلَا أَبَوَاهُمُ
تَمِيمُ بْنُ مُرٍّ وَابْنُ طَابِخَةٍ أُدُّ
٣٧٦فَبَعْضُ الَّذِي يَبْدُو الَّذِي أَنَا ذَاكِرٌ
وَبَعْضُ الَّذِي يَخْفَى عَلَيَّ الَّذِي يَبْدُو
٣٧٧أَلُومُ بِهِ مَنْ لَامَنِي فِي وِدَادِهِ
وَحُقَّ لِخَيْرِ الْخَلْقِ مِنْ خَيْرِهِ الْوُدُّ
٣٧٨كَذَا فَتَنَحَّوْا عَنْ عَلِيٍّ وَطُرْقِهِ
بَنِي اللُّؤْمِ حَتَّى يَعْبُرَ الْمَلِكُ الْجَعْدُ
٣٧٩فَمَا فِي سَجَايَاكُمْ مُنَازَعَةُ الْعُلَا
وَلَا فِي طِبَاعِ التُّرْبَةِ الْمِسْكُ وَالنَّدُّ
٣٨٠وودع صديقًا له يقال له: أبو البهي فقال ارتجالًا عند مسيره عنه:
أَمَّا الْفِرَاقُ فَإِنَّهُ مَا أَعْهَدُ
هُوَ تَوْءَمِي لَوْ أَنَّ بَيْنًا يُولَدُ
٣٨١وَلَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّنَا سَنُطِيعُهُ
لَمَّا عَلِمْنَا أَنَّنَا لَا نَخْلُدُ
٣٨٢وَإِذَا الْجِيَادُ أَبَا الْبَهِيِّ نَقَلْنَنَا
عَنْكُمْ فَأرْدَأُ مَا رَكِبْتُ الْأَجْوَدُ
٣٨٣مَنْ خَصَّ بِالذَّمِّ الْفِرَاقَ فَإِنَّنِي
مَنْ لَا يَرَى فِي الدَّهْرِ شَيْئًا يُحْمَدُ
٣٨٤وقال يمدح الحسين بن علي الهمذاني:
لَقَدْ حَازَنِي وَجْدٌ بِمَنْ حَازَهُ بُعْدُ
فَيَا لَيْتَنِي بُعْدٌ وَيَا لَيْتَهُ وَجْدُ
٣٨٥أُسَرُّ بِتَجْدِيدِ الْهَوَى ذِكْرَ مَا مَضَى
وَإِنْ كَانَ لَا يَبْقَى لَهُ الْحَجَرُ الصَّلْدُ
٣٨٦سُهَادٌ أَتَانَا مِنْكَ فِي الْعَيْنِ عِنْدَنَا
رُقَادٌ وَقُلَّامٌ رَعَى سَرْبُكُمْ وَرْدُ
٣٨٧مُمَثَّلَةٌ حَتَّى كَأَنْ لَمْ تُفَارِقِي
وَحَتَّى كَأَنَّ الْيَأْسَ مِنْ وَصْلِكِ الْوَعْدُ
٣٨٨وَحَتَّى تَكَادِي تَمْسَحِينَ مَدَامِعِي
وَيَعْبِقُ فِي ثَوْبَيَّ مِنْ رِيحِكِ النَّدُّ
٣٨٩إِذَا غَدَرَتْ حَسْنَاءُ وَفَّتْ بِعَهْدِهَا
فَمِنْ عَهْدِهَا أَنْ لَا يَدُومَ لَهَا عَهْدُ
٣٩٠وَإِنْ عَشِقَتْ كَانَتْ أَشَدَّ صَبَابَةً
وَإِنْ فَرِكَتْ فَاذْهَبْ فَمَا فِرْكُهَا قَصْدُ
٣٩١وَإِنْ حَقَدَتْ لَمْ يَبْقَ فِي قَلْبِهَا رِضًا
وَإِنْ رَضِيَتْ لَمْ يَبْقَ فِي قَلْبِهَا حِقْدُ
كَذَلِكَ أَخْلَاقُ النِّسَاءِ وَرُبَّمَا
يَضِلُّ بِهَا الْهَادِي وَيَخْفَى بِهَا الرُّشْدُ
٣٩٢وَلَكِنَّ حُبًّا خَامَرَ الْقَلْبَ فِي الصِّبَا
يَزِيدُ عَلَى مَرِّ الزَّمَانِ وَيَشْتَدُّ
٣٩٣سَقَى ابْنُ عَلِيٍّ كُلَّ مُزْنٍ سَقَتْكُمُ
مُكَافَأَةً يَغْدُو إِلَيْهَا كَمَا تَغْدُو
٣٩٤لِتَرْوَى كَمَا تُرْوِي بِلَادًا سَكَنْتَهَا
وَيَنْبُتَ فِيهَا فَوْقَكَ الْفَخْرُ وَالْمَجْدُ
٣٩٥بِمَنْ تَشْخَصُ الْأَبْصَارُ يَوْمَ رُكُوبِهِ
وَيَخْرَقُ مِنْ زَحْمٍ عَلَى الرَّجُلِ الْبُرْدُ
٣٩٦وَتُلْقِي وَمَا تَدْرِي الْبَنَانُ سِلَاحَهَا
لِكَثْرَةِ إِيمَاءٍ إِلَيْهِ إِذَا يَبْدُو
٣٩٧ضَرُوبٌ لِهَامِ الضَّارِبِي الْهَامِ فِي الْوَغَى
خَفِيفٌ إِذَا مَا أَثْقَلَ الْفَرَسَ اللَّبْدُ
٣٩٨بَصِيرٌ بِأَخْذِ الْحَمْدِ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ
وَلَوْ خَبَأَتْهُ بَيْنَ أَنْيَابِهَا الْأُسْدُ
٣٩٩بِتَأْمِيلِهِ يَغْنَى الْفَتَى قَبْلَ نَيْلِهِ
وَبِالذُّعْرِ مِنْ قَبْلِ الْمُهَنَّدِ يَنْقَدُّ
٤٠٠وَسَيْفِي لَأَنْتَ السَّيْفُ لَا مَا تَسُلُّهُ
لِضَرْبٍ وَمِمَّا السَّيْفُ مِنْهُ لَكَ الْغِمْدُ
٤٠١وَرُمْحِي لَأَنْتَ الرُّمْحُ لَا مَا تَبُلُّهُ
نَجِيعًا وَلَوْلَا الْقَدْحُ لَمْ يُثْقِبِ الزَّنْدُ
٤٠٢مِنَ الْقَاسِمِينَ الشُّكْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ
لِأَنَّهُمُ يُسْدَى إِلَيْهِمْ بِأَنْ يُسْدُوا
٤٠٣فَشُكْرِي لَهُمْ شُكْرَانِ: شُكْرٌ عَلَى النَّدَى
وَشُكْرٌ عَلَى الشُّكْرِ الَّذِي وَهَبُوا بَعْدُ
٤٠٤صِيَامٌ بِأَبْوَابِ الْقِبَابِ جِيَادُهُمْ
وَأَشْخَاصُهَا فِي قَلْبِ خَائِفِهِمْ تَعْدُو
٤٠٥وَأَنْفُسُهُمْ مَبْذُولَةٌ لِوُفُودِهِمْ
وَأَمْوَالُهُمْ فِي دَارِ مَنْ لَمْ يَفِدْ وَفْدُ
٤٠٦كَأَنَّ عَطِيَّاتِ الْحُسَيْنِ عَسَاكِرٌ
فَفِيهَا الْعِبِدَّى وَالْمُطَهَّمَةُ الْجُرْدُ
٤٠٧أَرَى الْقَمَرَ ابْنَ الشَّمْسِ قَدْ لَبِسَ الْعُلَا
رُوَيْدَكَ حَتَّى يَلْبَسَ الشَّعَرَ الْخَدُّ
٤٠٨وَغَالَ فُضُولَ الدِّرْعِ مِنْ جَنَبَاتِهَا
عَلَى بَدَنٍ قَدُّ الْقَنَاةِ لَهُ قَدُّ
٤٠٩وَبَاشَرَ أَبْكَارَ الْمَكَارِمِ أَمْرَدًا
وَكَانَ كَذَا آبَاؤُهُ وَهُمُ مُرْدُ
٤١٠مَدَحْتُ أَبَاهُ قَبْلَهُ فَشَفَى يَدِي
مِنَ الْعُدْمِ مَنْ تُشْفَى بِهِ الْأَعْيُنُ الرُّمْدُ
٤١١حَبَانِي بِأَثْمَانِ السَّوَابِقِ دُونَهَا
مَخَافَةَ سَيْرِي إِنَّهَا لِلنَّوَى جُنْدُ
٤١٢وَشَهْوَةَ عَوْدٍ إِنَّ جُودَ يَمِينِهِ
ثُنَاءٌ ثُنَاءٌ وَالْجَوَادُ بِهَا فَرْدُ
٤١٣فَلَا زِلْتُ أَلْقَى الْحَاسِدِينَ بِمِثْلِهَا
وَفِي يَدِهِمْ غَيْظٌ وَفِي يَدِيَ الرِّفْدُ
٤١٤وَعِنْدِي قِبَاطِيُّ الْهُمَامِ وَمَالُهُ
وَعِنْدَهُمُ مِمَّا ظَفِرْتُ بِهِ الْجَحْدُ
٤١٥يَرُومُونَ شَأْوِي فِي الْكَلَامِ وَإِنَّمَا
يُحَاكِي الْفَتَى فِيمَا خَلَا الْمَنْطِقَ الْقِرْدُ
٤١٦فَهُمْ فِي جُمُوعٍ لَا يَرَاهَا ابْنُ دَأْيَةٍ
وَهُمْ فِي ضَجِيجٍ لَا يُحِسُّ بِهَا الْخُلْدُ
٤١٧وَمِنِّي اسْتَفَادَ النَّاسُ كُلَّ غَرِيبَةٍ
فَجَازُوا بِتَرْكِ الذَّمِّ إِنْ لَمْ يَكُنْ حَمْدُ
٤١٨وَجَدْتُ عَلِيًّا وَابْنَهُ خَيْرَ قَوْمِهِ
وَهُمْ خَيْرُ قَوْمٍ وَاسْتَوَى الْحُرُّ وَالْعَبْدُ
٤١٩وَأَصْبَحَ شِعْرِي مِنْهُمَا فِي مَكَانِهِ
وَفِي عُنُقِ الْحَسْنَاءِ يُسْتَحْسَنُ الْعِقْدُ
٤٢٠وساير أبا محمد بن طغج وهو لا يدري أين يريد؛ فلما دخل كفرديس قال:
وَزِيَارَةٍ عَنْ غَيْرِ مَوْعِدْ
كَالْغُمْضِ فِي الْجَفْنِ الْمُسَهَّدْ
٤٢١مَعَجَتْ بِنَا فِيهَا الْجِيَا
دُ مَعَ الْأَمِيرِ أَبِي مُحَمَّدْ
٤٢٢حَتَّى دَخَلْنَا جَنَّةً
لَوْ أَنَّ سَاكِنَهَا مُخَلَّدْ
خَضْرَاءَ حَمْرَاءَ التُّرَا
بِ كَأَنَّهَا فِي خَدِّ أَغْيَدْ
٤٢٣أَحْبَبْتُ تَشْبِيهًا لَهَا
فَوَجَدْتُهُ مَا لَيْسَ يُوجَدْ
٤٢٤وَإِذَا رَجَعْتَ إِلَى الْحَقَا
ئِقِ فَهْيَ وَاحِدَةٌ لِأَوْحَدْ
٤٢٥وهمَّ بالنهوض فأقعده أبو محمد فقال:
يَا مَنْ رَأَيْتَ الْحَلِيمَ وَغْدَا
بِهِ وَحُرَّ الْمُلُوكِ عَبْدَا
٤٢٦مَالَ عَلَيَّ الشَّرَابُ جِدَّا
وَأَنْتَ بِالْمَكْرُمَاتِ أَهْدَى
٤٢٧فَإِنْ تَفَضَّلْتَ بِانْصِرَافِي
عَدَدْتُهُ مِنْ لَدُنْكَ رِفْدَا
٤٢٨وأطلق أبو محمد الباشق على سماناة فأخذها فقال:
أَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ بَلَغْتَ الْمُرَادَا
وَفِي كُلِّ شَأْوٍ شَأَوْتَ الْعِبَادَا؟
٤٢٩فَمَاذَا تَرَكْتَ لِمَنْ لَمْ يَسُدْ
وَمَاذَا تَرَكْتَ لِمَنْ كَانَ سَادَا؟
٤٣٠كَأَنَّ السُّمَانَى إِذَا مَا رَأَتْكَ
تَصَيَّدُهَا تَشْتَهِي أَنْ تُصَادَا
٤٣١واجتاز أبو محمد الجبال، فأثارت الغلمان خشفًا، فتلقفته الكلاب، فقال:
وَشَامِخٍ مِنَ الْجِبَالِ أَقْوَدِ
فَرْدٍ كَيَافُوخِ الْبَعِيرِ الْأَصْيَدِ
٤٣٢يُسَارُ مِنْ مَضِيقِهِ وَالْجَلْمَدِ
فِي مِثْلِ مَتْنِ الْمَسَدِ الْمُعَقَّدِ
٤٣٣زُرْنَاهُ لِلْأَمْرِ الَّذِي لَمْ يُعْهَدِ
لِلصَّيْدِ وَالنُّزْهَةِ وَالتَّمَرُّدِ
٤٣٤بِكُلِّ مَسْقِيِّ الدِّمَاءِ أَسْوَدِ
مُعَاوِدٍ مُقَوَّدٍ مُقَلَّدِ
٤٣٥بِكُلِّ نَابٍ ذَرِبٍ مُحَدَّدِ
عَلَى حِفَافَيْ حَنَكٍ كَالْمِبْرَدِ
٤٣٦كَطَالِبِ الثَّارِ وَإِنْ لَمْ يَحْقِدِ
يَقْتُلُ مَا يَقْتُلُهُ وَلَا يَدِي
٤٣٧يَنْشُدُ مِنْ ذَا الْخِشْفِ مَا لَمْ يَفْقِدِ
فَثَارَ مِنْ أَخْضَرَ مَمْطُورٍ نَدِي
٤٣٨كَأَنَّهُ بَدْءُ عِذَارِ الْأَمْرَدِ
فَلَمْ يَكَدْ إِلَّا لِحَتْفٍ يَهْتَدِي
وَلَمْ يَقَعْ إِلَّا عَلَى بَطْنِ يَدِ
وَلَمْ يَدَعْ لِلشَّاعِرِ الْمُجَوِّدِ
٤٣٩وَصْفًا لَهُ عِنْدَ الْأَمِيرِ الْأَمْجَدِ
الْمَلِكِ الْقَرْمِ أَبِي مُحَمَّدِ
٤٤٠الْقَانِصِ الْأَبْطَالَ بِالْمُهَنَّدِ
ذِي النِّعَمِ الْغُرِّ الْبَوَادِي الْعُوَّدِ
٤٤١إِذَا أَرَدْتُ عَدَّهَا لَمْ تُعْدَدِ
وَإِنْ ذَكَرْتُ فَضْلَهُ لَمْ يَنْفَدِ
٤٤٢وقال ارتجالًا يودعه:
مَاذَا الْوَدَاعُ وَدَاعُ الْوَامِقِ الْكَمِدِ
هَذَا الْوَدَاعُ وَدَاعُ الرُّوحِ لِلْجَسَدِ
٤٤٣إِذَا السَّحَابُ زَفَتْهُ الرِّيحُ مُرْتَفِعًا
فَلَا عَدَا الرَّمْلَةِ الْبَيْضَاءِ مِنْ بَلَدِ
٤٤٤وَيَا فِرَاقَ الْأَمِيرِ الرَّحْبِ مَنْزِلُهُ
إِنْ أَنْتَ فَارَقْتَنَا يَوْمًا فَلَا تَعُدِ
٤٤٥ودخل على أبي العشائر الحسين بن علي بن حمدان يومًا فوجده على الشراب، وفي يده بطيخة من الند في غشاء من خيزران، عليها قلادة لؤلؤ، وعلى رأسها عنبر قد أدير حولها، فحياه بها وقال: أي شيء تشبه هذه؟ فقال ارتجالًا:
وَبِنِيَّةٍ مِنْ خَيْزُرَانٍ ضُمِّنَتْ
بِطِّيخَةً نَبَتَتْ بِنَارٍ فِي يَدِ
٤٤٦نَظَمَ الْأَمِيرُ لَهَا قِلَادَةَ لُؤْلُؤٍ
كِفِعَالِهِ وَكَلَامِهِ فِي الْمَشْهَدِ
٤٤٧كَالْكَاسِ بَاشَرَهَا الْمِزَاجُ فَأَبْرَزَتْ
زَبَدًا يَدُورُ عَلَى شَرَابٍ أَسْوَدِ
٤٤٨وقال فيها ارتجالًا أيضًا:
وَسَوْدَاءَ مَنْظُومٍ عَلَيْهَا لَآلِئٌ
لَهَا صُورَةُ الْبِطِّيخِ وَهْيَ مِنَ النَّدِّ
كَأَنَّ بَقَايَا عَنْبَرٍ فَوْقَ رَأْسِهَا
طُلُوعُ رَوَاعِي الشَّيْبِ فِي الشَّعَرِ الْجَعْدِ
٤٤٩وعمل أبياتًا بديهًا، فتعجب أبو العشائر من سرعته، فقال:
أَتُنْكِرُ مَا نَطَقْتُ بِهِ بَدِيهًا
وَلَيْسَ بِمُنْكَرٍ سَبْقَ الْجَوَادِ
أُرَاكِضُ مُعْوِصَاتِ الشِّعْرِ قَسْرًا
فَأَقْتُلُهَا وَغَيْرِي فِي الطِّرَادِ
٤٥٠وقال يمدح كافورًا سنة ست وأربعين وثلاثمائة:
أَوَدُّ مِنَ الْأَيَّامِ مَا لَا تَوَدُّهُ
وَأَشْكُو إِلَيْهَا بَيْنَنَا وَهْيَ جُنْدُهُ
٤٥١يُبَاعِدْنَ حِبًّا يَجْتَمِعْنَ وَوَصْلُهُ
فَكَيْفَ بِحِبٍّ يَجْتَمِعْنَ وَصَدُّهُ
٤٥٢أَبَى خُلُقُ الدُّنْيَا حَبِيبًا تُدِيمُهُ
فَمَا طَلَبِي مِنْهَا حَبِيبًا تَرُدُّهُ
٤٥٣وَأَسْرَعُ مَفْعُولٍ فَعَلْتَ تَغَيُّرًا
تَكَلُّفُ شَيْءٍ فِي طِبَاعِكَ ضِدُّهُ
٤٥٤رَعَى اللهُ عِيسًا فَارَقَتْنَا وَفَوْقَهَا
مَهًا كُلُّهَا يُولِي بِجَفْنَيْهِ خَدُّهُ
٤٥٥بِوَادٍ بِهِ مَا بِالْقُلُوبِ كَأَنَّهُ
وَقَدْ رَحَلُوا جِيدٌ تَنَاثَرَ عِقْدُهُ
٤٥٦إِذَا سَارَتِ الْأَحْدَاجُ فَوْقَ نَبَاتِهِ
تَفَاوَحَ مِسْكُ الْغَانِيَاتِ وَرَنْدُهُ
٤٥٧وَحَالٍ كَإِحْدَاهُنَّ رُمْتُ بُلُوغَهَا
وَمِنْ دُونِهَا غَوْلُ الطَّرِيقِ وَبُعْدُهُ
٤٥٨وَأَتْعَبُ خَلْقِ اللهِ مَنْ زَادَ هَمُّهُ
وَقَصَّرَ عَمَّا تَشْتَهِي النَّفْسُ وُجْدُهُ
٤٥٩فَلَا يَنْحَلِلْ فِي الْمَجْدِ مَالُكَ كُلُّهُ
فَيَنْحَلُّ مَجْدٌ كَانَ بِالْمَالِ عِقْدُهُ
٤٦٠وَدَبِّرْهُ تَدْبِيرَ الَّذِي الْمَجْدُ كَفُّهُ
إِذَا حَارَبَ الْأَعْدَاءَ وَالْمَالُ زَنْدُهُ
٤٦١فَلَا مَجْدَ فِي الدُّنْيَا لِمَنْ قَلَّ مَالُهُ
وَلَا مَالَ فِي الدُّنْيَا لِمَنْ قَلَّ مَجْدُهُ
وَفِي النَّاسِ مَنْ يَرْضَى بِمَيْسُورِ عَيْشِهِ
وَمَرْكُوبُهُ رِجْلَاهُ وَالثَّوْبُ جِلْدُهُ
٤٦٢وَلَكِنَّ قَلْبًا بَيْنَ جَنْبَيَّ مَا لَهُ
مَدًى يَنْتَهِي بِي فِي مُرَادٍ أَحُدُّهُ
٤٦٣يَرَى جِسْمَهَ يُكْسَى شُفُوفًا تَرُبُّهُ
فَيَخْتَارُ أَنْ يُكْسَى دُرُوعًا تَهُدُّهُ
٤٦٤يُكَلِّفُنِي التَّهْجِيرَ فِي كُلِّ مَهْمَهٍ
عَلِيقِي مَرَاعِيهِ وَزَادِيَ رُبْدُهُ
٤٦٥وَأَمْضَى سِلَاحٍ قَلَّدَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ
رَجَاءُ أَبِي الْمِسْكِ الْكَرِيمِ وَقَصْدُهُ
٤٦٦هُمَا نَاصِرَا مَنْ خَانَهُ كُلُّ نَاصِرٍ
وَأُسْرَةُ مَنْ لَمْ يُكْثِرِ النَّسْلَ جَدُّهُ
٤٦٧أَنَا الْيَوْمَ مِنْ غِلْمَانِهِ فِي عَشِيرَةٍ
لَنَا وَالِدٌ مِنْهُ يُفَدِّيهِ وُلْدُهُ
٤٦٨فَمِنْ مَالِهِ مَالُ الْكَبِيرِ وَنَفْسُهُ
وَمِنْ مَالِهِ دَرُّ الصَّغِيرِ وَمَهْدُهُ
٤٦٩نَجُرُّ الْقَنَا الْخَطِّيَّ حَوْلَ قِبَابِهِ
وَتَرْدِي بِنَا قُبُّ الرِّبَاطِ وَجُرْدُهُ
٤٧٠وَنَمْتَحِنُ النُّشَّابَ فِي كُلِّ وَابِلٍ
دَوِيُّ الْقِسِيِّ الْفَارِسِيَّةِ رَعْدُهُ
٤٧١فَإِلَّا تَكُنْ مِصْرُ الشَّرَى أَوْ عَرِينَهُ
فَإِنَّ الَّذِي فِيهَا مِنَ النَّاسِ أُسْدُهُ
٤٧٢سَبَائِكُ كَافُورٍ وَعِقْيَانُهُ الَّذِي
بِصُمِّ الْقَنَا لَا بِاْلَأَصَابِعِ نَقْدُهُ
٤٧٣بَلَاهَا حَوَالَيْهِ الْعَدُوُّ وَغَيْرُهُ
وَجَرَّبَهَا هَزْلُ الطِّرَادِ وَجِدُّهُ
٤٧٤أَبُو الْمِسْكِ لَا يَفْنَى بِذَنْبِكَ عَفْوُهُ
وَلَكِنَّهُ يَفْنَى بِعُذْرِكَ حِقْدُهُ
٤٧٥فَيَا أَيُّهَا الْمَنْصُورُ بِالْجِدِّ سَعْيُهُ
وَيَا أَيُّهَا الْمَنْصُورُ بِالسَّعْيِ جَدُّهُ
٤٧٦تَوَلَّى الصِّبَا عَنِّي فَأَخْلَفْتُ طِيبَهُ
وَمَا ضَرَّنِي لَمَّا رَأَيْتُكَ فَقْدُهُ
٤٧٧لَقَدْ شَبَّ فِي هَذَا الزَّمَانِ كُهُولُهُ
لَدَيْكَ وَشَابَتْ عِنْدَ غَيْرِكَ مُرْدُهُ
٤٧٨أَلَا لَيْتَ يَوْمَ السَّيْرِ يُخْبِرُ حَرُّهُ
فَتَسْأَلَهُ وَاللَّيْلُ يُخْبِرُ بَرْدُهُ
٤٧٩وَلَيْتَكَ تَرْعَانِي وَحَيْرَانُ مُعْرِضٌ
فَتَعْلَمَ أَنِّي مِنْ حُسَامِكَ حَدُّهُ
٤٨٠وَأَنِّي إِذَا بَاشَرْتُ أَمْرًا أُرِيدُهُ
تَدَانَتْ أَقَاصِيهِ وَهَانَ أَشُدُّهُ
٤٨١وَمَا زَالَ أَهْلُ الدَّهْرِ يَشْتَبِهُونَ لِي
إِلَيْكَ فَلَمَّا لُحْتَ لِي لَاحَ فَرْدُهُ
٤٨٢يُقَالُ إِذَا أَبْصَرْتُ جَيْشًا وَرَبَّهُ:
أَمَامَكَ رَبٌّ، رَبُّ ذَا الْجَيْشِ عَبْدُهُ
٤٨٣وَأَلْقَى الْفَمَ الضَّحَّاكَ أَعْلَمُ أَنَّهُ
قَرِيبٌ بِذِي الْكَفِّ الْمُفَدَّاةِ عَهْدُهُ
٤٨٤فَزَارَكَ مِنِّي مَنْ إِلَيْكَ اشْتِيَاقُه
وَفِي النَّاسِ إِلَّا فِيكَ وَحْدَكَ زُهْدُهُ
٤٨٥يُخَلِّفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ دَارَكَ غَايَةً
وَيَأْتِي فَيَدْرِي أَنَّ ذَلِكَ جُهْدُهُ
٤٨٦فَإِنْ نِلْتُ مَا أَمَّلْتُ مِنْكَ فَرُبَّمَا
شَرِبْتُ بِمَاءٍ يُعْجِزُ الطَّيْرَ وِرْدُهُ
٤٨٧وَوَعْدُكَ فِعْلٌ قَبْلَ وَعْدٍ لِأَنَّهُ
نَظِيرُ فِعَالِ الصَّادِقِ الْقَوْلِ وَعْدُهُ
٤٨٨فَكُنْ فِي اصْطِنَاعِي مُحْسِنًا كَمُجَرِّبٍ
يَبِنْ لَكَ تَقْرِيبُ الْجَوَادِ وَشَدُّهُ
٤٨٩إِذَا كُنْتَ فِي شَكٍّ مِنَ السَّيْفِ فَابْلُهُ
فَإِمَّا تُنَفِّيهِ وَإِمَّا تَعُدُّهُ
٤٩٠وَمَا الصَّارِمُ الْهِنْدِيُّ إِلَّا كَغَيْرِهِ
إِذَا لَمْ يُفَارِقْهُ النِّجَادُ وَغِمْدُهُ
٤٩١وَإِنَّكَ لَلْمَشْكُورُ فِي كُلِّ حَالَةٍ
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا الْبَشَاشَةُ رِفْدُهُ
٤٩٢فَكُلُّ نَوَالٍ كَانَ أَوْ هُوَ كَائِنٌ
فَلَحْظَةُ طَرْفٍ مِنْكَ عِنْدِي نِدُّهُ
٤٩٣وَإِنِّي لَفِي بَحْرٍ مِنَ الْخَيْرِ أَصْلُهُ
عَطَايَاكَ أَرْجُو مَدَّهَا وَهْيَ مَدُّهُ
٤٩٤وَمَا رَغْبَتِي فِي عَسْجَدٍ أَسْتَفِيدُهُ
وَلَكِنَّهَا فِي مَفْخَرٍ أَسْتَجِدُّهُ
٤٩٥يَجُودُ بِهِ مَنْ يَفْضَحُ الْجُودَ جُودُهُ
وَيَحْمَدُهُ مَنْ يَفْضَحُ الْحَمْدَ حَمْدُهُ
٤٩٦فَإِنَّكَ مَا مَرَّ النُّحُوسُ بِكَوْكَبٍ
وَقَابَلْتَهُ إِلَّا وَوَجْهُكَ سَعْدُهُ
٤٩٧واتصل قوم من الغلمان بابن الأخشيد مولى كافور وأرادوا أن يفسدوا الأمر على كافور فطالبه بتسليمهم إليه، فسلمهم بعد أن امتنع من ذلك مُدَيدَةً مما سبب بينهما وحشة، وبعد أن تسلمهم كافور ألقاهم في النيل ثم اصطلحا، فقال:
حَسَمَ الصُّلْحُ مَا اشْتَهَتْهُ الْأَعَادِي
وَأَذَاعَتْهُ أَلْسُنُ الْحُسَّادِ
٤٩٨وَأَرَادَتْهُ أَنْفُسٌ حَالَ تَدْبِيـ
ـرُكَ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُرَادِ
٤٩٩صَارَ مَا أَوْضَعَ الْمُخِبُّونُ فِيهِ
مِنْ عِتَابٍ زِيَادَةً فِي الْوِدَادِ
٥٠٠وَكَلَامُ الْوُشَاةِ لَيْسَ عَلَى الْأَحْـ
ـبَابِ، سُلْطَانُهُ عَلَى الْأَضْدَادِ
٥٠١إِنَّمَا تُنْجِحُ الْمَقَالَةُ فِي الْمَرْ
ءِ إِذَا صَادَفَتْ هَوًى فِي الْفُؤَادِ
٥٠٢وَلَعَمْرِي لَقَدْ هُزِزْتَ بِمَا قِيـ
ـلَ فَأُلْفِيْتَ أَوْثَقَ الْأَطْوَادِ
٥٠٣وَأَشَارَتْ بِمَا أَبَيْتَ رِجَالٌ
كُنْتَ أَهْدَى مِنْهَا إِلَى الْإِرْشَادِ
٥٠٤قَدْ يُصِيبُ الْفَتَى الْمُشِيرُ وَلَمْ يَجْـ
ـهَدْ وَيُشْوِي الصَّوَابَ بَعْدَ اجْتِهَادِ
٥٠٥نِلْتُ مَا لَا يُنَالُ بِالْبِيضِ وَالسُّمْـ
ـرِ وَصُنْتُ الْأَرْوَاحَ فِي الْأَجْسَادِ
٥٠٦وَقَنَا الْخَطِّ فِي مَرَاكِزِهَا حَوْ
لَكَ وَالْمُرْهِفَاتُ فِي الْأَغْمَادِ
٥٠٧مَا دَرَوْا إِذْ رَأَوْا فُؤَادَكَ فِيهِمْ
سَاكِنًا أَنَّ رَأْيَهُ فِي الطِّرَادِ
٥٠٨فَفَدَى رَأْيَكَ الَّذِي لَمْ تُفَدْهُ
كُلُّ رَأْيٍ مُعَلَّمٍ مُسْتَفَادِ
٥٠٩وَإِذَا الْحِلْمُ لَمْ يَكُنْ فِي طِبَاعٍ
لَمَ يُحَلِّمْ تَقَادُمُ الْمِيلَادِ
٥١٠فَبِهَذَا وَمِثْلِهِ سُدْتَ يَا كَا
فُورُ وَاقْتَدْتَ كُلَّ صَعْبِ الْقِيَادِ
٥١١وَأَطَاعَ الَّذِي أَطَاعَكَ وَالطَّا
عَةُ لَيْسَتْ خَلَائِقَ الْآسَادِ
٥١٢إِنَّمَا أَنْتَ وَالِدٌ وَالْأَبُ الْقَا
طِعُ أَحْنَى مِنْ وَاصِلِ الْأَوْلَادِ
٥١٣لَا عَدَا الشَّرُّ مَنْ بَغَى لَكُمَا الشَّرَّ
وَخَصَّ الْفَسَادُ أَهْلَ الْفَسَادِ
٥١٤أَنْتُمَا — مَا اتَّفَقْتُمَا — الْجِسْمُ وَالرُّو
حُ فَلَا احْتَجْتُمَا إِلَى الْعُوَّادِ
٥١٥وَإِذَا كَانَ فِي الْأَنَابِيبِ خُلْفٌ
وَقَعُ الطَّيْشُ فِي صُدُورِ الصِّعَادِ
٥١٦أَشْمَتَ الْخُلْفُ بِالشَّرَاةِ عِدَاهَا
وَشَفَى رَبَّ فَارِسٍ مِنْ إِيَادِ
٥١٧وَتَوَلَّى بَنِي الْيَزِيدِيِّ بِالْبَصْـ
ـرَةِ حَتَّى تَمَزَّقُوا فِي الْبِلَادِ
٥١٨وَمُلُوكًا كَأَمْسِ فِي الْقُرْبِ مِنَّا
وَكَطَسْمٍ وَأُخْتِهَا فِي الْبِعَادِ
٥١٩بِكُمَا بِتُّ عَائِذًا فِيكُمَا مِنْـ
ـهُ وَمِنْ كَيْدِ كُلِّ بَاغٍ وَعَادِ
٥٢٠وَبِلُبَّيْكُمَا الْأَصِيلَيْنِ أَنْ تَفْـ
ـرُقَ صُمُّ الرِّمَاحِ بَيْنَ الْجِيَادِ
٥٢١أَوْ يَكُونَ الْوَلِيُّ أَشْقَى عَدُوٍّ
بِالَّذِي تَذْخُرَانِهِ مِنْ عَتَادِ
٥٢٢هَلْ يَسُرَّنَّ بَاقِيًا بَعْدَ مَاضٍ
مَا تَقُولُ الْعُدَاةُ فِي كُلِّ نَادِ
٥٢٣مَنَعَ الْوُدُّ وَالرَّعَايَةُ وَالسُّؤْ
دُدُ أَنْ تَبْلُغَا إِلَى الْأَحْقَادِ
٥٢٤وَحُقُوقٌ تُرَقِّقُ الْقَلْبَ لِلْقَلْـ
ـبِ وَلَوْ ضُمِّنَتْ قُلُوبَ الْجَمَادِ
٥٢٥فَغَدَا الْمُلْكُ بَاهِرًا مَنْ رَآهُ
شَاكِرًا مَا أَتَيْتُمَا مِنْ سَدَادِ
٥٢٦فِيهِ أَيْدِيكُمَا عَلَى الظَّفَرِ الْحُلْـ
ـوِ وَأَيْدِي قَوْمٍ عَلَى الْأَكْبَادِ
٥٢٧هَذِهِ دَوْلَةُ الْمَكَارِمِ وَالرَّأْ
فَةِ وَالْمَجْدِ وَالنَّدَى وَالْأَيَادِي
٥٢٨كَسَفَتْ سَاعَةً كَمَا تَكْسِفُ الشَّمْـ
ـسُ، وَعَادَتْ وَنُورُهَا فِي ازْدِيَادِ
٥٢٩يَزْحَمُ الدَّهْرَ رُكْنُهَا عَنْ أَذَاهَا
بِفَتًى مَارِدٍ عَلَى الْمُرَّادِ
٥٣٠مُتْلِفٍ مُخْلِفٍ وَفِيٍّ أَبِيٍّ
عَالِمٍ حَازِمٍ شُجَاعٍ جَوَادِ
٥٣١أَجَفْلَ النَّاسُ عَنْ طَرِيقِ أَبِي الْمِسْـ
ـكِ وَذَلَّتْ لَهُ رِقَابُ الْعِبَادِ
٥٣٢كَيْفَ لَا يُتْرَكُ الطَّرِيقُ لِسَيْلٍ
ضَيِّقٍ عَنْ أَتِيِّهِ كُلُّ وَادِ
٥٣٣وقال يهجوه في يوم عرفة قبل مسيره من مصر بيوم واحد سنة خمسين وثلاثمائة:
٥٣٤عِيدٌ بِأَيَّةِ حَالٍ عُدْتَ يَا عِيدُ
بِمَا مَضَى أَمْ بِأَمْرٍ فِيكَ تَجْدِيدُ؟
٥٣٥أَمَّا الْأَحِبَّةُ فَالْبَيْدَاءُ دُونَهُمُ
فَلَيْتَ دُونَكَ بِيدًا دُونَهَا بِيدُ
٥٣٦لَوْلَا الْعُلَا لَمْ تَجُبْ بِي مَا أَجُوبُ بِهَا
وَجْنَاءُ حَرْفٌ وَلَا جَرْدَاءُ قَيْدُودُ
٥٣٧وَكَانَ أَطْيَبَ مِنْ سَيْفِي مُضَاجَعَةً
أَشْبَاهُ رَوْنَقِهِ الْغِيدُ الْأَمَالِيدُ
٥٣٨لَمْ يَتْرُكِ الدَّهْرُ مِنْ قَلْبِي وَلَا كَبِدِي
شَيْئًا تُتَيِّمُهُ عَيْنٌ وَلَا جِيدُ
٥٣٩يَا سَاقِيَيَّ أَخَمْرٌ فِي كُئُوسِكُمَا
أَمْ فِي كُئُوسِكُمَا هَمٌّ وَتَسْهِيدُ
٥٤٠أَصَخْرَةٌ أَنَا؟ مَا لِي لَا تُحَرِّكُنِي
هَذِي الْمُدَامُ وَلَا هَذِي الْأَغَارِيدُ
٥٤١إِذَا أَرَدْتُ كُمَيْتَ اللَّوْنِ صَافِيَةً
وَجَدْتُهَا وَحَبِيبُ النَّفْسِ مَفْقُودُ
٥٤٢مَاذَا لَقِيتُ مِنَ الدُّنْيَا وَأَعْجَبُهُ
أَنِّي بِمَا أَنَا بَاكٍ مِنْهُ مَحْسُودُ
٥٤٣أَمْسَيْتُ أَرْوَحَ مُثْرٍ خَازِنًا وَيَدًا
أَنَا الْغَنِيُّ وَأَمْوَالِي الْمَوَاعِيدُ
٥٤٤إِنِّي نَزَلْتُ بِكَذَّابِينَ ضَيْفُهُمْ
عَنِ الْقِرَى وعَنِ التَّرْحَالِ مَحْدُودُ
٥٤٥جُودُ الرِّجَالِ مِنَ الْأَيْدِي وَجُودُهُمُ
مِنَ اللِّسَانِ فَلَا كَانُوا وَلَا الْجُودُ
٥٤٦مَا يَقْبِضُ الْمَوْتُ نَفْسًا مِنْ نُفُوسِهِمِ
إِلَّا وَفِي يَدِهِ مِنْ نَتْنِهَا عُودُ
٥٤٧مِنْ كُلِّ رَخْوٍ وِكَاءِ الْبَطْنِ مُنْفَتِقٍ
لَا فِي الرِّجَالِ وَلَا النِّسْوَانِ مَعْدُودُ
٥٤٨أَكُلَّمَا اغْتَالَ عَبْدُ السُّوءِ سَيِّدَهُ
أَوْ خَانَهُ فَلَهُ فِي مِصْرَ تَمْهِيدُ
٥٤٩صَارَ الْخَصِيُّ إِمَامَ الْآبِقِينَ بِهَا
فَالْحُرُّ مُسْتَعْبَدٌ وَالْعَبْدُ مَعْبُودُ
٥٥٠نَامَتْ نَوَاطِيرُ مِصْرٍ عَنْ ثَعَالِبِهَا
فَقَدْ بَشِمْنَ وَمَا تَفْنَى الْعَنَاقِيدُ
٥٥١الْعَبْدُ لَيْسَ لِحُرٍّ صَالِحٍ بِأَخٍ
لَوْ أَنَّهُ فِي ثِيَابِ الْحُرِّ مَوْلُودُ
٥٥٢لَا تَشْتَرِ الْعَبْدَ إِلَّا وَالْعَصَا مَعَهُ
إِنَّ الْعَبِيدَ لَأَنْجَاسٌ مَنَاكِيدُ
٥٥٣مَا كُنْتُ أَحْسَبُنِي أَحْيَا إِلَى زَمَنٍ
يُسِيءُ بِيِ فِيهِ كَلْبٌ وَهْوَ مَحْمُودُ
٥٥٤وَلَا تَوَهَّمْتُ أَنَّ النَّاسَ قَدْ فُقِدُوا
وَأَنَّ مِثْلَ أَبِي الْبَيْضَاءِ مَوْجُودُ
٥٥٥وَأَنَّ ذَا الْأَسْوَدَ الْمَثْقُوبَ مِشْفَرُهُ
تُطِيعُهُ ذِي الْعَضَارِيطِ الرَّعَادِيدُ
٥٥٦جَوْعَانُ يَأْكُلُ مِنْ زَادِي وَيُمْسِكُنِي
لِكَيْ يُقَالَ: عَظِيمُ الْقَدْرِ مَقْصُودُ!
٥٥٧إِنَّ امْرَأً أَمَةٌ حُبْلَى تُدَبِّرُهُ
لَمُسْتَضَامٌ سَخِينُ الْعَيْنِ مَفْئُودُ
٥٥٨وَيْلُمِّهَا خُطَّةً وَيْلُمِّ قَابِلِهَا!
لِمِثْلِهَا خُلِقَ الْمَهْرِيَّةُ الْقُودُ
٥٥٩وَعِنْدَهَا لَذَّ طَعْمَ الْمَوْتِ شَارِبُهُ
إِنَّ الْمَنِيَّةَ عِنْدَ الذُّلِّ قِنْدِيدُ
٥٦٠مَنْ عَلَّمَ الْأَسْوَدَ الْمَخْصِيَّ مَكْرُمَةً
أَقَوْمُهُ الْبِيضُ أَمْ آبَاؤُهُ الصِّيدُ
٥٦١أَمْ أُذْنُهُ فِي يَدِي النَّخَّاسِ دَامِيَةً
أَمْ قَدْرُهُ وَهْوَ بِالْفَلْسَيْنِ مَرْدُودُ
٥٦٢أَوْلَى اللِّئَامِ كُوَيفِيرٌ بِمَعْذِرَةٍ
فِي كُلِّ لُؤْمٍ وَبَعْضُ الْعُذْرِ تَفْنِيدُ
٥٦٣وَذَاكَ أَنَّ الْفُحُولَ الْبِيضَ عَاجِزَةٌ
عَنِ الْجَمِيلِ فَكَيْفَ الْخِصْيَةُ السُّودُ؟!
٥٦٤وقال يمدح أبا الفضل محمد بن الحسين بن العميد، ويهنئه بعيد النيروز، ويصف سيفًا قلده إياه، وفرسًا حمله عليه، وجائزة وصله بها، وكان قد عاب قصيدته الرائية الآتية:
جَاءَ نَيْرُوزُنَا وَأَنْتَ مُرَادُهُ
وَوَرَتْ بِالَّذِي أَرَادَ زِنَادُهْ
٥٦٥هَذِهِ النَّظْرَةُ الَّتِي نَالَهَا مِنْـ
ـكَ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْحَوْلِ زَادُهْ
٥٦٦يَنْثَنِي عَنْكَ آخِرَ الْيَوْمِ مِنْهُ
نَاظِرٌ أَنْتَ طَرْفُهُ وَرُقَادُهْ
٥٦٧نَحْنُ فِي أَرْضِ فَارِسٍ فِي سُرُورٍ
ذَا الصَّبَاحُ الَّذِي نَرَى مِيلَادُهْ
٥٦٨عَظَّمَتْهُ مَمَالِكُ الْفُرْسِ حَتَّى
كُلُّ أَيَّامِ عَامِهِ حُسَّادُهْ
٥٦٩مَا لَبِسْنَا فِيهِ الْأَكَالِيلَ حَتَّى
لَبِسَتْهَا تِلَاعُهُ وَوِهَادُهْ
٥٧٠عِنْدَ مَنْ لَا يُقَاسُ كِسْرَى أَبُو سَا
سَانَ مُلْكًا بِهِ وَلَا أَوْلَادُهْ
٥٧١عَرَبِيٌّ لِسَانُهُ، فَلْسَفِيٌّ
رَأْيُهُ، فَارِسِيَّةٌ أَعْيَادُهْ
٥٧٢كُلَّمَا قَالَ نَائِلٌ: أَنَا مِنْهُ
سَرَفٌ، قَالَ آخَرٌ: ذَا اقْتِصَادُهْ
٥٧٣كَيْفَ يَرْتَدُّ مَنْكِبِي عَنْ سَمَاءٍ
وَالنِّجَادُ الَّذِي عَلَيْهِ نِجَادُهْ؟
٥٧٤قَلَّدَتْنِي يَمِينُهُ بِحُسَامٍ
أَعْقَبَتْ مِنْهُ وَاحِدًا أَجْدَادُهْ
٥٧٥كُلَّمَا اسْتَلَّ ضَاحَكَتْهُ إِيَاةٌ
تَزْعُمُ الشَّمْسُ أَنَّهَا أَرْآدُهْ
٥٧٦مَثَّلُوهُ فِي جَفْنِهِ خَشْيَةَ الْفَقْـ
ـدِ فَفِي مِثْلِ أَثْرِهِ إِغْمَادُهْ
٥٧٧مُنْعَلٌ لَا مِنَ الْحَفَا ذَهَبًا يَحْـ
ـمِلُ بَحْرًا فِرِنْدُهُ إِزْبَادُهْ
٥٧٨يَقْسِمُ الْفَارِسَ الْمُدَجَّجَ لَا يَسْـ
ـلَمُ مِنْ شَفْرَتَيْهِ إِلَّا بِدَادُهْ
٥٧٩جَمَعَ الدَّهْرُ حَدَّهُ وَيَدَيْهِ
وَثَنَائِي فَاسْتَجْمَعَتْ آحَادُهْ
٥٨٠وَتَقَلَّدَتْ شَامَةً فِي نَدَاهُ
جِلْدُهَا مُنْفِسَاتُهُ وَعَتَادُهْ
٥٨١فَرَّسَتْنَا سَوَابِقٌ كُنَّ فِيهِ
فَارَقَتْ لِبْدَهُ وَفِيهَا طِرَادُهْ
٥٨٢وَرَجَتْ رَاحَةً بِنَا لَا تَرَاهَا
وَبِلَادٌ تَسِيرُ فِيهَا بِلَادُهْ
٥٨٣هَلْ لِعُذْرِي عِنْدَ الْهُمَامِ أَبِي الْفَضْـ
ـلِ قَبُولٌ سَوَادُ عَيْنِي مِدَادُهْ
٥٨٤أَنَا مِنْ شِدَّةِ الْحَيَاءِ عَلِيلٌ
مَكْرُمَاتِ الْمُعِلِّهِ عُوَّادُهْ
٥٨٥مَا كَفَانِي تَقْصِيرُ مَا قُلْتُ فِيهِ
عَنْ عُلَاهُ حَتَّى ثَنَاهُ انْتِقَادُهْ
٥٨٦إِنَّنِي أَصْيَدُ الْبُزَاةِ وَلَكِنَّ
أَجَلَّ النُّجُومِ لَا أَصْطَادُهْ
٥٨٧رُبَّ مَا لَا يُعَبِّرُ اللَّفْظُ عَنْـ
ـهُ وَالَّذِي يُضْمِرُ الْفُؤَادُ اعْتِقَادُهْ
٥٨٨مَا تَعَوَّدْتُ أَنْ أَرَى كَأَبِي الْفَضْـ
ـلِ وَهَذَا الَّذِي أَتَاهُ اعْتِيَادُهْ
٥٨٩إِنَّ فِي الْمَوْجِ لِلْغَرِيقِ لَعُذْرًا
وَاضِحًا أَنْ يَفُوتَهُ تَعْدَادُهْ
٥٩٠لِلنَّدَى الْغَلْبُ إِنَّهُ فَاضَ وَالشِّعْـ
ـرُ عِمَادِي وَابْنُ الْعَمِيدِ عِمَادُهْ
٥٩١نَالَ ظَنِّي الْأُمُورَ إِلَّا كَرِيمًا
لَيْسَ لِي نُطْقُهُ وَلَا فِي آدُهْ
٥٩٢ظَالِمُ الْجُودِ كُلَّمَا حَلَّ رَكْبٌ
سِيمَ أَنْ تَحْمِلَ الْبِحَارَ مَزَادُهْ
٥٩٣غَمَرَتْنِي فَوَائِدٌ شَاءَ فِيهَا
أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مِمَّا أُفَادُهْ
٥٩٤مَا سَمِعْنَا بِمَنْ أَحَبَّ الْعَطَايَا
فَاشْتَهَى أَنْ يَكُونَ فِيهَا فُؤَادُهْ
٥٩٥خَلَقَ اللهُ أَفْصَحَ النَّاسِ طُرًّا
فِي مَكَانٍ أَعْرَابُهُ أَكْرَادُهْ
٥٩٦وَأَحَقَّ الْغُيُوثِ نَفْسًا بِحَمْدٍ
فِي زَمَانٍ كُلُّ النُّفُوسِ جَرَادُهْ
٥٩٧مِثْلَمَا أَحْدَثَ النُّبُوَّةَ فْي الْعَا
لَمِ وَالْبَعْثَ حِينَ شَاعَ فَسَادُهْ
٥٩٨زَانَتِ اللَّيْلَ غُرَّةُ الْقَمَرِ الطَّا
لِعِ فِيهِ وَلَمْ يَشِنْهُ سَوَادُهْ
٥٩٩كَثُرَ الْفِكْرُ كَيْفَ نُهْدِي كَمَا أَهْـ
ـدَتْ إِلَى رَبِّهَا الرَّئِيسِ عِبَادُهْ
وَالَّذِي عِنْدَنَا مِنَ الْمَالِ وَالْخَيْـ
ـلِ فَمِنْهُ هِبَاتُهُ وَقِيَادُهْ
٦٠٠فَبَعَثْنَا بِأَرْبَعِينَ مِهَارًا
كُلُّ مُهْرٍ مَيْدَانُهُ إِنْشَادُهْ
٦٠١عَدَدٌ عِشْتَهُ يَرَى الْجِسْمَ فِيهِ
أَرَبًا لَا يَرَاهُ فِيمَا يُزَادُهْ
٦٠٢فَارْتَبِطْهَا فَإِنَّ قَلْبًا نَمَاهَا
مَرْبَطٌ تَسْبِقُ الْجِيَادَ جِيَادُهْ
٦٠٣وورد عليه كتاب ابن العميد يتشوقه، فقال ارتجالًا:
بِكُتْبِ الْأَنَامِ كِتَابٌ وَرَدْ
فَدَتْ يَدَ كَاتِبِهِ كُلُّ يَدْ
٦٠٤يُعَبِّرُ عَمَّا لَهُ عِنْدَنَا
وَيَذْكُرُ مِنْ شَوْقِهِ مَا نَجِدْ
٦٠٥فَأَخْرَقَ رَائِيَهُ مَا رَأَى
وَأَبْرَقَ نَاقِدَهُ مَا انْتَقَدْ
٦٠٦إِذَا سَمِعَ النَّاسُ أَلْفَاظَهُ
خَلَقْنَ لَهُ فِي الْقُلُوبِ الْحَسَدْ
٦٠٧فَقُلْتُ، وَقَدْ فَرَسَ النَّاطِقِينَ:
كَذَا يَفْعَلُ الْأَسَدُ ابْنُ الْأَسَدْ
٦٠٨وورد عليه كتاب عضد الدولة يستزيره؛ فقال عند مسيره مودعًا ابن العميد سنة أربع وخمسين وثلاثمائة:
نَسِيتُ وَمَا أَنْسَى عِتَابًا عَلَى الصَّدِّ
وَلَا خَفَرًا زَادَتْ بِهِ حُمْرَةُ الْخَدِّ
٦٠٩وَلَا لَيْلَةً قَصَّرْتُهَا بِقَصُورَةٍ
أَطَالَتْ يَدِي فِي جِيدِهَا صُحْبَةَ الْعِقْدِ
٦١٠وَمَنْ لِي بِيَوْمٍ مِثْلِ يَوْمٍ كَرِهْتُهُ
قَرُبْتُ بِهِ عِنْدَ الْوَدَاعِ مِنَ الْبُعْدِ
٦١١وَأَنْ لَا يَخُصُّ الْفَقْدُ شَيْئًا فَإِنَّنِي
فَقَدْتُ فَلَمْ أَفْقِدْ دُمُوعِي وَلَا وَجْدِي
٦١٢تَمَنٍّ يَلَذُّ الْمُسْتَهَامُ بِمِثْلِهِ
وَإِنْ كَانَ لَا يُغْنِي فَتِيلًا وَلَا يُجْدِي
٦١٣وَغَيْظٌ عَلَى الْأَيَّامِ كَالنَّارِ فِي الْحَشَا
وَلَكِنَّهُ غَيْظُ الْأَسِيرِ عَلَى الْقِدِّ
٦١٤فَإِمَّا تَرَيْنِي لَا أُقِيمُ بِبَلْدَةٍ
فَآفَةُ غِمْدِي فِي دُلُوقِي وَفِي حَدِّي
٦١٥يَحُلُّ الْقَنَا يَوْم الطِّعَانِ بِعَقْوَتِي
فَأَحْرِمُهُ عِرْضِي وَأُطْعِمُهُ جِلْدِي
٦١٦تُبَدِّلُ أَيَّامِي وَعَيْشِي وَمَنْزِلِي
نَجَائِبُ لَا يُفْكِرْنَ فِي النَّحْسِ وَالسَّعْدِ
٦١٧وَأَوْجُهُ فِتْيَانٍ حَيَاءً تَلَثَّمُوا
عَلَيْهِنَّ لَا خَوْفًا مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ
٦١٨وَلَيْسَ حَيَاءُ الْوَجْهِ فِي الذِّئْبِ شِيمَةٌ
وَلَكِنَّهُ مِنْ شِيمَةِ الْأَسَدِ الْوَرْدِ
٦١٩إِذَا لَمْ تُجِزْهُمْ دَارَ قَوْمٍ مَوَدَّةٌ
أَجَازَ الْقَنَا، وَالْخَوْفُ خَيْرٌ مِنَ الْوُدِّ
٦٢٠يَحِيدُونَ عَنْ هَزْلِ الْمُلُوكِ إِلَى الَّذِي
تَوَفَّرَ مِنْ بَيْنَ الْمُلُوكِ عَلَى الْجِدِّ
٦٢١وَمَنْ يَصْحَبِ اسْمَ ابْنِ الْعَمِيدِ مُحَمَّدٍ
يَسِرْ بَيْنَ أَنْيَابِ الْأَسَاوِدِ وَالْأُسْدِ
٦٢٢يَمُرُّ مِنَ السُّمِّ الْوَحِيِّ بِعَاجِزٍ
وَيَعْبُرُ مِنْ أَفْوَاهِهِنَّ عَلَى دُرْدِ
٦٢٣كَفَانَا الرَّبِيعُ الْعِيسَ مِنْ بَرَكَاتِهِ
فَجَاءَتْهُ لَمْ تَسْمَعْ حُدَاءً سِوَى الرَّعْدِ
٦٢٤إِذَا مَا اسْتَجَبْنَ الْمَاءَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ
كَرِعْنَ بِسِبْتٍ فِي إِنَاءٍ مِنَ الْوَرْدِ
٦٢٥كَأَنَّا أَرَادَتْ شُكْرَنَا الْأَرْضُ عِنْدَهُ
فَلَمْ يُخْلِنَا جَوٌّ هَبَطْنَاهُ مِنْ رِفْدِ
٦٢٦لَنَا مَذْهَبُ الْعُبَّادِ فِي تَرْكِ غَيْرِهِ
وَإِتْيَانِهِ نَبْغِي الرَّغَائِبَ بِالزُّهْدِ
٦٢٧رَجَوْنَا الَّذِي يَرْجُونَ فِي كُلِّ جَنَّةٍ
بِأَرْجَانَ حَتَّى مَا يَئِسْنَا مِنَ الْخُلْدِ
٦٢٨تَعَرَّضُ لِلزُّوَّارِ أَعْنَاقُ خَيْلِهِ
تَعَرُّضَ وَحْشٍ خَائِفَاتٍ مِنَ الطَّرْدِ
٦٢٩وَتَلْقَى نَوَاصِيهَا الْمَنَايَا مُشِيحَةً
وُرُودَ قَطًا صُمٍّ تَشَايَحْنَ فِي وِرْدِ
٦٣٠وَتَنْسُبُ أَفْعَالُ السُّيُوفِ نُفُوسَهَا
إِلَيْهِ وَيَنْسُبْنَ السُّيُوفَ إِلَى الْهِنْدِ
٦٣١إِذَا الشُّرَفَاءُ الْبِيضُ مَتُّوا بِقَتْوِهِ
أَتَى نَسَبٌ أَعْلَى مِنَ الْأَبِ وَالْجَدِّ
٦٣٢فَتًى فَاتَتِ الْعَدْوَى مِنَ النَّاسِ عَيْنُهُ
فَمَا أَرْمَدَتْ أَجْفَانَهُ كَثْرَةُ الرُّمْدِ
وَخَالَفَهُمْ خَلْقًا وَخُلْقًا وَمَوْضِعًا
فَقَدْ جَلَّ أَنْ يُعْدَى بِشَيْءٍ وَأَنْ يُعْدِي
٦٣٣يُغَيِّرُ أَلْوَانَ اللَّيَالِي عَلَى الْعِدَى
بِمَنْشُورَةِ الرَّايَاتِ مَنْصُورَةِ الْجُنْدِ
٦٣٤إِذَا ارْتَقَبُوا صُبْحًا رَأَوْا قَبْلَ ضَوْئِهِ
كَتَائِبَ لَا يَرْدِ الصَّبَاحُ كَمَا تَرْدِي
٦٣٥وَمَبْثُوثَةً لَا تُتَّقَى بِطَلِيعَةٍ
وَلَا يُحْتَمَى مِنْهَا بِغَوْرٍ وَلَا نَجْدِ
٦٣٦يَغُصْنَ إِذَا مَا عُدْنَ فِي مُتَفَاقِدٍ
مِنَ الْكُثْرِ غَانٍ بِالْعَبِيدِ عَنِ الْحَشْدِ
٦٣٧حَثَتْ كُلُّ أَرْضٍ تُرْبَةً فِي غُبَارِهِ
فَهُنَّ عَلَيْهِ كَالطَّرَائِقِ فِي الْبُرْدِ
٦٣٨فَإِنْ يَكُنِ الْمَهْدِيُّ مَنْ بَانَ هَدْيُهُ
فَهَذا، وَإِلَّا فَالْهُدَى ذَا فَمَا الْمَهْدِي؟
٦٣٩يُعَلِّلُنَا هَذَا الزَّمَانُ بِذَا الْوَعْدِ
وَيَخْدَعُ عَمَّا فِي يَدَيْهِ مِنَ النَّقْدِ
٦٤٠هَلِ الْخَيْرُ شَيْءٌ لَيْسَ بِالْخَيْرِ غَائِبٌ
أَمِ الرُّشْدُ شَيْءٌ غَائِبٌ لَيْسَ بِالرُّشْدِ؟!
٦٤١أَأَحْزَمَ ذِي لُبٍّ وَأَكْرَمَ ذِي يَدٍ
وَأَشْجَعَ ذِي قَلْبٍ وَأَرْحَمَ ذِي كَبِدِ
وَأَحْسَنَ مُعْتَمٍّ جُلُوسًا وَرِكْبَةً
عَلَى الْمِنْبَرِ الْعَالِي أَوِ الْفَرَسِ النَّهْدِ
٦٤٢تَفَضَّلَتِ الْأَيَّامُ بِالْجَمْعِ بَيْنَنَا
فَلَمَّا حَمِدْنَا لَمْ تُدِمْنَا عَلَى الْحَمْدِ
٦٤٣جَعَلْنَ وَدَاعِي وَاحِدًا لِثَلَاثَةٍ
جَمَالِكَ وَالْعِلْمِ الْمُبَرِّحِ وَالْمَجْدِ
٦٤٤وَقَدْ كُنْتُ أَدْرَكْتُ الْمُنَى غَيْرَ أَنَّنِي
يُعَيِّرُنِي أَهْلِي بِإِدْرَاكِهَا وَحْدِي
٦٤٥وَكُلُّ شَرِيكٍ فِي السُّرُورِ بِمُصْبَحِي
أَرَى بَعْدَهُ مَنْ لَا يَرَى مِثْلَهُ بَعْدِي
٦٤٦فَجُدْ لِي بِقَلْبٍ إِنْ رَحَلْتُ فَإِنَّنِي
مُخَلِّفُ قَلْبِي عِنْدَ مَنْ فَضْلُهُ عِنْدِي
٦٤٧وَلَوْ فَارَقَتْ نَفْسِي إِلَيْكَ حَيَاتَهَا
لَقُلْتُ: أَصَابَتْ غَيْرَ مَذْمُومَةِ الْعَهْدِ
٦٤٨وقال يمدح عضد الدولة أبا شجاع ويذكر هزيمة وهشُوذان:
أَزَاَئِرٌ يَا خَيَالُ أَمْ عَائِدْ
أَمْ عِنْدَ مَوْلَاكَ أَنَّنِي رَاقِدْ
٦٤٩لَيْسَ كَمَا ظَنَّ غَشْيَةٌ عَرَضَتْ
فَجِئْتَنِي فِي خِلَالِهَا قَاصِدْ
٦٥٠عُدْ وَأَعِدْهَا فَحَبَّذَا تَلَفٌ
أَلْصَقَ ثَدْيِي بِثَدْيِكَ النَّاهِدْ
٦٥١وَجُدْتَ فِيهِ بِمَا يَشِحُّ بِهِ
مِنَ الشَّتِيتِ الْمُؤَشَّرِ الْبَارِدْ
٦٥٢إِذَا خَيَالَاتُهُ أَطَفْنَ بِنَا
أَضْحَكَهُ أَنَّنِي لَهَا حَامِدْ
٦٥٣وَقَالَ: إِنْ كَانَ قَدْ قَضَى أَرَبًا
مِنَّا فَمَا بَالُ شَوْقِهِ زَائِدْ
٦٥٤لَا أَجْحَدُ الْفَضْلَ رُبَّمَا فَعَلَتْ
مَا َلَمْ يَكُنْ فَاعِلًا وَلَا وَاعِدْ
٦٥٥لَا تَعْرِفُ الْعَيْنُ فَرْقَ بَيْنِهِمَا
كُلٌّ خَيَالٌ وِصَالُهُ نَافِدْ
٦٥٦يَا طَفْلَةَ الْكَفِّ عَبْلَةَ السَّاعِدْ
عَلَى الْبَعِيرِ الْمُقَلَّدِ الْوَاخِدْ
٦٥٧زِيدِي أَذَى مُهْجَتِي أَزِدْكِ هَوًى
فَأَجْهَلُ النَّاسِ عَاشِقٌ حَاقِدْ
٦٥٨حَكَيْتَ يَا لَيْلُ فَرْعَهَا الْوَارِدْ
فَاحْكِ نَوَاهَا لِجَفْنِيَ السَّاهِدْ
٦٥٩طَالَ بُكَائِي عَلَى تَذَكُّرِهَا
وَصُلْتَ حَتَّى كِلَاكُمَا وَاحِدْ
٦٦٠مَا بَالُ هَذِي النُّجُومِ حَائِرَةً
كَأَنَّهَا الْعُمْيُ مَا لَهَا قَائِدْ
٦٦١أَوْ عُصْبَةٌ مِنْ مُلُوكِ نَاحِيَةٍ
أَبُو شُجَاعٍ عَلَيْهِمِ وَاجِدْ
٦٦٢إِنْ هَرَبُوا أُدْرِكُوا وَإِنْ وَقَفُوا
خَشُوا ذَهَابَ الطَّرِيفِ وَالتَّالِدْ
٦٦٣فَهُمْ يُرَجُّونَ عَفْوَ مُقْتَدِرٍ
مُبَارَكِ الْوَجْهِ جَائِدٍ مَاجِدْ
٦٦٤أَبْلَجَ لَوْ عَاذَتِ الْحَمَامُ بِهِ
مَا خَشِيَتْ رَامِيًا وَلَا صَائِدْ
أَوْ رَعَتِ الْوَحْشُ وَهْيَ تَذْكُرُهُ
مَا رَاعَهَا حَابِلٌ وَلَا طَارِدْ
٦٦٥تُهْدِي لَهُ كُلُّ سَاعَةٍ خَبَرًا
عَنْ جَحْفَلٍ تَحْتَ سَيْفِهِ بَائِدْ
٦٦٦وَمُوضِعًا فِي فِتَانِ نَاجِيَةٍ
يَحْمِلُ فِي التَّاجِ هَامَةَ الْعَاقِدْ
٦٦٧يَا عَضُدًا رَبُّهُ بِهِ الْعَاضِدْ
وَسَارِيًا يَبْعَثُ الْقَطَا الْهَاجِدْ
٦٦٨وَمُمْطِرَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ مَعًا
وَأَنْتَ لَا بَارِقٌ وَلَا رَاَعِدْ
٦٦٩نِلْتَ وَمَا نِلْتَ مِنْ مَضَرَّةِ وَهْشُو
ذَانَ مَا نَالَ رَأْيُهُ الْفَاسِدْ
٦٧٠يَبْدَأُ مِنْ كَيْدِهِ بِغَايَتِهِ
وَإِنَّمَا الْحَرْبُ غَايَةُ الْكَائِدْ
٦٧١مَاذَا عَلَى مَنْ أَتَى يُحَارِبُكُمْ
فَذَمَّ مَا اخْتَارَ لَوْ أَتَى وَافِدْ
بِلَا سِلَاحٍ سِوَى رَجَائِكُمْ
فَفَازَ بِالنَّصْرِ، وَانْثَنَى رَاشِدْ
٦٧٢يُقَارِعُ الدَّهْرَ مَنْ يُقَارِعُكُمْ
عَلَى مَكَانِ الْمَسُودِ وَالسَّائِدْ
٦٧٣وَلَيْت يَوْمَيْ فَنَاءِ عَسْكَرِهِ
وَلَمْ تَكُنْ دَانِيًا وَلَا شَاهِدْ
٦٧٤وَلَمْ يَغِبْ غَائِبٌ خَلِيفَتُهُ
جَيْشُ أَبِيهِ وَجَدُّهُ الصَّاعِدْ
٦٧٥وَكُلُّ خَطِيَّةٍ مُثَقَّفَةٍ
يَهُزُّهَا مَارِدٌ عَلَى مَارِدْ
٦٧٦سَوَافِكٌ مَا يَدَعْنَ فَاصِلَةً
بَيْنَ طَرِيِّ الدِّمَاءِ وَالْجَاسِدْ
٦٧٧إِذَا الْمَنَايَا بَدَتْ فَدَعْوَتُهَا
أُبْدِلَ نُونًا بِدَالِهِ الْحَائِدْ
٦٧٨إِذَا دَرَى الْحِصْنُ مَنْ رَمَاهُ بِهَا
خَرَّ لَهَا فِي أَسَاسِهِ سَاجِدْ
٦٧٩مَا كَانَتِ الطرْمُ فِي عَجَاجَتِهَا
إِلَّا بَعِيرًا أَضَلَّهُ نَاشِدْ
٦٨٠تَسْأَلُ أَهْلَ الْقِلَاعِ عَنْ مَلِكٍ
قَدْ مَسَخَتْهُ نَعَامَةً شَارِدْ
٦٨١تَسْتَوْحِشُ الْأَرْضُ أَنْ تَقِرَّ بِهِ
فَكُلُّهَا مُنْكِرٌ لَهُ جَاحِدْ
٦٨٢فَلَا مُشَادٌ وَلَا مُشِيدٌ حَمَى
وَلَا مَشِيدٌ أَغْنَى وَلَا شَائِدْ
٦٨٣فَاغْتَظْ بِقَوْمٍ وَهْشُوذَ مَا خُلِقُوا
إِلَّا لِغَيْظِ الْعَدُوِّ وَالْحَاسِدْ
٦٨٤رَأَوْكَ لَمَّا بَلَوْكَ نَابِتَةً
يَأْكُلُهَا قَبْلَ أَهْلِهِ الرَّائِدْ
٦٨٥وَخَلِّ زِيًّا لِمَنْ يُحَقِّقُهُ
مَا كُلُّ دَامٍ جَبِينُهُ عَابِدْ
٦٨٦إِنْ كَانَ لَمْ يَعْمِدِ الْأَمِيرُ لِمَا
لَقِيتَ مِنْهُ فَيُمْنُهُ عَامِدْ
٦٨٧يُقْلِقُهُ الصُّبْحُ لَا يَرَى مَعَهُ
بُشْرَى بِفَتْحٍ كَأَنَّهُ فَاقِدْ
٦٨٨وَالْأَمْرُ لِلهِ رُبَّ مُجْتَهِدٍ
مَا خَابَ إِلَّا لِأَنَّهُ جَاهِدْ
٦٨٩وَمُتَّقٍ وَالسِّهَامُ مُرْسَلَةٌ
يَحِيدُ عَنْ حَابِضٍ إِلَى صَارِدْ
٦٩٠فَلَا يُبَلْ قَاتِلٌ أَعَادِيَهُ
أَقَائِمًا نَالَ ذَاكَ أَمْ قَاعِدْ
٦٩١لَيْتَ ثَنَائِي الَّذِي أَصُوغُ فِدَى
مَنْ صِيغَ فِيهِ فَإِنَّهُ خَالِدْ
٦٩٢لَوَيْتُهُ دُمْلُجًا عَلَى عَضُدٍ
لِدَوْلَةٍ رُكْنُهَا لَهُ وَالِدْ
٦٩٣وقال في صباه:
وَشَادِنٍ رُوحُ مَنْ يَهْوَاهُ فِي يَدِهِ
سَيْفُ الصُّدُودِ عَلَى أَعْلَى مُقَلَّدِهِ
٦٩٤مَا اهْتَزَّ مِنْهُ عَلَى عُضْوٍ لِيَبْتُرَهُ
إِلَّا اتَّقَاهُ بِتُرْسٍ مِنْ تَجَلُّدِهِ
٦٩٥ذَمَّ الزَّمَانُ إِلَيْهِ مِنْ أَحِبَّتِهِ
مَا ذَمَّ مِنْ بَدْرِهِ فِي حَمْدِ أَحْمَدِهِ
٦٩٦شَمْسٌ إِذَا الشَّمْسُ لَاقَتْهُ عَلَى فَرَسٍ
تَرَدَّدَ النُّورُ فِيهَا مِنْ تَرَدُّدِهِ
٦٩٧إِنْ يَقْبُحِ الْحُسْنُ إِلَّا عِنْدَ طَلْعَتِهِ
فَالْعَبْدُ يَقْبُحُ إِلَّا عِنْدَ سَيِّدِهِ
٦٩٨قَالَتْ: عَنِ الرِّفْدِ طِبْ نَفْسًا، فَقُلْتُ لَهَا:
لَا يَصْدُرُ الْحُرُّ إِلَّا بَعْدَ مَوْرِدِهِ
٦٩٩لَمْ أَعْرِفِ الَخَيْرَ إِلَّا مُذْ عَرَفْتُ فَتًى
لَمْ يُولَدِ الْجُودُ إِلَّا عِنْدَ مَوْلِدِهِ
نَفْسٌ تُصَغِّرُ نَفْسَ الدَّهْرِ مِنْ كِبَرٍ
لَهَا نُهَى كَهْلِهِ فِي سِنِّ أَمْرَدِهِ
٧٠٠قافية الراء
وقال يمدح سيف الدولة وقد سأله المسير معه لما سار لنصرة أخيه ناصر الدولة، وذلك سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة:
سِرْ، حَلَّ حَيْثُ تَحُلُّهُ النُّوَّارُ!
وَأَرَادَ فِيكَ مُرَادَكَ الْمِقْدَارُ
١وَإِذَا ارْتَحَلْتَ فَشَيَّعَتْكَ سَلَامَةٌ
حَيْثُ اتَّجَهْتَ وَدِيمَةٌ مِدْرَارُ
٢وَأَرَاكَ دَهْرُكَ مَا تُحَاوِلُ فِي الْعِدَى
حَتَّى كَأَنَّ صُرُوفَهُ أَنْصَارُ
٣وَصَدَرْتَ أَغْنَمَ صَادِرٍ عَنْ مَوْرِدٍ
مَرْفُوعَةً لِقُدُومِكَ الْأَبْصَارُ
٤أَنْتَ الَّذِي بَجِحَ الزَّمَانُ بِذِكْرِهِ
وَتَزَيَّنَتْ بِحَدِيثِهِ الْأَسْمَارُ
٥وَإِذَا تَنَكَّرَ فَالْفَنَاءُ عِقَابُهُ
وَإِذَا عَفَا فَعَطَاؤُهُ الْأَعْمَارُ
٦وَلَهُ وَإِنْ وَهَبَ الْمُلُوكُ مَوَاهِبٌ
دَرُّ الْمُلُوكِ لِدَرِّهَا أَغْبَارُ
٧لِلهِ قَلْبُكَ مَا يَخَافُ مِنَ الرَّدَى!
وَيَخَافُ أَنْ يَدْنُو إِلَيْكَ الْعَارُ
٨وَتَحِيدُ عَنْ طَبْعِ الْخَلَائِقِ كُلِّهِ
وَيِحِيدُ عَنْكَ الْجَحْفَلُ الْجَرَّارُ
٩يَا مَنْ يَعِزُّ عَلَى الْأَعِزَّةِ جَارُهُ
وَيَذِلُّ مِنْ سَطَوَاتِهِ الْجَبَّارُ
١٠كُنْ حَيْثُ شِئْتَ فَمَا تَحُولُ تَنُوفَةٌ
دُونَ اللِّقَاءِ وَلَا يَشِطُّ مَزَارُ
١١وَبِدُونِ مَا أَنَا مِنْ وِدَادِكَ مُضْمِرٌ
يُنْضَى الْمَطِيُّ وَيَقْرُبُ الْمُسْتَارُ
١٢إِنَّ الَّذِي خَلَّفْتُ خَلْفِي ضَائِعٌ
مَا لِي عَلَى قَلَقِي إِلَيْهِ خِيَارُ
١٣وَإِذَا صُحِبْتَ فَكُلُّ مَاءٍ مَشْرَبٌ
لَوْلَا الْعِيَالُ وَكُلُّ أَرْضٍ دَارُ
١٤إِذْنُ الْأَمِيرِ بِأَنْ أَعُودَ إِلَيْهِمِ
صِلَةٌ تَسِيرُ بِشُكْرِهَا الْأَشْعَارُ
١٥وخيره بين فرسين؛ دهماءَ وكُمَيت، فقال:
اخْتَرْتُ دَهْمَاءَ تَيْنِ يَا مَطَرُ
وَمَنْ لَهُ فِي الْفَضَائِلِ الْخِيَرُ
١٦وَرُبَّمَا فَالَتِ الْعُيُونُ وَقَدْ
يَصْدُقُ فِيهَا وَيَكْذِبُ النَّظَرُ
١٧أَنْتَ الَّذِي لَوْ يُعَابُ فِي مَلَأٍ
مَا عِيبَ إِلَّا بِأَنَّهُ بَشَرُ
١٨وَأَنَّ إِعْطَاءَهُ الصَّوارِمُ وَالْخَيْـ
ـلُ وَسُمْرُ الرِّمَاحِ وَالْعَكَرُ
١٩فَاضِحُ أَعْدَائِهِ كَأَنَّهُمُ
لَهُ يَقِلُّونَ كُلَّمَا كَثُرُوا
٢٠أَعَاذَكَ اللهُ مِنْ سِهَامِهِمِ
وَمُخْطِئٌ مَنْ رَمِيُّهُ الْقَمَرُ
٢١وجاءه رسول سيف الدولة برقعة فيها بيتان للعباس بن الأحنف
٢٢ يسأله إجازتهما، فقال:
رِضَاكَ رِضَايَ الَّذِي أُوثِرُ
وَسِرُّكَ سِرِّي، فَمَا أُظْهِرُ؟!
٢٣كَفَتْكَ الْمُرُوءَةُ مَا تَتَّقِي
وَآمَنَكَ الْوُدُّ مَا تَحْذَرُ
٢٤وَسِرُّكُمُ فِي الْحَشَا مَيِّتٌ
إِذَا أُنْشِرَ السِّرُّ لَا يُنْشَرُ
٢٥كَأَنِّي عَصَتْ مُقْلَتِي فِيكُمُ
وَكَاتَمَتِ الْقَلْبَ مَا تُبْصِرُ
٢٦وَإِفْشَاءُ مَا أَنَا مُسْتَوْدَعٌ
مِنَ الْغَدْرِ، وَالْحُرُّ لَا يَغْدِرُ
٢٧إِذَا مَا قَدَرْتُ عَلَى نَطْقَةٍ
فَإِنِّي عَلَى تَرْكِهَا أَقْدَرُ
٢٨أُصَرِّفُ نَفْسِي كَمَا أَشْتَهِي
وَأَمْلِكُهَا وَالْقَنَا أَحْمَرُ
٢٩دَوَالَيْكَ يَا سَيْفَهَا دَوْلَةً
وَأَمْرَكَ يَا خَيْرَ مَنْ يَأْمُرُ
٣٠أَتَانِي رَسُولُكَ مُسْتَعْجِلًا
فَلَبَّاهُ شِعْرِي الَّذِي أَذْخَرُ
وَلَوْ كَانَ يَوْمَ وَغًى قَاتِمًا
لَلَبَّاهُ سَيْفِيَ وَالْأَشْقَرُ
٣١فَلَا غَفَلَ الدَّهْرُ عَنْ أَهْلِهِ
فَإِنَّكَ عَيْنٌ بِهَا يَنْظُرُ
٣٢وقال وقد استبطأ سيف الدولة مدحه وتنكر لذلك:
٣٣أَرَى ذَلِكَ الْقُرْبَ صَارَ ازْوِرَارَا
وَصَارَ طَوِيلُ السَّلَامِ اخْتِصَارَا
٣٤تَرَكْتَنِيَ الْيَوْمَ فِي خَجْلَةٍ
أَمُوتُ مِرَارًا وَأَحْيَا مِرَارَا
٣٥أُسَارِقُكَ اللَّحْظَ مُسْتَحْيِيًا
وَأَزْجُرُ فِي الْخَيْلِ مُهْرِي سِرَارَا
٣٦وَأَعْلَمُ أَنِّي إِذَا مَا اعْتَذَرْتُ
إِلَيْكَ أَرَادَ اعْتِذَارِي اعْتِذَارَا
٣٧كَفَرْتُ مَكَارِمَكَ الْبَاهِرَا
تِ إِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنِّي اخْتِيَارَا
٣٨وَلَكِنْ حَمَى الشِّعْرَ إِلَّا الْقَلِيـ
ـلَ هَمٌّ حَمَى النَّوْمَ إِلَّا غِرَارَا
٣٩وَمَا أَنَا أَسْقَمْتُ جِسْمِي بِهِ
وَمَا أَنَا أَضْرَمْتُ فِي الْقَلْبِ نَارَا
٤٠فَلَا تُلْزِمَنِّي ذُنُوبَ الزَّمَانِ
إِلَيَّ أَسَاءَ وَإِيَّايَ ضَارَا
٤١وَعِنْدِي لَكَ الشُّرُدُ السَّائِرَا
تُ لَا يَخْتَصِصْنَ مِنَ الْأَرْضِ دَارَا
٤٢قَوَافٍ إِذَا سِرْنَ عَنْ مِقْوَلِي
وَثَبْنَ الْجِبَالَ وَخُضْنَ الْبِحَارَا
٤٣وَلِي فِيكَ مَا لَمْ يَقُلْ قَائِلٌ
وَمَا لَمْ يَسْرِ قَمَرٌ حَيْثُ سَارَا
فَلَوْ خُلِقَ النَّاسُ مِنْ دَهْرِهِمْ
لَكَانُوا الظَّلَامَ وَكُنْتَ النَّهَارَا
٤٤أَشَدُّهُمُ فِي النَّدَى هِزَّةً
وَأَبْعَدُهُمْ فِي عَدُوٍّ مُغَارَا
٤٥سَمَا ِبَكَ هَمِّيَ فَوْقَ الْهُمُومِ
فَلَسْتُ أَعُدُّ يَسَارًا يَسَارَا
٤٦وَمَنْ كُنْتَ بَحْرًا لَهُ يَا عَلِيـْ
ـيُ لَمْ يَقْبَلِ الدُّرَّ إِلَّا كِبَارَا
٤٧وقال يهنئه بعيد الفطر:
الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ وَالْأَعْيَادُ وَالْعُصُرُ
مُنِيرَةٌ بِكَ حَتَّى الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
٤٨تُرِي الْأَهِلَّةَ وَجْهًا عَمَّ نَائِلُهُ
فَمَا يُخَصُّ بِهِ مِنْ دُونِهَا الْبَشَرُ
٤٩مَا الدَّهْرُ عِنْدَكَ إِلَّا رَوْضَةٌ أُنُفٌ
يَا مَنْ شَمَائِلُهُ فِي دَهْرِهِ زَهَرُ
٥٠مَا يَنْتَهِي لَكَ فِي أَيَّامِهِ كَرَمٌ
فَلَا انْتَهَى لَكَ فِي أَعْوَامِهِ عُمُرُ
٥١فَإِنَّ حَظَّكَ مِنْ تَكْرَارِهَا شَرَفٌ
وَحَظَّ غَيْرِكَ مِنْهَا الشَّيْبُ وَالْكِبَرُ
٥٢وقال وقد جلس سيف الدولة لرسول ملك الروم ولم يصل إليه المتنبي لزحام الناس، فعاتبه سيف الدولة على تأخره وانقطاعه.
فقال المتنبي ارتجالًا، وذلك سنة ثلاث وأربعين وثلثمائة:
ظُلْمٌ لِذَا الْيَوْمِ وَصْفٌ قَبْلَ رُؤْيَتِهِ
لَا يَصْدُقُ الْوَصْفُ حَتَّى يَصْدُقَ النَّظَرُ
٥٣تَزَاحَمَ الْجَيْشُ حَتَّى لَمْ يَجِدْ سَبَبًا
إِلَى بِسَاطِكَ لِيْ سَمْعٌ وَلَا بَصَرُ
فَكُنْتُ أَشْهَدَ مُخْتَصٍّ وَأَغْيَبَهُ
مُعَايِنًا وَعَيَانِي كُلُّهُ خَبَرُ
٥٤الْيَوْمَ يَرْفَعُ مَلْكُ الرُّومِ نَاظِرَهُ
لِأَنَّ عَفْوَكَ عَنْهُ عِنْدَهُ ظَفَرُ
٥٥وَإِنْ أَجَبْتَ بِشَيْءٍ عَنْ رَسَائِلِهِ
فَمَا يَزَالُ عَلَى الْأَمْلَاكِ يَفْتَخِرُ
٥٦قَدِ اسْتَرَاحَتْ إِلَى وَقْتٍ رِقَابُهُمُ
مِنَ السُّيُوفِ وَبَاقِي الْقَوْمِ يَنْتَظِرُ
٥٧وَقَد تُبَدِّلُهَا بِالْقَوْمِ غَيْرَهُمُ
لِكَيْ تَجِمَّ رُءُوسُ الْقَوْمِ وَالْقَصَرُ
٥٨تَشْبِيهُ جُودِكَ بِالْأَمْطَارِ غَادِيَةً
جُودٌ لِكَفِّكَ ثَانٍ نَالَهُ الْمَطَرُ
٥٩تَكَسَّبُ الشَّمْسُ مِنْكَ النُّورَ طَالِعَةً
كَمَا تَكَسَّبَ مِنْهَا نُورَهُ الْقَمَرُ
٦٠وقال لما أوقع سيف الدولة ببني عقيل وقشير وبني العجلان وبني كلاب حين عاثوا في عمله وخالفوا عليه، ويذكر إجفالهم من بين يديه وظفره بهم، وله خبر طويل:
طِوَالُ قَنًا تُطَاعِنُهَا قِصَارُ
وَقَطْرُكَ فِي نَدًى وَوَغًى بِحَارُ
٦١وَفِيكَ إِذَا جَنَى الْجَانِي أَنَاةٌ
تُظَنُّ كَرَامَةً وَهِيَ احْتِقَارُ
٦٢وَأَخْذٌ لِلْحَوَاضِرِ وَالْبَوَادِي
بِضَبْطٍ لَمْ تُعَوَّدْهُ نِزَارُ
٦٣تَشَمَّمُهُ شَمِيمَ الْوَحْشِ إِنْسًا
وَتُنْكِرُهُ فَيَعْرُوهَا نِفَارُ
٦٤وَمَا انْقَادَتْ لِغَيْرِكَ فِي زَمَانٍ
فَتَدْرِي مَا الْمَقَادَةُ وَالصَّغَارُ
٦٥فَقَرَّحَتِ الْمَقَاوِدُ ذِفْرَيَيْهَا
وَصَعَّرَ خَدَّهَا هَذَا الْعِذَارُ
٦٦وَأَطْمَعَ عَامِرَ الْبُقْيَا عَلَيْهَا
وَنَزَّقَهَا احْتِمَالُكَ وَالْوَقَارُ
٦٧وَغَيَّرَهَا التَّرَاسُلُ وَالتَّشَاكِي
وَأَعْجَبَهَا التَّلَبُّبُ وَالْمُغَارُ
٦٨جِيَادٌ تَعْجِزُ الْأَرْسَانُ عَنْهَا
وَفُرْسَانٌ تَضِيقُ بِهَا الدِّيَارُ
٦٩وَكَانَتْ بِالتَّوَقُّفِ عَنْ رَدَاهَا
نُفُوسًا فِي رَدَاهَا تُسْتَشَاَرُ
٧٠وَكُنْتَ السَّيْفَ قَائِمُهُ إِلَيْهِمْ
وَفِي الْأَعْدَاءِ حَدُّكَ وَالْغِرَارُ
فَأَمْسَتْ بِالْبَدِيَّةِ شَفْرَتَاهُ
وَأَمْسَى خَلْفَ قَائِمِهِ الْحِيَارُ
٧١وَكَانَ بَنُو كِلَابٍ حَيْثُ كَعْبٌ
فَخَافُوا أَنْ يَصِيرُوا حَيْثُ صَارُوا
٧٢تَلَقَّوْا عِزَّ مَوْلَاهُمْ بِذُلٍّ
وَسَارَ إِلَى بَنِي كَعْبٍ وَسَارُوا
٧٣فَأَقْبَلَهَا الْمُرُوجَ مُسَوَّمَاتٍ
ضَوَامِرَ لَا هِزَالَ وَلَا شِيَارُ
٧٤تُثِيرُ عَلَى سَلَمْيَةَ مُسْبَطِرًّا
تَنَاكَرُ تحْتَهُ لَوْلَا الشِّعَارُ
٧٥عَجَاجًا تَعْثُرُ الْعِقْبَانُ فِيهِ
كَأَنَّ الْجَوَّ وَعْثٌ أَوْ خَبَارُ
٧٦وَظَلَّ الطَّعْنُ فِي الْخَيْلَيْنِ خَلْسًا
كَأَنَّ الْمَوْتَ بَيْنَهُمَا اخْتِصَارُ
٧٧فَلَزَّهُمُ الطِّرَادُ إِلَى قِتَالٍ
أَحَدُّ سِلَاحِهِمْ فِيهِ الْفِرَارُ
٧٨مَضَوْا مُتَسَابِقِي الْأَعْضَاءِ فِيهِ
لِأَرْؤُسِهِمْ بِأَرْجُلِهِمْ عِثَارُ
٧٩يَشُلُّهُمُ بِكُلِّ أَقَبَّ نَهْدٍ
لِفَارِسِهِ عَلَى الْخَيْلِ الْخِيَارُ
٨٠وَكُلِّ أَصَمَّ يَعْسِلُ جَانِبَاهُ
عَلَى الْكَعْبَيْنِ مِنْهُ دَمٌ مُمَارُ
٨١يُغَادِرُ كُلَّ مُلْتَفِتٍ إِلَيْهِ
وَلَبَّتُهُ لِثَعْلَبِهِ وَجَارُ
٨٢إِذَا صَرَفَ النَّهَارُ الضَّوْءَ عَنْهُمْ
دَجَا لَيْلَانِ: لَيْلٌ وَالْغُبَارُ
وَإِنْ جُنْحُ الظَّلَامِ انْجَابَ عَنْهُمْ
أَضَاءَ الْمَشْرَفِيَّةُ وَالنَّهَارُ
٨٣يُبَكِّي خَلْفَهُمْ دَثْرٌ بُكَاهُ
رُغَاءٌ أَوْ ثُؤَاجٌ أَوْ يُعَارُ
٨٤غَطَا بِالْعِثْيَرِ الْبَيْدَاءَ حَتَّى
تَحَيَّرَتِ الْمَتَالِي وَالْعِشَارُ
٨٥وَمَرُّوا بِالْجَبَاةِ يَضُمُّ فِيهَا
كِلَا الْجَيْشَيْنِ مِنْ نَقْعٍ إِزَارُ
٨٦وَجَاءُوا الصَّحْصَحَانِ بِلَا سُرُوجٍ
وَقَدْ سَقَطَ الْعِمَامَةُ وَالْخِمَارُ
٨٧وَأُرْهِقَتِ الْعَذَارَى مُرْدَفَاتٍ
وَأُوْطِئَتِ الْأُصَيْبِيَةُ الصِّغَارُ
٨٨وَقَدْ نُزِحَ الْغُوَيْرُ فَلَا غُوَيْرٌ
وَنِهْيَا وَالْبُيَيْضَةُ وَالْجِفَارُ
٨٩وَلَيْسَ بِغَيْرِ تَدْمُرَ مُسْتَغَاثٌ
وَتَدْمُرُ كَاسْمِهَا لَهُمُ دَمَارُ
٩٠أَرَادُوا أَنْ يُدِيرُوا الرَّأْيَ فِيهَا
فَصَبَّحَهُمْ بِرَأْيٍ لَا يُدَارُ
٩١وَجَيْشٍ كُلَّمَا حَارُوا بِأَرْضٍ
وَأَقْبَلَ أَقْبَلَتْ فِيهِ تَحَارُ
٩٢يَحُفُّ أَغَرَّ لَا قَوَدٌ عَلَيْهِ
وَلَا دِيَةٌ تُسَاقُ وَلَا اعْتِذَارُ
٩٣تُرِيقُ سُيُوفُهُ مُهَجَ الْأَعَادِي
وَكُلُّ دَمٍ أَرَاقَتْهُ جُبَارُ
٩٤فَكَانُوا الْأُسْدَ لَيْسَ لَهَا مَصَالٌ
عَلَى طَيْرٍ وَلَيْسَ لَهَا مَطَارُ
٩٥إِذَا فَاتُوا الرِّمَاحَ تَنَاوَلَتْهُمْ
بِأَرْمَاحٍ مِنَ الْعَطَشِ الْقِفَارُ
٩٦يَرَوْنَ الْمَوْتَ قُدَّامًا وَخَلْفًا
فَيَخْتَارُونَ وَالْمَوْتُ اضْطِرَارُ
٩٧إِذَا سَلَكَ السَّمَاوَةَ غَيْرُ هَادٍ
فَقَتْلَاهُمْ لِعَيْنَيْهِ مَنَارُ
٩٨وَلَوْ لَمْ تُبْقِ لَمْ تَعِشِ الْبَقَايَا
وَفِي الْمَاضِي لِمَنْ بَقِيَ اعْتِبَارُ
٩٩إِذَا لَمْ يُرْعِ سَيِّدُهُمْ عَلَيْهِمْ
فَمَنْ يُرْعِي عَلَيْهِمْ أَوْ يَغَارُ
١٠٠تُفَرِّقُهُمْ وَإِيَّاهُ السَّجَايَا
وَيَجْمَعُهُمْ وَإِيَّاهُ النِّجَارُ
١٠١وَمَالَ بِهَا عَلَى أَرَكٍ وَعُرْضٍ
وَأَهْلُ الرَّقَّتَيْنِ لَهَا مَزَارُ
١٠٢وَأُجْفَلَ بِالْفُرَاتِ بَنُو نُمَيْرٍ
وَزَأْرُهُمُ الَّذِي زَأَرُوُا خُوَارُ
١٠٣فَهُمْ حِزَقٌ عَلَى الْخَابُورِ صَرْعَى
بِهِمْ مِنْ شُرْبِ غَيْرِهِمِ خُمَارُ
١٠٤فَلَمْ يَسْرَحْ لَهُمْ فِي الصُّبْحِ مَالٌ
وَلَمْ تُوقَدُ لَهُمْ بِاللَّيْلِ نَارُ
١٠٥حِذَارَ فَتًى إِذَا لَمْ يَرْضَ عَنْهُمْ
فَلَيْسَ بِنَافِعٍ لَهُمُ الْحِذَارُ
١٠٦تَبِيتُ وُفُودُهُمْ تَسْرِي إِلَيْهِ
وَجَدْوَاهُ الَّتِي سَأَلُوا اغْتِفَارُ
١٠٧فَخَلَّفَهُمْ بِرَدِّ الْبِيضِ عَنْهُمْ
وَهَامُهُمُ لَهُ مَعَهُمْ مُعَارُ
١٠٨وَهُمْ مِمَّنْ أَذَمَّ لَهُمْ عَلَيْهِ
كَرِيمُ الْعِرْقِ وَالْحَسَبُ النُّضَارُ
١٠٩فَأَصْبَحَ بِالْعَوَاصِمِ مُسْتَقِرًّا
وَلَيْسَ لِبَحْرِ نَائِلِهِ قَرَارُ
١١٠وَأَضْحَى ذِكْرُهُ فِي كُلِّ أَرْضٍ
تُدَارُ عَلَى الْغِنَاءِ بِهِ الْعُقَارُ
١١١تَخِرُّ لَهُ الْقَبَائِلُ سَاجِدَاتٍ
وَتَحْمَدُهُ الْأَسِنَّةُ وَالشِّفَارُ
١١٢كَأَنَّ شُعَاعَ عَيْنِ الشَّمْسِ فِيهِ
فَفِي أَبْصَارِنَا مِنْهُ انْكِسَارُ
١١٣فَمَنْ طَلَبَ الطِّعَانَ فَذَا عَلِيٌّ
وَخَيْلُ اللهِ وَالْأَسَلُ الْحِرَارُ
١١٤يَرَاهُ النَّاسُ حَيْثُ رَأَتْهُ كَعْبٌ
بِأَرْضٍ مَا لِنَازِلِهَا اسْتِتَارُ
يُوَسِّطُهُ الْمَفَاوِزُ كُلَّ يَوْمٍ
طِلَابُ الطَّالِبِينَ لَا الِانْتِظَارُ
١١٥تَصَاهَلُ خَيْلُهُ مُتَجَاوِبَاتٍ
وَمَا مِنْ عَادَةِ الْخَيْلِ السِّرَارُ
١١٦بَنُو كَعْبٍ وَمَا أَثَّرْتَ فِيهِمْ
يَدٌ لَمْ يُدْمِهَا إِلَّا السِّوَارُ
بِهَا مِنْ قَطْعِهِ أَلَمٌ وَنَقْصٌ
وَفِيهَا مِنْ جَلَالَتِهِ افْتِخَارُ
١١٧لَهُمْ حَقٌّ بِشِرْكِكَ فِي نِزَارٍ
وَأَدْنَى الشِّرْكِ فِي أَصْلٍ جِوَارُ
١١٨لَعَلَّ بَنِيهِمِ لِبَنِيكَ جُنْدٌ
فَأَوَّلُ قُرَّحِ الْخَيْلِ الْمِهَارُ
١١٩وَأَنْتَ أَبَرُّ مَنْ لَوْ عُقَّ أَفْنَى
وَأَعْفَى مَنْ عُقُوبَتُهُ الْبَوَارُ
١٢٠وَأَقْدَرُ مَنْ يُهَيِّجُهُ انْتِصَارٌ
وَأَحْلَمُ مَنْ يُحَلِّمُهُ اقْتِدَارُ
١٢١وَمَا فِي سَطْوَةِ الْأَرْبَابِ عَيْبٌ
وَلَا فِي ذِلَّةِ الْعُبْدَانِ عَارُ
١٢٢وقال ارتجالًا يهجو سوارًا الديلمي وقد نزلوا منزلًا أصابهم فيه مطر وريح:
بَقِيَّةُ قَوْمٍ آذَنُوا بِبَوَارِ
وَأَنْضَاءُ أَسْفَارٍ كَشَرْبِ عُقَارِ
١٢٣نَزَلْنَا عَلَى حُكْمِ الرِّيَاحِ بِمَسْجِدٍ
عَلَيْنَا لَهَا ثَوْبا حَصًى وَغُبَارِ
١٢٤خَلِيلَيَّ مَا هَذَا مُنَاخًا لِمِثْلِنَا
فَشُدَّا عَلَيْهَا وَارْحَلَا بِنَهَارِ
١٢٥وَلَا تُنْكِرَا عَصْفَ الرِّيَاحِ فَإِنَّهَا
قِرَى كُلِّ ضَيْفٍ بَاتَ عِنْدَ سِوَارِ
١٢٦وقال في صباه وهو بيت مفرد، وروى قوم أنهما بيتان وهما:
إِذَا لَمْ تَجِدْ مَا يَبْتُرُ الْفَقْرَ قَاعِدًا
فَقُمْ وَاطْلُبِ الشَّيْءَ الَّذِي يَبْتُرُ الْعُمْرَا
١٢٧هُمَا خَلَّتَانِ ثَرْوَةٌ أَوْ مَنِيَّةٌ
لَعَلَّكَ أَنْ تُبْقِي بِوَاحِدَةٍ ذِكْرَا
١٢٨وقال في صباه في جعفر بن كيغلغ ولم ينشده إياها:
حَاشَى الرَّقِيبَ فَخَانَتْهُ ضَمَائِرُهُ
وَغَيَّضَ الدَّمْعَ فَانْهَلَّتْ بَوَادِرُهُ
١٢٩وَكَاتِمُ الْحُبِّ يَوْمَ الْبَيْنِ مُنْهَتِكٌ
وَصَاحِبُ الدَّمْعِ لَا تَخْفَى سَرَائِرُهُ
١٣٠لَوْلَا ظِبَاءُ عَدِيٍّ مَا شُغِفْتُ بِهِمْ
وَلَا بِرَبْرَبِهِمْ لَوْلَا جَآذِرُهُ
١٣١مِنْ كُلِّ أَحْوَرَ فِي أَنْيَابِهِ شَنَبٌ
خَمْرٌ يُخَامِرُهَا مِسْكٌ تُخَامِرُهُ
١٣٢نُعْجٌ مَحَاجِرُهُ دُعْجٌ نَوَاظِرُهُ
حُمْرٌ غَفَائِرُهُ سُودٌ غَدَائِرُهُ
١٣٣أَعَارَنِي سُقْمَ عَيْنَيْهِ وحَمَلَّنِي
مِنَ الْهَوَى ثِقْلَ مَا تَحْوِي مَآزِرُهُ
١٣٤يَا مَنْ تَحَكَّمَ فِي نَفْسِي فَعَذَّبَنِي
وَمَنْ فُؤَادِي عَلَى قَتْلِي يُضَافِرُهُ
١٣٥بِعَوْدَةِ الدَّوْلَةِ الْغَرَّاءِ ثَانِيَةً
سَلَوْتُ عَنْكَ وَنَامَ اللَّيْلَ سَاهِرُهُ
١٣٦مِنْ بَعْدِ مَا كَانَ لَيْلِي لَا صَبَاحَ لَهُ
كَأَنَّ أَوَّلَ يَوْمِ الْحَشْرِ آخِرُهُ
١٣٧غَابَ الْأَمِيرُ فَغَابَ الْخَيْرُ عَنْ بَلَدٍ
كَادَتْ لِفَقْدِ اسْمِهِ تَبْكِي مَنَابِرُهُ
١٣٨قَدِ اشْتَكَتْ وَحْشَةَ الْأَحْيَاءِ أَرْبُعُهُ
وَخَبَّرَتْ عَنْ أَسَى الْمَوْتَى مَقَابِرُهُ
١٣٩حَتَّى إِذَا عُقِدَتْ فِيهِ الْقِبَابُ لَهُ
أَهَلَّ لِلهِ بَادِيهِ وَحَاضِرُهُ
١٤٠وَجَدَّدَتْ فَرَحًا لَا الْغَمُّ يَطْرُدُهُ
وَلَا الصَّبَابَةُ فِي قَلْبٍ تُجَاوِرُهُ
١٤١إِذَا خَلَتْ مِنْكَ حِمْصٌ، لَا خَلَتْ أَبَدًا
فَلَا سَقَاهَا مِنَ الْوَسْمِيِّ بَاكِرُهُ
١٤٢دَخَلْتَهَا وَشُعَاعُ الشَّمْسِ مُتَّقِدٌ
وَنُورُ وَجْهِكَ بَيْنَ الْخَلْقِ بَاهِرُهُ
١٤٣فِي فَيْلَقٍ مِنْ حَدِيدٍ لَوْ قَذَفْتَ بِهِ
صَرْفَ الزَّمَانِ لَمَا دَارَتْ دَوَائِرُهُ
١٤٤تَمْضِي الْمَوَاكِبُ وَالْأَبْصَارُ شَاخِصَةٌ
مِنْهَا إِلَى الْمَلِكِ الْمَيْمُونِ طَائِرُهُ
١٤٥قَدْ حِرْنَ فِي بَشَرٍ فِي تَاجِهِ قَمَرٌ
فِي دِرْعِهِ أَسَدٌ تَدْمَى أَظَافِرُهُ
١٤٦حُلْوٍ خَلَائِقُهُ شُوسٍ حَقَائِقُهُ
تُحْصَى الْحَصَى قَبْلَ أَنْ تُحْصَى مَآثِرُهُ
١٤٧تَضِيقُ عَنْ جَيْشِهِ الدُّنْيَا وَلَو رَحُبَتْ
كَصَدْرِهِ لَمْ تَبِنْ فِيهَا عَسَاكِرُهُ
١٤٨إِذَا تَغَلْغَلَ فِكْرُ الْمَرْءِ فِي طَرَفٍ
مِنْ مَجْدِهِ غَرِقَتْ فِيهِ خَوَاطِرُهُ
١٤٩تَحْمَى السُّيُوفُ عَلَى أَعْدَائِهِ مَعَهُ
كَأَنَّهُنَّ بَنُوهُ أَوْ عَشَائِرُهُ
١٥٠إِذَا انْتَضَاهَا لِحَرْبٍ لَمْ تَدَعْ جَسَدًا
إِلَّا وَبَاطِنُهُ لِلْعَيْنِ ظَاهِرُهُ
١٥١فَقَدْ تَيَقَّنَ أَنَّ الْحَقَّ فِي يَدِهِ
وَقَدْ وَثِقْنَ بِأَنَّ اللهَ نَاصِرُهُ
١٥٢تَرَكْنَ هَامَ بَنِي عَوْفٍ وَثَعْلَبَةٍ
عَلَى رُءُوسٍ بِلَا نَاسٍ مَغَافِرُهُ
١٥٣فَخَاضَ بِالسَّيْفِ بَحْرَ الْمَوْتِ خَلْفَهُمُ
وَكَانَ مِنْهُ إِلَى الْكَعْبَيْنِ زَاخِرُهُ
١٥٤حَتَّى انْتَهَى الْفَرَسُ الْجَارِي وَمَا وَقَعَتْ
فِي الْأَرْضِ مِنْ جُثَثِ الْقَتْلَى حَوَافِرُهُ
١٥٥كَمْ مِنْ دَمٍ رَوِيَتْ مِنْهُ أَسِنَّتُهُ
وَمُهْجَةٍ وَلَغَتْ فِيهَا بَوَاتِرُهُ
١٥٦وَحَائِنٍ لَعِبَتْ سُمْرُ الرِّمَاحِ بِهِ
فَالْعَيْشُ هَاجِرُهُ وَالنَّسْرُ زَائِرُهُ
١٥٧مَنْ قَالَ: لَسْتَ بِخَيْرِ النَّاسِ كُلِّهِمِ
فَجَهْلُهُ بِكَ عِنْدَ النَّاسِ عَاذِرُهُ
أَوْ شَكَّ أَنَّكَ فَرْدٌ فِي زَمَانِهِمِ
بِلَا نَظِيرٍ فَفِي رُوحِي أُخَاطِرُهُ
١٥٨يَا مَنْ أَلُوذُ بِهِ فِيمَا أُؤَمِّلُهُ
وَمَنْ أَعُوذُ بِهِ مِمَّا أُحَاذِرُهُ
١٥٩وَمَنْ تَوَهَّمْتُ أَنَّ الْبَحْرَ رَاحَتُهُ
جُودًا وَأَنَّ عَطَايَاهُ جَوَاهِرُهُ
لَا يَجْبُرُ النَّاسُ عَظْمًا أَنْتَ كَاِسرُهُ
وَلَا يَهِيضُونَ عَظْمًا أَنْتَ جَابِرُهُ
١٦٠وقال يمدح أبا أحمد عبيد الله بن يحيى البحتري المنبجي:
أَرِيقُكِ أَمْ مَاءُ الْغَمَامَةِ أَمْ خَمْرُ
بِفِيَّ بَرُودٌ وَهْوَ فِي كَبِدِي جَمْرُ؟
١٦١أَذَا الْغُصْنُ أَمْ ذَا الدِّعْصُ أَمْ أَنْتِ فِتْنَةٌ؟
وَذَيَّا الَّذِي قَبَّلْتُهُ الْبَرْقُ أَمْ ثَغْرُ؟
١٦٢رَأَتْ وَجْهَ مَنْ أَهْوَى بِلَيْلٍ عَوَاذِلِي
فَقُلْنَ: نَرَى شَمْسًا وَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ
١٦٣رَأَيْنَ الَّتِي لِلسِّحْرِ فِي لَحَظَاتِهَا
سُيُوفٌ ظُبَاهَا مِنْ دَمِي أَبَدًا حُمْرُ
١٦٤تَنَاهَى سُكُونُ الْحُسْنِ فِي حَرَكَاتِهَا
فَلَيْسَ لِرَاءٍ وَجْهَهَا لَمْ يَمُتْ عُذْرُ
١٦٥إِلَيْكَ ابْنَ يَحْيَى بْنِ الْوَلِيدِ تَجَاوَزَتْ
بِيَ الْبِيدَ عِيسٌ لَحْمُهَا وَالدَّمُ الشِّعْرُ
١٦٦نَضَحْتُ بِذِكْرَاكُمْ حَرَارَةَ قَلْبِهَا
فَسَارَتْ وَطُولُ الْأَرْضِ فِي عَيْنِهَا شِبْرُ
١٦٧إِلَى لَيْثِ حَرْبٍ يُلْحِمُ اللَّيْثَ سَيْفُهُ
وَبَحْرِ نَدًى فِي مَوْجِهِ يَغْرَقُ الْبَحْرُ
١٦٨وَإِنْ كَانَ يُبْقِي جُودُهُ مِنْ تَلِيدِهِ
شَبِيهًا بِمَا يُبْقِي مِنَ الْعَاشِقِ الْهَجْرُ
١٦٩فَتًى كُلَّ يَوْمٍ تَحْتَوِي نَفْسَ مَالِهِ
رِمَاحُ الْمَعَالِي لَا الرُّدَيْنِيَّةُ السُّمْرُ
١٧٠تَبَاعَدَ مَا بَيْنَ السَّحَابِ وَبَيْنَهُ
فَنَائِلُهَا قَطْرٌ وَنَائِلُهُ غَمْرُ
١٧١وَلَوْ تَنْزِلُ الدُّنْيَا عَلَى حُكْمِ كَفِّهِ
لَأَصْبَحَتِ الدُّنْيَا وَأَكْثَرُهَا نَزْرُ
١٧٢أَرَاهُ صَغِيرًا قَدْرَهَا عُظْمُ قَدْرِهِ
فَمَا لِعَظِيمٍ قَدْرُهُ عِنْدَهُ قَدْرُ
١٧٣مَتَى مَا يُشِرْ نَحْوَ السَّمَاءِ بِوَجْهِهِ
تَخِرَّ لَهُ الشِّعْرَى وَيَنْخَسِفُ الْبَدْرُ
١٧٤تَرَ الْقَمَرَ الْأَرْضِيَّ وَالْمَلِكَ الَّذِي
لَهُ الْمُلْكُ بَعْدَ اللهِ وَالْمَجْدُ وَالذِّكْرُ
١٧٥كَثِيرُ سُهَادِ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ
يُؤَرِّقُهُ فِيمَا يُشَرِّفُهُ الْفِكْرُ
١٧٦لَهُ مِنَنٌ تُفْنِي الثَّنَاءَ كَأَنَّمَا
بِهِ أَقْسَمَتْ أَنْ لَا يُؤَدَّى لَهَا شُكْرُ
١٧٧أَبَا أَحْمَدٍ مَا الْفَخْرُ إِلَّا لِأَهْلِهِ
وَمَا لِامْرِئٍ لَمْ يُمْسِ مِنْ بُحْتُرٍ فَخْرُ
١٧٨هُمُ النَّاسُ إِلَّا أَنَّهُمْ مِنْ مَكَارِمٍ
يُغَنِّي بِهِمْ حَضْرٌ وَيَحْدُو بِهِمْ سَفْرُ
١٧٩بِمَنْ أَضْرِبُ الْأَمْثَالَ أَمْ مَنْ أَقِيسُهُ
إِلَيْكَ وَأَهْلُ الدَّهْرِ دُونَكَ وَالدَّهْرُ
١٨٠•••
وقال يرثي محمد بن إسحاق التنوخي:
إِنِّي لَأَعْلَمُ وَاللَّبِيبُ خَبِيرُ
أَنَّ الْحَيَاةَ وَإِنْ حَرَصْتَ غُرُورُ
١٨١وَرَأَيْتُ كُلًّا مَا يُعَلِّلُ نَفْسَهُ
بِتَعِلَّةٍ وَإِلَى الْفَنَاءِ يَصِيرُ
١٨٢أَمُجَاوِرَ الدِّيمَاسِ رَهْنَ قَرَارَةٍ
فِيهَا الضِّيَاءُ بِوَجْهِهِ وَالنُّورُ
١٨٣مَا كُنْتُ أَحْسَبُ قَبْلَ دَفْنِكَ فِي الثَّرَى
أَنَّ الْكَوَاكِبَ فِي التُّرَابِ تَغُورُ
١٨٤مَا كُنْتُ آمُلُ قَبْلَ نَعْشِكَ أَنْ أَرَى
رَضْوَى عَلَى أَيْدِي الرِّجَالِ تَسِيرُ
١٨٥خَرَجُوا بِهِ وَلِكُلِّ بَاكٍ خَلْفَهُ
صَعَقَاتُ مُوسَى يَوْمَ دُكَّ الطُّورُ
١٨٦وَالشَّمْسُ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ مَرِيضَةٌ
وَالْأَرْضُ وَاجِفَةٌ تَكَادُ تَمُورُ
١٨٧وَحَفِيفُ أَجْنِحَةِ الْمَلَائِكِ حَوْلَهُ
وَعُيُونُ أَهْلِ اللَّاذِقِيَّةِ صُورُ
١٨٨حَتَّى أَتَوْا جَدَثًا كَأَنَّ ضَرِيحَهُ
فِي قَلْبِ كُلِّ مُوَحِّدٍ مَحْفُورُ
١٨٩بِمُزَوَّدٍ كَفَنَ الْبِلَى مِنْ مُلْكِهِ
مُغْفٍ وَإِثْمِدُ عَيْنِهِ الْكَافُورُ
١٩٠فِيهِ الْفَصَاحَةُ وَالسَّمَاحَةُ وَالتُّقَى
وَالْبَأْسُ أَجْمَعُ وَالْحِجَا وَالْخِيرُ
١٩١كَفَلَ الثَّنَاءُ لَهُ بِرَدِّ حَيَاتِهِ
لَمَّا انْطَوَى فَكَأَنَّهُ مَنْشُورُ
١٩٢وَكَأَنَّمَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ذِكْرُهُ
وَكَأَنَّ عَازَرَ شَخْصُهُ الْمَقْبُورُ
١٩٣•••
واستزاده بنو عم الميت فقال ارتجالًا:
غَاضَتْ أَنَامِلُهُ وَهُنَّ بُحُورُ
وَخَبَتْ مَكَايِدُهُ وَهُنَّ سَعِيرُ
١٩٤يُبْكَى عَلَيْهِ وَمَا اسْتَقَرَّ قَرَارُهُ
فِي اللَّحْدِ حَتَّى صَافَحَتْهُ الْحُورُ
١٩٥صَبْرًا بَنِي إِسْحَاقَ عَنْهُ تَكَرُّمًا
إِنَّ الْعَظِيمَ عَلَى الْعَظِيمِ صَبُورُ
١٩٦فَلِكُلِّ مَفْجُوعٍ سِوَاكُمْ مُشْبِهٌ
وَلِكُلِّ مَفْقُودٍ سِوَاهُ نَظِيرُ
١٩٧أَيَّامَ قَائِمُ سَيْفِهِ فِي كَفِّهِ الْـ
ـيُمْنَى وَبَاعُ الْمَوْتِ عَنْهُ قَصِيرُ
١٩٨وَلَطالَمَا انْهَمَلَتْ بِمَاءٍ أَحْمَرٍ
فِي شَفْرَتَيْهِ جَمَاجِمٌ وَنُحُورُ
١٩٩فَأُعِيذُ إِخْوَتَهُ بِرَبِّ مُحَمَّدٍ
أَنْ يَحْزَنُوا وَمُحَمَّدٌ مَسْرُورُ
٢٠٠أَوْ يَرْغَبُوا بِقُصُورِهِمْ عَنْ حُفْرَةٍ
حَيَّاهُ فِيهَا مُنْكَرٌ وَنَكِيرُ
٢٠١نَفَرٌ إِذَا غَابَتْ غُمُودُ سُيُوفِهِمْ
عَنْهَا فَآجَالُ الْعِبَادِ حُضُورُ
٢٠٢وَإِذَا لَقُوا جَيْشًا تَيَقَّنَ أَنَّهُ
مِنْ بَطْنِ طَيْرِ تَنُوفَةٍ مَحْشُورُ
٢٠٣لَمْ تُثْنَ فِي طَلَبٍ أَعِنَّةُ خَيَلِهِمْ
إِلَّا وَعُمْرُ طَرِيدِهَا مَبْتُورُ
٢٠٤يَمَّمْتُ شَاسِعَ دَارِهِمْ عَنْ نِيَّةٍ
إِنَّ الْمُحِبَّ عَلَى الْبِعَادِ يَزُورُ
٢٠٥وَقَنِعْتُ بِاللُّقْيَا وَأَوَّلِ نَظْرَةٍ
إِنَّ الْقَلِيلَ مِنَ الْحَبِيبِ كَثِيرُ
٢٠٦وسأله بنو عم الميت أن ينفي الشماتة عنهم، فقال ارتجالًا:
أَلِآلِ إِبْرَاهِيمَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ
إِلَّا حَنِينٌ دَائِمٌ وَزَفِيرُ
٢٠٧مَا شَكَّ خَابِرُ أَمْرِهِمْ مِنْ بَعْدِهِ
أَنَّ الْعَزَاءَ عَلَيْهِمُ مَحْظُورُ
٢٠٨تُدْمِي خُدُودَهُمُ الدُّمُوعُ وَتَنْقَضِي
سَاعَاتُ لَيْلِهِمِ وَهُنَّ دُهُورُ
٢٠٩أَبْنَاءُ عَمٍّ كُلُّ ذَنْبٍ لِامْرِئٍ
إِلَّا السِّعَايَةَ بَيْنَهْمُ مَغْفُورُ
٢١٠طَارَ الْوُشَاةُ عَلَى صَفَاءِ وِدَادِهِمْ
وَكَذَا الذُّبَابُ عَلَى الطَّعَامِ يَطِيرُ
٢١١وَلَقَدْ مَنَحْتُ أَبَا الْحُسَيْنِ مَوَدَّةً
جُودِي بِهَا لِعَدُوِّهِ تَبْذِيرُ
٢١٢مَلِكٌ تَصَوَّرَ كَيْفَ شَاءَ كَأَنَّمَا
يَجْرِي بِفَصْلِ قَضَائِهِ الْمَقْدُورُ
٢١٣•••
وقال ارتجالًا في أبي الحسين بن إبراهيم وقد دخل عليه وهو يشرب:
مَرَتْكَ ابْنَ إِبْرَاهِيمَ صَافِيَةُ الْخَمْرِ
وَهُنِّئْتَهَا مِنْ شَارِبٍ مُسْكرِ السُّكْرِ
٢١٤رَأَيْتُ الْحُمَيَّا فِي الزُّجَاجِ بِكَفِّهِ
فَشَبَّهْتُهَا بِالشَّمْسِ فِي الْبَدْرِ فِي الْبَحْرِ
٢١٥إِذَا مَا ذَكَرْنَا جُودَهُ كَانَ حَاضِرًا
نَأَى أَوْ دَنَا يَسْعَى عَلَى قَدَمِ الْخِضْرِ
٢١٦وقال ارتجالًا وقد دخل على بدر بن عمار يومًا فوجده خاليًا، وقد أمر الغلمان أن يحجبوا الناس عنه ليخلو للشراب:
أَصْبَحْتَ تَأْمُرُ بِالْحِجَابِ لِخِلْوَةٍ
هَيْهَاتَ لَسْتَ عَلَى الْحِجَابِ بِقَادِرِ
مَنْ كَانَ ضَوْءُ جَبِينِهِ وَنَوَالُهُ
لَمْ يُحْجَبَا لَمْ يَحْتَجِبْ عَنْ نَاظِرِ
٢١٧فَإِذَا احْتَجَبْتَ فَأَنْتَ غَيْرُ مُحَجَّبٍ
وَإِذَا بَطَنْتَ فَأَنْتَ عَيْنُ الظَّاهِرِ
٢١٨وقال وقد أخذ الشراب منه عند بدر وأراد الانصراف فلم يقدر على الكلام، فقال هذين البيتين وهو لا يدري:
نَالَ الَّذِي نِلْتُ مِنْهُ مِنِّي
لِلهِ مَا تَصْنَعُ الْخُمُورُ!
٢١٩وَذَا انْصِرَافِي إِلَى مَحَلِّي
أَآذِنٌ أَيُّهَا الْأَمِيرُ
•••
وقال يصف لعبة في صورة جارية؛ وذلك أنه كان لبدر بن عمار جليس أعور يعرف بابن كروس، يحسد أبا الطيب لما كان يشاهده من سرعة خاطره؛ لأنه لم يكن شيء يجري في المجلس إلا ارتجل فيه شعرًا، فقال الأعور لبدر: أظنه يعمل هذا قبل حضوره ويعدِّه، فقال بدر: مثل هذا لا يجوز، وأنا أمتحنه بشيء أحضره للوقت؛ فلما كمل المجلس ودارت الكئوس أخرج لعبة لها شعر في طولها، تدور على لولب، وإحدى رجليها مرفوعة، وفي يدها طاقة ريحان؛ فإذا وقفت حذاء إنسان شرب فدارت؛ فقال ارتجالًا:
وَجَارِيَةٍ شَعْرُهَا شَطْرُهَا
مُحَكَّمَةٍ نَافِذٍ أَمْرُهَا
٢٢٠تَدُورُ وَفِي كَفِّهَا طَاقَةٌ
تَضَمَّنَهَا مُكْرَهًا شِبْرُهَا
٢٢١فَإِنْ أَسْكَرَتْنَا فَفِي جَهْلِهَا
بِمَا فَعَلَتْهُ بِنَا عُذْرُهَا
٢٢٢•••
وقال في بدر أيضًا وقد وقفت هذه الجارية حذاءه:
إِنَّ الْأَمِيرَ أَدَامَ اللهُ دَوْلَتَهُ
لَفَاخِرٌ كُسِيَتْ فَخْرًا بِهِ مُضَرُ
٢٢٣فِي الشَّرْبِ جَارِيَةٌ مِنْ تَحْتِهَا خَشَبٌ
مَا كَانَ وَالِدَهَا جِنٌّ وَلَا بَشَرُ
٢٢٤قَامَتْ عَلَى فَرْدِ رِجْلٍ مِنْ مَهَابَتِهِ
وَلَيْسَ تَعْقِلُ مَا تَأْتِي وَمَا تَذَرُ
٢٢٥وقال لبدر: ما حملك على إحضار اللعبة؟ فقال: أردت أن أنفي الظنة عن أدبك، فقال:
زَعَمْتَ أَنَّكَ تَنْفِي الظَّنَّ عَنْ أَدَبِي
وَأَنْتَ أَعْظَمُ أَهْلِ الْعَصْرِ مِقْدَارَا
٢٢٦إِنِّي أَنَا الذَّهَبُ الْمَعْرُوفُ مَخْبَرُهُ
يَزِيدُ فِي السَّبْكِ لِلدِّينَارِ دِينَارَا
٢٢٧فقال بدر: بل للدينار قنطارًا، فقال:
بِرَجَاءِ جُودِكَ يُطْرَدُ الْفَقْرُ
وَبِأَنْ تُعَادَى يَنْفَدُ الْعُمْرُ
٢٢٨فَخَرَ الزُّجَاجُ بِأَنْ شَرِبْتَ بِهِ
وَزَرَتْ عَلَى مَنْ عَافَهَا الْخَمْرُ
٢٢٩وَسَلِمْتَ مِنْهَا وَهْيَ تُسْكِرُنَا
حَتَّى كَأَنَّكَ هَابَكَ السُّكْرُ
٢٣٠مَا يُرْتَجَى أَحَدٌ لِمَكْرُمَةٍ
إِلَّا الْإِلَهُ وَأَنْتَ يَا بَدْرُ
وأراد الارتحال عن علي بن أحمد الخراساني فقال:
لَا تُنْكِرَنَّ رَحِيلِي عَنْكَ فِي عَجَلٍ
فَإِنَّنِي لِرَحِيلِي غَيْرُ مُخْتَارِ
وَرُبَّمَا فَارَقَ الْإِنْسَانُ مُهْجَتَهُ
يَوْمَ الْوَغَى غَيْرَ قَالٍ خَشْيَةَ الْعَارِ
٢٣١وَقَدْ مُنِيتُ بِحُسَّادٍ أُحَارِبُهُمْ
فَاجْعَلْ نَدَاكَ عَلَيْهِمْ بَعْضَ أَنْصَارِي
٢٣٢وقال يصف مسيره في البوادي وما لقي في أسفاره ويذم الأعور بن كروس:
عَذِيرِي مِنْ عَذَارَى مِنْ أُمُورِ
سَكَنَّ جَوَانِحِي بَدَلَ الْخُدُورِ
٢٣٣وَمُبْتَسِمَاتِ هَيْجَاوَاتِ عَصْرٍ
عَنِ الْأَسْيَافِ لَيْسَ عَنِ الثُّغُورِ
٢٣٤رَكِبْتُ مُشَمِّرًا قَدَمِي إِلَيْهَا
وَكُلَّ عَذَافِرٍ قَلِقِ الضُّفُورِ
٢٣٥أَوَانًا فِي بُيُوتِ الْبَدْوِ رَحْلِي
وَآوِنَةً عَلَى قَتَدِ الْبَعِيرِ
٢٣٦أُعَرِّضُ لِلرِّمَاحِ الصُّمِّ نَحْرِي
وَأَنْصِبُ حُرَّ وَجْهِي لِلْهَجِيرِ
٢٣٧وَأَسْرِي فِي ظَلَامِ اللَّيْلِ وَحْدِي
كَأَنِّي مِنْهُ فِي قَمَرٍ مُنِيرِ
٢٣٨فَقُلْ فِي حَاجَةٍ لَمْ أَقْضِ مِنْهَا
عَلَى شَغَفِي بِهَا شَرْوَى نَقِيرِ
٢٣٩وَنَفْسٍ لَا تُجِيبُ إِلَى خَسِيسٍ
وَعَيْنٍ لَا تُدَارُ عَلَى نَظِيرِ
٢٤٠وَكَفٍّ لَا تُنَازِعُ مَنْ أَتَانِي
يُنَازِعُنِي سِوَى شَرَفِي وَخِيرِي
٢٤١وَقِلَّةِ نَاصِرٍ جُوزِيتَ عَنِّي
بِشَرٍّ مِنْكَ يَا شَرَّ الدُّهُورِ
٢٤٢عَدُوِّي كُلُّ شَيْءٍ فِيكَ حَتَّى
لَخِلْتُ الْأُكْمَ مُوغَرَةَ الصُّدُورِ
٢٤٣فَلَوْ أَنِّي حُسِدْتُ عَلَى نَفِيسٍ
لَجُدْتُ بِهِ لِذِي الْجَدِّ الْعَثُورِ
وَلَكِنِّي حُسِدْتُ عَلَى حَيَاتِي
وَمَا خَيْرُ الْحَيَاةِ بِلَا سُرُورِ
٢٤٤فَيَا ابْنَ كَرَوَّسٍ يَا نِصْفَ أَعْمَى
وَإِنْ تَفْخَرْ فَيَا نِصْفَ الْبَصِيرِ
٢٤٥تُعَادِينَا لِأَنَّا غَيْرُ لُكْنٍ
وَتُبْغِضُنَا لِأَنَّا غَيْرُ عُورِ
٢٤٦فَلَوْ كُنْتَ امْرَأً يُهْجَى هَجَوْنَا
وَلَكِنْ ضَاقَ فِتْرٌ عَنْ مَسِيرِ
٢٤٧وقال يمدح أبا محمد الحسين بن عبد الله بن طغج:
وَوَقْتٍ وَفَى بِالدَّهْرِ لِي عِنْدَ وَاحِدٍ
وَفَى لِي بِأَهْلِيهِ وَزَادَ كَثِيرَا
٢٤٨شَرِبْتُ عَلَى اسْتِحْسَانِ ضَوْءِ جَبِينِهِ
وَزَهْرٍ تَرَى لِلْمَاءِ فِيهِ خَرِيرَا
غَدَا النَّاسُ مِثْلَيْهِمْ بِهِ لَا عَدِمْتُهُ
وَأَصْبَحَ دَهْرِي فِي ذُرَاهُ دُهُورَا
٢٤٩•••
وقال وقد كره الشرب وكثر البخور وارتفعت رائحة الند والأصوات بمجلسه:
أَنَشْرُ الْكِبَاءِ وَوَجْهُ الْأَمِيرِ
وَصَوْتُ الْغِنَاءِ وَصَافِي الْخُمُورِ
٢٥٠فَدَاوِ خُمَارِي بِشُرْبِي لَهَا
فَإِنِّي سَكِرْتُ بِشُرْبِ السُّرُورِ
٢٥١وقال أبو محمد يومًا: إن أباه استخفى مرة، فعرفه رجل يهودي، فقال:
لَا تَلُومَنَّ الْيَهُودِيَّ عَلَى
أَنْ يَرَى الشَّمْسَ فَلَا يُنْكِرُهَا
إِنَّمَا اللَّوْمُ عَلَى حَاسِبِهَا
ظُلَمَةً مِنْ بَعْدِ مَا يُبْصِرُهَا
٢٥٢وسئل عما ارتجله فيه من الشعر، فأعاده؛ فعجبوا من حفظه إياه، فقال:
إِنَّمَا أَحْفَظُ الْمَدِيحَ بِعَيْنِي
لَا بِقَلْبِي لِمَا أَرَى فِي الْأَمِيرِ
مِنْ خِصَالٍ إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهَا
نَظَمَتْ لِي غَرَائِبَ الْمَنْثُورِ
٢٥٣•••
وعاتبه أبو محمد على تركه مدحه فقال:
تَرْكُ مَدْحِيكَ كَالْهِجَاءِ لِنَفْسِي
وَقَلِيلٌ لَكَ الْمَدِيحُ الْكَثِيرُ
٢٥٤غَيْرَ أَنِّي تَرَكْتُ مُقْتَضَبَ الشِّعْـ
ـرِ لِأَمْرٍ مِثْلِي بِهِ مَعْذُورُ
٢٥٥وَسَجَايَاكَ مَادِحَاتُكَ لَا لَفْـ
ـظِي وَجُودٌ عَلَى كَلَامِي يُغِيرُ
٢٥٦فَسَقَى اللهُ مَنْ أُحِبُّ بِكَفَّيْـ
ـكَ وَأَسْقَاكَ أَيُّهَذَا الْأَمِيرُ
٢٥٧•••
وقال عند منصرفه من مصر وقد وصل إلى البسيطة، فرأى بعض غلمانه ثورًا، فقال: هذه منارة الجامع، ورأى آخر نعامة في البرية، فقال: هذه نخلة؛ فضحك أبو الطيب وقال:
بُسَيْطَةُ مَهْلًا سُقِيتِ الْقِطَارَا
تَرَكْتِ عُيُونَ عَبِيدِي حَيَارَى
٢٥٨فَظَنُّوا النَّعَامَ عَلَيْكِ النَّخِيلَ
وَظَنُّوا الصِّوَارَ عَلَيْكِ الْمَنَارَا
٢٥٩فَأَمْسَكَ صَحْبِي بِأَكْوَارِهِمْ
وَقَدْ قَصَدَ الضِّحْكُ فِيهِمْ وَجَارَا
٢٦٠•••
وقال يمدح علي بن أحمد بن عامر الأنطاكي:
أُطَاعِنُ خَيْلًا مِنْ فَوَارِسِهَا الدَّهْرُ
وَحِيدًا وَمَا قَوْلِي كَذَا وَمَعِي الصَّبْرُ
٢٦١وَأَشْجَعُ مِنِّي كُلَّ يَوْمٍ سَلَامَتِي
وَمَا ثَبَتَتْ إِلَّا وَفِي نَفْسِهَا أَمْرُ
٢٦٢تَمَرَّسْتُ بِالْآفَاتِ حَتَّى تَرَكْتُهَا
تَقُولُ: أَمَاتَ الْمَوْتُ أَمْ ذُعِرَ الذُّعْرُ؟
٢٦٣وَأَقْدَمْتُ إِقْدَامَ الْأَتِيِّ كَأَنَّ لِي
سِوَى مُهْجَتِي أَوْ كَانَ لِي عِنْدَهَا وِتْرُ
٢٦٤ذَرِ النَّفْسَ تَأْخُذْ وُسْعَهَا قَبْلَ بَيْنِهَا
فَمُفْتَرِقٌ جَارَانِ دَارُهُمَا الْعُمْرُ
٢٦٥وَلَا تَحْسَبَنَّ الْمَجْدَ زِقًّا وَقِينَةً
فَمَا الْمَجْدُ إِلَّا السَّيْفُ وَالْفَتْكَةُ الْبِكْرُ
٢٦٦وَتَضْرِيبُ أَعْنَاقِ الْمُلُوكِ وَأَنْ تُرَى
لَكَ الْهَبَوَاتُ السُّودُ وَالْعَسْكَرُ الْمَجْرُ
٢٦٧وَتَرْكُكَ فِي الدُّنْيَا دَوِيًّا كَأَنَّمَا
تَدَاوَلَ سَمْعَ الْمَرْءِ أَنْمُلُهُ الْعَشْرُ
٢٦٨إِذَا الْفَضْلُ لَمْ يَرْفَعْكَ عَنْ شُكْرِ نَاقِصٍ
عَلَى هِبَةٍ فَالْفَضْلُ فِيمَنْ لَهُ الشُّكْرُ
٢٦٩وَمَنْ يُنْفِقِ السَّاعَاتِ فِي جَمْعِ مَالِهِ
مَخَافَةَ فَقْرٍ فَالَّذِي فَعَلَ الْفَقْرُ
٢٧٠عَلَيَّ لِأَهْلِ الْجَوْرِ كُلُّ طِمِرَّةٍ
عَلَيْهَا غُلَامٌ مِلْءُ حَيْزُومِهِ غِمْرُ
٢٧١يُدِيرُ بِأَطْرَافِ الرِّمَاحِ عَلَيْهِمِ
كُئُوسَ الْمَنَايَا حَيْثُ لَا تُشْتَهَى الْخَمْرُ
٢٧٢وَكَمْ مِنْ جِبَالٍ جُبْتُ تَشْهَدُ أَنَّنِي الْـ
ـجِبَالُ وَبَحْرٍ شَاهِدٍ أَنَّنِي الْبَحْرُ!
٢٧٣وَخَرْقٍ مَكَانُ الْعِيسِ مِنْهُ مَكَانُنَا
مِنَ الْعِيسِ فِيهِ وَاسِطُ الْكُورِ وَالظَّهْرُ
٢٧٤يَخِدْنَ بِنَا فِي جَوْزِهِ وَكَأَنَّنَا
عَلَى كُرَةٍ أَوْ أَرْضُهُ مَعَنَا سَفْرُ
٢٧٥وَيَوْمٍ وَصَلْنَاهُ بِلَيْلٍ كَأَنَّمَا
عَلَى أُفْقِهِ مِنْ بَرْقِهِ حُلَلٌ حُمْرُ
٢٧٦وَلَيْلٍ وَصَلْنَاهُ بِيَوْمٍ كَأَنَّمَا
عَلَى مَتْنِهِ مِنْ دَجْنِهِ حُلَلٌ خُضْرُ
٢٧٧وَغَيْثٍ ظَنَنَّا تَحْتَهُ أَنَّ عَامِرًا
عَلَا لَمْ يَمُتْ أَوْ فِي السَّحَابِ لَهُ قَبْرُ
٢٧٨أَوِ ابْنَ ابْنِهِ الْبَاقِي عَلِيَّ بْنَ أَحْمَدٍ
يَجُودُ بِهِ لَوْ لَمْ أَجُزْ وَيَدِي صِفْرُ
٢٧٩وَإِنَّ سَحَابًا جَوْدُهُ مِثْلُ جُودِهِ
سَحَابٌ عَلَى كُلِّ السِّحَابِ لَهُ فَخْرُ
٢٨٠فَتًى لَا يَضُمُّ الْقَلْبُ هِمَّاتِ قَلْبِهِ
وَلَوْ ضَمَّهَا قَلْبٌ لَمَا ضَمَّهُ صَدْرُ
٢٨١وَلَا يَنْفَعُ الْإِمْكَانُ لَوْلَا سَخَاؤُهُ
وَهَلْ نَافِعٌ لَوْلَا الْأَكُفُّ الْقَنَا السُّمْرُ
٢٨٢قِرَانٌ تَلَاقَى الصَّلْتُ فِيهِ وَعَامِرٌ
كَمَا يَتَلَاقَى الْهِنْدُوَانِيُّ وَالنَّصْرُ
٢٨٣فَجَاءَا بِهِ صَلْتَ الْجَبِينِ مُعَظَّمًا
تَرَى النَّاسَ قُلًّا حَوْلَهُ وَهُمُ كُثْرُ
٢٨٤مُفَدًّى بِآبَاءِ الرِّجَالِ سَمَيْذَعًا
هُوَ الْكَرَمُ الْمَدُّ الَّذِي مَا لَهُ جَزْرُ
٢٨٥وَمَا زِلْتُ حَتَّى قَادَنِي الشَّوْقُ نَحْوَهُ
يُسَايِرُنِي فِي كُلِّ رَكْبٍ لَهُ ذِكْرُ
٢٨٦وَأَسْتَكْبِرُ الْأَخْبَارَ قَبْلَ لِقَائِهِ
فَلَمَّا الْتَقَيْنَا صَغَّرَ الْخَبَرَ الْخُبْرُ
٢٨٧إِلَيْكَ طَعَنَّا فِي مَدَى كُلِّ صَفْصَفٍ
بِكُلِّ وَآةٍ كُلُّ مَا لَقِيَتْ نَحْرُ
٢٨٨إِذَا وَرِمَتْ مِنْ لَسْعَةٍ مَرِحَتْ لَهَا
كَأَنَّ نَوَالًا صَرَّ فِي جِلْدِهَا النِّبْرُ
٢٨٩فَجِئْنَاكَ دُونَ الشَّمْسِ وَالْبَدْرِ فِي النَّوَى
وَدُونَكَ فِي أَحْوَالِكَ الشَّمْسُ وَالْبَدْرُ
٢٩٠كَأَنَّكَ بَرْدُ الْمَاءِ لَا عَيْشَ دُونَهُ
وَلَوْ كُنْتَ بَرْدَ الْمَاءِ لَمْ يَكُنِ الْعِشْرُ
٢٩١دَعَانِي إِلَيْكَ الْعِلْمُ وَالْحِلْمُ وَالْحِجَا
وَهَذا الْكَلَامُ النَّظْمُ وَالنَّائِلُ النَّثْرُ
٢٩٢وَمَا قُلْتُ مِنْ شِعْرٍ تَكَادُ بُيُوتُهُ
إِذَا كُتِبَتْ يَبْيَضُّ مِنْ نُورِهَا الْحِبْرُ
٢٩٣كَأَنَّ الْمَعَانِي فِي فَصَاحَةِ لَفْظِهَا
نُجُومُ الثُّرَيَّا أَوَ خَلَائِقُكَ الزُّهْرُ
٢٩٤وَجَنَّبَنِي قُرْبَ السَّلَاطِينِ مَقْتُهَا
وَمَا يَقْتَضِينِي مِنْ جَمَاجِمِهَا النَّسْرُ
٢٩٥وَإِنِّي رَأَيْتُ الضُّرَّ أَحْسَنَ مَنْظَرًا
وَأَهْوَنَ مِنْ مَرْأَى صَغِيرٍ بِهِ كِبْرُ
٢٩٦لِسَانِي وَعَيْنِي وَالْفُؤَادُ وَهِمَّتِي
أَوَدُّ اللَّوَاتِي ذَا اسْمُهَا مِنْكَ وَالشَّطْرُ
٢٩٧وَمَا أَنَا وَحْدِي قُلْتُ ذَا الشِّعْرَ كُلَّهُ
وَلَكِنْ لِشِعْرِي فِيكَ مِنْ نَفْسِهِ شِعْرُ
٢٩٨وَمَا ذَا الَّذِي فِيهِ مِنَ الْحُسْنِ رَوْنَقًا
وَلَكِنْ بَدَا فِي وَجْهِهِ نَحْوَكَ الْبِشْرُ
٢٩٩وَإِنِّي — وَإِنْ نِلْتَ السَّمَاءَ — لَعَالِمٌ
بِأَنَّكَ مَا نِلْتَ الَّذِي يُوجِبُ الْقَدْرُ
٣٠٠أَزَالَتْ بِكَ الْأَيَّامُ عَتْبِي كَأَنَّمَا
بَنُوهَا لَهَا ذَنْبٌ وَأَنْتَ لَهَا عُذْرُ
٣٠١وقال يمدح أبا الفضل محمد بن العميد:
٣٠٢بَادٍ هَوَاكَ صَبَرْتَ أَمْ لَمْ تَصْبِرَا
وَبُكَاكَ إِنْ لَمْ يَجْرِ دَمْعُكَ أَوْ جَرَى
٣٠٣كَمْ غَرَّ صَبْرُكَ وَابْتِسَامُكَ صَاحِبًا
لَمَّا رَآكَ وَفِي الْحَشَا مَا لَا يُرَى
٣٠٤أَمَرَ الْفُؤَادُ لِسَانَهُ وَجُفُونَهُ
فَكَتَمْنَهُ وَكَفَى بِجِسْمِكَ مُخْبِرَا
٣٠٥تَعِسَ الْمَهَارِي غَيْرَ مَهْرِيٍّ غَدَا
بِمُصَوَّرٍ لَبِسَ الْحَرِيرَ مُصَوَّرَا
٣٠٦نَافَسْتُ فِيهِ صُورَةً فِي سِتْرِهِ
لَوْ كُنْتُهَا لَخَفِيتُ حَتَّى يَظْهَرَا
٣٠٧لَا تَتْرَبِ الْأَيْدِي الْمُقِيمَةُ فَوْقَهُ
كِسْرَى مُقَامَ الْحَاجِبِينَ وَقَيْصَرَا
٣٠٨يَقِيَانِ فِي أَحَدِ الْهَوَادِجِ مُقْلَةً
رَحَلَتْ فَكَانَ لَهَا فُؤَادِي مَحْجِرَا
٣٠٩قَدْ كُنْتُ أَحْذَرُ بَيْنَهُمْ مِنْ قَبْلِهِ
لَوْ كَانَ يَنْفَعُ حَائِنًا أَنْ يَحْذَرَا
٣١٠وَلَوِ اسْتَطَعْتُ إِذِ اغْتَدَتْ رُوَّادُهُمْ
لَمَنَعْتُ كُلَّ سَحَابَةٍ أَنْ تَقْطُرَا
٣١١فَإِذَا السَّحَابُ أَخُو غُرَابِ فِرَاقِهِمْ
جَعَلَ الصِّيَاحَ بِبَيْنِهِمْ أَنْ يُمْطِرَا
٣١٢وَإِذَا الْحَمَائِلُ مَا يَخِدْنَ بِنَفْنَفٍ
إِلَّا شَقَقْنَ عَلَيْهِ ثَوْبًا أَخْضَرَا
٣١٣يَحْمِلْنَ مِثْلَ الرَّوْضِ إِلَّا أَنَّهَا
أَسْبَى مَهَاةً لِلْقُلُوبِ وَجُؤْذُرَا
٣١٤فَبِلَحْظِهَا نَكِرَتْ قَنَاتِي رَاحَتِي
ضَعْفًا وَأَنْكَرَ خَاتِمَايَ الْخِنْصِرَا
٣١٥أَعْطَى الزَّمَانُ فَمَا قَبِلْتُ عَطَاءَهُ
وَأَرَادَ لِي فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَخَيَّرَا
٣١٦أَرَجَانَ أَيَّتُهَا الْجِيَادُ فَإِنَّهُ
عَزْمِي الَّذِي يَذَرُ الْوَشِيجَ مُكَسَّرَا
٣١٧لَوْ كُنْتُ أَفْعَلُ مَا اشْتَهَيْتِ فَعَالَهُ
مَا شَقَّ كَوْكَبُكِ الْعَجَاجَ الْأَكْدَرَا
٣١٨أُمِّي أَبَا الْفَضْلِ الْمُبِرَّ أَلِيَّتِي
لَأُيَمِّمَنَّ أَجَلَّ بَحْرٍ جَوْهَرَا
٣١٩أَفْتَى بِرُؤْيَتِهِ الْأَنَامُ وَحَاشَ لِي
مِنْ أَنْ أَكُونَ مُقَصِّرًا أَوْ مُقْصِرَا
٣٢٠صُغْتُ السِّوَارَ لِأَيِّ كَفٍّ بَشَّرَتْ
بِابْنِ الْعَمِيدِ وَأَيِّ عَبْدٍ كَبَّرَا
٣٢١إِنْ لَمْ تُغِثْنِي خَيْلُهُ وَسِلَاحُهُ
فَمَتَى أَقُودُ إِلَى الْأَعَادِي عَسْكَرَا؟
٣٢٢بِأَبِي وَأُمِّي نَاطِقٌ فِي لَفْظِهِ
ثَمَنٌ تُبَاعُ بِهِ الْقُلُوبُ وَتُشْتَرَى
٣٢٣مَنْ لَا تُرِيهِ الْحَرْبُ خَلْقًا مُقْبِلًا
فِيهَا وَلَا خَلْقٌ يَرَاهُ مُدْبِرَا
٣٢٤خَنْثَى الْفُحُولَ مِنَ الْكُمَاةِ بِصَبْغِهِ
مَا يَلْبَسُونَ مِنَ الْحَدِيدِ مُعَصْفَرَا
٣٢٥يَتَكَسَّبُ الْقَصَبُ الضَّعِيفُ بِكَفِّهِ
شَرَفًا عَلَى صُمِّ الرِّمَاحِ وَمَفْخَرَا
٣٢٦وَيَبِينُ فِيمَا مَسَّ مِنْهُ بَنَانُهُ
تِيهُ الْمُدِلِّ فَلَوْ مَشَى لَتَبَخْتَرَا
٣٢٧يَا مَنْ إِذَا وَرَدَ الْبِلَادَ كِتَابُهُ
قَبْلَ الْجُيُوشِ ثَنَى الْجُيُوشَ تَحَيُّرَا
٣٢٨أَنْتَ الْوَحِيدُ إِذَا ارْتَكَبْتَ طَرِيقَةً
وَمَنِ الرَّدِيفُ وَقَدْ رَكِبْتَ غَضَنْفَرَا؟
٣٢٩قَطَفَ الرِّجَالُ الْقَوْلَ وَقْتَ نَبَاتِهِ
وَقَطَفْتَ أَنْتَ الْقَوْلَ لَمَّا نَوَّرَا
٣٣٠فَهُوَ الْمُشَيَّعُ بِالْمَسَامِعِ إِنْ مَضَى
وَهُوَ الْمُضَاعَفُ حُسْنُهُ إِنْ كُرِّرَا
٣٣١وَإِذَا سَكَتَّ فَإِنَّ أَبْلَغَ خَاطِبٍ
قَلَمٌ لَكَ اتَّخَذَ الْأَصَابِعَ مِنْبَرَا
٣٣٢وَرَسَائِلٌ قَطَعَ الْعُدَاةُ سِحَاءَهَا
فَرَأَوْا قَنًا وَأَسِنَّةً وَسَنَوَّرَا
٣٣٣فَدَعَاكَ حُسَّدُكَ الرَّئِيسَ وَأَمْسَكُوا
وَدَعَاكَ خَالِقُكَ الرَّئِيسَ الْأَكْبَرَا
خَلَفَتْ صِفَاتُكَ فِي الْعُيُونِ كَلَامَهُ
كَالْخَطِّ يَمْلَأُ مِسْمَعَيْ مَنْ أَبْصَرَا
٣٣٤أَرَأَيْتَ هِمَّةَ نَاقَتِي فِي نَاقَةٍ
نَقَلَتْ يَدًا سُرُحًا وَخُفًّا مُجْمَرَا
٣٣٥تَرَكَتْ دُخَانَ الرَّمْثِ فِي أَوْطَانِهَا
طَلَبًا لِقَوْمٍ يُوقِدُونَ الْعَنْبَرَا
٣٣٦وَتَكَرَّمَتْ رُكَبَاتُهَا عَنْ مَبْرَكٍ
تَقَعَانِ فِيهِ وَلَيْسَ مِسْكًا أَذْفَرَا
٣٣٧فَأَتَتْكَ دَامِيَةَ الْأَظَلِّ كَأَنَمَّاَ
حُذِيَتْ قَوَائِمُهَا الْعَقِيقَ الْأَحْمَرَا
٣٣٨بَدَرَتْ إِلَيْكَ يَدَ الزَّمَانِ كَأَنَّهَا
وَجَدَتْهُ مَشْغُولَ الْيَدَيْنِ مُفَكِّرَا
٣٣٩مَنْ مُبْلِغُ الْأَعْرَابِ أَنِّي بَعْدَهَا
شَاهَدْتُ رَسْطَالِيسَ وَالْإِسْكَنْدَرَا
٣٤٠وَمَلِلْتُ نَحْرَ عِشَارِهَا فَأَضَافَنِي
مَنْ يَنْحَرُ الْبِدَرَ النُّضَارَ لِمَنْ قَرَى
٣٤١وَسَمِعْتُ بَطْلَيْمُوسَ دَارِسَ كُتْبِهِ
مُتَمَلِّكًا مُتَبَدِّيًا مُتَحَضِّرَا
٣٤٢وَلَقِيتُ كُلَّ الْفَاضِلِينَ كَأَنَّمَا
رَدَّ الْإِلَه ُنفُوسَهُمْ وَالْأَعْصُرَا
٣٤٣نُسِقُوا لَنَا نَسَقَ الْحِسَابِ مُقَدَّمًا
وَأَتَى فَذَلِكَ إِذْ أَتَيْتَ مُؤَخَّرَا
٣٤٤يَا لَيْتَ بَاكِيَةً شَجَانِي دَمْعُهَا
نَظَرَتْ إِلَيْكَ كَمَا نَظَرْتُ فَتَعْذِرَا
٣٤٥وَتَرَى الْفَضِيلَةَ لَا تَرُدُّ فَضِيلَةً
الشَّمْسَ تُشْرِقُ وَالسَّحَابَ كَنَهْوَرَا
٣٤٦أَنَا مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ أَطْيَبُ مَنْزِلًا
وَأَسَرُّ رَاحِلَةً وَأَرْبَحُ مَتْجَرَا
٣٤٧زُحَلٌ عَلَى أَنَّ الْكَوَاكِبَ قَوْمُهُ
لَوْ كَانَ مِنْكَ لَكَانَ أَكْرَمَ مَعْشَرَا
٣٤٨قافية الزاي
وقال بدمشق يمدح أبا بكر علي بن صالح الروذباري الكاتب:
كَفِرِنْدِي فِرِنْدُ سَيْفِي الْجُرَازِ
لَذَّةُ الْعَيْنِ عُدَّةٌ لِلْبِرَازِ
١تَحْسَبُ الْمَاءَ خَطَّ فِي لَهَبِ النَّا
رِ أَدَقَّ الْخُطُوطِ فِي الْأَحْرَازِ
٢كُلَّمَا رُمْتَ لَوْنَهُ مَنَع النَّا
ظِرَ مَوْجٌ كَأَنَّهُ مِنْكَ هَازِي
٣وَدَقِيقٌ قَذَى الْهَبَاءِ أَنِيقٌ
مُتَوَالٍ فِي مُسْتَوٍ هَزْهَازِ
٤وَرَدَ الْمَاءَ فَالْجَوَانِبُ قَدْرًا
شَرِبَتْ وَالَّتِي تَلِيهَا جَوَازِي
٥حَمَلَتْهُ حَمَائِلُ الدَّهْرِ حَتَّى
هِيَ مُحْتَاجَةٌ إِلَى خَرَّازِ
٦وَهْوَ لَا تَلْحَقُ الدِّمَاءُ غَرَارَيْـ
ـهِ وَلَا عِرْضَ مُنْتَضِيهِ الْمَخَازِي
٧يَا مُزِيلَ الظَّلَامِ عَنِّي وَرَوْضِي
يَوْمَ شُرْبِي وَمَعْقِلِي فِي الْبَرَازِ
٨وَالْيَمَانِي الَّذِي لَوِ اسْطَعْتُ كَانَتْ
مُقْلَتِي غِمْدَهُ مِنَ الْإِعْزَازِ
٩إِنَّ بَرْقِي إِذَا بَرَقْتَ فَعَالِي
وَصَلِيلِي إِذَا صَلَلْتَ ارْتِجَازِي
١٠لَمْ أُحَمِّلْكَ مُعْلَمًا هَكَذَا إِلَّا
لِضَرْبِ الرِّقَابِ وَالْأَجْوَازِ
١١وَلِقَطْعِي بِكَ الْحَدِيدَ عَلَيْهَا
فَكِلَانَا لِجِنْسِهِ الْيَوْمَ غَازِي
١٢سَلَّهُ الرَّكْضُ بَعْدَ وَهْنٍ بِنَجْدٍ
فَتَصَدَّى لِلْغَيْثِ أَهْلُ الْحِجَازِ
١٣وَتَمَنَّيْتُ مِثْلَهُ فَكَأَنِّي
طَالِبٌ لِابْنِ صَالِحٍ مَنْ يُوازِي
١٤لَيْسَ كُلُّ السَّرَاةِ بِالرُّوذَبَارِي
وَلَا كُلُّ مَا يَطِيرُ بِبَازِ
١٥فَارِسِيٌّ لَهُ مِنَ الْمَجْدِ تَاجٌ
كَانَ مِنْ جَوْهَرٍ عَلَى أَبْرَوَازِ
١٦نَفْسُهُ فَوْقَ كُلِّ أَصْلٍ شَرِيفٍ
وَلَوَ انِّي لَهُ إِلَى الشَّمْسِ عَازِي
١٧وَكَأَنَّ الْفَرِيدَ وَالدُّرَّ وَالْيَا
قُوتَ مِنْ لَفْظِهِ وَسَامَ الرِّكَازِ
١٨شَغَلَتْ قَلْبَهُ حِسَانُ الْمَعَالِي
عَنْ حِسَانِ الْوُجُوهِ وَالْأَعْجَازِ
١٩تَقْضَمُ الْجَمْرَ وَالْحَدِيدَ الْأَعَادِي
دُونَهُ قَضْمَ سُكَّرِ الْأَهْوَازِ
٢٠بَلَّغَتْهُ الْبَلَاغَةُ الْجَهْدَ بِالْعَفْـ
ـوِ وَنَالَ الْإِسْهَابَ بِالْإِيْجَازِ
٢١حَامِلُ الْحَرْبِ وَالدِّيَاتِ عَنِ الْقَوْ
مِ وَثِقْلِ الدُّيُونِ وَالْإِعْوَازِ
٢٢كَيْفَ لَا يَشْتَكِي وَكَيْفَ تَشَكَّوْا
وَبِهِ لَا بِمَنْ شَكَاهَا الْمرَازِي
٢٣أَيُّهَا الْوَاسِعُ الْفِنَاءِ وَمَا فِيِـ
ـهِ مَبِيتٌ لِمَالِكَ الْمُجْتَازِ
٢٤بِكَ أَضْحَى شَبَا الْأَسِنَّةِ عِنْدِي
كَشَبَا أَسْوُقِ الْجَرَادِ النَّوَازِي
٢٥وَانْثَنَى عَنِّي الرُّدَيْنِيُّ حَتَّى
دَارَ دَوْرَ الْحُرُوفِ فِي هَوَّازِ
٢٦وَبِآبَائِكَ الْكِرَامِ التَّأَسِّي
وَالتَّسَلِّي عَمَّنْ مَضَى وَالتَّعَازِي
٢٧تَرَكُوا الْأَرْضَ بَعْدَمَا ذَلَّلُوهَا
وَمَشَتْ تَحْتَهُمْ بِلَا مِهْمَازِ
٢٨وَأَطَاعَتْهُمُ الْجُيُوشُ وَهِيبُوا
فَكَلَامُ الْوَرَى لَهُمْ كَالنُّحَازِ
٢٩وَهِجَانٍ عَلَى هِجَانٍ تَآيَتْـ
ـكَ عَدَيدُ الْحُبُوبِ فِي الْأَقْوَازِ
٣٠صَفَّهَا السَّيْرُ فِي الْعَرَاءِ فَكَانَتْ
فَوْقَ مِثْلِ الْمُلَاءِ مِثْلَ الطِّرَازِ
٣١وَحَكَى فِي اللُّحُومِ فِعْلَكَ فِي الْوَفْـ
ـرِ فَأَوْدَى بِالْعَنْتَرِيسِ الْكِنَازِ
٣٢كُلَّمَا جَادَتِ الظُّنُونُ بِوَعْدٍ
عَنْكَ جَادَتْ يَدَاكَ بِالْإِنْجَازِ
٣٣مَلِكٌ مُنْشِدُ الْقَرِيضِ لَدَيْهِ
وَاضِعُ الثَّوْبِ فِي يَدَيْ بَزَّازِ
٣٤وَلَنَا الْقَوْلُ وَهُوَ أَدْرَى بِفَحْوَا
هُ وَأَهْدَى فِيهِ إِلَى الْإِعْجَازِ
٣٥وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ
شُعَرَاءٌ كَأَنَّهَا الْخَازِبَازِ
٣٦وَيَرَى أَنَّهُ الْبَصِيرُ بِهَذَا
وَهْوَ فِي الْعُمْيِ ضَائِعُ الْعُكَّازِ
٣٧كُلُّ شِعْرٍ نَظِيرُ قَائِلِهِ فِيـ
ـكَ وَعَقْلُ الْمُجِيزِ عَقْلُ الْمُجَازِ
٣٨قافية السين
وقال وقد أذن المؤذن، فوضع سيف الدولة الكأس من يده، فقال أبو الطيب ارتجالًا:
أَلَا أَذِّنْ فَمَا أَذْكَرْتَ نَاسِي
وَلَا لَيَّنْتَ قَلْبًا وَهْوَ قَاسِ
١وَلَا شُغِلَ الْأَمِيرُ عَنِ الْمَعَالِي
وَلَا عَنْ حَقِّ خَالِقِهِ بِكَاسِ
٢وقال يمدح عبيد الله بن خلكان الطرابلسي:
أَظَبْيَةَ الْوَحْشِ لَوْلَا ظَبْيَةُ الْأَنْسِ
لَمَا غَدَوْتُ بِجَدٍّ فِي الْهَوَى تَعِسِ
٣وَلَا سَقَيْتُ الثَّرَى وَالْمُزْنُ مُخْلِفَةٌ
دَمْعًا يُنَشِّفُهُ مِنْ لَوْعَةٍ نَفَسِي
٤وَلَا وَقَفْتُ بِجِسْمٍ مُسْيَ ثَالِثَةٍ
ذِي أَرْسُمٍ دُرُسٍ فِي الْأَرْسُمِ الدُّرُسِ
٥صَرِيعَ مُقْلَتِهَا سَآَّلَ دِمْنَتِهَا
قَتِيلَ تَكْسِيرِ ذَاكِ الْجَفْنِ وَاللَّعَسِ
٦خَرِيدَةٌ لَوْ رَأَتْهَا الشَّمْسُ مَا طَلَعَتْ
وَلَوْ رَآهَا قَضِيبُ الْبَانِ لَمْ يَمِسِ
٧مَا ضَاقَ قَبْلَكِ خَلْخَالٌ عَلَى رَشَأٍ
وَلَا سَمِعْتُ بِدِيبَاجٍ عَلَى كَنَسِ
٨إِنْ تَرْمِنِي نَكَبَاتُ الدَّهْرِ عَنْ كَثَبٍ
تَرْمِ امْرَأً غَيْرَ رِعْدِيدٍ وَلَا نَكِسِ
٩يَفْدِي بَنِيكَ عُبَيْدَ اللهِ حَاسِدُهُمْ
بِجَبْهَةِ الْعَيْرِ يُفْدَى حَافِرُ الْفَرَسِ
١٠أَبَا الْغَطَارِفَةِ الْحَامِينَ جَارَهُمُ
وَتَارِكِي اللَّيْثِ كَلْبًا غَيْرَ مُفْتَرِسِ
١١مِنْ كُلِّ أَبْيَضَ وَضَّاحٍ عِمَامَتُهُ
كَأَنَّمَا اشْتَمَلَتْ نُورًا عَلَى قَبَسِ
١٢دَانٍ بَعِيدٍ مُحِبٍّ مُبْغِضٍ بَهِجٍ
أَغَرَّ حُلْوٍ مُمِرٍّ لَيِّنٍ شَرِسِ
١٣نَدٍ أَبِيٍّ غَرٍ وَافٍ أَخِي ثِقَةٍ
جَعْدٍ سَرِيٍّ نَهٍ نَدْبٍ رَضٍ نَدُسِ
١٤لَوْ كَانَ فَيْضُ يَدَيْهِ مَاءَ غَادِيَةٍ
عَزَّ الْقَطَا فِي الْفَيَافِي مَوْضِعُ الْيَبَسِ
١٥أَكَارِمٌ حَسَدَ الْأَرْضَ السَّمَاءُ بِهِمْ
وَقَصَّرَتْ كُلُّ مِصْرٍ عَنْ طَرَابُلْسِ
١٦أَيُّ الْمُلُوكِ — وَهُمْ قَصْدِي — أُحَاذِرُهُ؟!
وَأَيُّ قِرْنٍ وَهُمْ سَيْفِي وَهُمْ تُرُسِي؟!
١٧وسأله صديق له يعرف بأبي ضبيس الشراب معه فامتنع وقال ارتجالًا:
أَلَذُّ مِنَ الْمُدَامِ الْخَنْدَرِيسِ
وَأَحْلَى مِنْ مُعَاطَاةِ الْكُئُوسِ
مُعَاطَاةُ الصَّفَائِحِ وَالْعَوَالِي
وَإِقْحَامِي خَمِيسًا فِي خَمِيسِ
١٨فَمَوْتِيَ فِي الْوَغَى أَرَبِي لِأَنِّي
رَأَيْتُ الْعَيْشَ فِي أَرَبِ النُّفُوسِ
١٩وَلَوْ سُقِّيتُهَا بِيَدَيْ نَدِيمٍ
أُسَرُّ بِهِ لَكَانَ أَبَا ضَبِيسِ
٢٠وقال يمدح محمد بن زريق الطرسوسي:
هَذِي بَرَزْتِ لَنَا فَهِجْتِ رَسِيسَا
مِمَّ انْثَنَيْتِ وَمَا شَفَيْتِ نَسِيسَا
٢١وَجَعَلْتِ حَظِّي مِنْكِ حَظِّي فِي الْكَرَى
وَتَرَكْتِنِي لِلْفَرْقَدَيْنِ جَلِيسَا
٢٢قَطَّعْتِ ذَيَّاكِ الْخُمَارَ بِسَكْرَةٍ
وَأَدَرْتِ مِنْ خَمْرِ الْفِرَاقِ كُئُوسَا
٢٣إِنْ كُنْتِ ظَاعِنَةً فَإِنَّ مَدَامِعِي
تَكْفِي مَزَادَكُمُ وَتَرْوِي الْعِيسَا
٢٤حَاشَا لِمِثْلِكِ أَنْ تَكُونَ بَخِيلَةً
وَلِمِثْلِ وَجْهِكِ أَنْ يَكُونَ عَبُوسَا
وَلِمِثْلِ وَصْلِكِ أَنْ يَكُونَ مُمَنَّعًا
وَلِمِثْلِ نَيْلِكِ أَنْ يَكُونَ خَسِيسَا
٢٥خَوْدٌ جَنَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ عَوَاذِلِي
حَرْبًا وَغَادَرَتِ الْفُؤَادَ وَطِيسَا
٢٦بَيْضَاءُ يَمْنَعُهَا تَكَلَّمَ دَلُّهَا
تِيهًا وَيَمْنَعُهَا الْحَيَاءُ تَمِيسَا
٢٧لَمَّا وَجَدْتُ دَوَاءَ دَائِي عِنْدَهَا
هَانَتْ عَلَيَّ صِفَاتُ جَالِينُوسَا
٢٨أَبْقَى زُرَيْقٌ لِلثُّغُورِ مُحَمَّدًا
أَبْقَى نَفِيسٌ لِلنَّفِيسِ نَفِيسًا
٢٩إِنْ حَلَّ فَارَقَتِ الْخَزَائِنُ مَالَهُ
أَوْ سَارَ فَارَقَتِ الْجُسُومُ الرُّوسَا
٣٠مَلِكٌ إِذَا عَادَيْتَ نَفْسَكَ عَادِهِ
وَرَضِيتَ أَوْحَشَ مَا كَرِهْتَ أَنِيسَا
٣١الْخَائِضَ الْغَمَرَاتِ غَيْرَ مُدَافَعٍ
وَالشَّمَّرِيَّ الْمِطْعَنَ الدِّعِّيسَا
٣٢كَشَّفْتُ جَمْهَرَة الْعِبَادِ فَلَمْ أَجِدْ
إِلَّا مَسُودًا جَنْبَهُ مَرْءُوسَا
٣٣بَشَرٌ تَصَوَّرَ غَايَةً فِي آيَةٍ
تَنْفِي الظُّنُونَ وَتُفْسِدُ التَّقْيِيسَا
٣٤وَبِهِ يُضَنُّ عَلَى الْبَرِيَّةِ لَا بِهَا
وَعَلَيْهِ مِنْهَا لَا عَلَيْهَا يُوسَى
٣٥لَوْ كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ أَعْمَلَ رَأْيَهُ
لَمَّا أَتَى الظُّلُمَاتِ صِرْنَ شُمُوسَا
٣٦أَوْ كَانَ صَادَفَ رَأْسَ عَازَرَ سَيْفُهُ
فِي يَوْمِ مَعْرَكَةٍ لَأَعْيَا عِيسَى
٣٧أَوْ كَانَ لُجُّ الْبَحْرِ مِثْلَ يَمِينِهِ
مَا انْشَقَّ حَتَّى جَازَ فِيهِ مُوسَى
أَوْ كَانَ لِلنِّيرَانِ ضَوْءُ جَبِينِهِ
عُبِدَتْ فَصَارَ الْعالَمُونَ مَجُوسَا
لَمَّا سَمِعْتُ بِهِ سَمِعْتُ بِوَاحِدٍ
وَرَأْيُتُه فَرَأَيْتُ مِنْهُ خَمِيسَا
٣٨وَلَحَظْتُ أُنْمُلَهُ فَسِلْنَ مَوَاهِبًا
وَلَمَسْتُ مُنْصُلَهُ فَسَالَ نُفُوسَا
٣٩يَا مَنْ نَلُوذُ مِنَ الزَّمَانِ بِظِلِّهِ
أَبَدًا وَنَطْرُدُ بِاسْمِهِ إِبْلِيسَا
٤٠صَدَقَ الْمُخَبِّرُ عَنْكَ دُونَكَ وَصْفُهُ
مَنْ بِالْعِرَاقِ يَرَاكَ فِي طَرْسُوسَا
٤١بَلَدٌ أَقَمْتَ بِهِ وَذِكْرُكَ سَائِرٌ
يَشْنَا الْمَقِيلَ وَيَكْرَهُ التَّعْرِيسَا
٤٢فَإِذَا طَلَبْتَ فَرِيسَةً فَارَقْتَهُ
وَإِذَا خَدَرْتَ تَخِذْتَهُ عِرِّيسَا
٤٣إِنِّي نَثَرْتُ عَلَيْكَ دُرًّا فَانْتَقِدْ
كَثُرَ الْمُدَلِّسُ فَاحْذَرِ التَّدْلِيسَا
٤٤حَجَّبْتُهَا عَنْ أَهْلِ إِنْطَاكِيَّةٍ
وَجَلَوْتُهَا لَكَ فَاجْتَلَيْتَ عَرُوسَا
٤٥خَيْرُ الطُّيُورِ عَلَى الْقُصُورِ وَشَرُّهَا
يَأْوِي الْخَرَابَ وَيَسْكُنُ النَّاوُوسَا
٤٦لَوْ جَادَتِ الدُّنْيَا فَدَتْكَ بِأَهْلِهَا
أَوْ جَاهَدَتْ كُتِبَتْ عَلَيْكَ حَبِيسَا
٤٧ودس عليه كافور من يستعلم ما في نفسه، ويقول له: قد طال قيامك عند هذا الرجل، فقال:
يَقِلُّ لَهُ الْقِيَامُ عَلَى الرُّءُوسِ
وَبَذْلُ الْمُكْرَمَاتِ مِنَ النُّفُوسِ
٤٨إِذَا خَانَتْهُ فِي يَوْمٍ ضَحُوكٍ
فَكَيْفَ تَكُونُ فِي يَوْمٍ عَبُوسِ
٤٩وقال يهجو كافورًا، وقد خرج من عنده:
أَنْوَكُ مِنْ عَبْدٍ وَمِنْ عِرْسِهِ
مَنْ حَكَّمَ الْعَبْدَ عَلَى نَفْسِهِ
٥٠وَإِنَّمَا يُظْهِرُ تَحْكِيمُهُ
تَحَكُّمَ الْإِفْسَادِ فِي حِسِّهِ
٥١مَا مَنْ يَرَى أَنَّكَ فِي وَعْدِهِ
كَمَنْ يَرَى أَنَّكَ فِي حَبْسِهِ
٥٢الْعَبْدُ لَا تَفْضُلُ أَخْلَاقُهُ
عَنْ فَرْجِهِ الْمُنْتِنِ أَوْ ضِرْسِهِ
٥٣لَا يُنْجِزُ الْمِيعَادَ فِي يَوْمِهِ
وَلَا يَعِي مَا قَالَ فِي أَمْسِهِ
٥٤وَإِنَّمَا تَحْتَالُ فِي جَذْبِهِ
كَأَنَّكَ الْمَلَّاحُ فِي قَلْسِهِ
٥٥فَلَا تُرَجِّ الْخَيْرَ عِنْدَ امْرِئٍ
مَرَّتْ يَدُ النَّخَّاسِ فِي رَأْسِهِ
٥٦وَإِنْ عَرَاكَ الشَّكُّ فِي نَفْسِهِ
بِحَالِهِ فَانْظُرْ إِلَى جِنْسِهِ
٥٧فَقَلَّمَا يَلْؤُمُ فِي ثَوْبِهِ
إِلَّا الَّذِي يَلْؤُمُ فِي غِرْسِهِ
٥٨مَنْ وَجَدَ الْمَذْهَبَ عَنْ قَدْرِهِ
لَمْ يَجِدِ الْمَذْهَبَ عَنْ قَنْسِهِ
٥٩وأحضر أبو الفضل بن العميد مجمرة محشوة بالنرجس والآس حتى خفيت نارها والدخان يخرج من خلال ذلك؛ فقال مرتجلًا:
أَحَبُّ امْرِئٍ حَبَّتِ الْأَنْفُسُ
وَأَطْيَبُ مَا شَمَّهُ مَعْطِسُ
٦٠وَنَشْرٌ مِنَ النَّدِّ لَكِنَّمَا
مَجَامِرُهُ الْآسُ وَالنَّرْجِسُ
٦١وَلَسْنَا نَرَى لَهَبًا هَاجَهُ
فَهَلْ هَاجَهُ عِزُّكَ الْأَقْعَسُ
٦٢وَإِنَّ الْفِئَامَ الَّتِي حَوْلَهُ
لَتَحْسُدُ أَرْجُلَهَا الْأَرْؤُسُ
قافية الشين
وقال يمدح أبا العشائر علي بن الحسين بن حمدان، ويذكر إيقاعه بأصحاب بافيس ومسيره من دمشق:
مَبِيتِي مِنْ دِمَشْقَ عَلَى فِرَاشِ
حَشَاهُ لِي بِحَرِّ حَشَايَ حَاشِ
١لَقَى لَيْلٍ كَعَيْنِ الظَّبْيِ لَوْنًا
وَهَمٍّ كَالْحُمَيَّا فِي الْمُشَاشِ
٢وَشَوْقٍ كَالتَّوَقُّدِ فِي فُؤَادٍ
كَجَمْرٍ فِي جَوَانِحِ كَالْمِحَاشِ
٣سَقَى الدَّمُ كُلَّ نَصْلٍ غَيْرِ نَابٍ
وَرَوَّى كُلَّ رُمْحٍ غَيْرِ رَاشِ
٤فَإِنَّ الْفَارِسَ الْمَنْعُوتَ خَفَّتْ
لِمُنْصُلِهِ الْفَوَارِسُ كَالرِّيَاشِ
٥فَقَدْ أَضْحَى أَبَا الْغَمَرَاتِ يُكْنَى
كَأَنَّ أَبَا الْعَشَائِرِ غَيْرُ فَاشِ
٦وَقَدْ نُسِيَ الْحُسَيْنُ بِمَا يُسَمَّى
رَدَى الْأَبْطَالِ أَوْ غَيْثَ الْعِطَاشِ
٧لَقُوهُ حَاسِرًا فِي دِرْعِ ضَرْبٍ
دَقِيقِ النَّسْجِ مُلْتَهِبِ الْحَوَاشِي
٨كَأَنَّ عَلَى الْجَمَاجِمِ مِنْهُ نَارًا
وَأَيْدِي الْقَوْمِ أَجْنِحَةُ الْفَرَاشِ
٩كَأَنَّ جَوَارِيَ الْمُهَجَاتِ مَاءٌ
يُعَاوِدُهَا الْمُهَنَّدُ مِنْ عُطَاشِ
١٠فَوَلَّوْا بَيْنَ ذِي رُوحٍ مُفَاتٍ
وَذِي رَمَقٍ وَذِي عَقْلٍ مُطَاشِ
١١وَمُنْعَفِرٍ لِنَصْلِ السَّيْفِ فِيهِ
تَوَارِي الضَّبِّ خَافَ مِنَ احْتِرَاشِ
١٢يُدَمِّي بَعْضُ أَيْدِي الْخَيْلِ بَعْضًا
وَمَا بِعُجَايَةٍ أَثَرُ ارْتِهَاشِ
١٣وَرَائِعُهَا وَحِيدٌ لَمْ يَرُعْهُ
تَبَاعُدُ جَيْشِهِ وَالْمُسْتَجَاشِ
١٤كَأَنَّ تَلَوِّيَ النُّشَّابِ فِيهِ
تَلَوِّي الْخُوصِ فِي سَعَفِ الْعِشَاشِ
١٥وَنَهْبُ نُفُوسِ أَهْلِ النَّهْبِ أَوْلَى
بِأَهْلِ الْمَجْدِ مِنْ نَهْبِ الْقُمَاشِ
١٦تُشَارِكُ فِي النِّدَامِ إِذَا نَزَلْنَا
بِطَانٌ لَا تُشَارِكُ فِي الْجِحَاشِ
١٧وَمِنْ قَبْلِ النِّطَاحِ وَقَبْلَ يَأَنِي
تَبِينُ لَكَ النِّعَاجُ مِنَ الْكِبَاشِ
١٨فَيَا بَحْرَ الْبُحُورِ وَلَا أُوَرِّي
وَيَا مَلِكَ الْمُلُوكِ وَلَا أُحَاشِي
١٩كَأَنَّكَ نَاظِرٌ فِي كُلِّ قَلْبٍ
فَمَا يَخْفَى عَلَيْكَ مَحَلُّ غَاشِ
٢٠أَأَصْبِرُ عَنْكَ لَمْ تَبْخَلْ بِشَيْءٍ
وَلَمْ تَقْبَلْ عَلَيَّ كَلَامَ وَاشِ؟!
وَكَيْفَ وَأَنْتَ فِي الرُّؤَسَاءِ عِنْدِي
عَتِيقُ الطَّيْرِ مَا بَيْنَ الْخِشَاشِ؟!
٢١فَمَا خَاشِيكَ لِلتَّكْذِيبِ رَاجٍ
وَلَا رَاجِيكَ لِلتَّخْيِيبِ خَاشِي
٢٢تُطَاعِنُ كُلُّ خَيْلٍ كُنْتَ فِيهَا
وَلَوْ كَانُوا النَّبِيطَ عَلَى الجِحَاشِ
٢٣أَرَى النَّاسَ الظَّلَامَ وَأَنْتَ نُورٌ
وَإِنِّي مِنْهُمُ لَإِلَيْكَ عَاشِ
٢٤بُلِيتُ بِهِمْ بَلَاءَ الْوَرْدِ يَلْقَى
أُنُوفًا هُنَّ أَوْلَى بِالْخِشَاشِ
٢٥عَلَيْكَ إِذَا هُزِلْتَ مَعَ اللَّيَالِي
وَحَوْلَكَ حِينَ تَسْمَنُ فِي هِرَاشِ
٢٦أَتَى خَبَرُ الْأَمِيرِ فَقِيلَ: كَرُّوا
فَقُلْتُ: نَعَمْ وَلَوْ لَحِقُوا بِشَاشِ
٢٧يَقُودُهُمُ إِلَى الْهَيْجَا لَجُوجٌ
يُسِنُّ قِتَالُهُ وَالْكَرُّ نَاشِي
٢٨وَأُسْرِجَتِ الْكُمَيْتُ فَنَاقَلَتْ بِي
عَلَى إِعْقَاقِهَا وَعَلى غِشَاشِي
٢٩مِنَ الْمُتَمَرِّدَاتِ تُذَبُّ عَنْهَا
بِرُمْحِي كُلُّ طَائِرَةِ الرَّشَاشِ
٣٠وَلَوْ عُقِرَتْ لَبَلَّغَنِي إِلَيْهِ
حَدِيثٌ عَنْهُ يَحْمِلُ كُلَّ مَاشِ
٣١إِذَا ذُكِرَتْ مَوَاقِفُهُ لِحَافٍ
وَشِيكَ فَمَا يُنَكِّسُ لِانْتِقَاشِ
٣٢تُزِيلُ مَخَافَةَ الْمَصْبُورِ عَنْهُ
وَتُلْهِي ذَا الْفِيَاشِ عَنِ الْفِيَاشِ
٣٣وَمَا وُجِدَ اشْتِيَاقٌ كَاشْتِيَاقِي
وَلَا عُرِفَ انْكِمَاشٌ كَانْكِمَاشِي
٣٤فَسِرْتُ إِلَيْكَ فِي طَلَبِ الْمَعَالِي
وَسَارَ سِوَايَ فِي طَلَبِ الْمَعَاشِ
٣٥قافية الضاد
وأمر سيف الدولة بإنفاذ خلعة إليه، فقال:
فَعَلَتْ بِنَا فِعْلَ السَّمَاءِ بِأَرْضِهِ
خِلَعُ الْأَمِيرِ وَحَقَّهُ لَمْ نَقْضِهِ
١فَكَأَنَّ صِحَّةَ نَسْجِهَا مِنْ لَفْظِهِ
وَكَأَنَّ حُسْنَ نَقَائِهَا مِنْ عِرْضِهِ
٢وَإِذَا وَكَلْتَ إِلَى كَرِيمٍ رَأْيَهُ
فِي الْجُودِ بَانَ مُذِيقُهُ مِنْ مَحْضِهِ
٣وقال لما مرض سيف الدولة:
إِذَا اعْتَلَّ سَيْفُ الدَّوْلَةِ اعْتَلَّتِ الْأَرْضُ
وَمَنْ فَوْقَهَا وَالْبَأْسُ وَالْكَرَمُ الْمَحْضُ
٤وَكَيْفَ انْتِفَاعِي بِالرُّقَادِ وَإِنَّمَا
بِعِلَّتِهِ يَعْتَلُّ فِي الْأَعْيُنِ الْغُمْضُ
٥شَفَاكَ الَّذِي يَشْفِي بِجُودِكَ خَلْقَهُ
لِأَنَّكَ بَحْرٌ كُلُّ بَحْرٍ لَهُ بَعْضُ
•••
وقال في بدر بن عمار، وقد قام منصرفًا في الليل:
مَضَى اللَّيْلُ وَالْفَضْلُ الَّذِي لَكَ لَا يَمْضِي
وَرُؤْيَاكَ أَحْلَى فِي الْعُيُونِ مِنَ الْغُمْضِ
٦عَلَى أَنَّنِي طُوِّقْتُ مِنْكَ بِنِعْمَةٍ
شَهِيدٌ بِهَا بَعْضِي لِغَيْرِي عَلَى بَعْضِي
٧سَلَامُ الَّذِي فَوْقَ السَّمَوَاتِ عَرْشُهُ
تُخَصُّ بِهِ يَا خَيْرَ مَاشٍ عَلَى الْأَرْضِ
قافية حرف العين
وخرج يماك مملوك سيف الدولة إلى الرقة؛ فخرج سيف الدولة يشيعه، وهبت ريح شديدة، فقال:
لَا عَدِمَ الْمُشَيِّعَ الْمُشَيَّعُ
لَيْتَ الرِّيَاحَ صُنَّعٌ مَا تَصْنَعُ
١بَكَرْنَ ضَرًّا وَبَكَرْتَ تَنْفَعُ
وَسَجْسَجٌ أَنْتَ وَهُنَّ زَعْزَعُ
٢وَوَاحِدٌ أَنْتَ وَهُنَّ أَرْبَعُ
وَأَنْتَ نَبْعٌ وَالْمُلُوكُ خِرْوَعُ
٣•••
وقال يمدحه ويذكر الوقعة التي نكب فيها المسلمون بالقرب من بحيرة الحدث، وذلك في جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة:
٤غَيْرِي بِأَكْثَرِ هَذَا النَّاسِ يَنْخَدِعُ
إِنْ قَاتَلُوا جَبُنُوا أَوْ حَدَّثُوا شَجُعُوا
٥أَهْلُ الْحَفِيظَةِ إِلَّا أَنْ تُجَرِّبَهُمْ
وَفِي التَّجَارِبِ بَعْدَ الْغَيِّ مَا يَزَعُ
٦وَمَا الْحَيَاةُ وَنَفْسِي بَعْدَمَا عَلِمَتْ
أَنَّ الْحَيَاةَ كَمَا لَا تَشْتَهي طَبَعُ؟
٧لَيْسَ الْجَمَالُ لِوَجْهٍ صَحَّ مَارِنُهُ
أَنْفُ الْعَزِيزِ بِقَطْعِ الْعِزِّ يُجْتَدَعُ
٨أَأَطْرَحُ الْمَجْدَ عَنْ كِتْفِي وَأَطْلُبُهُ
وَأَتْرُكُ الْغَيْثَ فِي غِمْدِي وَأَنْتَجِعُ
٩وَالْمَشْرَفِيَّةُ، لَا زَالَتْ مُشَرَّفَةً
دَوَاءُ كُلِّ كَرِيمٍ أَوْ هِيَ الْوَجَعُ
١٠وَفَارِسُ الْخَيْلِ مَنْ خَفَّتْ فَوَقَّرَهَا
فِي الدَّرْبِ وَالدَّمُ فِي أَعْطَافِهَا دُفَعُ
١١وَأَوْحَدَتْهُ وَمَا فِي قَلْبِهِ قَلَقٌ
وَأَغْضَبَتْهُ وَمَا فِي لَفْظِهِ قَذَعُ
١٢بِالْجَيْشِ تَمْتَنِعُ السَّادَاتُ كُلُّهُمُ
وَالْجَيْشُ بِابْنِ أَبِي الْهَيْجَاءِ يَمْتَنِعُ
١٣قَادَ الْمَقَانِبَ أَقْصَى شُرْبِهَا نَهَلٌ
عَلَى الشَّكِيمِ وَأَدْنَى سَيْرِهَا سِرَعُ
١٤لَا يَعْتَقِي بَلَدٌ مَسْرَاهُ عَنْ بَلَدٍ
كَالْمَوْتِ لَيْسَ لَهُ رِيٌّ وَلَا شِبَعُ
١٥حَتَّى أَقَامَ عَلَى أَرْبَاضِ خَرْشَنَةٍ
تَشْقَى بِهِ الرُّومُ وَالصُّلْبَانُ وَالْبِيَعُ
١٦لِلسَّبْيِ مَا نَكَحُوا وَالْقَتْلِ مَا وَلَدُوا
وَالنَّهْبِ مَا جَمَعُوا وَالنَّارِ مَا زَرَعُوا
١٧مُخْلًى لَهُ الْمَرْجُ مَنْصُوبًا بِصَارِخَةٍ
لَهُ الْمَنَابِرُ مَشْهُودًا بِهَا الْجُمَعُ
١٨يُطَمِّعُ الطَّيْرَ فِيهِمْ طُولُ أَكْلِهِمِ
حَتَّى تَكَادَ عَلَى أَحْيَائِهِمْ تَقَعُ
١٩وَلَوْ رَآهُ حَوَارِيُّوهُمُ لَبَنَوْا
عَلَى مَحَبَّتِهِ الشَّرْعَ الَّذِي شَرَعُوا
٢٠ذَمَّ الدُّمُسْتُقُ عَيْنَيْهِ وَقَدْ طَلَعَتْ
سُودُ الْغَمَامِ فَظَنُّوا أَنَّهَا قَزَعُ
٢١فِيهَا الْكُمَاةُ الَّتِي مَفْطُومُهَا رَجُلٌ
عَلَى الْجِيَادِ الَّتِي حَوْلِيُّهَا جَذَعُ
٢٢تَذْرِي اللُّقَانُ غُبَارًا فِي مَنَاخِرِهَا
وَفِي حَنَاجِرِهَا مِنْ آلِسٍ جُرَعُ
٢٣كَأَنَّهَا تَتَلَقَّاهُمْ لِتَسْلُكَهُمْ
فَالطَّعْنُ يَفْتَحُ فِي الْأَجْوَافِ مَا تَسَعُ
٢٤تَهْدِي نَوَاظِرَهَا وَالْحَرْبُ مُظْلِمَةٌ
مِنَ الْأَسِنَّةِ نَارٌ وَالْقَنَا شَمَعُ
٢٥دُونَ السَّهَامِ وَدُونَ الْقُرِّ طَافِحَةً
عَلَى نُفُوسِهِمِ الْمُقْوَرَّةُ الْمُزُعُ
٢٦إِذَا دَعَا الْعِلْجُ عِلْجًا حَالَ بَيْنَهُمَا
أَظْمَى تُفَارِقُ مِنْهُ أُخْتَهَا الضِّلَعُ
٢٧أَجَلُّ مِنْ وَلَدِ الْفُقَّاسِ مُنْكَتِفٌ
إِذَا فَاتَهُنَّ وَأَمْضَى مِنْهُ مُنْصَرِعُ
٢٨وَمَا نَجَا مِنْ شِفَارِ الْبِيضِ مُنْفَلِتٌ
نَجَا وَمِنْهُنَّ فِي أَحْشَائِهِ فَزَعُ
٢٩يُبَاشِرُ الْأَمْنَ دَهْرًا وَهْوَ مُخْتَبَلٌ
وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ حَوْلًا وَهْوَ مُمْتَقَعُ
٣٠كَمْ مِنْ حُشَاشَةِ بِطْرِيقٍ تَضَمَّنَهَا
لِلْبَاتِرَاتِ أَمِينٌ مَا لَهُ وَرَعُ
٣١يُقَاتِلُ الْخَطْوَ عَنْهُ حِينَ يَطْلُبُهُ
وَيَطْرُدُ النَّوْمَ عَنْهُ حِينَ يَضْطَجِعُ
٣٢تَغْدُو الْمَنَايَا فَلَا تَنْفَكُّ وَاقِفَةً
حَتَّى يَقُولَ لَهَا: عُودِي فَتَنْدَفِعُ
٣٣قُلْ لِلدُّمُسْتُقِ: إِنَّ الْمُسْلَمِينَ لَكُمْ
خَانُوا الْأَمِيرَ فَجَازَاهُمْ بِمَا صَنَعُوا
٣٤وَجَدْتُمُوهُمْ نِيَامًا فِي دِمَائِكُمُ
كَأَنَّ قَتْلَاكُمُ إِيَّاهُمُ فَجَعُوا
٣٥ضَعْفَى تَعِفُّ الْأَيَادِي عَنْ مِثَالِهِمِ
مِنَ الْأَعَادِي وَإِنْ هَمُّوا بِهِمْ نَزَعُوا
٣٦لَا تَحْسَبُوا مَنْ أَسَرْتُمْ كَانَ ذَا رَمَقٍ
فَلَيْسَ يَأْكُلُ إِلَّا الْمَيِّتَ الضَّبُعُ
٣٧هَلَّا عَلَى عَقَبِ الْوَادِي وَقَدْ صَعِدَتْ
أُسْدٌ تَمُرُّ فُرَادَى لَيْسَ تَجْتَمِعُ
٣٨تَشُقُّكُمْ بِفَتَاهَا كُلُّ سَلْهَبَةٍ
وَالضَّرْبُ يَأْخُذُ مِنْكُمْ فَوْقَ مَا يَدَعُ
٣٩وَإِنَّمَا عَرَّضَ اللهُ الْجُنُودَ بِكُمْ
لِكَيْ يَكُونُوا بِلَا فَسْلٍ إِذَا رَجَعُوا
٤٠فَكُلُّ غَزْوٍ إِلَيْكُمْ بَعْدَ ذَا فَلَهُ
وَكُلُّ غَازٍ لِسَيْفِ الدَّوْلَةِ التَّبَعُ
٤١يَمْشِي الْكِرَامُ عَلَى آثَارِ غَيْرِهِمِ
وَأَنْتَ تَخْلُقُ مَا تَأْتِي وَتَبْتَدِعُ
٤٢وَهَلْ يَشِينُكَ وَقْتٌ كُنْتَ فَارِسَهُ
وَكَانَ غَيْرَكَ فِيهِ الْعَاجِزُ الضَّرَعُ
٤٣مَنْ كَانَ فَوْقَ مَحَلِّ الشَّمْسِ مَوْضِعُهُ
فَلَيْسَ يَرْفَعُهُ شَيْءٌ وَلَا يَضَعُ
٤٤لَمْ يُسْلِمِ الْكَرُّ فِي الْأَعْقَابِ مُهْجَتَهُ
إِنْ كَانَ أَسْلَمَهَا الأَصْحَابُ وَالشِّيَعُ
٤٥لَيْتَ الْمُلُوكَ عَلَى الْأَقْدَارِ مُعْطِيَةٌ
فَلَمْ يَكُنْ لِدَنِيٍّ عِنْدَهَا طَمَعُ
٤٦رَضِيتَ مِنْهُمْ بِأَنْ زُرْتَ الْوَغَى فَرَأَوْا
وَأَنْ قَرَعْتَ حَبِيكَ الْبِيضِ فَاسْتَمَعُوا
٤٧لَقَدْ أَبَاحَكَ غِشًّا فِي مُعَامَلَةٍ
مَنْ كُنْتَ مِنْهُ بِغَيْرِ الصِّدْقِ تَنْتَفِعُ
٤٨الدَّهْرُ مُعْتَذِرٌ وَالسَّيْفُ مُنْتَظِرٌ
وَأَرْضُهُمْ لَكَ مُصْطَافٌ وَمُرْتَبَعُ
٤٩وَمَا الْجِبَالُ لِنَصْرَانٍ بِحَامِيَةٍ
وَلَوْ تَنَصَّر فِيهَا الْأَعْصَمُ الصَّدَعُ
٥٠وَمَا حَمِدْتُكَ فِي هَوْلٍ ثَبَتَّ لَهُ
حَتَّى بَلَوْتُكَ وَالْأَبْطَالُ تَمْتَصِعُ
٥١فَقَدْ يُظَنُّ شُجَاعًا مَنْ بِهِ خَرَقٌ
وَقَدْ يُظَنُّ جَبَانًا مَنْ بِهِ زَمَعُ
٥٢إِنَّ السِّلَاحَ جَمِيعُ النَّاسِ تَحْمِلُهُ
وَلَيْسَ كُلُّ ذَوَاتِ الْمِخْلَبِ السَّبُعُ
٥٣وقال في صباه يمدح علي بن أحمد الطائي:
حُشَاشَةُ نَفْسٍ وَدَّعَتْ يَوْمَ وَدَّعُوا
فَلَمْ أَدْرِ أَيَّ الظَّاعِنَيْنِ أُشَيِّعُ
٥٤أَشَارُوا بِتَسْلِيمٍ فَجُدْنَا بِأَنْفُسٍ
تَسِيلُ مِنَ الْآمَاقِ وَالسَّمُ أَدْمُعُ
٥٥حَشَايَ عَلَى جَمْرٍ ذَكِيٍّ مِنَ الْهَوَى
وَعَيْنَايَ فِي رَوْضٍ مِنَ الْحُسْنِ تَرْتَعُ
٥٦وَلَوْ حُمِّلَتْ صُمُّ الْجِبَالِ الَّذِي بِنَا
غَدَاةَ افْتَرَقْنَا أَوْشَكَتْ تَتَصَدَّعُ
٥٧بِمَا بَيْنَ جَنْبَيَّ الَّتِي خَاضَ طَيْفُهَا
إِلَيَّ الدَّيَاجِي وَالْخَلِيُّونَ هُجَّعُ
٥٨أَتَتْ زَائِرًا مَا خَامَرَ الطِّيبُ ثَوْبَهَا
وَكَالْمِسْكِ مِنْ أَرْدَانِهَا يَتَضَوَّعُ
٥٩فَمَا جَلَسَتْ حَتَّى انْثَنَتْ تُوسِعُ الْخُطَا
كَفَاطِمَةٍ عَنْ دَرِّهَا قَبْلَ تُرْضِعُ
٦٠فَشَرَّدَ إِعْظَامِي لَهَا مَا أَتَى بِهَا
مِنَ النَّوْمِ وَالْتَاعَ الْفُؤَادُ الْمُفَجَّعُ
٦١فَيَا لَيْلَةً مَا كَانَ أَطْوَلَ بِتُّهَا
وَسُمُّ الْأَفَاعِي عَذْبُ مَا أَتَجَرَّعُ
٦٢تَذَلَّلْ لَهَا وَاخْضَعْ عَلَى الْقُرْبِ وَالنَّوَى
فَمَا عَاشِقٌ مَنْ لَا يَذِلُّ وَيَخْضَعُ
٦٣وَلَا ثَوْبُ مَجْدٍ غَيْرَ ثَوْبِ ابْنِ أَحْمَدٍ
عَلَى أَحَدٍ إِلَّا بِلُؤْمٍ مُرَقَّعُ
٦٤وَإِنَّ الَّذِي حَابَى جَدِيلَةَ طَيِّئٍ
بِهِ اللهُ يُعْطِي مَنْ يَشَاءُ وَيَمْنَعُ
٦٥بِذِي كَرَمٍ مَا مَرَّ يَوْمٌ وَشَمْسُهُ
عَلَى رَأْسِ أَوْفَى ذِمَّةً مِنْهُ تَطْلُعُ
٦٦فَأَرْحَامُ شِعْرٍ يَتَّصِلْنَ لَدُنَّهُ
وَأَرْحَامُ مَالٍ لَا تَنِي تَتَقَطَّعُ
٦٧فَتًى أَلْفُ جُزْءٍ رَأْيُهُ فِي زَمَانِهِ
أَقَلُّ جُزَيْءٍ بَعْضُهُ الرَّأْيُ أَجْمَعُ
٦٨غَمَامٌ عَلَيْنَا مُمْطِرٌ لَيْسَ يُقْشِعُ
وَلَا الْبَرْقُ فِيهِ خُلَّبًا حِينَ يَلْمَعُ
٦٩إِذَا عَرَضَتْ حَاجٌ إِلَيْهِ فَنَفْسُهُ
إِلَى نَفْسِهِ فِيهَا شَفِيعٌ مُشَفَّعُ
٧٠خَبَتْ نَارُ حَرْبٍ لَمْ تَهِجْهَا بَنَانُهُ
وَأَسْمَرُ عُرْيَانٌ مِنَ الْقِشْرِ أَصْلَعُ
٧١نَحِيفُ الشَّوَى يَعْدُو عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ
وَيَحْفَى فَيَقْوَى عَدْوُهُ حِينَ يُقْطَعُ
٧٢يَمُجُّ ظَلَامًا فِي نَهَارٍ لِسَانُهُ
وَيُفْهَمُ عَمَّنْ قَالَ مَا لَيْسَ يَسْمَعُ
٧٣ذُبَابُ حُسَامٍ مِنْهُ أَنْجَى ضَرِيبَةً
وَأَعْصَى لِمَوْلَاهُ وَذَا مِنْهُ أَطْوَعُ
٧٤فَصِيحٌ مَتَى يَنْطِقْ تَجِدْ كُلَّ لَفْظَةٍ
أُصُولَ الْبَرَاعَاتِ الَّتِي تَتَفَرَّعُ
٧٥بِكَفِّ جَوَادٍ لَوْ حَكَتْهَا سَحَابَةٌ
لَمَا فَاتَهَا فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ مَوْضِعُ
٧٦وَلَيْسَ كَبَحْرِ الْمَاءِ يَشْتَقُّ قَعْرَهُ
إِلَى حَيْثُ يَفْنَى الْمَاءُ حُوتٌ وَضِفْدَعُ
٧٧أَبَحْرٌ يَضُرُّ الْمُعْتَفِينَ وَطَعْمُهُ
زُعَاقٌ كَبَحْرٍ لَا يَضُرُّ وَيَنْفَعُ؟!
٧٨يَتِيهُ الدَّقِيقُ الْفِكْرِ فِي بُعْدِ غَوْرِهِ
وَيَغْرَقُ فِي تَيَّارِهِ وَهْوَ مِصْقَعُ
٧٩أَلَا أَيُّهَا الْقَيْلُ الْمُقِيمُ بِمَنْبِجٍ
وَهِمَّتُهُ فَوْقَ السِّمَاكَيْنِ تُوضِعُ
٨٠أَلَيْسَ عَجِيبًا أَنَّ وَصْفَكَ مُعْجِزٌ
وَأَنَّ ظُنُونِي فِي مَعَالِيكَ تَظْلَعُ
٨١وَأَنَّكَ فِي ثَوْبٍ وَصَدْرُكَ فِيكُمَا
عَلَى أَنَّهُ مِنْ سَاحَةِ الْأَرْضِ أَوْسَعُ
٨٢وَقَلْبُكَ فِي الدُّنْيَا وَلَوْ دَخَلَتْ بِنَا
وَبِالْجِنِّ فِيهِ مَا دَرَتْ كَيْفَ تَرْجِعُ
٨٣أَلَا كُلُّ سَمْحٍ غَيْرَكَ الْيَوْمَ بَاطِلٌ
وَكُلُّ مَدِيحٍ فِيَ سِوَاك مُضَيَّعُ
٨٤وقال في صباه على لسان من سأله ذلك:
شَوْقِي إِلَيْكَ نَفَى لَذِيذَ هُجُوعِي
فَارَقْتَنِي فَأَقَامَ بَيْنَ ضُلُوعِي
٨٥أَوَمَا وَجَدْتُمْ فِي الصَّرَاةِ مُلُوحَةً
مِمَّا أُرَقْرِقُ فِي الْفُرَاتِ دُمُوعِي
٨٦مَا زِلْتُ أَحْذَرُ مِنْ وَدَاعِكَ جَاهِدًا
حَتَّى اغْتَدَى أَسَفِي عَلَى التَّوْدِيعِ
٨٧رَحَلَ الْعَزَاءُ بِرِحْلَتِي فَكَأَنَّمَا
أَتْبَعْتُهُ الْأَنْفَاسَ لِلتَّشْيِيعِ
٨٨وقال يمدح علي بن إبراهيم التنوخي:
مُلِثَّ الْقَطْرِ أَعْطِشْهَا رُبُوعَا
وَإِلَّا فَاسْقِهَا السَّمَّ النَّقِيعَا
٨٩أُسَائِلُهَا عَنِ الْمُتَدَيِّرِيهَا
فَلَا تَدْرِي وَلَا تُذْرِي دُمُوعَا
٩٠لَحَاهَا اللهُ إِلَّا مَاضِيَيْهَا:
زَمَانَ اللَّهْوِ وَالْخَودَ الشَّمُوعَا
٩١مُنَعَّمَةٌ مُمَنَّعَةٌ رَدَاحٌ
يُكَلِّفُ لَفْظُهَا الطَّيْرَ الْوُقُوعَا
٩٢تُرَفِّعُ ثَوْبَهَا الْأَرْدَافُ عَنْهَا
فَيَبْقَى مِنْ وِشَاحَيْهَا شَسُوعَا
٩٣إِذَا مَاسَتْ رَأَيْتَ لَهَا ارْتِجَاجًا
لَهُ لَوْلَا سَوَاعِدُهَا نَزُوعَا
٩٤تَأَلَّمُ دَرْزَهُ وَالدَّرْزُ لَيْنٌ
كَمَا تَتَأَلَّمُ الْعَضْبَ الصَّنِيعَا
٩٥ذِرَاعَاهَا عَدُوَّا دُمْلُجَيْهَا
يَظُنُّ ضَجِيعُهَا الزَّنْدَ الضَّجِيعَا
٩٦كَأَنَّ نِقَابَهَا غَيْمٌ رَقِيقٌ
يُضِيءُ بِمَنْعِهِ الْبَدْرَ الطُّلُوعَا
٩٧أَقُولُ لَهَا: اكْشِفِي ضُرِّي وَقُولِي
بِأَكْثَرَ مِنْ تَدَلُّلِهَا خُضُوعَا
٩٨أَخِفْتِ اللهَ فِي إِحْيَاءِ نَفْسٍ
مَتَى عُصِيَ الْإِلَهُ بِأَنْ أُطِيعَا
٩٩غَدَا بِكِ كُلُّ خِلْوٍ مُسْتَهَامًا
وَأَصْبَحَ كُلُّ مَسْتُورٍ خَلِيعَا
١٠٠أُحِبُّكِ أَوْ يَقُولُوا: جَرَّ نَمْلٌ
ثَبِيرًا وَابْنُ إِبْرَاهِيمَ رِيعَا
١٠١بَعِيدُ الصِّيتِ مُنْبَثُّ السَّرَايَا
يُشِيِّبُ ذِكْرُهُ الطِّفْلَ الرَّضِيعَا
١٠٢يَغُضُّ الطَّرْفَ مِنْ مَكْرٍ وَدَهْيٍ
كَأَنَّ بِهِ وَلَيْسَ بِهِ خُشُوعَا
١٠٣إِذَا اسْتَعْطَيْتَهُ مَا فِي يَدَيْهِ
فَقَدْكَ سَأَلْتَ عَنْ سِرٍّ مُذِيعَا
١٠٤قَبُولُكَ مِنْهُ مَنٌّ عَلَيْهِ
وَإِلَّا يَبْتَدِئْ يَرَهُ فَظِيعَا
١٠٥لِهُونِ الْمَالِ أَفْرَشَهُ أَدِيمًا
وَلِلتَّفْرِيقِ يَكْرَهُ أَنْ يَضِيعَا
١٠٦إِذَا ضَرَبَ الْأَمِيرُ رِقَابَ قَوْمٍ
فَمَا لِكَرَامَةٍ مَدَّ النُّطُوعَا
١٠٧فَلَيْسَ بِوَاهِبٍ إِلَّا كَثِيرَا
وَلَيْسَ بِقَاتِلٍ إِلَّا قَرِيعَا
١٠٨وَلَيْسَ مُؤَدِّبًا إِلَّا بِنَصْلٍ
كَفَى الصَّمْصَامَةُ التَّعَبَ الْقَطِيعَا
١٠٩عَلِيٌّ لَيْسَ يَمْنَعُ مِنْ مَجِيءٍ
مُبَارِزَهُ وَيَمْنَعُهُ الرُّجُوعَا
١١٠عَلِيٌّ قَاتِلُ الْبَطَلِ الْمُفَدَّى
وَمُبْدِلُهُ مِنَ الزَّرَدِ النَّجِيعَا
١١١إِذَا اعْوَجَّ الْقَنَا فِي حَامِلِيهِ
وَجَازَ إِلَى ضُلُوعِهِمِ الضُّلُوعَا
١١٢وَنَالَتْ ثَأْرَهَا الْأَكْبَادُ مِنْهُ
فَأَوْلَتْهُ انْدِقَاقًا أَوْ صُدُوعَا
١١٣فَحِدْ فِي مُلْتَقَى الْخَيْلَيْنِ عَنْهُ
وَإِنْ كُنْتَ الْخُبَعْثِنَةَ الشَّجِيعَا
١١٤إِنِ اسْتَجْرَأْتَ تَرْمُقُهُ بَعِيدًا
فَأَنْتَ اسْطَعْتَ شَيْئًا مَا اسْتُطِيعَا
١١٥وَإِنْ مَارَيْتَنِي فَارْكَبْ حِصَانًا
وَمَثِّلْهُ تَخِرَّ لَهُ صَرِيعَا
١١٦غَمَامٌ رُبَّمَا مَطَرَ انْتِقَامًا
فَأَقْحَطَ وَدْقُهُ الْبَلَدَ الْمُرِيعَا
١١٧رَآنِي بَعْدَمَا قَطَعَ الْمَطَايَا
تَيَمُّمُهُ وَقَطَّعَتِ الْقُطُوعَا
١١٨فَصَيَّرَ سَيْلُهُ بَلَدِي غَدِيرًا
وَصَيَّرَ خَيْرُهُ سَنَتِي رَبِيعَا
١١٩وَجَاوَدَنِي بِأَنْ يُعْطِي وَأَحْوِي
فَأَغْرَقَ نَيْلُهُ أَخْذِي سَرِيعَا
١٢٠أَمُنْسِيَّ السُّكُونَ وَحَضْرَمَوْتَا
وَوَالِدَتِي وَكِنْدَةَ وَالسَّبِيعَا
١٢١قَدِ اسْتَقْصَيْتَ فِي سَلْبِ الْأَعَادِي
فَرُدَّ لَهُمْ مِنَ السَّلَبِ الْهُجُوعَا
١٢٢إِذَا مَا لَمْ تُسِرْ جَيْشًا إِلَيْهِمْ
أَسَرْتَ إِلَى قُلُوبِهِمِ الْهُلُوعَا
١٢٣رَضُوا بِكَ كَالرِّضَا بِالشَّيْبِ قَسْرًا
وَقَدْ وَخَطَ النَّوَاصِيَ وَالْفُرُوعَا
١٢٤فَلَا عَزَلٌ وَأَنْتَ بِلَا سِلَاحٍ
لِحَاظُكَ مَا تَكُونُ بِهِ مَنِيعَا
١٢٥لَوِ اسْتَبْدَلْتَ ذِهْنَكَ مِنْ حُسَامٍ
قَدَدْتَ بِهِ الْمَغَافِرَ وَالدُّرُوعَا
١٢٦لَوِ اسْتَفْرَغْتَ جُهْدَكَ فِي قِتَالٍ
أَتَيْتَ بِهِ عَلَى الدُّنْيَا جَمِيعَا
١٢٧سَمَوْتَ بِهِمَّةٍ تَسْمُو فَتَسْمُو
فَمَا تُلْفَى بِمَرْتَبَةٍ قَنُوعَا
١٢٨وَهَبْكَ سَمَحْتَ حَتَّى لَا جَوَادٌ
فَكَيْفَ عَلَوْتَ حَتَّى لَا رَفِيعَا
١٢٩وقال يمدح عبد الواحد بن العباس بن أبي الأصبع الكاتب:
أَرَكَائِبَ الْأَحْبَابِ إِنَّ الْأَدْمُعَا
تَطِسُ الْخُدُودَ كَمَا تَطِسْنَ الْيَرْمَعَا
١٣٠فَاعْرِفْنَ مَنْ حَمَلَتْ عَلَيْكُنَّ النَّوَى
وَامْشِينَ هَوْنًا فِي الْأَزِمَّةِ خُضَّعَا
١٣١قَدْ كَانَ يَمْنَعُنِي الْحَيَاءُ مِنَ الْبُكَا
فَالْيَوْمَ يَمْنَعُهُ الْبُكَا أَنْ يَمْنَعَا
١٣٢حَتَّى كَأَنَّ لِكُلِّ عَظْمٍ رَنَّةً
فِي جِلْدِهِ وَلِكُلِّ عِرْقٍ مَدْمَعَا
١٣٣وَكَفَى بِمَنْ فَضَحَ الْجَدَايَةَ فَاضِحًا
لِمُحِبِّهِ وَبِمَصْرَعِي ذَا مَصْرَعَا
١٣٤سَفَرَتْ وَبَرْقَعَهَا الْفِرَاقُ بِصُفْرَةٍ
سَتَرَتْ مَحَاجِرَهَا وَلَمْ تَكُ بُرْقُعَا
١٣٥فَكَأَنَّهَا وَالدَّمْعُ يَقْطُرُ فَوْقَهَا
ذَهَبٌ بِسِمْطَيْ لُؤْلُؤٍ قَدْ رُصِّعَا
١٣٦كَشَفَتْ ثَلَاثَ ذَوَائِبٍ مِنْ شَعْرِهَا
فِي لَيْلَةٍ فَأَرَتْ لَيَالِيَ أَرْبَعَا
١٣٧وَاسْتَقْبَلَتْ قَمَرَ السَّمَاءِ بِوَجْهِهَا
فَأَرَتْنِيَ الْقَمَرَيْنِ فِي وَقْتٍ مَعَا
١٣٨رُدِّي الْوِصَالَ سَقَى طُلُولَكِ عَارِضٌ
لَوْ كَانَ وَصْلُكِ مِثْلَهُ مَا أَقْشَعَا
١٣٩زَجَلٌ يُرِيكَ الْجَوَّ نَارًا وَالْمَلَا
كَالْبَحْرِ وَالتَّلَعَاتِ رَوْضًا مُمْرِعَا
١٤٠كَبَنَانِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْغَدَقِ الَّذِي
أَرْوَى وَآمَنَ مَنْ يَشَاءُ وَأَفْزَعَا
١٤١أَلِفَ الْمُرُوءَةَ مُذْ نَشَا فَكَأَنَّهُ
سُقِيَ اللِّبَانَ بِهَا صَبِيًّا مُرْضَعَا
١٤٢نُظِمَتْ مَوَاهِبُهُ عَلَيْهِ تَمَائِمًا
فَاعْتَادَهَا فَإِذَا سَقَطْنَ تَفَزَّعَا
١٤٣تَرَكَ الصَّنَائِعَ كَالْقَوَاطِعِ بَارِقَا
تٍ وَالْمَعَالِيَ كَالْعَوَالِيَ شُرَّعَا
١٤٤مُتَبَسِّمًا لِعُفَاتِهِ عَنْ وَاضِحٍ
تَغْشَى لَوَامِعُهُ الْبُرُوقَ اللُّمَّعَا
١٤٥مُتَكَشِّفًا لِعُدَاتِهِ عَنْ سَطْوَةٍ
لَوْ حَكَّ مَنْكِبُهَا السَّمَاءَ لَزَعْزَعَا
١٤٦الْحَازِمَ الْيَقِظَ الْأَغَرَّ الْعَالِمَ الـْ
ـفَطِنَ الْأَلَدَّ الْأريحيَّ الْأَرْوَعَا
الْكَاتِبَ اللَّبِقَ الْخَطِيبَ الْوَاهِبَ النـْ
ـنَدُسَ اللَّبِيبَ الْهِبْرِزِيَّ الْمِصْقَعَا
١٤٧نَفْسٌ لَهَا خُلُقُ الزَّمَانِ لِأَنَّهُ
مُفْنِي النُّفُوسِ مُفَرِّقٌ مَا جَمَّعَا
١٤٨وَيَدٌ لَهَا كَرَمٌ الْغَمَامِ لِأَنَّهُ
يَسْقِي الْعِمَارَةَ وَالْمَكَانَ الْبَلْقَعَا
١٤٩أَبَدًا يُصَدِّعُ شَعْبَ وَفْرٍ وَافِرِ
وَيَلُمُّ شَعْبَ مَكَارِمٍ مُتَصَدِّعَا
١٥٠يَهْتَزُّ لِلْجَدْوَى اهْتِزَازَ مُهَنَّدٍ
يَوْمَ الرَّجَاءِ هَزَزْتَهُ يَوْمَ الْوَعَى
١٥١يَا مُغْنِيًا أَمَلَ الْفَقِيرِ لِقَاؤُهُ
وَدُعَاؤُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ إِذَا دَعَا
١٥٢أَقْصِرْ وَلَسْتَ بِمُقْصِرٍ جُزْتَ الْمَدَى
وَبَلَغْتَ حَيْثُ النَّجْمُ تَحْتَكَ فَارْبَعَا
١٥٣وَحَلَلْتَ مِنْ شَرَفِ الْفَعَالِ مَوَاضِعًا
لَمْ يَحْلُلِ الثَّقَلَانِ مِنْهَا مَوْضِعَا
١٥٤وَحَوَيْتَ فَضْلَهُمَا وَمَا طَمِعَ امْرُؤٌ
فِيهِ وَلَا طَمِعَ امْرُؤٌ أَنْ يَطْمَعَا
١٥٥نَفَذَ الْقَضَاءُ بِمَا أَرَدْتَ كَأَنَّهُ
لَكَ كُلَّمَا أَزْمَعْتَ شَيْئًا أَزْمَعَا
١٥٦وَأَطَاعَكَ الدَّهْرُ الْعَصِيُّ كَأَنَّهُ
عَبْدٌ إِذَا نَادَيْتَ لَبَّى مُسْرِعَا
١٥٧أَكَلَتْ مَفَاخِرُكَ الْمَفَاخِرَ وَانْثَنَتْ
عَنْ شَأْوِهِنَّ مَطِيُّ وَصْفِي ظُلَّعَا
١٥٨وَجَرَيْنَ مَجْرَى الشَّمْسِ فِي أَفْلَاكِهَا
فَقَطَعْنَ مَغْرِبَهَا وَجُزْنَ الْمَطْلَعَا
١٥٩لَوْ نِيطَتِ الدُّنْيَا بِأُخْرَى مِثْلِهَا
لَعَمَمْنَهَا وَخَشِينَ أَنْ لَا تَقْنَعَا
١٦٠فَمَتَى يُكَذَّبُ مُدَّعٍ لَكَ فَوْقَ ذَا
وَاللهُ يَشْهَدُ أَنَّ حَقًّا مَا ادَّعَى
١٦١وَمَتَى يُؤَدِّي شَرْحَ حَالِكَ نَاطِقٌ
حَفِظَ الْقَلِيلَ النَّزْرَ مِمَّا ضَيَّعَا
١٦٢إِنْ كَانَ لَا يُدْعَى الْفَتَى إِلَّا كَذَا
رَجُلًا فَسَمِّ النَّاسَ طُرًّا إِصْبَعَا
١٦٣إِنْ كَانَ لَا يَسْعَى لِجُودٍ مَاجِدٌ
إِلَّا كَذَا فَالْغَيْثُ أَبْخَلُ مَنْ سَعَى
١٦٤قَدْ خَلَّفَ الْعَبَّاسُ غُرَّتَكَ ابْنَهُ
مَرْأًى لَنَا وَإِلَى الْقِيَامَةِ مَسْمَعَا
١٦٥وقال يرثي أبا شجاع فاتكًا، وقد توفي بمصر سنة خمسين وثلاثمائة، وكانت هذه المرثية بعد خروجه من مصر:
الْحُزْنُ يُقْلِقُ وَالتَّجَمُّلُ يَرْدَعُ
وَالدَّمْعُ بَيْنَهُمَا عَصِيٌّ طَيِّعُ
١٦٦يَتَنَازَعَانِ دُمُوعَ عَيْنِ مُسَهَّدٍ
هَذَا يَجِيءُ بِهَا وَهَذَا يَرْجِعُ
١٦٧النَّوْمُ بَعْدَ أَبِي شُجَاعٍ نَافِرٌ
وَاللَّيْلُ مُعْيٍ وَالْكَوَاكِبُ ظُلَّعُ
١٦٨إِنِّي لَأَجْبُنُ مِنْ فِرَاقِ أَحِبَّتِي
وَتُحِسُّ نَفْسِي بِالْحِمَامِ فَأَشْجُعُ
١٦٩وَيَزِيدُنِي غَضَبُ الْأَعَادِي قَسْوَةً
وَيُلِمُّ بِي عَتْبُ الصَّدِيقِ فَأَجْزَعُ
١٧٠تَصْفُو الْحَيَاةُ لِجَاهِلٍ أَوْ غَافِلٍ
عَمَّا مَضَى فِيهَا وَمَا يُتَوَقَّعُ
١٧١وَلِمَنْ يُغَالِطُ فِي الْحَقَائِقِ نَفْسَهُ
وَيَسُومُهَا طَلَبَ الْمُحَالِ فَتَطْمَعُ
١٧٢أَيْنَ الَّذِي الْهَرَمَانِ مِنْ بُنْيَانِهِ؟
مَا قَوْمُهُ مَا يَوْمُهُ مَا الْمَصْرَعُ؟
١٧٣تَتَخَلَّفُ الْآثَارُ عَنْ أَصْحَابِهَا
حِينًا وَيُدْرِكُهَا الْفَنَاءُ فَتَتْبَعُ
١٧٤لَمْ يُرْضِ قَلْبَ أَبِي شُجَاعٍ مَبْلَغٌ
قَبْلَ الْمَمَاتِ وَلَمْ يَسَعْهُ مَوْضِعُ
١٧٥كُنَّا نَظُنُّ دِيَارَهُ مَمْلُوءَةً
ذَهَبًا فَمَاتَ وَكُلُّ دَارٍ بَلْقَعُ
١٧٦وَإِذَا الْمَكَارِمُ وَالصَّوَارِمُ وَالْقَنَا
وَبَنَاتُ أَعْوَجَ كُلُّ شَيْءٍ يَجْمَعُ
١٧٧الْمَجْدُ أَخْسَرُ وَالْمَكَارِمُ صَفْقَةً
مِنْ أَنْ يَعِيشَ لَهَا الْكَرِيمُ الْأَرْوَعُ
١٧٨وَالنَّاسُ أَنْزَلُ فِي زَمَانِكَ مَنْزِلًا
مِنْ أن تُعَايِشَهُمْ وَقَدْرُكَ أَرْفَعُ
١٧٩بَرِّدْ حَشَايَ إِنِ اسْتَطَعْتَ بِلَفْظَةٍ
فَلَقَدْ تَضُرُّ إِذَا تَشَاءُ وَتَنْفَعُ
١٨٠مَا كَانَ مِنْكَ إِلَى خَلِيلٍ قَبْلَهَا
مَا يُسْتَرَابُ بِهِ وَلَا مَا يُوجِعُ
١٨١وَلَقَدْ أَرَاكَ وَمَا تُلِمُّ مُلِمَّةٌ
إِلَّا نَفَاهَا عَنْكَ قَلْبٌ أَصْمَعُ
١٨٢وَيَدٌ كَأَنَّ قِتَالَهَا وَنَوَالَهَا
فَرْضٌ يَحِقُّ عَلَيْكَ وَهْوَ تَبَرُّعُ
١٨٣يَا مَنْ يُبَدِّلُ كُلَّ يَوْمٍ حُلَّةً
أَنَّى رَضِيتَ بِحُلَّةٍ لَا تُنْزَعُ
١٨٤مَا زِلْتَ تَخْلَعُهَا عَلَى مَنْ شَاءَهَا
حَتَّى لَبِسْتَ الْيَوْمَ مَا لَا تَخْلَعُ
مَا زِلْتَ تَدْفَعُ كُلَّ أَمْرٍ فَادِحٍ
حَتَّى أَتَى الْأَمْرُ الَّذِي لَا يُدْفَعُ
١٨٥فَظَلِلْتَ تَنْظُرُ لَا رِمَاحُكَ شُرَّعٌ
فِيمَا عَرَاكَ وَلَا سُيُوفُكَ قُطَّعُ
١٨٦بِأَبِي الْوَحِيدُ وَجَيْشُهُ مُتَكَاثِرٌ
يَبْكِي وَمِنْ شَرِّ السِّلَاحِ الْأَدْمُعُ
١٨٧وَإِذَا حَصَلْتَ مِنَ السِّلَاحِ عَلَى الْبُكَا
فَحَشَاكَ رُعْتَ بِهِ وَخَدَّكَ تَقْرَعُ
١٨٨وَصَلَتْ إِلَيْكَ يَدٌ سَوَاءٌ عِنْدَهَا الـْ
ـبَازِي الْأُشَيْهِبُ وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ
١٨٩مَنْ لِلْمَحَافِلِ وَالْجَحَافِلِ وَالسُّرَى
فَقَدَتْ بِفَقْدِكَ نَيِّرًا لَا يَطْلُعُ
١٩٠وَمَنِ اتَّخَذْتَ عَلَى الضُّيُوفِ خَلِيفَةً؟
ضَاعُوا وَمِثْلُكَ لَا يَكَادُ يُضَيِّعُ
١٩١قُبْحًا لِوَجْهِكَ يَا زَمَانُ فَإِنَّهُ
وَجْهٌ لَهُ مِنْ كُلِّ قُبْحٍ بُرْقُعُ
١٩٢أَيَمُوتُ مِثْلُ أَبِي شُجَاعٍ فَاتِكٌ
وَيَعِيشُ حَاسِدُهُ الْخَصِيُّ الْأَوْكَعُ؟!
١٩٣أَيْدٍ مُقَطَّعَةٌ حَوَالَيْ رَأْسِهِ
وَقَفًا يَصِيحُ بِهَا أَلَا مَنْ يَصْفَعُ؟
١٩٤أَبْقَيْتَ أَكْذَبَ كَاذِبٍ أَبْقَيْتَهُ
وَأَخَذْتَ أَصْدَقَ مَنْ يَقُولُ وَيَسْمَعُ
١٩٥وَتَرَكْتَ أَنْتَنَ رِيحَةٍ مَذْمُومَةٍ
وَسَلَبْتَ أَطْيَبَ رِيحَةٍ تَتَضَوَّعُ
١٩٦فَالْيَوْمَ قَرَّ لِكُلِّ وَحْشٍ نَافِرٍ
دَمُهُ وَكَانَ كَأَنَّهُ يَتَطَلَّعُ
١٩٧وَتَصَالَحَتْ ثَمَرُ السِّيَاطِ وَخَيْلُهُ
وَأَوَتْ إِلَيْهَا سُوقُهَا وَالْأَذْرُعُ
١٩٨وَعَفَا الطِّرَادُ فَلَا سِنَانٌ رَاعِفٌ
فَوْقَ الْقَنَاةِ وَلَا حُسَامٌ يَلْمَعُ
١٩٩وَلَّى وَكُلُّ مُخَالِمٍ وَمُنَادِمٍ
بَعْدَ اللُّزُومِ مُشَيِّعٌ وَمُوَدِّعُ
مَنْ كَانَ فِيهِ لِكُلِّ قَوْمٍ مَلْجَأٌ
وَلِسَيْفِهِ فِي كُلِّ قَوْمٍ مَرْتَعُ
٢٠٠إِنْ حَلَّ فِي فُرْسٍ فَفِيهَا رَبُّهَا
كِسْرَى تَذِلُّ لهُ الرِّقَابُ وَتَخْضَعُ
أَوْ حَلَّ فِي رُومٍ فَفِيهَا قَيْصَرٌ
أَوْ حَلَّ فِي عُرْبٍ فَفِيهَا تُبَّعُ
٢٠١قَدْ كَانَ أَسْرَعَ فَارِسٍ فِي طَعْنَةٍ
فَرَسًا وَلَكِنَّ الْمَنِيَّةَ أَسْرَعُ
٢٠٢لَا قَلَّبَتْ أَيْدِي الْفَوَارِسِ بَعْدَهُ
رُمْحًا وَلَا حَمَلَتْ جَوَادًا أَرْبَعُ
٢٠٣وقال في صباه:
بِأَبِي مَنْ وَدِدْتُهُ فَافْتَرَقْنَا
وَقَضَى اللهُ بَعْدَ ذَاكَ اجْتِمَاعَا
٢٠٤فَافْتَرَقْنَا حَوْلًا فَلَمَّا الْتَقَيْنَا
كَانَ تَسْلِيمُهُ عَلَيَّ وَدَاعَا
٢٠٥قافية الفاء
وقال وقد سأله سيف الدولة عن وصف فرس يهديه إليه:
مَوْقِعُ الْخَيْلِ مِنْ نَدَاكَ طَفِيفُ
وَلوَ انَّ الْجِيَادَ فِيهَا أُلُوفُ
١وَمِنَ اللَّفْظِ لَفْظَةٌ تَجْمَعُ الْوَصـْ
ـفَ وَذَاكَ الْمُطَهَّمُ الْمَعْرُوفُ
٢مَا لَنَا فِي النَّدَى عَلَيْكَ اخْتِيَارٌ
كُلُّ مَا يَمْنَحُ الشَّرِيفُ شَرِيفُ
٣وأهدى إليه رجل يعرف بأبي دلف بن كنداج هدية وهو معتقل بحمص، وكان قد بلغه أنه ثلبه عند الوالي الذي اعتقله. فكتب إليه من السجن:
٤أَهْوِنْ بِطُولِ الثَّوَاءِ وَالتَّلَفِ
وَالسِّجْنِ وَالْقَيْدِ يَا أَبَا دُلَفِ!
٥غَيْرَ اخْتِيَارٍ قَبِلْتُ بِرَّكَ بِي
وَالْجُوعُ يُرْضِي الْأُسُودَ بِالْجِيَفِ
٦كُنْ أيُّهَا السِّجْنُ كَيْفَ شِئْتَ فَقَدْ
وَطَّنْتُ لِلْمَوْتِ نَفْسَ مُعْتَرِفِ
٧لَوْ كَانَ سُكْنَايَ فِيكَ مَنْقَصَةً
لَمْ يَكُنِ الدُّرُّ سَاكِنَ الصَّدَفِ
٨وقال يمدح أبا الفرج أحمد بن الحسين القاضي:
لِجِنِّيَّةٍ أَمْ غَادَةٍ رُفِعَ السَّجْفُ؟
لِوَحْشِيَّةٍ لَا مَا لِوَحْشِيَّةٍ شَنْفُ
٩نَفُورٌ عَرَتْهَا نَفْرَةٌ فَتَجَاذَبَتْ
سَوَالِفُهَا وَالْحَلْيُ وَالْخَصْرُ وَالرِّدْفُ
١٠وَخُيِّلَ مِنْهَا مِرْطُهَا فَكَأَنَّمَا
تَثَنَّى لَنَا خُوطٌ وَلَاحَظَنَا خِشْفُ
١١زِيَادَةُ شَيْبٍ وَهْيَ نَقْصُ زِيَادَتِي
وَقُوَّةُ عِشْقٍ وَهْيَ مِنْ قُوَّتِي ضَعْفُ
١٢هَرَاقَتْ دَمِي مَنْ بِي مِنَ الْوَجْدِ مَا بِهَا
مِنَ الْوَجْدِ بِي وَالشَّوْقُ لِي وَلَهَا حِلْفُ
١٣وَمَنْ كُلَّمَا جَرَّدْتَهَا مِنْ ثِيَابِهَا
كَسَاهَا ثِيَابًا غَيْرَهَا الشَّعَرُ الْوَحْفُ
١٤وَقَابَلَنِي رُمَّانَتَا غُصْنِ بَانَةٍ
يَمِيلُ بِهِ بَدْرٌ وَيُمْسِكُهُ حِقْفُ
١٥أَكَيْدًا لَنَا يَا بَيْنُ وَاصَلْتَ وَصْلَنَا
فَلَا دَارُنَا تَدْنُو وَلَا عَيْشُنَا يَصْفُو؟
١٦أُرَدِّدُ: وَيْلِي! لَوْ قَضَى الْوَيْلُ حَاجَةً
وَأُكْثِرُ: لَهْفِي! لَوْ شَفَى غُلَّةً لَهْفُ
١٧ضَنًى فِي الْهَوَى كَالسُّمِّ فِي الشَّهْدِ كَامِنًا
لَذِذْتُ بِهِ جَهْلًا وَفِي اللَّذَّةِ الْحَتْفُ
١٨فَأَفْنَى وَمَا أَفْنَتْهُ نَفْسِي كَأَنَّمَا
أَبُو الْفَرَجِ الْقَاضِي لَهُ دُونَهَا كَهْفُ
١٩قَلِيلُ الْكَرَى لَوْ كَانَتِ الْبِيضُ وَالْقَنَا
كَآرَائِهِ مَا أَغْنَتِ الْبَيضُ وَالزَّعْفُ
٢٠يَقُومُ مَقَامَ الْجَيْشِ تَقْطِيبُ وَجْهِهِ
وَيَسْتَغْرِقُ الْأَلْفَاظَ مِنْ لَفْظِهِ حَرْفُ
٢١وَإِنْ فَقَدَ الْإِعْطَاءَ حَنَّتْ يَمِينُهُ
إِلَيْهِ حَنِينَ الْإِلْفِ فَارَقَهُ الْإِلْفُ
٢٢أَدِيبٌ رَسَتْ لِلْعِلْمِ فِي أَرْضِ صَدْرِهِ
جِبَالٌ جِبَالُ الْأَرْضِ فِي جَنْبِهَا قُفُّ
٢٣جَوَادٌ سَمَتْ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَفُّهُ
سُمُوًّا أَوَدَّ الدَّهْرَ أَنَّ اسْمَهُ كَفُّ
٢٤وَأَضْحَى وَبَيْنَ النَّاسِ فِي كُلِّ سَيِّدٍ
مِنَ النَّاسِ إِلَّا فِي سِيَادَتِهِ خَلْفُ
٢٥يُفَدُّونَهُ حَتَّى كَأَنَّ دِمَاءَهُمْ
لِجَارِي هَوَاهُ فِي عُرُوقِهِمْ تَقْفُو
٢٦وُقُوفَيْنِ فِي وَقْفَيْنِ؛ شُكْرٍ وَنَائِلٍ
فَنَائِلُهُ وَقْفٌ وَشُكْرُهُمْ وَقْفُ
٢٧وَلَمَّا فَقَدْنَا مِثْلَهُ دَامَ كَشْفُنَا
عَلَيْهِ فَدَامَ الْفَقْدُ وَانْكَشَفَ الْكَشْفُ
٢٨وَمَا حَارَتِ الْأَوْهَامُ فِي عُظْمِ شَأْنِهِ
بِأَكْثَرَ مِمَّا حَارَ فِي حُسْنِهِ الطَّرْفُ
٢٩وَلَا نَالَ مِنْ حُسَّادِهِ الْغَيْظُ وَالْأَذَى
بِأَعْظَمَ مِمَّا نَالَ مِنْ وفْرِهِ الْعُرْفُ
٣٠تَفَكُّرُهُ عِلْمٌ وَمَنْطِقُهُ حُكْمٌ
وَبَاطِنُهُ دِينٌ وَظَاهِرُهُ ظَرْفُ
٣١أَمَاتَ رِيَاحَ اللُّؤْمِ وَهْيَ عَوَاصِفٌ
وَمَغْنَى الْعُلَا يُودِي وَرَسْمُ النَّدَى يَعْفُو
٣٢فَلَمْ نَرَ قَبْلَ ابْنِ الْحُسَيْنِ أَصَابِعًا
إِذَا مَا هَطَلْنَ اسْتَحْيَتِ الدِّيَمُ الْوُطْفُ
٣٣وَلَا سَاعِيًا فِي قُلَّةِ الْمَجْدِ مُدْرِكًا
بِأَفْعَالِهِ مَا لَيْسَ يُدْرِكُهُ الْوَصْفُ
٣٤وَلَمْ نَرَ شَيْئًا يَحْمِلُ الْعِبْءَ حَمْلَهُ
وَيَسْتَصْغِرُ الدُّنْيَا وَيَحْمِلُهُ طِرْفُ
٣٥وَلَا جَلَسَ الْبَحْرُ الْمُحِيطُ لِقَاصِدٍ
وَمِنْ تَحْتِهِ فَرْشٌ وَمِنْ فَوْقِهِ سَقْفُ
٣٦فَوَا عَجَبًا مِنِّي أُحَاوِلُ نَعْتَهُ
وَقَدْ فَنِيَتْ فِيهِ الْقَرَاطِيسُ وَالصُّحْفُ!
٣٧وَمِنْ كَثْرَةِ الْأَخْبَارِ عَنْ مَكْرُمَاتِهِ
يَمُرُّ لَهُ صِنْفٌ وَيَأْتِي لَهُ صِنْفُ
٣٨وَتَفْتَرُّ مِنْهُ عَنْ خِصَالٍ كَأَنَّهَا
ثَنَايَا حَبِيبٍ لَا يُمَلُّ لَهَا رَشْفُ
٣٩قَصَدْتُكَ وَالرَّاجُونَ قَصْدِي إِلَيْهِمْ
كَثِيرٌ وَلَكِنْ لَيْسَ كَالذَّنَبِ الْأَنْفُ
٤٠وَلَا الْفِضَّةُ الْبَيْضَاءُ وَالتِّبْرُ وَاحِدٌ
نَفُوعَانِ لِلْمُكْدِي وَبَيْنَهُمَا صَرْفُ
٤١وَلَسْتَ بِدُونٍ يُرْتَجَى الْغَيْثُ دُونَهُ
وَلَا مُنْتَهَى الْجُودِ الَّذِي خَلْفَهُ خَلْفُ
٤٢وَلَا وَاحِدًا فِي ذَا الْوَرَى مِنْ جَمَاعَةٍ
وَلَا الْبَعْضُ مِنْ كُلٍّ وَلَكِنَّكَ الضِّعْفُ
٤٣وَلَا الضِّعْفَ حَتَّى يَتْبَعَ الضِّعْفَ ضِعْفُهُ
وَلا ضِعْفَ ضِعْفِ الضِّعْفِ بَلْ مِثلَهُ أَلْفُ
٤٤أَقَاضِيَنَا هَذَا الَّذِي أَنْتَ أَهْلُهُ
غَلِطْتُ وَلَا الثُّلْثَانِ هَذَا وَلَا النِّصْفُ
٤٥وَذَنْبِي تَقْصِيرِي وَمَا جِئْتُ مَادِحًا
بِذَنْبِي وَلَكِنْ جِئْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَعْفُو
٤٦وأخرج له أبو العشائر جوشنًا حسنًا
٤٧ فقال كيف تراه فقال مرتجلًا:
بِهِ وَبِمِثْلِهِ شُقَّ الصُّفُوفُ
وَزَلَّتْ عَنْ مُبَاشِرِهِ الْحُتُوفُ
٤٨فَدَعْهُ لَقًى فَإِنَّكَ مِنْ كِرَامٍ
جَوَاشِنُهَا الْأَسِنَّةُ وَالسُّيُوفُ
٤٩وكان أبو العشائر قد غضب على أبي الطيب فأرسل غلمانًا له ليوقعوا به فلحقوه بظاهر حلب ليلًا فرماه أحدهم بسهم، وقال: خذه وأنا غلام أبي العشائر، فقال أبو الطيب:
٥٠وَمُنْتَسِبٍ عِنْدِي إِلَى مَنْ أُحِبُّهُ
وَلِلنَّبْلِ حَوْلِي مِنْ يَدَيْهِ حَفِيفُ
٥١فَهَيَّجَ مِنْ شَوْقِي وَمَا مِنْ مَذَلَّةٍ
حَنَنْتُ وَلَكِنَّ الْكَرِيمَ أَلُوفُ
٥٢وَكُلُّ وِدَادٍ لَا يَدُومُ عَلَى الْأَذَى
دَوَامَ وِدَادِي لِلْحُسَيْنِ ضَعِيفُ
٥٣فَإِنْ يَكُنِ الْفِعْلُ الَّذِي سَاءَ وَاحِدًا
فَأَفْعَالُهُ اللَّائِي سَرَرْنَ أُلُوفُ
٥٤وَنَفْسِي لَهُ نَفْسِي الْفِدَاءُ لِنَفْسِهِ
وَلَكِنَّ بَعْضَ الْمَالِكِينَ عَنِيفُ
٥٥وقال في عبده إذ أخذ فرسه وأراد قتله:
أَعْدَدْتُ لِلْغَادِرِينَ أَسْيَافًا
أَجْدَعُ مِنْهُمْ بِهِنَّ آنَافَا
٥٦لَا يَرْحَمُ اللهُ أَرْؤُسًا لَهُمْ
أَطَرْنَ عَنْ هَامِهِنَّ أَقْحَافَا
٥٧مَا يَنْقِمُ السَّيْفُ غَيْرَ قِلَّتِهِمْ
وَأَنْ تَكُونَ الْمِئُونَ آلَافَا
٥٨يَا شَرَّ لَحْمٍ فَجَعْتُهُ بِدَمٍ
وَزَارَ لِلْخَامِعَاتِ أَجْوَافَا
٥٩قَدْ كُنْتَ أُغْنِيتَ عَنْ سُؤَالِكَ بِي
مَنْ زَجَرَ الطَّيْرَ لِي وَمَنْ عَافَا
٦٠وَعَدْتُ ذَا النَّصْلَ مَنْ تَعَرَّضَهُ
وَخِفْتُ لَمَّا اعْتَرَضْتَ إِخْلَافَا
٦١لَا يُذْكَرُ الْخَيْرُ إِنْ ذُكِرْتَ وَلا
تُتْبِعُكَ الْمُقْلَتَانِ تَوْكَافَا
٦٢إِذَا امْرُؤٌ رَاعَنِي بِغَدْرَتِهِ
أَوْرَدْتُهُ الْغَايَةَ الَّتِي خَافَا
٦٣ قافية القاف
وقال يمدح سيف الدولة وقد أمر له بفرس دهماء وجارية:
أَيَدْرِي الرَّبْعُ أَيَّ دَمٍ أَرَاقَا؟
وَأَيَّ قُلُوبِ هَذَا الرَّكْبِ شَاقَا؟
١لَنَا وَلِأَهْلِهِ أَبَدًا قُلُوبٌ
تَلَاقَى فِي جُسُومٍ مَا تَلَاقَى
٢وَمَا عَفَتِ الرِّيَاحُ لَهُ مَحَلًّا
عَفَاهُ مَنْ حَدَا بِهِمُ وَسَاقَا
٣فَلَيْتَ هَوَى الْأَحِبَّةِ كَانَ عَدْلًا
فَحَمَّلَ كُلَّ قَلْبٍ مَا أَطَاقَا
٤نَظَرْتُ إِلَيْهِمُ وَالْعَيْنُ شَكْرَى
فَصَارَتْ كُلُّهَا لِلدَّمْعِ مَاقَا
٥وَقَدْ أَخَذَ التَّمَامَ الْبَدْرُ فِيهِمْ
وَأَعْطَانِي مِنَ السَّقَمِ الْمُحَاقَا
٦وَبَيْنَ الْفَرْعِ وَالْقَدَمَيْنِ نُورٌ
يَقُودُ بِلَا أَزِمَّتِهَا النِّيَاقَا
٧وَطَرْفٌ إِنْ سَقَى الْعُشَّاقَ كَأْسًا
بِهَا نَقْصٌ سَقَانِيهَا دِهَاقَا
٨وَخَصْرٌ تَثْبُتُ الْأَبْصَارُ فِيهِ
كَأَنَّ عَلَيْهِ مِنْ حَدَقٍ نِطَاقَا
٩سَلِي عَنْ سِيرَتِي فَرَسِي وَسَيْفِي
وَرُمْحِي وَالْهَمَلَّعَةَ الدِّفَاقَا
١٠تَرَكْنَا مِنْ وَرَاءِ الْعِيسِ نَجْدًا
وَنَكَّبْنَا السَّمَاوَةَ وَالْعِرَاقَا
١١فَمَا زَالَتْ تَرَى وَاللَّيْلُ دَاجٍ
لِسَيْفِ الدَّوْلَةِ الْمَلِكِ ائْتِلَاقَا
١٢أَدِلَّتُهَا رِيَاحُ الْمِسْكِ مِنْهُ
إِذَا فَتَحَتْ مَنَاخِرَهَا انْتِشَاقَا
١٣أَبَاحَكِ أَيُّهَا الْوَحْشُ الْأَعَادِي
فَلِمْ تَتَعَرَّضِينَ لَهُ الرِّفَاقَا؟
١٤وَلَوْ تَبَّعْتِ مَا طَرَحَتْ قَنَاهُ
لَكَفَّكِ عَنْ رَذَايَانَا وَعَاقَا
١٥وَلَوْ سِرْنَا إِلَيْهِ فِي طَرِيقٍ
مِنَ النِّيرَانِ لَمْ نَخَفِ احْتِرَاقَا
١٦إِمَامٌ لِلْأَئِمَّةِ مِنْ قُرَيْشٍ
إِلَى مَنْ يَتَّقُونَ لَهُ شِقَاقَا
١٧يَكُونُ لَهُمْ إِذَا غَضِبُوا حُسَامًا
وَلِلْهَيْجَاءِ حِينَ تَقُومُ سَاقَا
١٨فَلَا تَسْتَنْكِرَنَّ لَهُ ابْتِسَامًا
إِذَا فَهِقَ الْمَكَرُّ دَمًا وَضَاقَا
١٩فَقَدْ ضَمِنَتْ لَهُ الْمُهَجَ الْعَوَالِي
وَحَمَّلَ هَمَّهُ الْخَيْلَ الْعِتَاقَا
٢٠إِذَا أُنْعِلْنَ فِي آثَارِ قَوْمٍ
وَإِنْ بَعُدُوا جَعَلْنَهُمُ طِرَاقَا
٢١وَإِنْ نَقَعَ الصَّرِيخُ إِلَى مَكَانٍ
نَصَبْنَ لَهُ مُؤَلَّلَةً دِقَاقَا
٢٢فَكَانَ الطَّعْنُ بَيْنَهُمَا جَوَابًا
وَكَانَ اللُّبْثُ بَيْنَهُمَا فُوَاقَا
٢٣مُلَاقِيَةً نَوَاصِيهَا الْمَنَايَا
مُعَوَّدَةً فَوَارِسُهَا الْعِنَاقَا
٢٤تَبِيتُ رِمَاحُهُ فَوْقَ الْهَوَادِي
وَقَدْ ضَرَبَ الْعَجَاجُ لَهَا رِوَاقَا
٢٥تَمِيلُ كَأَنَّ فِي الْأَبْطَالِ خَمْرًا
عُلِلْنَ بِهَا اصْطِبَاحًا وَاغْتِبَاقَا
٢٦تَعَجَّبَتِ الْمُدَامُ وَقَدْ حَسَاهَا
فَلَمْ يَسْكَرْ وَجَادَ فَمَا أَفَاقَا
٢٧أَقَامَ الشِّعْرُ يَنْتَظِرُ الْعَطَايَا
فَلَمَّا فَاقَتِ الْأَمْطَارَ فَاقَا
٢٨وَزَنَّا قِيمَةَ الدَّهْمَاءِ مِنْهُ
وَوَفَّيْنَا الْقِيَانَ بِهِ الصَّدَاقَا
٢٩وَحَاشَا لِارْتِيَاحِكَ أَنْ يُبَارَى
وَلِلْكَرَمِ الَّذِي لَكَ أَنْ يُبَاقَى
٣٠وَلَكِنَّا نُدَاعِبُ مِنْكَ قَرْمًا
تَرَاجَعَتِ الْقُرُومُ لَهُ حِقَاقَا
٣١فَتًى لَا تَسْلُبُ الْقَتْلَى يَدَاهُ
وَيَسْلُبُ عَفْوُهُ الْأَسْرَى الْوَثَاقَا
٣٢وَلَمْ تَأْتِ الْجَمِيلَ إِلَيَّ سَهْوًا
وَلَمْ أَظْفَرْ بِهِ مِنْكَ اسْتِرَاقَا
٣٣فَأَبْلِغْ حَاسِدِيَّ عَلَيْكَ أَنِّي
كَبَا بَرْقٌ يُحَاوِلُ بِي لِحَاقَا
٣٤وَهَلْ تُغْنِي الرَّسَائِلُ فِي عَدُوٍّ
إِذَا مَا لَمْ يَكُنَّ ظُبًا رِقَاقَا؟
٣٥إِذَا مَا النَّاسُ جَرَّبَهُمْ لَبِيبٌ
فَإِنِّي قَدْ أَكَلْتُهُمُ وَذَاقَا
٣٦فَلَمْ أَرَ وُدَّهُمْ إِلَّا خِدَاعًا
وَلَمْ أَرَ دِينَهُمْ إِلَّا نِفَاقَا
يُقَصِّرُ عَنْ يَمِينِكَ كُلُّ بَحْرٍ
وَعَمَّا لَمْ تُلِقْهُ مَا أَلَاقَا
٣٧وَلَوْلَا قُدْرَةُ الْخَلَّاقِ قُلْنَا:
أَعْمَدًا كَانَ خَلْقُكَ أَمْ وِفَاقَا؟
٣٨فَلَا حَطَّتْ لَكَ الْهَيْجَاءُ سَرْجًا
وَلَا ذَاقَتْ لَكَ الدُّنْيَا فِرَاقَا
٣٩وقال يمدحه ويذكر الفداء الذي طلبه رسول ملك الروم وكتابه إليه:
لِعَيْنَيْكِ مَا يَلْقَى الْفُؤَادُ وَمَا لَقِي
وَلِلْحُبِّ مَا لَمْ يَبْقَ مِنِّي وَمَا بَقِي
٤٠وَمَا كُنْتُ مِمَّنْ يَدْخُلُ الْعِشْقُ قَلْبَهُ
وَلَكِنَّ مَنْ يُبْصِرْ جُفُونَكِ يَعْشَقِ
٤١وَبَيْنَ الرِّضَا وَالسُّخْطِ وَالْقُرْبِ وَالنَّوَى
مَجَالٌ لِدَمْعِ الْمُقْلَةِ الْمُتَرَقْرِقِ
٤٢وَأَحْلَى الْهَوَى مَا شَكَّ فِي الْوَصْلِ رَبُّهُ
وَفِي الْهَجْرِ فَهْوَ الدَّهْرَ يَرْجُو وَيَتَّقِي
٤٣وَغَضْبَى مِنَ الْإِدْلَالِ سَكْرَى مِنَ الصَّبَا
شَفَعْتُ إِلَيْهَا مِنْ شَبَابِي بِرَيِّقِ
٤٤وَأَشْنَبَ مَعْسُولِ الثَّنِيَّاتِ وَاضِحٍ
سَتَرْتُ فَمِي عَنْهُ فَقَبَّلَ مَفْرِقِي
٤٥وَأَجْيَادِ غِزْلَانٍ كَجِيدِكِ زُرْنَنِي
فَلَمْ أَتَبَيَّنْ عَاطِلًا مِنْ مُطَوَّقِ
٤٦وَمَا كُلُّ مَنْ يَهْوَى يَعِفُّ إِذَا خَلَا
عَفَافِي وَيُرْضِي الْحِبَّ وَالْخَيْلُ تَلْتَقِي
٤٧سَقَى اللهُ أَيَّامَ الصِّبَا مَا يَسُرُّهَا
وَيَفْعَلُ فِعْلَ الْبَابِلِيِّ الْمُعَتَّقِ
٤٨إِذَا مَا لَبِسْتَ الدَّهْرَ مُسْتَمْتِعًا بِهِ
تَخَرَّقْتَ وَالْمَلْبُوسُ لَمْ يَتَخَرَّقِ
٤٩وَلَمْ أَرَ كَالْأَلْحَاظِ يَوْمَ رَحِيلِهِمْ
بَعَثْنَ بِكُلِّ الْقَتْلِ مِنْ كُلِّ مُشْفِقِ
٥٠أَدَرْنَ عُيُونًا حَائِرَاتٍ كَأَنَّهَا
مُرَكَّبَةٌ أَحْدَاقُهَا فَوْقَ زِئْبَقِ
٥١عَشِيَّةَ يَعْدُونَا عَنِ النَّظَرِ الْبُكَا
وَعَنْ لَذَّةِ التَّوْدِيعِ خَوْفُ التَّفَرُّقِ
٥٢نُوَدِّعُهُمْ وَالْبَيْنُ فِينَا كَأَنَّهُ
قَنَا ابْنِ أَبِي الْهَيْجَاءِ فِي قَلْب فَيْلَقِ
٥٣قَوَاضٍ مَوَاضٍ نَسْجُ دَاوُدَ عِنْدَهَا
إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ كَنَسْجِ الْخَدَرْنَقِ
٥٤هَوَادٍ لِأَمْلَاكِ الْجُيُوشِ كَأَنَّهَا
تَخَيَّرُ أَرْوَاحَ الْكُمَاةِ وَتَنْتَقِي
٥٥تَقُدُّ عَلَيْهِمْ كُلَّ دِرْعٍ وَجَوْشَنٍ
وَتَفْرِي إِلَيْهِمْ كُلَّ سُورٍ وَخَنْدَقِ
٥٦يُغِيرُ بِهَا بَيْنَ اللُّقَانِ وَوَاسِطٍ
وَيُرْكِزُهَا بَيْنَ الْفُرَاتِ وَجِلِّقِ
٥٧وَيُرْجِعُهَا حُمْرًا كَأَنَّ صَحِيحَهَا
يُبَكِّي دَمًا مِنْ رَحْمَةِ الْمُتَدَقِّقِ
٥٨فَلَا تُبْلِغَاهُ مَا أَقُولُ فَإِنَّهُ
شُجَاعٌ مَتَى يُذْكَرْ لَهُ الطَّعْنُ يَشْتَقِ
٥٩ضَرُوبٌ بِأَطْرَافِ السُّيُوفِ بَنَانُهُ
لَعُوبٌ بِأَطْرَافِ الْكَلَامِ الْمُشَقَّقِ
٦٠كَسَائِلِهِ مَنْ يَسْأَلُ الْغَيْثَ قَطْرَةً
كَعَاذِلِهِ مَنْ قَالَ لِلْفُلْكِ ارْفُقِ
٦١لَقَدْ جُدْتَ حَتَّى جُدْتَ فِي كُلِّ مِلَّةٍ
وَحَتَّى أَتَاكَ الْحَمْدُ مِنْ كُلِّ مَنْطِقِ
٦٢رَأَى مَلِكُ الرُّومِ ارْتِيَاحَكَ لِلنَّدَى
فَقَامَ مَقَامَ الْمُجْتَدِي الْمُتَمَلِّقِ
٦٣وَخَلَّى الرِّمَاحَ السَّمْهَرِيَّةَ صَاغِرًا
لِأَدْرَبَ مِنْهُ بِالطِّعَانِ وَأَحْذَقِ
٦٤وَكَاتَبَ مِنْ أَرْضٍ بَعِيدٍ مَرَامُهَا
قَرِيبٍ عَلَى خَيْلٍ حَوَالَيْكَ سُبَّقِ
٦٥وَقَدْ سَارَ فِي مَسْرَاكَ مِنْهَا رَسُولُهُ
فَمَا سَارَ إِلَّا فَوْقَ هَامٍ مُفَلَّقِ
٦٦فَلَمَّا دَنَا أَخْفَى عَلَيْهِ مَكَانَهُ
شُعَاعُ الْحَدِيدِ الْبَارِقِ الْمُتَأَلِّقِ
٦٧وَأَقْبَلَ يَمْشِي فِي الْبِسَاطِ فَمَا دَرَى
إِلَى الْبَحْرِ يَمْشِي أَمْ إِلَى الْبَدْرِ يَرْتَقِي؟!
٦٨وَلَمْ يَثْنِكَ الْأَعْدَاءُ عَنْ مُهَجَاتِهِمْ
بِمِثْلِ خُضُوعٍ فِي كَلَامٍ مُنَمَّقِ
٦٩وَكُنْتَ إِذَا كَاتَبْتَهُ قَبْلَ هَذِهِ
كَتَبْتَ إِلَيْهِ فِي قَذَالِ الدُّمُستُقِ
٧٠فَإِنْ تُعْطِهِ مِنْكَ الْأَمَانَ فَسَائِلٌ
وَإِنْ تُعْطِهِ حَدَّ الْحُسَامِ فَأَخْلِقِ!
٧١وَهَلْ تَرَكَ الْبِيضُ الصَّوَارِمُ مِنْهُمُ
أَسِيرًا لِفَادٍ أَوْ رَقِيقًا لِمُعْتِقِ
٧٢لَقَدْ وَرَدُوا وِرْدَ الْقَطَا شَفَرَاتِهَا
وَمَرُّوا عَلَيْهَا زَرْدَقًا بَعْدَ زَرْدَقِ
٧٣بَلَغْتُ بِسَيْفِ الدَّوْلَةِ النُّورِ رُتْبَةً
أَثَرْتُ بِهَا مَا بَيْنَ غَرْبٍ وَمَشْرِقِ
٧٤إِذَا شَاءَ أَنْ يَلْهُو بِلِحْيَةِ أَحْمَقٍ
أَرَاهُ غُبَارِي ثُمَّ قَالَ لَهُ: الْحَقِ
٧٥وَمَا كَمَدُ الْحُسَّادِ شَيْئًا قَصَدْتُهُ
وَلَكِنَّهُ مَنْ يَزْحَمِ الْبَحْرَ يَغْرَقِ
٧٦وَيَمْتَحِنُ النَّاسَ الْأَمِيرُ بِرَأْيِهِ
وَيُغْضِي عَلَى عِلْمٍ بِكُلِّ مُمَخْرِقِ
٧٧وَإِطْرَاقُ طَرْفِ الْعَيْنِ لَيْسَ بِنَافِعٍ
إِذَا كَانَ طَرْفُ الْقَلْبِ لَيْسَ بِمُطْرِقِ
٧٨فَيَا أَيُّهَا الْمَطْلُوبُ جَاوِرْهُ تَمْتَنِعْ
وَيَا أَيُّهَا الْمَحْرُومُ يَمِّمْهُ تُرْزَقِ
٧٩وَيَا أَجْبَنَ الْفُرْسَانِ صَاحِبْهُ تَجْتَرِئْ
وَيَا أَشْجَعَ الشُّجْعَانِ فَارِقْهُ تَفْرَقِ
٨٠إِذَا سَعَتِ الْأَعْدَاءُ فِي كَيْدِ مَجْدِهِ
سَعَى جَدُّهُ فِي كَيْدِهِمْ سَعْيَ مُحْنَقِ
٨١وَمَا يَنْصُرُ الْفَضْلُ الْمُبِينُ عَلَى الْعِدَا
إِذَا لَمْ يَكُنْ فَضْلَ السَّعِيدِ الْمُوَفَّقِ؟
٨٢وقال يمدحه ويذكر إيقاعه ببني عقيل وقشير وبني العجلان وكلاب لما عاثوا في نواحي أعماله، وقصدَه إياهم، وإهلاكَ من أهلكه منهم، وعفوه عمن عفا بعد تضافرهم وتضامهم عن لقائه سنة ٣٤٤:
تَذَكَّرْتُ مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ وَبَارِقِ
مَجَرَّ عَوَالِينَا وَمَجْرَى السَّوَابِقِ
٨٣وَصُحْبَةَ قَوْمٍ يَذْبَحُونَ قَنِيصَهُمْ
بِفَضْلَةِ مَا قَدْ كَسَّرُوا فِي الْمَفَارِقِ
٨٤وَلَيْلًا تَوَسَّدْنَا الثَّوِيَّةَ تَحْتَهُ
كَأَنَّ ثَرَاهَا عَنْبَرٌ فِي الْمَرَافِقِ
٨٥بِلَادٌ إِذَا زَارَ الْحِسَانَ بِغَيْرِهَا
حَصَا تُرْبِهَا ثَقَّبْنَهُ لِلْمَخَانِقِ
٨٦سَقَتْنِي بِهَا الْقُطْرُبُّلِيَّ مَلِيحَةٌ
عَلَى كَاذِبٍ مِنْ وَعْدِهَا ضَوْءُ صَادِقِ
٨٧سُهَادٌ لِأَجْفَانٍ وَشَمْسٌ لِنَاظِرٍ
وَسُقْمٌ لِأَبْدَانٍ وَمِسْكٌ لِنَاشِقِ
٨٨وَأَغْيَدُ يَهْوَى نَفْسَهُ كُلُّ عَاقِلٍ
عَفِيفٍ وَيَهْوَى جِسْمَهُ كُلُّ فَاسِقِ
٨٩أَدِيبٌ إِذَا مَا جَسَّ أَوْتَارَ مِزْهَرٍ
بَلَا كُلَّ سَمْعٍ عَنْ سِوَاهَا بِعَائِقِ
٩٠يُحَدِّثُ عَمَّا بَيْنَ عَادٍ وَبَيْنَهُ
وَصُدْغَاهُ فِي خَدَّيْ غُلَامٍ مُرَاهِقِ
٩١وَمَا الْحُسْنُ فِي وَجْهِ الْفَتَى شَرَفًا لَهُ
إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي فِعْلِهِ وَالْخَلَائِقِ
٩٢وَمَا بَلَدُ الْإِنْسَانِ غَيْرُ الْمُوَافِقِ
وَلَا أَهْلُهُ الْأَدْنَوْنَ غَيْرُ الْأَصَادِقِ
٩٣وَجَائِزَةٌ دَعْوَى الْمَحَبَّةِ وَالْهَوَى
وَإِنْ كَانَ لَا يَخْفَى كَلَامُ الْمُنَافِقِ
٩٤بِرَأْيِ مَنِ انْقَادَتْ عُقَيْلٌ إِلَى الرَّدَى
وَإِشْمَاتِ مَخْلُوقٍ وَإِسْخَاطِ خَالِقِ؟
٩٥أَرَادُوا عَلِيًّا بِالَّذِي يُعْجِزُ الْوَرَى
وَيُوسِعُ قَتْلَ الْجَحْفَلِ الْمُتَضَايِقِ
٩٦فَمَا بَسَطُوا كَفًّا إِلَى غَيْرِ قَاطِعٍ
وَلَا حَمَلُوا رَأْسًا إِلَى غَيْرِ فَالِقِ
٩٧لَقَدْ أَقْدَمُوا لَوْ صَادَفُوا غَيْرَ آخِذ
وَقَدْ هَرَبُوا لَوْ صَادَفُوا غَيْرَ لَاحِقِ
٩٨وَلَمَّا كَسَا كَعْبًا ثِيَابًا طَغَوْا بِهَا
رَمَى كُلَّ ثَوْبٍ مِنْ سِنَانٍ بِخَارِقِ
٩٩وَلَمَّا سَقَى الْغَيْثَ الَّذِي كَفَرُوا بِهِ
سَقَى غَيْرَهُ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْبَوَارِقِ
١٠٠وَمَا يُوجِعُ الْحِرْمَانُ مِنْ كَفِّ حَارِمٍ
كَمَا يُوجِعُ الْحِرْمَانُ مِنْ كَفِّ رَازِقِ
١٠١أَتَاهُمْ بِهَا حَشْوَ الْعَجَاجَةِ وَالْقَنَا
سَنَابِكُهَا تَحْشُو بُطُونَ الْحَمَالِقِ
١٠٢عَوَابِسَ حَلَّى يَابِسُ الْمَاءِ حُزْمَهَا
فَهُنَّ عَلَى أَوْسَاطِهَا كَالْمَنَاطِقِ
١٠٣فَلَيْتَ أَبَا الْهَيْجَا يَرَى خَلْفَ تَدْمُرٍ
طِوَالَ الْعَوَالِي فِي طِوَالِ السَّمَالِقِ
١٠٤وَسَوْقَ عَلِيٍّ مِنْ مَعَدٍّ وَغَيْرِهَا
قَبَائِلَ لَا تُعْطِي الْقُفِيَّ لِسَائِقِ
١٠٥قُشَيْرٌ وَبَلْعَجْلَانِ فِيهَا خَفِيَّةٌ
كَرَاءَيْنِ فِي أَلْفَاظِ أَلْثَغَ نَاطِقِ
١٠٦تُخَلِّيهِمِ النِّسْوَانُ غَيْرَ فَوَارِكٍ
وَهُمْ خَلَّوُا النِّسْوَانَ غَيْرَ طَوَالِقِ
١٠٧يُفَرِّقُ مَا بَيْنَ الْكُمَاةِ وَبَيْنَهَا
بِضَرْبٍ يُسَلِّي حَرُّهُ كُلَّ عَاشِقِ
١٠٨أَتَى الظُّعْنَ حَتَّى مَا تَطِيرُ رَشَاشَةٌ
مِنَ الْخَيْلِ إِلَّا فِي نُحُورِ الْعَوَاتِقِ
١٠٩بِكُلِّ فَلَاةٍ تُنْكِرُ الْإِنْسَ أَرْضُهَا
ظَعَائِنُ حُمْرُ الْحَلْيِ حُمْرُ الْأَيَانِقِ
١١٠وَمَلْمُومَةٌ سَيْفِيَّةٌ رَبَعِيَّةٌ
يَصِيحُ الْحَصَى فِيهَا صِيَاحَ اللَّقَالِقِ
١١١بَعِيدَةُ أَطْرَافِ الْقَنَا مِنْ أُصُولِهِ
قَرِيبَةُ بَيْن الْبَيْضِ غُبْرُ الْيَلَامِقِ
١١٢نَهَاهَا وَأَغْنَاهَا عَنِ النَّهْبِ جُودُهُ
فَمَا تَبْتَغِي إِلَّا حُمَاةَ الْحَقَائِقِ
١١٣تَوَهَّمَهَا الْأَعْرَابُ سَوْرَةَ مُتْرَفٍ
تُذَكِّرُهُ الْبَيْدَاءُ ظِلَّ السُّرَادِقِ
١١٤فَذَكَّرْتَهُمْ بِالْمَاءِ سَاعَةَ غَبَّرَتْ
سَمَاوَةُ كَلْبٍ فِي أُنُوفِ الْحَزَائِقِ
١١٥وَكَانُوا يَرُوعُونَ الْمُلُوكَ بِأَنْ بَدَوْا
وَأَنْ نَبَتَتْ فِي الْمَاءِ نَبْتَ الْغَلَافِقِ
١١٦فَهَاجُوكَ أَهْدَى فِي الْفَلَا مِنْ نُجُومِهِ
وَأَبْدَى بُيُوتًا مِنْ أَدَاحِي النَّقَانِقِ
١١٧وَأَصْبَرَ عَنْ أَمْوَاهِهِ مِنْ ضِبَابِهِ
وَآلَفَ مِنْهَا مُقْلَةً لِلْوَدَائِقِ
١١٨وَكَانَ هَدِيرًا مِنْ فُحُولٍ تَرَكْتَهَا
مُهَلَّبَةَ الْأَذْنَابِ خُرْسَ الشَّقَاشِقِ
١١٩فَمَا حَرَمُوا بِالرَّكْضِ خَيْلَكَ رَاحَةً
وَلَكِنْ كَفَاهَا الْبَرُّ قَطْعَ الشَّوَاهِقِ
١٢٠وَلَا شَغَلُوا صُمَّ الْقَنَا بِقُلُوبِهِمْ
عَنِ الرَّكْزِ لَكِنْ عَنْ قُلُوبِ الدَّمَاسِقِ
١٢١أَلَمْ يَحْذَرُوا مَسْخَ الَّذِي يَمْسَخُ الْعِدَا
وَيَجْعَلُ أَيْدِي الْأُسْدِ أَيْدِي الْخَرَانِقِ
١٢٢وَقَدْ عَايَنُوهُ فِي سِوَاهُمْ وَرُبَّمَا
أَرَى مَارِقًا فِي الْحَرْبِ مَصْرَعَ مَارِقِ
١٢٣تَعَوَّدَ أَنْ لَا تَقْضَمَ الْحَبَّ خَيْلُهُ
إِذَا الْهَامُ لَمْ تَرْفَعْ جُنُوبَ الْعَلَائِقِ
١٢٤وَلَا تَرِدَ الْغُدْرَانَ إِلَّا وَمَاؤُهَا
مِنَ الدَّمِ كَالرَّيْحَانِ تَحْتَ الشَّقَائِقِ
١٢٥لَوَفْدُ نُمَيْرٍ كَانَ أَرْشَدَ مِنْهُمُ
وَقَدْ طَرَدُوا الْأَظْعَانَ طَرْدَ الْوَسَائِقِ
١٢٦أَعَدُّوا رِمَاحًا مِنْ خُضُوعٍ فَطَاعَنُوا
بِهَا الْجَيْشَ حَتَّى رَدَّ غَرْبَ الْفَيَالِقِ
١٢٧فَلَمْ أَرَ أَرْمَى مِنْهُ غَيْرَ مُخَاتِلٍ
وَأَسْرَى إِلَى الْأَعْدَاءِ غَيْرَ مُسَارِقِ
١٢٨تُصِيبُ الْمَجَانِيقُ الْعِظَامُ بِكَفِّهِ
دَقَائِقَ قَدْ أَعْيَتْ قِسِيَّ الْبَنَادِقِ
١٢٩وقال في صباه يمدح أبا المنتصر شجاع بن محمد بن أرس بن معن بن الرضي الأزدي:
أَرَقٌ عَلَى أَرَقٍ وَمِثْلِيَ يَأْرَقُ
وَجَوًى يَزِيدُ وَعَبْرَةٌ تَتَرَقْرَقُ
١٣٠جُهْدُ الصَّبَابَةِ أَنْ تَكُونَ كَمَا أُرَى
عَيْنٌ مُسَهَّدَةٌ وَقَلْبٌ يَخْفِقُ
١٣١مَا لَاحَ بَرْقٌ أَوْ تَرَنَّمَ طَائِرٌ
إِلَّا انْثَنَيْتُ وَلِي فُؤَادٌ شَيِّقُ
١٣٢جَرَّبْتُ مِنْ نَارِ الْهَوَى مَا تَنْطَفِي
نَارُ الْغَضَى وَتَكِلُّ عَمَّا تُحْرِقُ
١٣٣وَعَذَلْتُ أَهْلَ الْعِشْقِ حَتَّى ذُقْتُهُ
فَعَجِبْتُ كَيْفَ يَمُوتُ مَنْ لَا يَعْشَقُ؟!
١٣٤وَعَذَرْتُهُمْ وَعَرَفْتُ ذَنْبِي أَنَّنِي
عَيَّرْتُهُمْ فَلَقِيتُ فِيهِ مَا لَقُوا
١٣٥أَبَنِي أَبِينَا نَحْنُ أَهْلُ مَنَازِلٍ
أَبَدًا غُرَابُ الْبَيْنِ فِيهَا يَنْعِقُ
١٣٦نَبْكِي عَلَى الدُّنْيَا وَمَا مِنْ مَعْشَرٍ
جَمَعَتْهُمُ الدُّنْيَا فَلَمْ يَتَفَرَّقُوا
١٣٧أَيْنَ الْأَكَاسِرَةُ الْجَبَابِرَةُ الْأُلَى
كَنَزُوا الْكُنُوزَ فَمَا بَقِينَ وَلَا بَقُوا
١٣٨مِنْ كُلِّ مَنْ ضَاقَ الْفَضَاءُ بِجَيْشِهِ
حَتَّى ثَوَى فَحَوَاهُ لَحْدٌ ضَيِّقُ
١٣٩خُرْسٌ إِذَا نُودُوا كَأَنْ لَمْ يَعْلَمُوا
أَنَّ الْكَلَامَ لَهُمْ حَلَالٌ مُطْلَقُ
١٤٠وَالْمَوْتُ آتٍ وَالنُّفُوسُ نَفَائِسٌ
وَالْمُسْتَغِرُّ بِمَا لَدَيْهِ الْأَحْمَقُ
١٤١وَالْمَرْءُ يَأْمُلُ وَالْحَيَاةُ شَهِيَّةٌ
وَالشَّيْبُ أَوْقَرُ وَالشَّبِيبَةُ أَنْزَقُ
١٤٢وَلَقَدْ بَكَيْتُ عَلَى الشَّبَابِ وَلِمَّتِي
مُسْوَدَّةٌ وَلِمَاءِ وَجْهِيَ رَوْنَقُ
١٤٣حَذَرًا عَلَيْهِ قَبْلَ يَوْمِ فِرَاقِهِ
حَتَّى لَكِدْتُ بِمَاءِ جَفْنِيَ أَشْرَقُ
١٤٤أَمَّا بَنُو أَوْسِ بْنِ مَعْنِ بْنِ الرِّضَا
فَأَعَزُّ مَنْ تُحْدَى إِلَيْهِ الْأَيْنُقُ
١٤٥كَبَّرْتُ حَوْلَ دِيَارِهِمْ لَمَّا بَدَتْ
مِنْهَا الشُّمُوسُ وَلَيْسَ فِيهَا الْمَشْرِقُ
١٤٦وَعَجِبْتُ مِنْ أَرْضٍ سَحَابُ أَكُفِّهِمْ
مِنْ فَوْقِهَا وَصُخُورُهَا لَا تُورِقُ
١٤٧وَتَفُوحُ مِنْ طِيبِ الثَّنَاءِ رَوَائِحٌ
لَهُمُ بِكُلِّ مَكَانَةٍ تُسْتَنْشَقُ
١٤٨مِسْكِيَّةُ النَّفحَاتِ إِلَّا أَنَّهَا
وَحْشِيَّةٌ بِسِوَاهُمُ لَا تَعْبَقُ
١٤٩أَمُرِيدَ مِثْلَ مُحَمَّدٍ فِي عَصْرِنَا
لَا تَبْلُنَا بِطِلَابِ مَا لَا يُلْحَقُ
١٥٠لَمْ يَخْلُقِ الرَّحْمَنُ مِثْلَ مُحَمَّدٍ
أَبَدًا وَظَنِّي أَنَّهُ لَا يَخْلُقُ
١٥١يَا ذَا الَّذِي يَهَبُ الْجَزِيلَ وَعِنْدَهُ
أَنِّي عَلَيْهِ بِأَخْذِهِ أَتَصَدَّقُ
١٥٢أَمْطِرْ عَلَيَّ سَحَابَ جُودِكَ ثَرَّةَ
وَانْظُرْ إِلَيَّ بِرَحْمَةٍ لَا أَغْرَقُ
١٥٣كَذَبَ ابْنُ فَاعِلَةٍ يَقُولُ بِجَهْلِهِ
مَاتَ الْكِرَامُ وَأَنْتَ حَيٌّ تُرْزَقُ
١٥٤وقال في صباه ارتجالًا:
أَيَّ مَحَلٍّ أَرْتَقِي؟
أَيَّ عَظِيمٍ أَتَّقِي؟
١٥٥وَكُلُّ مَا قَدْ خَلَقَ اللهُ
وَمَا لَمْ يَخْلُقِ
مُحْتَقَرٌ فِي هِمَّتِي
كَشَعْرَةٍ فِي مَفْرِقِي
١٥٦وقال يمدح الحسين بن إسحاق التنوخي:
هُوَ الْبَيْنُ حَتَّى مَا تَأَنَّى الْحَزَائِقُ
وَيَا قَلْبِ حَتَّى أَنْتَ مِمَّنْ أُفَارِقُ
١٥٧وَقَفْنَا وَمِمَّا زَادَ بَثًّا وُقُوفُنَا
فَرِيقَيْ هَوًى مِنَّا مَشُوقٌ وَشَائِقُ
١٥٨وَقَدْ صَارَتِ الْأَجْفَانُ قَرْحَى مِنَ الْبُكَا
وَصَارَ بَهَارًا فِي الْخُدُودِ الشَّقَائِقُ
١٥٩عَلَى ذَا مَضَى النَّاسُ؛ اجْتِمَاعٌ وَفُرْقَةٌ
وَمَيْتٌ وَمَوْلُودٌ وَقَالٍ وَوَامِقُ
١٦٠تَغَيَّرَ حَالِي وَاللَّيَالِي بِحَالِهَا
وَشِبْتُ وَمَا شَابَ الزَّمَانُ الْغُرَانِقُ
١٦١سَلِ الْبِيدَ: أَيْنَ الْجِنُّ مِنَّا بِجَوْزِهَا
وَعَنْ ذِي الْمَهَارِي: أَيْنَ مِنْهَا النَّقَانِقُ؟
١٦٢وَلَيْلٍ دَجُوجِيٍّ كَأَنَّا جَلَتْ لَنَا
مُحَيَّاكَ فِيهِ فَاهْتَدَيْنَا السَّمَالِقُ
١٦٣فَمَا زَالَ لَوْلَا نُورُ وَجْهِكَ جُنْحُهُ
وَلَا جَابَهَا الرُّكْبَانُ لَوْلَا الْأَيَانِقُ
١٦٤وَهَزٌّ أَطَارَ النَّوْمَ حَتَّى كَأَنَّنِي
مِنَ السُّكْرِ فِي الْغَرْزَيْنِ ثَوْبٌ شُبَارِقُ
١٦٥شَدَوْا بِابْنِ إِسْحَقَ الْحُسَيْنِ فَصَافَحَتْ
ذَفَارِيَهَا كِيرَانُهَا وَالنَّمَارِقُ
١٦٦بِمَنْ تَقْشَعِرُّ الْأَرْضُ خَوْفًا إِذَا مَشَى
عَلَيْهَا وَتَرْتَجُّ الْجِبَالُ الشَّوَاهِقُ
١٦٧فَتًى كَالسَّحَابِ الْجُونِ يُخْشَى وَيُرْتَجَى
يُرَجَّى الْحَيَا مِنْهَا وَتُخْشَى الصَّوَاعِقُ
١٦٨وَلَكِنَّهَا تَمْضِي وَهَذَا مُخَيِّمٌ
وَتَكْذِبُ أَحْيَانًا وَذَا الدَّهْرَ صَادِقُ
١٦٩تَخَلَّى مِنَ الدُّنْيَا لِيُنْسَى فَمَا خَلَتْ
مَغَارِبُهَا مِنْ ذِكْرِهِ وَالْمَشَارِقُ
١٧٠غَذَا الْهِنْدُوَانِيَّاتِ بِالْهَامِ وَالطُّلَا
فَهُنَّ مَدَارِيهَا وَهُنَّ الْمَخَانِقُ
١٧١تُشَقَّقُ مِنْهُنَّ الْجُيُوبُ إِذَا غَزَا
وَتُخْضَبُ مِنْهُنَّ اللِّحَى وَالْمَفَارِقُ
١٧٢يُجَنَّبُهَا مَنْ حَتْفُهُ عَنْهُ غَافِلٌ
وَيَصْلَى بِهَا مَنْ نَفْسُهُ مِنْهُ طَالِقُ
١٧٣يُحَاجَى بِهِ: مَا نَاطِقٌ وَهْوَ سَاكِتٌ
يُرَى سَاكِتًا وَالسَّيْفُ عَنْ فِيهِ نَاطِقُ؟
١٧٤نَكِرْتُكَ حَتَّى طَالَ مِنْكَ تَعَجُّبِي
وَلَا عَجَبٌ مِنْ حُسْنِ مَا اللهُ خَالِقُ
١٧٥كَأَنَّكَ فِي الْإِعْطَاءِ لِلْمَالِ مُبْغِضٌ
وَفِي كُلِّ حَرْبٍ لِلْمَنِيَّةِ عَاشِقُ
١٧٦أَلَا قَلَّمَا تبْقَى عَلَى مَا بَدَا لَهَا
وَحَلَّ بِهَا مِنْكَ الْقَنَا وَالسَّوَابِقُ
١٧٧سَيُحْيِي بِكَ السُّمَّارُ مَا لَاحَ كَوْكَبٌ
وَيَحْدُو بِكَ السُّفَّارُ مَا ذَرَّ شَارِقُ
١٧٨خَفِ اللهَ وَاسْتُرْ ذَا الْجَمَالَ بِبُرْقُعٍ
فَإِنْ لُحْتَ ذَابَتْ فِي الْخُدُورِ الْعَوَاتِقُ
١٧٩فَمَا تَرْزُقُ الْأَقْدَارُ مَنْ أَنْتَ حَارِمٌ
وَلَا تَحْرِمُ الْأَقْدَارُ مَنْ أَنْتَ رَازِقُ
وَلَا تَفْتُقُ الْأَيَّامُ مَا أَنْتَ رَاتِقُ
وَلَا تَرْتُقُ الْأَيَّامُ مَا أَنْتَ فَاتِقُ
١٨٠لَكَ الْخَيْرُ غَيْرِي رَامَ مِنْ غَيْرِكَ الْغِنَى
وَغَيْرِي بِغَيْرِ اللَّاذِقِيَّةِ لَاحِقُ
١٨١هِيَ الْغَرَضُ الْأَقْصَى وَرُؤْيَتُكَ الْمُنَى
وَمَنْزِلُكَ الدُّنْيَا وَأَنْتَ الْخَلَائِقُ
١٨٢وعرض عليه بدر بن عمار الصحبة للشرب في غد فقال ارتجالًا:
وَجَدْتُ الْمُدَامَةَ غَلَّابَةً
تُهَيِّجُ لِلْقَلْبِ أَشْوَاقَهُ
١٨٣تُسِيءُ مِنَ الْمَرْءِ تَأْدِيبَهُ
وَلَكِنْ تُحَسِّنُ أَخْلَاقَهُ
١٨٤وَأَنْفَسُ مَا لِلْفَتَى لُبُّهُ
وَذُو اللُّبِّ يَكْرَهُ إِنْفَاقَهُ
١٨٥وَقَدْ مُتُّ أَمْسِ بِهَا مَوْتَةً
وَلَا يَشْتَهِي الْمَوْتَ مَنْ ذَاقَهُ
١٨٦وقال في وصف لعبة عند بدر بن عمار:
وَذَاتِ غَدَائِرٍ لَا عَيْبَ فِيهَا
سِوَى أَنْ لَيْسَ تَصْلُحُ لِلْعِنَاقِ
١٨٧أَمَرْتَ بِأَنْ تُشَالَ فَفَارَقْتَنَا
وَمَا أَلِمَتْ لِحَادِثَةِ الْفِرَاقِ
١٨٨إِذَا هَجَرَتْ فَعَنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ
وَإِنْ زَارَتْ فَعَنْ غَيْرِ اشْتِيَاقِ
وعرض عليه محمد بن طغج الشرب فامتنع، فأقسم عليه بحقه فشرب، وقال:
سَقَانِي الْخَمْرَ قَوْلُكَ لِي: بِحَقِّي
وَوُدٌّ لَمْ تَشُبْهُ لِي بِمَذْقِ
١٨٩يَمِينًا لَوْ حَلَفْتَ وَأَنْتَ نَاءٍ
عَلَى قَتْلِي بِهَا لَضَرَبْتُ عُنْقِي
١٩٠وكان لأبي الطيب حِجْرة
١٩١ تسمى الجهامة، ولها مهر يسمى الطخرور، فأقام الثلج على الأرض بأنطاكيَة وتعذر المرعى على المهر، فقال:
مَا لِلْمُرُوجِ الْخُضْرِ وَالْحَدَائِقِ
يَشْكُو خَلَاهَا كَثْرَةَ الْعَوَائِقِ
١٩٢أَقَامَ فِيهَا الثَّلْجُ كَالْمُرَافِقِ
يَعْقِدُ فَوْقَ السِّنِّ رِيقَ الْبَاصِقِ
١٩٣ثُمَّ مَضَى لَا عَادَ مِنْ مُفَارِقِ
بِقَائِدٍ مِنْ ذَوْبِهِ وَسَائِقِ
١٩٤كَأَنَّمَا الطُّخْرُورُ بَاغِي آبِقِ
يَأْكُلُ مِنْ نَبْتٍ قَصِيرٍ لَاصِقِ
١٩٥كَقَشْرِكَ الْحِبْرَ عَنِ الْمَهَارِقِ
أَرُودُهُ مِنْهُ بِكَالشُّوذَانِقِ
١٩٦بِمُطْلَقِ الْيُمْنَى طَوِيلِ الْفَائِقِ
عَبْلِ الشَّوَى مُقَارِبِ الْمَرَافِقِ
١٩٧رَحْبِ اللَّبَانِ نَائِهِ الطَّرَائِقِ
ذِي مَنْخِرٍ رَحْبٍ وَإِطْلٍ لَاحِقِ
١٩٨مُحَجَّلٍ نَهْدٍ كُمَيْتٍ زَاهِقِ
شَادِخَةٍ غُرَّتُهُ كَالشَّارِقِ
١٩٩كَأَنَّهَا مِنْ لَوْنِهِ فِي بَارِقِ
٢٠٠بَاقٍ عَلَى الْبَوْغَاءِ وَالشَّقَائِقِ
وَالْأَبْرَدَيْنِ وَالْهَجِيرِ الْمَاحِقِ
٢٠١لِلْفَارِسِ الرَّاكِضِ مِنْهُ الْوَاثِقِ
خَوْفُ الْجَبَانِ فِي فُؤَادِ الْعَاشِقِ
٢٠٢كَأَنَّهُ فِي رَيْدِ طَوْدٍ شَاهِق
٢٠٣ يَشْأَى إِلَى الْمِسْمَعِ صَوْتَ النَّاطِقِ
٢٠٤لَوْ سَابَقَ الشَّمْسَ مِنَ الْمَشَارِقِ
جَاءَ إِلَى الْغَرْبِ مَجِيءَ السَّابِقِ
يَتْرُكُ فِي حِجَارَةِ الْأَبَارِقِ
آثَارَ قَلْعِ الْحَلْيِ فِي الْمَنَاطِقِ
٢٠٥مَشْيًا وَإِنْ يَعْدُ فَكَالْخَنَادِقِ
٢٠٦لَوْ أُورِدَتْ غِبَّ سَحَابٍ صَادِقِ
لَأَحْسَبَتْ خَوَامِسَ الْأَيَانِقِ
٢٠٧إِذَا اللِّجَامُ جَاءَهُ لِطَارِقِ
شَحَا لَهُ شَحْوَ الْغُرَابِ النَّاغِقِ
٢٠٨كَأَنَّمَا الْجِلْدُ لِعُرْيِ النَّاهِقِ
مُنْحَدِرٌ عَنْ سِيَتَيْ جُلَاهِقِ
٢٠٩بَزَّ الْمَذَاكِي وَهْوَ فِي الْعَقَائِقِ
وَزَادَ فِي السَّاقِ عَلَى النَّقَانِقِ
٢١٠وَزَادَ فِي الْوَقْعِ عَلَى الصَّوَاعِقِ
وَزَادَ فِي الْأُذْنِ عَلَى الْخَرَانِقِ
٢١١وَزَادَ فِي الْحِذْرِ عَلَى الْعَقَاعِقِ
يُمَيِّزُ الْهَزْلَ مِنَ الْحَقَائِقِ
٢١٢وَيُنْذِرُ الرَّكْبَ بِكُلِّ سَارِقِ
يُرِيكَ خُرْقًا وَهْوَ عَيْنُ الْحَاذِقِ
٢١٣يَحُكُّ أَنَّى شَاءَ حَكَّ الْبَاشِقِ
قُوبِلَ مِنْ آفِقَةٍ وَآفِقِ
٢١٤بَيْنَ عِتَاقِ الْخَيْلِ وَالْعَتَائِقِ
فَعُنْقُهُ يُرْبِي عَلَى الْبَوَاسِقِ
٢١٥وَحَلْقُهُ يُمْكِنُ فِتْرَ الْخَانِقِ
أُعِدُّهُ لِلطَّعْنِ فِي الْفَيَالِقِ
٢١٦وَالضَّرْبِ فِي الْأَوْجُهِ وَالْمَفَارِقِ
وَالسَّيْرِ فِي ظِلِّ اللِّوَاءِ الْخَافِقِ
٢١٧يَحْمِلُنِي وَالنَّصْلُ ذُو السَّفَاسِقِ
يَقْطُرُ فِي كُمِّي عَلَى الْبَنَائِقِ
٢١٨لَا أَلْحَظُ الدُّنْيَا بِعَيْنَيْ وَامِقِ
وَلَا أُبَالِي قِلَّةَ الْمُرَافِقِ
٢١٩أَيْ كَبْتَ كُلِّ حَاسِدٍ مُنَافِقِ
أَنْتَ لَنَا وَكُلُّنَا لِلْخَالِقِ
٢٢٠وقال يهجو إسحاق بن كيغلغ وقد بلغه أن غلمانه قتلوه:
قَالُوا لَنَا: مَاتَ إِسْحَاقٌ فَقُلْتُ لَهُمْ:
هَذَا الدَّوَاءُ الَّذِي يَشْفِي مِنَ الْحُمْقِ
٢٢١إِنْ مَاتَ مَاتَ بِلَا فَقْدٍ وَلَا أَسَفٍ
أَوْ عَاشَ عَاشَ بِلَا خَلْقٍ وَلَا خُلُقِ
٢٢٢مِنْهُ تَعَلَّمَ عَبْدٌ شَقَّ هَامَتَهُ
خَوْنَ الصَّدِيقِ وَدَسَّ الْغَدْرِ فِي الْمَلَقِ
٢٢٣وَحَلْفَ أَلْفِ يَمِينٍ غَيْرِ صَادِقَةٍ
مَطْرُودَةٍ كَكُعُوبِ الرُّمْحِ فِي نَسَقِ
٢٢٤مَا زِلْتُ أَعْرِفُهُ قِرْدًا بِلَا ذَنَبٍ
صِفْرًا مِنَ الْبَأْسِ مَمْلُوءًا مِنَ النَّزَقِ
٢٢٥كَرِيشَةٍ بِمَهَبِّ الرِّيحِ سَاقِطَةٍ
لَا تَسْتَقِرُّ عَلَى حَالٍ مِنَ الْقَلَقِ
٢٢٦تَسْتَغْرِقُ الْكَفُّ فَوْدَيْهِ وَمَنْكِبَهُ
وَتَكْتَسِي مِنْهُ رِيحَ الْجَوْرَبِ الْعَرِقِ
٢٢٧فَسَائِلُوا قَاتِلِيهِ كَيْفَ مَاتَ لَهُمْ
مَوْتًا مِنَ الضَّرْبِ أَوْ مَوْتًا مِنَ الْفَرَقِ؟
٢٢٨وَأَيْنَ مَوْقِعُ حَدِّ السَّيْفِ مِنْ شَبَحٍ
بِغَيْرِ رَأْسٍ وَلَا جِسْمٍ وَلَا عُنُقِ
٢٢٩لَوْلَا اللِّئَامُ وَشَيْءٌ مِنْ مُشَابَهَةٍ
لَكَانَ أَلْأَمَ طِفْلٍ لُفَّ فِي خِرَقِ
٢٣٠كَلَامُ أَكْثَرِ مَنْ تَلْقَى وَمَنْظَرُهُ
مِمَّا يَشُقُّ عَلَى الْآذَانِ وَالْحَدَقِ
٢٣١وقال يمدح أبا العشائر الحسين بن علي بن الحسين بن حمدان العدوي:
أَتُرَاهَا لِكَثْرَةِ الْعُشَّاقِ
تَحْسَبُ الدَّمْعَ خِلْقَةً فِي الْمَآقِي؟
٢٣٢كَيْفَ ترْثِي الَّتِي تَرَى كُلَّ جَفْنٍ
رَاءَهَا غَيْرَ جَفْنِهَا غَيْرَ رَاقِي؟!
٢٣٣أَنْتِ مِنَّا فَتَنْتِ نَفْسَكِ لَكِنـْ
ـنَكِ عُوفِيتِ مِنْ ضَنًى وَاشْتِيَاقِ
٢٣٤حُلْتِ دُونَ الْمَزَارِ فَالْيَوْمَ لَوْ زُرْ
تِ لَحَالَ النُّحُولُ دُونَ الْعِنَاقِ
٢٣٥إِنَّ لَحْظًا أَدَمْتِهِ وَأَدَمْنَا
كَانَ عَمْدًا لَنَا وَحَتْفَ اتِّفَاقِ
٢٣٦لَوْ عَدَا عَنْكِ غَيْرَ هَجْرِكِ بُعْدٌ
لَأَرَارَ الرَّسِيمُ مُخَّ الْمَنَاقِي
٢٣٧وَلَسِرْنَا وَلَوْ وَصَلْنَا عَلَيْهَا
مِثْلَ أَنْفَاسِنَا عَلَى الْأَرْمَاقِ
٢٣٨مَا بِنَا مِنْ هَوَى الْعُيُونِ اللَّوَاتِي
لَوْنُ أَشْفَارِهِنَّ لَوْنُ الْحِدَاقِ
٢٣٩قَصَّرَتْ مُدَّةَ اللَّيَالِي الْمَوَاضِي
فَأَطَالَتْ بِهَا اللَّيَالِي الْبَوَاقِي
٢٤٠كَاثَرَتْ نَائِلَ الْأَمِيرِ مِنَ الْمَا
لِ بِمَا نَوَّلَتْ مِنَ الْإِيرَاقِ
٢٤١لَيْسَ إِلَّا أَبَا الْعَشَائِرِ خَلْقٌ
سَادَ هَذَا الْأَنَامَ بِاسْتِحْقَاقِ
٢٤٢طَاعِنُ الطَّعْنَةِ الَّتِي تَطْعَنُ الْفَيـْ
ـلَقَ بِالذُّعْرِ وَالدَّمِ الْمُهَرَاقِ
٢٤٣ذَاتُ فَرْغٍ كَأَنَّهَا فِي حَشَا الْمُخـْ
ـبَرِ عَنْهَا مِنْ شِدَّةِ الْإِطْرَاقِ
٢٤٤ضَارِبُ الْهَامِ فِي الْغُبَارِ وَمَا يَرْ
هَبُ أَنْ يَشْرَبَ الَّذِي هُوَ سَاقِي
٢٤٥فَوْقَ شَقَّاءَ لِلْأَشَقِّ مَجَالٌ
بَيْنَ أَرْسَاغِهَا وَبَيْنَ الصِّفَاقِ
٢٤٦مَا رَآهَا مُكَذِّبُ الرُّسْلِ إِلَّا
صَدَّقَ الْقَوْلَ فِي صِفَاتِ الْبُرَاقِ
٢٤٧هَمُّهُ فِي ذَوِي الْأَسِنَّةِ لَا فِيهَا
وَأَطْرَافُهَا لَهُ كَالنِّطَاقِ
٢٤٨ثَاقِبُ الرَّأْيِ ثَابِتُ الْحِلْمِ لَا يَقـْ
ـدِرُ أَمْرٌ لَهُ عَلَى إِقْلَاقِ
٢٤٩يَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ لُقْمَانَ لَا تَعـْ
ـدَمْكُمُ فِي الْوَغَى مُتُونُ الْعِتَاقِ
٢٥٠بَعَثُوا الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ الْأَعَادِيـْ
ـيَ فَكَانَ الْقِتَالُ قَبْلَ التَّلاقِي
٢٥١وَتَكَادُ الظُّبَا لِمَا عَوَّدُوهَا
تَنْتَضِي نَفْسَهَا إِلَى الْأَعْنَاقِ
٢٥٢وَإِذَا أَشْفَقَ الْفَوَارِسُ مِنْ وَقـْ
ـعِ الْقَنَا أَشْفَقُوا مِنَ الْإِشْفَاقِ
٢٥٣كُلُّ ذِمْرٍ يَزِيدُ فِي الْمَوْتِ حُسْنًا
كَبُدُورٍ تَمَامُهَا فِي الْمُحَاقِ
٢٥٤جَاعِلٍ دِرْعَهُ مَنِيَّتَهُ إِنْ
لَمْ يَكُنْ دُونَها مِنَ الْعَارِ وَاقِ
٢٥٥كَرَمٌ خَشَّنَ الْجَوَانِبَ مِنْهُمْ
فَهْوَ كَالْمَاءِ فِي الشِّفَارِ الرِّقَاقِ
٢٥٦وَمَعَالٍ إِذَا ادَّعَاهَا سِوَاهُمْ
لَزِمَتْهُ جِنَايَةُ السُّرَاقِ
٢٥٧يَا ابْنَ مَنْ كُلَّمَا بَدَوْتَ بَدَا لِي
غَائِبَ الشَّخْصِ حَاضِرَ الْأَخْلَاقِ
٢٥٨لَوْ تَنَكَّرْتَ فِي الْمَكَرِّ لِقَوْمٍ
حَلَفُوا أَنَّكَ ابْنُهُ بِالطَّلَاقِ
٢٥٩كَيْفَ يَقْوَى بِكَفِّكَ الزِّنْدُ وَالْآ
فَاقُ فِيهَا كَالْكَفِّ فِي الْآفَاقِ؟!
٢٦٠قَلَّ نَفْعُ الْحَدِيدِ فِيكَ فَما يَلـْ
ـقَاكَ إِلَّا مَنْ سَيْفُهُ مِنْ نِفَاقِ
٢٦١إِلْفُ هَذَا الْهَوَاءِ أَوْقَعَ فِي الْأَنـْ
ـفُسِ أَنَّ الْحِمَامَ مُرُّ الْمَذَاقِ
٢٦٢وَالْأَسَى قَبْلَ فُرْقَةِ الرُّوحِ عَجْزٌ
وَالْأَسَى لَا يَكُونُ بَعْدَ الْفِرَاقِ
٢٦٣كَمْ ثَرَاءٍ فَرَّجْتَ بِالرُّمْحِ عَنْهُ
كَانَ مِنْ بُخْلِ أَهْلِهِ فِي وَثَاقِ!
٢٦٤وَالْغِنَى فِي يَدِ اللَّئِيمِ قَبِيحٌ
قَدْرَ قُبْحِ الْكَرِيمِ فِي الْإِمْلَاقِ
٢٦٥لَيْسَ قَوْلِي فِي شَمْسِ فِعْلِكَ كَالشَّمـْ
ـسِ وَلَكِنْ فِي الشَّمْسِ كَالْإِشْرَاقِ
٢٦٦شَاعِرُ الْمَجْدِ خِدْنُهُ شَاعِرُ اللَّفـْ
ـظِ كِلَانَا رَبُّ الْمَعَانِي الدِّقَاقِ
٢٦٧لَمْ تَزَلْ تَسْمَعُ الْمَدِيحَ وَلَكِنـْ
ـنَ صَهِيلَ الْجِيَادِ غَيْرُ النِّهَاقِ
٢٦٨لَيْتَ لِي مِثْلَ جَدِّ ذَا الدَّهْرِ فِي الْأَدْ
هُرِ أَوْ رِزْقِهِ مِنَ الْأَرْزَاقِ!
٢٦٩أَنْتَ فِيهِ وَكَانَ كُلُّ زَمَانٍ
يَشْتَهِي بَعْضَ ذَا عَلَى الْخَلَّاقِ
٢٧٠وضرب أبو العشائر خيمة على الطريق فكثر سؤَّالُه وغاشيته، فقال له إنسان: جعلت مضربك على الطريق! فقال: أحب أن يذكره أبو الطيب، فقال:
لَامَ أُنَاسٌ أَبَا الْعَشَائِرِ فِي
جُودِ يَدَيْهِ بِالْعَيْنِ وَالْوَرِقِ
٢٧١وَإِنَّمَا قِيلَ: لِمْ خُلِقْتَ كَذَا
وَخَالِقُ الْخَلْقِ خَالِقُ الْخُلُقِ؟!
٢٧٢قَالُوا: أَلَمْ تَكْفِهِ سَمَاحَتُهُ
حَتَّى بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الطُّرُقِ؟!
٢٧٣فَقُلْتُ: إِنَّ الْفَتَى شَجَاعَتُهُ
تُرِيهِ فِي الشُّحِّ صُورَةَ الْفَرَقِ
٢٧٤بِضَرْبِ هَامِ الْكُمَاةِ تَمَّ لَهُ
كَسْبُ الَّذِي يَكْسِبُونَ بِالْمَلَقِ
٢٧٥الشَّمْسُ قَدْ حَلَّتِ السَّمَاءَ وَمَا
يَحْجُبُهَا بُعْدُهَا عَنِ الْحَدَقِ
٢٧٦كُنْ لُجَّةً أَيُّهَا السَّمَاحُ فَقَدْ
آمَنَهُ سَيْفُهُ مِنَ الْغَرَقِ
٢٧٧هوامش
قافية الكاف
وقال وقد أجمل سيف الدولة ذكره:
رُبَّ نَجِيعٍ بِسَيْفِ الدَّوْلَةِ انْسَفَكَا
وَرُبَّ قَافِيَةٍ غَاظَتْ بِهِ مَلِكَا
١مَنْ يَعْرِفُ الشَّمْسَ لَا يُنْكِرْ مَطَالِعَهَا
أَوْ يُبْصِرِ الْخَيْلَ لَا يَسْتَكْرِمِ الرَّمَكَا
٢تَسُرُّ بِالْمَالِ بَعْضَ الْمَالِ تَمْلِكُهُ
إِنَّ الْبِلَادَ وَإنَّ الْعَالَمِينَ لَكَا
٣ولما أُنشد: أجاب دمعي
٤ … إلخ، استحسنها فقال:
إِنَّ هَذَا الشِّعْرَ فِي الشِّعْرِ مَلَكْ
سَارَ فَهْوَ الشَّمْسُ وَالدُّنْيَا فَلَكْ
٥عَدَلَ الرَّحْمَنُ فِيهِ بَيْنَنَا
فَقَضَى بِاللَّفْظِ لِي وَالْحَمْدِ لَكْ
٦فَإِذَا مَرَّ بِأُذْنِي حَاسِد
صَارَ مِمَّنْ كَانَ حَيًّا فَهَلَكْ
٧وقال لابن عبد الوهاب وقد جلس ابنه إلى جانب المصباح:
أَمَا تَرَى مَا أَرَاهُ أَيُّهَا الْمَلِكُ
كَأَنَّنَا فِي سَمَاءٍ مَا لَهَا حُبُكُ
٨أَلْفَرْقَدُ ابْنُكَ وَالْمِصْبَاحُ صَاحِبُهُ
وَأَنْتَ بَدْرُ الدُّجَى وَالْمَجْلِسُ الْفَلَكُ
٩وقال يمدح عبيد الله بن يحيى البحتري:
بَكَيْتُ يَا رَبْعُ حَتَّى كِدْتُ أُبْكِيكَا
وَجُدْتُ بِي وَبِدَمْعِي فِي مَغَانِيكَا
١٠فَعِمْ صَبَاحًا لَقَدْ هَيَّجْتَ لِي شَجَنًا
وَارْدُدْ تَحِيَّتَنَا إِنَّا مُحَيُّوكَا
١١بِأَيِّ حُكْمِ زَمَانٍ صِرْتَ مُتَّخِذًا
رِئْمَ الْفَلَا بَدَلًا مِنْ رِئْمِ أَهْلِيكَا؟
١٢أَيَّامَ فِيكَ شُمُوسٌ مَا انْبَعَثْنَ لَنَا
إِلَّا ابْتَعَثْنَ دَمًا بِاللَّحْظِ مَسْفُوكَا
١٣وَالْعَيْشُ أَخْضَرُ وَالْأَطْلَالُ مُشْرِقَةٌ
كَأَنَّ نُورَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَعْلُوكَا
١٤نَجَا امْرُؤٌ يَا ابْنَ يَحْيَى كُنْتَ بُغْيَتَهُ
وَخَابَ رَكْبُ رِكَابٍ لَمْ يَؤُمُّوكَا
١٥أَحْيَيْتَ لِلشُّعَرَاءِ الشِّعْرَ فَامْتَدَحُوا
جَمِيعَ مَنْ مَدَحُوهُ بِالَّذِي فِيكَا
١٦وَعَلَّمُوا النَّاسَ مِنْكَ الْمَجْدَ وَاقْتَدَرُوا
عَلَى دَقِيقِ الْمَعَانِي مِنْ مَعَانِيكَا
١٧فَكُنْ كَمَا أَنْتَ يَا مَنْ لَا شَبِيهَ لَهُ
أَوْ كَيْفَ شِئْتَ فَمَا خَلْقٌ يُدَانِيكَا
١٨شُكْرُ الْعُفَاةِ لِمَا أَوْلَيْتَ أَوْجَدَنِي
إِلَى نَدَاكَ طَرِيقَ الْعُرْفِ مَسْلُوكَا
١٩وَعُظْمُ قَدْرِكَ فِي الْآفَاقِ أَوْهَمَنِي
أَنِّي بِقِلَّةِ مَا أَثْنَيْتُ أَهْجُوكَا
٢٠كَفَى بِأَنَّكَ مِنْ قَحْطَانَ فِي شَرَفٍ
وَإِنْ فَخَرْتَ فَكُلٌّ مِنْ مَوَالِيكَا
٢١وَلَوْ نَقَصْتُ كَمَا قَدْ زِدْتَ مِنْ كَرَمٍ
عَلَى الْوَرَى لَرَأَوْنِي مِثْلَ شَانِيكَا
٢٢لَبَّى نَدَاكَ لَقَدْ نَادَى فَأَسْمَعَنِي
يَفْدِيكَ مِنْ رَجُلٍ صَحْبِي وَأَفْدِيكَا
٢٣مَا زِلْتَ تُتْبِعُ مَا تُولِي يَدًا بِيَدٍ
حَتَّى ظَنَنْتُ حَيَاتِي مِنْ أَيَادِيكَا
٢٤فَإِنْ تَقُلْ: هَا فَعَادَاتٌ عُرِفْتَ بِهَا
أَوْ لَا فَإِنَّكَ لَا يَسْخُو بِهَا فُوكَا
٢٥وورد كتاب من ابن رائق على بدر بن عمار بإضافة الساحل إلى عمله فقال:
تُهَنَّا بِصُورٍ أَمْ نُهَنِّئُهَا بِكَا؟
وَقَلَّ الَّذِي صُورٌ وَأَنْتَ لَهُ لَكَا
٢٦وَمَا صَغُرَ الْأَرْدُنُّ وَالسَّاحِلُ الَّذِي
حُبِيتَ بِهِ إِلَّا إِلَى جَنْبِ قَدْرِكَا
٢٧تَحَاسَدَتِ الْبُلْدَانُ حَتَّى لَوَ انَّهَا
نُفُوسٌ لَسَارَ الشَّرْقُ وَالْغَرْبُ نَحْوَكَا
٢٨وَأَصْبَحَ مِصْرٌ لَا تَكُونُ أَمِيرَهُ
وَلَوْ أَنَّهُ ذُو مُقْلَةٍ وَفَمٍ بَكَى
٢٩وسقاه بدر ولم يكن له رغبة في الشراب فقال:
لَمْ تَرَ مَنْ نَادَمْتُ إِلَّاكَا
لا لِسِوَى وُدِّكَ لِي ذَاكَا
٣٠وَلَا لِحُبِّيهَا وَلَكِنَّنِي
أَمْسَيْتُ أَرْجُوكَ وَأَخْشَاكَا
٣١وقد كان تاب بدر بن عمار من الشرب مرة بعد أخرى، فرآه أبو الطيب يشرب فقال ارتجالًا:
يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ الَّذِي نُدَمَاؤُهُ
شُرَكَاؤُهُ فِي مِلْكِهِ لا مُلْكِهِ
٣٢فِي كُلِّ يَوْمٍ بَيْنَنَا دَمُ كَرْمَةٍ
لَكَ تَوْبَةٌ مِنْ تَوْبَةٍ مِنْ سَفْكِهِ
٣٣وَالصِّدْقُ مِنْ شِيَمِ الْكِرَامِ فَنَبِّنَا
أَمِنَ الشَّرَابِ تَتُوبُ أَمْ مِنْ تَرْكِهِ؟
٣٤وقال في محمد بن طغج وهو عند طاهر العلوي:
قَدْ بَلَغْتَ الَّذِي أَرَدْتَ مِنَ الْبِرْ
رِ وَمِنْ حَقِّ ذَا الشَّرِيفِ عَلَيْكَا
وَإِذَا لَمْ تَسْرِ إِلَى الدَّارِ فِي وَقـْ
ـتِكَ ذَا خِفْتُ أَنْ تَسِيرَ إِلَيْكَا
٣٥وقال في أبي العشائر وعنده إنسان ينشده شعرًا وصف فيه بركة في داره فقال:
لَئِنْ كَانَ أَحْسَنَ فِي وَصْفِهَا
لَقَدْ تَرَكَ الْحُسْنَ فِي الْوَصْفِ لَك
٣٦لِأَنَّكَ بَحْرٌ وَإِنَّ الْبِحَارَ
لَتَأْنَفُ مِنْ مَدْحِ هَذِي الْبِرَكْ
٣٧كَأَنَّكَ سَيْفُكَ لَا مَا مَلَكـْ
ـتَ يَبْقَى لَدَيْكَ وَلَا مَا مَلَكْ
٣٨فَأَكْثَرُ مِنْ جَرْيِهَا مَا وَهَبـْ
ـتَ وَأَكْثَرُ مِنْ مَائِهَا مَا سَفَكْ
٣٩أَسَأْتَ وَأَحْسَنْتَ عَنْ قُدْرَةٍ
وَدُرْتَ عَلَى النَّاسِ دَوْرَ الْفَلَكْ
٤٠وقال يمدح أبا شجاع عضد الدولة ويودعه، وهو آخر ما قال، وجرى فيها كلام كأنه ينعي نفسه وإن لم يقصد ذلك، وأنشدها في شعبان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وفيها قُتل:
فِدًى لَكَ مَنْ يُقَصِّرُ عَنْ مَدَاكَا
فَلَا مَلِكٌ إِذَنْ إِلَّا فَدَاكَا
٤١وَلَوْ قُلْنَا: فِدًى لَكَ مَنْ يُسَاوِي
دَعَوْنَا بِالْبَقَاءِ لِمَنْ قَلَاكَا
٤٢وَآمَنَّا فِداءَكَ كُلَّ نَفْسٍ
وَإِنْ كَانَتْ لِمَمْلَكَةٍ مِلَاكَا
٤٣وَمَنْ يَظُّنُّ نَثْرَ الْحَبِّ جُودًا
وَيَنْصِبُ تَحْتَ مَا نَثَرَ الشِّبَاكَا
٤٤وَمَنْ بَلَغَ التُّرَابَ بِهِ كَرَاهُ
وَقَدْ بَلَغَتْ بِهِ الْحَالُ السُّكَاكَا
٤٥فَلَوْ كَانَتْ قُلُوبُهُمُ صَدِيقًا
لَقَدْ كَانَتْ خَلَائِقُهُمْ عِدَاكَا
٤٦لِأَنَّكَ مُبْغِضٌ حَسَبًا نَحِيفا
إِذَا أَبْصَرْتَ دُنْيَاهُ ضِنَاكَا
٤٧أَرُوحُ وَقَدْ خَتَمْتَ عَلَى فُؤَادِي
بِحُبِّكَ أَنْ يَحِلَّ بِهِ سِوَاكَا
٤٨وَقَدْ حَمَّلَتْنِي شُكْرًا طَوِيلًا
ثَقِيلًا لَا أُطِيقُ بِهِ حِرَاكَا
٤٩أُحَاذِرُ أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمَطَايَا
فَلَا تَمْشِي بِنَا إِلَّا سِوَاكَا
٥٠لَعَلَّ اللهَ يَجْعَلُهُ رَحِيلًا
يُعِينُ عَلَى الْإِقَامَةِ فِي ذَرَاكَا
٥١وَلَوْ أَنِّي اسْتَطَعْتُ خَفَضْتُ طَرْفِي
فَلَمْ أُبْصِرْ بِهِ حَتَّى أَرَاكَا
٥٢وَكَيْفَ الصَّبْرُ عَنْكَ وَقَدْ كَفَانِي
نَدَاكَ الْمُسْتَفِيضُ وَمَا كَفَاكَا؟
٥٣أَتَتْرُكُنِي وَعَيْنُ الشَّمْسِ نَعْلِي
فَتَقْطَعَ مِشْيَتِي فِيهَا الشِّرَاكَا؟!
٥٤أَرَى أَسَفِي وَمَا سِرْنَا شَدِيدًا
فَكَيْفَ إِذَا غَدَا السَّيْرِ ابْتِرَاكَا؟!
٥٥وَهَذَا الشَّوْقُ قَبْلَ الْبَيْنِ سَيْفٌ
فَهَا أَنَا مَا ضُرِبْتُ وَقَدْ أَحَاكَا
٥٦إِذَا التَّوْدِيعُ أَعْرَضَ قَالَ قَلْبِي:
عَلَيْكَ الصَّمْتَ لَا صَاحَبْتَ فَاكَا
٥٧وَلَوْلَا أَنَّ أَكْثَرَ مَا تَمَنَّى
مُعَاوَدَةٌ لَقُلْتُ: وَلَا مُنَاكَا
٥٨قَدِ اسْتَشْفَيْتَ مِنْ دَاءٍ بِدَاءٍ
وَأَقْتَلُ مَا أَعَلَّكَ مَا شَفَاكَا
٥٩فَأَسْتُرُ مِنْكَ نَجْوَانَا وَأُخْفِي
هُمُومًا قَدْ أَطَلْتُ لَهَا الْعِرَاكَا
٦٠إِذَا عَاصَيْتُهَا كَانَتْ شِدَادًا
وَإِنْ طَاوَعْتُهَا كَانَتْ رِكَاكَا
٦١وَكَمْ دُونَ الثَّوِيَّةِ مِنْ حَزِينٍ
يَقُولُ لَهُ قُدُومِي: ذَا بِذَاكَا
٦٢وَمِنْ عَذْبِ الرُّضَابِ إِذَا أَنَخْنَا
يُقَبِّلُ رَحْلَ تُرْوَكَ وَالْوِرَاكَا
٦٣يُحَرِّمُ أَنْ يَمَسَّ الطِّيبَ بَعْدِي
وَقَدْ عَبِقَ الْعَبِيرُ بِهِ وَصَاكَا
٦٤وَيَمْنَعُ ثَغْرَهُ مِنْ كُلِّ صَبٍّ
وَيَمْنَحُهُ الْبَشَامَةَ وَالْأَرَاكَا
٦٥يُحَدِّثُ مُقْلَتَيْهِ النَّوْمُ عَنِّي
فَلَيْتَ النَّوْمَ حَدَّثَ عَنْ نَدَاكَا
٦٦وَأَنَّ الْبُخْتَ لَا يُعْرِقْنَ إِلَّا
وَقَدْ أَنْضَى الْعُذَافِرَةَ اللِّكَاكَا
٦٧وَمَا أَرْضَى لِمُقْلَتِهِ بِحُلْمٍ
إِذَا انْتَبَهَتْ تَوَهَّمَهُ ابْتِشَاكَا
٦٨وَلَا إِلَّا بِأَنْ يُصْغِي وَأَحْكِي
فَلَيْتَهُ لَا يُتَيِّمُهُ هَوَاكَا
٦٩وَكَمْ طَرِبِ الْمَسَامِعِ لَيْسَ يَدْرِي
أَيَعْجَبُ مِنْ ثَنَائِي أَمْ عُلَاكَا
٧٠وَذَاكَ النَّشْرُ عِرْضُكَ كَانَ مِسْكًا
وَذَاكَ الشِّعْرُ فِهْرِي وَالْمَدَاكَا
٧١فَلَا تَحْمَدْهُمَا وَاحْمَدْ هُمَامًا
إِذَا لَمْ يُسْمِ حَامِدُهُ عَنَاكَا
٧٢أَغَرَّ لَهُ شَمَائِلُ مِنْ أَبِيهِ
غَدًا يَلْقَى بَنُوكَ بِهَا أَبَاكَا
٧٣وَفِي الْأَحْبَابِ مُخْتَصٌّ بِوَجْدٍ
وَآخَرُ يَدَّعِي مَعَهُ اشْتِرَاكَا
٧٤إِذَا اشْتَبَهَتْ دُمُوعٌ فِي خُدُودٍ
تَبَيَّنَ مَنْ بَكَى مِمَّنْ تَبَاكَى
٧٥أَذَمَّتْ مَكْرُمَاتُ أَبِي شُجَاعٍ
لِعَيْنِي مِنْ نَوَايَ عَلَى أُولَاكَا
٧٦فَزُلْ يَا بُعْدُ عَنْ أَيْدِي رِكَابٍ
لَهَا وَقْعُ الْأَسِنَّةِ فِي حَشَاكَا
٧٧وَأَيًّا شِئْتِ يَا طُرُقيِ فَكُونِي
أَذَاةً أَوْ نَجَاةً أَوْ هَلَاكَا
٧٨فَلَوْ سِرْنَا وَفِي تَشْرِينَ خَمْسٌ
رَأَوْنِي قَبْلَ أَنْ يَرَوُا السِّمَاكَا
٧٩يُشَرِّدُ يُمْنُ فَنَّاخُسْرَ عَنِّي
قَنَا الْأَعْدَاءِ وَالطَّعْنَ الدِّرَاكَا
٨٠وَأَلْبَسُ مِنْ رِضَاهُ فِي طَرِيقِي
سِلَاحًا يَذْعَرُ الْأَبْطَالَ شَاكَا
٨١وَمَنْ أَعْتَاضُ عَنْكَ إِذَا افْتَرَقْنَا
وَكُلُّ النَّاسِ زُورٌ مَا خَلَاكَا؟!
٨٢وَمَا أَنَا غَيْرُ سَهْمٍ فِي هَوَاءٍ
يَعُودُ وَلَمْ يَجِدْ فِيهِ امْتِسَاكَا
٨٣حَيِيٌّ مِنْ إِلَهِي أَنْ يَرَانِي
وَقَدْ فَارَقْتُ دَارَكَ وَاصْطَفَا
قافية اللام
وقال يمدح سيف الدولة وقد عزم على الرحيل عن إنطاكية وكثر المطر:
رُوَيْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ الْجَلِيلُ
تَأَنَّ وَعُدَّهُ مِمَّا تُنِيلُ
١وَجُودَكَ بِالْمُقَامِ وَلَوْ قَلِيلًا
فَمَا فِيمَا تَجُودُ بِهِ قَلِيلُ
٢لِأَكْبِتَ حَاسِدًا وَأَرِي عَدُوًّا
كَأَنَّهُمَا وَدَاعُكَ وَالرَّحِيلُ
٣وَيَهْدَأُ ذَا السَّحَابُ فَقَدْ شَكَكْنَا:
أَتَغْلِبُ أَمْ حَيَاهُ لَكُمْ قَبِيلُ؟
٤وَكُنْتُ أَعِيبُ عَذْلًا فِي سَمَاحٍ
فَهَا أَنَا فِي السَّمَاحِ لَهُ عَذُولُ
٥وَمَا أَخْشَى نُبُوَّكَ عَنْ طَرِيقٍ
وَسَيْفُ الدَّوْلَةِ الْمَاضِي الصَّقِيلُ
٦وَكُلُّ شَوَاةِ غِطْرِيفٍ تَمَنَّى
لِسَيْرِكَ أَنَّ مَفْرِقَهَا السَّبِيلُ
٧وَمِثْلِ الْعَمْقِ مَمْلُوءٍ دِمَاءً
جَرَتْ بِكَ فِي مَجَارِيهِ الْخُيُولُ
٨إِذَا اعْتَادَ الْفَتَى خَوْضَ الْمَنَايَا
فَأَهْوَنُ مَا يَمُرُّ بِهِ الْوُحُولُ
٩وَمَنْ أَمَرَ الْحُصُونَ فَمَا عَصَتْهُ
أَطَاعَتْهُ الْحُزُونَةُ وَالسُّهُولُ
١٠أَتَخْفِرُ كُلَّ مَنْ رَمَتِ اللَّيَالِي
وَتُنْشِرُ كُلَّ مَنْ دَفَنَ الْخُمُولُ؟!
١١وَنَدْعُوكَ الْحُسَامَ وَهَلْ حُسَامٌ
يَعِيشُ بِهِ مِنَ الْمَوْتِ الْقَتِيلُ؟!
١٢وَمَا لِلسَّيْفِ إِلَّا الْقَطْعَ فِعْلٌ
وَأَنْتَ الْقَاطِعُ الْبَرُّ الْوَصُولُ
١٣وَأَنْتَ الْفَارِسُ الْقَوَّالُ صَبْرًا
وَقَدْ فَنِيَ التَّكَلُّمُ وَالصَّهِيلُ
١٤يَحِيدُ الرُّمْحُ عَنْكَ وَفِيهِ قَصْدٌ
وَيَقْصُرُ أَنْ يَنَالَ وَفِيهِ طُولُ
١٥فَلَوْ قَدَرَ السِّنَانُ عَلَى لِسَانٍ
لَقَالَ لَكَ السِّنَانُ كَمَا أَقُولُ
١٦وَلَوْ جَازَ الْخُلُودُ خَلَدْتَ فَرْدًا
وَلَكِنْ لَيْسَ لِلدُّنْيَا خَلِيلُ
١٧وقال يرثي والدة سيف الدولة، وقد توفيت بميا فارقين وجاءه الخبر بموتها إلى حلب سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، وأنشده إياها في جمادى الآخرة من السنة:
نُعِدُّ الْمَشْرَفِيَّةَ وَالْعَوَالِي
وَتَقْتُلُنَا الْمَنُونُ بِلَا قِتَالِ
١٨وَنَرْتَبِطُ السَّوَابِقَ مُقْرَبَاتٍ
وَمَا يُنْجِينَ مِنْ خَبَبِ اللَّيَالِي
١٩وَمَنْ لَمْ يَعْشَقِ الدُّنْيَا قَدِيمًا؟!
وَلَكِنْ لَا سَبِيلَ إِلَى الْوِصَالِ
٢٠نَصِيبُكَ فِي حَيَاتِكَ مِنْ حَبِيبٍ
نَصِيبُكَ فِي مَنَامِكَ مِنْ خَيَالِ
٢١رَمَانِي الدَّهْرُ بِالْأَرْزَاءِ حَتَّى
فُؤَادِي فِي غِشَاءٍ مِنْ نِبَالِ
٢٢فَصِرْتُ إِذَا أَصَابَتْنِي سِهَامٌ
تَكَسَّرَتِ النِّصَالُ عَلَى النِّصَالِ
٢٣وَهَانَ فَمَا أُبَالِي بِالرَّزَايَا
لِأَنِّي مَا انْتَفَعْتُ بِأَنْ أُبَالِي
٢٤وَهَذَا أَوَّلُ النَّاعِينَ طُرًّا
لِأَوَّلِ مَيْتَةٍ فِي ذَا الْجَلَالِ
٢٥كَأَنَّ الْمَوْتَ لَمْ يَفْجَعْ بِنَفْسٍ
وَلَمْ يَخْطُرْ لِمَخْلُوقٍ بِبَالِ
٢٦صَلَاةُ اللهِ خَالِقِنَا حَنُوطٌ
عَلَى الْوَجْهِ الْمُكَفَّنِ بِالْجَمَالِ
٢٧عَلَى الْمَدْفُونِ قَبْلَ التُّرْبِ صَوْنًا
وَقَبْلَ اللَّحْدِ فِي كَرَمِ الْخِلَالِ
٢٨فَإِنَّ لَهُ بِبَطْنِ الْأَرْضِ شَخْصًا
جَدِيدًا ذِكْرُنَاهُ وَهْوَ بَالِي
٢٩وَمَا أَحَدٌ يُخَلَّدُ فِي الْبَرَايَا
بَلِ الدُّنْيَا تَئُولُ إِلَى زَوَالِ
أَطَابَ النَّفْسَ أَنَّكَ مُتَّ مَوْتًا
تَمَنَّتْهُ الْبَوَاقِي وَالْخَوَالِي
٣٠وَزُلْتِ وَلَمْ تَرَيْ يَوْمًا كَرِيهًا
يُسَرُّ الرُّوحُ فِيهِ بِالزَّوَالِ
٣١رِوَاقُ الْعِزِّ حَوْلَكِ مُسْبَطِرٌّ
وَمُلْكُ عَلِيٍّ ابْنِكِ فِي كِمَالِ
٣٢سَقَى مَثْوَاكِ غَادٍ فِي الْغَوَادِي
نَظِيرُ نَوَالِ كَفِّكِ فِي النَّوَالِ
٣٣لِسَاحِيهِ عَلَى الْأَجْدَاثِ حَفْشٌ
كَأَيْدِي الْخَيْلِ أَبْصَرَتِ الْمَخَالِي
٣٤أُسَائِلُ عَنْكِ بَعْدَكِ كُلَّ مَجْدٍ
وَمَا عَهْدِي بِمَجْدٍ عَنْكِ خَالِي
٣٥يَمُرُّ بِقَبْرِكَ الْعَافِي فَيَبْكِي
وَيَشْغَلُهُ الْبُكَاءُ عَنِ السُّؤَالِ
٣٦وَمَا أَهْدَاكِ لِلْجَدْوَى عَلَيْهِ
لَوَ انَّكِ تَقْدِرِينَ عَلَى فِعَالِ!
٣٧بِعَيْشِكِ هَلْ سَلَوْتِ؟ فَإِنَّ قَلْبِي
وَإِنْ جَانَبْتُ أَرْضَكِ، غَيْرُ سَالِي
٣٨نَزَلْتِ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي مَكَانٍ
بَعُدْتِ عَنِ النُّعَامَى وَالشَّمَالِ
٣٩تُحَجَّبُ عَنْكِ رَائِحَةُ الْخُزَامَى
وَتُمْنَعُ مِنْكِ أَنْدَاءُ الطِّلَالِ
٤٠بِدَارٍ كُلُّ سَاكِنِهَا غَرِيبٌ
طَوِيلُ الْهَجْرِ مُنْبَتُّ الْحِبَالِ
٤١حَصَانٌ مِثْلُ مَاءِ الْمُزْنِ فِيهِ
كَتُومُ السِّرِّ صَادِقَةُ الْمَقَالِ
٤٢يُعَلِّلُهَا نِطَاسِيُّ الشَّكَايَا
وَوَاحِدُهَا نِطَاسِيُّ الْمَعَالِي
٤٣إِذَا وَصَفُوا لَهُ دَاءً بِثَغْرٍ
سَقَاهُ أَسِنَّةَ الْأَسَلِ الطِّوَالِ
٤٤وَلَيْسَتْ كَالْإِنَاثِ وَلَا اللَّوَاتِي
تُعَدُّ لَهَا الْقُبُورُ مِنَ الْحِجَالِ
٤٥وَلَا مَنْ فِي جَنَازَتِهَا تِجَارٌ
يَكُونُ وَدَاعُهَا نَفْضَ النِّعَالِ
٤٦مَشَى الْأُمَرَاءُ حَوْلَيْهَا حُفَاةً
كَأَنَّ الْمَرْوَ مِنْ زَفِّ الرِّئَالِ
٤٧وَأَبْرَزَتِ الْخُدُورُ مُخَبَّآتٍ
يَضَعْنَ النِّقْسَ أَمْكِنَةَ الْغَوَالِي
٤٨أَتَتْهُنَّ الْمُصِيبَةُ غَافِلَاتٍ
فَدَمْعُ الْحُزْنِ فِي دَمْعِ الدَّلَالِ
٤٩وَلَوْ كَانَ النِّسَاءُ كَمَنْ فَقَدْنَا
لَفُضِّلَتِ النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ
٥٠وَمَا التَّأْنِيثُ لِاسْمِ الشَّمْسِ عَيْبٌ
وَلَا التَّذْكِيرُ فَخْرٌ لِلْهِلَالِ
٥١وَأَفْجَعُ مَنْ فَقَدْنَا مَنْ وَجَدْنَا
قُبَيْلَ الْفَقْدِ مَفْقُودَ الْمِثَالِ
٥٢يُدَفِّنُ بَعْضُنَا بَعْضًا وَتَمْشِي
أَوَاخِرُنَا عَلَى هَامِ الْأَوَالِي
٥٣وَكَمْ عَيْنٍ مُقَبَّلَةِ النَّوَاحِي
كَحِيلٌ بِالْجَنَادِلِ وَالرِّمَالِ!
٥٤وَمُغْضٍ كَانَ لَا يُغْضِي لِخَطْبٍ
وَبَالٍ كَانَ يُفْكِرُ فِي الْهُزَالِ!
٥٥أَسَيْفَ الدَّوْلَةِ اسْتَنْجِدْ بِصَبْرٍ
وَكَيْفَ بِمِثْلِ صَبْرِكَ لِلْجِبَالِ؟!
٥٦فَأَنْتَ تُعَلِّمُ النَّاسَ التَّعَزِّي
وَخَوْضَ الْمَوْتِ فِي الْحَرْبِ السِّجَالِ
٥٧وَحَالَاتُ الزَّمَانِ عَلَيْكَ شَتَّى
وَحَالُكَ وَاحِدٌ فِي كُلِّ حَالِ
٥٨فَلَا غِيضَتْ بِحَارُكَ يَا جَمُومًا
عَلَى عَلَلِ الْغَرَائِبِ وَالدِّخَالِ
٥٩رَأَيْتُكَ فِي الَّذِينَ أَرَى مُلُوكًا
كَأَنَّكَ مُسْتَقِيمٌ فِي مُحَالِ
٦٠فَإِنْ تَفُقِ الْأَنَامَ وَأَنْتَ مِنْهُمْ
فَإِنَّ الْمِسْكَ بَعْضُ دَمِ الْغَزَالِ
٦١وقال يمدحه ويذكر استنقاذه أبا وائل تغلب بن داود بن حمدان العدوي من أسر الخارجي سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة:
إِلَامَ طَمَاعِيَةُ الْعَاذِلِ؟
وَلَا رَأْيَ فِي الْحُبِّ لِلْعَاقِلِ
٦٢يُرَادُ مِنَ الْقَلْبِ نِسْيَانُكُمْ
وَتَأْبَى الطِّبَاعُ عَلَى النَّاقِلِ
٦٣وَإِنِّي لَأَعْشَقُ مِنْ عِشْقِكُمْ
نُحُولِي وَكُلَّ امْرِئٍ نَاحِلِ
٦٤وَلَوْ زُلْتُمُ ثُمَّ لَمْ أَبْكِكُمْ
بَكَيْتُ عَلَى حُبِّيَ الزَّائِلِ
٦٥أَيُنْكِرُ خَدِّي دُمُوعِي وَقَدْ
جَرَتْ مِنْهُ فِي مَسْلَكٍ سَابِلِ؟!
٦٦أَأَوَّلُ دَمْعٍ جَرَى فَوْقَهُ
وَأَوَّلُ حُزْنٍ عَلَى رَاحِلِ
٦٧وَهَبْتُ السُّلُوَّ لِمَنْ لَامَنِي
وَبِتُّ مِنَ الشَّوْقِ فِي شَاغِلِ
٦٨كَأَنَّ الْجُفُونَ عَلَى مُقْلَتِي
ثِيَابٌ شُقِقْنَ عَلَى ثَاكِلِ
٦٩وَلَوْ كُنْتُ فِي أَسْرِ غَيْرِ الْهَوَى
ضَمِنْتُ ضَمَانَ أَبِي وَائِلِ
٧٠فَدَى نَفْسَهُ بِضَمَانِ النُّضَارِ
وَأَعْطَى صُدُورَ الْقَنَا الذَّابِلِ
٧١وَمَنَّاهُمُ الْخَيْلَ مَجْنُوبَةً
فَجِئْنَ بِكُلِّ فَتًى بَاسِلِ
٧٢كَأَنَّ خَلَاصَ أَبِي وَائِلٍ
مُعَاوَدَةُ الْقَمَرِ الْآفِلِ
٧٣دَعَا فَسَمِعْتَ وَكَمْ سَاكِتٍ
عَلَى الْبُعْدِ عِنْدَكَ كَالْقَائِلِ!
٧٤فَلَبَّيْتَهُ بِكَ فِي جَحْفَلٍ
لَهُ ضَامِنٍ وَبِهِ كَافِلِ
٧٥خَرَجْنَ مِنَ النَّقْعِ فِي عَارِضٍ
وَمِنْ عَرَقِ الرَّكْضِ فِي وَابِلِ
٧٦فَلَمَّا نَشِفْنَ لَقِينَ السِّيَاطَ
بِمِثْلِ صَفَا الْبَلَدِ الْمَاحِلِ
٧٧شَفَنَّ لِخَمْسٍ إِلَى مَنْ طَلَبْنَ
قُبَيْلَ الشُّفُونِ إِلَى نَازِلِ
٧٨فَدَانَتْ مَرَافِقُهُنَّ الثَّرَى
عَلَى ثِقَةٍ بِالدَّمِ الْغَاسِلِ
٧٩وَمَا بَيْنَ كَاذَتَيِ الْمُسْتَغِيرِ
كَمَا بَيْنَ كَاذَتَيِ الْبَائِلِ
٨٠فَلُقِّينَ كُلَّ رُدَيْنِيَّةٍ
وَمَصْبُوجَةٍ لَبَنَ الشَّائِلِ
٨١وَجَيْشَ إِمَامٍ عَلَى نَاقَةٍ
صَحِيحِ الْإِمَامَةِ فِي الْبَاطِلِ
٨٢فَأَقْبَلْنَ يَنْحَزْنَ قُدَّامَهُ
نَوَافِرَ كَالنَّحْلِ وَالْعَاسِلِ
٨٣فَلَمَّا بَدَوْتَ لِأَصْحَابِهِ
رَأَتْ أُسْدُهَا آكِلَ الْآكِلِ
٨٤بِضَرْبٍ يَعُمُّهُمُ جَائِرٍ
لَهُ فِيهِم قِسْمَةُ الْعَادِلِ
٨٥وَطَعْنٍ يُجَمِّعُ شُذَّانَهُمْ
كَمَا اجْتَمَعَتْ دِرَّةُ الْحَافِلِ
٨٦إِذَا مَا نَظَرْتَ إِلَى فَارِسٍ
تَحَيَّرَ عَنْ مَذْهَبِ الرَّاجِلِ
٨٧فَظَلَّ يُخَضِّبُ مِنْهَا اللِّحَى
فَتًى لَا يُعِيدُ عَلَى النَّاصِلِ
٨٨وَلا يَسْتَغِيثُ إِلَى نَاصِرٍ
وَلَا يَتَضَعْضَعُ مِنْ خَاذِلِ
٨٩وَلَا يَزَعُ الطَّرْفَ عَنْ مُقْدَمٍ
وَلَا يَرْجِعُ الطَّرْفَ عَنْ هَائِلِ
٩٠إِذَا طَلَبَ التَّبْلَ لَمْ يَشْأَهُ
وَإِنْ كَانَ دَيْنًا عَلَى مَاطِلِ
٩١خُذُوا مَا أَتَاكُمْ بِه وَاعْذِرُوا
فَإِنَّ الْغَنِيمَةَ فِي الْعَاجِلِ
٩٢وَإِنْ كَانَ أَعْجَبَكُمْ عَامُكُمْ
فَعُودُوا إِلَى حِمْصَ مِنْ قَابِلِ
٩٣فَإِنَّ الْحُسَامَ الْخَضِيبَ الَّذِي
قُتِلْتُمْ بِهِ فِي يَدِ الْقَاتِلِ
٩٤يَجُودُ بِمِثْلِ الَّذِي رُمْتُمُ
فَلَمْ تُدْرِكُوهُ عَلَى السَّائِلِ
٩٥أَمَامَ الْكَتِيبَةِ تُزْهَى بِهِ
مَكَانَ السِّنَانِ مِنَ الْعَامِلِ
٩٦وَإِنِّي لَأَعْجَبُ مِنْ آمِلٍ
قِتَالًا بِكُمُ عَلَى بَازِلِ!
٩٧أَقَالَ لَهُ اللهُ: لَا تَلْقَهُمْ
بِمَاضٍ عَلَى فَرَسٍ حَائِلِ
٩٨إِذَا مَا ضَرَبْتَ بِهِ هَامَةً
بَرَاهَا وَغَنَّاكَ فِي الْكَاهِلِ
٩٩وَلَيْسَ بِأَوَّلِ ذِي هِمَّةٍ
دَعَتْهُ لِمَا لَيْسَ بِالنَّائِلِ
١٠٠يُشَمِّرُ لِلُّجِّ عَنْ سَاقِهِ
وَيَغْمُرُهُ الْمَوْجُ فِي السَّاحِلِ
١٠١أَمَا لِلْخِلَافَةِ مِنْ مُشْفِقٍ
عَلَى سَيْفِ دَوْلَتِهَا الْفَاصِلِ؟
١٠٢يَقُدُّ عِدَاهَا بِلَا ضَارِبٍ
وَيَسْرِي إِلَيْهِمْ بِلَا حَامِلِ
١٠٣تَرَكْتَ جَمَاجِمَهُمْ فِي النَّقَا
وَمَا يَتَخَلَّصْنَ لِلنَّاخِلِ
١٠٤فَأَنْبَتَّ مِنْهُمْ رَبِيعَ السِّبَاعِ
فَأَثْنَتْ بِإِحْسَانِكَ الشَّامِلِ
١٠٥وَعُدْتَ إِلَى حَلَبٍ ظَافِرًا
كَعَوْدِ الْحُلِيِّ إِلَى الْعَاطِلِ
١٠٦وَمِثْلُ الَّذِي دُسْتَهُ حَافِيًا
يُؤَثِّرُ فِي قَدَمِ النَّاعِلِ
١٠٧وَكَمْ لَكَ مِنْ خَبَرٍ شَائِعٍ
لَهُ شِيَةُ الْأَبْلَقِ الْجَائِلِ!
١٠٨وَيَوْمٍ شَرَابُ بَنِيهِ الرَّدَى
بَغِيضُ الْحُضُورِ إِلَى الْوَاغِلِ
١٠٩تَفُكُّ الْعُنَاةَ وَتُغْنِي الْعُفَاةَ
وَتَغْفِرُ لِلْمُذْنِبِ الْجَاهِلِ
١١٠فَهَنَّأَكَ النَّصْرَ مُعْطِيكَهُ
وَأَرْضَاهُ سَعْيُكَ فِي الْآجِلِ
١١١فَذِي الدَّارِ أَخْوَنُ مِنْ مُومِسٍ
وَأَخْدَعُ مِنْ كِفَّةِ الْحَابِلِ
١١٢تَفَانَى الرِّجَالُ عَلَى حُبِّهَا
وَمَا يَحْصُلُونَ عَلَى طَائِلِ
١١٣وسار سيف الدولة إلى الموصل لنصرة أخيه ناصر الدولة، لما قصده معز الدولة الديلمي سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، فقال أبو الطيب:
أَعَلَى الْمَمَالِكِ مَا يُبْنَى عَلَى الْأَسَلِ
وَالطَّعْنُ عِنْدَ مُحِبِّيهِنَّ كَالْقُبَلِ
١١٤وَمَا تَقِرُّ سُيُوفٌ فِي مَمَالِكِهَا
حَتَّى تُقَلْقَلَ دَهْرًا قَبْلُ فِي الْقلَلِ
١١٥مِثْلُ الْأَمِيرِ بَغَى أَمْرًا فَقَرَّبَهُ
طُولُ الرِّمَاحِ وَأَيْدِي الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ
١١٦وَعَزْمَةٌ بَعَثَتْهَا هِمَّةٌ زُحَلٌ
مِنْ تَحْتِهَا بِمَكَانِ التُّرْبِ مِنْ زُحَلِ
١١٧عَلَى الْفُرَاتِ أَعَاصِيرٌ وَفِي حَلَبٍ
تَوَحُّشٌ لِمُلْقِي النَّصْرِ مُقْتَبَلِ
١١٨تَتْلُو أَسِنَّتُهُ الْكُتْبَ الَّتِي نَفَذَتْ
وَيَجْعَلُ الْخَيْلَ أَبْدَالًا مِنَ الرُّسُلِ
١١٩يَلْقَى الْمُلُوكَ فَلَا يَلْقَى سِوَى جَزَرٍ
وَمَا أَعَدُّوا فَلَا يَلْقَى سِوَى نَفَلِ
١٢٠صَانَ الْخَلِيفَةَ بِالْأَبْطَالِ مُهْجَتَهُ
صِيَانَةَ الذَّكَرِ الْهِنْدِيِّ بِالْخِلَلِ
١٢١الْفَاعِلُ الْفِعْلَ لَمْ يُفْعَلْ لِشِدَّتِهِ
وَالْقَائِلُ الْقَوْلَ لَمْ يُتْرَكْ وَلَمْ يُقَلِ
١٢٢وَالْبَاعِثُ الْجَيْشَ قَدْ غَالَتْ عَجَاجَتُهُ
ضَوْءَ النَّهَارِ فَصَارَ الظُّهْرُ كَالطَّفَلِ
١٢٣الْجَوُّ أَضْيَقُ مَا لَاقَاهُ سَاطِعُهَا
وَمُقْلَةُ الشَّمْسِ فِيهِ أَحْيَرُ الْمُقَلِ
١٢٤يَنَالُ أَبْعَدَ مِنْهَا وَهْيَ نَاظِرَةٌ
فَمَا تُقَابِلُهُ إِلَّا عَلَى وَجَلِ
١٢٥قَدْ عَرَّضَ السَّيْفَ دُونَ النَّازِلَاتِ بِهِ
وَظَاهَرَ الْحَزْمَ بَيْنَ النَّفْسِ وَالْغِيَلِ
١٢٦وَوَكَّلَ الظَّنَّ بِالْأَسْرَارِ فَانْكَشَفَتْ
لَهُ ضَمَائِرُ أَهْلِ السَّهْلِ وَالْجَبَلِ
١٢٧هُوَ الشُّجَاعُ يَعُدُّ الْبُخْلَ مِنْ جُبُنٍ
وَهْوَ الْجَوَادُ يَعُدُّ الْجُبْنَ مِنْ بَخَلِ
١٢٨يَعُودُ مِنْ كُلِّ فَتْحٍ غَيْرَ مُفْتَخِرٍ
وَقَدْ أَغَذَّ إِلَيْهِ غَيْرَ مُحْتَفِلِ
١٢٩وَلَا يُجِيرُ عَلَيْهِ الدَّهْرُ بُغْيَتَهُ
وَلَا تُحَصِّنُ دِرْعٌ مُهْجَةَ الْبَطَلِ
١٣٠إِذَا خَلَعْتُ عَلَى عِرْضٍ لَهُ حُلَلًا
وَجَدْتُهَا مِنْهُ فِي أَبْهَى مِنَ الْحُلَلِ
١٣١بِذِي الْغَبَاوَةِ مِنْ إِنْشَادِهَا ضَرَرٌ
كَمَا تُضِرُّ رِيَاحُ الْوَرْدِ بِالْجُعَلِ
١٣٢لَقَدْ رَأَتْ كُلُّ عَيْنٍ مِنْكَ مَالِئَهَا
وَجَرَّبَتْ خَيْرَ سَيْفٍ خَيْرَةُ الدُّوَلِ
١٣٣فَمَا تُكَشِّفُكَ الْأَعْدَاءُ مِنْ مَلَلٍ
مِنَ الْحُرُوبِ وَلَا الْآرَاءُ عَنْ زَلَلِ
١٣٤وَكَمْ رِجَالٍ بِلَا أَرْضٍ لِكَثْرَتِهِمْ
تَرَكْتَ جَمْعَهُمْ أَرْضًا بِلَا رَجُلِ!
١٣٥مَا زَالَ طِرْفُكَ يَجْرِي فِي دِمَائِهِم
حَتَّى مَشَى بِكَ مَشْيَ الشَّارِبِ الثَّمِلِ
١٣٦يَا مَنْ يَسِيرُ وَحُكْمُ النَّاظِرَيْنِ لَهُ
فِيمَا يَرَاهُ وحُكْمُ الْقَلْبِ فِي الْجَذَلِ
١٣٧إِنَّ السَّعَادَةَ فِيمَا أَنْتَ فَاعِلُهُ
وُفِّقْتَ مُرْتَحِلًا أَوْ غَيْرَ مُرْتَحِلِ
١٣٨أَجْرِ الْجِيَادَ عَلَى مَا كُنْتَ مُجْرِيهَا
وَخُذْ بِنَفْسِكَ فِي أَخْلَاقِكَ الْأُوَلِ
١٣٩يَنْظُرْنَ مِنْ مُقَلٍ أَدْمَى أَحِجَّتَهَا
قَرْعُ الْفَوَارِسِ بِالْعَسَّالَةِ الذُّبُلِ
١٤٠فَلَا هَجَمْتَ بِهَا إِلَّا عَلَى ظَفَرٍ
وَلَا وَصَلْتَ بِهَا إِلَّا عَلَى أَمَلِ
١٤١وقال يرثي أبا الهيجاء عبد الله بن سيف الدولة بحلب، وقد توفي بميافارقين في صفر سنة ثمانٍ وثلاثين وثلاثمائة:
بِنَا مِنْكَ فَوْقَ الرَّمْلِ مَا بِكَ فِي الرَّمْلِ
وَهَذَا الَّذِي يُضْنِي كَذَاكَ الَّذِي يُبْلِي
١٤٢كَأَنَّكَ أَبْصَرْتَ الَّذِي بِي وَخِفْتَهُ
إِذَا عِشْتَ فَاخْتَرْتَ الْحِمَامَ عَلَى الثُّكْلِ
١٤٣تَرَكْتَ خُدُودَ الْغَانِيَاتِ وَفَوْقَهَا
دُمُوعٌ تُذِيبُ الْحُسْنَ فِي الْأَعْيُنِ النُّجْلِ
١٤٤تَبُلُّ الثَّرَى سُودًا مِنَ الْمِسْكِ وَحْدَهُ
وَقَدْ قَطَرَتْ حُمْرًا عَلَى الشَّعَرِ الْجَثْلِ
١٤٥فَإِنْ تَكُ فِي قَبْرٍ فَإِنَّكَ فِي الْحَشَا
وَإِنْ تَكُ طِفْلًا فَالْأَسَى لَيْسَ بِالطِّفْلِ
١٤٦وَمِثْلُكَ لَا يُبْكَى عَلَى قَدْرِ سِنِّهِ
وَلَكِنْ عَلَى قَدْرِ الْمَخِيلَةِ وَالْأَصْلِ
١٤٧أَلَسْتَ مِنَ الْقَوْمِ الْأُلَى مِنْ رِمَاحِهِمْ
نَدَاهُمْ وَمِنْ قَتْلَاهُمُ مُهْجَةُ الْبُخْلِ؟
١٤٨بِمَوْلُودِهِمْ صَمْتُ اللِّسَانِ كَغَيْرِهِ
وَلَكِنَّ فِي أَعْطَافِهِ مَنْطِقَ الْفَضْلِ
١٤٩تُسَلِّيهِمِ عَلْيَاؤُهُمْ عَنْ مُصَابِهِمْ
وَيَشْغَلُهُمْ كَسْبُ الثَّنَاءِ عَنِ الشُّغْلِ
١٥٠أَقَلُّ بِلَاءً بِالرَّزَايَا مِنَ الْقَنَا
وَأَقْدَمُ بَيْنَ الْجَحْفَلَيْنِ مِنَ النَّبْلِ
١٥١عَزَاءَكَ سَيْفَ الدَّوْلَةِ الْمُقْتَدَى بِهِ
فَإِنَّكَ نَصْلٌ وَالشَّدَائِدُ لِلنَّصْلِ
١٥٢مُقِيمٌ مِنَ الْهَيْجَاءِ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ
كَأَنَّكَ مِنْ كُلِّ الصَّوَارِمِ فِي أَهْلِ
١٥٣وَلَمْ أَرَ أَعْصَى مِنْكَ لِلْحُزْنِ عَبْرَةً
وَأَثْبَتَ عَقْلًا وَالْقُلُوبُ بِلَا عَقْلِ
١٥٤تَخُونُ الْمَنَايَا عَهْدَهُ فِي سَلِيلِهِ
وَتَنْصُرُهُ بَيْنَ الْفَوَارِسِ وَالرَّجْلِ
١٥٥وَيَبْقَى عَلَى مَرِّ الْحَوَادِثِ صَبْرُهُ
وَيَبْدُو كَمَا يَبْدُو الْفِرِنْدُ عَلَى الصَّقْلِ
١٥٦وَمَنْ كَانَ ذَا نَفْسٍ كَنَفْسِكَ حُرَّةٍ
فَفِيهِ لَهَا مُغْنٍ وَفِيهَا لَهُ مُسْلِي
١٥٧وَمَا الْمَوْتُ إِلَّا سَارِقٌ دَقَّ شَخْصُهُ
يَصُولُ بِلَا كَفٍّ وَيَسْعَى بِلَا رِجْلِ
١٥٨يَرُدُّ أَبُو الشِّبْلِ الْخَمِيسَ عَنِ ابْنِهِ
وَيُسْلِمُهُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ لِلنَّمْلِ
١٥٩بِنَفْسِي وَلِيدٌ عَادَ مِنْ بَعْدِ حَمْلِهِ
إِلَى بَطْنِ أُمٍّ لَا تُطَرِّقُ بِالْحَمْلِ
١٦٠بَدَا وَلَهُ وَعْدُ السَّحَابَةِ بِالرِّوَى
وَصَدَّ وَفِينَا غُلَّةُ الْبَلَدِ الْمَحْلِ
١٦١وَقَدْ مَدَّتِ الْخَيْلُ الْعِتَاقُ عُيُونَهَا
إِلَى وَقْتِ تَبْدِيلِ الرِّكَابِ مِنَ النَّعْلِ
١٦٢وَرِيعَ لَهُ جَيْشُ الْعَدُوِّ وَمَا مَشَى
وَجَاشَتْ لَهُ الْحَرْبُ الضَّرُوسُ وَمَا تَغْلِي
١٦٣أَيَفْطِمُهُ التَّوْرَابُ قَبْلَ فِطَامِهِ
وَيَأْكُلُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ إِلَى الْأَكْلِ؟!
١٦٤وَقَبْلَ يَرَى مِنْ جُودِهِ مَا رَأَيْتَهُ
وَيَسْمَعَ فِيهِ مَا سَمِعْتَ مِنَ الْعَذْلِ
١٦٥وَيَلْقَى كَمَا تَلْقَى مِنَ السِّلْمِ وَالْوَغَى
وَيُمْسِي كَمَا تُمْسِي مَلِيكًا بِلَا مِثْلِ
١٦٦تُوَلِّيهِ أَوْسَاطَ الْبِلَادِ رِمَاحُهُ
وَتَمَنْعُهُ أَطْرَافُهُنَّ مِنَ الْعَزْلِ
١٦٧نُبَكِّي لِمَوْتَانَا عَلَى غَيْرِ رَغْبَةٍ
تَفُوتُ مِنَ الدُّنْيَا وَلَا مَوْهِبٍ جَزْلِ
١٦٨إِذَا مَا تَأَمَّلْتَ الزَّمَانَ وَصَرْفَهُ
تَيَقَّنْتَ أَنَّ الْمَوْتَ ضَرْبٌ مِنَ الْقَتْلِ
١٦٩هَلِ الْوَلَدُ الْمَحْبُوبُ إِلَّا تَعِلَّةٌ؟
وَهَلْ خَلْوَةُ الْحَسْنَاءِ إِلَّا أَذَى الْبَعْلِ؟
١٧٠وَقَدْ ذُقْتُ حَلْوَاءَ الْبَنِينِ عَلَى الصِّبَا
فَلَا تَحْسَبَنِّي قُلْتُ مَا قُلْتُ عَنْ جَهْلِ
١٧١وَمَا تَسَعُ الْأَزْمَانُ عِلْمِي بِأَمْرِهَا
وَلَا تُحْسِنُ الْأَيَّامُ تَكْتُبُ مَا أُمْلِي
١٧٢وَمَا الدَّهْرُ أَهْلٌ أَنْ تُؤَمَّلَ عِنْدَهُ
حَيَاةٌ، وَأَنْ يُشْتَاقَ فِيهِ إِلَى النَّسْلِ
١٧٣وقال يمدحه:
لَا الْحِلْمُ جَادَ بِهِ وَلا بِمِثَالِهِ
لَوْلَا ادِّكَارُ وَدَاعِهِ وَزِيَالِهِ
١٧٤إِنَّ الْمُعِيدَ لَنَا الْمَنَامُ خَيَالَهُ
كَانَتْ إِعَادَتُهُ خَيَالَ خَيَالِهِ
١٧٥بِتْنَا يُنَاوِلُنَا الْمُدَامَ بِكَفِّهِ
مَنْ لَيْسَ يَخْطُرُ أَنْ نَرَاهُ بِبَالِهِ
١٧٦نَجْنِي الْكَوَاكِبَ مِنْ قَلَائِدِ جِيدِهِ
وَنَنَالُ عَيْنَ الشَّمْسِ مِنْ خَلْخَالِهِ
١٧٧بِنْتُمْ عَنِ الْعَيْنِ الْقَرِيحَةِ فِيكُمُ
وَسَكَنْتُمُ ظَنَّ الْفُؤَادِ الْوَالِهِ
١٧٨فَدَنَوْتُمُ وَدُنُوُّكُمْ مِنْ عِنْدِهِ
وَسَمَحْتُمُ وَسَمَاحُكُمْ مِنْ مَالِهِ
١٧٩إِنِّي لَأُبْغِضُ طَيْفَ مَنْ أَحْبَبْتُهُ
إِذْ كَانَ يَهْجُرُنَا زَمَانَ وِصَالِهِ
١٨٠مِثْلُ الصَّبَابَةِ وَالْكَآبَةِ وَالْأَسَى
فَارَقْتُهُ فَحَدَثْنَ مِنْ تَرْحَالِهِ
١٨١وَقَدِ اسْتَقَدْتُ مِنَ الْهَوَى وَأَذَقْتُهُ
مِنْ عِفَّتِي مَا ذُقْتُ مِنْ بَلْبَالِهِ
١٨٢وَلَقَدْ ذَخَرْتُ لِكُلِّ أَرْضٍ سَاعَةً
تَسْتَجْفِلُ الضِّرْغَامَ عَنْ أَشْبَالِهِ
١٨٣تَلْقَى الْوُجُوهُ بِهَا الْوُجُوهَ وَبَيْنَهَا
ضَرْبٌ يَجُولُ الْمَوْتُ فِي أَجْوَالِهِ
١٨٤وَلَقَدْ خَبَأْتُ مِنَ الْكَلَامِ سُلَافَهُ
وَسَقَيْتُ مَنْ نَادَمْتُ مِنْ جِرْيَالِهِ
١٨٥وَإِذَا تَعَثَّرَتِ الْجِيَادُ بِسَهْلِهِ
بَرَّزْتُ غَيْرَ مُعَثَّرٍ بِجِبَالِهِ
١٨٦وَحَكَمْتُ فِي الْبَلَدِ الْعَرَاءِ بِنَاعِجٍ
مُعْتَادِهِ مُجْتَابِهِ مُغْتَالِهِ
١٨٧يَمْشِي كَمَا عَدَتِ الْمَطِيُّ وَرَاءَهُ
وَيَزِيدُ وَقْتَ جَمَامِهَا وَكَلَالِهِ
١٨٨وَتُرَاعُ غَيْرَ مُعَقَّلَاتٍ حَوْلَهُ
فَيَفُوتُهَا مُتَجَفِّلًا بِعِقَالِهِ
١٨٩فَغَدَا النَّجَاحُ وَرَاحَ فِي أَخْفَافِهِ
وَغَدَا الْمِرَاحُ وَرَاحَ فِي إِرْقَالِهِ
١٩٠وَشَرِكْتُ دَوْلَةَ هَاشِمٍ فِي سَيْفِهَا
وَشَقَقْتُ خِيسَ الْمُلْكِ عَنْ رِئْبَالِهِ
١٩١عَنْ ذَا الَّذِي حُرِمَ اللُّيُوثُ كَمَالَهُ
يُنْسِي الْفَرِيسَةَ خَوْفَهُ بِجَمَالِهِ
١٩٢وَتَوَاضَعَ الْأُمَرَاءُ حَوْلَ سَرِيرِهِ
وَتَرَى الْمَحَبَّةَ وَهْيَ مِنْ آكَالِهِ
١٩٣وَيُمِيتُ قَبْلَ قِتَالِهِ وَيبَشُّ قَبـْ
ـلَ نَوَالِهِ وَيُنِيلُ قَبْلَ سُؤَالِهِ
١٩٤إِنَّ الرِّيَاحَ إِذَا عَمَدْنَ لِنَاظِرٍ
أَغْنَاهُ مُقْبِلُهَا عَنِ اسْتِعْجَالِهِ
١٩٥أَعْطَى وَمَنَّ عَلَى الْمُلُوكِ بِعَفْوِهِ
حَتَّى تَسَاوَى النَّاسُ فِي إِفْضَالِهِ
١٩٦وَإِذَا غَنُوا بِعَطَائِهِ عَنْ هَزِّهِ
وَالَى فَأَغْنَى أَنْ يَقُولُوا: وَالِهِ
١٩٧وَكَأَنَّمَا جَدْوَاهُ مِنْ إِكْثَارِهِ
حَسَدٌ لِسَائِلِهِ عَلَى إِقْلَالِهِ
١٩٨غَرَبَ النُّجُومُ فَغُرْنَ دُونَ هُمُومِهِ
وَطَلَعْنَ حِينَ طَلَعْنَ دُونَ مَنَالِهِ
١٩٩وَاللهُ يُسْعِدُ كُلَّ يَوْمٍ جَدَّهُ
وَيَزِيدُ مِنْ أَعْدَائِهِ فِي آلِهِ
٢٠٠لَوْ لَمْ تَكُنْ تَجْرِي عَلَى أَسْيَافِهِ
مُهَجَاتُهُمْ لَجَرَتْ عَلَى إِقْبَالِهِ
٢٠١لَمْ يَتْرُكُوا أَثَرًا عَلَيْهِ مِنَ الْوَغَى
إِلَّا دِمَاءَهُمُ عَلَى سِرْبَالِهِ
٢٠٢فَلِمِثْلِهِ جَمَعَ الْعَرَمْرَمُ نَفْسَهُ
وَبِمِثْلِهِ انْفَصَمَتْ عُرَى أَقْتَالِهِ
٢٠٣يَا أَيُّهَا الْقَمَرُ الْمُبَاهِي وَجْهَهُ
لَا تُكْذَبَنَّ فَلَسْتَ مِنْ أَشْكَالِهِ
٢٠٤وَإِذَا طَمَا الْبَحْرُ الْمُحِيطُ فَقُلْ لَهُ:
دَعْ ذَا فَإِنَّكَ عَاجِزٌ عَنْ حَالِهِ
٢٠٥وَهَبَ الَّذِي وَرِثَ الْجُدُودَ وَمَا رَأَى
أَفْعَالَهُمْ لِابْنٍ بِلَا أَفْعَالِهِ
٢٠٦حَتَّى إِذَا فَنِيَ التُّرَاثُ سِوَى الْعُلَا
قَصَدَ الْعُدَاةَ مِنَ الْقَنَا بِطِوَالِهِ
٢٠٧وَبِأَرْعَنٍ لَبِسَ الْعَجَاجَ إِلَيْهِمِ
فَوْقَ الْحَدِيدِ وَجَرَّ مِنْ أَذْيَالِهِ
٢٠٨فَكَأَنَّمَا قَذِيَ النَّهَارُ بِنَقْعِهِ
أَوْ غَضَّ عَنْهُ الطَّرْفَ مِنْ إِجْلَالِهِ
٢٠٩الْجَيْشُ جَيْشُكَ غَيْرَ أَنَّكَ جَيْشُهُ
فِي قَلْبِهِ وَيَمِينِهِ وَشِمَالِهِ
٢١٠تَرِدُ الطِّعَانَ الْمُرَّ عَنْ فُرْسَانِهِ
وَتُنَازِلُ الْأَبْطَالَ عَنْ أَبْطَالِهِ
٢١١كُلٌّ يُرِيدُ رِجَالَهُ لِحَيَاتِهِ
يَا مَنْ يُرِيدُ حَيَاتَهُ لِرِجَالِهِ
٢١٢دُونَ الْحَلَاوَةِ فِي الزَّمَانِ مَرَارَةٌ
لَا تُخْتَطَى إِلَّا عَلَى أَهْوَالِهِ
٢١٣فَلِذَاكَ جَاوَزَهَا عَلِيٌّ وَحْدَهُ
وَسَعَى بِمُنْصُلِهِ إِلَى آمَالِهِ
٢١٤وقال وقد توسط سيف الدولة جبالًا بطريق آمد:
يُؤَمِّمُ ذَا السَّيْفُ آمَالَهُ
وَلا يَفْعَلُ السَّيْفُ أَفْعَالَهُ
٢١٥إِذَا سَارَ فِي مَهْمَهٍ عَمَّهُ
وَإِنْ سَارَ فِي جَبَلٍ طَالَهُ
٢١٦وَأَنْتَ بِمَا نُلْتَنَا مَالِكٌ
يُثَمِّرُ مِنْ مَالِهِ مَالَهُ
٢١٧كَأَنَّكَ مَا بَيْنَنَا ضَيْغَمٌ
يُرَشِّحُ لِلْفَرْسِ أَشْبَالَهُ
٢١٨وقال يمدحه ويذكر الخيمة التي رمتها الريح، وكان قد ضرب سيف الدولة خيمة عظيمة بميافارقين، وأشاع الناس أن مقامه يتصل بها فهبت ريح شديدة فوقعت الخيمة، فتكلم الناس في ذلك، فقال:
أَيَقْدَحُ فِي الْخَيْمَةِ الْعُذَّلُ
وَتَشْمَلُ مَنْ دَهْرَهَا يَشْمَلُ؟!
٢١٩وَتَعْلُو الَّذِي زُحَلٌ تَحْتَهُ
مُحَالٌ لَعَمْرُكَ مَا تُسْأَلُ
٢٢٠فَلِمْ لَا تَلُومُ الَّذِي لَامَهَا
وَمَا فَصُّ خَاتَمِهِ يَذْبُلُ؟
٢٢١تَضِيقُ بِشَخْصِكَ أَرْجَاؤُهَا
وَيَرْكُضُ فِي الْوَاحِدِ الْجَحْفَلُ
٢٢٢وَتَقْصُرُ مَا كُنْتَ فِي جَوْفِهَا
وَتُرْكَزُ فِيهَا الْقَنَا الذُّبَّلُ
٢٢٣وَكَيْفَ تَقُومُ عَلَى رَاحَةٍ
كَأَنَّ الْبِحَارَ لَهَا أُنْمُلُ؟!
٢٢٤فَلَيْتَ وَقَارَكَ فَرَّقْتَهُ
وَحَمَّلْتَ أَرْضَكَ مَا تَحْمِلُ!
٢٢٥فَصَارَ الْأَنَامُ بِهِ سَادَةً
وَسُدْتَهُمُ بِالَّذِي يَفْضُلُ
٢٢٦رَأَتْ لَوْنَ نُورِكَ فِي لَوْنِهَا
كَلَوْنِ الْغَزَالَةِ لَا يُغْسَلُ
٢٢٧وَأَنَّ لَهَا شَرَفًا بَاذِخًا
وَأَنَّ الْخِيَامَ بِهَا تَخْجَلُ
٢٢٨فَلَا تُنْكِرَنَّ لَهَا صَرْعَةً
فَمِنْ فَرَحِ النَّفْسِ مَا يَقْتُلُ
٢٢٩وَلَوْ بُلِّغَ النَّاسُ مَا بُلِّغَتْ
لَخَانَتْهُمُ حَوْلَكَ الْأَرْجُلُ
٢٣٠وَلَمَّا أَمَرْتَ بِتَطْنِيبِهَا
أُشِيعَ بِأَنَّكَ لَا تَرْحَلُ
٢٣١فَمَا اعْتَمَدَ اللهُ تَقْوِيضَهَا
وَلَكِنْ أَشَارَ بِمَا تَفْعَلُ
٢٣٢وَعَرَّفَ أَنَّكَ مِنْ هَمِّهِ
وَأَنَّكَ فِي نَصْرِهِ تَرْفُلُ
٢٣٣فَمَا الْعَانِدُونَ وَمَا أَثَّلُوا
وَمَا الْحَاسِدُونَ وَمَا قَوَّلُوا؟!
٢٣٤هُمُ يَطْلُبُونَ فَمَنْ أَدْرَكُوا
وَهُمْ يَكْذِبُونَ فَمَنْ يَقْبَلُ؟!
٢٣٥وَهُمْ يَتَمَنَّوْنَ مَا يَشْتَهُونَ
وَمِنْ دُونِهِ جَدُّكَ الْمُقْبِلُ
٢٣٦وَمَلْمُومَةٌ زَرَدٌ ثَوْبُهَا
وَلَكِنَّهُ بِالْقَنَا مُخْمَلُ
٢٣٧يُفَاجِئُ جَيْشًا بِهَا حَيْنُهُ
وَيُنْذِرُ جَيْشًا بِهَا الْقَسْطَلُ
٢٣٨جَعَلْتُكَ بِالْقَلْبِ لِي عُدَّةً
لِأَنَّكَ بِالْيَدِ لَا تُجْعَلُ
٢٣٩لَقَدْ رَفَعَ اللهُ مِنْ دَوْلَةٍ
لَهَا مِنْكَ يَا سَيْفَهَا مُنْصُلُ
٢٤٠فَإِنْ طُبِعَتْ قَبْلَكَ الْمُرْهَفَاتُ
فَإِنَّكَ مِنْ قَبْلِهَا الْمِقْصَلُ
٢٤١وَإِنْ جَادَ قَبْلَكَ قَوْمٌ مَضَوْا
فَإِنَّكَ فِي الْكَرَمِ الْأَوَّلُ
٢٤٢وَكَيْفَ تُقَصِّرُ عَنْ غَايَةٍ
وَأُمُّكَ مِنْ لَيْثِهَا مُشْبِلُ؟!
٢٤٣وَقَدْ وَلَدَتْكَ فَقَالَ الْوَرَى:
أَلَمْ تَكُنِ الشَّمْسُ لَا تُنْجَلُ؟!
٢٤٤فَتَبًّا لِدِينِ عَبِيدِ النُّجُومِ
وَمَنْ يَدَّعِي أَنَّهَا تَعْقِلُ
٢٤٥وَقَدْ عَرَفَتْكَ فَمَا بَالُهَا
تَرَاكَ تَرَاهَا وَلَا تَنْزِلُ؟!
٢٤٦وَلَوْ بِتُّمَا عِنْدَ قَدْرَيْكُمَا
لَبِتَّ وَأَعْلَاكُمَا الْأَسْفَلُ
٢٤٧أَنَلْتَ عِبَادَكَ مَا أَمَّلُوا
أَنَالَكَ رَبُّكَ مَا تَأْمُلُ
٢٤٨وقال يمدحه ويعتذر إليه وذلك في شعبان سنة إحدى وأربعين:
٢٤٩أَجَابَ دَمْعِي وَمَا الدَّاعِي سِوَى طَلَلٍ
دَعَا فَلَبَّاهُ قَبْلَ الرَّكْبِ وَالْإِبِلِ
٢٥٠ظَلِلْتُ بَيْنَ أُصَيْحَابِي أُكَفْكِفُهُ
وَظَلَّ يَسْفَحُ بَيْنَ الْعُذْرِ وَالْعَذَلِ
٢٥١أَشْكُو النَّوَى وَلَهُمْ مِنْ عَبْرَتِي عَجَبٌ
كَذَاكَ كُنْتُ وَمَا أَشْكُو سِوَى الْكَلَلِ
٢٥٢وَمَا صَبَابَةُ مُشْتَاقٍ عَلَى أَمَلٍ
مِنَ اللِّقَاءِ كَمُشْتَاقٍ بِلَا أَمَلِ
٢٥٣مَتَى تَزُرْ قَوْمَ مَنْ تَهْوَى زِيَارَتَهَا
لَا يُتْحِفُوكَ بِغَيْرِ الْبِيضِ وَالْأَسَلِ
٢٥٤وَالْهَجْرُ أَقْتَلُ لِي مِمَّا أُرَاقِبُهُ
أَنَا الْغَرِيقُ فَمَا خَوْفِي مِنَ الْبَلَلِ!
٢٥٥مَا بَالُ كُلِّ فُؤَادٍ فِي عَشِيرَتِهَا
بِهِ الَّذِي بِي وَمَا بِي غَيْرُ مُنْتَقِلِ؟!
٢٥٦مُطَاعَةُ اللَّحْظِ فِي الْأَلْحَاظِ مَالِكَةٌ
لِمُقْلَتَيْهَا عَظِيمُ الْمُلْكِ فِي الْمُقَلِ
٢٥٧تَشَبَّهُ الْخَفِرَاتُ الآنِسَاتُ بِهَا
فِي مَشْيِهَا فَيَنَلْنَ الْحُسْنَ بِالْحِيَلِ
٢٥٨قَدْ ذُقْتُ شِدَّةَ أَيَّامِي وَلَذَّتَهَا
فَمَا حَصَلْتُ عَلَى صَابٍ وَلَا عَسَلِ
٢٥٩وَقَدْ أَرَانِي الشَّبَابُ الرُّوحَ فِي بَدَنِي
وَقَدْ أَرَانِي الْمَشِيبُ الرُّوحَ فِي بَدَلِي
٢٦٠وَقَدْ طَرَقْتُ فَتَاةَ الْحَيِّ مُرْتَدِيًا
بِصَاحِبٍ غَيْرِ عِزْهَاةٍ وَلَا غَزِلِ
٢٦١فَبَاتَ بَيْنَ تَرَاقِينَا نُدَفِّعُهُ
وَلَيْسَ يَعْلَمُ بِالشَّكْوَى وَلَا الْقُبَلِ
٢٦٢ثُمَّ اغْتَدَى وَبِهِ مِنْ رَدْعِهَا أَثَرٌ
عَلَى ذُؤَابَتِهِ وَالْجَفْنِ وَالْخَلَلِ
٢٦٣لَا أَكْسِبُ الذِّكْرَ إِلَّا مِنْ مَضَارِبِهِ
أَوْ مِنْ سِنَانٍ أَصَمِّ الْكَعْبِ مُعْتَدِلِ
٢٦٤جَادَ الْأَمِيرُ بِهِ لِي فِي مَوَاهِبِهِ
فَزَانَهَا وَكَسَانِي الدِّرْعَ فِي الْحُلَلِ
٢٦٥وَمِنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ مَعْرِفَتِي
بِحَمْلِهِ مَنْ كَعَبْدِ اللهِ أَوْ كَعَلِي
٢٦٦مُعْطِي الْكَوَاعِبِ وَالْجُرْدِ السَّلَاهِبِ وَالـْ
ـبِيضِ الْقَوَاضِبِ وَالْعَسَّالَةِ الذُّبُلِ
٢٦٧ضَاقَ الزَّمَانُ وَوَجْهُ الْأَرْضِ عَنْ مَلِكٍ
مِلْءِ الزَّمَانِ وَمِلْءِ السَّهْلِ وَالْجَبَلِ
٢٦٨فَنَحْنُ فِي جَذَلٍ وَالرُّومُ فِي وَجَلٍ
وَالْبَرُّ فِي شُغُلٍ وَالْبَحْرُ فِي خَجَلِ
٢٦٩مِنْ تَغْلِبَ الْغَالِبِينَ النَّاسَ مَنْصِبُهُ
وَمِنْ عَدِيٍّ أَعَادِي الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ
٢٧٠وَالْمَدْحُ لِابْنِ أَبِي الْهَيْجَاءِ تُنْجِدُهُ
بِالْجَاهِلِيَّةِ عَيْنُ الْعِيِّ وَالْخَطَلِ
٢٧١لَيْتَ الْمَدَائِحَ تَسْتَوْفِي مَنَاقِبَهُ
فَمَا كُلَيْبٌ وَأَهْلُ الْأَعْصُرِ الْأُوَلِ
٢٧٢خُذْ مَا تَرَاهُ وَدَعْ شَيْئًا سَمِعْتَ بِهِ
فِي طَلْعَةِ الشَّمْسِ مَا يُغْنِيكَ عَنْ زُحَلِ
٢٧٣وَقَدْ وَجَدْتَ مَجَالَ الْقَوْلِ ذَا سَعَةٍ
فَإِنْ وَجَدْتَ لِسَانًا قَائِلًا فَقُلِ
٢٧٤إِنَّ الْهُمَامَ الَّذِي فَخْرُ الْأَنَامِ بِهِ
خَيْرُ السُّيُوفِ بِكَفَّيْ خَيْرَةِ الدُّوَلِ
٢٧٥تُمْسِي الْأَمَانِيُّ صَرْعَى دُونَ مَبْلَغِهِ
فَمَا يَقُولُ لِشَيْءٍ لَيْتَ ذَلِكَ لِي
٢٧٦انْظُرْ إِذَا اجْتَمَعَ السَّيْفَانِ فِي رَهَجٍ
إِلَى اخْتِلَافِهِمَا فِي الْخَلْقِ وَالْعَمَلِ
هَذَا الْمُعَدُّ لِرَيْبِ الدَّهْرِ مُنْصَلِتًا
أَعَدَّ هَذَا لِرَأْسِ الْفَارِسِ الْبَطَلِ
٢٧٧فَالْعُرْبُ مِنْهُ مَعَ الْكُدْرِيِّ طَائِرَةٌ
وَالرُّومُ طَائِرَةٌ مِنْهُ مَعَ الْحَجَلِ
٢٧٨وَمَا الْفِرَارُ إِلَى الْأَجْبَالِ مِنْ أَسَدٍ
تَمْشِي النَّعَامُ بِهِ فِي مَعْقِلِ الْوَعَلِ؟!
٢٧٩جَازَ الدُّرُوبَ إِلَى مَا خَلْفَ خَرْشَنَةٍ
وَزَالَ عَنْهَا وَذَاكَ الرَّوْعُ لَمْ يَزُلِ
٢٨٠فَكُلَّمَا حَلَمَتْ عَذْرَاءُ عِنْدَهُمُ
فَإِنَّمَا حَلَمَتْ بِالسَّبْيِ وَالْجَمَلِ
٢٨١إِنْ كُنْتَ تَرْضَى بِأَنْ يُعْطُوا الْجِزَى بَذَلُوا
مِنْهَا رِضَاكَ وَمَنْ لِلْعُورِ بِالْحَوَلِ
٢٨٢نَادَيْتُ مَجْدَكَ فِي شِعْرِي وَقَدْ صَدَرَا
يَا غَيْرَ مُنْتَحِلٍ فِي غَيْرِ مُنْتَحِلِ
٢٨٣بِالشَّرْقِ وَالْغَرْبِ أَقْوَامٌ نُحِبُّهُمُ
فَطَالِعَاهُمْ وَكُونَا أَبْلَغَ الرُّسُلِ
٢٨٤وَعَرِّفَاهُمْ بِأَنِّي فِي مَكَارِمِهِ
أُقَلِّبُ الطَّرْفَ بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْخَوَلِ
٢٨٥يَا أَيُّهَا الْمُحْسِنُ الْمَشْكُورُ مِنْ جِهَتِي
وَالشُّكْرُ مِنْ قِبَلِ الْإِحْسَانِ لَا قِبَلِي
٢٨٦مَا كَانَ نَوْمِي إِلَّا فَوْقَ مَعْرِفَتِي
بِأَنَّ رَأْيَكَ لَا يُؤْتَى مِنَ الزَّلَلِ
٢٨٧أَقِلْ أَنِلْ أَقْطِعِ احْمِلْ عَلِّ سَلِّ أَعِدْ
زِدْ هَشَّ بَشَّ تَفَضَّلْ أَدْنِ سُرَّ صِلِ
٢٨٨لَعَلَّ عَتْبَكَ مَحْمُودٌ عَوَاقِبُهُ
فَرُبَّمَا صَحَّتِ الْأَجْسَامُ بِالْعِلَلِ
٢٨٩وَمَا سَمِعْتُ، وَلَا غَيْرِي بِمُقْتَدِرٍ
أَذَبَّ مِنْكَ لِزُورِ الْقَوْلِ عَنْ رَجُلِ
٢٩٠لِأَنَّ حِلْمَكَ حِلْمٌ لَا تَكَلَّفُهُ
لَيْسَ التَّكَحُّلُ فِي الْعَيْنَيْنِ كَالْكَحَلِ
٢٩١وَمَا ثَنَاكَ كَلَامُ النَّاسِ عَنْ كَرَمٍ
وَمَنْ يَسُدُّ طَرِيقَ الْعَارِضِ الْهَطِلِ؟!
٢٩٢أَنْتَ الْجَوَادُ بِلَا مَنٍّ وَلَا كَدَرٍ
وَلَا مِطَالٍ وَلَا وَعْدٍ وَلَا مَذَلِ
٢٩٣أَنْتَ الشُّجَاعُ إِذَا مَا لَمْ يَطَأْ فَرَسٌ
غَيْرَ السَّنَوَّرِ وَالْأَشْلَاءِ وَالْقُلَلِ
٢٩٤وَرَدَّ بَعْضُ الْقَنَا بَعْضًا مُقَارَعَةً
كَأَنَّهُ مِنْ نُفُوسِ الْقَوْمِ فِي جَدَلِ
٢٩٥لَا زِلْتَ تَضْرِبُ مَنْ عَادَاكَ عَنْ عُرُضٍ
بِعَاجِلِ النَّصْرِ فِي مُسْتَأْخِرِ الْأَجَلِ
٢٩٦ولما أنشد أقل أنل رآهم يعدون ألفاظه، فقال وزاد فيه:
أَقِلْ أَنِلْ أُنْ صُنِ احْمِلْ عَلِّ سَلِّ أَعِدْ
زِدْ هَشَّ بَشَّ هَبِ اغْفِرْ أَدْنِ سُرَّ صِلِ
٢٩٧فرآهم يستكثرون الحروف، فقال:
عِشِ ابْقَ اسْمُ سُدْ قُدْ جُدْ مُرِ انْهَ رِ فِ اسْرِ نَلْ
غِظِ ارْمِ صِبِ احْمِ اغْزُ اسْبِ رُعْ زَعْ دِلِ اثْنِ نُلْ
٢٩٨وَهَذَا دُعَاءٌ لَوْ سَكَتُّ كُفِيتَهُ
لِأَنِّي سَأَلْتُ اللهَ فِيكَ وَقَدْ فَعَلْ
٢٩٩وقال وقد حضر مجلس سيف الدولة وبين يديه أتْرُجٌّ وطَلْعٌ وهو يمتحن الفرسان، فقال ابن حبيش شيخ المصيصة: لا تتوهم هذا للشرب، فقال أبو الطيب:
شَدِيدُ الْبُعْدِ مِنْ شُرْبِ الشَّمُولِ
تُرُنْجُ الْهِنْدِ أَوْ طَلْعُ النَّخِيلِ
٣٠٠وَلَكِنْ كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ طِيبٌ
لَدَيْكَ مِنَ الدَّقِيقِ إِلَى الْجَلِيلِ
٣٠١وَمَيْدَانُ الْفَصَاحَةِ وَالْقَوَافِي
وَمُمْتَحَنُ الْفَوَارِسِ وَالْخُيُولِ
٣٠٢وأنكر عليه بعض الحاضرين قوله: شديد … إلخ، فقال:
أَتَيْتُ بِمَنْطِقِ الْعَرَبِ الْأَصِيلِ
وَكَانَ بِقَدْرِ مَا عَايَنْتُ قِيلِي
٣٠٣فَعَارَضَهُ كَلَامٌ كَانَ مِنْهُ
بِمَنْزِلَةِ النِّسَاءِ مِنَ الْبُعُولِ
٣٠٤وَهَذَا الدُّرُّ مَأْمُونُ التَّشَظِّي
وَأَنْتَ السَّيْفُ مَأْمُونُ الْفُلُولِ
٣٠٥وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي الْأَفْهَامِ شَيْءٌ
إِذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إِلَى دَلِيلِ
٣٠٦ودخل عليه في ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، وعنده رسول ملك الروم وقد جاء يلتمس الفداء، وركب الغلمان بالتجافيف وأحضروا لبؤة مقتولة ومعها ثلاثة أشبال بالحياة وألقوها بين يديه. فقال أبو الطيب مرتجلًا:
لَقِيتَ الْعُفَاةَ بِآمَالِهَا
وَزُرْتَ الْعُدَاةَ بِآجَالِهَا
٣٠٧وَأَقْبَلَتِ الرُّومُ تَمْشِي إِلَيْكَ
بَيْنَ اللُّيُوثِ وَأَشْبَالِهَا
٣٠٨إِذَا رَأَتِ الْأُسْدَ مَسْبِيَّةً
فَأَيْنَ تَفِرُّ بِأَطْفَالِهَا؟!
٣٠٩ودخل عليه ليلًا وهو يصف سلاحًا كان بين يديه ورُفع، فقال ارتجالًا:
وَصَفْتَ لَنَا — وَلَمْ نَرَهُ — سِلَاحًا
كَأَنَّكَ وَاصِفٌ وَقْتَ النِّزَالِ
٣١٠وَأَنَّ الْبَيْضَ صُفَّ عَلَى دُرُوعٍ
فَشَوَّقَ مَنْ رَآهُ إِلَى الْقِتَالِ
٣١١فَلَوْ أَطْفَأْتَ نَارَكَ تَا لَدَيْهِ
قَرَأْتَ الْخَطَّ فِي سُودِ اللَّيَالِي
٣١٢إِنِ اسْتَحْسَنْتَ وَهْوَ عَلَى بِسَاطٍ
فَأَحْسَنُ مَا يَكُونُ عَلَى الرِّجَالِ
٣١٣وَإِنَّ بِهَا، وَإِنَّ بِهِ لَنَقْصًا
وَأَنْتَ لَهَا النِّهَايَةُ فِي الْكَمَالِ
٣١٤وَلَوْ لَحَظَ الدُّمُسْتُقُ جَانِبَيْهِ
لَقَلَّبَ رَأْيَهُ حَالًا لِحَالِ
٣١٥وقال يمدحه، وأنشدها في جمادى الآخرة سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة:
٣١٦لَيَالِيَّ بَعْدَ الظَّاعِنِينَ شُكُولُ
طِوَالٌ وَلَيْلُ الْعَاشِقِينَ طَوِيلُ
٣١٧يُبِنَّ لِيَ الْبَدْرَ الَّذِي لَا أُرِيدُهُ
وَيُخْفِينَ بَدْرًا مَا إِلَيْهِ سَبِيلُ
٣١٨وَمَا عِشْتُ مِنْ بَعْدِ الْأَحِبَّةِ سَلْوَةً
وَلَكِنَّنِي لِلنَّائِبَاتِ حَمُولُ
٣١٩وَإِنَّ رَحِيلًا وَاحِدًا حَالَ بَيْنَنَا
وَفِي الْمَوْتِ مِنْ بَعْدِ الرَّحِيلِ رَحِيلُ
٣٢٠إِذَا كَانَ شَمُّ الرَّوْحِ أَدْنَى إِلَيْكُمُ
فَلَا بَرِحَتْنِي رَوْضَةٌ وَقَبُولُ
٣٢١وَمَا شَرَقِي بِالْمَاءِ إِلَّا تَذَكُّرًا
لِمَاءٍ بِهِ أَهْلُ الْحَبِيبِ نُزُولُ
٣٢٢يُحَرِّمُهُ لَمْعُ الْأَسِنَّةِ فَوْقَهُ
فَلَيْسَ لِظَمْآنٍ إِلَيْهِ وُصُولُ
٣٢٣أَمَا فِي النُّجُومِ السَّائِرَاتِ وَغَيْرِهَا
لِعَيْنِي عَلَى ضَوْءِ الصَّبَاحِ دَلِيلُ؟
٣٢٤أَلَمْ يَرَ هَذَا اللَّيْلُ عَيْنَيْكِ رُؤْيَتِي
فَتَظْهَرَ فِيهِ رِقَّةٌ وَنُحُولُ؟!
٣٢٥لَقِيتُ بِدَرْبِ الْقُلَّةِ الْفَجْرَ لَقْيَةً
شَفَتْ كَمَدِي وَاللَّيْلُ فِيهِ قَتِيلُ
٣٢٦وَيَوْمًا كَأَنَّ الْحُسْنَ فِيهِ عَلَامَةٌ
بَعَثْتِ بِهَا وَالشَّمْسُ مِنْكِ رَسُولُ
٣٢٧وَمَا قَبْلَ سَيْفِ الدَّوْلَةِ اثَّارَ عَاشِقٌ
وَلَا طُلِبَتْ عِنْدَ الظَّلَامِ ذُحُولُ
٣٢٨وَلَكِنَّهُ يَأْتِي بِكُلِّ غَرِيبَةٍ
تَرُوقُ عَلَى اسْتِغْرَابِهَا وَتَهُولُ
٣٢٩رَمَى الدَّرْبَ بِالْجُرْدِ الْجِيَادِ إِلَى الْعِدَا
وَمَا عَلِمُوا أَنَّ السِّهَامَ خُيُولُ
٣٣٠شَوَائِلَ تَشْوَالَ الْعَقَارِبِ بِالْقَنَا
لَهَا مَرَحٌ مِنْ تَحْتِهِ وَصَهِيلُ
٣٣١وَمَا هِيَ إِلَّا خَطْرَةٌ عَرَضَتْ لَهُ
بِحَرَّانَ لَبَّتْهَا قَنًا وَنُصُولُ
٣٣٢هُمَامٌ إِذَا مَا هَمَّ أَمْضَى هُمُومَهُ
بِأَرْعَنَ وَطْءُ الْمَوْتِ فِيهِ ثَقِيلُ
٣٣٣وَخَيْلٍ بَرَاهَا الرَّكْضُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ
إِذَا عَرَّسَتْ فِيَها فَلَيْسَ تَقِيلُ
٣٣٤فَلَمَّا تَجَلَّى مِنْ دَلُوكٍ وَصَنْجَةٍ
عَلَتْ كُلَّ طَوْدٍ رَايَةٌ وَرَعِيلُ
٣٣٥عَلَى طُرُقٍ فِيهَا عَلَى الطُّرْقِ رِفْعَةٌ
وَفِي ذِكْرِهَا عِنْدَ الْأَنِيسِ خُمُولُ
٣٣٦فَمَا شَعَرُوا حَتَّى رَأَوْهَا مُغِيرَةً
قِبَاحًا وَأَمَّا خَلْقُهَا فَجَمِيلُ
٣٣٧سَحَائِبُ يُمْطِرْنَ الْحَدِيدَ عَلَيْهِم
فَكُلُّ مَكَانٍ بِالسُّيُوفِ غَسِيلُ
٣٣٨وَأَمْسَى السَّبَايَا يَنْتَحِبْنَ بِعَرْقَةٍ
كَأَنَّ جُيُوبَ الثَّاكِلَاتِ ذُيُولُ
٣٣٩وَعَادَتْ فَظَنُّوهَا بِمَوْزَارَ قُفَّلًا
وَلَيْسَ لَهَا إِلَّا الدُّخُولَ قُفُولُ
٣٤٠فَخَاضَتْ نَجِيعَ الْجَمْعِ خَوْضًا كَأَنَّهُ
بِكُلِّ نَجِيعٍ لَمْ تَخُضْهُ كَفِيلُ
٣٤١تُسَايِرُهَا النِّيرَانُ فِي كُلِّ مَسْلَكٍ
بِهِ الْقَوْمُ صَرْعَى وَالدِّيَارُ طُلُولُ
٣٤٢وَكَرَّتْ فَمَرَّتْ فِي دِمَاءِ مَلَطْيَةٍ
مَلَطْيَةُ أُمٌّ لِلْبَنِينِ ثَكُولُ
٣٤٣وَأَضْعَفْنَ مَا كُلِّفْنَهُ مِنْ قُبَاقِبٍ
فَأَضْحَى كَأَنَّ الْمَاءَ فِيهِ عَلِيلُ
٣٤٤وَرُعْنَ بِنَا قَلْبَ الْفُرَاتِ كَأَنَّمَا
تَخِرُّ عَلَيْهِ بِالرِّجَالِ سُيُولُ
٣٤٥يُطَارِدُ فِيهِ مَوْجَهُ كُلُّ سَابِحٍ
سَوَاءٌ عَلَيْهِ غَمْرَةٌ وَمَسِيلُ
٣٤٦تَرَاهُ كَأَنَّ الْمَاءَ مَرَّ بِجِسْمِهِ
وَأَقْبَلَ رَأْسٌ وَحْدَهُ وَتَلِيلُ
٣٤٧وَفِي بَطْنِ هِنْزِيطٍ وَسِمْنِينَ لِلظُّبَا
وَصُمَّ الْقَنَا مِمَّنْ أَبْدَنَ بَدِيلُ
٣٤٨طَلَعْنَ عَلَيْهِمْ طَلْعَةً يَعْرِفُونَهَا
لَهَا غُرَرٌ مَا تَنْقَضِي وَحُجُولُ
٣٤٩تَمَلُّ الْحُصُونُ الشُّمُّ طُولَ نِزَالِنَا
فَتُلْقِي إِلَيْنَا أَهْلَهَا وَتَزُولُ
٣٥٠وَبِتْنَ بِحِصْنِ الرَّانِ رَزْحَى مِنَ الْوَجَى
وَكُلُّ عَزِيزٍ لِلْأَمِيرِ ذَلِيلُ
٣٥١وَفِي كُلِّ نَفْسٍ مَا خَلَاهُ مَلَالَةٌ
وَفِي كُلِّ سَيْفٍ مَا خَلَاهُ فُلُولُ
٣٥٢وَدُونَ سُمَيْسَاطَ الْمَطَامِيرُ وَالْمَلَا
وَأَوْدِيَةٌ مَجْهُولَةٌ وَهُجُولُ
٣٥٣لَبِسْنَ الدُّجَى فِيهَا إِلَى أَرْضِ مَرْعَشٍ
وَلِلرُّومِ خَطْبٌ فِي الْبِلَادِ جَلِيلُ
٣٥٤فَلَمَّا رَأَوْهُ وَحْدَهُ قَبْلَ جَيْشِهِ
دَرَوْا أَنَّ كُلَّ الْعَالَمِينَ فُضُولُ
٣٥٥وَأَنَّ رِمَاحَ الْخَطِّ عَنْهُ قَصِيرَةٌ
وَأَنَّ حَدِيدَ الْهِنْدِ عَنْهُ كَلِيلُ
٣٥٦فَأَوْرَدَهُمْ صَدْرَ الْحِصَانِ وَسَيْفَهُ
فَتًى بَأْسُهُ مِثْلُ الْعَطَاءِ جَزِيلُ
٣٥٧جَوَادٌ عَلَى الْعِلَّاتِ بِالْمَالِ كُلِّهِ
وَلَكِنَّهُ بِالدَّارِعِينَ بَخِيلُ
٣٥٨فَوَدَّعَ قَتْلَاهُمْ وَشَيَّعَ فَلَّهُمْ
بِضَرْبٍ حُزُونُ الْبَيْضِ فِيهِ سُهُولُ
٣٥٩عَلَى قَلْبِ قُسْطَنْطِينَ مِنْهُ تَعَجُّبٌ
وَإِنْ كَانَ فِي سَاقَيْهِ مِنْهُ كُبُولُ
٣٦٠لَعَلَّكَ يَومًا يَا دُمُسْتُقُ عَائِدٌ
فَكَمْ هَارِبٍ مِمَّا إِلَيْهِ يَئُولُ
٣٦١نَجَوْتَ بِإِحْدَى مُهْجَتَيْكَ جَرِيحَةً
وَخَلَّفْتَ إِحْدَى مُهْجَتَيْكَ تَسِيلُ
٣٦٢أَتُسْلِمُ لِلْخَطِّيَّةِ ابْنَكَ هَارِبًا
وَيَسْكُنَ فِي الدُّنْيَا إِلَيْكَ خَلِيلُ؟!
٣٦٣بِوَجْهِكَ مَا أَنْسَاكَهُ مِنْ مُرِشَّةٍ
نَصِيرُكَ مِنْهَا رَنَّةٌ وَعَوِيلُ
٣٦٤أَغَرَّكُمُ طُولُ الْجُيُوشِ وَعَرْضُهَا؟!
عَلِيٌّ شَرُوبٌ لِلْجُيُوشِ أَكُولُ
٣٦٥إِذَا لَمْ تَكُنْ لِلَّيْثِ إِلَّا فَرِيسَةً
غَذَاهُ وَلَمْ يَنْفَعْكَ أَنَّكَ فِيلُ
٣٦٦إِذَا الطَّعْنُ لَمْ تُدْخِلْكَ فِيهِ شَجَاعَةٌ
هِيَ الطَّعْنُ لَمْ يُدْخِلْكَ فِيهِ عَذُولُ
٣٦٧فَإِنْ تَكُنِ الْأَيَّامُ أَبْصَرْنَ صَوْلَهُ
فَقَدْ عَلَّمَ الْأَيَّامَ كَيْفَ تَصُولُ
٣٦٨فَدَتْكَ مُلُوكٌ لَمْ تُسَمَّ مَوَاضِيًا
فَإِنَّكَ مَاضِي الشَّفْرَتَيْنِ صَقِيلُ
٣٦٩إِذَا كَانَ بَعْضُ النَّاسِ سَيْفًا لِدَوْلَةٍ
فَفِي النَّاسِ بُوقَاتٌ لَهَا وَطُبُولُ
٣٧٠أَنَا السَّابِقُ الْهَادِي إِلَى مَا أَقُولُهُ
إِذِ الْقَوْلُ قَبْلَ الْقَائِلِينَ مَقُولُ
٣٧١وَمَا لِكَلَامِ النَّاسِ فِيمَا يُرِيبُنِي
أُصُولٌ وَلَا لِلْقَائِلِيهِ أُصُولُ
٣٧٢أُعَادَى عَلَى مَا يُوجِبُ الْحُبَّ لِلْفَتَى
وَأَهْدَأُ وَالْأَفْكَارُ فِيَّ تَجُولُ
٣٧٣سِوَى وَجَعِ الْحُسَّادِ دَاوِ فَإِنَّهُ
إِذَا حَلَّ فِي قَلْبٍ فَلَيْسَ يَحُولُ
٣٧٤وَلَا تَطْمَعَنْ مِنْ حَاسِدٍ فِي مَوَدَّةٍ
وَإِنْ كُنْتَ تُبْدِيهَا لَهُ وَتُنِيلُ
٣٧٥وَإِنَّا لَنَلْقَى الْحَادِثَاتِ بِأَنْفُسٍ
كَثِيرُ الرَّزَايَا عِنْدَهُنَّ قَلِيلُ
٣٧٦يَهُونُ عَلَيْنَا أَنْ تُصَابَ جُسُومُنَا
وَتَسْلَمَ أَعْرَاضٌ لَنَا وَعُقُولُ
٣٧٧فَتِيهًا وفَخْرًا تَغْلِبَ ابْنَةَ وَائِلٍ
فَأَنْتَ لِخَيْرِ الْفَاخِرِينَ قَبِيلُ
٣٧٨يَغُمُّ عَلِيًّا أَنْ يَمُوتَ عَدُوُّهُ
إِذَا لَمْ تَغُلْهُ بِالْأَسِنَّةِ غُولُ
٣٧٩شَرِيكُ الْمَنَايَا وَالنُّفُوسِ غَنِيمَةٌ
فَكُلُّ مَمَاتٍ لَمْ يُمِتْهُ غُلُولُ
٣٨٠فَإِنْ تَكُنِ الدَّوْلَاتُ قِسْمًا فَإِنَّهَا
لِمَنْ وَرَدَ الْمَوْتَ الزُّؤَامَ تَدُولُ
٣٨١لِمَنْ هَوَّنَ الدُّنْيَا عَلَى النَّفْسِ سَاعَةً
وَلِلْبِيضِ فِي هَامِ الْكُمَاةِ صَلِيلُ
٣٨٢وقد جرى ذكر ما بين العرب والأكراد من الفضل، فقال له سيف الدولة: ما تقول في هذا وما تحكم يا أبا الطيب؟ فقال:
إِنْ كُنْتَ عَنْ خَيْرِ الْأَنَامِ سَائِلَا
فَخَيْرُهُمْ أَكْثَرُهُمْ فَضَائِلَا
مَنْ أَنْتَ مِنْهُمْ يَا هُمَامَ وَائِلَا
الطَّاعِنِينَ فِي الْوَغَى أَوَائِلَا
٣٨٣وَالْعَاذِلِينَ فِي النَّدَى الْعَوَاذِلَا
قَدْ فَضَلُوا بِفَضْلِكَ الْقَبَائِلَا
٣٨٤وقال يمدحه عند دخول رسول الروم عليه في صفر سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة:
دُرُوعٌ لِمَلْكِ الرُّومِ هَذِي الرَّسَائِلُ
يَرُدُّ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَيُشَاغِلُ
٣٨٥هِيَ الزَّرَدُ الضَّافِي عَلَيْهِ وَلَفْظُهَا
عَلَيْكَ ثَنَاءٌ سَابِغٌ وَفَضَائِلُ
٣٨٦وَأَنَّى اهْتَدَى هَذَا الرَّسُولُ بِأَرْضِهِ
وَمَا سَكَنَتْ مُذْ سِرْتَ فِيهَا الْقَسَاطِلُ؟!
٣٨٧وَمِنْ أَيِّ مَاءٍ كَانَ يَسْقِي جِيَادَهُ
وَلَمْ تَصْفُ مِنْ مَزْجِ الدِّمَاءِ الْمَنَاهِلُ؟!
٣٨٨أَتَاكَ يَكَادُ الرَّأْسُ يَجْحَدُ عُنْقَهُ
وَتَنْقَدُّ تَحْتَ الذُّعْرِ مِنْهُ الْمَفَاصِلُ
٣٨٩يُقَوِّمُ تَقْوِيمُ السَّمَاطَيْنِ مَشْيَهُ
إِلَيْكَ إِذَا مَا عَوَّجَتْهُ الْأَفَاكِلُ
٣٩٠فَقَاسَمَكَ الْعَيْنَيْنِ مِنْهُ وَلَحْظَهُ
سَمِيُّكَ وَالْخِلُّ الَّذِي لَا يُزَايِلُ
٣٩١وَأَبْصَرَ مِنْكَ الرِّزْقَ وَالرِّزْقُ مُطْمِعٌ
وَأَبْصَرَ مِنْهُ الْمَوْتَ وَالْمَوْتُ هَائِلُ
٣٩٢وَقَبَّلَ كُمًّا قَبَّلَ التُّرْبَ قَبْلَهُ
وَكُلُّ كَمِيٍّ وَاقِفٌ مُتَضَائِلُ
٣٩٣وَأَسْعَدُ مُشْتَاقٍ وَأَظْفَرُ طَالِبٍ
هُمَامٌ إِلَى تَقْبِيلِ كُمِّكَ وَاصِلُ
٣٩٤مَكَانٌ تَمَنَّاهُ الشِّفَاهُ وَدُونَهُ
صُدُورُ الْمَذَاكِي وَالرِّمَاحُ الذَّوَابِلُ
٣٩٥فَمَا بَلَّغَتْهُ مَا أَرَادَ كَرَامَةٌ
عَلَيْكَ وَلَكِنْ لَمْ يَخِبْ لَكَ سَائِلُ
٣٩٦وَأَكْبَرَ مِنْهُ هِمَّةً بَعَثَتْ بِهِ
إِلَيْكَ الْعِدَا وَاسْتَنْظَرَتْهُ الْجَحَافِلُ
٣٩٧فَأَقْبَلَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهْوَ مُرْسَلٌ
وَعَادَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَهْوَ عَاذِلُ
٣٩٨تَحَيَّرَ فِي سَيْفٍ رَبِيعَةُ أَصْلُهُ
وَطَابِعُهُ الرَّحْمَنُ وَالْمَجْدُ صَاقِلُ
٣٩٩وَمَا لَوْنُهُ مِمَّا تُحَصِّلُ مُقْلَةٌ
وَلَا حَدُّهُ مِمَّا تَجُسُّ الْأَنَامِلُ
٤٠٠إِذَا عايَنَتْكَ الرُّسْلُ هَانَتْ نُفُوسُهَا
عَلَيْهَا وَمَا جَاءَتْ بِهِ وَالْمُرَاسِلُ
٤٠١رَجَا الرُّومُ مَنْ تُرْجَى النَّوَافِلُ كُلُّهَا
لَدَيْهِ وَلَا تُرْجَى لَدَيْهِ الطَّوَائِلُ
٤٠٢فَإِنْ كَانَ خَوْفُ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ سَاقَهُمْ
فَقَدْ فَعَلُوا مَا الْقَتْلُ وَالْأَسْرُ فَاعِلُ
٤٠٣فَخَافُوكَ حَتَّى مَا لِقَتْلٍ زِيَادَةٌ
وَجَاءُوكَ حَتَّى مَا تُرَادُ السَّلَاسِلُ
٤٠٤أَرَى كُلَّ ذِي مُلْكٍ إِلَيْكَ مَصِيرُهُ
كَأَنَّكَ بَحْرٌ وَالْمُلُوكُ جَدَاوِلُ
٤٠٥إِذَا مَطَرَتْ مِنْهُمْ وَمِنْكَ سَحَائِبٌ
فَوَابِلُهُمْ طَلٌّ وَطَلُّكَ وَابِلُ
٤٠٦كَرِيمٌ مَتَى اسْتَوْهَبْتَ مَا أَنْتَ رَاكِبٌ
وَقَدْ لَقِحَتْ حَرْبٌ فَإِنَّكَ بَاذِلُ
٤٠٧أَذَا الْجُودِ أَعْطِ النَّاسِ مَا أَنْتَ مَالِكٌ
وَلَا تُعْطِيَنَّ النَّاسَ مَا أَنَا قَائِلُ
٤٠٨أَفِي كُلِّ يَوْمٍ تَحْتَ ضِبْنِي شُوَيْعِرٌ
ضَعِيفٌ يُقَاوِينِي قَصِيرٌ يُطَاوِلُ؟!
٤٠٩لِسَانِي بِنُطْقِي صَامِتٌ عَنْهُ عَادِلُ
وَقَلْبِي بِصَمْتِي ضَاحِكٌ مِنْهُ هَازِلُ
٤١٠وَأَتْعَبُ مَنْ نَادَاكَ مَنْ لَا تُجِيبُهُ
وَأَغْيَظُ مَنْ عَادَاكَ مَنْ لَا تُشَاكِلُ
٤١١وَمَا التِّيهُ طِبِّي فِيهِمُ غَيْرَ أَنَّنِي
بَغِيضٌ إِلَيَّ الْجَاهِلُ الْمُتَعَاقِلُ
٤١٢وَأَكْبَرُ تِيهِي أَنَّنِي بِكَ وَاثِقٌ
وَأَكْثَرُ مَا لِي أَنَّنِي لَكَ آمِلُ
٤١٣لَعَلَّ لِسَيْفِ الدَّوْلَةِ الْقَرْمِ هَبَّةً
يَعِيشُ بِهَا حَقٌّ وَيَهْلِكُ بَاطِلُ
٤١٤رَمَيْتُ عِدَاهُ بِالْقَوَافِي وَفَضْلِهِ
وَهُنَّ الْغَوَازِي السَّالِمَاتُ الْقَوَاتِلُ
٤١٥وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ النُّجُومَ خَوَالِدٌ
وَلَوَ حَارَبَتْهُ نَاحَ فِيهَا الثَّوَاكِلُ
٤١٦وَمَا كَانَ أَدْنَاهَا لَهُ لَوْ أَرَادَهَا
وَأَلْطَفَهَا لَوْ أَنَّهُ الْمُتَنَاوِلُ
٤١٧قَرِيبٌ عَلَيْهِ كُلُّ نَاءٍ عَلَى الْوَرَى
إِذَا لَثَّمَتْهُ بِالْغُبَارِ الْقَنَابِلُ
٤١٨تُدَبِّرُ شَرْقَ الْأَرْضِ وَالْغَرْبِ كَفُّهُ
وَلَيْسَ لَهَا وَقْتًا عَنِ الْجُودِ شَاغِلُ
٤١٩يُتَبِّعُ هُرَّابَ الرِّجَالِ مُرَادُهُ
فَمَنْ فَرَّ حَرْبًا عَارَضَتْهُ الْغَوَائِلُ
٤٢٠وَمَنْ فَرَّ مِنْ إِحْسَانِهِ حَسَدًا لَهُ
تَلَقَّاهُ مِنْهُ حَيْثُمَا سَارَ نَائِلُ
٤٢١فَتًى لَا يَرَى إِحْسَانَهُ وَهْوَ كَامِلٌ
لَهُ كَامِلًا حَتَّى يُرَى وَهْوَ شَامِلُ
٤٢٢إِذَا الْعَرَبُ الْعَرْبَاءُ رَازَتْ نُفُوسَهَا
فَأَنْتَ فَتَاهَا وَالْمَلِيكُ الْحُلَاحِلُ
٤٢٣أَطَاعَتْكَ فِي أَرْوَاحِهَا وَتَصَرَّفَتْ
بِأَمْرِكَ وَالْتَفَّتْ عَلَيْكَ الْقَبَائِلُ
٤٢٤وَكُلُّ أَنَابِيبِ الْقَنَا مَدَدٌ لَهُ
وَمَا يَنْكُتُ الْفُرْسَانَ إِلَّا الْعَوَامِلُ
٤٢٥رَأَيْتُكَ لَوْ لَمْ يَقْتَضِ الطَّعْنُ فِي الْوَغَى
إِلَيْكَ انْقِيَادًا لَاقْتَضَتْهُ الشَّمَائِلُ
٤٢٦وَمَنْ لَمْ تُعَلِّمْهُ لَكَ الذُّلَّ نَفْسُهُ
مِنَ النَّاسِ طُرًّا عَلَّمَتْهُ الْمَنَاصِلُ
٤٢٧وقال يعزيه بأخته الصغرى، ويسليه بالكبرى، وأنشدها في رمضان سنة أربع وأربعين وثلاثمائة:
إِنْ يَكُنْ صَبْرُ ذِي الرَّزِيَّةِ فَضْلًا
تَكُنِ الْأَفْضَلَ الْأَعَزَّ الْأَجَلَّا
٤٢٨أَنْتَ يَا فَوْقَ أَنْ تُعْزَّى عَنِ الْأَحـْ
ـبَابِ فَوْقَ الَّذِي يُعَزِّيكَ عَقْلَا
٤٢٩وَبِأَلْفَاظِكَ اهْتَدَى فَإِذَا عَزْ
زَاكَ قَالَ الَّذِي لَهُ قُلْتَ قَبْلَا
٤٣٠قَدْ بَلَوْتَ الْخُطُوبَ مُرًّا وَحُلْوًا
وَسَلَكْتَ الْأَيَّامَ حَزْنًا وَسَهْلَا
٤٣١وَقَتَلْتَ الزَّمَانَ عِلْمًا فَمَا يُغـْ
ـرِبُ قَوْلًا وَلَا يُجَدِّدُ فِعْلَا
٤٣٢أَجِدُ الْحُزْنَ فِيكَ حِفْظًا وَعَقْلَا
وَأَرَاهُ فِي الْخَلْقِ ذُعْرًا وَجَهْلَا
٤٣٣لَكَ إِلْفٌ يَجُرُّهُ وَإِذَا مَا
كَرُمَ الْأَصْلُ كَانَ لِلْإِلْفِ أَصْلَا
٤٣٤وَوَفَاءٌ نَبَتَّ فِيهِ وَلَكِنْ
لَمْ يَزَلْ لِلْوَفَاءِ أَهْلُكَ أَهْلَا
٤٣٥إِنَّ خَيْرَ الدُّمُوعِ عَوْنًا لَدَمْعٌ
بَعَثَتْهُ رِعَايَةٌ فَاسْتَهَلَّا
٤٣٦أَيْنَ ذِي الرِّقَّةِ الَّتِي لَكَ فِي الْحَرْ
بِ إِذَا اسْتُكْرِهَ الْحَدِيدُ وَصَلَّا؟!
٤٣٧أَيْنَ خَلَّفْتَهَا غَدَاةَ لَقِيتَ الرُّ
ومَ وَالْهَامُ بِالصَّوَارِمِ تُفْلَى؟!
٤٣٨قَاسَمَتْكَ الْمَنُونُ شَخْصَيْنِ جَوْرًا
جَعَلَ الْقِسْمُ نَفْسَهُ فِيكَ عَدْلا
٤٣٩فَإِذَا قِسْتَ مَا أَخَذْنَ بِمَا أَغـْ
ـدَرْنَ سَرَّى عَنِ الْفُؤَادِ وَسَلَّى
٤٤٠وَتَيَقَّنْتَ أَنَّ حَظَّكَ أَوْفَى
وَتَبَيَّنْتَ أَنَّ جَدَّكَ أَعْلَى
٤٤١وَلَعَمْرِي لَقَدْ شَغَلْتَ الْمَنَايَا
بِالْأَعَادِي فَكَيْفَ يَطْلُبْنَ شُغْلَا؟!
٤٤٢وَكَمِ انْتَشتَ بِالسُّيُوفِ مِنَ الدَّهـْ
ـرِ أَسِيرًا وَبِالنَّوَالِ مُقِلَّا!
٤٤٣عَدَّهَا نُصْرَةً عَلَيْهِ فَلَمَّا
صَالَ خَتْلا رَآهُ أَدْرَكَ تَبْلَا
٤٤٤كَذَبَتْهُ ظُنُونُهُ أَنْتَ تُبْلِيـ
ـهِ وَتَبْقَى فِي نِعْمَةٍ لَيْسَ تَبْلَى
٤٤٥وَلَقَدْ رَامَكَ الْعُدَاةُ كَمَا رَا
مَ فَلَمْ يَجْرَحُوا لِشَخْصِكَ ظِلَّا
٤٤٦وَلَقَدْ رُمْتَ بِالسَّعَادَةِ بَعْضًا
مِنْ نُفُوسِ الْعِدَا فَأَدْرَكْتَ كُلَّا
٤٤٧قَارَعَتْ رُمْحَكَ الرِّمَاحُ وَلَكِنْ
تَرَكَ الرَّامِحِينَ رُمْحَكَ عُزْلَا
٤٤٨لَوْ يَكُونُ الَّذِي وَرَدْتَ مِنَ الْفَجـْ
ـعَةِ طَعْنًا أَوْرَدْتَهُ الْخَيْلَ قُبْلَا
٤٤٩وَلَكَشَفْتَ ذَا الْحَنِينَ بِضَرْبٍ
طَالَمَا كَشَّفَ الْكُرُوبَ وَجَلَّى
٤٥٠خِطْبَةٌ لِلْحِمَامِ لَيْسَ لَهَا رَدٌّ
وَإِنْ كَانَتِ الْمُسَمَّاةَ ثُكْلَا
٤٥١وَإِذَا لَمْ تَجِدْ مِنَ النَّاسِ كُفْوًا
ذَاتُ خِدْرٍ أَرَادَتِ الْمَوْتَ بَعْلَا
٤٥٢وَلَذِيذُ الْحَيَاةِ أَنْفَسُ فِي النَّفـْ
ـسِ وَأَشْهَى مِنْ أَنْ يُمَلَّ وَأَحْلَى
٤٥٣وَإِذَا الشَّيْخُ قَالَ: أُفٍّ، فَمَا مَلـْ
ـلَ حَيَاةً وَإِنَّمَا الضَّعْفَ مَلَّا
٤٥٤آلَةُ الْعَيْشِ صِحَّةٌ وَشَبَابٌ
فَإِذَا وَلَّيَا عَنِ الْمَرْءِ وَلَّى
٤٥٥أَبَدًا تَسْتَرِدُّ مَا تَهَبُ الدُّنـْ
ـيَا فَيَا لَيْتَ جُودَهَا كَانَ بُخْلَا!
٤٥٦فَكَفَتْ كَوْنَ فَرْحَةٍ تُورِثُ الْغَمـْ
ـمَ وَخِلٍّ يُغَادِرُ الْوَجْدَ خَلَّا
٤٥٧وَهْيَ مَعْشُوقَةٌ عَلَى الْغَدْرِ لَا تَحـْ
ـفَظُ عَهْدًا وَلَا تُتَمِّمُ وَصْلَا
٤٥٨كُلُّ دَمْعٍ يَسِيلُ مِنْهَا عَلَيْهَا
وَبِفَكِّ الْيَدَيْنِ عَنْهَا تُخَلَّى
٤٥٩شِيَمُ الْغَانِيَاتِ فِيهَا فَلَا أَدْ
رِي لِذَا أَنَّثَ اسْمَهَا النَّاسُ أَمْ لَا؟
٤٦٠يَا مَلِيكَ الْوَرَى الْمُفَرِّقَ مَحْيًا
وَمَمَاتًا فِيهِمِ وَعِزًّا وَذُلَّا
٤٦١قَلَّدَ اللَّهُ دَوْلَةً سَيْفُهَا أَنـْ
ـتَ حُسَامًا بِالْمَكْرُمَاتِ مُحَلَّى
٤٦٢فَبِهِ أَغْنَتِ الْمَوَالِيَ بَذْلًا
وَبِهِ أَفْنَتِ الْأَعَادِيَ قَتْلَا
٤٦٣وَإِذَا اهْتَزَّ لِلنَّدَى كَانَ بَحْرًا
وَإِذَا اهْتَزَّ لِلْوَغَى كَانَ نَصْلَا
٤٦٤وَإِذَا الْأَرْضُ أَظْلَمَتْ كَانَ شَمْسًا
وَإِذَا الْأَرْضُ أَمْحَلَتْ كَانَ وَبْلَا
٤٦٥وَهُوَ الضَّارِبُ الْكَتِيبَةِ وَالطَّعـْ
ـنَةُ تَغْلُو وَالضَّرْبُ أَغْلَى وَأَغْلَى
٤٦٦أَيُّهَا الْبَاهِرُ الْعُقُولَ فَمَا تُدْ
رَكُ وَصْفًا أَتْعَبْتَ فِكْرِي فَمَهْلَا
٤٦٧مَنْ تَعَاطَى تَشَبُّهًا بِكَ أَعْيَا
هُ وَمَنْ دَلَّ فِي طَرِيقِكَ ضَلَّا
٤٦٨فَإِذَا مَا اشْتَهَى خُلُودَكَ دَاعٍ
قَالَ: لَا زُلْتَ أَوْ تَرَى لَكَ مِثْلَا
٤٦٩وقال يمدحه ويذكر نهوضه إلى ثغر الحدث لما بلغه أن الروم أحاطت به، وذلك في جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وثلاثمائة:
٤٧٠ذِي الْمَعَالِي فَلْيَعْلُوَنْ مَنْ تَعَالَى
هَكَذَا هَكَذَا وَإِلَّا فَلَا لَا
٤٧١شَرَفٌ يَنْطِحُ النُّجُومَ بِرَوْقَيـْ
ـهِ وَعِزٌّ يُقَلْقِلُ الْأَجْبَالَا
٤٧٢حَالُ أَعْدَائِنَا عَظِيمٌ وَسَيْفُ الدْ
دَوْلَةِ ابْنُ السُّيُوفِ أَعْظَمُ حَالَا
٤٧٣كُلَّمَا أَعْجَلُوا النَّذِيرَ مَسِيرًا
أَعْجَلَتْهُ جِيَادُهُ الْإِعْجَالَا
٤٧٤فَأَتَتْهُمْ خَوَارِقَ الْأَرْضِ مَا تَحـْ
ـمِلُ إِلَّا الْحَدِيدَ وَالْأَبْطَالَا
٤٧٥خَافِيَاتِ الْأَلْوَانِ قَدْ نَسَجَ النَّقـْ
ـعُ عَلَيْهَا بَرَاقِعًا وَجِلَالَا
٤٧٦حَالَفَتْهُ صُدُورُهَا وَالْعَوَالِي
لَتَخُوضَنَّ دُونَهُ الْأَهْوَالَا
٤٧٧وَلَتَمْضِنَّ حَيْثُ لَا يَجِدُ الرُّمـْ
ـحُ مَدَارًا وَلَا الْحِصَانُ مَجَالَا
٤٧٨لَا أَلُومُ ابْنَ لَاوُنٍ مَلِكَ الرُّو
مِ وَإِنْ كَانَ مَا تَمَنَّى مُحَالَا
٤٧٩أَقْلَقَتْهُ بَنِيَّةٌ بَيْنَ أُذْنَيـْ
ـهِ وَبَانٍ بَغَي السَّمَاءَ فَنَالَا
٤٨٠كُلَّمَا رَامَ حَطَّهَا اتَّسَعَ الْبَنـْ
ـيُ فَغَطَّى جَبِينَهُ وَالْقَذَالَا
٤٨١يَجْمَعُ الرُّومَ وَالصَّقَالِبَ وَالْبُلـْ
ـغَرَ فِيهَا وَتَجْمَعُ الْآجَالَا
٤٨٢وَتُوَافِيهِمْ بِهَا فِي الْقَنَا السُّمـْ
ـرِ كَمَا وَافَتِ الْعِطَاشُ الصِّلَالَا
٤٨٣قَصَدُوا هَدْمَ سُورِهَا فَبَنَوْهُ
وَأَتَوْا كَيْ يُقَصِّرُوهُ فَطَالَا
٤٨٤وَاسْتَجَرُّوا مَكَايِدَ الْحَرْبِ حَتَّى
تَرَكُوهَا لَهَا عَلَيْهِمْ وَبَالَا
٤٨٥رُبَّ أَمْرٍ أَتَاكَ لَا تَحْمَدُ الْفُعـْ
ـعَالَ فِيهِ وَتَحْمَدُ الْأَفْعَالَا
٤٨٦وَقِسِيٍّ رُمِيَتْ عَنْهَا فَرَدَّتْ
فِي قُلُوِب الرُّمَاةِ عَنْكَ النِّصَالَا
٤٨٧أَخَذُوا الطُّرْقَ يَقْطَعُونَ بِهَا الرُّسـْ
ـلَ فَكَانَ انْقِطَاعُهَا إِرْسَالَا
٤٨٨وَهُمُ الْبَحْرُ ذُو الْغَوَارِبِ إِلَّا
أَنَّهُ صَارَ عِنْدَ بَحْرِكَ آلَا
٤٨٩مَا مَضَوْا لَمْ يُقَاتِلُوكَ وَلَكِنَّ
الْقِتَالَ الَّذِي كَفَاكَ الْقِتَالَا
٤٩٠وَالَّذِي قَطَّعَ الرِّقَابَ مِنَ الضَّرْ
بِ بِكَفَّيْكَ قَطَّعَ الْآمَالَا
٤٩١وَالثَّبَاتُ الَّذِي أَجَادُوا قَدِيمًا
عَلَّمَ الثَّابِتِينَ ذَا الْإِجْفَالَا
٤٩٢نَزَلُوا فِي مَصَارِعٍ عَرَفُوهَا
يَنْدُبُونَ الْأَعْمَامَ وَالْأَخْوَالَا
٤٩٣تَحْمِلُ الرِّيحُ بَيْنَهُمْ شَعَرَ الْهَا
مِ وَتُذْرِي عَلَيْهِمِ الْأَوْصَالَا
٤٩٤تُنْذِرُ الْجِسْمَ أَنْ يُقِيمَ لَدَيْهَا
وَتُرِيهِ لِكُلِّ عُضْوٍ مِثَالَا
٤٩٥أَبْصَرُوا الطَّعْنَ فِي الْقُلُوبِ دِرَاكًا
قَبْلَ أَنْ يُبْصِرُوا الرِّمَاحَ خَيَالَا
٤٩٦وَإِذَا حَاوَلَتْ طِعَانَكَ خَيْلٌ
أَبْصَرَتْ أَذْرُعَ الْقَنَا أَمْيَالَا
٤٩٧بَسَطَ الرُّعْبُ فِي الْيَمِينِ يَمِينًا
فَتَوَلَّوْا، وَفِي الشِّمَالِ شِمَالَا
٤٩٨يَنْفُضُ الرَّوْعَ أَيْدِيًا لَيْسَ تَدْرِي
أَسُيُوفًا حَمَلْنَ أَمْ أَغْلَالَا؟!
٤٩٩وَوُجُوهًا أَخَافَهَا مِنْكَ وَجْهٌ
تَرَكَتْ حُسْنَهَا لَهُ وَالْجَمَالَا
٥٠٠وَالْعِيَانُ الْجَلِيُّ يُحْدِثُ لِلظَّنِّ
زَوَالًا وَلِلْمُرَادِ انْتِقَالَا
٥٠١وَإِذَا مَا خَلَا الْجَبَانُ بِأَرْضٍ
طَلَبَ الطَّعْنَ وَحْدَهُ وَالنِّزَالَا
٥٠٢أَقْسَمُوا لَا رَأَوْكَ إِلَّا بِقَلْبٍ
طَالَمَا غَرَّتِ الْعُيُونُ الرِّجَالَا
٥٠٣أَيُّ عَيْنٍ تَأَمَّلَتْكَ فَلَاقَتْكَ
وَطَرْفٍ رَنَا إِلَيْكَ فَآلَا
٥٠٤وَمَا يَشُكُّ اللَّعِين فِي أَخْذِكَ الْجَيـْ
ـشَ فَهَلْ يَبْعَثُ الْجُيُوشَ نَوَالَا؟!
٥٠٥مَا لِمَنْ يَنْصِبُ الْحَبَائِلَ فِي الْأَرْ
ضِ وَمَرْجَاهُ أَنْ يَصِيدَ الْهِلَالَا؟!
٥٠٦إِنَّ دُونَ الَّتِي عَلَى الدَّرْبِ وَالْأَحـْ
ـدَبِ وَالنَّهْرِ مِخْلَطًا مِزْيَالَا
٥٠٧غَصَبَ الدَّهْرَ وَالْمُلُوكَ عَلَيْهَا
فَبَنَاهَا فِي وَجْنَةِ الدَّهْرِ خَالَا
٥٠٨فَهْيَ تَمْشِي مَشْيَ الْعَرُوسِ اخْتِيَالَا
وَتَثَنَّى عَلَى الزَّمَانِ دَلَالَا
٥٠٩وَحَمَاهَا بِكُلِّ مُطَّرِدِ الْأَكـْ
ـعُبِ جَوْرَ الزَّمَانِ وَالْأَوْجَالَا
٥١٠وَظُبًا تَعْرِفُ الْحَرَامَ مِنَ الْحِلِّ
فَقَدْ أَفْنَتِ الدِّمَاءَ حَلَالَا
٥١١فِي خَمِيسٍ مِنَ الْأُسُودِ بَئِيسٍ
يَفْتَرِسْنَ النُّفُوسَ وَالْأَمْوَالَا
٥١٢إِنَّمَا أَنْفُسُ الْأَنِيسِ سِبَاعٌ
يَتَفَارَسْنَ جَهْرَةً وَاغْتِيَالَا
٥١٣مَنْ أَطَاقَ الْتِمَاسَ شَيْءٍ غِلَابًا
وَاغْتِصَابًا لَمْ يَلْتَمِسْهُ سُؤَالَا
٥١٤كُلُّ غَادٍ لِحَاجَةٍ يَتَمَنَّى
أَنْ يَكُونَ الْغَضَنْفَرَ الرِّئْبَالَا
٥١٥وأنفذ إليه سيف الدولة ابنه من حلب إلى الكوفة ومعه هدية، وكان ذلك بعد خروجه من مصر ومفارقته كافورًا، فقال يمدحه، وكتب بها إليه من الكوفة سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة:
مَا لَنَا كُلُّنَا جَوٍ يَا رَسُولُ
أَنَا أَهْوَى وَقَلْبُكَ الْمَتْبُولُ؟!
٥١٦كُلَّمَا عَادَ مَنْ بَعَثْتُ إِلَيْهَا
غَارَ مِنِّي وَخَانَ فِيمَا يَقُولُ
٥١٧أَفْسَدَتْ بَيْنَنَا الْأَمَانَاتِ عَيْنَا
هَا، وَخَانَتْ قُلُوبَهُنَّ الْعُقُولُ
٥١٨تَشْتَكِي مَا اشْتَكَيْتُ مِنْ أَلَمِ الشَّوْ
قِ إِلَيْهَا وَالشَّوْقُ حَيْثُ النُّحُولُ
٥١٩وَإِذَا خَامَرَ الْهَوَى قَلْبَ صَبٍّ
فَعَلَيْهِ لِكُلِّ عَيْنٍ دَلِيلُ
٥٢٠زَوِّدِينَا مِنْ حُسْنِ وَجْهِكِ مَا دَا
مَ فَحُسْنُ الْوُجُوهِ حَالٌ تَحُولُ
٥٢١وَصِلِينَا نَصِلْكِ فِي هَذِهِ الدُّنـْ
ـيَا فَإِنَّ الْمُقَامَ فِيهَا قَلِيلُ
٥٢٢مَنْ رَآهَا بِعَيْنِهَا شَاقَهُ الْقُطَّا
نُ فِيهَا كَمَا تَشُوقُ الْحُمُولُ
٥٢٣إِنْ تَرَيْنِي أَدِمْتُ بَعْدَ بَيَاضٍ
فَحَمِيدٌ مِنَ الْقَنَاةِ الذُّبُولُ
٥٢٤صَحِبَتْنِي عَلَى الْفَلَاةِ فَتَاةٌ
عَادَةُ اللَّوْنِ عِنْدَهَا التَّبْدِيلُ
٥٢٥سَتَرَتْكِ الْحِجَالُ عَنْهَا وَلَكِنْ
بِكِ مِنْهَا مِنَ اللَّمَى تَقْبِيلُ
٥٢٦مِثْلُهَا أَنْتِ لَوَّحَتْنِي وَأَسْقَمـْ
ـتِ وَزَادَتْ أَبْهَاكمَا الْعُطْبُولُ
٥٢٧نَحْنُ أَدْرَى وَقَدْ سَأَلْنَا بِنَجْدٍ
أَقَصِيرٌ طَرِيقُنَا أَمْ يَطُولُ؟
٥٢٨وَكَثِيرٌ مِنَ السُّؤَالِ اشْتِيَاقٌ
وَكَثِيرٌ مِنْ رَدِّهِ تَعْلِيلُ
٥٢٩لَا أَقَمْنَا عَلَى مَكَانٍ وَإِنْ طَا
بَ وَلَا يُمْكِنُ الْمَكَانَ الرَّحِيلُ
٥٣٠كُلَّمَا رَحَّبَتْ بِنَا الرَّوْضُ قُلْنَا:
حَلَبٌ قَصْدُنَا وَأَنْتِ السَّبِيلُ
٥٣١فِيكِ مَرْعَى جِيَادِنَا وَالْمَطَايَا
وَإِلَيْهَا وَجِيفُنَا وَالذَّمِيلُ
٥٣٢وَالْمُسَمَّوْنَ بِالْأَمِيرِ كَثِيرٌ
وَالْأَمِيرُ الَّذِي بِهَا الْمَأْمُولُ
الَّذِي زُلْتُ عَنْهُ شَرْقًا وَغَرْبًا
وَنَدَاهُ مُقَابِلِي مَا يَزُولُ
٥٣٣وَمَعِي أَيْنَمَا سَلَكْتُ كَأَنِّي
كُلُّ وَجْهٍ لَهُ بِوَجْهِي كَفِيلُ
٥٣٤وَإِذَا الْعَذْلُ فِي النَّدَى زَارَ سَمْعًا
فَفِدَاهُ الْعَذُولُ وَالْمَعْذُولُ
٥٣٥وَمَوَالٍ تُحْيِيهِمِ مِنْ يَدَيْهِ
نِعَمٌ غَيْرُهُمْ بِهَا مَقْتُولُ
٥٣٦فَرَسٌ سَابِقٌ وَرُمْحٌ طَوِيلٌ
وَدِلَاصٌ زُغْفٌ وَسَيْفٌ صَقِيلُ
٥٣٧كُلَّمَا صَبَّحَتْ دِيَارَ عَدُوٍّ
قَالَ تِلْكَ الْغُيُوثُ: هَذِي السُّيُولُ
٥٣٨دَهِمَتْهُ تُطَايِرُ الزَّرَدَ الْمُحـْ
ـكَمَ عَنْهُ كَمَا يَطِيرُ النَّسِيلُ
٥٣٩تَقْنِصُ الْخَيْلَ خَيْلُهُ قَنَصَ الْوَحـْ
ـشِ وَيَسْتَأْسِرُ الْخَمِيسَ الرَّعِيلُ
٥٤٠وَإِذَا الْحَرْبُ أَعْرَضَتْ زَعَمَ الْهَوْ
لُ لِعَيْنَيْهِ أَنَّهُ تَهْوِيلُ
٥٤١وَإِذَا صَحَّ فَالزَّمَانُ صَحِيحٌ
وَإِذَا اعْتَلَّ فَالزَّمَانُ عَلِيلُ
٥٤٢وَإِذَا غَابَ وَجْهُهُ عَنْ مَكَانٍ
فَبِهِ مِنْ ثَنَاهُ وَجْهٌ جَمِيلُ
٥٤٣لَيْسَ إِلَّاكَ يَا عَلِيُّ هُمَامٌ
سَيْفُهُ دُونَ عِرْضِهِ مَسْلُولُ
٥٤٤كَيْفَ لَا يَأْمَنُ الْعِرَاقُ وَمِصْرٌ
وَسَرَايَاكَ دُوْنَهَا وَالْخُيُولُ؟!
٥٤٥لَوْ تَحَرَّفْتَ عَنْ طَرِيقِ الْأَعَادِي
رَبَطَ السِّدْرَ خَيْلَهُمْ وَالنَّخِيلُ
٥٤٦وَدَرَى مَن أَعَزَّهُ الدَّفْعُ عَنْهُ
فِيهِمَا أَنَّهُ الْحَقِيرُ الذَّلِيلُ
٥٤٧أَنْتَ طُولَ الْحَيَاةِ لِلرُّومِ غَازٍ
فَمَتَى الْوَعْدُ أَنْ يَكُونَ الْقُفُولُ؟!
٥٤٨وَسِوَى الرُّومِ خَلْفَ ظَهْرِكَ رُومٌ
فَعَلَى أَيِّ جَانِبَيْكَ تَمِيلُ؟
٥٤٩قَعَدَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَنْ مَسَاعِيـ
ـكَ وَقَامَتْ بِهَا الْقَنَا وَالنُّصُولُ
٥٥٠مَا الَّذِي عِنْدَهُ تُدَارُ الْمَنَايَا
كَالَّذِي عِنْدَهُ تُدَارُ الشَّمُولُ
٥٥١لَسْتُ أَرْضَى بِأَنْ تَكُونَ جَوَادًا
وَزَمَانِي بِأَنْ أَرَاكَ بَخِيلُ
٥٥٢نَغَّصَ الْبُعْدُ عَنْكَ قُرْبَ الْعَطَايَا
مَرْتَعِي مُخْصِبٌ وَجِسْمِي هَزِيلُ
٥٥٣إِنْ تَبَوَّأْتُ غَيْرَ دُنْيَايَ دَارًا
وَأَتَانِي نَيْلٌ فَأَنْتَ الْمُنِيلُ
٥٥٤مِنْ عَبِيدِي إِنْ عِشْتَ لِي أَلْفُ كَافُو
رٍ وَلِي مِنْ نَدَاكَ رِيفٌ وَنِيلُ
٥٥٥مَا أُبَالِي إِذَا اتَّقَتْكَ الرَّزَايَا
مَنْ دَهَتْهُ حُبُولُهَا وَالْخُبُولُ
٥٥٦وقال في صباه، وقد قيل له وهو في المكتب ما أحسن هذه الوفرة:
لَا تَحْسُنُ الْوَفْرَةُ حَتَّى تُرَى
مَنْشُورَةَ الضَّفْرَيْنِ يَوْمَ الْقِتَالْ
٥٥٧عَلَى فَتًى مُعْتَقِلٍ صَعْدَةً
يَعُلُّهَا مِنْ كُلِّ وَافِي السِّبَالْ
٥٥٨وقال في صباه:
مُحِبِّي قِيَامِيَ مَا لِذَالِكُمُ النَّصْلِ
بَرِيئًا مِنَ الْجَرْحَى سَلِيمًا مِنَ الْقَتْلِ؟
٥٥٩أَرَى مِنْ فِرِنْدِي قِطْعَةً فِي فِرِنْدِهِ
وَجَوْدَةُ ضَرْبِ الْهَامِ فِي جَوْدَةِ الصَّقْلِ
٥٦٠وَخُضْرَةُ ثَوْبِ الْعَيْشِ فِي الْخُضْرَةِ الَّتِي
أَرَتْكَ احْمِرَارَ الْمَوْتِ فِي مَدْرَجِ النَّمْلِ
٥٦١أَمِطْ عَنْكَ تَشْبِيهِي بِمَا وَكَأَنَّهُ
فَمَا أَحَدٌ فَوْقِي وَلَا أَحَدٌ مِثْلِي
٥٦٢وَذَرْنِي وَإِيَّاهُ وَطِرْفِي وَذَابِلِي
نَكُنْ وَاحِدًا يَلْقَى الْوَرَى وَانْظُرَنْ فِعْلِي
٥٦٣وقال في صباه يمدح سعيد بن عبد الله بن الحسن الكلابي المنبجي:
أَحْيَا وَأَيْسَرُ مَا قَاسَيْتُ مَا قَتَلَا
وَالْبَيْنُ جَارَ عَلَى ضَعْفِي وَمَا عَدَلَا
٥٦٤وَالْوَجْدُ يَقْوَى كَمَا تَقْوَى النَّوَى أَبَدًا
وَالصَّبْرُ يَنْحَلُ فِي جِسْمِي كَمَا نَحِلَا
٥٦٥لَوْلَا مُفَارَقَةُ الْأَحْبَابِ مَا وَجَدَتْ
لَهَا الْمَنَايَا إِلَى أَرْوَاحِنَا سُبُلَا
٥٦٦بِمَا بِجَفْنَيْكِ مِنْ سِحْرٍ صِلِي دَنِفًا
يَهْوَى الْحَيَاةَ وَأَمَّا إِنْ صَدَدْتِ فَلَا
٥٦٧إِلَّا يَشِبْ فَلَقَدْ شَابَتْ لَهُ كَبِدٌ
شَيْبًا إِذَا خَضَّبَتْهُ سَلْوَةٌ نَصلَا
٥٦٨يُجَنُّ شَوْقًا فَلَوْلَا أَنَّ رَائِحَةً
تَزُورُهُ فِي رِيَاحِ الشَّرْقِ مَا عَقَلَا
٥٦٩هَا فَانْظُرِي أَوْ فَظُنِّي بِي تَرَيْ حُرَقًا
مَنْ لَمْ يَذُقْ طَرَفًا مِنْهَا فَقَدْ وَأَلَا
٥٧٠عَلَّ الْأَمِيرَ يَرَى ذُلِّي فَيَشْفَعَ لِي
إِلَى الَّتِي تَرَكَتْنِي فِي الْهَوَى مَثَلَا
٥٧١أَيْقَنْتُ أَنَّ سَعِيدًا طَالِبٌ بِدَمِي
لَمَّا بَصُرْتُ بِهِ بِالرُّمْحِ مُعْتَقِلَا
٥٧٢وَأَنَّنِي غَيْرُ مُحْصٍ فَضْلَ وَالِدِهِ
وَنَائِلٌ دُونَ نَيْلِي وَصْفَهُ زُحَلَا
٥٧٣قَيْلٌ بِمَنْبِجَ مَثْوَاهُ وَنَائِلُهُ
فِي الْأُفْقِ يَسْأَلُ عَمَّنْ غَيْرَهُ سَأَلَا
٥٧٤يَلُوحُ بَدْرُ الدُّجَى فِي صَحْنِ غُرَّتِهِ
وَيَحْمِلُ الْمَوْتَ فِي الْهَيْجَاءِ إِنْ حَمَلَا
٥٧٥تُرَابُهُ فِي كِلَابٍ كُحْلُ أَعْيُنِهَا
وَسَيْفُهُ فِي جَنَابٍ يَسْبِقُ الْعَذَلَا
٥٧٦لِنُورِهِ فِي سَمَاءِ الْفَخْرِ مُخْتَرَقٌ
لَوْ صَاعَدَ الْفِكْرُ فِيهِ الدَّهْرَ مَا نَزَلَا
٥٧٧هُوَ الْأَمِيرُ الَّذِي بَادَتْ تَمِيمُ بِهِ
قِدْمًا وَسَاقَ إِلَيْهَا حَيْنُهَا الْأَجَلَا
٥٧٨لَمَّا رَأَتْهُ وَخَيْلُ النَّصْرِ مُقْبِلَةٌ
وَالْحَرْبُ غَيْرُ عَوَانٍ أَسْلَمُوا الْحِلَلَا
٥٧٩وَضَاقَتِ الْأَرْضُ حَتَّى كَانَ هَارِبُهُمْ
إِذَا رَأَى غَيْرَ شَيْءٍ ظَنَّهُ رَجُلَا
٥٨٠فَبَعْدَهُ وَإِلَى ذَا الْيَوْمِ لَوْ رَكَضَتْ
بِالْخَيْلِ فِي لَهَوَاتِ الطِّفْلِ مَا سَعَلَا
٥٨١فَقَدْ تَرَكْتَ الْأُلَى لَاقَيْتُهُمْ جَزَرًا
وَقَدْ قَتَلْتَ الْأُلَى لَمْ تَلْقَهُمْ وَجَلَا
٥٨٢كَمْ مَهْمَهٍ قَذَفٍ قَلْبُ الدَّلِيلِ بِهِ
قَلْبُ الْمُحِبِّ قَضَانِي بَعْدَمَا مَطَلَا
٥٨٣عَقَدْتُ بِالنَّجْمِ طَرْفِي فِي مَفَاوِزِهِ
وَحُرَّ وَجْهِي بِحَرِّ الشَّمْسِ إِذْ أَفَلَا
٥٨٤أَنْكَحْتُ صُمَّ حَصَاهَا خُفَّ يَعْمَلَةٍ
تَغَشْمَرَتْ بِي إِلَيْكَ السَّهْلَ وَالْجَبَلَا
٥٨٥لَوْ كُنْتَ حَشْوَ قَمِيصِي فَوْقَ نُمْرُقِهَا
سَمِعْتَ لِلْجِنِّ فِي غِيطَانِهَا زَجَلَا
٥٨٦حَتَّى وَصَلْتُ بِنَفْسٍ مَاتَ أَكْثَرُهَا
وَلَيْتَنِي عِشْتُ مِنْهَا بِالَّذِي فَضَلَا
٥٨٧أَرْجُو نَدَاكَ وَلَا أَخْشَى الْمِطَالَ بِهِ
يَا مَنْ إِذَا وَهَبَ الدُّنْيَا فَقَدْ بَخِلَا
٥٨٨وقال في صباه، وقد أهدى له عبيد الله بن خلكان من خراسان هدية فيها سمك من سكر ولوز في عسل:
قَدْ شَغَلَ النَّاسَ كَثْرَةُ الْأَمَلِ
وَأَنْتَ بِالْمَكْرُمَاتِ فِي شُغُلِ
٥٨٩تَمَثَّلُوا حَاتِمًا وَلَوْ عَقَلُوا
لَكُنْتَ فِي الْجُودِ غَايَةَ الْمَثَلِ
٥٩٠أَهْلًا وَسَهْلًا بِمَا بَعَثْتَ بِهِ
إِيهًا أَبَا قَاسِمٍ وَبِالرُّسُلِ
٥٩١هَدِيَّةٌ مَا رَأَيْتُ مُهْدِيهَا
إِلَّا رَأَيْتُ الْعِبَادَ فِي رَجُلِ
٥٩٢أَقَلُّ مَا فِي أَقَلِّهَا سَمَكٌ
يَلْعَبُ فِي بِرْكَةٍ مِنَ الْعَسَلِ
٥٩٣كَيْفَ أُكَافِي عَلَى أَجَلِّ يَدٍ
مَنْ لَا يَرَى أَنَّهَا يَدٌ قِبَلِي
٥٩٤وقال أيضًا في صباه:
قِفَا تَرَيَا وَدْقِي فَهَاتَا الْمَخَايِلُ
وَلَا تَخْشَيَا خُلْفًا لِمَا أَنَا قَائِلُ
٥٩٥رَمَانِي خِسَاسُ النَّاسِ مِنْ صَائِبِ اسْتِهِ
وَآخَرُ قُطْنٌ مِنْ يَدَيْهِ الْجَنَادِلُ
٥٩٦وَمِنْ جَاهِلٍ بِي وَهْوَ يَجْهَلُ جَهْلَهُ
وَيَجْهَلُ عِلْمِي أَنَّهُ بِي جَاهِلُ
٥٩٧وَيَجْهَلُ أَنِّي مَالِكَ الْأَرْضِ مُعْسِرٌ
وَأَنِّي عَلَى ظَهْرِ السِّمَاكَيْنِ رَاجِلُ
٥٩٨تُحَقِّرُ عِنْدِي هِمَّتِي كُلَّ مَطْلَبٍ
وَيَقْصُرُ فِي عَيْنِي الْمَدَى الْمُتَطَاوِلُ
٥٩٩وَمَا زِلْتُ طَوْدًا لَا تَزُولُ مَنَاكِبِي
إِلَى أَنْ بَدَتْ لِلضَّيْمِ فِيَّ زَلَازِلُ
٦٠٠فَقَلْقَلْتُ بِالْهَمِّ الَّذِي قَلْقَلَ الْحَشَا
قَلَاقِلَ عِيسٍ كُلُّهُنَّ قَلَاقِلُ
٦٠١إِذَا اللَّيْلُ وَارَانَا أَرَتْنَا خِفَافَهَا
بِقَدْحِ الْحَصَى مَا لَا تُرِينَا الْمَشَاعِلُ
٦٠٢كَأَنِّي مِنَ الْوَجْنَاءِ فِي ظَهْرِ مَوْجَةٍ
رَمَتْ بِي بِحَارًا مَا لَهُنَّ سَوَاحِلُ
٦٠٣يُخَيَّلُ لِي أَنَّ الْبِلَادَ مَسَامِعِي
وَأَنِّيَ فِيهَا مَا تَقُولُ الْعَوَاذِلُ
٦٠٤وَمَنْ يَبْغِ مَا أَبْغِي مِنَ الْمَجْدِ وَالْعُلَا
تَسَاوَى الْمَحَايِي عِنْدَهُ وَالْمَقَاتِلُ
٦٠٥أَلَا لَيْسَتِ الْحَاجَاتُ إِلَّا نُفُوسَكُمْ
وَلَيْسَ لَنَا إِلَّا السُّيُوفَ وَسَائِلُ
٦٠٦فَمَا وَرَدَتْ رُوحَ امْرِئٍ رُوحُهُ لَهُ
وَلَا صَدَرَتْ عَنْ بَاخِلٍ وَهْوَ بَاخِلُ
٦٠٧غَثَاثَةُ عَيْشِي أَنْ تَغِثَّ كَرَامَتِي
وَلَيْسَ بِغَثٍّ أَنْ تَغِثَّ الْمَآكِلُ
٦٠٨وقال لصديق له في صباه:
أَحْبَبْتُ بِرَّكَ إِذْ أَرَدْتَ رَحِيلَا
فَوَجَدْتُ أَكْثَرَ مَا وَجَدْتُ قَلِيلَا
٦٠٩وَعَلِمْتُ أَنَّكَ فِي الْمَكَارِمِ رَاغِبٌ
صَبٌّ إِلَيْهَا بُكْرَةً وَأَصِيلَا
٦١٠فَجَعَلْتُ مَا تُهْدِي إِلَيَّ هَدِيَّةً
مِنِّي إِلَيْكَ وَظَرْفَهَا التَّأْمِيلَا
٦١١بِرٌّ يَخِفُّ عَلَى يَدَيْكَ قُبُولُهُ
وَيَكُونُ مَحْمِلُهُ عَلَيَّ ثَقِيلَا
٦١٢وقال يمدح شجاع بن محمد الطائي المنبجي:
عَزِيزُ أَسًى مَنْ دَاؤُهُ الْحَدَقُ النُّجْلُ
عَيَاءٌ بِهِ مَاتَ الْمُحِبُّونَ مِنْ قَبْلُ
٦١٣فَمَنْ شَاءَ فَلْيَنْظُرْ إِلَيَّ فَمَنْظَرِي
نَذِيرٌ إِلَى مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْهَوَى سَهْلُ
٦١٤وَمَا هِيَ إِلَّا لَحْظَةٌ بَعْدَ لَحْظَةٍ
إِذَا نَزَلَتْ فِي قَلْبِهِ رَحَلَ الْعَقْلُ
٦١٥جَرَى حُبُّهَا مَجْرَى دَمِي فِي مَفَاصِلِي
فَأَصْبَحَ لِي عَنْ كُلِّ شُغْلٍ بِهَا شُغْلُ
٦١٦وَمِنْ جَسَدِي لَمْ يَتْرُكِ السُّقْمُ شَعْرَةً
فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا وَفِيهَا لَهُ فِعْلُ
٦١٧إِذَا عَذَلُوا فِيهَا أَجَبْتُ بِأَنَّةٍ
حُبَيِّبَتَا قَلْبًا فُؤَادًا هَيَا جُمْلُ
٦١٨كَأَنَّ رَقِيبًا مِنْكِ سَدَّ مَسَامِعِي
عَنِ الْعَذْلِ حَتَّى لَيْسَ يَدْخُلُهَا الْعَذْلُ
٦١٩كَأَنَّ سُهَادَ اللَّيْلِ يَعْشَقُ مُقْلَتِي
فَبَيْنَهُمَا فِي كُلِّ هَجْرٍ لَنَا وَصْلُ
٦٢٠أُحِبُّ الَّتِي فِي الْبَدْرِ مِنْهَا مَشَابِهٌ
وَأَشْكُو إِلَى مَنْ لَا يُصَابُ لَهُ شَكْلُ
٦٢١إِلَى وَاحِدِ الدُّنْيَا إِلَى ابْنِ مُحَمَّدٍ
شُجَاعِ الذَّيِ للهِ ثُمَّ لَهُ الْفَضْلُ
٦٢٢إِلَى الثَّمَرِ الْحُلْوِ الَّذِي طَيِّءٌ لَهُ
فُرُوعٌ وَقَحْطَانُ بْنُ هُودٍ لَهُ أَصْلُ
٦٢٣إِلَى سَيِّدٍ لَوْ بَشَّرَ اللَّهُ أُمَّةً
بِغَيْرِ نَبِيٍّ بَشَّرَتْنَا بِهِ الرُّسْلُ
٦٢٤إِلَى الْقَابِضِ الْأَرْوَاحِ وَالضَّيْغَمِ الَّذِي
تُحَدِّثُ عَنْ وَقْفَاتِهِ الْخَيْلُ وَالرَّجْلُ
٦٢٥إِلَى رَبِّ مَالٍ كُلَّمَا شَتَّ شَمْلُهُ
تَجَمَّعَ فِي تَشْتِيتِهِ لِلْعُلَا شَمْلُ
٦٢٦هُمَامٌ إِذَا مَا فَارَقَ الْغِمْدَ سَيْفُهُ
وَعَايَنْتَهُ لَمْ تَدْرِ أَيُّهُمَا النَّصْلُ
٦٢٧رَأَيْتُ ابْنَ أُمِّ الْمَوْتِ لَوْ أَنَّ بَأْسَهُ
فَشَا بَيْنَ أَهْلِ الْأَرْضِ لَانْقَطَعَ النَّسْلُ
٦٢٨عَلَى سَابِحٍ مَوْجَ الْمَنَايَا بِنَحْرِهِ
غَدَاةَ كَأَنَّ النَّبْلَ فِي صَدْرِهِ وَبْلُ
٦٢٩وَكَمْ عَيْنِ قِرْنٍ حَدَّقَتْ لِنِزَالِهِ
فَلَمْ تُغْضِ إِلَّا وَالسِّنَانُ لَهَا كُحْلُ!
٦٣٠إِذَا قِيلَ: رِفْقًا قَالَ: لِلْحِلْمِ مَوْضِعٌ
وَحِلْمُ الْفَتَى فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ جَهْلُ
٦٣١وَلَوْلَا تَوَلِّي نَفْسِهِ حَمْلَ حِلْمِهِ
عَنِ الْأَرْضِ لَانْهَدَّتْ وَنَاءَ بِهَا الْحِمْلُ
٦٣٢تَبَاعَدَتِ الْآمَالُ عَنْ كُلِّ مَقْصِدٍ
وَضَاقَ بِهَا إِلَّا إِلَى بَابِكَ السُّبْلُ
٦٣٣وَنَادَى النَّدَى بِالنَّائِمِينَ عَنِ السُّرَى
فَأَسْمَعَهُمْ: هُبُّوا فَقَدْ هَلَكَ الْبُخْلُ
٦٣٤وَحَالَتْ عَطَايَا كَفِّهِ دُونَ وَعْدِهِ
فَلَيْسَ لَهُ إِنْجَازُ وَعْدٍ وَلَا مَطْلُ
٦٣٥فَأَقْرَبُ مِنْ تَحْدِيدِهَا رَدُّ فَائِتٍ
وَأَيْسَرُ مِنْ إِحْصَائِهَا الْقَطْرُ وَالرَّمْلُ
٦٣٦وَمَا تَنْقِمُ الْأَيَّامُ مِمَّنْ وُجُوهُهَا
لِأَخْمَصِهِ فِي كُلِّ نَائِبَةٍ نَعْلُ؟!
٦٣٧وَمَا عَزَّهُ فِيهَا مُرَادٌ أَرَادَهُ
وَإِنْ عَزَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ
٦٣٨كَفَى ثُعَلًا فَخْرًا بِأَنَّكَ مِنْهُمُ
وَدَهْرٌ لِأَنْ أَمْسَيْتَ مِنْ أَهْلِهِ أَهْلُ
٦٣٩وَوَيْلٌ لِنَفْسٍ حَاوَلَتْ مِنْكَ غِرَّةً
وَطُوبَى لِعَيْنٍ سَاعَةً مِنْكَ لَا تَخْلُو
٦٤٠فَمَا بِفَقِيرٍ شَامَ بَرْقَكَ فَاقَةٌ
وَلَا فِي بِلَادٍ أَنْتَ صَيِّبُهَا مَحْلُ
٦٤١وقال يمدح عبد الرحمن بن المبارك الأنطاكي:
صِلَةُ الْهَجْرِ لِي وَهَجْرُ الْوِصَالِ
نَكَسَانِي في السُّقْمِ نُكْسَ الْهِلاَلِ
٦٤٢فَغَدَا اَلْجِسْمُ نَاقِصًا، وَالَّذِي يَنـْ
ـقُصُ مِنْهُ يَزِيدُ في بَلْبَالِي
٦٤٣قِفْ عَلَى الدِّمْنَتَيْنِ بِالَّدوِّ مِنْ رَيـْ
ـيَا كَخَالٍ فِي وَجْنَةٍ جَنْبَ خَالِ
٦٤٤بِطُلُولٍ كَأَنَّهُنَّ نُجُومٌ
فِي عِرَاصٍ كَأَنَّهُنَّ لَيَالِي
٦٤٥وَنُؤِيٍّ كَأَنَّهُنَّ عَلَيْهِنَّ
خِدَامٌ خُرْسٌ بِسُوقٍ خِدَالِ
٦٤٦لاَ تَلُمْنِي فَإِنَّنِي أَعْشَقُ العُشـْ
ـشَاقِ فِيهَا يَا أَعْذَلَ الْعُذَّالِ
٦٤٧مَا تُرِيدُ النَّوَى مِنَ الْحَيَّةِ الذَّوَّا
قِ حَرَّ الْفَلَا، وَبَرْدَ الظِّلَالِ
٦٤٨فَهُوَ أَمْضَى فِي الرَّوْعِ مِنْ مَلَكِ الْمَوْ
تِ، وَأَسْرَى فِي ظُلْمَةٍ مِنْ خَيَالِ
٦٤٩وَلِحَتْفٍ فِي الْعِزِّ يَدْنُو مُحِبٌّ
وَلِعُمْرٍ يَطُولُ فِي الذُّلِّ قَالِي
٦٥٠نَحْنُ رَكْبٌ مِلْجِنِّ فِي زَيِّ نَاسٍ
فَوْقَ طَيْرٍ لَهَا شُخُوصُ الْجِمَالِ
٦٥١مِنْ بَنَاتِ الْجَدِيلِ تَمْشِي بِنَا فِي الْبِيـ
ـدِ مَشْيَ الْأَيَّامِ فِي الْآجَالِ
٦٥٢كُلُّ هَوْجَاءَ لِلدَّيَامِيمِ فِيهَا
أَثَرُ النَّارِ فِي سَلِيطِ الذُّبَالِ
٦٥٣عَامِدَاتٍ لِلْبَدْرِ وَالْبَحْرِ وَالضِّرْ
غَامَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ الْمِفْضَالِ
٦٥٤مَنْ يَزُرْهُ يَزُرْ سُلَيْمَانَ فِي الْمُلـْ
ـكِ جَلَالًا وَيُوسُفًا فِي الْجَمَالِ
وَرَبِيعًا يُضَاحِكُ الْغَيْثُ فِيهِ
زَهَرَ الشُّكْرِ مِنْ رِيَاضِ الْمَعَالِي
٦٥٥نَفَحَتْنَا مِنْهُ الصَّبَا بِنَسِيمٍ
رَدَّ رُوحًا فِي مَيِّتِ الْآمَالِ
٦٥٦هَمُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَفْعُ الْمَوَالِي
وَبَوَارُ الْأَعْدَاءِ وَالْأَمْوَالِ
٦٥٧أَكْبَرُ الْعَيْبِ عِنْدَهُ الْبُخْلُ وَالطَّعـْ
ـنُ عَلَيْهِ التَّشْبِيهُ بِالرِّئْبَالِ
٦٥٨وَالْجِرَاحَاتُ عِنْدَهُ نَغَمَاتٌ
سَبَقَتْ قَبْلَ سَيْبِهِ بِسُؤَالِ
٦٥٩ذَا السِّرَاجُ الْمُنِيرُ هَذَا النَّقِيُّ الـْ
ـجَيْبِ هَذَا بَقِيَّةُ الْأَبْدَالِ
٦٦٠فَخُذَا مَاءَ رِجْلِهِ وَانْضَحَا فِي الـْ
ـمُدْنِ تَأْمَنْ بَوَائِقَ الزَّلْزَالِ
٦٦١وَامْسَحَا ثَوْبَهُ الْبَقِيرَ عَلَى دَا
ئِكُمَا تُشْفَيَا مِنَ الْإِعْلَالِ
٦٦٢مَالِئًا مِنْ نَوَالِهِ الشَّرْقَ وَالْغَرْ
بَ وَمِنْ خَوْفِهِ قُلُوبَ الرِّجَالِ
٦٦٣قَابِضًا كَفَّهُ الْيَمِينَ عَلَى الدُّنـْ
ـيَا، وَلَوْ شَاءَ حَازَهَا بِالشِّمَالِ
٦٦٤نَفْسُهُ جَيْشُهُ وَتَدْبِيرُهُ النَّصـْ
ـرُ، وَأَلْحَاظُهُ الظُّبَا وَالْعَوَالِي
٦٦٥وَلَهُ فِي جَمَاجِمِ الْمَالِ ضَرْبٌ
وَقْعُهُ فِي جَمَاجِمِ الْأَبْطَالِ
٦٦٦فَهُمُوا لِاتِّقَائِهِ الدَّهْرَ فِي يَوْ
مِ نِزَالٍ وَلَيْسَ يَوْمَ نِزَالِ
٦٦٧رَجُلٌ طِينُهُ مِنَ الْعَنْبَرِ الْوَرْ
دِ وَطِينُ الْعِبَادِ مِنْ صَلْصَالِ
٦٦٨فَبَقِيَّاتُ طِينِهِ لَاقَتِ الْمَا
ءَ فَصَارَتْ عُذُوبَةٌ فِي الزُّلَالِ
٦٦٩وَبَقَايَا وَقَارِهِ عَافَتِ النَّا
سَ فَصَارَتْ رَكَانَةً فِي الْجِبَالِ
٦٧٠لَسْتُ مِمَّنْ يَغُرُّهُ حُبُّكَ السِّلـْ
ـمَ وَأَنْ لَا تَرَى شُهُودَ الْقِتَالِ
٦٧١ذَاكَ شَيْءٌ كَفَاكَهُ عَيْشُ شَانِيـ
ـكَ ذَلِيلًا وَقِلَّةُ الْأَشْكَالِ
٦٧٢وَاغْتِفَارٌ لَوْ غَيَّرَ السُّخْطُ مِنْهُ
جُعِلَتْ هَامُهُمْ نِعَالَ النِّعَالِ
٦٧٣لِجِيَادٍ يَدْخُلْنَ فِي الْحَرْبِ أَعْرَا
ءً وَيَخْرُجْنَ مِنْ دَمٍ فِي جِلَالِ
٦٧٤وَاسْتَعَارَ الْحَدِيدُ لَوْنًا وَأَلْقَى
لَوْنَهُ فِي ذَوَائِبِ الْأَطْفَالِ
٦٧٥أَنْتَ طَوْرًا أَمَرُّ مِنْ نَاقِعِ السُّمِّ
وَطَوْرًا أَحْلَى مِنَ السَّلْسَالِ
٦٧٦إِنَّمَا النَّاسُ حَيْثُ أَنْتَ وَمَا النَّا
سُ بِنَاسٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْكَ خَالِي
٦٧٧وقال وقد دخل على أبي علي الأوراجي يومًا فقال له: وددنا يا أبا الطيب لو كنت اليوم معنا، فقد ركبنا ومعنا كلب لابن ملك، فطردنا به ظبيًا، ولم يكن لنا صقر. فاستحسنت صيده، فقال: أنا قليل الرغبة في مثل هذا، فقال أبو علي: إنما اشتهيت أن تراه فتستحسنه، فتقول فيه شيئًا من الشعر، قال: أنا أفعل، أفتحب أن يكون الآن؟ قال: أيمكن مثل هذا؟ قال: نعم، وقد حكمتك في الوزن والقافية. قال: لا، بل الأمر فيهما إليك. فأخذ أبو الطيب درجًا، وأخذ أبو علي درجًا آخر يكتب فيه كتابًا، فقطع عليه أبو الطيب الكتاب وقال:
وَمَنْزِلٍ لَيْسَ لَنَا بِمَنْزِلِ
وَلَا لِغَيْرِ الْغَادِيَاتِ الْهُطَّلِ
٦٧٨نَدِي الْخُزَامَى ذَفِرِ الْقَرَنْفُلِ
مُحَلَّلٍ مِلْوَحْشِ لَمْ يُحَلَّلِ
٦٧٩عَنَّ لَنَا فِيهِ مُرَاعِي مُغْزِلِ
مُحَيَّنُ النَّفْسِ بَعِيدُ الْمَوْئِلِ
٦٨٠أَغْنَاهُ حُسْنُ الْجِيدِ عَنْ لُبْسِ الْحُلِي
وَعَادَةُ الْعُرْيِ عَنِ التَّفَضُّلِ
٦٨١كَأَنَّهُ مُضَمَّخٌ بِصَنْدَلِ
مُعْتَرِضًا بِمِثْلِ قَرْنِ الْأَيِّلِ
٦٨٢يَحُولُ بَيْنَ الْكَلْبِ وَالتَّأَمُّلِ
فَحَلَّ كلَّابِي وَثَاقَ الْأَحْبُلِ
٦٨٣عَنْ أَشْدَقٍ مُسَوْجَرٍ مُسَلْسَلِ
أقَبَّ سَاطٍ شَرِسٍ شَمَرْدَلِ
٦٨٤مِنْهَا إِذَا يُثْغَ لَهُ لا يَغْزَلِ
مُوَجَّدِ الْفِقْرَةِ رِخْوِ الْمَفْصِلِ
٦٨٥لَهُ إِذَا أَدْبَرَ لَحْظُ الْمُقْبِلِ
كَأَنَّمَا يَنْظُرُ مِنْ سَجَنْجَلِ
٦٨٦يَعْدُو إِذَا أَحْزَنَ عَدْوَ الْمُسْهِلِ
إِذَا تَلَا جَاءَ الْمَدَى وَقَدْ تُلِي
٦٨٧يُقْعِي جُلُوسَ الْبَدَوِيِّ الْمُصْطَلِي
بِأَرْبَعٍ مَجْدُولَةٍ لَمْ تُجْدَلِ
٦٨٨فُتْلِ الْأَيَادِي رَبِذَاتِ الْأَرْجُلِ
آثَارُهَا أَمْثَالُهَا فِي الْجَنْدَلِ
٦٨٩يَكَادُ فِي الْوَثْبِ مِنَ التَّفَتُّلِ
يَجْمَعُ بَيْنَ مَتْنِهِ وَالْكَلْكَلِ
٦٩٠وَبَيْنَ أَعْلَاهُ وَبَيْنَ الْأَسْفَلِ
شَبِيهُ وَسْمِيِّ الْحِضَارِ بِالْوَلِي
٦٩١كَأَنَّهُ مُضَبَّرٌ مِنْ جَرْوَلِ
مُوَثَّقٌ عَلَى رِمَاحٍ ذُبَّلِ
٦٩٢ذِي ذَنَبٍ أَجْرَدَ غَيْرَ أَعْزَلِ
يَخُطُّ فِي الْأَرْضِ حِسَابَ الْجُمَّلِ
٦٩٣كَأَنَّهُ مِنْ جِسْمِهِ بِمَعْزِلِ
لَوْ كَانَ يُبْلِي السَّوْطَ تَحْرِيكٌ بَلِي
٦٩٤نَيْلُ الْمُنَى وَحُكْمُ نَفْسِ الْمُرْسِلِ
وَعُقْلَةُ الظَّبْيِ وَحَتْفُ التَّتْفُلِ
٦٩٥فَانْبَرَيَا فَذَّيْنِ تَحْتَ الْقَسْطَلِ
قَدْ ضَمِنَ الْآخَرُ قَتْلَ الْأَوَّلِ
٦٩٦فِي هَبْوَةٍ كِلَاهُمَا لَمْ يَذْهَلِ
لَا يَأْتَلِي فِي تَرْكِ أَنْ لَا يَأْتَلِي
٦٩٧مُقْتَحِمًا عَلَى الْمَكَانِ الْأَهْوَلِ
يَخَالُ طُولَ الْبَحْرِ عَرْضَ الْجَدْوَلِ
٦٩٨حَتَّى إِذَا قِيلَ لَهُ: نِلْتَ افْعَلِ
افْتَرَّ عَنْ مَذْرُوبَةٍ كَالْأَنْصُلِ
٦٩٩لَا تَعْرِفُ الْعَهْدَ بِصَقْلِ الصَّيْقَلِ
مُرَكَّبَاتٍ فِي الْعَذَابِ الْمُنْزَلِ
٧٠٠كَأَنَّهَا مِنْ سُرْعَةٍ فِي الشَّمْأَلِ
كَأَنَّهَا مِنْ ثِقَلٍ فِي يَذْبُلِ
٧٠١كَأَنَّهَا مِنْ سَعَةٍ فِي هَوْجَلِ
كَأَنَّهُ مِنْ عِلْمِهِ بِالْمَقْتَلِ
عَلَّمَ بُقْرَاطَ فِصَادَ الْأَكْحَلِ
٧٠٢فَحَالَ مَا لِلْقَفْزِ لِلتَّجَدُّلِ
وَصَارَ مَا فِي جِلْدِهِ فِي الْمِرْجَلِ
٧٠٣فَلَمْ يَضِرْنَا مَعْهُ فَقْدُ الْأَجْدَلِ
إِذَا بَقِيتَ سَالِمًا أَبَا عَلِي
فَالْمُلْكُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ ثُمَّ لِي
٧٠٤وقال يمدح بدر بن عمار، وقد فصد لعلة، فغاص المبضع فوق حقه، فأضر به ذلك:
أَبْعَدُ نَأْيِ الْمَلِيحَةِ الْبَخَلُ
فِي الْبُعْدِ مَا لَا تُكَلَّفُ الْإِبِلُ
٧٠٥مَلُولَةٌ مَا يَدُومُ لَيْسَ لَهَا
مِنْ مَلَلٍ دَائِمٍ بِهَا مَلَلُ
٧٠٦كَأَنَّمَا قَدُّهَا إِذَا انْفَتَلَتْ
سَكْرَانُ مِنْ خَمْرِ طَرْفِهَا ثَمِلُ
٧٠٧يَجْذِبُهَا تَحْتَ خَصْرِهَا عَجُزٌ
كَأَنَّهُ مِنْ فِرَاقِهَا وَجِلُ
٧٠٨بِي حَرُّ شَوْقٍ إِلَى تَرَشُّفِهَا
يَنْفَصِلُ الصَّبْرُ حِينَ يَتَّصِلُ
٧٠٩الثَّغْرُ وَالنَّحْرُ وَالْمُخَلْخَلُ وَالـْ
ـمِعْصَمُ دَائِي وَالْفَاحِمُ الرَّجِلُ
٧١٠وَمَهْمَهٍ جُبْتُهُ عَلَى قَدَمِي
تَعْجِزُ عَنْهُ الْعَرَامِسُ الذُّلُلُ
٧١١بِصَارِمِي مُرْتَدٍ بِمَخْبَرَتِي
مُجْتَزِئٌ، بِالظَّلَامِ مُشْتَمِلُ
٧١٢إِذَا صَدِيقٌ نَكِرْتُ جَانِبَهُ
لَمْ تُعْيِنِي فِي فِرَاقِهِ الْحِيَلُ
٧١٣فِي سَعَةِ الْخَافِقَيْنِ مُضْطَرَبٌ
وَفِي بِلَادٍ مِنْ أُخْتِهَا بَدَلُ
٧١٤وَفِي اعْتِمَارِ الْأَمِيرِ بَدْرِ بْنِ عَمَّا
رٍ عَنِ الشُّغْلِ بِالْوَرَى شُغُلُ
٧١٥أَصْبَحَ مَالٌ كَمَالهِ لِذَوِي الـْ
ـحَاجَةِ لَا يُبْتَدَى وَلَا يُسَلُ
٧١٦هَانَ عَلَى قَلْبِهِ الزَّمَانُ فَمَا
يَبِينُ فِيهِ غَمٌّ وَلَا جَذَلُ
٧١٧يَكَادُ مِنْ طَاعَةِ الْحِمَامِ لَهُ
يَقْتُلُ مَنْ مَا دَنَا لَهُ أَجَلُ
٧١٨يَكَادُ مِنْ صِحَّةِ الْعَزِيمَةِ مَا
يَفْعَلُ قَبْلَ الْفِعَالِ يَنْفَعِلُ
٧١٩تُعْرَفُ فِي عَيْنِهِ حَقَائِقُهُ
كَأَنَّهُ بِالذَّكَاءِ مُكْتَحِلُ
٧٢٠أُشْفِقُ عِنْدَ اتِّقَادِ فِكْرَتِهِ
عَلَيْهِ مِنْهَا أَخَافُ يَشْتَعِلُ
٧٢١أَغَرُّ أَعْدَاؤُهُ إِذَا سَلِمُوا
بِالْهَرَبِ اسْتَكْبَرُوا الَّذِي فَعَلُوا
٧٢٢يُقْبِلُهُمْ وَجْهَ كُلِّ سَابِحَةٍ
أَرْبَعُهَا قَبْلَ طَرْفِهَا تَصِلُ
٧٢٣جَرْدَاءَ مِلْءِ الْحِزَامِ مُجْفَرَةٍ
تَكُونُ مِثْلَيْ عَسِيبِهَا الْخُصَلُ
٧٢٤إِنْ أَدْبَرَتْ قُلْتَ لَا تَلِيلَ لَهَا
أَوْ أَقْبَلَتْ قُلْتَ مَا لَهَا كَفَلُ
٧٢٥وَالطَّعْنُ شَزْرٌ وَالْأَرْضُ وَاجِفَةٌ
كَأَنَّمَا فِي فُؤَادِهَا وَهَلُ
٧٢٦قَدْ صَبَغَتْ خَدَّهَا الدِّمَاءُ كَمَا
يَصْبُغُ خَدَّ الْخَرِيدَةِ الْخَجَلُ
٧٢٧وَالْخَيْلُ تَبْكِي جُلُودُهَا عَرَقًا
بِأَدْمُعٍ مَا تَسُحُّهَا مُقَلُ
٧٢٨سَارَ وَلَا قَفْرَ مِنْ مَوَاكِبِهِ
كَأَنَّمَا كُلُّ سَبْسَبٍ جَبَلُ
٧٢٩يَمْنَعُهَا أَنْ يُصِيبَهَا مَطَرٌ
شِدَّةُ مَا قَدْ تَضَايَقَ الْأَسَلُ
٧٣٠يَا بَدْرُ يَا بَحْرُ يَا عَمَامَةُ يَا
لَيْثُ الشَّرَى يَا حِمَامُ يَا رَجُلُ
٧٣١إِنَّ الْبَنَانَ الَّذِي تُقَلِّبُهُ
عِنْدَكَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَثَلُ
٧٣٢إِنَّكَ مِنْ مَعْشَرٍ إِذَا وَهَبُوا
مَا دُونَ أَعْمَارِهِمْ فَقَدْ بَخِلُوا
٧٣٣قُلُوبُهُمْ فِي مَضَاءِ مَا امْتَشَقُوا
قَامَاتُهُمْ فِي تَمَامِ مَا اعْتَقَلُوا
٧٣٤أَنْتَ نَقِيضُ اسْمِهِ إِذَا اخْتَلَفَتْ
قَوَاضِبُ الْهِنْدِ وَالْقَنَا الذُّبُلُ
أَنْتَ لَعَمْرِي الْبَدْرُ الْمُنِيرُ وَلـَ
ـكِنَّكَ فِي حَوْمَةِ الْوَغَى زُحَلُ
٧٣٥كَتِيبَةٌ لَسْتَ رَبَّهَا نَفَلٌ
وَبَلْدَةٌ لَسْتَ حَلْيَهَا عُطُلُ
٧٣٦قُصِدْتَ مِنْ شَرْقِهَا وَمَغْرِبِهَا
حَتَّى اشْتَكَتْكَ الرِّكَابُ وَالسُّبُلُ
٧٣٧لَمْ تُبْقِ إِلَّا قَلِيلَ عَافِيَةٍ
قَدْ وَفَدَتْ تَجْتَدِيكَهَا الْعِلَلُ
٧٣٨عُذْرُ الْمَلُوْمَيْنِ فِيكَ أَنَّهُمَا
آسٍ جَبَانٌ وَمِبْضَعٌ بَطَلُ
٧٣٩مَدَدْتَ فِي رَاحَةِ الطَّبِيبِ يَدًا
وَمَا دَرَى كَيْفَ يُقْطَعُ الْأَمَلُ
٧٤٠إِنْ يَكُنِ الْبَضْعُ ضَرَّ بَاطِنَهَا
فَرُبَّمَا ضَرَّ ظَهْرَهَا الْقُبَلُ
٧٤١يَشُقُّ فِي عِرْقِهَا الْفِصَادُ وَلَا
يَشُقُّ فِي عِرْقِ جُودِهَا الْعَذَلُ
٧٤٢خَامَرَهُ إِذْ مَدَدْتَهَا جَزَعٌ
كَأَنَّهُ مِنْ حَذَافَةٍ عَجِلُ
٧٤٣جَازَ حُدُودَ اجْتِهَادِهِ فَأَتَى
غَيْرَ اجْتِهَادٍ لِأُمِّهِ الْهَبَلُ
٧٤٤أَبْلَغُ مَا يُطْلَبُ النَّجَاحُ بِهِ
الطَّبْعُ وَعِنْدَ التَّعَمُّقِ الزَّلَلُ
٧٤٥ارْثِ لَهَا إِنَّهَا بِمَا مَلَكَتْ
وَبِالَّذِي قَدْ أَسَلْتَ تَنْهَمِلُ
٧٤٦مِثْلُكَ يَا بَدْرُ لَا يَكُونُ وَلَا
تَصْلُحُ إِلَّا لِمِثْلِكَ الدُّوَلُ
٧٤٧وقال أيضًا يمدحه:
بَقَائِي شَاءَ لَيْسَ هُمُ ارْتِحَالَا
وَحُسْنَ الصَّبْرِ زَمُّوا لَا الْجِمَالَا
٧٤٨تَوَلَّوْا بَغْتَةً فَكَأَنَّ بَيْنًا
تَهَيَّبَنِي فَفَاجَأَنِي اغْتِيَالَا
٧٤٩فَكَانَ مَسِيرُ عِيسِهِمِ ذَمِيلَا
وَسَيْرُ الدَّمْعِ إِثْرَهُمُ انْهِمَالَا
٧٥٠كَأَنَّ الْعِيسَ كَانَتْ فَوْقَ جَفْنِي
مُنَاخَاةٍ فَلَمَّا ثُرْنَ سَالَا
٧٥١وَحَجَّبَتِ النَّوَى الظَّبْيَاتِ عَنِّي
فَسَاعَدَتِ الْبَرَاقِعَ وَالْحِجَالَا
٧٥٢لَبِسْنَ الْوَشَى لَا مُتَجَمِّلَاتٍ
وَلَكِنْ كَيْ يَصُنَّ بِهِ الْجَمَالَا
٧٥٣وَضَفَّرْنَ الْغَدَائِرَ لَا لِحُسْنٍ
وَلَكِنْ خِفْنَ فِي الشَّعَرِ الضَّلَالَا
٧٥٤بِجِسْمِي مَنْ بَرَتْهُ فَلَوْ أَصَارَتْ
وِشَاحِي ثَقْبَ لُؤْلُؤَةٍ لَجَالَا
٧٥٥وَلَوْلَا أَنَّنِي فِي غَيْرِ نَوْمٍ
لَكُنْتُ أَظُنُّنِي مِنِّي خَيَالَا
٧٥٦بَدَتْ قَمَرًا وَمَالَتْ خُوطَ بَانٍ
وَفَاحَتْ عَنْبَرًا وَرَنَتْ غَزَالَا
٧٥٧وَجَارَتْ فِي الْحُكُومَةِ ثُمَّ أَبْدَتْ
لَنَا مِنْ حُسْنِ قَامَتِهَا اعْتِدَالَا
٧٥٨كَأَنَّ الْحُزْنَ مَشْغُوفٌ بِقَلْبِي
فَسَاعَةَ هَجْرِهَا يَجِدُ الْوِصَالَا
٧٥٩كَذَا الدُّنْيَا عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلِي
صُرُوفٌ لَمْ يُدِمْنَ عَلَيْهِ حَالَا
٧٦٠أَشَدُّ الْغَمِّ عِنْدِي فِي سُرُورٍ
تَيَقَّنَ عَنْهُ صَاحِبُهُ انْتِقَالَا
٧٦١أَلِفْتُ تَرَحُّلِي وَجَعَلْتُ أَرْضِي
قُتُودِي وَالْغُرَيْرِيَّ الْجُلَالَا
٧٦٢فَمَا حَاوَلْتُ فِي أَرْضٍ مُقَامًا
وَلَا أَزْمَعْتُ عَنْ أَرْضٍ زَوَالَا
٧٦٣عَلَى قَلَقٍ كَأَنَّ الرِّيحَ تَحْتِي
أُوَجِّهُهَا جَنُوبًا أَوْ شَمَالًا
٧٦٤إِلَى الْبَدْرِ بْنِ عَمَّارِ الَّذِي لَمْ
يَكُنْ فِي غُرَّةِ الشَّهْرِ الْهِلَالَا
٧٦٥وَلَمْ يَعْظُمْ لِنَقْصٍ كَانَ فِيهِ
وَلَمْ يَزَلِ الْأَمِيرَ وَلَنْ يَزَالَا
بِلَا مِثْلٍ وَإِنْ أَبْصَرْتَ فِيهِ
لِكُلِّ مُغَيَّبٍ حَسَنٍ مِثَالَا
٧٦٦حُسَامٌ لِابْنِ رائِقٍ الْمُرَجَّى
حُسَامِ الْمُتَّقِي أَيَّامَ صَالَا
٧٦٧سِنَانٌ فِي قَنَاةِ بَنِي مَعَدٍّ
بَنِي أَسَدٍ إِذَا دَعَوُا النِّزَالَا
٧٦٨أَعَزُّ مَغَالِبٍ كَفًّا وَسَيْفًا
وَمَقْدِرَةً وَمَحْمِيَةً وَآلَا
٧٦٩وَأَشْرَفُ فَاخِرٍ نَفْسًا وَقَوْمًا
وَأَكْرَمُ مُنْتَمٍ عَمًّا وَخَالَا
٧٧٠يَكُونُ أَحَقُّ إِثْنَاءٍ عَلَيْهِ
عَلَى الدُّنْيَا وَأَهْلِيهَا مُحَالَا
٧٧١وَيَبْقَى ضِعْفُ مَا قَدْ قِيلَ فِيهِ
إِذَا لَمْ يَتَّرِكْ أَحَدٌ مَقَالَا
٧٧٢فَيَا ابْنَ الطَّاعِنِينَ بِكُلِّ لَدْنٍ
مَوَاضِعَ يَشْتَكِي الْبَطَلُ السُّمَالَا
٧٧٣وَيَا ابْنَ الضَّارِبينَ بِكُلِّ عَضْبٍ
مِنَ الْعَرَبِ الْأَسَافِلِ وَالْقِلَالَا
٧٧٤أَرَى الْمُتَشَاعِرِينَ غَرُوا بِذَمِّي
وَمَنْ ذَا يَحْمَدُ الدَّاءَ الْعُضَالَا
٧٧٥وَمَنْ يَكُ ذَا فَمٍ مُرٍّ مَرِيضٍ
يَجِدْ مُرًّا بِهِ الْمَاءَ الزُّلَالَا
٧٧٦وَقَالُوا: هَلْ يُبَلِّغُكَ الثُّرَيَّا؟
فَقُلْتُ: نَعَمْ إِذَا شِئْتُ اسْتِفَالَا
٧٧٧هُوَ الْمُفْنِي الْمَذَاكِيَ وَالْأَعَادِي
وَبِيضَ الْهِنْدِ وَالسُّمْرَ الطِّوَالَا
٧٧٨وَقائِدُهَا مُسَوَّمَةً خِفَافًا
عَلَى حَيٍّ تُصَبِّحُهُ ثِقَالَا
٧٧٩جَوَائِلَ بِالْقُنِيِّ مُثَقَّفَاتٍ
كَأَنَّ عَلَى عَوَامِلِهَا الذُّبَالَا
٧٨٠إِذَا وَطِئَتْ بِأَيْدِيهَا صُخُورًا
يَفِئْنَ لِوَطْءِ أَرْجُلِهَا رِمَالَا
٧٨١جَوَابُ مُسَائِلِي: أَلَهُ نَظِيرٌ؟
وَلا لَكَ فِي سُؤَالِكَ لَا أَلَا لَا
٧٨٢لَقَدْ أَمِنْتَ بِكَ الْإِعْدَامَ نَفْسٌ
تَعُدُّ رَجَاءَهَا إِيَّاكَ مَالَا
٧٨٣وَقَدْ وَجِلَتْ قُلُوبٌ مِنْكَ حَتَّى
غَدَتْ أَوْجَالُهَا فِيهَا وِجَالَا
٧٨٤سُرُورُكَ أَنْ تَسُرُّ النَّاسَ طُرًّا
تُعَلِّمُهُمْ عَلَيْكَ بِهِ الدَّلَالَا
٧٨٥إِذَا سَأَلُوا شَكَرْتَهُمُ عَلَيْهِ
وَإِنْ سَكَتُوا سَأَلْتَهُمُ السُّؤَالَا
٧٨٦وَأَسْعَدُ مَنْ رَأَيْنَا مُسْتَمِيحٌ
يُنِيلُ الْمُسْتَمَاحَ بِأَنْ يَنَالَا
٧٨٧يُفَارِقُ سَهْمُكَ الرَّجُلَ الْمُلَاقَى
فِرَاقَ الْقَوْسِ مَا لَاقَى الرِّجَالَا
٧٨٨فَمَا تَقِفُ السِّهَامُ عَلَى قَرَارٍ
كَأَنَّ الرِّيشَ يَطَّلِبُ النِّصَالَا
٧٨٩سَبَقْتَ السَّابِقِينَ فَمَا تُجَارَى
وَجَاوَزْتَ الْعُلُوَّ فَمَا تُعَالَى
٧٩٠وَأُقْسِمُ لَوْ صَلَحْتَ يَمِينَ شَيْءٍ
لَمَا صَلَحَ الْعِبَادُ لَهُ شِمَالَا
٧٩١أُقَلِّبُ مِنْكَ طَرْفِي فِي سَمَاءٍ
وَإِنْ طَلَعَتْ كَوَاكِبُهَا خِصَالَا
٧٩٢وَأَعْجَبُ مِنْكَ كَيْفَ قَدَرْتَ تَنْشَا
وَقَدْ أُعْطِيتَ فِي الْمَهْدِ الْكَمَالَا؟!
٧٩٣وخرج بدر بن عمار إلى أسد، فهرب الأسد منه، وكان قد خرج قبله إلى أسد آخر، فهاجه عن بقرة افترسها بعد أن شبع وثقل، فوثب إلى كفل فرسه، فأعجله عن استلال سيفه، فضربه بالسوط، ودار به الجيش، فقال أبو الطيب:
فِي الْخَدِّ أَنْ عَزَمَ الْخَلِيطُ رَحِيلَا
مَطَرٌ تَزِيدُ بِهِ الْخُدُودُ مُحُولَا
٧٩٤يَا نَظْرَةً نَفَتِ الرُّقَادَ وَغَادَرَتْ
فِي حَدِّ قَلْبِي مَا حَيِيتُ فُلُولَا
٧٩٥كَانَتْ مِنَ الْكَحْلَاءِ سُؤْلِي إِنَّمَا
أَجَلِي تَمَثَّلَ فِي فُؤَادِيَ سُولَا
٧٩٦أَجِدُ الْجَفَاءَ عَلَى سِوَاكِ مُرُوءَةً
وَالصَّبْرَ إِلَّا فِي نَوَاكِ جَمِيلَا
٧٩٧وَأَرَى تَدَلُّلَكِ الْكَثِيرَ مُحَبَّبًا
وَأَرَى قَلِيلَ تَدَلُّلٍ مَمْلُولَا
٧٩٨تَشْكُو رَوَادِفَكِ الْمَطِيَّةُ فَوْقَهَا
شَكْوَى الَّتِي وَجَدَتْ هَوَاكِ دَخِيلَا
٧٩٩وَيُغِيرُنِي جَذْبُ الزِّمَامِ لِقَلْبِهَا
فَمَهَا إِلَيْكِ كَطَالِبٍ تَقْبِيلَا
٨٠٠حَدَقُ الْحِسَانِ مِنَ الْغَوَانِي هِجْنَ لِي
يَوْمَ الْفِرَاقِ صَبَابَةً وَغَلِيلَا
٨٠١حَدَقٌ يُذِمُّ مِنَ الْقَوَاتِلِ غَيْرَهَا
بَدْرُ بْنُ عَمَّارِ بْنِ إِسْمَاعِيلَا
٨٠٢الْفَارِجُ الْكُرَبَ الْعِظَامَ بِمِثْلِهَا
وَالتَّارِكُ الْمَلِكَ الْعَزِيزَ ذَلِيلَا
٨٠٣مَحِكٌ إِذَا مَطَلَ الْغَرِيمُ بِدَيْنِهِ
جَعَلَ الْحُسَامَ بِمَا أَرَادَ كَفِيلَا
٨٠٤نَطِقٌ إِذَا حَطَّ الْكَلَامُ لِثَامَهُ
أَعْطَى بِمَنْطِقِهِ الْقُلُوبَ عُقُولَا
٨٠٥أَعْدَى الزَّمَانَ سَخَاؤُهُ فَسَخَا بِهِ
وَلَقَدْ يَكُونُ بِهِ الزَّمَانُ بَخِيلَا
٨٠٦وَكَأَنَّ بَرْقًا فِي مُتُونِ غَمَامَةٍ
هِنْدِيُّهُ فِي كَفِّهِ مَسْلُولَا
٨٠٧وَمَحَلُّ قَائِمِهِ يَسِيلُ مَوَاهِبًا
لَوْ كُنَّ سَيْلًا مَا وَجَدْنَ مَسِيلَا
٨٠٨رَقَّتْ مَضَارِبُهُ فَهُنَّ كَأَنَّمَا
يُبْدِينَ مِنْ عِشْقِ الرِّقَابِ نُحُولَا
٨٠٩أَمُعَفِّرَ اللَّيْثِ الْهِزَبْرِ بِسَوْطِهِ
لِمَنِ ادَّخَرْتَ الصَّارِمَ الْمَصْقُولَا؟!
٨١٠وَقَعَتْ عَلَى الْأُرْدُنِّ مِنْهُ بَلِيَّةٌ
نُضِدَتْ بِهَا هَامُ الرِّفَاقِ تَلُولَا
٨١١وَرْدٌ إِذَا وَرَدَ الْبُحَيْرَةَ شَارِبًا
وَرَدَ الْفُرَاتَ زَئِيرُهُ وَالنِّيلَا
٨١٢مُتَخَضِّبٌ بِدَمِ الْفَوَارِسِ لَابِسٌ
فِي غِيلِهِ مِنْ لِبْدَتَيْهِ غِيلَا
٨١٣مَا قُوبِلَتْ عَيْنَاهُ إِلَّا ظَنَّتَا
تَحْتَ الدُّجَى نَارَ الْفَرِيقِ حُلُولَا
٨١٤فِي وَحْدَةِ الرُّهْبَانِ إِلَّا أَنَّهُ
لَا يَعْرِفُ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَا
٨١٥يَطَأُ الثَّرَى مُتَرَفِّقًا مِنْ تِيهِهِ
فَكَأَنَّهُ آسٍ يَجُسُّ عَلِيلَا
٨١٦وَيَرُدُّ عُفْرَتَهُ إِلَى يَافُوخِهِ
حَتَّى تَصِيرَ لِرَأْسِهِ إِكْلِيلَا
٨١٧وَتَظُنُّهُ مِمَّا يُزَمْجِرُ نَفْسُهُ
عَنْهَا لِشِدَّةِ غَيْظِهِ مَشْغُولَا
٨١٨قَصَرَتْ مَخَافَتُهُ الْخُطَا فَكَأَنَّمَا
رَكِبَ الْكَمِيُّ جَوَادَهُ مَشْكُولَا
٨١٩أَلْقَى فَرِيسَتَهُ وَبَرْبَرَ دُونَهَا
وَقَرُبْتَ قُرْبًا خَالَهُ تَطْفِيلَا
٨٢٠فَتَشَابَهَ الْخُلُقَانِ فِي إِقْدَامِهِ
وَتَخَالَفَا فِي بَذْلِكَ الْمَأْكُولَا
٨٢١أَسَدٌ يَرَى عُضْوَيْهِ فِيكَ كِلَيْهِمَا
مَتْنًا أَزَلَّ وَسَاعِدًا مَفْتُولَا
٨٢٢فِي سَرْجِ ظَامِئَةِ الْفُصُوصِ طِمِرَّةٍ
يَأْبَى تَفَرُّدُهَا لَهَا التَّمْثِيلَا
٨٢٣نَيَّالَةِ الطَّلِبَاتِ لَوْلَا أَنَّهَا
تُعْطِي مَكَانَ لِجَامِهَا مَا نِيلَا
٨٢٤تَنْدَى سَوَالِفُهَا إِذَا اسْتَحْضَرْتَهَا
وَيُظَنُّ عَقْدُ عِنَانِهَا مَحْلُولَا
٨٢٥مَا زَالَ يَجْمَعُ نَفْسَهُ فِي زَوْرِهِ
حَتَّى حَسِبْتَ الْعَرْضَ مِنْهُ الطُّولَا
٨٢٦وَيَدُقُّ بِالصَّدْرِ الْحِجَارَ كَأَنَّهُ
يَبْغِي إِلَى مَا فِي الْحَضِيضِ سَبِيلَا
٨٢٧وَكَأَنَّهُ غَرَّتْهُ عَيْنٌ فَادَّنَى
لَا يُبْصِرُ الْخَطْبَ الْجَلِيلَ جَلِيلَا
٨٢٨أَنَفُ الْكَرِيمِ مِنَ الدَّنِيَّةِ تَارِكٌ
فِي عَيْنِهِ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ قَلِيلَا
٨٢٩وَالْعَارُ مَضَّاضٌ وَلَيْسَ بِخَائِفٍ
مِنْ حَتْفِهِ مَنْ خَافَ مِمَّا قِيلَا
٨٣٠سَبَقَ الْتِقَاءَكَهُ بِوَثْبَةِ هَاجِمٍ
لَوْ لَمْ تُصَادِمْهُ لَجَازَكَ مِيلَا
٨٣١خَذَلَتْهُ قُوَّتُهُ وَقَدْ كَافَحْتَهُ
فَاسْتَنْصَرَ التَّسْلِيمَ وَالتَّجْدِيلَا
٨٣٢قَبَضَتْ مَنِيَّتُهُ يَدَيْهِ وَعُنْقَهُ
فَكَأَنَّمَا صَادَفَتْهُ مَغْلُولَا
٨٣٣سَمِعَ ابْنَ عَمَّتِهِ بِهِ وَبِحَالِهِ
فَنَجَا يُهَرْوِلُ مِنْكَ أَمْسِ مَهُولَا
٨٣٤وَأَمَرُّ مِمَّا فَرَّ مِنْهُ فِرَارُهُ
وَكَقَتْلِهِ أَنْ لَا يَمُوتَ قَتِيلَا
٨٣٥تَلَفُ الَّذِي اتَّخَذَ الْجَرَاءَةَ خُلَّةً
وَعَظَ الَّذِي اتَّخَذَ الْفِرَارَ خَلِيلَا
٨٣٦لَوْ كَانَ عِلْمُكَ بِالْإِلَهِ مُقَسَّمًا
فِي النَّاسِ مَا بَعَثَ الْإِلَهُ رَسُولَا
٨٣٧لَوْ كَانَ لَفْظُكَ فِيهِمِ مَا أَنْزَلَ الـْ
ـقُرْآنَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَا
لَوْ كَانَ مَا تُعْطِيهِمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تُعْطِيهِمِ لَمْ يَعْرِفُوا التَّأْمِيلَا
٨٣٨فَلَقَدْ عُرِفْتَ، وَمَا عُرِفْتَ حَقِيقَةً
وَلَقَدْ جُهِلْتَ وَمَا جُهِلْتَ خُمُولَا
٨٣٩نَطَقَتْ بِسُؤْدُدِكَ الْحَمَامُ تَغَنِّيًا
وَبِمَا تُجَشِّمُهَا الْجِيَادُ صَهِيلَا
٨٤٠مَا كُلُّ مَنْ طَلَبَ الْمَعَالِيَ نَافِذًا
فِيهَا وَلَا كُلُّ الرِّجَالِ فُحُولَا
٨٤١وقال وقد نظر إلى جانبه خلعة مطوية فسأل عنها فقيل: هي خلع الولاية، وكان أبو الطيب عند وصولها عليلًا:
أَرَى حُلَلًا مَطَوَّاةً حِسَانًا
عَدَانِي أَنْ أَرَاكَ بِهَا اعْتِلَالِي
٨٤٢وَهَبْكَ طَوَيْتَهَا وَخَرَجَتْ عَنْهَا
أَتَطْوِي مَا عَلَيْكَ مِنَ الْجَمَالِ؟!
٨٤٣لَقَدْ ظَلَّتْ أَوَاخِرُهَا الْأَعَالِي
مَعَ الْأُولَى بِجِسْمِكَ فِي قِتَالِ
٨٤٤تُلَاحِظُكَ الْعُيُونُ وَأَنْتَ فِيهَا
كَأَنَّ عَلَيْكَ أَفْئِدَةَ الرِّجَالِ
٨٤٥مَتَى أَحْصَيْتُ فَضْلَكَ فِي كَلَامٍ
فَقَدْ أَحْصَيْتُ حَبَّاتِ الرِّمَالِ
٨٤٦وَإِنَّ بِهَا، وَإِنَّ بِهِ لَنَقْصًا
وَأَنْتَ لَهَا النِّهَايَةُ فِي الْكَمَالِ
٨٤٧وقال فيه أيضًا:
عَذَلَتْ مُنَادَمَةُ الْأَمِيرِ عَوَاذِلِي
فِي شُرْبِهَا وَكَفَتْ جَوابَ السَّائِلِ
٨٤٨مَطَرَتْ سَحَابُ يَدَيْكَ رِيَّ جَوَانِحِي
وَحَمَلْتُ شُكْرَكَ وَاصْطِنَاعُكَ حَامِلِي
٨٤٩فَمَتَى أَقُومُ بِشُكْرِ مَا أَوْلَيْتَنِي
وَالْقَوْلُ فِيكَ عُلُوُّ قَدْرِ الْقَائِلِ؟!
٨٥٠وقال يمدحه:
بَدْرٌ فَتًى لَوْ كَانَ مِنْ سُؤَّالِهِ
يَوْمًا تَوَفَّرَ حَظُّهُ مِنْ مَالِهِ
٨٥١تَتَحَيَّرُ الْأَفْعَالُ فِي أَفْعَالِهِ
وَيَقِلُّ مَا يَأْتِيهِ فِي إِقْبَالِهِ
٨٥٢قَمَرًا نَرَى وَسَحَابَتَيْنِ بِمَوْضِعٍ
مِنْ وَجْهِهِ وَيَمِينِهِ وَشِمَالِهِ
٨٥٣سَفَكَ الدِّمَاءَ بِجُودِهِ لَا بَأْسِهِ
كَرَمًا لِأَنَّ الطَّيْرَ بَعْضُ عِيَالِهِ
٨٥٤إِنْ يُفْنِ مَا يَحْوِي فَقَدْ أَبْقَى بِهِ
ذِكْرًا يَزُولُ الدَّهْرُ قَبْلَ زَوَالِهِ
٨٥٥وسأله حاجة فقضاها له، فنهض فقال:
قَدْ أُبْتُ بِالْحَاجَةِ مَقْضِيَّةً
وَعِفْتُ فِي الْجَلْسَةِ تَطْوِيلَهَا
٨٥٦أَنْتَ الَّذِي طُولُ بَقَاءٍ لَهُ
خَيْرٌ لِنَفْسِي مِنْ بَقَائِي لَهَا
وقال يمدح القاضي أبا الفضل أحمد بن عبد الله الأنطاكي:
لَكِ يَا مَنَازِلُ فِي الْقُلُوبِ مَنَازِلُ
أَقْفَرْتِ أَنْتِ وَهُنَّ مِنْكِ أَوَاهِلُ
٨٥٧يَعْلَمْنَ ذَاكَ وَمَا عَلِمْتِ وَإِنَّمَا
أَوْلَاكُمَا بِبُكًى عَلَيْهِ الْعَاقِلُ
٨٥٨وَأَنَا الَّذِي اجْتَلَبَ الْمَنِيَّةَ طَرْفُهُ
فَمَنِ الْمُطَالَبُ وَالْقَتِيلُ الْقَاتِلُ؟!
٨٥٩تَخْلُو الدِّيَارُ مِنَ الظِّبَاءِ وَعِنْدَهُ
مِنْ كُلِّ تَابِعَةٍ خَيَالٌ خَاذِلُ
٨٦٠اللَّاءِ أَفْتَكُهَا الْجَبَانُ بِمُهْجَتِي
وَأَحَبُّهَا قُرْبًا إِلَيَّ الْبَاخِلُ
٨٦١الرَّامِيَاتُ لَنَا وَهُنَّ نَوَافِرٌ
وَالْخَاتِلَاتُ لَنَا وَهُنَّ غَوَافِلُ
٨٦٢كَافَأْنَنَا عَنْ شِبْهِهِنَّ مِنَ الْمَهَا
فَلَهُنَّ فِي غَيْرِ التُّرَابِ حَبَائِلُ
٨٦٣مِنْ طَاعِنِي ثُغْرِ الرِّجَالِ جَآذِرٌ
وَمِنَ الرِّمَاحِ دَمَالِجٌ وَخَلَاخِلُ
٨٦٤وَلِذَا اسْمُ أَغْطِيَةِ الْعُيُونِ جُفُونُهَا
مِنْ أَنَّهَا عَمَلَ السُّيُوفِ عَوَامِلُ
٨٦٥كَمْ وَقْفَةٍ سَجَرَتْكَ شَوْقًا بَعْدَمَا
غَرِيَ الرَّقِيبُ بِنَا وَلَجَّ الْعَاذِلُ!
٨٦٦دُونَ التَّعَانُقِ نَاحِلَيْنِ كَشَكْلَتَيْ
نَصْبٍ أَدَقَّهُمَا وَصَمَّ الشَّاكِلُ
٨٦٧انْعَمْ وَلَذَّ فَلِلْأُمُورِ أَوَاخِرٌ
أَبَدًا إِذَا كَانَتْ لَهُنَّ أَوَائِلُ
٨٦٨مَا دُمْتَ مِنْ أَرَبِ الْحِسَانِ فَإِنَّمَا
رَوْقُ الشَّبَابِ عَلَيْكَ ظِلٌّ زَائِلُ
٨٦٩لِلَّهْوِ آوِنَةٌ تَمُرُّ كَأَنَّهَا
قُبَلٌ يُزَوِّدُهَا حَبِيبٌ رَاحِلُ
٨٧٠جَمَحَ الزَّمَانُ فَمَا لَذِيذٌ خَالِصٌ
مِمَّا يَشُوبُ وَلَا سُرُورٌ كَامِلُ
حَتَّى أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدِ اللهِ رُؤْ
يَتُهُ الْمُنَى وَهْيَ الْمَقَامُ الْهَائِلُ
٨٧١مَمْطُورَةٌ طُرُقِي إِلَيْهَا دُونَهَا
مِنْ جُودِهِ فِي كُلِّ فَجٍّ وَابِلُ
٨٧٢مَحْجُوبَةٌ بِسُرَادِقٍ مِنْ هَيْبَةٍ
تُثْنِي الْأَزِمَّةَ وَالْمَطِيُّ ذَوَامِلُ
٨٧٣لِلشَّمْسِ فِيهِ وَلِلرِّيَاحِ وَلِلسَّحَا
بِ وَلِلْبِحَارِ وَلِلْأُسُودِ شَمَائِلُ
٨٧٤وَلَدَيْهِ مِلْعِقْيَانِ وَالْأَدَبِ الْمُفَا
دِ وَمِلْحَيَاةِ وَمِلْمَمَاتِ مَنَاهِلُ
٨٧٥لَوْ لَمْ يُهَبْ لَجَبُ الْوُفُودِ حَوَالَهُ
لَسَرَى إِلَيْهِ قَطَا الْفَلَاةِ النَّاهِلُ
٨٧٦يَدْرِي بِمَا بِكَ قَبْلَ تُظْهِرُهُ لَهُ
مِنْ ذِهْنِهِ وَيُجِيبُ قَبْلَ تُسَائِلُ
٨٧٧وَتَرَاهُ مُعْتَرِضًا لَهَا وَمُوَلِّيًا
أَحْدَاقُنَا وَتَحَارُ حِينَ يُقَابِلُ
٨٧٨كَلِمَاتُهُ قُضُبٌ وَهُنَّ فَوَاصِلٌ
كُلُّ الضَّرَائِبِ تَحْتَهُنَّ مَفَاصِلُ
٨٧٩هَزَمَتْ مَكَارِمُهُ الْمَكَارِمَ كُلَّهَا
حَتَّى كَأَنَّ الْمَكْرُمَاتِ قَنَابِلُ
٨٨٠وَقَتَلْنَ دَفْرًا وَالدُّهَيْمَ فَمَا تُرَى
أُمُّ الدُّهَيْمِ وَأُمُّ دَفْرٍ هَابِلُ
٨٨١عَلَّامَةُ الْعُلَمَاءِ وَاللُّجُّ الَّذِي
لَا يَنْتَهِي وَلِكُلِّ لُجٍّ سَاحِلُ
٨٨٢لَوْ طَابَ مَوْلِدُ كُلِّ حَيٍّ مِثْلَهُ
وَلَد النِّسَاءُ وَمَا لَهُنَّ قَوَابِلُ
٨٨٣لَوْ بَانَ بِالْكَرَمِ الْجَنِينُ بَيَانَهُ
لَدَرَتْ بِهِ ذَكَرٌ أَمُ انْثَى الْحَامِلُ
٨٨٤لِيَزِدْ بَنُو الْحَسَنِ الشِّرَافُ تَوَاضُعًا
هَيْهَاتَ تُكْتَمُ فِي الظَّلَامِ مَشَاعِلُ
٨٨٥سَتَرُوا النَّدَى سَتْرَ الْغُرَابِ سِفَادَهُ
فَبَدَا وَهَلْ يَخْفَى الرَّبَابُ الْهَاطِلُ
٨٨٦جَفَخَتْ وَهُمْ لَا يَجْفُخُونَ بِهَابِهِمْ
شِيَمٌ عَلَى الْحَسَبِ الْأَغَرِّ دَلَائِلُ
٨٨٧مُتَشَابِهِي وَرَعِ النُّفُوسِ كَبِيرُهُمْ
وَصَغِيرُهُمْ عَفُّ الْإِزَارِ حُلَاحِلُ
٨٨٨يَا افْخَرْ فَإِنَّ النَّاسَ فِيكَ ثَلَاثَةٌ
مُسْتَعْظِمٌ أَوْ حَاسِدٌ أَوْ جَاهِلُ
٨٨٩وَلَقَدْ عَلَوْتَ فَمَا تُبَالِي بَعْدَمَا
عَرَفُوا، أَيَحْمَدُ أَمْ يَذُمُّ الْقَائِلُ؟
٨٩٠أُثْنِي عَلَيْكَ وَلَوْ تَشَاءُ لَقُلْتَ لِي:
قَصَّرْتَ فَالْإِمْسَاكُ عَنِّي نَائِلُ
٨٩١لَا تَجْسُرُ الْفُصَحَاءُ تُنْشِدُ هَا هُنَا
بَيْتًا وَلَكِنِّي الْهِزْبَرُ الْبَاسِلُ
٨٩٢مَا نَالَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كُلُّهُمْ
شِعْرِي وَلَا سَمِعَتْ بِسِحْرِيَ بَابِلُ
٨٩٣وَإِذَا أَتَتْكَ مَذَمَّتِي مِنْ نَاقِصٍ
فَهْيَ الشَّهَادَةُ لِي بِأَنِّيَ كَامِلُ
٨٩٤مَنْ لِي بِفَهْمِ أُهَيْلِ عَصْرٍ يَدَّعِي
أَنْ يَحْسُبَ الْهِنْدِيَّ فِيهِمْ بَاقِلُ؟!
٨٩٥وَأَمَا وَحَقِّكَ وَهْوَ غَايَةُ مُقْسِمٍ
لَلْحَقُّ أَنْتَ وَمَا سِوَاكَ الْبَاطِلُ
٨٩٦الطِّيبُ أَنْتَ إِذَا أَصَابَكَ طِيبُهُ
وَالْمَاءُ أَنْتَ إِذَا اغْتَسَلْتَ الْغَاسِلُ
٨٩٧مَا دَارَ فِي الْحَنَكِ اللِّسَانُ وَقلَّبَتْ
قَلَمًا بِأَحْسَنَ مِنْ نَثَاكَ أَنَامِلُ
٨٩٨وقال يهجو قومًا توعدوه:
أَمَاتَكُمُ مِنْ قَبْلِ مَوْتِكُمُ الْجَهْلُ
وَجَرَّكُمُ مِنْ خِفَّةٍ بِكُمُ النَّمْلُ
٨٩٩وُلَيْدَ أُبَيِّ الطَّيِّبِ الْكَلْبِ مَا لَكُمُ
فَطِنْتُمْ إِلَى الدَّعْوَى وَمَا لَكُمُ عَقْلُ؟!
٩٠٠وَلَوْ ضَرَبَتْكُمْ مَنْجَنِيقِي وَأَصْلُكُمْ
قَوِيٌّ لَهَدَّتْكُمُ فَكَيْفَ وَلَا أَصْلُ؟!
٩٠١وَلَوْ كُنْتُمُ مِمَّنْ يُدَبِّرُ أَمْرَهُ
لَمَا كُنْتُمُ نَسْلَ الَّذِي مَا لَهُ نَسْلُ
٩٠٢وقال: وقد جعل أبو محمد بن طغج يضرب بكمه البخور، ويقول: سَوْقًا إلى أبي الطيب:
يَا أَكْرَمَ النَّاسِ فِي الْفَعَالِ
وَأَفْصَحَ النَّاسِ فِي الْمَقَالِ!
٩٠٣إِنْ قُلْتَ فِي ذَا الْبَخُورِ: سَوْقًا
فَهَكَذَا قُلْتَ فِي النَّوَالِ
٩٠٤وقال، وقد بلغه أن إسحاق بن كيغلغ يتهدده وهو ببلاد الروم، وكان أبو الطيب بدمشق:
٩٠٥أَتَانِي كَلَامُ الْجَاهِلِ ابْنِ كَيَغْلَغٍ
يَجُوبُ حُزُونًا بَيْنَنَا وَسُهُولَا
٩٠٦وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ ابْنِ صَفْرَاءَ حَائِلٌ
وَبَيْنِي سِوَى رُمْحِي لَكَانَ طَوِيلَا
٩٠٧وَإِسِحَقُ مَأْمُونٌ عَلَى مَنْ أَهَانَهُ
وَلَكِنْ تَسَلَّى بِالْبُكَاءِ قَلِيلَا
٩٠٨وَلَيْسَ جَمِيلًا عِرْضُهُ فَيَصُونَهُ
وَلَيْسَ جَمِيلًا أَنْ يَكُونَ جَمِيلَا
٩٠٩وَيَكْذِبُ مَا أَذْلَلْتُهُ بِهِجَائِهِ
لَقَدْ كَانَ مِنْ قَبْلِ الْهِجَاءِ ذَلِيلَا
٩١٠وقال يمدح أبا العشائر:
لَا تَحْسَبُوا رَبْعَكُمْ وَلَا طَلَلَهْ
أَوَّلَ حَيٍّ فِرَاقُكُمْ قَتَلَهْ
٩١١قَدْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ النُّفُوسُ بِكُمْ
وَأَكْثَرَتْ فِي هَوَاكُمُ الْعَذَلَهْ
٩١٢خَلَا وَفِيهِ أَهْلٌ وَأَوْحَشَنَا
وَفِيهِ صِرْمٌ مُرَوِّحٌ إِبِلَهْ
٩١٣لَوْ سَارَ ذَاكَ الْحَبِيبُ عَنْ فَلَكٍ
مَا رَضِيَ الشَّمْسَ بُرْجُهُ بَدَلَهْ
٩١٤أُحِبُّهُ وَالْهَوَى وَأَدْؤُرَهُ
وَكُلُّ حُبٍّ صَبَابَةٌ وَوَلَهْ
٩١٥يَنْصُرُهَا الْغَيْثُ وَهْيَ ظَامِئَةٌ
إِلَى سِوَاهُ وَسُحْبُهَا هَطِلَهْ
٩١٦وَاحَرَبَا مِنْكِ يَا جَدَايَتَهَا
مُقِيمَةً فَاعْلَمِي وَمُرْتَحِلَهْ
٩١٧لَوْ خُلِطَ الْمِسْكُ وَالْعَبِيرُ بِهَا
وَلَسْتِ فِيهَا لَخِلْتُهَا تَفِلَهْ
٩١٨أَنَا ابْنُ مَنْ بَعْضُهُ يَفُوقُ أَبَا الْبَا
حِثِ وَالنَّجْلُ بَعْضُ مَنْ نَجَلَهْ
٩١٩وَإِنَّمَا يَذْكُرُ الْجُدُودَ لَهُمْ
مَنْ نَفَرُوهُ وَأَنْفَدُوا حِيَلَهْ
٩٢٠فَخْرًا لِعَضْبٍ أَرُوحُ مُشْتَمِلَهْ
وَسَمْهَرِيٍّ أَرُوحُ مُعْتَقِلَهْ
٩٢١وَلْيَفْخَرِ الْفَخْرُ إِذْ غَدَوْتُ بِهِ
مُرْتَدِيًا خَيْرَهُ وَمُنْتَعِلَهْ
٩٢٢أَنَا الَّذِي بَيَّنَ الْإِلَهُ بِهِ الـْ
أَقْدَارَ وَالْمَرْءُ حَيْثُمَا جَعَلَهْ
٩٢٣جَوْهَرَةٌ يَفْرَحُ الْكِرَامُ بِهَا
وَغُصَّةٌ لَا تُسِيغُهَا السَّفِلَهْ
٩٢٤إِنَّ الْكِذَابَ الَّذِي أُكَادُ بِهِ
أَهْوَنُ عِنْدِي مِنَ الَّذِي نَقَلَهْ
٩٢٥فَلَا مُبَالٍ وَلَا مُدَاجٍ وَلَا
وَانٍ وَلَا عَاجِزٌ وَلَا تُكَلَهْ
٩٢٦وَدَارِعٍ سِفْتُهُ فَخَرَّ لَقًى
فِي الْمُلْتَقَى وَالْعَجَاجِ وَالْعَجَلَهْ
٩٢٧وَسَامِعٍ رُعْتُهُ بِقَافِيَةٍ
يَحَارُ فِيهَا الْمُنَقِّحُ الْقُوَلَهْ
٩٢٨وَرُبَّمَا أُشْهِدُ الطَّعَامَ مَعِي
مَنْ لَا يُسَاوِي الْخُبْزَ الَّذِي أَكَلَهْ
٩٢٩وَيُظْهِرُ الْجَهْلَ بِي وَأَعْرِفُهُ
وَالدُّرُّ دُرٌّ بِرَغْمِ مَنْ جَهِلَهْ
٩٣٠مُسْتَحْيِيًا مِنْ أَبِي الْعَشَائِرِ أَنْ
أَسْحَبَ فِي غَيْرِ أَرْضِهِ حُلَلَهْ
٩٣١أَسْحَبُهَا عِنْدَهُ لَدَى مَلِكٍ
ثِيَابُهُ مِنْ جَلِيسِهِ وَجِلَهْ
٩٣٢وَبِيضُ غِلْمَانِهِ كَنَائِلِهِ
أَوَّلُ مَحْمُولِ سَيْبِهِ الْحَمَلَهْ
٩٣٣مَا لِي لَا أَمْدَحُ الْحُسَيْنَ وَلا
أَبْذُلُ مِثْلَ الْوُدِّ الَّذِي بَذَلَهْ
٩٣٤أَأَخْفَتِ الْعَيْنُ عِنْدَهُ خَبَرًا
أَمْ بَلَغَ الْكَيْذُبَانُ مَا أَمَلَهْ؟!
٩٣٥أَمْ لَيْسَ ضَرَّابَ كُلِّ جُمْجُمَةٍ
مَنْخُوَّةٍ سَاعَةَ الْوَغَى زَعِلَهْ؟!
٩٣٦وَصَاحِبَ الْجُودِ مَا يُفَارِقُهُ
لَوْ كَانَ لِلْجُودِ مَنْطِقٌ عَذَلَهْ
٩٣٧وَرَاكِبَ الْهَوْلِ لَا يُفَتِّرُهُ
لَوْ كَانَ لِلْهَوْلِ مَحْزِمٌ هَزَلَهْ
٩٣٨وَفَارِسَ الْأَحْمَرِ الْمُكَلِّلَ فِي
طَيِّئِ الْمُشْرَعَ الْقَنَا قِبَلَهْ
٩٣٩لَمَّا رَأَتْ وَجْهَهُ خُيُولُهُمُ
أَقْسَمَ بِاللهِ لَا رَأَتْ كَفَلَهْ
٩٤٠فَأَكْبَرُوا فِعْلَهُ وَأَصْغَرَهُ
أَكْبَرُ مِنْ فِعْلِهِ الَّذِي فَعَلَهْ
٩٤١الْقَاطِعُ الْوَاصِلُ الْكَمِيلُ فَلَا
بَعْضُ جَمِيلٍ عَنْ بَعْضِهِ شَغَلَهْ
٩٤٢فَوَاهِبٌ وَالرِّمَاحُ تَشْجُرُهُ
وَطَاعِنٌ وَالْهِبَاتُ مُتَّصِلَهْ
٩٤٣وَكُلَّمَا آمَنَ الْبِلادَ سَرَى
وَكُلَّمَا خِيفَ مَنْزِلٌ نَزَلَهْ
٩٤٤وَكُلَّمَا جَاهَرَ الْعَدُوَّ ضُحًى
أَمْكَنَ حَتَّى كَأَنَّهُ خَتَلَهْ
٩٤٥يَحْتَقِرُ الْبِيضَ وَاللِّدَانَ إِذَا
سَنَّ عَلَيْهِ الدِّلَاصَ أَوْ نَثَلَهْ
٩٤٦قَدْ هَذَّبَتْ فَهْمَهُ الْفَقاهَةُ لِي
وَهَذَّبَتْ شِعْرِيَ الْفَصَاحَةَ لَهْ
٩٤٧فَصِرْتُ كَالسَّيْفِ حَامِدًا يَدَهُ
لَا يَحْمَدُ السَّيْفُ كُلَّ مَنْ حَمَلَهْ
٩٤٨واستأذن كافورًا في المسير إلى الرملة ليخلص مالًا كتب له به، وإنما أراد أن يعرف ما عند كافور في مسيره. فقال: لا والله لا نكلفك المسير، نحن نبعث في خلاصه ونكفيك، فقال أبو الطيب:
أَتَحْلِفُ لَا تُكَلِّفُنِي مَسِيرًا
إِلَى بَلَدٍ أُحَاوِلُ فِيهِ مَالَا
وَأَنْتَ مُكَلِّفِي أَنْبَى مَكَانًا
وَأَبْعَدَ شُقَّةً وَأَشَدَّ حَالَا
٩٤٩إِذَا سِرْنَا عَلَى الْفُسْطَاطِ يَوْمًا
فَلَقِّنِيَ الْفَوَارِسَ وَالرِّجَالَا
٩٥٠لِتَعْلَمَ قَدْرَ مَنْ فَارَقْتَ مِنِّي
وَأَنَّكَ رُمْتَ مِنْ ضَيْمِي مُحَالَا
٩٥١وقال يمدح أبا شجاع فاتكًا
٩٥٢ وكان قد قدم من الفيوم إلى مصر فوصل أبا الطيب وحمل إليه هدية قيمتها ألف دينار:
لَا خَيْلَ عِنْدَكَ تُهْدِيهَا وَلَا مَالُ
فَلْيُسْعِدِ النُّطْقُ إِنْ لَمْ تُسْعِدِ الْحَالُ
٩٥٣وَاجْزِ الْأَمِيرَ الَّذِي نُعْمَاهُ فَاجِئَةٌ
بِغَيْرِ قَوْلٍ وَنُعْمَى النَّاسِ أَقْوَالُ
٩٥٤فَرُبَّمَا جَزِيَ الْإِحْسَانَ مُولِيَهُ
خَرِيدَةٌ مِنْ عَذَارَى الْحَيِّ مِكْسَالُ
٩٥٥وَإِنْ تَكُنْ مُحْكَماتُ الشُّكْلِ تَمْنَعُنِي
ظُهُورَ جَرْيٍ فَلِي فِيهِنَّ تَصْهَالُ
٩٥٦وَمَا شَكَرْتُ لِأَنَّ الْمَالَ فَرَّحَنِي
سِيَّانِ عِنْدِيَ إِكْثَارٌ وَإِقْلَالُ
٩٥٧لَكِنْ رَأَيْتُ قَبِيحًا أَنْ يُجَادَ لَنَا
وَأَنَّنَا بِقَضَاءِ الْحَقِّ بُخَّالُ
٩٥٨فَكُنْتُ مَنْبِتَ رَوْضِ الْحَزْنِ بَاكَرَهُ
غَيْثٌ بِغَيْرِ سِبَاخِ الْأَرْضِ هَطَّالُ
٩٥٩غَيْثٌ يُبَيِّنُ لِلنُّظَّارِ مَوْقِعُهُ
أَنَّ الْغُيُوثَ بِمَا تَأْتِيهِ جُهَّالُ
٩٦٠لَا يُدْرِكُ الْمَجْدَ إِلَّا سَيِّدٌ فَطِنٌ
لِمَا يَشُقُّ عَلَى السَّادَاتِ فَعَّالُ
٩٦١لَا وَارِثٌ جَهِلَتْ يُمْنَاهُ مَا وَهَبَتْ
وَلَا كَسُوبٌ بِغَيْرِ السَّيْفِ سَئَّالُ
٩٦٢قَالَ الزَّمَانُ لَهُ قَوْلًا فَأَفْهَمَهُ
إِنَّ الزَّمَانَ عَلَى الْإِمْسَاكِ عَذَّالُ
٩٦٣تَدْرِي الْقَنَاةُ إِذَا اهْتَزَّتْ بِرَاحَتِهِ
أَنَّ الشَّقِيَّ بِهَا خَيْلٌ وَأَبْطَالُ
٩٦٤كَفَاتِكٍ وَدُخُولُ الْكَافِ مَنْقَصَةٌ
كَالشَّمْسِ قُلْتُ وَمَا للشَّمْسِ أَمْثَالُ
٩٦٥أَلْقَائِدِ الْأُسْدَ غَذَّتْهَا بَرَاثِنُهُ
بِمِثْلِهَا مِنْ عِدَاهُ وَهْيَ أَشْبَالُ
٩٦٦أَلْقَاتِلِ السَّيْفَ فِي جِسْمِ الْقَتِيلِ بِهِ
وَلِلسُّيُوفِ كَمَا لِلنَّاسِ آجَالُ
٩٦٧تُغِيرُ عَنْهُ عَلَى الْغَارَاتِ هَيْبَتُهُ
وَمَالُهُ بِأَقَاصِي الْأَرْضِ أَهْمَالُ
٩٦٨لَهُ مِنَ الْوَحْشِ مَا اخْتَارَتْ أَسِنَّتُهُ
عَيْرٌ وَهَيْقٌ وَخَنْسَاءٌ وَذَيَّالُ
٩٦٩تُمْسِي الضُّيُوفُ مُشَهَّاةً بِعَقْوَتِهِ
كَأَنَّ أَوْقَاتَهَا فِي الطِّيبِ آصَالُ
٩٧٠لَوِ اشْتَهَتْ لَحْمَ قَارِيهَا لَبَادَرَهَا
خَرَادِلٌ مِنْهُ فِي الشِّيزَى وَأَوْصَالُ
٩٧١لَا يَعْرِفُ الرُّزْءَ فِي مَالٍ وَلَا وَلَدٍ
إِلَّا إِذَا حَفَزَ الْأَضْيَافَ تَرْحَالُ
٩٧٢يُرْوِي صَدَى الْأَرْضِ مِنْ فَضْلَاتِ مَا شَرِبُوا
مَحْضُ اللِّقَاحِ وَصَافِي اللَّوْنِ سَلْسَالُ
٩٧٣تَقْرِي صَوَارِمُهُ السَّاعَاتِ عَبْطَ دَمٍ
كَأَنَّمَا السَّاعُ نُزَّالٌ وَقُفَّالُ
٩٧٤تَجْرِي النُّفُوسُ حَوَالَيْهِ مُخَلَّطَةً
مِنْهَا عُدَاةٌ وَأَغْنَامٌ وَآبَالُ
٩٧٥لَا يَحْرِمُ الْبُعْدُ أَهْلَ الْبُعْدِ نَائِلَهُ
وَغَيْرُ عَاجِزَةٍ عَنْهُ الْأُطَيْفَالُ
٩٧٦أَمْضَى الْفَرِيقَيْنِ فِي أَقْرَانِهِ ظُبَةً
وَالْبِيضُ هَادِيَةٌ وَالسُّمْرُ ضُلَّالُ
٩٧٧يُرِيكَ مَخْبَرُهُ أَضْعَافَ مَنْظَرِهِ
بَيْنَ الرِّجَالِ وَفِيهَا الْمَاءُ وَالْآلُ
٩٧٨وَقَدْ يُلَقِّبُهُ الْمَجْنُونَ حَاسِدُهُ
إِذَا اخْتَلَطْنَ وَبَعْضُ الْعَقْلِ عُقَّالُ
٩٧٩يَرْمِي بِهَا الْجَيْشَ لَا بُدٌّ لَهُ وَلَها
مِنْ شَقِّهِ وَلَوَ انَّ الْجَيْشَ أَجْبَالُ
٩٨٠إِذَا الْعِدَى نَشِبَتْ فِيهِمْ مَخَالِبُهُ
لَمْ يَجْتَمِعْ لَهُمُ حِلْمٌ وَرِئْبَالِ
٩٨١يَرُوعُهُمْ مِنْهُ دَهْرٌ صَرْفُهُ أَبَدًا
مُجَاهِرٌ وَصُرُوفُ الدَّهْرِ تَغْتَالُ
٩٨٢أَنَالَهُ الشَّرَفَ الْأَعْلَى تَقَدُّمُهُ
فَمَا الَّذِي بِتَوَقِّي مَا أَتَى نَالُوا؟!
٩٨٣إِذَا الْمُلُوكُ تَحَلَّتْ كَانَ حِلْيَتَهُ
مُهَنَّدٌ وَأضَمُّ الْكَعْبِ عَسَّالُ
٩٨٤أَبُو شُجَاعٍ أَبُو الشُّجْعَانِ قَاطِبَةً
هَوْلٌ نَمَتْهُ مِنَ الْهَيْجَاءِ أَهْوَالُ
٩٨٥تَمَلَّكَ الْحَمْدَ حَتَّى مَا لِمُفْتَخِرٍ
فِي الْحَمْدِ حَاءٌ وَلا مِيمٌ وَلَا دَالُ
٩٨٦عَلَيْهِ مِنْهُ سَرَابِيلٌ مُضَاعَفَةٌ
وَقَدْ كَفَاهُ مِنَ الْمَاذِيِّ سِرْبَالُ
٩٨٧وَكَيْفَ أَسْتُرُ مَاْ أَوْلَيْتَ مِنْ حَسَنٍ
وَقَدْ غَمَرْتَ نَوَالًا أَيُّهَا النَّالُ
٩٨٨لَطَّفْتَ رَأْيَكَ فِي بِرِّي وَتَكْرِمَتِي
إِنَّ الْكَرِيمَ عَلَى الْعَلْيَاءِ يَحْتَالُ
٩٨٩حَتَّى غَدَوْتَ وَلِلْأَخْبَارِ تَجْوَالُ
وَلِلْكَوَاكِبِ فِي كَفَّيْكَ آمَالُ
٩٩٠وَقَدْ أَطَالَ ثَنَائِي طُولُ لَابِسِهِ
إِنَّ الثَّنَاءَ عَلَى التِّنْبَالِ تِنْبَالُ
٩٩١إِنْ كُنْتَ تَكْبُرُ أَنْ تَخْتَالَ فِي بَشَرٍ
فَإِنَّ قَدْرَكَ فِي الْأَقْدَارِ يَخْتَالُ
٩٩٢كَأَنَّ نَفْسَكَ لَا تَرْضَاكَ صَاحِبَهَا
إِلَّا وَأَنْتَ عَلَى الْمِفْضَالِ مِفْضَالُ
٩٩٣وَلا تَعُدُّكَ صَوَّانًا لِمُهْجَتِهَا
إِلَّا وَأَنْتَ لَهَا فِي الرَّوْعِ بَذَّالُ
٩٩٤لَوْلَا الْمَشَقَّةُ سَادَ النَّاسُ كُلُّهُمُ
الْجُودُ يُفْقِرُ وَالْإِقْدَامُ قَتَّالُ
٩٩٥وَإِنَّمَا يَبْلُغُ الْإِنْسَانُ طَاقَتَهُ
مَا كُلُّ مَاشِيَةٍ بِالرَّحْلِ شِمْلَالُ
٩٩٦إِنَّا لَفِي زَمَنٍ تَرْكُ الْقَبِيحِ به
مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ إِحْسَانٌ وَإِجْمَالُ
٩٩٧ذِكْرُ الْفَتَى عُمْرُهُ الثَّانِي وَحَاجَتُهُ
مَا قَاتَهُ وَفُضُولُ الْعَيْشِ أَشْغَالُ
٩٩٨وقال يمدح أبا الفوارس دلير بن لشكروز سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، وكان قد جاء إلى الكوفة لقتال الخارجي الذي نجم بها من بني كلاب، وانصرف الخارجي عن الكوفة قبل وصول دلير إليها:
كَدَعْوَاكِ كُلٌّ يَدَّعِي صِحَّةَ الْعَقْلِ
وَمَنْ ذا الَّذِي يَدْرِي بمَا فِيهِ مِنْ جَهْلِ؟
٩٩٩لِهَنَّكِ أَوْلَى لَائِمٍ بِمَلَامَةٍ
وَأَحْوَجُ مِمَّنْ تَعْذُلِينَ إلى الْعَذْلِ
١٠٠٠تَقُولِينَ: مَا في النَّاسِ مِثْلَكَ عَاشِقٌ
جِدِي مِثْلَ مَنْ أَحْبَبْتُهُ تَجِدِي مِثْلِي
١٠٠١مُحِبٌّ كَنَى بِالْبِيضِ عَنْ مُرْهَفَاتِهِ
وَبِالْحُسْنِ في أَجْسَامِهِنَّ عَنِ الصَّقْلِ
١٠٠٢وَبِالسُّمْرِ عَنْ سُمْرِ الْقَنَا غَيْرَ أَنَّنِي
جَنَاهَا أَحِبَّائِي وَأَطْرَافُهَا رُسْلِي
١٠٠٣عَدِمْتُ فُؤَادًا لَمْ تَبِتْ فيهِ فَضْلَةٌ
لِغَيْرِ الثَّنَايَا الْغُرِّ وَالْحَدَقِ النُّجْلِ
١٠٠٤فَمَا حَرَمَتْ حَسْنَاءُ بِالْهَجْرِ غِبْطَةً
وَلَا بَلَغَتْهَا مَنْ شَكَى الْهَجْرَ بالْوَصْلِ
١٠٠٥ذَرِينِي أَنَلْ مَا لَا يُنَالُ مِنَ الْعُلَا
فَصَعْبَ الْعُلَا في الصَّعْبِ وَالسَّهْلُ في السَّهْلِ
١٠٠٦تُرِيدِينَ لُقْيَانَ الْمَعَالِي رَخِيصَةً
وَلَا بُدَّ دُونَ الشَّهْدِ مِنْ إِبَرِ النَّحْلِ
١٠٠٧حَذِرْتِ عَلَيْنَا الْمَوْتَ وَالْخَيْلُ تَلْتَقِي
وَلَمْ تَعْلَمِي عَنْ أَيِّ عَاقِبَةٍ تُجْلَى
١٠٠٨فَلَسْتُ غَبِينًا لَوْ شَرَيْتُ مَنِيَّتِي
بِإِكْرَامِ دِلَّيْرَ بْنِ لَشْكَرَوَزٍّ لِي
١٠٠٩تُمِرُّ الْأنَابِيبُ الْخَوَاطِرُ بَيْنَنَا
وَنَذْكُرُ إقْبَالَ الأمِيرِ فَتَحْلَوْ لِي
١٠١٠وَلَوْ كُنْتُ أَدْرِي أَنَّهَا سَببٌ لَهُ
لَزَادَ سُرُورِي بِالزِّيَادَةِ في الْقَتْلِ
١٠١١فَلَا عَدِمَتْ أَرْضُ الْعِرَاقَيْنِ فِتْنَةً
دَعَتْكَ إليْهَا كَاشِفَ الْخَوْفِ وَالمَحْلِ
١٠١٢ظَلِلْنَا إذَا أَنْبَى الْحَدِيدُ نُصُولَنَا
نُجَرِّدُ ذِكْرًا مِنْكَ أَمْضَى مِنَ النَّصْلِ
١٠١٣وَنَرْمِي نَوَاصِيهَا مِنِ اسْمِكَ في الْوَغَى
بِأَنْفذَ مِنْ نُشَّابِنَا وَمِنَ النَّبْلِ
١٠١٤فَإِنْ تَكُ مِنْ بَعْدِ الْقِتَالِ أَتَيْتَنَا
فَقَدْ هَزَمَ الْأَعْدَاءَ ذِكْرُكَ مِنْ قَبْلِ
١٠١٥وَمَا زِلْتُ أَطْوِي الْقَلْبَ قَبْلَ اجْتِمَاعِنَا
عَلَى حَاجَةٍ بَيْنَ السَّنَابِكِ وَالسُّبْلِ
١٠١٦وَلوْ لَمْ تَسِرْ سِرْنَا إِلَيْكَ بِأَنْفُسٍ
غَرَائِبَ يُؤْثِرْنَ الْجِيَادَ عَلَى الْأَهْلِ
١٠١٧وَخَيْلٍ إذَا مَرَّتْ بِوَحْشٍ وَرَوْضَةٍ
أَبَتْ رَعْيَهَا إلَّا وَمِرْجَلُنَا يَغْلِي
١٠١٨وَلكِنْ رَأَيْتَ الْقَصْدَ فِي الْفَضْلِ شِرْكَةً
فَكَانَ لَكَ الْفَضْلَانِ بِالْقَصْدِ وَالْفَضْلِ
١٠١٩وَلَيْسَ الَّذِي يَتَّبِّعُ الْوَبْلَ رَائِدًا
كَمَنْ جَاءَهُ فِي دَارِهِ رَائِدُ الْوَبْلِ
١٠٢٠وَمَا أَنَا مِمَّنْ يَدَّعِي الشَّوْقَ قَلْبُهُ
وَيَحْتَجُّ فِي تَرْكِ الزِّيَارَةِ بالشُّغْلِ
١٠٢١أَرَادَتْ كِلَابٌ أَنْ تَفُوزَ بِدَوْلَةٍ
لِمَنْ تَرَكَتْ رَعْيَ الشُّوَيْهَاتِ وَالِإبْلِ
١٠٢٢أبى رَبُّهَا أَنْ يَتْرُكَ الوحْشَ وَحْدَهَا
وَأَنْ يُؤْمِنَ الضَّبَّ الْخَبِيثَ مِنَ الْأَكْلِ
١٠٢٣وَقَادَ لَهَا دِلَّيْرُ كُلَّ طِمِرَّةٍ
تُنِيفُ بِخَدَّيْهَا سَحُوقٌ مِنَ النَّخْلِ
١٠٢٤وَكُلَّ جَوَادٍ تَلْطِمُ الأرْضَ كَفُّهُ
بِأَغْنَى عَنِ النَّعْلِ الْحَدِيدِ مِنَ النَّعْلِ
١٠٢٥فَوَلَّتْ تُرِيغُ الْغَيْثَ وَالْغَيْثَ خَلَّفتْ
وَتَطْلُبُ مَا قَدْ كَانَ فِي الْيَدِ بِالرِّجْل
١٠٢٦تُحاذِرُ هَزْلَ المَالِ وَهْيَ ذَلِيلَةٌ
وَأَشْهَدُ أنَّ الذُّلَّ شَرٌّ مِنَ الْهَزْلِ
١٠٢٧وَأَهْدَتْ إلَيْنَا غَيْرَ قَاصِدَةٍ بِهِ
كَرِيمَ السَّجَايَا يَسْبِقُ الْقَوْلَ بِالْفِعْلِ
١٠٢٨تَتَبَّعَ آثَارَ الرَّزَايا بِجودِهِ
تَتَبُّعَ آثَارِ الأسِنَّةِ بِالْفُتْلِ
١٠٢٩شَفَى كُلَّ شَاكٍ سَيْفُهُ وَنَوَالُهُ
مِنَ الدَّاءِ حَتَّى الثَّاكِلَاتِ مِنَ الثُّكْلِ
١٠٣٠عَفِيفٌ تَرُوقُ الشَّمْسَ صُورَةُ وَجْهِهِ
وَلَوْ نَزَلت شَوْقًا لَحَادَ إلَى الظِّلِّ
١٠٣١شُجَاعٌ كَأَنَّ الْحَرْبَ عَاشِقَةٌ لَهُ
إذَا زَارَهَا فَدَّتْهُ بِالْخَيْلِ وَالرَّجْلِ
١٠٣٢وَرَيَّانُ لَا تَصْدَى إلَى الْخَمْرِ نَفْسُهُ
وَعَطْشَانُ لَا تَرْوَى يَدَاهُ مِنَ الْبَذْلِ
١٠٣٣فَتَمْلِيكُ دِلَّيْرٍ وَتَعْظِيمُ قَدْرِهِ
شَهِيدٌ بِوَحْدَانِيَّةِ اللهِ وَالْعَدْلِ
١٠٣٤وَمَا دَامَ دِلَّيْرٌ يَهُزُّ حُسَامَهُ
فَلَا نَابَ فِي الدُّنْيا لِلَيْثٍ وَلَا شِبْلِ
١٠٣٥وَمَا دَامَ دِلَّيْرٌ يُقَلِّبُ كَفَّهُ
فَلَا خَلْقَ مِنْ دَعْوَى الْمَكَارِمِ فِي حِلِّ
١٠٣٦فَتًى لَا يُرَجِّي أَنْ تَتِمَّ طَهَارَةٌ
لِمَنْ لَمْ يُطَهِّرْ رَاحَتَيْهِ مِنَ الْبُخْلِ
١٠٣٧فَلَا قَطَعَ الرَّحْمنُ أَصْلًا أَتَى بِهِ
فَإِنِّي رَأَيتُ الطَّيِّبَ الطَّيِّبَ الْأَصْلِ
١٠٣٨وقال يمدح عضد الدولة، ويذكر وقعة وَهْشُوذَان بن محمد الكردي بالطرم، وكان والده ركن الدولة أنفذ إليه جيشًا من الري فهزمه وأخذ بلده:
اثْلِثْ فَإنَّا أَيُّها الطَّلَلُ
نَبْكِي وَتُرْزِمُ تَحْتَنَا الْإِبِلُ
١٠٣٩أوْلَا فَلَا عَتْبٌ عَلَى طَلَلٍ
إنَّ الطُّلُولَ لِمِثْلِهَا فُعُلُ
١٠٤٠لَوْ كُنْتَ تَنْطِقُ قُلْتَ مُعْتَذِرًا:
بِي غَيْرُ مَا بِكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ
١٠٤١أَبْكَاكَ أنَّكَ بَعْضُ مَنْ شَغَفُوا
لَمْ أَبْكِ أَنِّي بَعْضُ مَنْ قَتَلُوا
١٠٤٢إنَّ الَّذِينَ أقَمْتَ وَاحْتَمَلُوا
أيَّامُهُمْ لِدِيَارِهِمْ دُوَلُ
١٠٤٣الْحُسْنُ يَرْحَلُ كُلَّمَا رَحَلُوا
مَعَهُمْ وَيَنْزِلُ حَيْثُمَا نَزَلُوا
١٠٤٤فِي مُقْلَتَي رَشَأٍ تُدِيرُهُمَا
بَدَوِيَّةٌ فُتِنَتْ بِهَا الْحِلَلُ
١٠٤٥تَشْكُو الْمَطَاعِمُ طُولَ هِجْرَتِهَا
وَصُدُودِهَا وَمَنِ الَّذِي تَصِلُ
١٠٤٦مَا أَسْأَرَتْ فِي الْقَعْبِ مِنْ لَبَنٍ
تَرَكَتْهُ وَهْوَ المِسْكُ وَالْعَسَلُ
١٠٤٧قَالَتْ: ألَا تَصْحُو فَقُلتُ لَهَا:
أعْلَمْتِنِي أَنَّ الْهَوَى ثَمَلُ
١٠٤٨لَوْ أنَّ فَنَّاخُسْرَ صَبَّحَكُمْ
وَبَرَزْتِ وَحْدَكِ عَاقَهُ الْغَزَلُ
١٠٤٩وَتَفَرَّقَتْ عَنْكُمْ كَتَائِبُهُ
إنَّ المِلَاحَ خَوَادِعٌ قُتُلُ
١٠٥٠مَا كُنْتِ فَاعِلَةً وَضَيْفُكُمُ
مَلِكُ الْمُلُوكِ وَشَأْنُكِ الْبَخَلُ
١٠٥١أتُمَنِّعِينَ قِرًى فَتَفْتَضِحِي
أمْ تَبْذُلِينَ لَهُ الَّذِي يَسَلُ؟
١٠٥٢بَلْ لا يَحُلُّ بِحَيْثُ حَلَّ بِهِ
بُخْلٌ وَلَا جَوْرٌ وَلَا وَجَلُ
١٠٥٣مَلِكٌ إذَا مَا الرُّمْحُ أدْرَكَهُ
طَنَبٌ ذَكَرْنَاهُ فَيَعْتَدِلُ
١٠٥٤إنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ قَبْلَهُ عَجَزُوا
عَمَّا يَسُوسُ بِهِ فَقَدْ غَفَلُوا
١٠٥٥حتَّى أتَى الدُّنْيَا ابْنُ بَجْدَتِهَا
فَشَكَا إلَيْهِ السَّهْلُ وَالْجَبَلُ
١٠٥٦شَكْوَى الْعَليلِ إلَى الْكَفِيلِ لَهُ
أنْ لَا تَمُرَّ بِجِسْمِهِ الْعِلَلُ
١٠٥٧قَالَتْ — فَلَا كَذَبَتْ — شَجَاعَتُهُ:
أَقْدِمْ فنَفْسُكَ مَا لَهَا أَجَلُ
١٠٥٨فَهْوَ النِّهَايَةُ إنْ جَرَى مَثَلٌ
أَوْ قِيلَ يَوْمَ وَغًى مَنِ الْبَطَلُ
١٠٥٩عُدَدُ الْوُفُودِ الْعَامِدِينَ لَهُ
دُونَ السِّلَاحِ الشُّكْلُ وَالْعقُلُ
١٠٦٠فَلِشُكْلِهِمْ في خَيْلِهِ عَمَلٌ
وَلِعُقْلِهِمْ في بُخْتِهِ شُغُلُ
١٠٦١تُمْسِي عَلَى أَيْدِي مَوَاهِبِهِ
هِيَ أَوْ بَقِيَّتُهَا أوِ الْبَدَلُ
١٠٦٢يَشْتَاقُ مِنْ يَدِهِ إلَى سَبَلٍ
شَوْقًا إلَيْهِ يَنْبُتُ الْأَسَلُ
١٠٦٣سَبَلٌ تَطُولُ الْمَكْرُمَاتُ بِهِ
وَالْمَجْدُ لَا الْحَوْذَانُ وَالنَّفَلُ
١٠٦٤وَإلَى حَصَى أَرْضٍ أقَامَ بِهَا
بِالنَّاسِ مِنْ تَقْبِيلِهَا يَلَلُ
١٠٦٥إنْ لَمْ تُخَالِطْهُ ضَوَاحِكُهُمْ
فَلِمَنْ تُصَانُ وَتُذخَرُ القُبَلُ؟
١٠٦٦في وَجْهِهِ مِنْ نُورِ خَالِقِهِ
قُدَرٌ هِيَ الآيَاتُ وَالرُّسُلُ
١٠٦٧وَإذَا القُلُوبُ أبَتْ حُكُومَتَهُ
رَضِيَتْ بِحُكْمِ سُيُوفِهِ الْقُلَلُ
١٠٦٨وَإذَا الْخَمِيسُ أَبَى السُّجُودَ لَهُ
سَجَدَتْ لَهُ فِيهِ الْقَنَا الذُّبُلُ
١٠٦٩أرَضِيتَ وَهْشُوَذَانُ مَا حَكَمَتْ
أَمْ تَسْتَزِيدَ لِأُمِّكَ الْهَبَلُ؟
١٠٧٠وَرَدَتْ بِلَادَكَ غَيْرَ مُعْمَدَةٍ
وَكَأنَّهَا بَيْنَ الْقَنَا شُعَلُ
١٠٧١وَالْقَوْمُ في أَعْيَانِهِمْ خَزَرٌ
وَالْخَيْلُ في أَعْيَانِهَا قَبَلُ
١٠٧٢فَأتَوْكَ لَيْسَ بِمَنْ أتَوْا قِبَلٌ
بِهِمُ وَلَيْسَ بِمَنْ نَأَوْا خَلَلُ
١٠٧٣لَمْ يَدْرِ مَنْ بالرَّيِّ أَنَّهُمُ
فَصَلُوا وَلَا يَدْرِي إذَا قَفَلوا
١٠٧٤فَأتَيْتَ مُعْتَزِمًا وَلَا أسَدٌ
وَمَضَيْتَ مُنْهَزِمًا وَلَا وَعِلُ
١٠٧٥تُعْطِي سِلَاحَهُمُ وَرَاحَهُمُ
مَا لَمْ تَكُنْ لِتَنَالَهُ المُقَلُ
١٠٧٦أَسْخَى الْمُلوكِ بِنَقْلِ مَمْلَكَةٍ
مَنْ كَادَ عَنْهُ الرَّأْسُ يَنْتَقِلُ
١٠٧٧لَوْلَا الْجَهَالَةُ مَا دَلَفْتَ إلَى
قَوْمٍ غَرِقْتَ وَإنَّمَا تَفَلُوا
١٠٧٨لَا أقْبَلُوا سِرًّا وَلَا ظَفِرُوا
غَدْرًا وَلَا نَصَرَتْهُمُ الْغِيَلُ
١٠٧٩لَا تَلْقَ أَفْرَسَ مِنْكَ تَعْرِفُهُ
إلَّا إذَا ضَاقَتْ بِكَ الْحِيَلُ
١٠٨٠لَا يَسْتَحِي أَحَدٌ يُقَالُ لَهُ
نَضَلُوكَ آلُ بُوَيْهِ أوْ فَضَلُوا
١٠٨١قَدَرُوا عَفَوْا وَعَدُوا وَفَوْا سُئِلُوا
أَغْنَوْا عَلَوْا أَعْلَوْا وَلَوْا عَدَلُوا
١٠٨٢فَوْقَ السَّمَاءِ وَفَوْقَ مَا طَلَبُوا
فَإِذَا أَرَادُوا غَايَةً نَزَلُوا
١٠٨٣قَطَعَتْ مَكَارِمُهُمْ صَوَارِمَهُمْ
فَإذَا تَعَذَّرَ كَاذِبٌ قَبِلُوا
١٠٨٤لَا يَشْهَرُونَ عَلَى مُخَالِفِهِمْ
سَيْفًا يَقُومُ مَقَامَهُ الْعَذَلُ
١٠٨٥فَأَبُو عَلِيٍّ مَنْ بِهِ قَهَرُوا
وَأَبُو شُجَاعٍ مَنْ بِهِ كَمَلوا
١٠٨٦حَلَفَتْ لِذَا بَرَكَاتُ غُرَّةِ ذَا
فِي الْمَهْدِ أَنْ لَا فَاتَهُمْ أَمَلُ
١٠٨٧وخرج أبو شجاع يتصيد ومعه آلة الصيد، وكان يسير قدام الجيش يَمنة ويَسرة، فلا يرى صيدًا إلا صاده، حتى وصل إلى دشت الأرزن؛ وهو موضع حسن على عشرة فراسخ من شيراز، تحف به الجبال، وفيه غاب ومياه ومروج، فكانت الوحوش تصاد، وإذا اعتصمت بالجبال أخذت الرجال عليها المضايق، فإذا أثخنها النشاب هربت من رءوس الجبال إلى الدشت فتسقط بين يديه؛ فأقام بذلك المكان أيامًا على عين ماء حسنة ومعه أبو الطيب، فوصف الحال وأنشده في رجب سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، وفي هذه السنة قتل أبو الطيب، قال:
مَا أَجْدَرَ الأيَّامَ وَاللَّيَالِي
بِأَنْ تَقُولَ: مَا لَهُ وَمَا لِي؟
١٠٨٨لَا أَنْ يَكُونَ هَكَذَا مَقَالِي
فَتًى بِنِيرَانِ الْحُرُوبِ صَالِ
١٠٨٩مِنْهَا شَرَابي وَبِهَا اغْتِسَالِي
لَا تَخْطُرُ الْفَحْشَاءُ لِي بِبَالِ
١٠٩٠لَوْ جَذَبَ الزَّرَّادُ مِنْ أَذْيَالِي
مُخَيَّرًا لِي صَنْعَتَيْ سِرْبَالِ
١٠٩١مَا سُمْتُهُ سَرْدَ سِوَى سِرْوَالِ
وَكَيْفَ لَا وَإنَّمَا إدْلَالِي
١٠٩٢بِفَارِسِ الْمَجْرُوحِ وَالشَّمَالِ
أَبي شُجَاعٍ قَاتِلِ الأبْطَالِ
١٠٩٣سَاقِي كُئُوسِ الْمَوْتِ وَالْجِرْيَالِ
١٠٩٤ لَمَّا أَصَارَ الْقُفْصَ أَمْسِ الْخَالِي
١٠٩٥وَقَتَّلَ الْكُرْدَ عَنِ الْقِتَالِ
حَتَّى اتَّقَتْ بِالْفَرِّ وَالْإجْفَالِ
١٠٩٦فَهَالِكٌ وَطَائِعٌ وَجَالِي
وَاقْتَنَصَ الْفُرْسَانَ بالْعَوَالِي
١٠٩٧وَالْعُتُقِ المُحْدَثَةِ الصِّقَالِ
سَارَ لِصَيْدِ الْوَحْشِ فِي الْجِبَالِ
١٠٩٨وَفِي رِقَاقِ الْأَرْضِ وَالرِّمَالِ
عَلَى دِمَاءِ الإنْسِ وَالأوْصَالِ
١٠٩٩مُنْفَرِدَ الْمُهْرِ عَنِ الرِّعَالِ
مِنْ عِظَمِ الهِمَّةِ لَا المَلَالِ
١١٠٠وَشِدَّةِ الضَّنِّ لَا الِاسْتِبْدَالِ
مَا يَتَحَرَّكْنَ سِوَى انْسِلَالِ
١١٠١فَهُنَّ يُضْرَبْنَ عَلَى التَّصْهَالِ
كُلُّ عَلِيلٍ فَوْقَهَا مُخْتَالِ
١١٠٢يُمْسِكُ فَاهُ خَشْيَةَ السُّعَالِ
مِنْ مَطْلَعِ الشَّمْسِ إِلَى الزَّوَالِ
١١٠٣فَلَمْ يَئِلْ مَا طَارَ غَيْرَ آلِ
وَمَا عَدَا فَانْغَلَّ فِي الْأَدْغَالِ
١١٠٤وَمَا احْتَمَى بِالْمَاءِ وَالدِّحَالِ
مِنَ الْحَرَامِ اللَّحْمِ وَالْحَلَالِ
١١٠٥إِنَّ النُّفُوسَ عَدَدُ الآجَالِ
سَقْيًا لِدَشْتِ الأرْزُنِ الطُّوَالِ
١١٠٦بَيْنَ المُرُوجِ الْفِيحِ وَالْأَغْيَالِ
مُجَاوِرِ الخِنْزِيرِ لِلرِّئْبَالِ
١١٠٧دَانِي الْخَنَانِيصِ مِنَ الأشْبَالِ
مُشْتَرِفِ الدُّبِّ عَلَى الْغَزَالِ
١١٠٨مُجْتَمِعِ الأضْدَادِ وَالْأَشْكَالِ
١١٠٩كَأنَّ فَنَّاخُسْرَ ذَا الإفْضَالِ
خَافَ عَلَيْهَا عَوَزَ الكَمَالِ
فَجَاءَهَا بِالْفِيلِ وَالفَيَّالِ
١١١٠فَقِيدَتِ الأُيَّلُ فِي الْحِبَالِ
طَوْعَ وُهُوقِ الْخَيْلِ وَالرِّجَالِ
١١١١تَسِيرُ سَيْرَ النَّعَمِ الأرْسَالِ
مُعْتَمَّةً بيَبِسِ الأَجْذَالِ
١١١٢وُلِدْنَ تَحْتَ أثْقَلِ الأَحْمَالِ
قَدْ مَنَعَتْهُنَّ مِنَ التَّفَالِي
١١١٣لا تَشْرَكُ الأجْسَامَ فِي الْهُزالِ
١١١٤ إذا تَلَفَّتْنَ إلى الأظْلَالِ
١١١٥أَرَيْنَهُنَّ أشْنَعَ الأمْثَالِ
كَأنَّمَا خُلِقْنَ لِلإذْلَالِ
١١١٦زِيادَةً فِي سُبَّةَ الْجُهَّالِ
١١١٧ وَالعُضْوُ لَيْسَ نَافِعًا فِي حَالِ
لِسَائِرِ الْجِسْمِ مِنَ الخَبَالِ
١١١٨وَأوْفَتِ الْفُدْرُ مِنَ الأوْعَالِ
مُرْتَدِيَاتٍ بِقِسِيِّ الضَّالِ
١١١٩نَوَاخِسَ الْأطْرَافِ لِلَاكْفَالِ
يَكَدْنَ يَنْفُذْنَ مِنَ الآطَالِ
١١٢٠لَهَا لِحًى سُودٌ بِلَا سِبَالِ
يَصْلُحْنَ لِلْإضْحَاكِ لَا الإجْلَالِ
١١٢١كُلُّ أَثِيثٍ نَبْتُهَا مُتْفَالِ
لَمْ تُغْذَ بالْمِسْكِ وَلَا الْغَوَالِي
تَرْضَى مِنَ الأدْهَانِ بِالْأبْوَالِ
وَمِنْ ذَكِيِّ المِسْكِ بِالدِّمَالِ
١١٢٢لَوْ سُرِّحَتْ فِي عَارِضَيْ مُحْتَالِ
لَعَدَّهَا مِنْ شَبَكَاتِ المَالِ
١١٢٣بَيْنَ قُضَاةِ السَّوْءِ وَالأطْفَالِ
١١٢٤ شَبِيهَةِ الْإدْبَارِ بِالإقْبَالِ
لا تُؤْثِرُ الْوَجْهَ عَلَى الْقَذَالِ
١١٢٥ فاخْتَلَفَتْ في وَابِلَيْ نِبَالِ
مِنْ أسْفَلِ الطَّوْدِ وَمِنْ مُعَالِ
١١٢٦قَدْ أوْدَعَتْهَا عَتَلُ الرِّجَالِ
في كُلِّ كِبْدٍ كَبِدَيْ نِصَالِ
١١٢٧فَهُنَّ يَهْوِينَ مِنَ الْقِلَالِ
مَقْلُوبَةَ الْأَظْلَافِ وَالْإِرْقَالِ
١١٢٨يُرْقِلْنَ في الْجَوِّ عَلَى المَحَالِ
فِي طُرُقٍ سَرِيعَةِ الْإِيصَالِ
١١٢٩يَنَمْنَ فِيهَا نِيمَةَ المِكْسَالِ
عَلَى الْقُفِيِّ أَعْجَلَ الْعِجَالِ
١١٣٠لَا يَتَشَكَّيْنَ مِنَ الْكَلَالِ
وَلَا يُحَاذِرْنَ مِنَ الضَّلَالِ
١١٣١فكَانَ عَنْهَا سَبَبَ التَّرْحَالِ
تَشْوِيقُ إِكْثَارٍ إِلَى إِقْلَالِ
١١٣٢فَوَحْشُ نَجْدٍ مِنْهُ في بَلْبَالِ
يَخَفْنَ فِي سَلْمَى وَفِي قِيَالِ
١١٣٣نَوَافِرَ الضِّبَابِ وَالْأَوْرَالِ
وَالْخَاضِبَاتِ الرُّبْدِ وَالرِّئَالِ
١١٣٤وَالظَّبْيِ وَالْخَنْسَاءِ وَالذَّيَّالِ
يَسْمَعْنَ مِنْ أَخْبَارِهِ الْأَزْوَالِ
مَا يَبْعَثُ الْخُرْسَ عَلَى السُّؤَالِ
١١٣٥فُحُولُهَا وَالْعُوذُ وَالْمَتَالِي
تَوَدُّ لَوْ يُتْحِفُهَا بِوَالِي
١١٣٦يَرْكَبُهَا بالْخُطْمِ وَالرِّحَالِ
يُؤْمِنُهَا مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَالِ
١١٣٧وَيَخْمُسُ الْعُشْبَ وَلَا تُبَالِي
وَمَاءَ كُلِّ مُسْبِلٍ هَطَّالِ
١١٣٨يَا أقْدَرَ السُّفَّارِ وَالقُفَّالِ
لَوْ شِئْتَ صِدْتَ الْأُسْدَ بالثَّعَالِي
١١٣٩أَوْ شِئْتَ غَرَّقْتَ الْعِدَا بِالْآلِ
وَلَوْ جَعَلْتَ مَوْضِعَ الْإِلَالِ
لَآلِئًا قَتَلْتَ بِاللَّآلِي
١١٤٠لَمْ يَبْقَ إِلا طَرَدُ السَّعَالِي
في الظُّلَمِ الْغَائِبَةِ الْهِلَالِ
عَلَى ظُهُورِ الْإِبِلِ الْأُبَّالِ
فَقَدْ بَلَغْتَ غَايَةَ الْآمَالِ
١١٤١فَلَمْ تَدَعْ مِنْهَا سِوَى الْمُحَالِ
فِي لَا مَكَانٍ عِنْدَ لَا مَنَالِ
١١٤٢يَا عَضُدَ الدَّوْلَةِ وَالْمَعَالِي
النَّسَبُ الْحَلْيُ وَأَنْتَ الْحَالِي
بِالْأَبِ لَا بِالشَّنْفِ وَالْخَلْخَالِ
حَلْيًا تَحَلَّى مِنْكَ بِالْجَمَالِ
١١٤٣وَرُبَّ قُبْحٍ وَحُلًى ثِقَالِ
أَحْسَنُ مِنْهَا الْحُسْنُ فِي المِعْطَالِ
١١٤٤فَخْرُ الْفَتَى بِالنَّفْسِ وَالْأفْعَالِ
مِنْ قَبْلِهِ بِالْعَمِّ وَالْأَخْوَالِ
١١٤٥قافية الميم
وقال يمدح سيف الدولة، وهي أول ما أنشده سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة عند نزوله أنطاكية من ظفره بحصن بَرْزُوَيْهِ، وكان جالسًا تحت فازة من الديباج
١ عليها صورة ملك الروم وصور وحش وحيوان:
وَفَاؤُكُمَا كَالرَّبْعِ أَشْجَاهُ طَاسِمُهْ
بِأَنْ تُسْعِدَا وَالدَّمْعُ أَشْفَاهُ سَاجِمُهْ
٢وَمَا أَنَا إلَّا عَاشِقٌ كُلُّ عَاشِقٍ
أَعَقُّ خَلِيلَيْهِ الصَّفِيَّيْنِ لَائِمُهْ
٣وَقدْ يَتَزَيَّا بِالْهَوَى غَيْرُ أَهْلِهِ
ويَستَصْحِبُ الْإِنْسَانُ مَنْ لَا يُلَائِمُهْ
٤بَلِيتُ بِلَى الْأَطْلَالِ إنْ لَمْ أَقِفْ بِهَا
وُقُوفَ شَحِيحٍ ضَاعَ فِي التُّرْبِ خَاتِمُهْ
٥كَئِيبًا تَوَقَّانِي الْعَوَاذِلُ فِي الْهَوَى
كَمَا يَتَوَقَّى رَيِّضَ الْخَيْلِ حَازِمُهْ
٦قِفِي تَغْرَمِ الْأُولَى مِنَ اللَّحْظِ مُهْجَتِي
بِثَانِيَةٍ وَالْمُتْلِفُ الشَّيْءَ غَارِمُهْ
٧سَقَاكِ وَحَيَّانَا بِكِ اللهُ إِنَّمَا
عَلَى الْعِيسِ نَوْرٌ وَالْخُدُورُ كَمَائِمُهْ
٨وَمَا حَاجَةُ الْأَظْعَانِ حَوْلَكِ فِي الدُّجَى
إلَى قَمَرٍ مَا وَاجِدٌ لَكِ عَادِمُهْ؟
٩إذَا ظَفِرَتْ مِنْكِ الْعُيُونُ بِنَظْرَةٍ
أَثَابَ بِهَا مُعْيِي الْمَطِيِّ وَرَازِمُهْ
١٠حَبِيبٌ كَأَنَّ الْحُسْنَ كَانَ يُحِبُّهُ
فآثَرَهُ أَوْ جَارَ فِي الْحُسْنِ قَاسِمُهْ
١١تَحُولُ رِمَاحُ الْخَطِّ دُونَ سِبَائِهِ
وتُسْبَى لَهُ مِنْ كُلِّ حَيٍّ كَرَائِمُهْ
١٢وَيُضْحِي غُبَارُ الْخَيْلِ أَدْنَى سُتُورِهِ
وَآخِرُهَا نَشْرُ الْكِبَاءِ الْمُلَازِمُهْ
١٣وَمَا اسْتَغْرَبَتْ عَيْنِي فِرَاقًا رَأَيْتُهُ
وَلَا عَلَّمَتْنِي غَيْرَ مَا الْقَلْبُ عَالِمُهْ
١٤فَلَا يَتَّهِمْنِي الْكَاشِحُونَ فَإنَّنِي
رَعَيْتُ الرَّدَى حَتَّى حَلَتْ لِي عَلَاقِمُهْ
١٥مُشِبُّ الَّذِي يَبْكِي الشَّبَابَ مُشِيبُهُ
فكَيْفَ تَوَقِّيهِ وَبَانِيهِ هَادِمُهْ؟
١٦وَتَكْمِلَةُ الْعَيْشِ الصِّبَا وَعَقِيبُهُ
وَغَائِبُ لَوْنِ الْعَارِضَيْنِ وَقَادِمُهْ
١٧وما خَضَبَ النَّاسُ الْبَيَاضَ لِأَنَّهُ
قَبِيحٌ وَلكِنْ أَحْسَنُ الشَّعْرِ فَاحِمُهْ
١٨وَأَحْسَنُ مِنْ مَاءِ الشَّبِيبَةِ كُلِّهِ
حيَا بَارِقٍ فِي فَازَةٍ أَنَا شَائِمُهْ
١٩عَلَيْهَا رِياضٌ لَمْ تَحُكْهَا سَحَابَةٌ
وَأَغْصَانُ دَوْحٍ لَمْ تَغَنَّ حَمَائِمُهْ
٢٠وَفَوْقَ حَوَاشِي كُلِّ ثَوْبٍ مُوَجَّهٍ
مِنَ الدُّرِّ سِمْطٌ لَمْ يُثَقِّبْهُ نَاظِمُهْ
٢١تَرَى حَيَوَانَ البَرِّ مُصْطَلِحًا بِهَا
يُحَارِبُ ضِدٌّ ضِدَّهُ وَيُسَالِمُهْ
٢٢إِذَا ضَرَبَتْهُ الرِّيحُ مَاجَ كَأنَّهُ
تَجُولُ مَذَاكِيهِ وَتَدْأَى ضَرَاغِمُهْ
٢٣وَفِي صُورَةِ الرُّومِيِّ ذِي التَّاجِ ذِلَّةٌ
لِأَبْلَجَ لا تِيجَانَ إِلَّا عَمَائِمُهْ
٢٤تُقَبِّلُ أَفْوَاهُ الْمُلُوكِ بِسَاطَهُ
ويَكْبُرُ عَنْهَا كُمُّهُ وَبَرَاجِمُهْ
٢٥قِيَامًا لِمَنْ يَشْفِي مِنَ الدَّاءِ كَيُّهُ
وَمَنْ بَيْنَ أُذْنَيْ كُلِّ قَرْمٍ مَوَاسِمُهْ
٢٦قَبَائِعُهَا تَحْتَ الْمَرَافِقِ هَيْبَةً
وأنْفَذُ مِمَّا فِي الْجُفُونِ عَزَائِمُهْ
٢٧لَهُ عَسْكَرَا خَيْلٍ وَطَيْرٍ إذَا رَمَى
بِهَا عَسْكَرًا لَمْ يَبْقَ إلَّا جَمَاجِمُهْ
٢٨أَجِلَّتُها مِنْ كُلِّ طَاغٍ ثِيَابُهُ
وَمَوْطِئُهَا مِنْ كُلِّ بَاغٍ مَلَاغِمُهْ
٢٩فَقَدْ مَلَّ ضَوْءُ الصُّبْحِ مِمَّا تُغِيرُهُ
وَمَلَّ سَوَادُ اللَّيْلِ مِمَّا تُزَاحِمُهْ
٣٠وَمَلَّ الْقَنَا مِمَّا تَدُقُّ صُدُورَهُ
وَمَلَّ حَدِيدُ الْهِنْدِ مِمَّا تُلَاطِمُهْ
٣١سَحَابٌ مِن الْعِقْبَانِ يَزْحَفُ تَحْتَهَا
سَحَابٌ إِذَا اسْتَسْقَتْ سَقَتْهَا صَوَارِمُهْ
٣٢سَلَكْتُ صُرُوفَ الدَّهْرِ حَتَّى لَقِيتُهُ
عَلَى ظَهْرِ عَزْمٍ مُؤْيَدَاتٍ قَوَائِمُهْ
٣٣مَهَالِكَ لَمْ تَصْحَبْ بِهَا الذِّئْبَ نَفْسُهُ
وَلَا حَمَلَتْ فِيهَا الْغُرَابَ قَوَادِمُهْ
٣٤فَأَبْصَرْتُ بَدْرًا لا يَرَى الْبَدْرُ مِثْلَهُ
وَخَاطَبْتُ بَحْرًا لَا يَرَى الْعِبْرَ عَائِمُهْ
٣٥غَضِبْتُ لَهُ لَمَّا رَأيْتُ صِفَاتِهِ
بِلَا وَاصِفٍ وَالشِّعْرُ تَهْذِي طَمَاطِمُهْ
٣٦وَكُنْتُ إِذَا يَمَّمْتُ أَرْضًا بَعِيدَةً
سَرَيْتُ وَكُنْتُ السِّرَّ وَاللَّيْلُ كَاتِمُهْ
٣٧لَقَدْ سَلَّ سَيْفَ الدَّوْلَةِ الْمَجْدُ مُعْلِمًا
فَلَا الْمَجْدُ مُخْفِيهِ وَلَا الضَّرْبُ ثَالِمُهْ
٣٨عَلَى عاتِقِ الْمَلْكِ الْأَغَرِّ نِجَادُهُ
وَفِي يَدِ جَبَّارِ السَّمَوَاتِ قَائِمُهْ
٣٩تُحَارِبُهُ الْأَعْدَاءُ وَهْيَ عَبِيدُهُ
وتَدَّخِرُ الْأَمْوَالَ وَهْيَ غَنَائِمُهْ
٤٠وَيَسْتَكْبِرُونَ الدَّهْرَ وَالدَّهْرُ دُونَهُ
وَيَسْتَعْظِمُونَ الْمَوْتَ والْمَوْتُ خَادِمُهْ
٤١وَإِنَّ الَّذِي سَمَّى عَلِيًّا لَمُنْصِفٌ
وَإِنَّ الَّذِي سَمَّاهُ سَيْفًا لَظَالِمُهْ
وَمَا كُلُّ سَيْفٍ يَقْطَعُ الْهَامَ حَدُّهُ
وتَقْطَعُ لَزْبَاتِ الزَّمَانِ مَكَارِمُهْ
٤٢
وقال يمدحه، وقد عزم على الرحيل عن أنطاكية:
أيْنَ أزْمَعْتَ أيُّهَذَا الْهُمَامُ؟
نَحْنُ نَبْتُ الرُّبَا وَأَنتَ الْغَمَامُ
٤٣نَحْنُ مَنْ ضَايَقَ الزَّمَانُ لَهُ فِيـ
ـكَ وَخَانَتْهُ قُرْبَكَ الْأيَّامُ
٤٤في سَبِيلِ الْعُلَا قِتَالُكَ وَالسِّلـْ
ـمُ وَهذَا المُقَامُ وَالإجْذَامُ
٤٥لَيْتَ أَنَّا إِذَا ارْتَحَلْتَ لَكَ الْخَيـْ
ـلُ وَأَنَّا إذَا نَزَلْتَ الْخِيَامُ
٤٦كُلَّ يَوْمٍ لَكَ احْتِمَالٌ جَدِيدُ
وَمَسِيرٌ لِلْمَجْدِ فِيهِ مُقَامُ
٤٧وَإِذَا كَانَتِ النُّفُوسُ كِبَارًا
تَعِبَتْ فِي مُرَادِهَا الْأَجْسَامُ
٤٨وَكَذَا تَطْلُعُ الْبُدُورُ عَلَيْنَا
وَكَذَا تَقْلَقُ الْبُحُورُ الْعِظَامُ
٤٩وَلَنَا عَادَةُ الْجَمِيلِ مِنَ الصَّبـْ
ـرِ لَوَ انَّا سِوَى نَوَاكَ نُسَامُ
٥٠كُلُّ عَيْشٍ مَا لَمْ تُطِبْهُ حِمَامٌ
كُلُّ شَمْسٍ مَا لَمْ تَكُنْهَا ظَلَامُ
٥١أَزِلِ الْوَحْشَةَ الَّتِي عِنْدَنَا يَا
مَنْ بِهِ يَأْنَسُ الْخَمِيسُ اللُّهَامُ
٥٢وَالَّذِي يَشْهَدُ الْوَغَى سَاكِنَ الْقَلـْ
ـبِ كَأَنَّ الْقِتَالَ فِيهَا ذِمَامُ
٥٣وَالَّذِي يَضْرِبُ الْكَتَائِبَ حَتَّى
تَتَلَاقَى الْفِهَاقُ والْأَقْدَامُ
٥٤وَإذَا حَلَّ سَاعَةً بِمَكَانٍ
فَأَذَاهُ عَلَى الزَّمَانِ حَرَامُ
٥٥وَالَّذِي تُنْبِتُ الْبِلَادُ سُرُورٌ
وَالَّذِي تَمْطُرُ السَّحَابُ مُدَامُ
٥٦كُلَّما قِيلَ: قَدْ تَنَاهَى أَرَانَا
كَرَمًا مَا اهْتَدَتْ إلَيْهِ الْكِرَامُ
٥٧وَكِفَاحًا تَكِعُّ عَنْهُ الْأَعَادِي
وَارْتِيَاحًا يَحَارُ فِيهِ الْأَنَامُ
٥٨إِنَّمَا هَيْبَةُ المُؤَمَّلِ سَيْفِ الدَّ
وْلَةِ الْمَلْكِ في الْقُلوبِ حُسَامُ
٥٩فَكَثِيرٌ مِنَ الشُّجَاعِ التَّوَقِّي
وَكَثِيرٌ مِنَ الْبَلِيغِ السَّلَامُ
٦٠وقال يمدحه أيضًا:
أنَا مِنكَ بَيْنَ فَضَائِلٍ وَمَكَارِمِ
وَمِنِ ارْتِيَاحِكَ فِي غَمَامٍ دَائِمِ
٦١وَمِنِ احْتِقَارِكَ كُلَّ مَا تَحْبُو بِهِ
فِيمَا أُلَاحِظُهُ بِعَيْنَيْ حَالِمِ
٦٢إنَّ الْخَلِيفَةَ لَمْ يُسَمِّكَ سَيْفَهَا
حَتَّى بَلَاكَ فَكُنْتَ عَيْنَ الصَّارِمِ
٦٣فَإِذَا تَتَوَّجَ كُنْتَ دُرَّةَ تَاجِهِ
وَإِذَا تَخَتَّمَ كُنْتَ فَصَّ الْخَاتِمِ
٦٤وَإِذَا انْتَضَاكَ عَلَى الْعِدَى فِي مَعْرَكٍ
هَلَكُوا وَضَاقَتْ كَفُّهُ بِالْقَائِمِ
٦٥أَبْدَى سَخَاؤُكَ عَجْزَ كُلِّ مُشَمِّرٍ
فِي وَصْفِهِ وَأَضَاقَ ذَرْعَ الْكَاتِمِ
٦٦وقال يمدحه، وكان سيف الدولة قد أمر غلمانه أن يلبسوا، وقصد ميَّافارقين في خمسة آلاف من الجند وألفين من غلمانه، ليزور قبر والدته، وذلك سنة ثمانٍ وثلاثين وثلاثمائة:
إِذَا كَانَ مَدْحٌ فَالنَّسِيبُ الْمُقَدَّمُ
أَكُلُّ فَصِيحٍ قَالَ شِعْرًا مُتَيَّمُ
٦٧لَحُبُّ ابْنِ عَبْدِ اللهِ أَوْلَى فَإنَّهُ
بِهِ يُبْدَأُ الذِّكْرُ الْجَمِيلُ وَيُخْتَمُ
٦٨أَطَعْتُ الْغَوَانِي قَبْلَ مَطْمَحِ نَاظِرِي
إِلَى مَنْظَرٍ يَصْغُرْنَ عَنْهُ وَيَعْظُمُ
٦٩تَعَرَّضَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ الدَّهْرَ كُلَّهُ
يُطَبِّقُ فِي أَوْصَالِهِ وَيُصَمِّمُ
٧٠فَجَازَ لَهُ حَتَّى عَلَى الشَّمْسِ حُكْمُهُ
وَبَانَ لَهُ حَتَّى عَلَى الْبَدْرِ مَيْسَمُ
٧١كَأَنَّ الْعِدَا في أَرْضِهِمْ خُلَفَاؤُهُ
فَإنْ شَاءَ حَازُوهَا وَإنْ شَاءَ سَلَّمُوا
٧٢وَلَا كُتْبَ إلَّا الْمَشْرَفِيَّةُ عِنْدَهُ
وَلَا رُسُلٌ إِلَّا الْخَمِيسُ الْعَرَمْرَمُ
٧٣فَلَمْ يَخْلُ مِنْ نَصْرٍ لَهُ مَنْ لَهُ يَدٌ
وَلَمْ يَخْلُ مِنْ شُكْرٍ لَهُ مَنْ لَهُ فَمُ
٧٤وَلَمْ يَخْلُ مِنْ أَسْمَائِهِ عُودُ مِنْبَرٍ
وَلَمْ يَخْلُ دِينَارٌ وَلَمْ يَخْلُ دِرْهَمُ
٧٥ضَرُوبٌ وَمَا بَيْنَ الْحُسَامَيْنِ ضَيِّقٌ
بَصِيرٌ وَمَا بَيْنَ الشُّجَاعَيْنِ مُظْلِمُ
٧٦تُبَارِي نُجُومَ الْقَذْفِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ
نُجُومٌ لَهُ مِنْهُنَّ وَرْدٌ وَأدْهَمُ
٧٧يَطَأْنَ مِنَ الْأَبْطَالِ مَنْ لَا حَمَلْنَهُ
وَمِنْ قِصَدِ الْمرَّانِ مَا لَا يُقَوَّمُ
٧٨فَهُنَّ مَعَ السِّيدَانِ فِي الْبَرِّ عُسَّلٌ
وَهُنَّ مَعَ النِّينَانِ فِي الْمَاءِ عُوَّمُ
٧٩وَهُنَّ مَعَ الْغِزْلَانِ فِي الْوَادِ كُمَّنٌ
وَهُنَّ مَعَ الْعِقْبَانِ فِي النِّيقِ حُوَّمُ
٨٠إِذَا جَلَبَ النَّاسُ الْوَشِيجَ فَإِنَّهُ
بِهِنَّ وَفي لَبَّاتِهِنَّ يُحَطَّمُ
٨١بِغُرَّتِهِ فِي الْحَرْبِ وَالسِّلْمِ والْحِجَا
وَبَذْلِ اللُّهَا وَالْحَمْدِ وَالْمَجْدِ مُعْلَمُ
٨٢يُقِرُّ لَهُ بِالْفَضْلِ مَنْ لَا يَوَدُّهُ
وَيَقْضِي لَهُ بِالسَّعْدِ مَنْ لَا يُنَجِّمُ
٨٣أَجَارَ عَلَى الْأَيَّامِ حَتَّى ظَنَنْتُهُ
تُطَالِبُهُ بِالرَّدِّ عَادٌ وَجُرْهُمُ
٨٤ضَلَالًا لِهَذِي الرِّيحِ! مَاذَا تُرِيدُهُ؟
وَهَدْيًا لِهَذَا السَّيْلِ! مَاذَا يُؤَمِّمُ؟
٨٥أَلَمْ يَسْأَلِ الْوَبْلُ الَّذِي رَامَ ثَنْيَنَا
فَيُخْبِرَهُ عَنْكَ الْحَدِيدُ الْمُثَلَّمُ
٨٦وَلَمَّا تَلَقَّاكَ السَّحَابُ بِصَوْبِهِ
تَلَقَّاهُ أعْلَى مِنْهُ كَعْبًا وَأكْرَمُ
٨٧فَبَاشَرَ وَجْهًا طَالَمَا بَاشَرَ الْقَنَا
وَبَلَّ ثِيَابًا طَالَمَا بَلَّهَا الدَّمُ
٨٨تَلَاكَ وَبَعْضُ الْغَيْثِ يَتْبَعُ بَعْضَهُ
مِنَ الشَّأْمِ يَتْلُو الْحَاذِقَ الْمُتَعَلِّمُ
٨٩فَزَارَ الَّتِي زَارَتْ بِكَ الْخَيْلُ قَبْرَهَا
وَجَشَّمَهُ الشَّوْقُ الَّذِي تَتَجَشَّمُ
٩٠وَلَمَّا عَرَضْتَ الْجَيْشَ كَانَ بَهَاؤُهُ
عَلَى الْفَارِسِ الْمُرْخِي الذُّؤَابَةَ مِنْهُمُ
٩١حَوَالَيْهِ بَحْرٌ لِلتَّجَافِيفِ مَائِجٌ
يَسِيرُ بِهِ طَرْدٌ مِنَ الْخَيْلِ أَيْهَمُ
٩٢تَسَاوَتْ بِهِ الْأَقْطَارُ حَتَّى كَأَنَّهُ
يُجَمِّعُ أَشْتَاتَ الْجِبَالِ وَيَنْظِمُ
٩٣وَكُلُّ فَتًى لِلْحَرْبِ فَوْقَ جَبِينِهِ
مِنَ الضَّرْبِ سَطْرٌ بِالْأَسِنَّةِ مُعْجَمُ
٩٤يَمُدُّ يَدَيْهِ فِي الْمُفَاضَةِ ضَيْغَمٌ
وَعَيْنَيْهِ مِنْ تَحْتِ التِّرِيكَةِ أَرْقَمُ
٩٥كَأَجْنَاسِهَا رَايَاتُهَا وَشِعَارُهَا
وَمَا لَبِسَتْهُ وَالسِّلَاحُ الْمُسَمَّمُ
٩٦وَأَدَّبَهَا طُولُ الْقِتَالِ فَطَرْفُهُ
يُشِيرُ إلَيْهَا مِنْ بَعيدٍ فَتَفْهَمُ
٩٧تُجَاوِبُهُ فِعْلًا وَمَا تَعْرِفُ الْوَحَى
وَيُسْمِعُها لَحْظًا وَمَا يَتَكَلَّمُ
٩٨تَجَانَفُ عَنْ ذَاتِ الْيَمِينِ كَأَنَّهَا
تَرِقُّ لِمَيَّافَارِقِينَ وَتَرْحَمُ
٩٩وَلَوْ زَحَمَتْهَا بِالْمَنَاكِبِ زَحْمَةً
دَرَتْ أَيُّ سُورَيْهَا الضَّعِيفُ الْمُهَدَّمُ؟
١٠٠عَلَى كُلِّ طَاوٍ تَحْتَ طَاوٍ كَأَنَّهُ
مِنَ الدَّمِ يُسْقَى أَوْ مِنَ اللَّحْمِ يُطْعَمُ
١٠١لَهَا فِي الْوَغَى زِيُّ الْفَوَارِسِ فَوْقَهَا
فكُلُّ حِصَانٍ دَارِعٌ مُتَلَثِّمُ
١٠٢وَمَا ذَاكَ بُخْلًا بِالنُّفُوسِ عَلَى الْقَنَا
وَلَكِنَّ صَدْمَ الشَّرِّ بِالشَّرِّ أَحْزَمُ
١٠٣أتَحْسِبُ بِيضُ الْهِنْدِ أَصْلَكَ أَصلَهَا
وَأنَّكَ مِنْهَا؟ سَاءَ مَا تَتَوَهَّمُ
١٠٤إِذَا نَحْنُ سَمَّيْنَاكَ خِلْنَا سُيُوفَنَا
مِنَ التِّيهِ فِي أَغْمَادِهَا تَتَبَسَّمُ
١٠٥وَلَمْ نَرَ مَلْكًا قَطُّ يُدْعَى بِدُونِهِ
فيَرْضَى وَلَكِنْ يَجْهَلُونَ وَتَحْلُمُ
١٠٦أَخَذْتَ عَلَى الْأَعْدَاءِ كُلَّ ثَنِيَّةٍ
مِنَ الْعَيْشِ تُعْطِي مَنْ تَشَاءُ وَتَحْرِمُ
١٠٧فَلَا مَوْتَ إلَّا مِنْ سِنَانِكَ يُتَّقَى
وَلَا رِزْقَ إلَّا مِنْ يَمِينِكَ يُقْسَمُ
١٠٨وقال يعاتب سيف الدولة — وأنشدها في محفل من العرب — وكان سيف الدولة إذا تأخر عنه مدحُه شق عليه وأحضر من لا خير فيه، وتقدم إليه بالتعرض له في مجلسه بما لا يحب، وأكثر عليه مرة بعد مرة، فقال يعاتبه:
وَا حَرَّ قَلْبَاهُ مِمَّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ
وَمَنْ بِجِسْمِي وَحَالِي عِنْدَهُ سَقَمُ
١٠٩مَا لِي أُكَتِّمُ حُبًّا قَدْ بَرَى جَسَدِي
وَتَدَّعِي حُبَّ سَيْفِ الدَّوْلَةِ الْأُمَمُ
١١٠إِنْ كَانَ يَجْمَعُنَا حُبٌّ لِغُرَّتِهِ
فَلَيْتَ أَنَّا بِقَدْرِ الْحُبِّ نَقْتَسِمُ
١١١قَدْ زُرْتُهُ وَسُيُوفُ الْهِنْدِ مُغْمَدَةٌ
وَقَدْ نَظَرْتُ إلَيْهِ وَالسُّيُوفُ دَمُ
١١٢فَكَانَ أَحْسَنَ خَلْقِ اللهِ كُلِّهِمِ
وَكَانَ أَحْسَنَ مَا فِي الْأَحْسَنِ الشِّيَمُ
١١٣فَوْتُ الْعَدُوِّ الَّذِي يَمَّمْتَهُ ظَفَرٌ
فِي طَيِّهِ أَسَفٌ فِي طَيِّهِ نِعَمُ
١١٤قَدْ نَابَ عَنْكَ شَدِيدُ الْخَوْفِ وَاصْطَنَعَتْ
لَكَ الْمَهَابَةُ مَا لَا تَصْنَعُ الْبُهَمُ
١١٥أَلْزَمْتَ نَفْسَكَ شَيْئًا لَيْسَ يَلْزَمُهَا
أَنْ لَا يُوَارِيَهُمْ أَرْضٌ وَلَا عَلَمُ
١١٦أَكُلَّمَا رُمْتَ جَيْشًا فانْثَنَى هَرَبًا
تَصَرَّفَتْ بِكَ فِي آثَارِهِ الْهِمَمُ؟!
١١٧عَلَيْكَ هَزْمُهُمُ فِي كُلِّ مُعْتَرَكٍ
وَمَا عَلَيْكَ بِهِمْ عَارٌ إِذَا انْهَزَمُوا
١١٨أَمَا تَرَى ظَفَرًا حُلْوًا سِوَى ظَفَرٍ
تَصَافَحَتْ فِيهِ بِيضُ الْهِنْدِ وَاللَّمَمُ
١١٩يَا أَعْدَلَ النَّاسِ إلَّا فِي مُعَامَلَتِي
فِيكَ الْخِصَامُ وَأَنْتَ الْخَصْمُ وَالْحَكَمُ
١٢٠أُعِيذُهَا نَظَرَاتٍ مِنْكَ صَادِقَةً
أَنْ تَحْسِبَ الشَّحْمَ فِيمَنْ شَحْمُهُ وَرَمُ
١٢١وَمَا انْتِفَاعُ أَخِي الدُّنْيَا بِنَاظِرِهِ
إِذَا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الْأَنْوَارُ وَالظُّلَمُ
١٢٢أَنَا الَّذِي نَظَرَ الْأَعْمَى إِلَى أَدَبِي
وَأَسْمَعَتْ كَلِمَاتِي مَنْ بِهِ صَمَمُ
١٢٣أَنَامُ مِلْءَ جُفُونِي عَنْ شَوَارِدِهَا
وَيَسْهَرُ الْخَلْقُ جَرَّاهَا وَيَخْتَصِمُ
١٢٤وَجَاهِلٍ مَدَّهُ فِي جَهْلِهِ ضَحِكِي
حَتى أَتَتْهُ يَدٌ فَرَّاسَةٌ وَفَمُ
١٢٥إِذَا نَظَرْتَ نُيُوبَ اللَّيْثِ بَارِزَةً
فَلَا تَظُنُّنَّ أَنَّ اللَّيْثَ مُبْتَسِمُ
١٢٦وَمُهْجَةٍ مُهْجَتِي مِنْ هَمِّ صَاحِبِهَا
أَدْرَكْتُهَا بِجَوَادٍ ظَهْرُهُ حَرَمُ
١٢٧رِجْلَاهُ فِي الرَّكْضِ رِجْلٌ وَالْيَدَانِ يَدٌ
وَفِعْلُهُ مَا تُرِيدُ الْكَفُّ وَالقَدَمُ
١٢٨وَمُرْهَفٍ سِرْتُ بَيْنَ الْجَحْفَلَيْنِ بِهِ
حَتَّى ضَرَبْتُ وَمَوْجُ الْمَوْتِ يَلْتَطِمُ
١٢٩فَالْخَيْلُ وَاللَّيْلُ وَالْبَيْدَاءُ تَعْرِفُنِي
وَالسَّيْفُ وَالرُّمْحُ وَالْقِرْطَاسُ وَالْقَلَمُ
١٣٠صَحِبْتُ فِي الفَلَوَاتِ الْوَحْشَ مُنفَرِدًا
حَتَّى تَعَجَّبَ مِنِّي الْقُورُ وَالْأَكَمُ
١٣١يَا مَنْ يَعِزُّ عَلَيْنَا أَنْ نُفَارِقَهُمْ
وِجْدَانُنَا كُلَّ شَيْءٍ بَعْدَكُمْ عَدَمُ
١٣٢مَا كَانَ أَخْلَقَنَا مِنْكُمْ بِتَكْرِمَةٍ
لَوْ أَنَّ أَمْرَكُمُ مِنْ أَمْرِنَا أَمَمُ!
١٣٣إِنْ كَانَ سَرَّكُمُ مَا قَالَ حَاسِدُنَا
فَمَا لِجُرْحٍ إِذَا أَرْضَاكُمُ أَلَمُ
١٣٤وَبَيْنَنَا — لَوْ رَعَيْتُمْ ذَاكَ — مَعْرِفَةٌ
إِنَّ الْمَعَارِفَ فِي أَهْلِ النُّهَى ذِمَمُ
١٣٥كَمْ تَطْلُبُونَ لَنَا عَيْبًا فيُعْجِزُكمْ!
وَيَكْرَهُ اللهُ مَا تَأْتُونَ وَالكَرَمُ
١٣٦مَا أَبْعَدَ الْعَيْبَ وَالنُّقْصَانَ عَنْ شَرَفِي!
أَنَا الثُّرَيَّا وَذَانِ الشَّيْبُ وَالْهَرَمُ
١٣٧لَيْتَ الْغَمَامَ الَّذِي عِنْدِي صَوَاعِقُهُ
يُزيلُهُنَّ إِلَى مَنْ عِنْدَهُ الدِّيَمُ!
١٣٨أَرَى النَّوَى تَقتَضِيني كلَّ مَرْحَلَة
لَا تَسْتَقِلُّ بِهَا الْوَخَّادَةُ الرُّسُمُ
١٣٩لَئِنْ تَرَكْنَ ضُمَيْرًا عَنْ مَيامِنِنَا
لَيَحْدُثَنَّ لِمَنْ وَدَّعْتُهُمْ نَدَمُ
١٤٠إذَا تَرَحَّلْتَ عَنْ قَوْمٍ وَقَدْ قَدَرُوا
أَنْ لَا تُفارِقَهُمْ فالرَّاحِلُونَ هُمُ
١٤١شَرُّ الْبِلَادِ مَكَانٌ لَا صَدِيقَ بِهِ
وَشَرُّ مَا يَكسِبُ الْإِنْسَانُ مَا يَصِمُ
١٤٢وَشَرُّ مَا قَنَصَتْهُ رَاحَتِي قَنَصٌ
شُهْبُ البُزَاةِ سَوَاءٌ فِيهِ والرَّخَمُ
١٤٣بِأَيِّ لَفْظٍ تَقُولُ الشِّعْرَ زِعْنِفَةٌ
تَجُوزُ عِنْدَكَ لَا عُرْبٌ وَلَا عَجَمُ؟
١٤٤هَذَا عِتَابُكَ إلَّا أَنَّهُ مِقَةٌ
قَدْ ضُمِّنَ الدُّرَّ إلَّا أَنَّهُ كَلِمُ
١٤٥وقال وقد عوفي سيف الدولة مما كان به:
الْمَجْدُ عُوفِيَ إِذْ عُوفِيتَ وَالْكَرَمُ
وَزَالَ عَنْكَ إِلَى أَعْدَائِكَ الْألَمُ
١٤٦صَحَّتْ بِصِحَّتِكَ الْغَارَاتُ وَابْتَهَجَتْ
بِهَا الْمَكَارِمُ وَانْهَلَّتْ بِهَا الدِّيَمُ
١٤٧وَرَاجَعَ الشَّمْسَ نُورٌ كَانَ فَارَقَهَا
كَأَنَّمَا فَقْدُهُ فِي جِسْمِهَا سَقَمُ
١٤٨وَلَاحَ بَرْقُكَ لِي مِنْ عَارِضَيْ مَلِكٍ
مَا يَسْقُطُ الْغَيْثُ إِلَّا حَيْثُ يَبْتَسِمُ
١٤٩يُسْمَى الْحُسَامَ ولَيْسَتْ مِنْ مُشَابَهَةٍ
وَكَيْفَ يَشْتَبِهُ الْمَخْدُومُ وَالْخَدَمُ؟
١٥٠تَفَرَّدَ الْعُرْبُ فِي الدُّنْيَا بِمَحْتِدِهِ
وَشَارَكَ الْعُرْبَ فِي إِحْسَانِهِ الْعَجَمُ
١٥١وَأَخْلَصَ اللهُ لِلْإِسْلَامِ نُصْرَتَهُ
وَإنْ تَقَلَّبَ فِي آلَائِهِ الْأُمَمُ
١٥٢وَمَا أَخُصُّكَ فِي بُرْءٍ بتَهْنِئَةٍ
إِذَا سَلِمْتَ فكُلُّ النَّاسِ قَدْ سَلِمُوا
١٥٣وأنفذ شاعر إلى سيف الدولة أبياتًا فيها يشكو الفقر، ويذكر أنه رآها في المنام، فقال أبو الطيب:
١٥٤قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْتَ فِي الْأَحْلَامِ
وَأَنَلْنَاكَ بَدْرَةً فِي الْمَنَامِ
١٥٥وَانْتَبَهْنَا كَمَا انْتَبَهْتَ بِلَا شَيْ
ءٍ وَكَانَ النَّوَالُ قَدْرَ الْكَلَامِ
١٥٦كُنْتَ فِيمَا كَتَبْتَهُ نَائِمَ الْعَيـْ
ـنِ فَهَلْ كُنْتَ نَائِمَ الْأَقْلَامِ؟
١٥٧أَيُّهَا الْمُشْتَكِي إِذَا رَقَدَ الْإِعـْ
ـدَامَ لَا رَقْدَةٌ مَعَ الْإِعْدَامِ
١٥٨افْتَحِ الْجَفْنَ وَاتْرُكِ الْقَوْلَ فِي النَّوْ
مِ وَمَيِّزْ خِطَابَ سَيْفِ الْأَنَامِ
١٥٩الَّذِي لَيْسَ عَنْهُ مُغْنٍ وَلَا مِنـْ
ـهُ بَدِيلٌ وَلَا لِمَا رَامَ حَامِي
١٦٠كُلُّ آبَائِهِ كِرَامُ بَنِي الدُّنـْ
ـيَا وَلكنَّهُ كَرِيمُ الْكِرَامِ
١٦١وقال يمدحه ويذكر بناءه ثغر الحدث سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة:
١٦٢عَلَى قَدْرِ أَهْلِ الْعَزْمِ تَأْتِي الْعَزَائِمُ
وَتَأْتِي عَلَى قَدْرِ الْكِرَامِ الْمَكَارِمُ
١٦٣وَتَعْظُمُ فِي عَيْنِ الصَّغِيرِ صِغَارُهَا
وَتَصْغُرُ فِي عَيْنِ الْعَظِيمِ الْعَظَائِمُ
١٦٤يُكَلِّفُ سَيْفُ الدَّوْلَةِ الْجَيْشَ هَمَّهُ
وَقَدْ عَجَزَتْ عَنْهُ الْجُيُوشُ الْخَضَارِم
١٦٥وَيَطْلُبُ عِنْدَ النَّاسِ مَا عِنْدَ نَفْسِهِ
وَذَلِكَ مَا لَا تَدَّعِيهِ الضَّرَاغِمُ
١٦٦يُفدِّي أَتَمُّ الطَّيْرِ عُمْرًا سِلَاحَهُ
نُسُورُ الْمَلَا أَحْدَاثُهَا وَالْقَشَاعِمُ
١٦٧وَمَا ضَرَّهَا خَلْقٌ بِغَيْرِ مَخَالِبٍ
وَقَدْ خُلِقَتْ أَسْيَافُهُ وَالْقَوَائِمُ
١٦٨هَلِ الْحَدَثُ الْحَمْرَاءُ تَعْرِفُ لَوْنَهَا
وَتَعْلَمُ أَيُّ السَّاقِيَيْنِ الْغَمَائِمُ؟
١٦٩سَقَتْهَا الْغَمَامُ الْغُرُّ قَبْلَ نُزُولِهِ
فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا سَقَتْهَا الْجَمَاجِمُ
١٧٠بَنَاهَا فَأَعْلَى وَالْقَنَا تَقْرَعُ الْقَنَا
وَمَوْجُ الْمَنَايَا حَوْلَهَا مُتَلَاطِمُ
١٧١وَكَانَ بِهَا مِثْلُ الْجُنُونِ فَأَصْبَحَتْ
وَمِنْ جُثَثِ الْقَتْلَى عَلَيْهَا تَمَائِمُ
١٧٢طَرِيدَةُ دَهْرٍ سَاقَهَا فَرَدَدْتَهَا
عَلَى الدِّينِ بِالْخَطِّيِّ وَالدَّهْرُ رَاغِمُ
١٧٣تُفِيتُ اللَّيَالِي كُلَّ شَيْءٍ أخَذْتَهُ
وَهُنَّ لِمَا يَأْخُذْنَ مِنْكَ غَوَارِمُ
١٧٤إِذَا كَانَ مَا تَنْوِيهِ فِعْلًا مُضَارِعًا
مَضَى قَبْلَ أَنْ تُلْقَى عَلَيْهِ الْجَوَازِمُ
١٧٥وَكَيْفَ تُرَجِّي الرُّومُ وَالرُّوسُ هَدْمَهَا
وَذَا الطَّعْنُ آسَاسٌ لَهَا وَدَعَائِمُ؟!
١٧٦وَقَدْ حَاكَمُوهَا وَالْمَنَايَا حَوَاكِمٌ
فَمَا مَاتَ مَظْلُومٌ وَلَا عَاشَ ظَالِمُ
١٧٧أَتَوْكَ يَجُرُّونَ الْحَدِيدَ كَأنَّهُمْ
سَرَوْا بِجِيَادٍ مَا لَهُنَّ قَوَائِمُ
١٧٨إِذَا بَرَقُوا لَمْ تُعْرَفِ الْبِيضُ مِنْهُمُ
ثِيَابُهُمُ مِنْ مِثْلِها وَالْعَمَائِمُ
١٧٩خَمِيسٌ بِشَرْقِ الْأَرْضِ وَالْغَرْبِ زَحْفُهُ
وَفِي أُذُنِ الْجَوْزَاءِ مِنْهُ زَمَازِمُ
١٨٠تَجَمَّعَ فِيهِ كُلُّ لِسْنٍ وَأُمَّةٍ
فَمَا تُفْهِمُ الْحُدَّاثَ إلَّا التَّرَاجِمُ
١٨١فَلِلَّهِ وَقْتٌ ذَوَّبَ الْغِشَّ نَارُهُ
فَلَمْ يَبْقَ إلَّا صَارِمٌ أَوْ ضُبَارِمُ
١٨٢تَقَطَّعَ مَا لَا يَقْطَعُ الدِّرْعَ وَالْقَنَا
وَفَرَّ مِنَ الْأَبْطَالِ مَنْ لَا يُصَادِمُ
١٨٣وَقَفْتَ وَمَا فِي الْمَوْتِ شَكٌّ لِوَاقِفٍ
كَأَنَّكَ فِي جَفْنِ الرَّدَى وَهْوَ نَائِمُ
١٨٤تَمُرُّ بِكَ الْأبْطَالُ كَلْمَى هَزِيمَةً
وَوَجْهُكَ وَضَّاحٌ وَثَغْرُكَ بَاسِمُ
١٨٥تَجَاوَزْتَ مِقْدَارَ الشَّجَاعَةِ وَالنُّهَى
إِلَى قَوْلِ قَوْمٍ: أَنْتَ بِالْغَيْبِ عَالِمُ
١٨٦ضَمَمْتَ جَنَاحَيْهِمْ عَلَى الْقَلْبِ ضَمَّةً
تَمُوتُ الْخَوَافِي تَحْتَهَا وَالْقَوَادِمُ
١٨٧بِضَرْبٍ أَتَى الْهَامَاتِ وَالنَّصْرُ غَائِبٌ
وَصَارَ إِلَى اللَّبَاتِ وَالنَّصْرُ قَادِمُ
١٨٨حَقَرْتَ الرُّدَيْنِيَّاتِ حَتَّى طَرَحْتَهَا
وَحَتَّى كَأنَّ السَّيْفَ لِلرُّمْحِ شَاتِمُ
١٨٩وَمَنْ طَلَبَ الْفَتْحَ الْجَلِيلَ فَإِنَّمَا
مَفَاتِيحُهُ الْبِيضُ الْخِفَافُ الصَّوَارِمُ
١٩٠نَثَرْتَهُمُ فَوْقَ الْأُحَيْدِبِ كُلِّهِ
كَمَا نُثِرَتْ فَوْقَ الْعَرُوسِ الدَّرَاهِمُ
١٩١تَدُوسُ بِكَ الْخَيلُ الْوُكُورَ عَلَى الذُّرَا
وَقَدْ كَثُرَتْ حَوْلَ الْوُكُورِ الْمَطَاعِمُ
١٩٢تَظُنُّ فِرَاخُ الْفُتْخِ أنَّكَ زُرْتَهَا
بِأُمَّاتِهَا وَهْيَ الْعِتَاقُ الصَّلَادِمُ
١٩٣إِذَا زَلِفَتْ مَشَّيْتَهَا بِبُطُونِهَا
كَمَا تَتَمَشَّى فِي الصَّعِيدِ الْأَرَاقِمُ
١٩٤أَفِي كُلِّ يَوْمٍ ذَا الدُّمُسْتُقُ مُقْدِمٌ
قَفَاهُ عَلَى الْإقْدَامِ لِلْوَجْهِ لَائِمُ
١٩٥أَيُنْكِرُ رِيحَ اللَّيْثِ حَتَّى يَذُوقَهُ
وَقَدْ عَرَفَتْ رِيْحَ اللُّيُوثِ الْبَهَائِمُ؟!
١٩٦وَقَدْ فَجَعَتْهُ بِابْنِهِ وَابْنِ صِهْرِهِ
وَبِالصِّهْرِ حَمْلَاتُ الْأَمِيرِ الْغَوَاشِمُ
١٩٧مَضَى يَشْكُرُ الْأَصْحَابَ فِي فَوْتِهِ الظُّبَا
بِما شَغَلَتْهَا هَامُهُمْ وَالْمَعَاصِمُ
١٩٨وَيَفْهَمُ صَوْتَ الْمَشْرَفِيَّةِ فِيهِمِ
عَلَى أَنَّ أَصْوَاتَ السُّيُوفِ أَعَاجِمُ
١٩٩يُسَرُّ بِمَا أَعْطَاكَ لَا عَنْ جَهَالَةٍ
وَلكِنَّ مَغْنُومًا نَجَا مِنْكَ غَانِمُ
٢٠٠وَلَسْتَ مَلِيكًا هَازِمًا لِنَظِيرِهِ
وَلَكِنَّكَ التَّوْحِيدُ لِلشِّرْكِ هَازِمُ
٢٠١تَشَرَّفُ عَدْنَانٌ بِهِ لَا رَبِيعَةٌ
وَتَفْتَخِرُ الدُّنْيَا بِهِ لَا الْعَوَاصِمُ
٢٠٢لَكَ الْحَمْدُ فِي الدُّرِّ الَّذِي لِيَ لَفْظُهُ
فَإِنَّكَ مُعْطِيهِ وَإنِّيَ نَاظِمُ
٢٠٣وَإِنِّي لَتَعْدُو بِي عَطَايَاكَ فِي الْوَغَى
فَلَا أَنَا مَذْمُومٌ وَلَا أَنْتَ نَادِمُ
٢٠٤عَلَى كُلِّ طَيَّارٍ إِلَيْهَا بِرِجْلِهِ
إِذَا وَقَعَتْ فِي مِسْمَعَيْهِ الْغَمَاغِمُ
٢٠٥أَلَا أَيُّهَا السَّيْفُ الَّذِي لَيْسَ مُغْمَدًا
وَلَا فِيهِ مُرْتَابٌ وَلَا مِنْهُ عَاصِمُ
٢٠٦هَنِيئًا لِضَرْبِ الْهَامِ وَالْمَجْدِ وَالْعُلَا
وَرَاجِيكَ وَالْإِسْلَامِ أَنَّكَ سَالِمُ
٢٠٧وَلِمْ لَا يَقِي الرَّحْمَنُ حَدَّيْكَ مَا وَقَى
وَتَفْلِيقُهُ هَامَ الْعِدَا بِكَ دَائِمُ؟!
٢٠٨وقال: وقد ورد فرسان الثغور ومعهم رسول ملك الروم يطلب الهدنة، وأنشده إياها بحضرتهم وقت دخولهم لثلاث عشرة بقين من المحرم سنة أربع وأربعين وثلاثمائة:
أَرَاعَ كَذَا كُلَّ المُلُوكِ هُمَامُ
وَسَحَّ لَهُ رُسْلَ المُلُوكِ غَمَامُ؟!
٢٠٩وَدَانَتْ لَهُ الدُّنْيَا فَأَصْبَحَ جَالِسًا
وَأيَّامُهَا فِيمَا يُرِيدُ قِيَامُ؟!
٢١٠إِذَا زَارَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ الرُّومَ غَازِيًا
كَفَاهَا لِمَامٌ لَوْ كَفَاهُ لِمَامُ
٢١١فَتًى تَتْبَعُ الْأَزْمَانُ فِي النَّاسِ خَطْوَهُ
لكُلِّ زَمَانٍ فِي يَدَيْهِ زِمَامُ
٢١٢تَنَامُ لَدَيْكَ الرُّسْلُ أَمْنًا وَغِبْطَةً
وَأَجْفَانُ رَبِّ الرُّسْلِ لَيْسَ تَنَامُ
٢١٣حِذَارًا لِمُعْرَوِرِي الْجِيَادِ فُجَاءَةً
إِلَى الطَّعْنِ قُبْلًا مَا لَهُنَّ لِجَامُ
٢١٤تُعَطَّفُ فِيهِ وَالْأَعِنَّةُ شَعْرُهَا
وَتُضْرَبُ فِيهِ وَالسِّيَاطُ كَلَامُ
٢١٥وَمَا تَنْفَعُ الْخَيْلُ الْكِرَامُ وَلَا الْقَنَا
إِذَا لَمْ يَكُنْ فَوْقَ الْكِرَامِ كِرَامُ
٢١٦إِلَى كَمْ تَرُدُّ الرُّسْلَ عَمَّا أَتَوْا لَهُ
كَأنَّهُمُ فِيمَا وَهَبْتَ مَلَامُ؟!
٢١٧وَإنْ كُنْتَ لَا تُعْطِي الذِّمَامَ طَوَاعَةً
فَعَوْذُ الْأَعَادِي بِالْكَرِيمِ ذِمَامُ
٢١٨وَإِنَّ نُفُوسًا أَمَّمَتْكَ مَنِيعَةٌ
وَإنَّ دِمَاءً أَمَّلَتْكَ حَرَامُ
٢١٩إذا خَافَ مَلْكٌ مِنْ مَلِيكٍ أَجَرْتَهُ
وَسَيْفَكَ خَافُوا وَالْجِوَارَ تُسَامُ
٢٢٠لَهُمْ عَنْكَ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ تَفَرُّقٌ
وَحَوْلَكَ بِالْكُتْبِ اللِّطَافِ زِحَامُ
٢٢١تَغُرُّ حَلَاوَاتُ النُّفُوسِ قُلُوبَهَا
فَتَخْتَارُ بَعْضَ الْعَيْشِ وَهْوَ حِمَامُ
٢٢٢وَشَرُّ الْحِمَامَيْنِ الزُّؤَامَيْنِ عِيشَةٌ
يَذِلُّ الَّذِي يَخْتَارُهَا وَيُضَامُ
٢٢٣فَلَوْ كَانَ صُلْحًا لَمْ يَكُنْ بِشَفَاعَةٍ
وَلَكِنَّهُ ذُلٌّ لَهُمْ وَغَرَامُ
٢٢٤وَمَنٌّ لِفُرْسَانِ الثُّغُورِ عَلَيْهِمِ
بِتَبْلِيغِهِمْ مَا لَا يَكَادُ يُرَامُ
٢٢٥كَتَائِبُ جَاءُوا خَاضِعِينَ فَأَقْدَمُوا
وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا خَاضِعِينَ لَخَامُوا
٢٢٦وَعَزَّتْ قَدِيمًا في ذَرَاكَ خُيُولُهُمْ
وَعَزُّوا وَعَامَتْ فِي نَدَاكَ وَعَامُوا
٢٢٧عَلَى وَجْهِكَ الْمَيْمُونِ فِي كُلِّ غَارَةٍ
صَلَاةٌ تَوَالَى مِنْهُمُ وَسَلَامُ
٢٢٨وَكُلُّ أُنَاسٍ يَتْبَعُونَ إِمَامَهُمْ
وَأَنْتَ لِأَهْلِ الْمَكْرُمَاتِ إِمَامُ
٢٢٩وَرُبَّ جَوَابٍ عَنْ كِتَابٍ بَعَثْتَهُ
وَعُنْوَانُهُ لِلنَّاظِرِينَ قَتَامُ
٢٣٠تَضِيقُ بِهِ الْبَيْدَاءُ مِنْ قَبْلِ نَشْرِهِ
وَمَا فُضَّ بِالْبَيْدَاءِ عَنهُ خِتَامُ
٢٣١حُرُوفُ هِجَاءِ النَّاسِ فِيهِ ثَلَاثَةٌ
جَوَادٌ وَرُمْحٌ ذَابِلٌ وَحُسَامُ
٢٣٢أَذَا الْحَرْبِ قَدْ أتْعَبْتَهَا فَالْهُ سَاعَةً
لِيُغْمَدَ نَصْلٌ أوْ يُحَلَّ حِزَامُ
٢٣٣وَإِنْ طَالَ أَعْمَارُ الرِّمَاحِ بِهُدْنَةٍ
فَإِنَّ الَّذِي يَعْمَرْنَ عِنْدَكَ عَامُ
٢٣٤وَمَا زِلْتَ تُفْنِي السُّمْرَ وَهْيَ كَثِيرَةٌ
وَتُفْنِي بِهِنَّ الْجَيْشَ وَهْوَ لُهَامُ
٢٣٥مَتَى عَاوَدَ الْجَالُونَ عَاوَدْتَ أَرْضَهُمْ
وَفِيهَا رِقَابٌ لِلسُّيُوفِ وَهَامُ
٢٣٦وَرَبَّوْا لَكَ الْأوْلَادَ حَتَّى تُصِيبَهَا
وَقَدْ كَعَبَتْ بِنْتٌ وَشَبَّ غُلَامُ
٢٣٧جَرَى مَعَكَ الْجَارُونَ حَتَّى إذا انْتَهَوْا
إِلَى الْغَايَةِ الْقُصْوَى جَرَيْتَ وَقَامُوا
٢٣٨فَلَيْسَ لِشَمْسٍ مُذْ أَنَرْتَ إنَارَةٌ
وَلَيْسَ لِبَدْرٍ مُذْ تَمَمْتَ تَمَامُ
٢٣٩وقال يمدحه ويودعه، وقد خرج إلى إقطاع قطعه إياه بناحية معرة النعمان:
أَيَا رَامِيًا يُصْمِي فُؤَادَ مَرَامِهِ
تُرَبِّي عِدَاهُ رِيشَهَا لِسِهَامِهِ
٢٤٠أَسِيرُ إِلَى إِقْطَاعِهِ فِي ثِيَابِهِ
عَلَى طِرْفِهِ، مِنْ دَارِهِ، بِحُسَامِهِ
٢٤١وَمَا مَطَرَتْنِيهِ مِنَ الْبِيضِ وَالْقَنَا
وَرُومِ الْعِبِدَّى هَاطِلَاتُ غَمَامِهِ
٢٤٢فَتًى يَهَبُ الْإِقْلِيمَ بِالمَالِ وَالْقُرَى
وَمَنْ فِيهِ مِنْ فُرْسَانِهِ وَكِرَامِهِ
٢٤٣وَيَجْعَلُ مَا خُوِّلْتُهُ مِنْ نَوَالهِ
جَزَاءً لِمَا خُوِّلْتُهُ مِنْ كَلامِهِ
٢٤٤فَلَا زَالَتِ الشَّمْسُ الَّتِي فِي سَمَائِهِ
مُطَالِعَةَ الشَّمْسِ الَّتِي فِي لِثَامِهِ
٢٤٥وَلَا زَالَ تَجْتَازُ الْبُدُورُ بِوَجْهِهِ
تَعَجَّبُ مِنْ نُقْصَانِهَا وَتَمَامِهِ
٢٤٦وأنشد سيفُ الدولة متمثلًا بقول النابغة:
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ
بِهِنَّ فلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
٢٤٧فقال أبو الطيب مرتجلًا:
رَأَيْتُكَ تُوسِعُ الشُّعَرَاءَ نَيْلًا
حَدِيثَهُمُ المُوَلَّدَ وَالْقَدِيمَا
٢٤٨فَتُعْطِي مَنْ بَقَى مَالًا جَسِيمًا
وَتُعْطِي مَنْ مَضَى شَرَفًا عَظِيمَا
٢٤٩سَمِعْتُكَ مُنْشِدًا بَيْتَيْ زِيَادٍ
نَشِيدًا مِثْلَ مُنْشِدِهِ كَرِيمَا
٢٥٠فَمَا أَنْكَرْتُ مَوْضِعَهُ وَلَكِنْ
غَبَطْتُ بِذَاكَ أَعْظُمَهُ الرَّمِيمَا
٢٥١وقال يمدحه، ويذكر إيقاعه بعمرو بن حابس وبني ضبة سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، ولم ينشده إياها:
ذِكَرُ الصِّبَا وَمَرَاتِعِ الْآرَامِ
جَلَبَتْ حِمَامِي قَبْلَ وَقْتِ حِمَامِي
٢٥٢دِمَنٌ تَكَاثَرَتِ الْهُمُومُ عَليَّ فِي
عَرَصَاتِها كَتَكَاثُرِ اللُّوَّامِ
٢٥٣فَكَأنَّ كُلَّ سَحَابَةٍ وَكَفَتْ بِهَا
تَبْكِي بِعَيْنِيْ عُرْوَةَ بْنِ حِزَامِ
٢٥٤وَلَطَالَمَا أَفْنَيْتُ رِيقَ كَعَابِهَا
فِيهَا وَأَفْنَتْ بِالْعِتَابِ كَلَامِي
٢٥٥قَدْ كُنْتَ تَهْزَأُ بالْفِرَاقِ مَجَانَةً
وَتَجُرُّ ذَيْلَيْ شِرَّةٍ وَعُرَامِ
٢٥٦لَيْسَ الْقِبَابُ عَلَى الرِّكَابِ وَإِنَّمَا
هُنَّ الْحَيَاةُ تَرَحَّلَتْ بِسَلَامِ
٢٥٧لَيْتَ الَّذِي خَلَقَ النَّوَى جَعَلَ الْحَصَى
لِخِفَافِهِنَّ مَفَاصِلِي وَعِظَامِي!
٢٥٨مُتَلَاحِظَيْنِ نَسُحُّ مَاءَ شُئُونِنَا
حَذَرًا مِنَ الرُّقَبَاءِ فِي الْأَكْمَامِ
٢٥٩أَرْوَاحُنَا انْهَمَلَتْ وَعِشْنَا بَعْدَهَا
مِنْ بَعْدِ مَا قَطَرَتْ عَلَى الْأَقْدَامِ
٢٦٠لَوْ كُنَّ يَوْمَ جَرَيْنَ كُنَّ كَصَبْرِنَا
عِنْدَ الرَّحِيلِ لَكُنَّ غَيْرَ سِجَامِ
٢٦١لَمْ يَتْرُكُوا لِي صَاحِبًا إلَّا الْأَسَى
وَذَمِيلَ دِعْبِلَةٍ كَفَحْلِ نَعَامِ
٢٦٢وَتَعَذُّرُ الْأَحْرَارِ صَيَّرَ ظَهْرَهَا
إلَّا إلَيْكَ عَلَيَّ فَرْجَ حَرَامِ
٢٦٣أَنْتَ الْغَرِيبَةُ فِي زَمَانٍ أَهْلُهُ
وُلِدَتْ مَكَارِمُهُمْ لِغَيْرِ تَمَامِ
٢٦٤أَكْثَرْتَ مِنْ بَذْلِ النَّوَالِ وَلَمْ تَزَلْ
عَلَمًا عَلَى الْإِفْضَالِ وَالْإِنْعَامِ
٢٦٥صَغَّرْتَ كُلَّ كَبِيرَةٍ وَكَبُرَتْ عَنْ
لَكَأنَّهُ وَعَدَدْتَ سِنَّ غُلَامِ
٢٦٦وَرَفَلْتَ فِي حُلَلِ الثَّنَاءِ وَإِنمَا
عَدَمُ الثَّنَاءِ نِهَايَةُ الْإِعْدَامِ
٢٦٧عَيْبٌ عَلَيْكَ تُرَى بِسَيْفٍ فِي الْوَغَى
مَا يَصْنَعُ الصَّمْصَامُ بالصَّمْصَامِ
٢٦٨إِنْ كَانَ مِثْلُكَ كَانَ أوْ هُوَ كَائِنٌ
فَبَرِئْتُ حِينَئِذٍ مِنَ الْإسْلَامِ
٢٦٩مَلِكٌ زُهَتْ بِمَكَانِهِ أَيَّامُهُ
حَتَّى افْتَخَرْنَ بِهِ عَلَى الْأَيَّامِ
٢٧٠وَتَخَالُهُ سَلَبَ الْوَرَى أَحْلَامَهُم
مِنْ حِلْمِهِ فَهُمُ بِلَا أَحْلَامِ
٢٧١وَإذَا امْتَحَنْتَ تَكَشَّفَتْ عَزَمَاتُهُ
عَنْ أَوْحَدِيِّ النَّقْضِ وَالْإِبْرَامِ
٢٧٢وَإِذَا سَأَلْتَ بَنَانَهُ عَنْ نَيْلِهِ
لَمْ يَرْضَ بِالدُّنْيَا قَضَاءَ ذِمَامِ
٢٧٣مَهْلًا ألَا لِلَّهِ مَا صَنَعَ الْقَنَا
فِي عَمْرِو حَابِ وَضَبَّةَ الْأَغْتَامِ!
٢٧٤لَمَّا تَحَكَّمَتِ الْأَسِنَّةُ فِيهِمِ
جَارَتْ وَهُنَّ يَجُرْنَ فِي الْأَحْكَامِ
٢٧٥فَتَرَكْتَهُمْ خَلَلَ الْبُيُوتِ كَأَنَّمَا
غَضِبَتْ رُءوسُهُمُو عَلَى الْأَجْسَامِ
٢٧٦أَحْجَارُ نَاسٍ فَوْقَ أَرْضٍ مِنْ دَمٍ
وَنُجُومُ بَيْضٍ فِي سَمَاءِ قَتَامِ
٢٧٧وَذِرَاعُ كُلِّ أَبِي فُلَانٍ كُنْيَةً
حَالَتْ فَصَاحِبُهَا أَبُو الْأَيْتَامِ
٢٧٨عَهْدِي بِمَعْرَكَةِ الْأَمِيرِ وَخَيْلُهُ
فِي النَّقْعِ مُحْجِمَةٌ عَنِ الْإِحْجَامِ
٢٧٩يَا سَيْفَ دَوْلَةِ هَاشِمٍ مَنْ رَامَ أَنْ
يَلْقَى مَنَالَكَ رَامَ غَيْرَ مَرَامِ
٢٨٠صَلَّى الْإِلَهُ عَلَيْكَ غَيْرَ مُوَدَّعٍ
وَسَقَى ثَرَى أبَوَيْكَ صَوْبَ غَمَامِ
٢٨١وَكَسَاكَ ثَوْبَ مَهَابَةٍ مِنْ عِنْدِهِ
وَأرَاكَ وَجْهَ شَقِيقِكَ الْقَمْقَامِ
٢٨٢فَلَقَدْ رَمَى بَلَدَ العَدُوِّ بِنَفْسِهِ
فِي رَوْقِ أَرْعَنَ كَالْغِطَمِّ لُهَامِ
٢٨٣قَوْمٌ تَفَرَّسَتِ الْمَنَايَا فِيكُمُ
فَرَأتْ لَكُمْ فِي الْحَرْبِ صَبْرَ كِرَامِ
٢٨٤تَاللهِ مَا عَلِمَ امْرُؤٌ لَوْلَاكُمُ
كَيْفَ السَّخَاءُ وَكَيْفَ ضَرْبُ الْهَامِ
٢٨٥وقال، وقد تُحدِّث بحضرة سيف الدولة أن البطريق أقسم عند ملكه أنه يعارض سيف الدولة في الدرب، وسأله أن ينجده ببطارقته وعدده وعُدده، ففعل، فخاب ظنه. أنشده إياها سنة خمس وأربعين وثلاثمائة، وهي آخر ما أنشده بحلب:
عُقْبَى الْيَمِينِ عَلَى عُقْبَى الْوَغَى نَدَمُ
مَاذَا يَزِيدُكَ فِي إقْدَامِكَ الْقَسَمُ؟
٢٨٦وَفي الْيَمِينِ عَلَى مَا أَنْتَ وَاعِدُهُ
مَا دَلَّ أنَّكَ في المِيعَادِ مُتَّهَمُ
٢٨٧آلَى الْفَتَى ابْنُ شُمُشْقِيقٍ فَأَحْنَثَهُ
فَتًى مِنَ الضَّرْبِ تُنْسَى عِنْدَهُ الْكَلِمُ
٢٨٨وَفَاعِلٌ مَا اشْتَهَى يُغْنِيهِ عَنْ حَلِفٍ
عَلَى الْفِعَالِ حُضُورُ الْفِعْلِ وَالْكَرَمُ
٢٨٩كلُّ السُّيُوفِ إذا طَالَ الضِّرَابُ بِهَا
يَمَسُّهَا غَيْرَ سَيْفِ الدَّوْلَةِ السَّأَمُ
٢٩٠لَوْ كَلَّتِ الْخَيْلُ حَتَّى لا تَحَمَّلُهُ
تَحَمَّلَتْهُ إلى أَعْدَائِهِ الهِمَمُ
٢٩١أَيْنَ الْبَطَارِيقُ وَالْحَلْفُ الَّذِي حَلَفُوا
بِمَفْرَقِ الْمَلْكِ وَالزَّعْمُ الَّذِي زَعَمُوا؟
٢٩٢وَلَّى صَوَارِمَهُ إِكْذَابَ قَوْلِهِمِ
فَهُنَّ أَلْسِنَةٌ أَفْوَاهُهَا الْقِمَمُ
٢٩٣نَوَاطِقٌ مُخْبِرَاتٌ فِي جَمَاجِمِهِمْ
عَنْهُ بِمَا جَهِلُوا مِنْهُ وَمَا عَلِمُوا
٢٩٤الرَّاجِعُ الْخَيْلَ مُحْفَاةً مُقَوَّدَةً
مِنْ كُلِّ مِثْلِ وَبَارٍ أَهْلُهَا إِرَمُ
٢٩٥كَتَلِّ بِطْرِيقٍ المَغْرُورِ سَاكِنُهَا
بِأَنَّ دَارَكَ قِنَّسْرِينُ وَالْأَجَمُ
٢٩٦وَظَنِّهِمْ أَنَّكَ المِصْبَاحُ في حَلَبٍ
إِذَا قَصَدْتَ سِوَاهَا عَادَهَا الظُّلَمُ
٢٩٧وَالشَّمْسَ يَعْنُونَ إِلَّا أَنَّهُمْ جَهِلُوا
وَالْمَوْتَ يَدْعُونَ إِلَّا أَنَّهُمْ وَهَمُوا
٢٩٨فَلَمْ تُتِمَّ سَرُوجٌ فَتْحَ نَاظِرِهَا
إِلَّا وَجَيْشُكَ فِي جَفْنَيْهِ مُزْدَحِمُ
٢٩٩وَالنَّقْعُ يَأْخُذُ حَرَّانًا وَبَقْعَتَهَا
وَالشَّمْسُ تَسْفِرُ أَحْيَانًا وَتَلْتَثِمُ
٣٠٠سُحْبٌ تَمُرُّ بِحِصْنِ الرَّانِ مُمْسِكَةً
وَمَا بِهَا الْبُخْلُ لَوْلَا أَنَّهَا نِقَمُ
٣٠١جَيْشٌ كَأَنَّكَ فِي أَرْضٍ تُطَاوِلُهُ
فَالْأَرْضُ لَا أَمَمٌ وَالْجَيْشُ لَا أَمَمُ
٣٠٢إِذَا مَضَى عَلَمٌ مِنْهَا بَدَا عَلَمٌ
وَإنْ مَضَى عَلَمٌ مِنْهُ بَدَا عَلَمُ
٣٠٣وَشُزَّبٌ أَحْمَتِ الشِّعْرَى شَكَائِمَهَا
وَوَسَّمَتْهَا عَلَى آنَافِهَا الْحَكَمُ
٣٠٤حَتَّى وَرَدْنَ بِسِمْنَيْنٍ بُحَيْرَتُهَا
تَنِشُّ بِالْمَاءِ فِي أَشْدَاقِهَا اللُّجُمُ
٣٠٥وَأَصْبَحَتْ بِقُرَى هِنْزِيطَ جَائِلَةً
تَرْعَى الظُّبَا فِي خَصِيبٍ نَبْتُهُ اللِّمَمُ
٣٠٦فَمَا تَرَكْنَ بِهَا خُلْدًا لَهُ بَصَرٌ
تَحْتَ التُّرَابِ وَلَا بَازًا لَهُ قَدَمُ
٣٠٧وَلَا هِزَبْرًا لَهُ مِنْ دِرْعِهِ لِبَدٌ
وَلَا مَهَاةً لَهَا مِنْ شِبْهِهَا حَشَمُ
٣٠٨تَرْمِي عَلَى شَفَرَاتِ الْبَاتِرَاتِ بِهِمْ
مَكَامِنُ الْأَرْضِ وَالْغِيطَانُ وَالْأَكَمُ
٣٠٩وَجَاوَزُوا أَرْسَنَاسًا مُعْصِمِينَ بهِ
وَكَيْفَ يَعْصِمُهُمْ مَا لَيْسَ يَنْعَصِمُ؟!
٣١٠وَمَا يَصُدُّكَ عَنْ بَحْرٍ لَهُمْ سَعَةٌ
وَمَا يَرُدُّكَ عَنْ طَوْدٍ لَهُمْ شَمَمُ
٣١١ضَرَبْتَهُ بِصُدُورِ الْخَيْلِ حَامِلَةً
قَوْمًا إذا تَلِفُوا قُدْمًا فَقَدْ سَلِمُوا
٣١٢تَجَفَّلُ المَوْجُ عَنْ لَبَّاتِ خَيْلِهِمِ
كمَا تَجَفَّلُ تَحْتَ الْغَارَةِ النَّعَمُ
٣١٣عَبَرْتَ تَقْدُمُهُمْ فِيهِ وَفِي بَلَدٍ
سُكَّانُهُ رِمَمٌ مَسْكُونُهَا حُمَمُ
٣١٤وَفِي أَكُفِّهِمِ النَّارُ التي عُبِدَتْ
قَبْلَ الْمَجُوسِ إلَى ذَا الْيَوْمِ تَضْطَرِمُ
٣١٥هِنْدِيَّةٌ إنْ تُصَغِّرْ مَعْشَرًا صَغُرُوا
بِحَدِّهَا أوْ تُعَظِّمْ مَعْشَرًا عَظَمُوا
٣١٦قَاسَمْتَهَا تَلَّ بِطْرِيقٍ فَكَانَ لَهَا
أَبْطَالُهَا وَلَكَ الْأَطْفَالُ وَالْحُرَمُ
٣١٧تَلْقَى بِهِمْ زَبَدَ التَّيَّارِ مُقْرَبَةٌ
عَلَى جَحَافِلِهَا مِنْ نَضْحِهِ رَثَمُ
٣١٨دُهْمٌ فَوَارِسُهَا رُكَّابُ أَبْطُنِهَا
مَكْدُودَةٌ بِقَوْمٍ لَا بِهَا الْأَلَمُ
٣١٩مِنَ الْجِيَادِ الَّتِي كِدْتَ الْعَدُوَّ بهَا
وَمَا لَهَا خِلَقٌ منْهَا وَلَا شِيَمُ
٣٢٠نِتَاجُ رَأْيِكَ في وَقْتٍ عَلَى عَجَلٍ
كَلَفْظِ حَرْفٍ وَعَاهُ سامعٌ فَهِمُ
٣٢١وَقَدْ تَمَنَّوْا غَدَاةَ الدَّرْبِ فِي لَجَبٍ
أَنْ يُبْصِرُوكَ فَلَمَّا أَبْصَرُوكَ عَمُوا
٣٢٢صَدَمْتَهُمْ بِخَمِيسٍ أَنْتَ غُرَّتُهُ
وَسَمْهَرِيَّتُه في وَجْهه غَمَمُ
٣٢٣فَكَانَ أَثْبَتَ مَا فِيهِمْ جُسُومُهُمُ
يَسْقُطْنَ حَوْلَكَ وَالْأَرْوَاحُ تَنْهَزِمُ
٣٢٤وَالْأَعْوَجِيَّةُ مِلْءَ الطُّرْقِ خَلفَهُمْ
وَالْمَشْرَفِيَّةُ مِلْءَ الْيَوْمِ فَوْقَهُمْ
٣٢٥إِذَا تَوَافَقَتِ الضَّرْبَاتُ صَاعِدَةً
تَوَافَقَتْ قُلَلٌ فِي الْجَوِّ تَصْطَدِمُ
٣٢٦وَأسْلَمَ ابْنُ شُمُشْقِيقٍ أَلِيَّتَهُ
أَلَّا انْثَنَى فَهْوَ يَنْأَى وَهْيَ تَبْتَسِمُ
٣٢٧لَا يَأْمُلُ النَّفَسَ الْأَقْصَى لِمُهْجَتِهِ
فَيَسْرِقُ النَّفَسَ الْأَدْنَى وَيَغْتَنِمُ
٣٢٨تَرُدُّ عَنْهُ قَنَا الْفُرْسَانِ سَابِغَةٌ
صَوْبُ الْأَسِنَّةِ فِي أَثْنَائِهَا دِيَمُ
٣٢٩تَخُطُّ فِيهَا الْعَوَالِي لَيْسَ تَنْفُذُهَا
كَأَنَّ كُلَّ سِنَانٍ فَوْقَهَا قَلَمُ
٣٣٠فَلَا سَقَى الْغَيْثُ مَا وَارَاهُ مِنْ شَجَرٍ
لَوْ زَلَّ عَنْهُ لَوَارَتْ شَخْصَهُ الرَّخَمُ
٣٣١أَلْهَى الْمَمَالِكَ عَنْ فَخْرٍ قَفَلْتَ بِهِ
شُرْبُ الْمُدَامَةِ وَالْأَوْتَارُ وَالنَّغَمُ
٣٣٢مُقَلَّدًا فَوْقَ شُكْرِ اللهِ ذَا شُطَبٍ
لا تُسْتَدَامُ بِأَمْضَى مِنْهُمَا النِّعَمُ
٣٣٣أَلْقَتْ إِلَيْكَ دِمَاءُ الرُّومِ طَاعَتَهَا
فَلَوْ دَعَوْتَ بِلَا ضَرْبٍ أَجَابَ دَمُ
٣٣٤يُسَابِقُ القَتْلُ فِيهِمْ كُلَّ حَادِثَةٍ
فَمَا يُصِيبُهُمُ مَوْتٌ وَلَا هَرَمُ
٣٣٥نَفَتْ رُقَادَ عَلِيٍّ عَنْ مَحَاجِرِهِ
نَفْسٌ يُفَرِّجُ نَفْسًا غَيْرَهَا الْحُلُمُ
٣٣٦الْقَائِمُ الْمَلِكُ الْهَادِي الَّذِي شَهِدَتْ
قِيَامَهُ وَهُدَاهُ الْعُرْبُ وَالْعَجَمُ
٣٣٧ابْنُ الْمُعَفِّرِ فِي نَجْدٍ فَوَارِسَهَا
بِسَيْفِهِ وَلَهُ كُوفَانُ وَالْحَرَمُ
٣٣٨لَا تَطْلُبَنَّ كَرِيمًا بَعْدَ رُؤيَتِهِ
إنَّ الْكِرَامَ بِأَسْخَاهُمْ يَدًا خُتِمُوا
٣٣٩وَلَا تُبَالِ بِشِعْرٍ بَعْدَ شَاعِرِهِ
قَدْ أُفْسِدَ الْقَوْلُ حَتَّى أُحْمِدَ الصَّمَمُ
٣٤٠وقال يمدح إنسانًا، وأراد أن يستكشفه عن مذهبه، وهي من قوله في صباه:
كُفِّي أَرَانِي وَيْكِ لَوْمَكِ أَلْوَمَا
هَمٌّ أَقَامَ عَلَى فُؤَادٍ أَنْجَمَا
٣٤١وَخَيَالُ جِسْمٍ لَمْ يُخَلِّ لَهُ الْهَوَى
لَحْمًا فَيُنْحِلَهُ السَّقَامُ وَلَا دَمَا
٣٤٢وَخُفُوقُ قَلْبٍ لَوْ رَأَيْتِ لَهِيبَهُ
يَا جَنَّتِي لَظَنَنْتِ فِيه جَهَنَّمَا
٣٤٣وَإِذَا سَحَابَةُ صَدِّ حِبٍّ أَبْرَقَتْ
تَرَكَتْ حَلَاوَةَ كُلِّ حُبٍّ عَلْقَمَا
٣٤٤يَا وَجْهَ دَاهِيَةَ الَّذِي لَوْلَاكَ مَا
أَكَلَ الضَّنَى جَسَدِي وَرَضَّ الْأَعْظُمَا
٣٤٥إِنْ كَانَ أَغْنَاهَا السُّلُوُّ فَإِنَّنِي
أَصْبَحْتُ مِنْ كَبِدِي وَمِنْهَا مُعْدِمَا
٣٤٦غُصْنٌ عَلَى نَقَوَيْ فَلَاةٍ نَابِتٌ
شَمْسُ النَّهَارِ تُقِلُّ لَيْلًا مُظْلِمَا
٣٤٧لَمْ تُجْمَعِ الْأَضْدَادُ فِي مُتَشَابِهٍ
إِلَّا لِتَجْعَلَنِي لِغُرْمِيَ مَغْنَمَا
٣٤٨كَصِفَاتِ أَوْحَدِنَا أَبِي الْفَضْلِ الَّتي
بَهَرَتْ فَأَنْطَقَ وَاصِفِيهِ وَأَفْحَمَا
٣٤٩يُعْطِيكَ مُبْتَدِرًا فَإِنْ أَعْجَلْتَهُ
أَعْطَاكَ مُعْتَذِرًا كَمَنْ قَدْ أَجْرَمَا
٣٥٠وَيَرَى التَّعَظُّمَ أَنْ يُرَى مُتَوَاضِعًا
وَيَرَى التَّوَاضُعَ أَنْ يُرَى مُتَعَظِّمَا
٣٥١نَصَرَ الْفَعَالَ عَلَى الْمِطَالِ كَأَنَّمَا
خَالَ السُّؤَالَ عَلَى النَّوَالِ مُحَرَّمَا
٣٥٢يَا أَيُّهَا المَلَكُ الْمُصَفَّى جَوْهَرًا
مِنْ ذَاتِ ذِي الْمَلَكُوتِ أَسْمَى مَنْ سَمَا
٣٥٣نُورٌ تَظَاهَرَ فِيكَ لَاهُوتِيَّةً
فتَكَادُ تَعْلَمُ عِلْمَ مَا لَنْ يُعْلَمَا
٣٥٤وَيُهِمُّ فِيكَ إِذَا نَطَقْتَ فَصَاحَةً
مِنْ كُلِّ عُضْوٍ مِنْكَ أَنْ يَتَكَلَّمَا
٣٥٥أَنَا مُبْصِرٌ وَأَظُنُّ أَنِّيَ نَائِمٌ
مَنْ كَانَ يَحْلُمُ بِالْإِلَهِ فَأَحْلُمَا؟!
٣٥٦كَبُرَ الْعِيَانُ عَلَيَّ حَتَّى إِنَّهُ
صَارَ الْيَقِينُ مِنَ الْعِيَانِ تَوَهُّمَا
٣٥٧يَا مَنْ لِجُودِ يَدَيْهِ فِي أَمْوالِهِ
نِقَمٌ تَعُودُ عَلَى الْيَتَامَى أَنْعُمَا
٣٥٨حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ: مَا ذَا عَاقِلًا
وَيَقُولَ بَيْتُ المَالِ: مَا ذَا مُسْلِمَا
٣٥٩إِذْكَارُ مِثْلِكَ تَرْكُ إِذْكَارِي لَهُ
إِذْ لَا تُرِيدُ لِمَا أُرِيدُ مُتَرْجِمَا
٣٦٠وقال في صباه:
إِلَى أَيِّ حِينٍ أَنْتَ فِي زِيِّ مُحْرِمِ؟
وَحَتَّى مَتَى في شِقْوَةٍ وَإِلَى كَمِ؟
٣٦١وَإِلَّا تَمُتْ تَحْتَ السُّيُوفِ مُكَرَّمًا
تَمُتْ وَتُقَاسِ الذُّلَّ غَيْرَ مُكَرَّمِ
٣٦٢فَثِبْ وَاثِقًا بِاللهِ وِثْبَةَ مَاجِدٍ
يَرَى الْمَوْتَ في الْهَيْجَا جَنَى النَّحْلِ في الْفَمِ
٣٦٣وقال في صباه:
ضَيْفٌ أَلَمَّ بِرَأْسِي غَيْرَ مُحْتَشِمِ
والسَّيْفُ أَحْسَنُ فِعْلًا مِنْهُ بِاللِّمَمِ
٣٦٤إِبْعَدْ بَعِدْتَ بَيَاضًا لا بَيَاضَ لَهُ
لَأَنْتَ أَسْوَدُ فِي عَيْنِي مِنَ الظُّلَمِ
٣٦٥بِحُبِّ قَاتِلَتِي وَالشَّيْبِ تَغْذِيَتِي
هَوَايَ طِفْلًا وَشَيْبِي بَالِغَ الْحُلُمِ
٣٦٦فَمَا أَمُرُّ بِرَسْمٍ لَا أُسَائِلُهُ
وَلَا بِذَاتِ خِمَارٍ لا تُرِيقُ دَمِي
٣٦٧تَنَفَّسَتْ عَنْ وَفَاءٍ غَيْرِ مُنصَدِعٍ
يَوْمَ الرَّحِيلِ وشَعْبٍ غَيْرِ مُلْتَئِمِ
٣٦٨قَبَّلْتُهَا وَدُمُوعِي مَزْجُ أَدْمُعِهَا
وَقَبَّلَتْنِي عَلَى خَوْفٍ فَمًا لِفَمِ
٣٦٩فَذُقْتُ مَاءَ حَيَاةٍ مِنْ مُقَبَّلِهَا
لَوْ صَابَ تُرْبًا لَأَحْيَا سَالِفَ الْأُمَمِ
٣٧٠تَرْنُو إِلَيَّ بِعَيْنِ الظَّبْي مُجْهِشَةً
وتَمْسَحُ الطَّلَّ فَوْقَ الْوَرْدِ بِالْعَنَمِ
٣٧١رُوَيْدَ حُكْمَكِ فِينَا غَيْرَ مُنْصِفَةٍ
بِالنَّاسِ كُلِّهِمِ أَفْدِيكِ مِنْ حَكَمِ
٣٧٢أَبْدَيْتِ مِثْلَ الَّذِي أَبْدَيْتُ مِنْ جَزَعٍ
وَلَمْ تُجِنِّي الَّذِي أَجْنَنْتُ مِنْ أَلَمْ
٣٧٣إِذَنْ لَبَزَّكِ ثَوْبَ الْحُسْنِ أَصْغَرُهُ
وَصِرْتِ مِثْلِيَ فِي ثَوْبَيْنِ مِنْ سَقَمِ
٣٧٤لَيْسَ التَّعَلُّلُ بِالْآمَالِ مِنْ أَرَبِي
وَلَا الْقَنَاعَةُ بِالْإِقْلَالِ مِنْ شِيَمِي
٣٧٥وَلَا أَظُنُّ بَنَاتِ الدَّهْرِ تَتْرُكُنِي
حَتَّى تَسُدَّ عَلَيْهَا طُرْقَهَا هِمَمِي
٣٧٦لُمِ اللَّيَالِي الَّتِي أَخْنَتْ عَلَى جِدَتِي
بِرِقَّةِ الْحَالِ وَاعْذُرْنِي وَلَا تَلُمِ
٣٧٧أَرَى أُنَاسًا وَمَحْصُولِي عَلَى غَنَمٍ
وَذِكْرَ جُودٍ وَمَحْصُولِي عَلَى الْكَلِمِ
٣٧٨وَرَبُّ مَالٍ فَقِيرًا مِنْ مُرُوَّتِهِ
لَمْ يُثْرِ مِنْهَا كَمَا أَثْرَى مِنَ الْعَدَمِ
٣٧٩سَيَصْحَبُ النَّصْلُ مِنِّي مِثْلَ مَضْرِبِهِ
وَيَنْجَلِي خَبَرِي عَنْ صِمَّةِ الصَّمَمِ
٣٨٠لَقَدْ تَصَبَّرْتُ حَتَّى لَاتَ مُصْطَبَرٍ
فَالْآنَ أُقْحِمُ حَتَّى لَاتَ مُقْتَحَمِ
٣٨١لَأَتْرُكَنَّ وُجُوهَ الْخَيْلِ سَاهِمَةً
وَالْحَرْبُ أَقْوَمُ مِنْ سَاقٍ عَلَى قَدَمِ
٣٨٢وَالطَّعْنُ يُحْرِقُهَا وَالزَّجْرُ يُقلِقُهَا
حَتَّى كَأَنَّ بِهَا ضَرْبًا مِنَ اللَّمَمِ
٣٨٣قَدْ كَلَّمَتْهَا الْعَوَالِي فَهْيَ كَالِحَةٌ
كَأَنَّمَا الصَّابُ مَعْصُوبٌ عَلَى اللُّجُمِ
٣٨٤بِكُلِّ مُنْصَلِتٍ مَا زَالَ مُنْتَظِرِي
حَتَّى أَدَلْتُ لَهُ مِنْ دَوْلَةِ الْخَدَمِ
٣٨٥شَيْخٍ يَرَى الصَّلَواتِ الْخَمْسَ نَافِلَةً
وَيَسْتَحِلُّ دَمَ الْحُجَّاجِ في الْحَرَمِ
٣٨٦وَكُلَّمَا نُطِحَتْ تَحْتَ الْعَجَاجِ بِهِ
أُسْدُ الْكَتَائِبِ رَامَتْهُ وَلَمْ يَرِمِ
٣٨٧تُنْسِي الْبِلَادَ بُرُوقَ الْجَوِّ بَارِقَتِي
وَتَكْتَفِي بِالدَّمِ الْجَارِي عَنِ الدِّيَمِ
٣٨٨رِدِي حِيَاضَ الرَّدَى يَا نفْسِ وَاتَّرِكِي
حِيَاضَ خَوْفِ الرَّدَى لِلشَّاءِ والنَّعَمِ
٣٨٩إِنْ لَمْ أَذَرْكِ عَلَى الْأَرْمَاحِ سَائِلَةً
فَلَا دُعِيتُ ابْنَ أُمِّ الْمَجْدِ وَالْكَرَمِ
٣٩٠أَيَمْلِكُ الْمُلْكَ وَالْأَسْيَافُ ظَامِئَةٌ
وَالطَّيْرُ جَائِعَةٌ لَحْمٌ عَلَى وَضَمِ؟!
٣٩١مَنْ لَوْ رَآنِيَ مَاءً مَاتَ مِنْ ظَمَأٍ
وَلَوْ مَثَلْتُ لَهُ فِي النَّوْمِ لَمْ يَنَمِ
٣٩٢مِيعَادُ كُلِّ رَقِيقِ الشَّفْرَتَيْنِ غَدًا
وَمَنْ عَصَى مِنْ مُلُوكِ الْعُرْبِ وَالْعَجَمِ
٣٩٣فَإِنْ أَجَابُوا فَمَا قَصْدِي بِهَا لَهُمُ
وَإِنْ تَوَلَّوْا فَمَا أَرْضَى لَهَا بِهِمِ
٣٩٤وعذله أبو عبد الله معاذ بن إسماعيل اللاذقي، على ما كان قد شاهده من تهوره فقال:
٣٩٥أَبَا عَبْدِ الْإِلَهِ مُعَاذُ إِنِّي
خَفِيٌّ عَنْكَ فِي الْهَيْجَا مَقَامِي
٣٩٦ذَكَرْتَ جَسِيمَ مَا طَلَبِي وَأَنَّا
نُخَاطِرُ فِيهِ بِالْمُهَجِ الْجِسَامِ
٣٩٧أَمِثْلِي تَأْخُذُ النَّكَبَاتُ مِنْهُ
وَيَجْزَعُ مِنْ مُلَاقَاةِ الْحِمَامِ
٣٩٨وَلَوْ بَرَزَ الزَّمَانُ إِلَيَّ شَخْصًا
لَخَضَّبَ شَعْرَ مَفْرِقِهِ حُسَامِي
٣٩٩وَمَا بَلَغَتْ مَشِيئَتَهَا اللَّيَالِي
وَلَا سَارَتْ وَفِي يَدِهَا زِمَامِي
٤٠٠إِذَا امْتَلَأَتْ عُيُونُ الْخَيْلِ مِنِّي
فَوَيْلٌ فِي التَّيَقُّظِ وَالْمَنَامِ!
٤٠١وقال له بعض بني كلاب: أَشْرَبُ هذه الكأس سرورًا بك، فقال:
إِذَا مَا شَرِبْتَ الْخَمْرَ صِرْفًا مُهَنَّأً
شَرِبْنَا الَّذِي مِنْ مِثْلِهِ شَرِبَ الْكَرْمُ
٤٠٢أَلَا حَبَّذَا قَوْمٌ نَدَامَاهُمُ الْقَنَا
يُسَقُّونَهَا رِيًّا وَسَاقِيهِمُ الْعَزْمُ
٤٠٣وقال وقد مد له إنسان يده بكأس وحلف بالطلاق ليشربنها:
وَأَخٍ لَنَا بَعَثَ الطَّلَاقَ أَلِيَّةً
لَأُعَلِّلَنَّ بِهذِهِ الْخُرْطُومِ
٤٠٤فَجَعَلْتُ رَدِّي عِرْسَهُ كَفَّارَةً
عَنْ شُرْبِهَا وَشَرِبْتُ غَيْرَ أَثِيمِ
٤٠٥وقال يمدح الحسين بن إسحق التنوخي:
مَلَامِي النَّوَى في ظُلْمِهَا غَايَةُ الظُّلْمِ
لَعَلَّ بِهَا مِثْلَ الَّذِي بِي مِنَ السُّقْمِ
٤٠٦فَلَوْ لَمْ تَغَرْ لَمْ تَزْوِ عَنِّي لِقَاءَكُمْ
وَلَوْ لَمْ تُرِدْكُمْ لَمْ تَكُنْ فِيكُمُ خَصْمِي
٤٠٧أَمُنْعِمَةٌ بِالْعَوْدَةِ الظَّبْيَةُ الَّتِي
بِغَيْرِ وَلِيٍّ كَانَ نَائِلَهَا الْوَسْمِي
٤٠٨تَرَشَّفْتُ فَاهَا سُحْرَةً فَكَأَنَّنِي
تَرَشَّفْتُ حَرَّ الْوَجْدِ مِنْ بَارِدِ الظَّلْمِ
٤٠٩فَتَاةٌ تَسَاوَى عِقْدُهَا وَكَلَامُهَا
وَمَبْسِمُهَا الدُّرِّيُّ فِي الْحُسْنِ وَالنَّظْمِ
٤١٠وَنَكْهَتُهَا وَالْمَنْدَلِيُّ وَقَرْقَفٌ
مُعَتَّقَةٌ صَهْبَاءُ في الرِّيحِ وَالطَّعْمِ
٤١١جَفَتْنِي كَأَنِّي لَسْتُ أَنْطَقَ قَوْمِهَا
وَأَطْعَنَهُمْ وَالشُّهْبُ في صُورَةِ الدُّهْمِ
٤١٢يُحَاذِرُنِي حَتْفِي كَأَنِّيَ حَتْفُهُ
وَتَنْكُزُنِي الْأَفْعَى فَيَقْتُلُهَا سُمِّي
٤١٣طِوَالُ الرُّدَيْنِيَّاتِ يَقْصِفُهَا دَمِي
وَبِيضُ السُّرَيْجِيَّاتِ يَقْطَعُهَا لَحْمِي
٤١٤بَرَتْنِي السُّرَى بَرْيَ الْمُدَى فَرَدَدْنَنِي
أَخَفُّ عَلَى الْمَرْكُوبِ مِنْ نَفَسِي جِرْمِي
٤١٥وَأَبْصَرَ مِنْ زَرْقَاءِ جَوٍّ لِأَنَّني
إِذَا نَظَرَتْ عَيْنَايَ سَاوَاهُمَا عِلْمِي
٤١٦كَأَنِّي دَحَوْتُ الْأَرْضَ مِنْ خِبْرَتِي بهَا
كَأَنِّي بَنَى الْإِسْكَنْدَرُ السَّدَّ مِنْ عَزْمِي
٤١٧لِأَلْقَى ابْنَ إسْحَاقَ الَّذِي دَقَّ فَهْمُهُ
فَأَبْدَعَ حَتَّى جَلَّ عَنْ دِقَّةِ الْفَهْمِ
٤١٨وَأَسْمَعَ مِنْ أَلْفَاظِهِ اللُّغَةَ الَّتِي
يَلَذُّ بِهَا سَمْعِي وَلَوْ ضُمِّنَتْ شَتْمِي
٤١٩يَمِينُ بَنِي قَحْطَانَ رَأْسُ قُضَاعَةٍ
وَعِرْنِينُهَا بَدْرُ النُّجُومِ بَنِي فَهْمِ
٤٢٠إِذَا بَيَّتَ الْأَعْدَاءَ كَانَ اسْتِمَاعُهُمْ
صَرِيرَ الْعَوَالِي قَبْلَ قَعْقَعَةِ اللُّجْمِ
٤٢١مُذِلُّ الْأَعِزَّاءِ الْمُعِزُّ وَإِنْ يَئِنْ
بِهِ يُتْمُهُمْ فَالْمُوتِمُ الْجَابِرُ الْيُتْمِ
٤٢٢وَإنْ تُمْسِ دَاءً في الْقُلُوبِ قَنَاتُهُ
فَمُمْسِكُهَا مِنْهُ الشِّفَاءُ مِنَ الْعُدْمِ
٤٢٣مُقَلَّدُ طَاغِي الشَّفْرَتَيْنِ مُحَكَّمٍ
عَلَى الْهَامِ إِلَّا أَنَّهُ جَائِرُ الْحُكْمِ
٤٢٤تَحَرَّجَ عَنْ حَقْنِ الدِّمَاءِ كَأَنَّهُ
يَرَى قَتْلَ نَفْسٍ تَرْكَ رَأْسٍ عَلَى جِسْمِ
٤٢٥وَجَدْنَا ابْنَ إِسْحَاقَ الْحُسَيْنِ كَجَدِّهِ
عَلَى كَثْرَةِ الْقَتْلَى بَرِيئًا مِنَ الْإِثْمِ
٤٢٦مَعَ الْحَزْمِ حَتَّى لَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ
لِأَلْحَقَهُ تَضَيِيعُهُ الْحَزْمَ بالْحَزْمِ
٤٢٧وَفي الْحَرْبِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ تَأَخُّرًا
لَأَخَّرَهُ الطبْعُ الْكَرِيمُ إِلَى القُدْمِ
٤٢٨لَهُ رَحْمَةٌ تُحْيي الْعِظَامَ وَغَضْبَةٌ
بِهَا فَضْلَةٌ لِلْجُرْمِ عَنْ صَاحِبِ الْجُرْمِ
٤٢٩وَرِقَّةُ وَجْهٍ لَوْ خَتَمْتَ بِنَظْرَةٍ
عَلَى وَجْنَتَيْهِ مَا انْمَحَى أَثَرُ الْخَتْمِ
٤٣٠أَذَاقَ الْغَوَانِي حُسْنُهُ مَا أَذَقْنَنِي
وَعَفَّ فَجَازَاهُنَّ عَنِّي عَلَى الصُّرْمِ
٤٣١فِدًى مَنْ عَلَى الْغَبْرَاءِ أَوَّلُهُمْ أَنَا
لِهَذَا الْأَبِيِّ الْمَاجِدِ الْجَائِدِ الْقَرْمِ
٤٣٢لَقَدْ حَالَ بَيْنَ الْجِنِّ وَالْأَمْنِ سَيْفُهُ
فَمَا الظَّنُّ بَعْدَ الْجِنِّ بِالْعُرْبِ وَالْعُجْمِ
٤٣٣وَأَرْهَبَ حَتَّى لَوْ تَأَمَّلَ دِرْعَهُ
جَرَتْ جَزَعًا مِنْ غَيْرِ نَارٍ وَلَا فَحْمِ
٤٣٤وَجَادَ فَلَوْلَا جُودُهُ غَيْرَ شَارِبٍ
لَقُلْنَا: كَرِيمٌ هَيَّجَتْهُ ابْنَةُ الْكَرْمِ
٤٣٥أَطَعْنَاكَ طَوْعَ الدَّهْرِ يَا ابْنَ ابْنِ يُوسُفٍ
لِشَهْوَتِنا، وَالْحَاسِدُو لَكَ بِالرُّغْمِ
٤٣٦وَثِقْنَا بِأَنْ تُعْطِي فَلَوْ لَمْ تَجُدْ لَنَا
لَخِلْنَاكَ قَدْ أَعْطَيْتَ مِنْ قُوَّةِ الْوَهْمِ
٤٣٧دُعِيتُ بِتَقْرِيظِيكَ فِي كلِّ مَجْلِسٍ
وَظَنَّ الَّذِي يَدْعُو ثَنَائِي عَلَيْكَ اسْمِي
٤٣٨وَأَطْمَعْتَنِي فِي نَيْلِ مَا لَا أَنَالُهُ
بِمَا نِلْتُ حَتَّى صِرْتُ أَطْمَعُ فِي النَّجْمِ
٤٣٩إِذَا مَا ضَرَبْتَ الْقِرْنَ ثُمَّ أَجَزْتَنِي
فَكِلْ ذَهَبًا لِي مَرَّةً مِنْهُ بِالْكَلْمِ
٤٤٠أَبَتْ لَكَ ذَمِّي نَخْوَةٌ يَمَنِيَّةٌ
وَنَفْسٌ بهَا فِي مَأزِقٍ أَبَدًا تَرْمِي
٤٤١فَكَمْ قَائِلٍ: لَوْ كَانَ ذَا الشَّخْصُ نَفْسَهُ
لَكَانَ قَرَاهُ مَكْمَنَ الْعَسْكَرِ الدَّهْمِ!
٤٤٢وَقَائِلَةٍ — وَالْأَرْضَ أَعْنِي تَعَجُّبًا:
عَلَيَّ امْرُؤٌ يَمْشِي بِوَقْرِي مِنَ الْحِلْمِ!
٤٤٣عَظُمْتَ فَلَمَّا لَمْ تُكَلَّمْ مَهَابَةً
تَوَاضَعْتَ وَهْوَ الْعُظْمُ عُظْمًا عَنِ الْعُظْم
٤٤٤وقال يمدح علي بن إبراهيم التنوخي:
أَحَقُّ عَافٍ بِدَمْعِكَ الْهِمَمُ
أَحْدَثُ شَيْءٍ عَهْدًا بِهَا الْقِدَمُ
٤٤٥وَإِنَّمَا النَّاسُ بِالْمُلُوكِ وَمَا
تُفْلِحُ عُرْبٌ مُلُوكُهَا عَجَمُ
٤٤٦لَا أَدَبٌ عِنْدَهُمْ وَلَا حَسَبٌ
وَلَا عُهُودٌ لَهُمْ وَلَا ذِمَمُ
٤٤٧بِكُلِّ أَرْضٍ وَطِئْتُهَا أُمَمٌ
تُرْعَى بِعَبْدٍ كَأَنَّها غَنَمُ
٤٤٨يَسْتَخْشِنُ الْخَزَّ حِينَ يَلْمُسُهُ
وَكَانَ يُبْرَى بِظُفْرِهِ الْقَلَمُ
٤٤٩إِنِّي وَإِنْ لُمْتُ حَاسِدِيَّ فَما
أُنْكِرُ أنِّي عُقُوبَةٌ لَهُمُ
٤٥٠وَكَيْفَ لَا يُحْسَدُ امْرُؤٌ عَلَمٌ
لَهُ عَلَى كُلِّ هَامَةٍ قَدَمُ؟!
٤٥١يَهَابُهُ أَبْسَأُ الرِّجَالِ بِهِ
وَتَتَّقِي حَدَّ سَيْفِهِ الْبُهَمُ
٤٥٢كَفَانِيَ الذَّمَّ أَنَّنِي رَجُلٌ
أَكْرَمُ مَالٍ مَلَكْتُهُ الْكَرَمُ
٤٥٣يَجْنِي الْغِنَى لِلِّئَامِ لَوْ عَقَلُوا
مَا لَيْسَ يَجْنِي عَلَيْهِمِ الْعَدَمُ
٤٥٤هُمُ لِأَمْوَالِهِمْ وَلَسْنَ لَهُمْ
وَالْعَارُ يَبْقَى والْجُرْحُ يَلْتَئِمُ
٤٥٥مَنْ طَلَبَ الْمَجْدَ فَلْيَكُنْ كَعَلِيـْ
ـيٍ يَهَبُ الْأَلْفَ وَهْوَ يَبْتَسِمُ
٤٥٦وَيَطْعَنُ الْخَيْلَ كُلَّ نَافِذَةٍ
لَيْسَ لَهَا مِنْ وَحَائِهَا أَلَمُ
٤٥٧وَيَعْرِفُ الْأَمْرَ قَبْلَ مَوْقِعِهِ
فَمَا لَهُ بَعْدَ فِعْلِهِ نَدَمُ
٤٥٨وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ والسَّلَاهِبُ وَالـْ
ـبِيضُ لَهُ وَالْعَبِيدُ وَالْحَشَمُ
٤٥٩وَالسَّطَوَاتُ الَّتِي سَمِعْتَ بِهَا
تَكَادُ مِنْهَا الْجِبَالُ تَنْفَصِمُ
٤٦٠يُرْعِيكَ سَمْعًا فِيهِ اسْتِمَاعٌ إِلَى الدْ
دَاعِي وَفِيهِ عَنِ الْخَنَا صَمَمُ
٤٦١يُرِيكَ مِنْ خَلْقِهِ غَرَائِبَهُ
فِي مَجْدِهِ كَيْفَ تُخْلَقُ النَّسَمُ
٤٦٢مِلْتُ إِلَى مَنْ يَكَادُ بَيْنَكُمَا
إِنْ كُنْتُمَا السَّائِلَيْنِ يَنْقَسِمُ
٤٦٣مِنْ بَعْدِ مَا صِيغَ مِنْ مَوَاهِبِهِ
لِمَنْ أُحِبُّ الشُّنُوفُ وَالْخَدَمُ
٤٦٤مَا بَذَلَتْ مَا بِهِ يَجُودُ يَدٌ
وَلَا تَهَدَّى لِمَا يَقُولُ فَمُ
٤٦٥بَنُو الْعَفَرْنَى مَحَطَّةَ الْأَسَدِ الـْ
أُسْدُ وَلكِنْ رِمَاحُهَا الْأَجَمُ
٤٦٦قَوْمٌ بُلُوغُ الْغُلَامِ عِنْدَهُمُ
طَعْنُ نُحُورِ الكُمَاةِ لَا الْحُلُمُ
٤٦٧كَأَنَّمَا يُولَدُ النَّدَى مَعَهُمْ
لَا صِغَرٌ عَاذِرٌ وَلَا هَرِمُ
٤٦٨إِذَا تَوَلَّوْا عَدَاوَةً كَشَفُوا
وَإِنْ تَوَلَّوْا صَنِيعَةً كَتَمُوا
٤٦٩تَظُنُّ مِنْ فَقْدِكَ اعْتِدَادَهُمُ
أَنَّهُمْ أَنْعَمُوا وَمَا عَلِمُوا
٤٧٠إِنْ بَرَقُوا فَالْحُتُوفُ حَاضِرَةٌ
أَوْ نَطَقُوا فَالصَّوَابُ وَالْحِكَمُ
٤٧١أَوْ حَلَفُوا بِالْغَمُوسِ وَاجْتَهَدُوا
فَقَوْلُهُمْ: «خَابَ سَائِلِي» الْقَسَمُ
٤٧٢أَوْ رَكِبُوا الْخَيْلَ غَيْرَ مُسْرَجَةٍ
فَإِنَّ أَفْخَاذَهُمْ لَهَا حُزُمُ
٤٧٣أَوْ شَهِدُوا الْحَرْبَ لَاقِحًا أَخَذُوا
مِنْ مُهَجِ الدَارِعِينَ مَا احْتَكَمُوا
٤٧٤تُشْرِقُ أَعْرَاضُهُمْ وَأَوْجُهُهُمْ
كَأَنَّهَا فِي نُفُوسِهِمْ شِيَمُ
٤٧٥لَوْلَاكَ لَمْ أَتْرُكِ الْبُحَيْرَةَ وَالـْ
ـغَوْرُ دَفِيءٌ وَمَاؤُهَا شَبِمُ
٤٧٦وَالْمَوْجُ مِثْلُ الفُحُولِ مُزْبِدَةً
تَهْدِرُ فِيهَا وَمَا بِهَا قَطَمُ
٤٧٧وَالطَّيْرُ فَوْقَ الْحَبَابِ تَحْسَبُهَا
فُرْسَانَ بُلْقٍ تَخُونُهَا اللُّجُمُ
٤٧٨كَأَنَّهَا وَالرِّيَاحُ تَضْرِبُهَا
جَيْشَا وَغًى هَازِمٌ وَمُنْهَزِمُ
٤٧٩كَأَنَّهَا فِي نَهَارِهَا قَمَرٌ
حَفَّ بِهِ مِنْ جِنَانِهَا ظُلَمُ
٤٨٠نَاعِمَةُ الْجِسْمِ لَا عِظَامَ لَهَا
لَهَا بَنَاتٌ وَمَا لَهَا رَخِمَ
٤٨١يُبْقَرُ عَنْهُنَّ بَطْنُهَا أَبَدًا
وَمَا تَشَكَّى وَلَا يَسِيلُ دَمُ
٤٨٢تَغَنَّتِ الطَّيْرُ فِي جَوَانِبِهَا
وَجَادَتِ الْأَرْضُ حَوْلَهَا الدِّيَمُ
٤٨٣فَهْيَ كَمَاوِيَّةٍ مُطَوَّقَةٍ
جُرِّدَ عَنْهَا غِشَاؤُهَا الْأَدَمُ
٤٨٤يَشِينُهَا جَرْيُهَا عَلَى بَلَدٍ
تَشِينُهُ الْأَدْعِيَاءُ وَالْقَزَمُ
٤٨٥أَبَا الْحُسَيْنِ اسْتَمِعْ فَمَدْحُكُمُ
في الْفِعْلِ قَبْلَ الْكَلَام مُنْتَظِمُ
٤٨٦وَقَدْ تَوَالَى الْعِهَادُ مِنْهُ لَكُمْ
وَجَادَتِ الْمَطْرَةُ الَّتِي تَسِمُ
٤٨٧أُعِيذُكُمْ مِنْ صُرُوفِ دَهْرِكُمُ
فَإِنَّهُ في الْكِرَامِ مُتَّهَمُ
٤٨٨وقال يمدح المغيث بن العجلي:
فُؤَادٌ مَا تُسَلِّيهِ الْمُدَامُ
وَعُمْرٌ مِثْلُ مَا تَهَبُ اللِّئَامُ
٤٨٩وَدَهْرٌ نَاسُهُ نَاسٌ صِغَارٌ
وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ جُثَثٌ ضِخَامُ
٤٩٠وَمَا أَنَا مِنْهُمُ بالْعَيْشِ فِيهِمْ
وَلكِنْ مَعْدِنُ الذَّهَبِ الرَّغَامُ
٤٩١أَرَانِبُ غَيْرَ أَنَّهُمُ مُلُوكٌ
مُفَتَّحَةٌ عُيُونُهُمُ نِيَامُ
٤٩٢بِأَجْسَامٍ يَحَرُّ الْقَتْلُ فِيهَا
وَمَا أَقْرَانُهَا إِلَّا الطَّعَامُ
٤٩٣وَخَيْلٍ مَا يَخِرُّ لَهَا طَعِينٌ
كَأَنَّ قَنَا فَوَارِسِهَا ثُمَامُ
٤٩٤خَلِيلُكَ أَنْتَ لَا مَنْ قُلْتَ: خِلِّي
وَإِنْ كَثُرَ التَّجَمُّلُ والْكَلَامُ
٤٩٥وَلَوْ حِيزَ الْحِفَاظُ بِغَيْرِ عَقْلٍ
تَجَنَّبَ عُنْقَ صَيقَلِهِ الْحُسَامُ
٤٩٦وَشِبْهُ الشَّيْءِ مُنْجَذِبٌ إِلَيْهِ
وَأَشْبَهُنَا بِدُنْيَانَا الطَّغَامُ
٤٩٧وَلَوْ لَمْ يَعْلُ إِلَّا ذُو مَحَلٍّ
تَعَالَى الْجَيْشُ وَانْحَطَّ القَتَامُ
٤٩٨وَلَوْ لَمْ يَرْعَ إِلَّا مُسْتَحِقٌّ
لِرُتْبَتِهِ أَسَامَهُمُ الْمُسَامُ
٤٩٩وَمَنْ خَبَرَ الْغَوَانِي فَالْغَوَانِي
ضِيَاءٌ فِي بَوَاطِنِهِ ظَلَامُ
٥٠٠إِذَا كَانَ الشَّبَابُ السُّكْرَ وَالشَّيـْ
ـبُ هَمًّا فَالْحَيَاةُ هِيَ الْحِمَامُ
٥٠١وَمَا كُلٌّ بِمَعْذُورٍ بِبُخْلٍ
وَلَا كُلٌّ عَلَى بُخْلٍ يُلَامُ
٥٠٢وَلَمْ أَرَ مِثْلَ جِيرَانِي وَمِثْلِي
لِمِثْلِي عِنْدَ مِثْلِهِمِ مُقَامُ
٥٠٣بِأَرْضٍ مَا اشْتَهَيْتَ رَأَيْتَ فِيهَا
فلَيْسَ يَفُوتُهَا إِلَّا الْكِرَامُ
٥٠٤فَهَلَّا كَانَ نَقْصُ الْأَهْلِ فِيهَا
وَكَانَ لِأَهْلِهَا مِنْهَا التَّمَامُ؟
٥٠٥بِهَا الْجَبَلَانِ مِنْ صَخْرٍ وَفَخْرٍ
أَنَافَا: ذَا الْمُغِيثُ وَذَا اللَّكَامُ
٥٠٦وَلَيْسَتْ مِنْ مَواطِنِهِ وَلَكِنْ
يَمُرُّ بِهَا كَمَا مَرَّ الغَمَامُ
٥٠٧سَقَى اللهُ ابْنَ مُنْجِبَةٍ سَقَانِي
بِدَرٍّ مَا لِرَاضِعِهِ فِطَامُ
٥٠٨وَمَنْ إِحْدَى فَوَائِدِهِ العَطَايَا
وَمَنْ إِحْدَى عَطَايَاهُ الدَّوَامُ
٥٠٩وَقَدْ خَفِيَ الزَّمَانُ بِهِ عَلَينَا
كَسِلْكِ الدُّرِّ يُخْفِيهِ النِّظَامُ
٥١٠تَلَذُّ لَهُ الْمُرُوءَةُ وَهْيَ تُؤْذِي
وَمَنْ يَعْشَقْ يَلَذُّ لَهُ الْغَرَامُ
٥١١تَعَلَّقَهَا هَوَى قَيْسٍ لِلَيْلَى
وَوَاصَلَهَا فَلَيْسَ بِهِ سَقَامُ
٥١٢يَرُوعُ رَكَانَةً وَيَذُوبُ ظَرْفًا
فَمَا نَدْرِى أشَيْخٌ أمْ غُلَامُ؟
٥١٣وَتَمْلِكُهُ الْمَسَائِلُ فِي نَدَاهُ
وَأَمَّا فِي الْجِدَالِ فَلَا يُرَامُ
٥١٤وَقَبْضُ نَوَالِهِ شَرَفٌ وَعِزٌّ
وَقَبْضُ نَوَالِ بَعْضِ الْقَوْمِ ذَامُ
٥١٥أَقَامَتْ فِي الرِّقَابِ لَهُ أَيَادٍ
هِيَ الْأَطْوَاقُ وَالنَّاسُ الْحَمَامُ
٥١٦إِذَا عُدَّ الْكِرَامُ فَتِلْكَ عِجْلٌ
كَمَا الأنْوَاءُ حِينَ تُعَدُّ عَامُ
٥١٧تَقِي جَبَهَاتُهُمْ مَا فِي ذَرَاهُمْ
إِذَا بِشِفَارِهَا حَمِيَ اللِّطَامُ
٥١٨وَلَو يَمَّمْتَهُمْ فِي الْحَشْرِ تجْدُو
لَأَعْطَوْكَ الَّذِي صَلَّوْا وَصَامُوا
٥١٩فَإِنْ حَلُمُوا فَإِنَّ الْخَيْلَ فِيهِمْ
خِفَافٌ وَالرِّمَاحُ بِهَا عُرَامُ
٥٢٠وَعِنْدَهُمُ الْجِفَانُ مُكَلَّلَاتٍ
وَشَزْرُ الطَّعْنِ وَالضَّرْبُ التُّؤَامُ
٥٢١نُصَرِّعُهُمْ بِأَعْيُنِنَا حَيَاءً
وَتَنْبُو عَنْ وُجُوهِهِمُ السِّهَامُ
٥٢٢قَبِيلٌ يَحْمِلُونَ مِنَ الْمَعَالِي
كَمَا حَمَلَتْ مِنَ الْجَسَدِ الْعِظَامُ
٥٢٣قَبِيلٌ أَنْتَ أَنْتَ وَأَنْتَ مِنْهُمْ
وَجَدُّكَ بِشْرٌ الْمَلِكُ الْهُمَامُ
٥٢٤لِمَنْ مَالٌ تُمَزِّقُهُ الْعَطَايَا
وَيَشْرَكُ فِي رَغَائِبِهِ الْأَنَامُ؟!
وَلَا نَدْعُوكَ صَاحِبَهُ فَتَرْضَى
لِأَنَّ بِصُحْبَةٍ يَجِبُ الذِّمَامُ
٥٢٥تُحَايِدُهُ كَأَنَّكَ سَامِرِيٌّ
تُصَافِحُهُ يَدٌ فِيهَا جُذَامُ
٥٢٦إِذَا مَا الْعَالِمُونَ عَرَوْكَ قَالُوا:
أَفِدْنَا أَيُّهَا الْحِبْرُ الْإِمَامُ
٥٢٧إِذَا مَا الْمُعْلِمُونَ رَأَوْكَ قَالُوا:
بِهَذَا يُعْلَمُ الْجَيْشُ اللُّهَامُ
٥٢٨لَقَدْ حَسُنَتْ بِكَ الْأَوْقَاتُ حَتَّى
كَأَنَّكَ فِي فَمِ الدَّهْرِ ابْتِسَامُ
٥٢٩وَأُعْطِيتَ الَّذِي لَمْ يُعْطَ خَلْقٌ
عَلَيْكَ صَلَاةُ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ
وقال يمدح عمر بن سليمان الشرابي وهو يومئذٍ يتولى الفداء بين العرب والروم:
نَرَى عِظَمًا بِالْبَيْنِ وَالصَّدُّ أَعْظَمُ
وَنَتَّهِمُ الْوَاشِينَ وَالدَّمْعُ مِنْهُمُ
٥٣٠وَمَنْ لُبُّهُ مَعْ غَيْرِهِ كَيْفَ حَالهُ؟!
وَمَنْ سِرُّهُ فِي جَفْنِهِ كيْفَ يَكْتَمُ؟!
٥٣١وَلَمَّا الْتَقَيْنَا وَالنَّوَى وَرَقِيبُنَا
غَفُولَانِ عَنَّا ظِلْتُ أَبْكِي وَتَبْسِمُ
٥٣٢فَلَمْ أَرَ بَدْرًا ضَاحِكًا قَبْلَ وَجْهِهَا
وَلَمْ تَرَ قَبْلِي مَيِّتًا يَتَكَلَّمُ
ظَلُومٌ كَمَتْنَيْهَا لِصَبٍّ كَخَصْرِهَا
ضَعِيفِ الْقُوَى مِنْ فِعْلِهَا يَتَظَلَّمُ
٥٣٣بفَرْعٍ يُعِيدُ اللّيْلَ والصُّبْحُ نَيِّرٌ
وَوَجْهٍ يُعِيدُ الصُّبْحَ واللَّيْلُ مُظْلِمُ
٥٣٤فَلَوْ كَانَ قَلْبِي دَارَها كَانَ خَالِيًا
وَلَكِنَّ جَيْشَ الشَّوْقِ فِيهِ عَرَمْرَمُ
٥٣٥أَثَافٍ بِهَا مَا بِالْفُؤَادِ مِنَ الصَّلَى
وَرَسْمٌ كَجِسْمِي ناحِلٌ مُتَهَدِّمُ
٥٣٦بَلَلْتُ بِهَا رُدْنَيَّ والْغَيْمُ مُسْعِدِي
وَعَبْرَتُهُ صِرْفٌ وَفِي عَبْرَتِي دَمُ
٥٣٧وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَا انْهَلَّ فِي الْخَدِّ مِنْ دَمِي
لَمَا كَانَ مُحْمَرًّا يَسِيلُ فَأَسْقَمُ
٥٣٨بِنَفْسِي الْخَيَالُ الزَّائِرِي بَعْدَ هَجْعَةٍ
وَقوْلَتُهُ لِي: بَعْدَنَا الْغُمْضَ تَطْعَمُ؟!
٥٣٩سَلَامٌ فَلَوْلَا الْخَوْفُ وَالْبُخْلُ عِنْدَهُ
لَقُلْتُ: أَبُو حَفْصٍ عَلَيْنَا الْمُسَلِّمُ
٥٤٠مُحِبُّ النَّدَى الصَّابِي إلَى بَذْلِ مَالِهِ
صُبُوًّا كَمَا يَصْبُو الْمُحِبُّ الْمُتَيَّمُ
٥٤١وَأُقْسِمُ لَوْلَا أَنَّ فِي كُلِّ شَعْرَةٍ
لَهُ ضَيْغَمًا قُلْنَا لَهُ: أَنْتَ ضَيْغَمُ
٥٤٢أَنَنْقُصُهُ مِنْ حَظِّهِ وَهْوَ زَائِدٌ
وَنَبْخَسُهُ وَالْبَخْسُ شَيْءٌ مُحَرَّمُ؟!
٥٤٣يَجِلُّ عَنِ التَّشْبِيهِ لَا الْكَفُّ لُجَّةٌ
وَلَا هُوَ ضِرْغَامٌ وَلَا الرَّأْيُ مِخْذَمُ
٥٤٤وَلَا جُرْحُهُ يُؤسَى وَلَا غَوْرُهُ يُرَى
وَلَا حَدُّهُ يَنْبُو وَلَا يَتَثَلَّمُ
٥٤٥وَلَا يُبْرَمُ الْأَمْرُ الَّذِي هُوَ حَالِلٌ
وَلَا يُحْلَلُ الْأَمْرُ الَّذِي هُوَ مُبْرِمُ
٥٤٦وَلَا يَرْمَحُ الْأَذْيَالَ مِنْ جَبَرِيَّةٍ
وَلَا يَخْدُمُ الدُّنْيَا وَإِيَّاهُ تَخْدُمُ
٥٤٧وَلَا يَشْتَهِي يَبْقَى وَتَفْنَى هِبَاتُهُ
وَلَا تَسْلَمُ الْأَعْدَاءُ مِنْهُ وَيَسْلَمُ
٥٤٨أَلَذُّ مِنَ الصَّهْبَاءِ بِالْمَاءِ ذِكْرُهُ
وَأَحْسَنُ مِنْ يُسْرٍ تَلَقَّاهُ مُعْدِمُ
٥٤٩وَأَغْرَبُ مِنْ عَنْقَاءَ فِي الطَّيْرِ شَكْلُهُ
وَأَعْوَزُ مِنْ مُسْتَرْفِدٍ مِنْهُ يُحْرَمُ
٥٥٠وَأَكْثَرُ مِنْ بَعْدِ الْأَيَادِي أَيَادِيًا
مِنْ الْقَطْرِ بَعْدَ الْقَطْرِ وَالْوَبْلُ مُثْجِمُ
٥٥١سَنِيُّ الْعَطَايَا لَوْ رَأَى نَوْمَ عَيْنهِ
مِنَ اللُّؤْمِ آلَى أَنَّهُ لَا يُهَوِّمُ
٥٥٢وَلَوْ قَالَ: هَاتُوا دِرْهَمًا لَمْ أَجُدْ بِهِ
عَلَى سَائِلٍ أَعْيَا عَلَى النَّاسِ درْهَمُ
٥٥٣ولَوْ ضَرَّ مَرْءًا قَبْلَهُ مَا يَسُرُّهُ
لَأَثَّرَ فِيهِ بَأْسُهُ وَالتَّكَرُّمُ
٥٥٤يُرَوِّي بِكَالْفِرْصَادِ فِي كُلِّ غَارَةٍ
يَتَامَى مِنَ الْأَغْمَادِ تُنْضَى فَتُوتِمُ
٥٥٥إِلَى الْيَوْمِ مَا حَطَّ الْفِدَاءُ سُرُوجَهُ
مُذُ الْغَزْوُ سَارٍ مُسْرَجُ الْخَيْلِ مُلْجَمُ
٥٥٦يَشُقُّ بِلَادَ الرُّومِ وَالنَّقْعُ أَبْلَقٌ
بِأَسْيَافِهِ وَالْجَوُّ بِالنَّقْعِ أَدْهَمُ
٥٥٧إِلَى المَلِكِ الطَّاغِي فَكَمْ مِنْ كَتِيبَةٍ
تُسَايِرُ مِنْهُ حَتْفَهَا وَهْيَ تَعْلَمُ!
٥٥٨وَمِنْ عَاتِقٍ نَصْرَانَةٍ بَرَزَتْ لَهُ
أُسِيلَةِ خَدٍّ عَنْ قَرِيبٍ ستُلْطَمُ!
٥٥٩صُفُوفًا لِلَيْثٍ فِي لُيُوثٍ حُصُونُها
مُتُونُ المَذَاكِي وَالْوَشِيجُ الْمُقَوَّمُ
٥٦٠تَغِيبُ الْمَنَايَا عَنْهُمُ وَهْوَ غَائِبٌ
وتَقْدَمُ في سَاحَاتِهِمْ حِينَ يَقْدَمُ
٥٦١أَجِدَّكَ مَا تَنْفَكُّ عَانٍ تَفُكُّهُ
عُمَ بْنَ سُلَيْمَانَ وَمَالٌ تُقَسِّمُ
٥٦٢مُكَافِيكَ مَنْ أَوْلَيْتَ دِينَ رَسُولِهِ
يَدًا لَا تُؤَدِّي شُكْرَهَا الْيَدُ وَالْفَمُ
٥٦٣عَلَى مَهَلٍ إِنْ كُنْتَ لَسْتَ بِرَاحِمٍ
لِنَفْسِكَ مِنْ جُودٍ فَإِنَّكَ تُرْحَمُ
٥٦٤مَحَلُّكَ مَقْصُودٌ وَشَانِيكَ مُفْحَمُ
وَمِثْلُكَ مَفْقُودٌ وَنَيْلُكَ خِضْرِمُ
٥٦٥وَزَارَكَ بِي دُونَ الْمُلُوكِ تَحَرُّجِي
إِذَا عَنَّ بَحْرٌ لَمْ يَجُزْ لِي التَّيَمُّمُ
٥٦٦فَعِشْ لَوْ فَدَى المَمْلُوكُ رَبًّا بِنَفْسِهِ
مِنَ المَوْتِ لَمْ تُفْقَدْ وَفِي الْأَرْضِ مُسْلِمُ
٥٦٧واجتاز بمكان يعرف بالفراديس من أرض قِنَّسْرِين فسمع زئير الأسد، فقال:
أَجَارُكِ يَا أُسْدَ الْفَرَادِيسِ مُكْرَمُ
فتَسْكُنَ نَفْسِي أَمْ مُهَانٌ فَمُسْلَمُ؟
٥٦٨وَرَائِي وَقُدَّامِي عُدَاةٌ كَثِيرَةٌ
أُحَاذِرُ مِنْ لِصٍّ وَمِنْكِ وَمِنْهُمُ
٥٦٩فَهَلْ لَكِ فِي حِلْفِي عَلَى مَا أُرِيدُهُ؟
فَإِنِّي بِأَسْبَابِ الْمَعِيشَةِ أَعْلَمُ
٥٧٠إِذَنْ لَأَتَاكِ الخَيْرُ مِنْ كُلِّ وِجْهَةٍ
وَأَثْرَيْتِ مِمَّا تَغْنَمِينَ وَأَغْنَمُ
٥٧١وقال في لعبة كانت تدور فسقطت عند بدر بن عمار:
مَا نَقَلَتْ فِي مَشِيئَةٍ قَدَمَا
وَلَا اشْتَكَتْ مِنْ دُوَارِهَا أَلَمَا
٥٧٢لَمْ أَرَ شَخْصًا مِنْ قَبْلِ رُؤْيَتِهَا
يَفْعَلُ أَفْعَالَهَا وَمَا عَزَمَا
فَلَا تَلُمْهَا عَلَى تَوَاقُعِهَا
أَطْرَبَهَا أَنْ رَأَتْكَ مُبْتَسِمَا
٥٧٣وخرج أبو الطيب إلى جبل حرس، فنزل بأبي الحسين علي بن أحد المري الخراساني، وكان بينهما مودة بطبرية، فقال يمدحه:
لَا افْتِخَارٌ إِلَّا لِمَنْ لَا يُضَامُ
مُدْرِكٍ أَوْ مُحَارِبٍ لَا يَنَامُ
٥٧٤لَيْسَ عَزْمًا مَا مَرَّضَ المَرْءُ فِيهِ
لَيْسَ هَمًّا مَا عَاقَ عَنْهُ الظَّلَامُ
٥٧٥وَاحْتِمَالُ الْأَذَى وَرُؤْيَةُ جَانِيـ
ـهِ غِذَاءٌ تَضْوَى بِهِ الْأَجْسَامُ
٥٧٦ذَلَّ مَنْ يَغْبِطُ الذَّلِيلَ بِعَيْشٍ
رُبَّ عَيْشٍ أَخَفُّ مِنْهُ الْحِمَامُ
٥٧٧كُلُّ حِلْمٍ أَتَى بِغَيْرِ اقْتِدَارٍ
حُجَّةٌ لَاجِئٌ إِلَيْهَا اللِّئَامُ
٥٧٨مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الْهَوَانُ عَلَيْهِ
مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلَامُ
٥٧٩ضَاقَ ذَرْعًا بِأَنْ أَضِيقَ بِهِ ذَرْ
عًا زَمَانِي وَاسْتَكْرَمَتْنِي الْكِرَامُ
٥٨٠وَاقِفًا تَحْتَ أَخْمَصَيْ قَدْرِ نَفْسِي
وَاقِفًا تَحْتَ أَخْمَصَيَّ الْأَنَامُ
٥٨١أَقَرَارًا أَلَذُّ فَوْقَ شَرَارٍ
وَمَرَامًا أَبْغِي وَظُلْمِي يُرَامُ؟!
دُونَ أَنْ يَشْرَقَ الْحِجَازُ وَنَجْدٌ
وَالْعِرْاقَانِ بِالْقَنَا وَالشَّآمُ
شَرَقَ الْجَوِّ بِالْغُبَارِ إِذَا سَا
رَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْقَمْقَامُ
٥٨٢الْأَدِيبُ الْمُهَذَّبُ الْأَصْيَدُ الضَّرْ
بُ الذَّكِيُّ الْجَعْدُ السَّرِيُّ الْهُمَامُ
٥٨٣وَالَّذِي رَيْبُ دَهْرِهِ مِنْ أُسَارَا
هُ وَمِنْ حَاسِدِي يَدَيْهِ الْغَمَامُ
٥٨٤يَتَدَاوَى مِنْ كَثْرَةِ المَالِ بِالْإِقـْ
ـلَالِ جُودًا كَأَنَّ مَالًا سَقَامُ
٥٨٥حَسَنٌ فِي عُيُونِ أَعْدَائِهِ أَقـْ
ـبَحُ مِنْ ضَيْفِهِ رَأَتْهُ السَّوَامُ
٥٨٦لَوْ حَمَى سَيِّدًا مِنَ الْمَوْتِ حَامٍ
لَحَمَاكَ الْإِجْلَالُ وَالْإِعْظَامُ
٥٨٧وَعَوَارٍ لَوَامِعٌ دِينُهَا الْحِلـْ
ـلُ وَلَكِنَّ زِيَّهَا الْإِحْرَامُ
٥٨٨كُتِبَتْ فِي صَحَائِفِ الْمَجْدِ: بِسْمٌ
ثُمَّ قَيْسٌ وَبَعْدَ قَيْسِ السَّلَامُ
٥٨٩إِنَّمَا مُرَّةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ سَعْدٍ
لَجَمَرَاتٌ لَا تَشْتَهِيهَا النَّعَامُ
٥٩٠لَيْلُهَا صُبْحُهَا مِنَ النَّارِ وَالْإِصـْ
ـبَاحُ لَيْلٌ مِنَ الدُّخَانِ تِمَامُ
٥٩١هِمَمٌ بَلَّغَتْكُمُ رُتَبَاتٍ
قَصُرَتْ عَنْ بُلُوغِهَا الْأَوْهَامُ
وَنُفُوسٌ إِذَا انْبَرَتْ لِقِتَالٍ
نَفِدَتْ قَبْلَ يَنْفَدُ الْإِقْدَامُ
٥٩٢وَقُلُوبٌ مُوَطَّنَاتٌ عَلَى الرَّوْ
عِ كَأَنَّ اقْتِحَامَهَا اسْتِسْلَامُ
٥٩٣قَائِدُو كُلِّ شَطْبَةٍ وَحِصَانٍ
قَدْ بَراهَا الْإِسْرَاجُ وَالْإِلْجَامُ
٥٩٤يَتَعَثَّرْنَ بِالرُّءُوسِ كَمَا مَرْ
رَ بِتَاءَاتِ نُطْقِهِ التَّمْتَامُ
٥٩٥طَالَ غِشْيَانُكَ الكَرَائِهَ حَتَّى
قَالَ فِيكَ الَّذِي أَقُولُ الْحُسَامُ
٥٩٦وَكَفَتْكَ الصَّفَائِحُ النَّاسَ حَتَّى
قَدْ كَفَتْكَ الصَّفَائِحَ الْأَقْلَامُ
٥٩٧وَكَفَتْكَ التَّجَارِبُ الْفِكْرَ حَتَّى
قَدْ كَفَاكَ التَّجَارِبَ الْإِلْهَامُ
٥٩٨فَارِسٌ يَشْتَرِي بِرَازَكَ لِلْفَخـْ
ـرِ بِقَتْلٍ مُعَجَّلٍ لَا يُلَامُ
٥٩٩نَائِلٌ مِنْكَ نَظْرَةً سَاقَهُ الْفَقـْ
ـرُ عَلَيْهِ لِفَقْرِهِ إِنْعَامُ
٦٠٠خَيْرُ أَعْضَائِنَا الرُّءُوسُ وَلَكِنْ
فَضَلَتْهَا بِقَصْدِكَ الْأَقْدَامُ
٦٠١قَدْ لَعَمْرِي أَقْصَرْتُ عَنْكَ وَلِلْوَفـْ
ـدِ ازْدِحَامٌ وَلِلْعَطَايَا ازْدِحَامُ
٦٠٢خِفْتُ إِنْ صِرْتُ فِي يَمِينِكَ أَنْ تَأْ
خُذَنِي في هِبَاتِكَ الْأَقْوَامُ
٦٠٣وَمِنَ الرُّشْدِ لَمْ أَزُرْكَ عَلَى الْقُرْ
بِ، عَلَى الْبُعْدِ يُعْرَفُ الْإِلْمَامُ
٦٠٤وَمِنَ الْخَيْرِ بُطْءُ سَيْبِكَ عَنِّي
أَسْرَعُ السُّحْبِ فِي الْمَسِيرِ الْجَهَامُ
٦٠٥قُلْ فَكَمْ مِنْ جَوَاهِرٍ بِنِظَامٍ
وُدُّهَا أَنَّهَا بِفِيكَ كَلَامُ!
٦٠٦هَابَكَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فَلَوْ تَنـْ
ـهَاهُمَا لَمْ تَجُزْ بِكَ الْأَيَّامُ
٦٠٧حَسْبُكَ اللهُ مَا تَضِلُّ عَنِ الْحَقـْ
ـقِ وَمَا يَهْتَدِي إِلَيْكَ أَثَامُ
٦٠٨لِمَ لَا تَحْذَرُ الْعَوَاقِبَ فِي غَيـْ
ـرِ الدَّنَايَا أَمَا عَلَيْكَ حَرَامُ؟!
٦٠٩كَمْ حَبِيبٍ لَا عُذْرَ فِي اللَّوْمِ فِيهِ
لَكَ فِيهِ مِنَ التُّقَى لُوَّامُ!
٦١٠رَفَعَتْ قَدْرَكَ النَّزَاهَةُ عَنْهُ
وَثَنَتْ قَلْبَكَ المَسَاعِي الْجِسَامُ
٦١١إِنَّ بَعْضًا مِنَ الْقَرِيضِ هُذَاءٌ
لَيْسَ شَيْئًا وَبَعْضَهُ أَحْكَامُ
٦١٢مِنْهُ مَا يَجْلُبُ الْبَرَاعَةُ والفَضـْ
ـلُ ومِنْهُ مَا يَجْلُبُ الْبِرْسَامُ
٦١٣وورد على أبي الطيب كتاب من جدته لأمه تشكو شوقها إليه وطول غيبته عنها، فتوجه نحو العراق، ولم يمكنه وصول الكوفة على حالته تلك، فانحدر إلى بغداد، وكانت جدته قد يئست منه، فكتب إليها كتابًا يسألها المسيرَ إليه، فقبَّلت كتابه، وحُمَّت لوقتها سرورًا به، وغلب الفرح على قبلها فقتلها، فقال يرثيها:
أَلَا لَا أُرِي الْأَحْدَاثَ حَمْدًا وَلَا ذَمًّا
فَمَا بَطْشُها جَهْلًا وَلَا كَفُّهَا حِلْمَا
٦١٤إِلَى مِثْلِ مَا كَانَ الفَتَى مَرْجِعُ الْفَتَى
يَعُودُ كَمَا أُبْدِي وَيُكْرِي كَمَا أَرْمَى
٦١٥لَكِ اللهُ مِنْ مَفْجُوعَةٍ بِحَبِيبِهَا
قَتِيلَةِ شَوْقٍ غَيْرِ مُلْحِقِهَا وَصْمَا
٦١٦أَحِنُّ إِلَى الْكَأْسِ الَّتِي شَرِبَتْ بِهَا
وَأَهْوَى لِمَثْوَاهَا التُّرَابَ وَمَا ضَمَّا
٦١٧بَكَيْتُ عَلَيْهَا خِيفَةً فِي حَيَاتِهَا
وَذَاقَ كِلَانَا ثُكْلَ صَاحِبِهِ قِدْمَا
٦١٨وَلَوْ قَتَلَ الْهَجْرُ الْمُحِبِّينَ كُلَّهُمْ
مَضَى بَلَدٌ بَاقٍ أَجَدَّتْ لَهُ صَرْمَا
٦١٩عَرَفْتُ اللَّيَالِي قَبْلَ مَا صَنَعَتْ بِنَا
فَلَمَّا دَهَتْنِي لَمْ تَزِدْنِي بِهَا عِلْمَا
٦٢٠مَنَافِعُهَا مَا ضَرَّ فِي نَفْعِ غَيْرِهَا
تَغَذَّى وَتَرْوَى أَنْ تَجُوعَ وَأَنْ تَظْمَا
٦٢١أَتَاهَا كِتَابِي بَعْدَ يَأْسٍ وَتَرْحَةٍ
فَمَاتَتْ سُرُورًا بي فَمُتُّ بِهَا غَمَّا
٦٢٢حَرَامٌ عَلَى قَلْبِي السُّرُورُ فَإِنَّنِي
أَعُدُّ الَّذِي مَاتَتْ بِهِ بَعْدَهَا سُمَّا
٦٢٣تَعَجَّبُ مِنْ خَطِّي وَلَفْظِي كَأَنَّهَا
تَرَى بِحُرُوفِ السَّطْرِ أَغْرِبَةً عُصْمَا
٦٢٤وَتَلْثَمُهُ حَتَّى أَصَارَ مِدَادُهُ
مَحَاجِرَ عَيْنَيْهَا وَأَنْيَابَهَا سُحْمَا
٦٢٥رَقَا دَمْعُهَا الْجَارِي وَجَفَّتْ جُفُونُهَا
وَفَارَقَ حُبِّي قَلْبَهَا بَعْدَ مَا أَدْمَى
٦٢٦وَلَمْ يُسْلِهَا إِلَّا المَنَايَا وَإِنَّمَا
أَشَدُّ مِنَ السُّقْمِ الَّذِي أَذْهَبَ السُّقْمَا
٦٢٧طَلَبْتُ لَهَا حَظًّا فَفَاتَتْ وَفَاتَنِي
وَقَدْ رَضِيَتْ بِي لَوْ رَضِيتُ بِهَا قِسْمَا
٦٢٨فَأَصْبَحْتُ أَسْتَسْقِي الْغَمَامَ لِقَبْرِهَا
وَقَدْ كُنْتُ أَسْتَسْقِي الْوَغَى وَالْقَنَا الصُّمَّا
٦٢٩وَكُنْتُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ أَسْتَعْظِمُ النَّوَى
فَقَدْ صَارَتِ الصُّغْرَى الَّتي كَانَتِ الْعُظْمَى
٦٣٠هَبِينِي أَخَذْتُ الثَّأْرَ فِيكِ مِنَ الْعِدَا
فَكَيْفَ بِأَخْذِ الثَّأْرِ فِيكِ مِنَ الْحُمَّى؟!
٦٣١وَمَا انْسَدَّتِ الدُّنْيَا عَلَيَّ لِضِيقِهَا
وَلَكِنَّ طَرْفًا لَا أَرَاكِ بِهِ أَعْمَى
٦٣٢فَوَا أَسَفَا أنْ لَا أُكِبَّ مُقَبِّلًا
لِرَأْسِكِ وَالصَّدْرِ اللَّذَيْ مُلِئَا حَزْمَا
٦٣٣وَأَنْ لَا أُلَاقِي رُوحَكِ الطَّيِّبَ الَّذِي
كَأَنَّ ذَكِيَّ المِسْكِ كَانَ لَهُ جِسْمَا
٦٣٤وَلَوْ لَمْ تَكُونِي بِنْتَ أَكْرَمِ وَالِدٍ
لَكَانَ أَبَاكِ الضَّخْمَ كَوْنُكِ لِي أُمَّا
٦٣٥لَئِنْ لَذَّ يَوْمُ الشَّامِتِينَ بِيَوْمِهَا
فَقَدْ وَلَدَتْ مِنِّي لِأَنْفِهِمِ رَغْمَا
٦٣٦تَغَرَّبَ لَا مُسْتَعْظِمًا غَيْرَ نَفْسِهِ
وَلَا قَابِلًا إِلَّا لِخَالِقِهِ حُكْمَا
٦٣٧وَلَا سَالِكًا إِلَّا فُؤَادَ عَجَاجَةٍ
وَلَا وَاجِدًا إِلَّا لِمَكْرُمَةٍ طَعْمَا
٦٣٨يَقُولُونَ لِي: مَا أَنْتَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ؟
وَمَا تَبْتَغِي؟ مَا أَبْتَغِي جَلَّ أَنْ يُسْمَى
٦٣٩كَأَنَّ بَنِيهِمْ عَالِمُونَ بِأَنَّنِي
جَلُوبٌ إِلَيْهِمْ مِنْ مَعَادِنِهِ الْيُتْمَا
٦٤٠وَمَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالنَّارِ فِي يَدِي
بِأَصْعَبَ مِنْ أَنْ أَجْمَعَ الْجَدَّ وَالْفَهْمَا
٦٤١وَلَكِنَّنِي مُسْتَنْصِرٌ بِذُبَابِهِ
وَمُرْتَكِبٌ فِي كُلِّ حَالٍ بِهِ الْغَشْمَا
٦٤٢وَجَاعِلُهُ يَوْمَ اللِّقَاءِ تَحِيَّتِي
وَإِلَّا فَلَسْتُ السَّيِّدَ الْبَطَلَ القَرْمَا
٦٤٣إِذَا فَلَّ عَزْمِي عَنْ مَدًى خَوْفُ بُعْدِهِ
فَأَبْعَدُ شَيْءٍ مُمْكِنٌ لَمْ يَجِدْ عَزْمَا
٦٤٤وَإِنِّي لَمِنْ قَوْمٍ كَأَنَّ نُفُوسَنَا
بِهَا أَنَفٌ أَنْ تَسْكُنَ اللَّحْمَ وَالْعَظْمَا
٦٤٥كَذَا أَنَا يَا دُنْيَا إِذَا شِئْتِ فَاذْهَبِي
وَيَا نَفْسُ زِيدِي فِي كَرَائِهِهَا قُدْمَا
٦٤٦فَلَا عَبَرَتْ بِي سَاعَةٌ لَا تُعِزُّنِي
وَلَا صَحِبَتْني مُهْجَةٌ تَقْبَلُ الظُّلْمَا
٦٤٧وقال يمدح الأمير أبا محمد الحسن بن عبيد الله بن طغج بالرملة، وكان أبو محمد قد كثرت مراسلته إلى أبي الطيب من الرملة، فسار إليه، فلما دخل الرملة أكرمه أبو محمد فمدحه بهذه القصيدة:
أَنَا لَائِمي إِنْ كُنْتُ وَقْتَ اللَّوَائِمِ
عَلِمْتُ بِمَا بِي بَيْنَ تِلكَ الْمَعَالِمِ
٦٤٨وَلَكِنَّنِي مِمَّا شُدِهْتُ مُتَيَّمٌ
كَسَالٍ وَقَلْبِي بَائِحٌ مِثْلُ كَاتِمِ
٦٤٩وَقَفْنَا كَأَنَّا كُلُّ وَجْدِ قُلُوبِنَا
تَمَكَّنَ مِنْ أَذْوَادِنَا فِي الْقَوَائِمِ
٦٥٠وَدُسْنَا بِأَخْفَافِ الْمَطِيِّ تُرَابَهَا
فَلَا زِلْتُ أَسْتَشْفِي بِلَثْمِ الْمَنَاسِمِ
٦٥١دِيَارُ اللَّوَاتِي دَارُهُنَّ عَزِيزَةٌ
بِطُولِ الْقَنَا يُحْفَظْنَ لَا بِالتَّمَائِمِ
٦٥٢حِسَانُ التَّثَنِّي يَنْقُشُ الْوَشْيُ مِثْلَهُ
إِذَا مِسْنَ فِي أَجْسَامِهِنَّ النَّوَاعِمِ
٦٥٣وَيَبْسِمْنَ عَنْ دُرٍّ تَقَلَّدْنَ مِثْلَهُ
كَأَنَّ التَّرَاقِي وُشِّحَتْ بِالْمَبَاسِمِ
٦٥٤فَمَا لِي وَلِلدُّنْيَا طِلَابِي نُجُومُهَا
وَمَسْعَايَ مِنْهَا فِي شُدُوقِ الْأَرَاقِمِ؟!
٦٥٥مِنَ الْحِلْمِ أنْ تَسْتَعْمِلَ الْجَهْلَ دُونَهُ
إِذَا اتَّسَعَتْ فِي الْحِلْمِ طُرْقُ الْمَظَالِمِ
٦٥٦وَأَنْ تَرِدَ الْمَاءَ الَّذِي شَطْرُهُ دَمٌ
فَتُسْقَى إِذَا لَمْ يُسْقَ مَنْ لَمْ يُزَاحِمِ
٦٥٧وَمَنْ عَرَفَ الْأَيَّامَ مَعْرِفَتِي بِهَا
وَبِالنَّاسِ رَوَّى رُمْحَهُ غَيْرَ رَاحِمِ
فَلَيْسَ بِمَرْحُومٍ إِذَا ظَفِرُوا بِهِ
وَلَا فِي الرَّدَى الْجَارِي عَلَيْهِم بِآثِمِ
٦٥٨إِذَا صُلْتُ لَمْ أَتْرُكْ مَصَالًا لِصَائِلٍ
وَإِنْ قُلْتُ لَمْ أَتْرُكْ مَقَالًا لِعَالِمِ
٦٥٩وَإِلَّا فَخَانَتْنِي الْقَوَافِي وَعَاقَنِي
عَنْ ابْنِ عُبَيْدِ اللهِ ضُعْفُ الْعَزَائِمِ
٦٦٠عَنِ الْمُقْتَنِي بَذْلَ التَّلَادِ تِلَادَهُ
وَمُجْتَنِبِ الْبُخْلِ اجْتِنَابَ الْمَحَارِمِ
٦٦١تَمَنَّى أَعَادِيهِ مَحَلَّ عُفَاتِهِ
وَتَحْسُدُ كَفَّيْهِ ثِقَالُ الْغَمَائِمِ
٦٦٢وَلَا يَتَلَقَّى الْحَرْبَ إِلَّا بِمُهْجَةٍ
مُعَظَّمَةٍ مَذْخُورَةٍ لِلْعَظَائِمِ
٦٦٣وَذِي لَجَبٍ لَا ذُو الْجَنَاحِ أَمَامَهُ
بِنَاجٍ وَلَا الْوَحْشُ الْمُثَارُ بِسَالمِ
٦٦٤تَمُرُّ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهْيَ ضَعِيفَةٌ
تُطَالِعُهُ مِنْ بَيْنِ رِيشِ الْقَشَاعِمِ
٦٦٥إِذَا ضَوْءُهَا لَاقَى مِنَ الطَّيْرِ فُرْجَةً
تَدَوَّرَ فَوْقَ البَيْضِ مِثْلَ الدَّرَاهِمِ
٦٦٦وَيَخْفَى عَلَيْكَ الْبَرْقُ وَالرَّعْدُ فَوْقَهُ
مِنَ اللَّمْعِ فِي حَافَاتِهِ وَالْهَمَاهِمِ
٦٦٧أَرَى دُونَ مَا بَيْنَ الْفُرَاتِ وَبَرْقَةٍ
ضِرَابًا يُمَشِّي الْخَيْلَ فَوْقَ الْجَمَاجِمِ
٦٦٨وَطَعْنَ غَطَارِيفٍ كَأَنَّ أَكُفَّهُمْ
عَرَفْنَ الرُّدَيْنِيَّاتِ قَبْلَ الْمَعَاصِمِ
٦٦٩حَمَتْهُ عَلَى الْأَعْدَاءِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ
سُيُوفُ بَنِي طُغْجِ بْنِ جُفِّ الْقَمَاقِمِ
٦٧٠هُمُ الْمُحْسِنُونَ الْكَرَّ فِي حَوْمَةِ الْوَغَى
وَأَحْسَنُ مِنْهُ كَرُّهُمْ فِي الْمَكَارِمِ
٦٧١وَهُمْ يُحْسِنُونَ الْعَفْوَ عَنْ كُلِّ مُذْنِبٍ
وَيَحْتَمِلُونَ الْغُرْمَ عَنْ كُلِّ غَارِمِ
٦٧٢حَيِيُّونَ إِلَّا أَنَّهُمْ فِي نِزَالِهِمْ
أَقَلُّ حَيَاءً مِنْ شِفَارِ الصَّوَارِمِ
٦٧٣وَلَوْلَا احْتِقَارُ الْأُسْدِ شَبَّهْتُهَا بِهِمْ
وَلكِنَّهَا مَعْدُودَةٌ فِي الْبَهَائِمِ
٦٧٤سَرَى النَّوْمُ عَنِّي فِي سُرَايَ إِلَى الَّذِي
صَنَائِعُهُ تَسْرِي إِلَى كُلِّ نَائِمِ
٦٧٥إِلَى مُطْلِقِ الْأَسْرَى وَمُخْتَرِمِ الْعِدَا
وَمُشْكِي ذَوِي الشَّكْوَى وَرَغْمِ الْمُرَاغِمِ
٦٧٦كَرِيمٌ نَفَضْتُ النَّاسَ لَمَّا بَلَغْتُهُ
كَأَنَّهُمْ مَا جَفَّ مِنْ زَادِ قَادِمِ
٦٧٧وَكَادَ سُرُورِي لَا يَفِي بِنَدَامَتِي
عَلَى تَرْكِهِ فِي عُمْرِيَ المُتَقَادِمِ
٦٧٨وَفَارَقْتُ شَرَّ الْأَرْضِ أَهْلًا وَتُرْبَةً
بِهَا عَلَوِيٌّ جَدُّهُ غَيْرُ هَاشِمِ
٦٧٩بَلَى اللهُ حُسَّادَ الْأَمِيرِ بِحِلْمِهِ
وَأَجْلَسَهُ مِنْهُمْ مَكَانَ الْعَمَائِمِ
٦٨٠فَإِنَّ لَهُمْ فِي سُرْعَةِ الْمَوْتِ رَاحَةً
وَإِنَّ لَهُمْ فِي الْعَيْشِ حَزَّ الْغَلَاصِمِ
٦٨١كَأَنَّكَ مَا جَاوَدْتَ مَنْ بَانَ جُودُهُ
عَلَيْكَ وَلَا قَاتَلْتَ مَنْ لَمْ تُقَاوِمِ
٦٨٢وأقسم عليه أبو محمد أن يشرب فأخذ الكأس، وقال ارتجالًا:
حُيِّيتَ مِنْ قَسَمٍ وَأَفْدِي الْمُقْسِمَا
أَمْسى الْأَنَامُ لَهُ مُجِلًّا مُعْظِمَا
٦٨٣وَإِذَا طَلبْتُ رِضَا الْأَمِيرِ بِشُرْبِهَا
وَأَخَذْتُهَا فَلَقَدْ تَرَكْتُ الْأَحْرَمَا
٦٨٤وحدث أبو محمد عن مسيرهم في الليل لكبس بادية وأن المطر أصابهم، فقال:
غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ لَكَ الْإِقْدَامُ
فَلِمَنْ ذَا الْحَدِيثُ وَالْإعْلَامُ؟!
قَدْ عَلِمْنَا مِنْ قَبْلُ أَنَّكَ مَنْ لَمْ
يَمْنَعِ اللَّيْلُ هَمَّهُ وَالْغَمَامُ
٦٨٥وقال، وقد كبست أَنطاكيَة فقتل مهره الطخْرور والْحِجْرُ أمه:
إِذَا غَامَرْتَ فِي شَرَفٍ مَرُومِ
فَلَا تَقْنَعْ بِمَا دُونَ النُّجُومِ
٦٨٦فَطَعْمُ الْمَوْتِ فِي أَمْرٍ صَغِيرٍ
كَطَعْمِ الْمَوْتِ فِي أَمْرٍ عَظِيمِ
٦٨٧ستَبْكِي شَجْوَهَا فَرَسِي وَمُهْرِي
صَفَائِحُ دَمْعُهَا مَاءُ الْجُسُومِ
٦٨٨قَرَبْنَ النَّارَ ثُمَّ نَشَانَ فِيهَا
كَمَا نشأ الْعَذَارَى فِي النَّعِيمِ
٦٨٩وَفَارَقْنَ الصَّيَاقِلَ مُخْلَصَاتٍ
وَأَيْدِيهَا كَثِيرَاتُ الْكُلُومِ
٦٩٠يَرَى الْجُبَنَاءُ أَنَّ الْعَجْزَ عَقْلٌ
وَتِلْكَ خَدِيعَةُ الطَّبْعِ اللَّئِيمِ
٦٩١وَكُلُّ شَجَاعَةٍ فِي الْمَرْءِ تُغْنِي
وَلَا مِثْلَ الشَّجَاعَةِ فِي الْحَكِيمِ
٦٩٢وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا
وآفَتُهُ مِنَ الْفَهْمِ السَّقِيمِ!
٦٩٣وَلكِنْ تَاخُذُ الآذانُ مِنْهُ
عَلَى قَدْرِ الْقَرَائِحِ وَالْعُلُومِ
٦٩٤وسار أبو الطيب من الرملة يريد أنطاكية في سنة ست وثلاثين، فنزل بطرابلس وبها إسحاق بن إبراهيم الأعور بن كيغلغ. وكان جاهلًا، وكان يجالسه ثلاثة نفر من بني حيدرة، وكان بينه وبين أبي الطيب عداوة قديمة، فقالوا له: أتحب أن يتجاوزك ولا يمدحك؟! وجعلوا يغرونه، فراسله أن يمدحه، فاحتج عليه بيمين لحقته لا يمدح أحدًا إلى مدة، فعاقه عن طريقه ينتظر المدة، وأخذ عليه الطريق وضبطها. ومات النفر الثلاثة الذين كانوا يغرونه في مدة أربعين يومًا، فهجاه أبو الطيب، وأملاها على من يثق به. فلما ذاب الثلج خرج كأنه يسير فرسه وسار إلى دمشق، فأتبعه ابن كيغلغ خيلًا ورجلًا، فأعجزهم وظهرت القصيدة، وهي:
لِهَوَى النُّفُوسِ سَرِيرَةٌ لَا تُعْلَمُ
عَرَضًا نَظَرْتُ وَخِلْتُ أَنِّي أَسْلَمُ
٦٩٥يَا أُخْتَ مُعْتَنِقِ الْفَوَارِسِ فِي الْوَغَى
لَأَخُوكِ ثَمَّ أَرَقُّ مِنْكِ وَأَرْحَمُ
يَرْنُو إِلَيْكِ مَعَ الْعَفَافِ وَعِنْدَهُ
أَنَّ الْمَجُوسَ تُصِيبُ فِيمَا تَحْكُمُ
٦٩٦رَاعَتْكِ رَائِعَةُ البَيَاضِ بِعَارضِي
وَلَوَ انَّهَا الْأُولَى لَرَاعَ الْأَسْحَمُ
٦٩٧لَوْ كَانَ يُمْكِنُنِي سَفَرْتُ عَنِ الصِّبَا
فَالشَّيْبُ مِنْ قَبْلِ الْأَوَانِ تَلَثُّمُ
٦٩٨وَلَقَدْ رَأَيْتُ الْحَادِثَاتِ فَلَا أَرَى
يَقَقًا يُمِيتُ وَلَا سَوَادًا يَعْصِمُ
٦٩٩وَالْهَمُّ يَخْتَرِمُ الْجَسِيمَ نَحَافَةً
وَيُشِيبُ نَاصِيَةَ الصَّبِيِّ وَيُهْرِمُ
٧٠٠ذُو الْعَقْلِ يَشْقَى فِي النَّعِيمِ بِعَقْلِهِ
وَأَخُو الْجَهَالَةِ فِي الشَّقَاوَةِ يَنْعَمُ
٧٠١وَالنَّاسُ قَدْ نَبَذُوا الْحِفَاظَ فَمُطْلَقٌ
يَنْسَى الَّذِي يُولَى وَعَافٍ يَنْدَمُ
٧٠٢لَا يَخْدَعَنَّكَ مِنْ عَدُوٍّ دَمْعُهُ
وَارْحَمْ شَبَابَكَ مِنْ عَدُوٍّ تَرْحَمُ
٧٠٣لَا يَسْلَمُ الشَّرَفُ الرَّفِيعُ مِنَ الْأَذَى
حَتَّى يُرَاقَ عَلَى جَوَانِبِهِ الدَّمُ
٧٠٤يُؤْذِي الْقَلِيلُ مِنَ اللِّئَامِ بِطَبْعِهِ
مَنْ لَا يَقِلُّ كَمَا يَقِلُّ وَيَلْؤُمُ
٧٠٥الظُّلْمُ مِنْ شِيَمِ النُّفُوسِ فَإِنْ تَجِدْ
ذَا عِفَّةٍ فَلِعِلَّةٍ لَا يَظْلِمُ
٧٠٦يَحْمِي ابْنَ كَيْغَلَغَ الطَّرِيقَ وَعِرْسُهُ
مَا بَيْنَ رِجْلَيْهَا الطَّرِيقُ الْأَعْظَمُ
٧٠٧أَقِمِ المَسَالِحَ فَوْقَ شُقْرِ سُكَيْنَةٍ
إِنَّ المَنِيَّ بِحَلْقَتَيْهَا خِضرِمُ
٧٠٨وَارْفُقْ بِنَفْسِكَ إِنَّ خَلْقَكَ نَاقِصٌ
وَاسْتُرْ أَبَاكَ فَإِنَّ أَصْلَكَ مُظْلِمُ
٧٠٩وَغِنَاكٌ مَسْأَلَةٌ وَطَيْشُكَ نَفْخَةٌ
وَرِضَاكَ فَيْشَلَةٌ وَرَبُّكَ دِرْهَمُ
٧١٠وَاحْذَرْ مُنَاوَاةَ الرِّجَالِ فَإِنَّمَا
تَقْوَى عَلَى كَمَرِ الْعَبِيدِ وَتُقْدِمُ
٧١١وَمِنَ البَلِيَّةِ عَذْلُ مَنْ لَا يَرْعَوِي
عَنْ غَيِّهِ وَخِطَابُ مَنْ لَا يَفْهَمُ
٧١٢يَمْشِي بِأَرْبَعَةٍ عَلَى أَعْقَابِهِ
تَحْتَ الْعُلُوجِ وَمِنْ وَرَاءٍ يُلْجَمُ
٧١٣وَجُفُونُهُ مَا تَسْتَقِرُّ كَأَنَّهَا
مَطْرُوفَةٌ أَوْ فُتَّ فِيهَا حِصْرِمُ
٧١٤وَإِذَا أَشَارَ مُحَدِّثًا فَكَأَنَّهُ
قِرْدٌ يُقَهْقِهُ أَوْ عَجُوزٌ تَلْطِمُ
٧١٥يَقْلِي مُفَارَقَةَ الْأَكُفِّ قَذَالُهُ
حَتَّى يَكَادَ عَلَى يَدٍ يَتَعَمَّمُ
٧١٦وَتَرَاهُ أَصْغَرَ مَا تَرَاهُ نَاطِقًا
وَيَكُونُ أَكْذَبَ مَا يَكُونُ وَيُقْسِمُ
٧١٧وَالذُّلُّ يُظْهِرُ فِي الذَّلِيلِ مَوَدَّةً
وَأَوَدُّ مِنْهُ لِمَنْ يَوَدُّ الْأَرْقَمُ
٧١٨وَمِنَ الْعَدَاوَةِ مَا يَنَالُكَ نَفْعُهُ
وَمِنَ الصَّدَاقَةِ مَا يَضُرُّ وَيُؤْلِمُ
٧١٩أَرْسَلْتَ تَسْأَلُنِي الْمَدِيحَ سَفَاهَةً
صَفْرَاءُ أَضْيَقُ مِنْكَ مَاذَا أَزْعُمُ؟!
٧٢٠أَتُرَى الْقِيَادَة فِي سِوَاكَ تَكَسُّبًا
يَا ابْنَ الْأُعَيِّرِ وَهْيَ فِيكَ تَكَرُّمُ
٧٢١فَلَشَدَّ مَا جَاوَزْتَ قَدْرَكَ صَاعِدًا
وَلَشَدَّ مَا قَرُبَتْ عَلَيْكَ الْأَنْجُمُ
٧٢٢وَأَرَغْتَ مَا لِأَبِي الْعَشَائِرِ خَالِصًا
إِنَّ الثَّنَاءَ لِمَنْ يُزَارُ فيُنْعِمُ
٧٢٣وَلِمَنْ أَقَمْتَ عَلَى الْهَوَانِ بِبَابِهِ
تَدْنُو فَيُوجَأُ أَخْدَعَاكَ وَتُنْهَمُ
٧٢٤وَلِمَنْ يُهِينُ الْمَالَ وَهْوَ مُكَرَّمٌ
وَلِمَنْ يَجُرُّ الْجَيْشَ وَهْوَ عَرَمْرَمُ
٧٢٥وَلِمَنْ إِذَا الْتَقَتِ الْكُمَاةُ بِمَأَزِقٍ
فَنَصِيبُهُ مِنْهَا الكَمِيُّ المُعْلِمُ
٧٢٦وَلَرُبَّمَا أَطَرَ القَنَاةَ بِفَارِسٍ
وَثَنَى فَقَوَّمَهَا بِآخَرَ مِنْهُمُ
٧٢٧وَالْوَجْهُ أَزْهَرُ وَالْفُؤَادُ مُشَيَّعٌ
وَالرُّمْحُ أَسْمَرُ وَالْحُسَامُ مُصَمِّمُ
٧٢٨أَفْعَالُ مَنْ تَلِدُ الْكِرَامُ كَرِيمَةٌ
وَفَعَالُ مَنْ تَلِدُ الْأَعَاجِمُ أَعْجَمُ
٧٢٩واجتاز ببعلبك فخلع عليه علي بن عسكر، وسأله أن يقيم عنده، وكان يريد السفر إلى أَنطاكيَة، فقال يستأذنه:
رَوِينَا يَا ابْنَ عَسْكَرٍ الْهُمَامَا
وَلَمْ يَتْرُكْ نَدَاكَ بِنَا هُيَامَا
٧٣٠وَصَارَ أَحَبُّ مَا تُهْدِي إلَيْنَا
لِغَيْرِ قِلًى وَدَاعَكَ وَالسَّلَامَا
٧٣١وَلَمْ نَمْلَلْ تَفَقُّدَكَ الْمَوَالِي
وَلَمْ نَذْمُمْ أَيَادِيَكَ الْجِسَامَا
٧٣٢وَلَكِنَّ الْغُيُوثَ إِذَا تَوَالَتْ
بِأَرْضِ مُسَافِرٍ كَرِهَ الْمُقَامَا
٧٣٣وكان مع أبي العشائر ليلًا على الشراب، فكلما أراد النهوض وهب له شيئًا، حتى وهب له ثيابًا وجارية ومهرًا فقال:
أَعَنْ إِذْنِي تَهُبُّ الرِّيحُ رَهْوًا
وَيَسْرِي كُلَّمَا شِئْتُ الْغَمَامُ؟!
٧٣٤وَلَكِنَّ الْغَمَامَ لَهُ طِبَاعٌ
تَبَجُّسُهُ بِهَا وَكَذَا الْكِرَامُ
٧٣٥وقال يمدح كافورًا، وقد أهدى إليه مهرًا أدهم في شهر ربيع الآخر سنة ٣٤٧ﻫ:
فِرَاقٌ وَمَنْ فَارَقْتُ غَيْرُ مُذَمَّمِ
وَأَمٌّ وَمَنْ يَمَّمْتُ خَيْرُ مُيَمَّمِ
٧٣٦وَمَا مَنْزِلُ اللَّذَّاتِ عِنْدِي بِمَنْزِلٍ
إِذَا لَمْ أُبَجَّلْ عِنْدَهُ وَأُكَرَّمِ
٧٣٧سَجِيَّةُ نَفْسٍ مَا تَزَالُ مُلِيحَةً
مِنَ الضَّيْمِ مَرْمِيًّا بِهَا كُلُّ مَخْرِمِ
٧٣٨رَحَلْتُ فَكَمْ بَاكٍ بِأَجْفَانِ شَادِنٍ
عَلَيَّ وَكَمْ بَاكٍ بِأَجْفَانِ ضَيْغَمِ!
٧٣٩وَمَا رَبَّةُ القُرْطِ الْمَلِيحِ مَكَانُهُ
بِأَجْزَعَ مِنْ رَبِّ الْحُسَامِ الْمُصَمِّمِ
٧٤٠فَلَوْ كَانَ مَا بِي مِنْ حَبِيبٍ مُقَنَّعٍ
عَذَرْتُ وَلَكِنْ مِنْ حَبِيبٍ مُعَمَّمِ
٧٤١رَمَى وَاتَّقَى رَمْيِي وَمِنْ دُونِ مَا اتَّقَى
هَوًى كَاسِرٌ كَفِّي وَقَوْسِي وَأَسْهُمي
٧٤٢إِذَا سَاءَ فِعْلُ الْمَرْءِ سَاءَتْ ظُنُونُهُ
وَصَدَّقَ مَا يَعتَادُهُ مِنْ تَوَهُّمِ
٧٤٣وَعَادَى مُحِبِّيهِ بِقَوْلِ عُدَاتِهِ
وَأَصْبَحَ فِي لَيْلٍ مِنَ الشَّكِّ مُظْلِمِ
٧٤٤أُصَادِقُ نَفْسَ الْمَرْءِ مِنْ قَبْلِ جِسْمِهِ
وَأَعْرِفُهَا فِي فِعْلِهِ وَالتَّكَلُّمِ
٧٤٥وَأَحْلُمُ عَنْ خِلِّي وَأَعْلَمُ أَنَّهُ
مَتَى أَجْزِهِ حِلْمًا عَلَى الْجَهْلِ يَنْدَمِ
٧٤٦وَإِنْ بَذَلَ الْإِنْسَانُ لِي جُودَ عَابِسٍ
جَزَيْتُ بِجُودِ التَّارِكِ المُتَبَسِّمِ
٧٤٧وَأَهْوَى مِنَ الْفِتْيَانِ كُلَّ سَمَيْذَعٍ
نَجِيبٍ كَصَدْرِ السَّمْهَرِيِّ الْمُقَوَّمِ
٧٤٨خَطَتْ تَحْتَهُ الْعِيسُ الْفَلَاةَ وَخَالَطَتْ
بِهِ الْخَيْلُ كَبَّاتِ الْخَمِيسِ الْعَرَمْرَمِ
٧٤٩وَلَا عِفَّةٌ فِي سَيْفِهِ وَسِنَانِهِ
وَلَكِنَّهَا فِي الْكَفِّ وَالْفَرْجِ وَالْفَمِ
٧٥٠وَمَا كُلُّ هَاوٍ لِلْجَمِيلِ بِفَاعِلٍ
وَلَا كُلُّ فَعَّالٍ لَهُ بِمُتَمِّمِ
٧٥١فِدًى لِأَبِي الْمِسْكِ الْكِرَامُ فَإِنَّهَا
سَوَابِقُ خَيْلٍ يَهْتَدِينَ بِأدْهَمِ
٧٥٢أَغَرَّ بِمَجْدٍ قَدْ شَخَصْنَ وَرَاءَهُ
إِلَى خُلُقٍ رَحْبٍ وَخَلْقٍ مُطَهَّمِ
٧٥٣إِذَا مَنَعَتْ مِنْكَ السِّيَاسَةُ نَفْسَهَا
فَقِفْ وَقْفَةً قُدَّامَهُ تَتَعَلَّمِ
٧٥٤يَضِيقُ عَلَى مَنْ رَاءَهُ الْعُذْرُ أَنْ يُرَى
ضَعِيفَ الْمَسَاعِي أَوْ قَلِيلَ التَّكَرُّمِ
٧٥٥وَمَنْ مِثْلُ كَافُورٍ إِذَا الْخَيْلُ أَحْجَمَتْ
وَكَانَ قَلِيلًا مَنْ يَقُولُ لَهَا: اقْدُمِي
٧٥٦شَدِيدُ ثَبَاتِ الطِّرْفِ وَالنَّقْعُ وَاصِلٌ
إِلَى لَهَوَاتِ الْفَارِسِ المُتَلَثِّمِ
٧٥٧أَبَا الْمِسْكِ أَرْجُو مِنْكَ نَصْرًا عَلَى الْعِدَا
وآمُلُ عِزًّا يَخْضِبُ الْبِيضَ بِالدَّمِ
٧٥٨وَيَوْمًا يَغِيظُ الْحاسِدِينَ وَحَالَةً
أُقِيمُ الشَّقَا فِيهَا مَقَامَ التَّنَعُّمِ
٧٥٩وَلَمْ أَرْجُ إِلَّا أَهْلَ ذَاكَ وَمَنْ يُرِدْ
مَوَاطِرَ مِنْ غَيْرِ السَّحَائِبِ يَظْلِمِ
٧٦٠فَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِي مِصْرَ مَا سِرْتُ نَحْوَهَا
بِقَلْبِ الْمَشُوقِ الْمُسْتَهَامِ الْمُتَيَّمِ
٧٦١وَلَا نَبَحَتْ خَيْلِي كلَابُ قَبَائِلٍ
كَأَنَّ بِهَا فِي اللَّيلِ حَمْلَاتِ دَيْلَمِ
٧٦٢وَلَا اتَّبَعَتْ آثَارَنَا عَيْنُ قَائِفٍ
فَلَمْ تَرَ إِلَّا حَافِرًا فَوْقَ مَنْسِمِ
٧٦٣وَسَمْنَا بِهَا الْبَيْدَاءَ حَتَّى تَغَمَّرَتْ
مِنَ النِّيلِ وَاسْتَذْرَتْ بِظِلِّ الْمُقَطَّمِ
٧٦٤وَأَبْلَخَ يَعْصِي بِاخْتِصَاصِي مُشِيرَهُ
عَصَيْتُ بِقَصْدِيهِ مُشِيرِي وَلُوَّمِي
٧٦٥فَسَاقَ إِلَيَّ الْعُرْفَ غَيْرَ مُكَدَّرٍ
وَسُقْتُ إِلَيْهِ الشُّكْرَ غَيْرَ مُجَمْجَمِ
٧٦٦قَدِ اخْتَرْتُكَ الْأَمْلَاكَ فاخْتَرْ لَهُمْ بِنَا
حَدِيثًا وَقَدْ حَكَّمْتُ رَأْيَكَ فَاحْكُمِ
٧٦٧فَأَحْسَنُ وَجْهٍ فِي الْوَرَى وَجْهُ مُحْسِنٍ
وَأَيْمَنُ كَفٍّ فِيهِمِ كَفُّ مُنْعِمِ
٧٦٨وَأَشرَفُهُمْ مَنْ كَانَ أَشْرَفَ هِمَّةً
وَأَكْبَرَ إِقْدَامًا عَلَى كُلِّ مُعْظَمِ
٧٦٩لِمَنْ تَطْلُبُ الدُّنْيَا إِذَا لَمْ تُرِدْ بِهَا
سُرُورَ مُحِبٍّ أَوْ إِسَاءَةَ مُجْرِمِ؟!
٧٧٠وَقَدْ وَصَلَ الْمُهْرُ الَّذِي فَوْقَ فَخْذِهِ
مِنِ اسْمِكَ مَا فِي كُلِّ عُنْقٍ وَمِعْصَمِ
٧٧١لَكَ الْحَيَوَانُ الرَّاكِبُ الْخَيْلَ كُلُّهُ
وَإِنْ كَانَ بِالنِّيرَانِ غَيْرَ مُوَسَّمِ
٧٧٢وَلَوْ كُنْتُ أَدْرِي كَمْ حَيَاتِي قَسَمْتُهَا
وَصَيَّرْتُ ثُلْثَيْهَا انْتِظَارَكَ فَاعْلَمِ
٧٧٣وَلَكِنَّ مَا يَمْضِي مِنَ الْعُمْرِ فَائِتٌ
فَجُدْ لِي بِخَطِّ الْبَادِرِ الْمُتَغَنِّمِ
٧٧٤رَضِيتُ بِمَا تَرْضَى بِهِ لِي مَحَبَّةً
وَقُدْتُ إِلَيْكَ النَّفْسَ قَوْدَ الْمُسَلِّمِ
٧٧٥وَمِثْلُكَ مَنْ كَانَ الْوَسِيطَ فُؤَادُهُ
فَكَلَّمَهُ عَنِّي وَلَمْ أَتَكَلَّمِ
٧٧٦وقال يذكر حُمَّى كانت تغشاه بمصر ويعرض بالرحيل عن مصر، وذلك في ذي الحجة سنة ثمانٍ وأربعين وثلاثمائة:
مَلُومُكُمَا يَجِلُّ عَنِ المَلَامِ
وَوَقْعُ فَعَالِهِ فَوْقَ الكَلام
٧٧٧ذَرَانِي وَالْفَلَاةَ بِلَا دَلِيلٍ
وَوَجْهِي وَالْهَجِيرَ بِلَا لِثَامِ
٧٧٨فَإِنِّي أَسْتَرِيحُ بِذِي وَهَذَا
وَأَتْعَبُ بِالْإِنَاخَةِ وَالمُقَامِ
٧٧٩عُيُونُ رَوَاحِلِي إِنْ حِرْتُ عَيْنِي
وَكُلُّ بُغَامِ رَازِحَةٍ بُغَامِي
٧٨٠فَقَدْ أَرِدُ المِيَاهَ بِغَيْرِ هَادٍ
سِوَى عَدِّي لَهَا بَرْقَ الْغَمَامِ
٧٨١يُذِمُّ لِمُهْجَتِي رَبِّي وَسَيْفِي
إِذَا احْتَاجَ الوَحِيدُ إِلَى الذِّمَامِ
٧٨٢وَلَا أُمْسِي لِأَهْلِ الْبُخْلِ ضَيْفًا
وَلَيْسَ قِرًى سِوَى مُخِّ النَّعَامِ
٧٨٣فَلَمَّا صَارَ وُدُّ النَّاسِ خِبًّا
جَزَيْتُ عَلَى ابْتِسَامٍ بابْتِسَامِ
٧٨٤وَصِرْتُ أَشُكُّ فِيمَنْ أَصْطَفِيهِ
لِعِلْمِي أَنَّهُ بَعْضُ الْأَنَامِ
٧٨٥يُحِبُّ الْعَاقِلُونَ عَلَى التَّصَافِي
وَحُبُّ الْجَاهِلِينَ عَلَى الْوَسَامِ
٧٨٦وَآنَفُ مِنْ أَخِي لِأَبِي وَأُمِّي
إِذَا مَا لَمْ أَجِدْهُ مِنَ الكِرَامِ
٧٨٧أَرَى الْأَجْدَادَ تَغْلِبُهَا كَثِيرًا
عَلَى الْأَوْلَادِ أَخْلَاقُ اللِّئَامِ
٧٨٨وَلَسْتُ بِقَانِعٍ مِنْ كُلِّ فَضْلٍ
بِأَنْ أُعْزَى إِلَى جَدٍّ هُمَامِ
٧٨٩عَجِبْتُ لِمَنْ لَهُ قَدٌّ وَحَدٌّ
وَيَنْبُو نَبْوَةَ الْقَضِمِ الكَهَامِ
٧٩٠وَمَنْ يَجِدُ الطَّرِيقَ إِلَى الْمَعَالِي
فَلَا يَذَرُ الْمَطِيَّ بِلَا سَنَامِ
٧٩١وَلَمْ أرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ شَيْئًا
كَنَقْصِ الْقَادِرِينَ عَلَى التَّمَامِ
٧٩٢أَقَمْتُ بِأَرْضِ مِصْرَ فَلَا وَرَائِي
تَخُبُّ بِيَ الْمَطِيُّ وَلَا أَمَامِي
٧٩٣وَمَلَّنِيَ الْفِرَاشُ وَكَانَ جَنْبِي
يَمَلُّ لِقَاءَهُ فِي كُلِّ عَامِ
٧٩٤قَلِيلٌ عَائِدِي سَقِمٌ فُؤَادِي
كَثِيرٌ حَاسِدِي صَعْبٌ مَرَامِي
٧٩٥عَلِيلُ الْجِسْمِ مُمْتَنِعُ الْقِيَامِ
شَدِيدُ السُّكْرِ مِنْ غَيرِ المُدَامِ
٧٩٦وَزَائِرَتِي كَأَنَّ بِهَا حَيَاءً
فَلَيْسَ تَزُورُ إِلَّا فِي الظَّلِامِ
٧٩٧بَذَلْتُ لَهَا الْمَطَارِفَ وَالْحَشَايَا
فَعَافَتْهَا وَبَاتَتْ فِي عِظَامِي
٧٩٨يَضِيقُ الْجِلْدُ عَنْ نَفَسِي وَعَنْهَا
فَتُوسِعُهُ بِأَنْوَاعِ السِّقَامِ
٧٩٩إِذَا مَا فَارَقَتْنِي غَسَّلَتْنِي
كَأَنَّا عَاكِفَانِ عَلَى حَرَامِ
٨٠٠كَأَنَّ الصُّبْحَ يَطْرُدُهَا فتَجْرِي
مَدَامِعُهَا بِأَرْبَعَةٍ سِجَامِ
٨٠١أُرَاقِبُ وَقْتَهَا مِنْ غَيْرِ شَوْقٍ
مُرَاقَبَةَ الْمَشُوقِ الْمُسْتَهَامِ
٨٠٢وَيَصْدُقُ وَعْدُهَا وَالصِّدْقُ شَرٌّ
إِذَا أَلْقَاكَ فِي الْكُرَبِ الْعِظَامِ
٨٠٣أَبِنْتَ الدَّهْرِ عِنْدِي كُلُّ بِنْتٍ
فَكَيْفَ وَصَلْتِ أَنْتِ مِنَ الزِّحَامِ؟!
٨٠٤جَرَحْتِ مُجَرَّحًا لَمْ يَبْقَ فِيهِ
مَكَانٌ لِلسُّيُوفِ وَلَا السِّهَامِ
٨٠٥أَلَا يَا لَيْتَ شِعْرَ يَدِي أتُمْسِي
تَصَرَّفُ فِي عِنَانٍ أوْ زِمَامِ؟
٨٠٦وَهَلْ أَرْمِي هَوَايَ بِرَاقِصَاتٍ
مُحَلَّاةِ الْمَقَاوِدِ باللُّغَامِ؟
٨٠٧فَرُبَّتَمَا شَفَيْتُ غَلِيلَ صَدْري
بِسَيْرٍ أَوْ قَنَاةٍ أَوْ حُسَامِ
٨٠٨وَضَاقَتْ خُطَّةٌ فَخَلَصْتُ مِنْهَا
خَلَاصَ الْخَمْرِ مِنْ نَسْجِ الْفِدَامِ
٨٠٩وَفَارَقْتُ الْحَبِيبَ بِلَا وَدَاعٍ
وَوَدَّعْتُ الْبِلَادَ بِلَا سَلَامِ
٨١٠يَقُولُ لِيَ الطَّبِيبُ: أَكَلْتَ شَيْئًا
وَدَاؤُكَ فِي شَرَابِكَ وَالطَّعَامِ
وَمَا فِي طِبِّهِ أَنِّي جَوَادٌ
أَضَرَّ بِجِسْمِهِ طُولُ الجِمَامِ
٨١١تَعَوَّدَ أَنْ يُغَبِّرَ فِي السَّرَايَا
وَيَدْخُلَ مِنْ قَتَامٍ فِي قَتَامِ
٨١٢فَأُمْسِكَ لَا يُطَالُ لَهُ فيَرْعَى
وَلَا هُوَ فِي العَلِيقِ وَلَا اللِّجَامِ
٨١٣فَإِنْ أَمْرَضْ فَمَا مَرِضَ اصْطِبَارِي
وَإِنْ أُحْمَمْ فَمَا حُمَّ اعْتِزَامِي
٨١٤وَإِنْ أَسْلَمْ فَمَا أَبْقَى وَلَكِنْ
سَلِمْتُ مِنَ الْحِمَامِ إِلَى الْحِمَامِ
٨١٥تَمَتَّعْ مِنْ سُهَادٍ أَوْ رُقَادٍ
وَلَا تَأْمُلْ كَرًى تَحْتَ الرِّجَامِ
٨١٦فَإِنَّ لِثَالِثِ الْحَالَيْنِ مَعْنًى
سِوَى مَعْنَى انْتِبَاهِكَ وَالْمَنَامِ
٨١٧وقال يهجو كافورًا:
مِنْ أَيَّةِ الطُّرْقِ يَأْتِي نَحْوَكَ الْكَرَمُ
أَيْنَ الْمَحَاجِمُ يَا كَافُورُ وَالْجَلَمُ؟
٨١٨جَازَ الْأُلَى مَلَكَتْ كَفَّاكَ قَدْرَهُمُ
فَعُرِّفُوا بِكَ أَنَّ الْكَلْبَ فَوْقَهُمْ
٨١٩لَا شَيْءَ أَقْبَحُ مِنْ فَحْلٍ لَهُ ذَكَرٌ
تَقُودُه أَمَةٌ لَيْسَتْ لَهَا رَحِمُ
٨٢٠سَادَاتُ كُلِّ أُنَاسٍ مِنْ نُفُوسِهِمِ
وَسَادَةُ الْمُسْلِمِينَ الْأَعْبُدُ الْقَزَمُ
٨٢١أَغَايَةُ الدِّينِ أَنْ تُحْفُوا شَوَارِبَكُمْ
يَا أُمَّةً ضَحِكَتْ مِنْ جَهْلِهَا الْأُمَمُ
٨٢٢أَلَا فَتًى يُورِدُ الْهِنْدِيَّ هَامَتَهُ
كَيْمَا تَزُولَ شُكُوكُ النَّاسِ وَالتُّهَمُ
٨٢٣فَإِنَّهُ حُجَّةٌ يُؤْذِي القُلُوبَ بِهَا
مَنْ دِينُهُ الدَّهْرُ وَالتَّعْطِيلُ وَالْقِدَمُ
٨٢٤مَا أَقْدَرَ اللهَ أَنْ يُخْزِي خَلِيقَتَهُ
وَلَا يُصَدِّقَ قَوْمًا فِي الَّذِي زَعَمُوا
٨٢٥وقال يهجوه أيضًا:
أَمَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا كَرِيمُ
تَزُولُ بِهِ عَنِ الْقَلْبِ الْهُمُومُ؟
٨٢٦أَمَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مَكَانٌ
يُسَرُّ بِأَهْلِهِ الْجَارُ الْمُقيمُ؟
٨٢٧تَشَابَهَتِ الْبَهَائِمُ وَالْعِبِدَّى
عَلَيْنَا وَالْمَوَالِي وَالصَّمِيمُ
٨٢٨وَمَا أَدْرِي أَذَا دَاءٌ حَدِيثٌ
أَصَابَ النَّاسَ أمْ دَاءٌ قَدِيمُ؟
٨٢٩حَصَلْتُ بِأَرْضِ مِصْرَ عَلَى عَبِيدٍ
كَأَنَّ الحُرَّ بَيْنَهُمُ يَتِيمُ
٨٣٠كَأَنَّ الْأَسْوَدَ اللَّابِيَّ فِيهِمْ
غُرَابٌ حَوْلَهُ رَخَمٌ وَبُومُ
٨٣١أُخِذْتُ بِمَدْحِهِ فَرَأَيْتُ لَهْوًا
مَقَالِي لِلْأُحَيْمِقِ يَا حَلِيمُ
٨٣٢وَلَمَّا أَنْ هَجَوْتُ رَأَيْتُ عِيًّا
مَقَالِي لِابْنِ آوَى يَا لَئِيمُ
٨٣٣فَهَلْ مِنْ عَاذِرٍ فِي ذَا وَفِي ذَا
فَمَدْفُوعٌ إلَى السَّقَمِ السَّقِيمُ؟
٨٣٤إِذَا أَتَتِ الْإِسَاءَةُ مِنْ لَئِيمٍ
وَلَمْ أَلُمِ الْمُسِيءَ فَمَنْ أَلُومُ؟!
٨٣٥ودخل عليه صديق له بالكوفة وبيده تفاحة ندٍّ عليها اسم فاتك، وكانت مما أهداه له، فاستحسنها الرجل، فقال المتنبي:
يُذَكِّرُنِي فَاتِكًا حِلْمُهُ
وَشَيْءٌ مِنَ النَّدِّ فِيهِ اسْمُهُ
٨٣٦وَلَسْتُ بِنَاسٍ وَلَكِنَّنِي
يُجَدِّدُ لِي رِيحَهُ شَمُّهُ
٨٣٧وَأَيَّ فَتًى سَلَبَتْنِي الْمَنُونُ
وَلَمْ تَدْرِ مَا وَلَدَتْ أُمُّهُ!
٨٣٨وَلَا مَا تَضُمُّ إِلَى صَدْرِهَا
وَلَوْ عَلِمَتْ هَالَهَا ضَمُّهُ
٨٣٩بِمِصْرَ مُلُوكٌ لَهُمْ مَا لَهُ
وَلَكِنَّهُمْ مَا لَهُمْ هَمُّهُ
٨٤٠فَأَجْوَدُ مِنْ جُودِهِمْ بُخْلُهُ
وَأَحْمَدُ مِنْ حَمْدِهِمْ ذَمُّهُ
٨٤١وَأَشْرَفُ مِنْ عَيْشِهِمْ مَوْتُهُ
وَأَنْفَعُ مِنْ وَجْدِهِمْ عُدْمُهُ
٨٤٢وَإِنَّ مَنِيَّتَهُ عِنْدَهُ
لَكَالْخَمْرِ سُقِّيَهُ كَرْمُهُ
٨٤٣فَذَاكَ الَّذِي عَبَّهُ مَاؤُهُ
وَذَاكَ الَّذِي ذَاقَهُ طَعْمُهُ
٨٤٤وَمَنْ ضَاقَتِ الْأَرْضُ عَنْ نَفسِهِ
حَرًى أَنْ يَضِيقَ بِهَا جِسْمُهُ
٨٤٥وقال يذكر مسيره من مصر ويرثي فاتكًا، وأنشأها يوم الثلاثاء لتسعٍ خلون من شعبان سنة ٣٥٢:
حَتَّامَ نَحْنُ نُسَارِي النَّجْمَ فِي الظُّلَمِ؟!
وَمَا سُرَاهُ عَلَى خُفٍّ وَلَا قَدَمِ
٨٤٦وَلَا يُحِسُّ بِأَجْفَانٍ يُحِسُّ بِهَا
فَقْدَ الرُّقَادِ غَرِيبٌ بَاتَ لَمْ يَنَمِ
٨٤٧تُسَوِّدُ الشَّمْسُ مِنَّا بِيضَ أَوْجُهِنَا
وَلَا تُسَوِّدُ بِيضَ العُذْرِ وَاللِّمَمِ
٨٤٨وَكَانَ حَالُهُمَا فِي الْحُكْمِ وَاحِدَةً
لَوِ احْتَكَمْنَا مِنَ الدُّنْيَا إِلَى حِكَمِ
٨٤٩وَنَتْرُكُ الْمَاءَ لَا يَنْفَكُّ مِنْ سَفَرٍ
مَا سَارَ في الْغَيْمِ مِنْهُ سَارَ فِي الْأَدَمِ
٨٥٠لَا أُبْغِضُ العِيسَ لَكِنِّي وَقَيْتُ بِهَا
قَلْبِي مِنَ الْحُزْنِ أَوْ جِسْمِي مِنَ السَّقَمِ
٨٥١طَرَدْتُ مِنْ مِصْرَ أَيْدِيهَا بِأَرْجُلِهَا
حَتَّى مَرَقْنَ بِنَا مِنْ جَوْشَ وَالْعَلَمِ
٨٥٢تَبْرِي لَهُنَّ نَعَامُ الدَّوِّ مُسْرَجَةً
تُعَارِضُ الْجُدُلَ المُرْخَاةَ بِاللُّجُمِ
٨٥٣فِي غِلْمَةٍ أَخْطَرُوا أَرْوَاحَهُم وَرَضُوا
بِمَا لَقِينَ رِضَا الْأَيْسَارِ بِالزَّلَمِ
٨٥٤تَبْدُو لَنَا كُلَّمَا أَلْقَوْا عَمَائِمَهُمْ
عَمَائِمٌ خُلِقَتْ سُودًا بِلَا لُثُمِ
٨٥٥بِيضُ الْعَوَارِضِ طَعَّانُونَ مَنْ لَحِقُوا
مِنَ الْفَوَارِسِ شَلَّالُونَ لِلنَّعَمِ
٨٥٦قَدْ بَلَّغُوا بِقَنَاهُمْ فَوْقَ طَاقَتِهِ
وَلَيْسَ يَبلُغُ مَا فِيهِمْ مِنَ الْهِمَمِ
٨٥٧فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا أَنَّ أَنْفُسَهُمْ
مِنْ طِيبِهِنَّ بِهِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ
٨٥٨نَاشُوا الرِّمَاحَ وَكَانَتْ غَيْرَ نَاطِقَةٍ
فَعَلَّمُوهَا صِيَاحَ الطَّيرِ فِي الْبُهَمِ
٨٥٩تَخْدِي الرِّكَابُ بِنَا بِيضًا مَشَافِرُهَا
خُضْرًا فَرَاسِنُهَا فِي الرُّغْلِ وَالْيَنَمِ
٨٦٠مَكْعُومَةً بِسِيَاطِ الْقَوْمِ نَضْرِبُهَا
عَنْ مَنْبِتِ الْعُشْبِ نَبْغِي مَنْبِتَ الْكَرَمِ
٨٦١وَأَيْنَ مَنْبِتُهُ مِنْ بَعْدِ مَنْبِتِهِ
أَبِي شُجَاعٍ قَرِيعِ الْعُرْبِ وَالْعَجَمِ؟!
٨٦٢لَا فَاتِكٌ آخَرٌ فِي مِصْرَ نَقْصِدُهُ
وَلَا لَهُ خَلَفٌ فِي النَّاسِ كُلِّهِمِ
٨٦٣مَنْ لَا تُشَابِهُهُ الْأَحْيَاءُ فِي شِيَمٍ
أَمْسَى تُشَابِهُهُ الْأَمْوَاتُ فِي الرِّمَمِ
٨٦٤عَدِمْتُهُ وَكَأَنِّي سِرْتُ أَطْلُبُهُ
فَمَا تَزِيدُنِيَ الدُّنْيَا عَلَى الْعَدَمِ
٨٦٥مَا زِلْتُ أُضْحِكُ إِبْلِي كُلَّمَا نَظَرَتْ
إِلَى مَنِ اختَضَبَتْ أَخْفَافُهَا بِدَمِ
٨٦٦أُسِيرُهَا بَيْنَ أَصْنَامٍ أُشَاهِدُهَا
وَلَا أُشَاهِدُ فِيهَا عِفَّةَ الصَّنَمِ
٨٦٧حَتَّى رَجَعْتُ وَأَقْلَامِي قَوَائِلُ لِي
أَلْمَجْدُ لِلسَّيْفِ لَيْسَ الْمَجْدُ لِلْقَلَمِ
٨٦٨اكْتُبْ بِنَا أَبَدًا بَعْدَ الْكِتَابِ بِهِ
فَإِنَّمَا نَحْنُ لِلْأَسْيَافِ كَالْخَدَمِ
٨٦٩أَسْمَعْتِنِي وَدَوَائِي مَا أَشَرْتِ بِهِ
فَإِنْ غَفَلْتُ فَدَائِي قِلَّةُ الْفَهَمِ
٨٧٠مَنِ اقْتَضَى بِسِوَى الْهِنْدِيِّ حَاجَتَهُ
أَجَابَ كُلَّ سُؤَالٍ عَنْ هَلٍ بِلَمِ
٨٧١تَوَهَّمَ الْقَوْمُ أَنَّ الْعَجْزَ قَرَّبَنَا
وَفِي التَّقَرُّبِ مَا يَدْعُو إِلَى التُّهَمِ
٨٧٢وَلَمْ تَزَلْ قِلَّةُ الْإِنْصَافِ قَاطِعَةً
بَيْنَ الرِّجَالِ وَلَوْ كَانُوا ذَوِي رَحِمِ
٨٧٣فَلَا زِيَارَةَ إِلَّا أَنْ تَزُورَهُمُ
أَيْدٍ نَشَأْنَ مَعَ المَصْقُولَةِ الْخُذُمِ
٨٧٤مِنْ كُلِّ قَاضِيَةٍ بِالْمَوْتِ شَفْرَتُهُ
مَا بَيْنَ مُنْتَقَمٍ مِنْهُ وَمُنْتَقِمِ
٨٧٥صُنَّا قَوَائِمَهَا عَنْهُمْ فَمَا وَقَعَتْ
مَوَاقِعَ اللُّؤْمِ فِي الْأَيْدِي وَلَا الكَزَمِ
٨٧٦هَوِّنْ عَلَى بَصَرٍ مَا شَقَّ مَنْظَرُهُ
فَإِنَّمَا يَقَظَاتُ الْعَيْنِ كَالْحُلُمِ
٨٧٧وَلَا تَشَكَّ إِلَى خَلْقٍ فَتُشْمِتَهُ
شَكْوَى الْجَرِيحِ إِلَى الْغِرْبَانِ وَالرَّخَمِ
٨٧٨وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ لِلنَّاسِ تَسْتُرُهُ
وَلَا يَغُرَّكَ مِنْهُمْ ثَغْرُ مُبْتَسِمِ
٨٧٩غَاضَ الْوَفَاءُ فَمَا تَلْقَاهُ فِي عِدَةٍ
وَأَعْوَزَ الصِّدْقُ فِي الْإِخْبَارِ وَالْقَسَمِ
٨٨٠سُبْحَانَ خَالِقِ نَفْسِي كَيْفَ لذَّتُهَا
فِيمَا النُّفُوسُ تَرَاهُ غَايَةَ الْأَلَمِ؟!
٨٨١الدَّهْرُ يَعْجَبُ مِنْ حَمْلِي نَوَائِبَهُ
وَصَبْرِ جِسْمِي عَلَى أَحْدَاثِهِ الْحُطُمِ
٨٨٢وَقْتٌ يَضِيعُ وَعُمْرٌ لَيْتَ مُدَّتَهُ
فِي غَيْرِ أُمَّتِهِ مِنْ سَالِفِ الْأُمَمِ
٨٨٣أَتَى الزَّمَانَ بَنُوهُ فِي شَبِيبَتِهِ
فَسَرَّهُمْ وَأَتَيْنَاهُ عَلَى الْهَرَمِ
٨٨٤وقال يمدح عضد الدولة، وقد نثر عليهم الورد، وهم قيام بين يديه حتى غرقوا فيه:
قَدْ صَدَقَ الْوَرْدُ فِي الَّذِي زَعَمَا
أَنَّكَ صَيَّرْتَ نَثْرَهُ دِيَمَا
٨٨٥كَأَنَّمَا مَائِجُ الْهَوَاءِ بِهِ
بَحْرٌ حَوَى مِثْلَ مَائِهِ عَنَمَا
٨٨٦نَاثِرُهُ نَاثِرُ السُّيُوفِ دَمًا
وَكُلَّ قَوْلٍ يَقُولُهُ حِكَمَا
٨٨٧وَالْخَيْلَ قَدْ فَصَّلَ الضِّياعَ بِهَا
وَالنِّعَمَ السَّابِغَاتِ وَالنِّقَمَا
٨٨٨فَلْيُرِنَا الْوَرْدُ إِنْ شَكَا يَدَهُ
أَحْسَنَ مِنْهُ مِنْ جُودِهِ سَلِمَا
٨٨٩وَقُلْ لَهُ: لَسْتَ خَيْرَ مَا نَثَرَتْ
وَإِنَّمَا عَوَّذَتْ بِكَ الْكَرَمَا
٨٩٠خَوْفًا مِنَ الْعَيْنِ أَنْ يُصَابَ بِهَا
أَصَابَ عَيْنًا بِهَا يُصَابُ عَمَى
٨٩١قافية النون
وعزم سيف الدولة على لقاء الروم في السنَبُوس سنة أربعين وثلاثمائة، وبلغه أن العدو في أربعين ألفًا، فتهيبتهم أصحابه، فأنشد أبو الطيب بحضرة الجيش:
تَزُورُ دِيَارًا ما نُحِبُّ لَهَا مَغْنَى
وَنَسْأَلُ فِيهَا غَيْرَ سَاكِنِهَا الْإِذْنَا
١نَقُودُ إِلَيْهَا الْآخِذَاتِ لَنَا الْمَدَى
عَلَيْهَا الْكُمَاةُ الْمُحْسِنُونَ بِهَا الظَّنَّا
٢وَنُصْفِي الَّذِي يُكْنَى أَبَا الْحَسَنِ الْهَوَى
وَنُرْضِي الَّذِي يُسْمَى الْإِلَهَ وَلَا يُكْنَى
٣وَقَدْ عَلِمَ الرُّومُ الشَّقِيُّونَ أَنَّنَا
إِذَا مَا تَرَكْنَا أَرْضَهُمْ خَلْفَنَا عُدْنَا
٤وَأَنَّا إِذَا مَا الْمَوْتُ صَرَّحَ فِي الْوَغَى
لَبِسْنَا إِلَى حَاجَاتِنَا الضَّرْبَ وَالطَّعْنَا
٥قَصَدْنَا لَهُ قَصْدَ الْحَبِيبِ لِقَاؤُهُ
إِلَيْنَا وَقُلْنَا لِلسُّيُوفِ: هَلُمِّنَّا
٦وَخَيْلٍ حَشَوْنَاهَا الْأَسِنَّةَ بَعْدَمَا
تَكَدَّسْنَ مِنْ هَنَّا عَلَيْنَا وَمِنْ هَنَّا
٧ضُرِبْنَ إِلَيْنَا بِالسِّيَاطِ جَهَالَةً
فَلَمَّا تَعَارَفْنَا ضُرِبْنَ بِهَا عَنَّا
٨تَعَدَّ الْقُرَى وَالْمُسْ بِنَا الْجَيشَ لَمْسَةً
نُبَارِ إِلَى مَا تَشْتَهِي يَدُكَ الْيُمْنَى
٩فَقَدْ بَرَدَتْ فَوْقَ اللُّقَانِ دِمَاؤُهُمْ
وَنَحْنُ أُنَاسٌ نُتْبِعُ البَارِدَ السُّخْنَا
١٠وَإِنْ كُنتَ سَيْفَ الدَّوْلَةِ الْعَضْبَ فِيهِمِ
فَدَعْنَا نَكُنْ قَبْلَ الضِّرَابِ الْقَنَا اللُّدْنَا
١١فَنَحْنُ الْأُلَى لَا نَأْتَلِي لَكَ نُصْرَةً
وَأَنْتَ الَّذِي لَوْ أَنَّهُ وَحْدَهُ أَغْنى
١٢يَقِيكَ الرَّدَى مَنْ يَبْتَغِي عِنْدَكَ الْعُلَا
وَمَنْ قَالَ: لَا أَرْضَى مِنَ الْعَيْشِ بِالْأدْنَى
١٣فَلَوْلَاكَ لَمْ تَجْرِ الدِّمَاءُ وَلَا اللُّهَا
وَلَمْ يَكُ لِلدُّنْيَا وَلَا أَهْلِهَا مَعْنَى
١٤وَمَا الْخَوْفُ إِلَّا مَا تَخَوَّفَهُ الْفَتَى
وَمَا الْأَمْنُ إِلَّا مَا رَآهُ الْفَتَى أَمْنَا
١٥وقال يمدحه وقد أهدى له ثياب ديباج ورمحًا وفرسًا معها مهرها، وكان المهر أحسن:
ثِيَابُ كَرِيمٍ مَا يَصُونُ حِسَانَهَا
إِذَا نُشِرَتْ كَانَ الْهِبَاتُ صِوَانَهَا
١٦تُرِينَا صَنَاعُ الرُّومِ فِيهَا مُلُوكَهَا
وَتَجْلُو عَلَيْنَا نَفْسَهَا وَقِيَانَهَا
١٧وَلَمْ يَكْفِهَا تَصْوِيرُهَا الْخَيْلَ وَحْدَهَا
فَصَوَّرَتِ الْأَشْيَاءَ إِلَّا زَمَانَهَا
١٨وَمَا ادَّخَرَتْهَا قُدْرَةً في مُصَوِّرٍ
سِوَى أَنَّهَا مَا أَنْطَقَتْ حَيَوَانَهَا
١٩وَسَمْرَاءُ يَسْتَغْوِي الْفَوَارِسَ قَدُّهَا
وَيُذْكِرُهَا كَرَّاتِهَا وَطِعَانَهَا
٢٠رُدَيْنِيَّةٌ تَمَّتْ وَكَادَ نَبَاتُهَا
يُرَكِّبُ فِيهَا زُجَّهَا وَسِنَانَهَا
٢١وَأُمُّ عَتِيقٍ خَالُهُ دُونَ عَمِّهِ
رَأَى خَلْقَهَا مَنْ أَعْجَبَتْهُ فَعَانَهَا
٢٢إِذَا سَايَرَتْهُ بَايَنَتْهُ وَبَانَهَا
وَشَانَتْهُ فِي عَيْنِ الْبَصِيرِ وَزَانَهَا
٢٣فَأَيْنَ الَّتِي لَا تَأْمَنُ الْخَيْلُ شَرَّهَا
وَشَرِّي وَلَا تُعْطِي سِوَايَ أَمَانَهَا؟
٢٤وَأَيْنَ الَّتِي لَا تَرْجِعُ الرُّمْحَ خَائِبًا
إِذَا خَفَضَتْ يُسْرَى يَدَيَّ عِنَانَهَا
٢٥وَمَا لِي ثَنَاءٌ لَا أَرَاكَ مَكَانَهُ
فَهَلْ لَكَ نُعْمَى لَا تَرَانِي مَكَانَهَا؟
٢٦ومد نهر قويق وهو نهر بحلب حتى أحاط بدار سيف الدولة، وخرج أبو الطيب من عنده فبلغ الماء إلى صدر فرسه فقال أبو الطيب مرتجلًا:
حَجَّبَ ذَا الْبَحْرَ بِحَارٌ دُونَهُ
يَذُمُّهَا النَّاسُ وَيَحْمَدُونَهُ
٢٧يَا مَاءُ هَلْ حَسَدْتَنَا مَعِينَهُ؟
أَمِ اشْتَهَيْتَ أَنْ تُرَى قَرِينَهُ؟
٢٨أَمِ انْتَجَعْتَ لِلْغِنَى يَمِينَهُ؟
أَمْ زُرْتَهُ مُكَثِّرًا قَطِينَهُ؟
٢٩أَمْ جِئْتَهُ مُخَنْدِقًا حُصُونَهُ
إِنَّ الْجِيَادَ وَالْقَنَا يَكْفِينَهُ
٣٠يَا رُبَّ لُجٍّ جُعِلَتْ سَفِينَهُ
وَعَازِبِ الرَّوْضِ تَوَفَّتْ عُونَهُ
٣١وَذِي جُنُونٍ أَذْهَبَتْ جُنُونَهُ
وَشَرْبِ كَأْسٍ أَكْثَرَتْ رَنِينَهُ
٣٢وَأَبْدَلَتْ غِنَاءَهُ أَنِينَهُ
وَضَيْغَمٍ أَوْلَجَهَا عَرِينَهُ
٣٣وَمَلِكٍ أَوْطَأَهَا جَبِينَهُ
يَقُودُهَا مُسَهِّدًا جُفُونَهُ
٣٤مُبَاشِرًا بِنَفْسِهِ شُئُونَهُ
مُشَرِّفًا بِطَعْنِهِ طَعِينَهُ
٣٥عَفِيفَ مَا فِي ثَوْبِهِ مَأْمُونَهُ
٣٦أَبْيَضَ مَا فِي تَاجِهِ مَيْمُونَهُ
٣٧ بَحْرٌ يَكُونُ كُلُّ بَحْرٍ نُونَهُ
٣٨شَمْسٌ تَمَنَّى الشَّمَسُ أَنْ تَكُونَهُ
٣٩إِنْ تَدْعُ: يَا سَيْفُ؛ لِتَسْتَعِينَهُ
يُجِبْكَ قَبْلَ أنْ تُتِمَّ سِينَهُ
٤٠أَدَامَ مِنْ أَعْدَائِهِ تَمْكِينَهُ
مَنْ صَانَ مِنْهُمْ نَفْسَهُ وَدِينَهُ
٤١وقال يمدحه عند منصرفه من بلد الروم سنة خمس وأربعين وثلاثمائة وأنشده إياها بآمد:
الرَّأْيُ قَبْلَ شَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ
هُوَ أَوَّلٌ وَهْيَ الْمَحَلُّ الثَّانِي
٤٢فَإِذَا هُمَا اجْتَمَعَا لِنَفْسٍ مِرَّةٍ
بَلَغَتْ مِنَ الْعَلْيَاءِ كُلَّ مَكَانِ
٤٣وَلَرُبَّمَا طَعَنَ الْفَتَى أَقْرَانَهُ
بِالرَّأْيِ قَبْلَ تَطَاعُنِ الْأَقْرَانِ
٤٤لَوْلَا الْعُقُولُ لَكَانَ أَدْنَى ضَيْغَمٍ
أَدْنَى إِلَى شَرَفٍ مِنَ الْإِنْسَانِ
وَلَمَا تَفَاضَلَتِ النُّفُوسُ وَدَبَّرَتْ
أَيْدِي الكُمَاةِ عَوَالِيَ المُرَّانِ
٤٥لَوْلَا سَمِيُّ سُيُوفِهِ وَمَضَاؤُهُ
لَمَّا سُلِلْنَ لَكُنَّ كَالْأَجْفَانِ
٤٦خَاضَ الْحِمَامَ بِهِنَّ حَتَّى مَا دُرَى
أَمِنِ احْتِقَارٍ ذَاكَ أمْ نِسْيَانِ؟
٤٧وَسَعَى فَقَصَّرَ عَنْ مَدَاهُ في الْعُلَا
أَهْلُ الزَّمَانِ وَأَهْلُ كُلِّ زَمَانِ
٤٨تَخِذُوا الْمَجَالِسَ فِي الْبُيُوتِ وَعِنْدَهُ
أَنَّ السُّرُوجَ مَجَالِسُ الْفِتْيَانِ
٤٩وَتَوَهَّمُوا اللَّعِبَ الْوَغَى وَالطَّعْنُ فِي الـْ
ـهَيْجَاءِ غَيْرُ الطَّعْنِ فِي الْمَيْدَانِ
٥٠قَادَ الْجِيَادَ إِلَى الطِّعَانِ وَلَمْ يَقُدْ
إِلَّا إِلَى الْعَادَاتِ وَالْأَوْطَانِ
٥١كُلُّ ابْنِ سَابِقَةٍ يُغِيرُ بِحُسْنِهِ
فِي قَلْبِ صَاحِبِهِ عَلَى الْأَحْزَانِ
٥٢إِنْ خُلِّيَتْ رُبِطَتْ بِآدَابِ الْوَغَى
فَدُعَاؤُهَا يُغْنِي عَنِ الْأَرْسَانِ
٥٣فِي جَحْفَلٍ سَتَرَ الْعُيُونَ غُبَارُهُ
فَكَأَنَّمَا يُبْصِرْنَ بِالْآذَانِ
٥٤يَرْمِي بِهَا الْبَلَدَ البَعِيدَ مُظَفَّرٌ
كُلُّ الْبَعِيدِ لَهُ قَرِيبٌ دَانِ
٥٥فَكَأَنَّ أَرْجُلَهَا بِتُرْبَةِ مَنْبِجٍ
يَطْرَحْنَ أَيْدِيَهَا بِحِصْنِ الرَّانِ
٥٦حَتَّى عَبَرْنَ بِأَرْسَنَاسَ سَوَابحًا
يَنْشُرْنَ فِيهِ عَمَائِمَ الْفُرْسَانِ
٥٧يَقْمُصْنَ فِي مِثْلِ الْمُدَى مِنْ بَارِدٍ
يَذَرُ الْفُحُولَ وَهُنَّ كَالْخِصْيَانِ
٥٨وَالْمَاءُ بَيْنَ عَجَاجَتَيْنِ مُخَلِّصٌ
تَتَفَرَّقانِ بِهِ وَتَلْتَقِيَانِ
٥٩رَكَضَ الْأَمِيرُ وَكَاللُّجَيْنِ حَبَابُهُ
وَثَنَى الْأَعِنَّةَ وَهْوَ كَالْعِقْيَانِ
٦٠فَتَلَ الْحِبَالَ مِنَ الْغَدَائِرِ فَوْقَهُ
وَبَنَى السَّفينَ لَهُ مِنَ الصُّلْبَانِ
٦١وَحَشَاهُ عَادِيَةً بِغَيْرِ قَوَائِمٍ
عُقْمَ الْبُطُونِ حَوَالِكَ الْأَلْوَانِ
٦٢تَأْتِي بِمَا سَبَتِ الْخُيُولُ كَأَنَّهَا
تَحْتَ الْحِسَانِ مَرَابِضُ الْغِزْلَانِ
٦٣بَحْرٌ تَعَوَّدَ أَنْ يُذِمَّ لِأَهْلِهِ
مِنْ دَهْرِهِ وَطَوَارِقِ الْحِدْثَانِ
فَتَرَكْتَهُ وَإِذَا أَذَمَّ مِنَ الْوَرَى
رَاعَاكَ وَاسْتَثْنَى بَنِي حَمْدَانِ
٦٤الْمُخْفِرِينَ بِكُلِّ أَبْيَضَ صَارِمٍ
ذِمَمَ الدُّرُوعِ عَلَى ذَوِي التِّيجَانِ
٦٥مُتَصَعْلِكِينَ عَلَى كَثَافَةِ مُلْكِهِمْ
مُتَوَاضِعِينَ عَلَى عَظِيمِ الشَّانِ
٦٦يَتَقَيَّلُونَ ظِلَالَ كُلِّ مُطَهَّمٍ
أَجَلِ الظَّلِيمِ وَرِبْقَةِ السِّرْحَانِ
٦٧خَضَعَتْ لِمُنْصُلِكَ الْمَنَاصِلُ عَنْوَةً
وَأَذَلَّ دِينُكَ سَائِرَ الْأَدْيَانِ
٦٨وَعَلَى الدُّرُوبِ وَفِي الرُّجُوعِ غَضَاضَةٌ
وَالسَّيْرُ مُمْتَنِعٌ مِنَ الْإِمْكَانِ
وَالطُّرْقُ ضَيِّقَةُ الْمَسَالِكِ بِالْقَنَا
وَالْكُفْرُ مُجْتَمِعٌ عَلَى الْإِيْمَانِ
نَظَرُوا إِلَى زُبَرِ الْحَدِيدِ كَأَنَّمَا
يَصْعَدْنَ بَيْنَ مَنَاكِبِ الْعِقْبَانِ
٦٩وَفَوَارِسٍ يُحْيِي الْحِمَامُ نُفُوسَهَا
فَكَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْحَيَوَانِ
٧٠مَا زِلْتَ تَضْرِبُهُم دِرَاكًا فِي الذُّرَا
ضَرْبًا كَأَنَّ السَّيْفَ فِيهِ اثْنَانِ
٧١خَصَّ الْجَمَاجِمَ وَالْوُجُوهَ كَأَنَّمَا
جَاءَتْ إِلَيْكَ جُسُومُهمْ بِأَمَانِ
٧٢فَرَمَوْا بِمَا يَرْمُونَ عَنْهُ وَأَدْبَرُوا
يَطَئُونَ كُلَّ حَنِيَّةٍ مِرْنَانِ
٧٣يَغْشَاهُمُ مَطَرُ السَّحَابِ مُفَصَّلًا
بمُثَقَّفٍ ومُهَنَّدٍ وَسِنَانِ
٧٤حُرِمُوا الَّذِي أَمَلُوا وَأَدْرَكَ مِنْهُمُ
آمَالَهُ مَنْ عَادَ بِالْحِرْمَانِ
٧٥وَإِذَا الرِّمَاحُ شَغَلْنَ مُهْجَةَ ثَائِرٍ
شَغَلَتْهُ مُهْجَتُهُ عَنِ الْإِخْوَانِ
٧٦هَيْهَاتَ عَاقَ عَنِ الْعِوَادِ قَوَاضِبٌ
كَثُرَ الْقَتِيلُ بِهَا وَقَلَّ الْعَانِي
٧٧وَمُهَذَّبٌ أَمَرَ الْمَنَايَا فِيهِمِ
فَأَطَعْنَهُ فِي طَاعَةِ الرَّحْمَنِ
٧٨قَدْ سَوَّدَتْ شَجَرَ الْجِبَالِ شُعُورُهُمْ
فَكَأَنَّ فِيهِ مُسِفَّةَ الْغِرْبَانِ
٧٩وَجَرَى عَلَى الْوَرَقِ النَّجِيعُ الْقَانِي
فَكَأَنَّهُ النَّارَنْجُ فِي الْأَغْصَانِ
٨٠إِنَّ السُّيُوفَ مَعَ الَّذِينَ قُلُوبُهُمْ
كَقُلُوبِهِنَّ إِذَا الْتَقَى الْجَمْعَانِ
٨١تَلْقَى الْحُسَامَ عَلَى جَرَاءَةِ حَدِّهِ
مِثْلَ الْجَبَانِ بِكَفِّ كُلِّ جَبَانِ
٨٢رَفَعَتْ بِكَ الْعَرَبُ الْعِمَادَ وَصَيَّرَتْ
قِمَمَ الْمُلُوكِ مَوَاقِدَ النِّيرَانِ
٨٣أَنْسَابُ فَخْرِهِمِ إِلَيْكَ وَإِنَّمَا
أَنْسَابُ أَصْلِهِمِ إِلَى عَدْنَانِ
٨٤يَا مَنْ يُقَتِّلُ مَنْ أَرَادَ بِسَيْفِهِ
أَصْبَحْتُ مِنْ قَتْلَاكَ بِالْإِحْسَانِ
٨٥فَإِذَا رَأَيْتُكَ حَارَ دُونَكَ نَاظِرِي
وَإِذَا مَدَحتُكَ حَارَ فِيكَ لِسَانِي
وقال في صباه في المكتب:
أَبْلَى الْهَوَى أَسَفًا يَوْمَ النَّوَى بَدَنِي
وَفَرَّقَ الْهَجْرُ بَيْنَ الْجَفْنِ وَالْوَسَنِ
٨٦رُوحٌ تَرَدَّدُ فِي مِثْلِ الْخِلَالِ إِذَا
أَطَارَتِ الرِّيحُ عَنْهُ الثَّوْبَ لَمْ يَبِنِ
٨٧كَفَى بِجِسْمِي نُحُولًا أَنَّنِي رَجُلٌ
لَوْلَا مُخَاطَبَتِي إِيَّاكَ لَمْ تَرَنِي
٨٨وقال في صباه على لسان بعض التنوخيين وقد سأله ذلك:
قُضَاعَةُ تَعْلَمُ أَنِّي الفَتَى الَّـْ
ـذِي ادَّخَرَتْ لِصُرُوفِ الزَّمَانِ
٨٩وَمَجْدِي يَدُلُّ بَنِي خِنْدِفٍ
عَلَى أَنَّ كُلَّ كَريمٍ يَمَانِ
٩٠أَنَا ابْنُ اللِّقَاءِ أَنَا ابْنُ السَّخَاءِ
أَنَا ابْنُ الضِّرَابِ أَنَا ابْنُ الطِّعَانِ
٩١أَنَا ابْنُ الْفَيَافِي أَنَا ابْنُ الْقَوَافِي
أَنَا ابْنُ السُّرُوجِ أَنَا ابْنُ الرِّعَانِ
٩٢طَوِيلُ النِّجَادِ طَوِيلُ الْعِمَادِ
طَوِيلُ القَنَاةِ طَوِيلُ السِّنَانِ
٩٣حَدِيدُ اللِّحَاظِ حَدِيدُ الْحِفَاظِ
حَدِيدُ الْحُسَامِ حَدِيدُ الْجَنَانِ
٩٤يُسَابِقُ سَيْفِي مَنَايَا الْعِبَادِ
إِلَيْهِمْ كَأَنَّهُمَا فِي رِهَانِ
٩٥يُرَى حَدُّهُ غَامِضَاتِ الْقُلُوبِ
إِذَا كُنْتُ فِي هَبْوَةٍ لَا أَرَانِي
٩٦سَأَجْعَلُهُ حَكَمًا فِي النُّفُوسِ
وَلَوْ نَابَ عَنْهُ لِسَانِي كَفَانِي
٩٧وقال أيضًا في صباه:
كَتَمْتُ حُبَّكِ حَتَّى مِنْكِ تَكْرِمَةً
ثُمَّ اسْتَوَى فِيهِ إِسْرَارِي وَإِعْلَانِي
٩٨كَأنَّهُ زَادَ حَتَّى فَاضَ مِنْ جَسَدِي
فَصَارَ سُقْمِي بِهِ فِي جِسْمِ كِتْمَانِي
٩٩ودخل على عليِّ بن إبراهيم التنوخي فعرض عليه كأسًا فيها شراب أسود، فقال ارتجالًا:
إِذَا مَا الْكَأْسُ أَرْعَشَتِ الْيَدَيْنِ
صَحَوْتُ فَلَمْ تَحُلْ بَيْنِي وبَيْنِي
١٠٠هَجَرْتُ الْخَمْرَ كَالذَّهَبِ الْمُصَفَّى
فَخَمْرِي مَاءُ مُزْنٍ كَاللُّجَيْنِ
١٠١أَغَارُ مِنَ الزُّجَاجَةِ وَهْيَ تَجْرِي
عَلَى شَفَةِ الْأَمِيرِ أَبِي الْحُسَيْنِ
١٠٢كَأَنَّ بَيَاضَهَا وَالرَّاحُ فِيهَا
بَيَاضٌ مُحْدِقٌ بِسَوادِ عَيْنِ
١٠٣أَتَيْنَاهُ نُطَالِبُهُ بِرِفْدٍ
يُطَالِبَ نَفْسَهُ مِنْهُ بِدَيْنِ
١٠٤وقال يمدح بدر بن عمار وقد سار إلى الساحل، ثم عاد إلى طبرية، وكان أبو الطيب قد تخلف عنه، فقال يعتذر له:
أَلْحُبُّ مَا مَنَعَ الْكَلَامَ الْأَلْسُنَا
وَأَلَذُّ شَكْوَى عَاشِقٍ مَا أَعْلَنَا
١٠٥لَيْتَ الْحَبِيبَ الْهَاجِرِي هَجْرَ الْكَرَى
مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ وَاصِلِي صِلَةَ الضَّنَى
١٠٦بِنَّا فَلَوْ حَلَّيْتَنَا لَمْ تَدْرِ مَا
أَلْوَانُنَا مِمَّا امْتُقِعْنَ تَلَوُّنَا
١٠٧وَتَوَقَّدَتْ أَنْفَاسُنَا حَتَّى لَقَدْ
أَشْفَقْتُ تَحْتَرِقُ الْعَوَاذِلُ بَيْنَنَا
١٠٨أَفْدِي الْمُوَدِّعَةَ الَّتِي أَتْبَعْتُهَا
نَظَرًا فُرَادَى بَيْنَ زَفْرَاتٍ ثُنَا
١٠٩أَنْكَرْتُ طَارِقَةَ الْحَوَادِثِ مَرَّةً
ثُمَّ اعْتَرَفتُ بِهَا فَصَارَتْ دَيْدَنَا
١١٠وَقَطَعْتُ فِي الدُّنْيَا الْفَلَا وَرَكَائِبِي
فِيهَا وَوَقْتَيَّ الضُّحَا وَالْمَوْهِنَا
١١١وَوَقَفْتُ مِنْهَا حَيْثُ أَوْقَفَنِي النَّدَى
وَبَلَغْتُ مِنْ بَدْرِ بْنِ عَمَّارِ الْمُنَى
١١٢لِأَبي الْحُسَيْنِ جَدًا يَضِيقُ وِعَاؤُهُ
عَنْهُ وَلَوْ كَانَ الْوِعَاءُ الْأَزْمُنَا
١١٣وَشَجَاعَةٌ أَغْنَاهُ عَنْهَا ذِكْرُهَا
وَنَهَى الْجَبَانَ حَدِيثُهَا أَنْ يَجْبُنَا
١١٤نِيطَتْ حَمَائِلُهُ بِعَاتِقِ مِحْرَبٍ
مَا كَرَّ قَطُّ وَهَلْ يَكُرُّ وَمَا انْثَنَى
١١٥فَكَأنَّهُ وَالطَّعْنُ مِنْ قُدَّامِهِ
مُتَخَوِّفٌ مِنْ خَلْفِهِ أَنْ يُطْعَنَا
١١٦نَفَتِ التَّوَهُّمَ عَنْهُ حِدَّةُ ذِهْنِهِ
فَقَضَى عَلَى غَيْبِ الْأُمُورِ تَيَقُّنَا
١١٧يَتَفَزَّعُ الْجَبَّارُ مِنْ بَغَتَاتِهِ
فَيَظَلُّ فِي خَلَوَاتِهِ مُتَكَفِّنَا
١١٨أَمْضَى إِرَادَتَهُ فَسَوْفَ لَهُ قَدٌ
وَاسْتَقْرَبَ الْأَقْصَى فَثَمَّ لَهُ هُنَا
١١٩يَجِدُ الْحَدِيدَ عَلَى بَضَاضَةِ جِلْدِهِ
ثَوْبًا أَخَفَّ مِنَ الْحَرِيرِ وَأَلْيَنَا
١٢٠وَأَمَرُّ مِنْ فَقْدِ الْأَحِبَّةِ عِنْدَهُ
فَقْدُ السُّيُوفِ الْفَاقِدَاتِ الْأَجْفُنَا
١٢١لَا يَسْتَكِنُّ الرُّعْبُ بَيْنَ ضُلُوعِهِ
يَوْمًا وَلَا الْإِحْسَانُ أَنْ لَا يُحْسِنَا
١٢٢مُسْتَنْبِطٌ مِنْ عِلْمِهِ مَا فِي غَدٍ
فَكَأَنَّ مَا سَيَكُونُ فِيهِ دُوِّنَا
١٢٣تَتَقَاصَرُ الْأَفْهَامُ عَنْ إِدْرَاكِهِ
مِثْلَ الَّذِي الْأفْلَاكُ فِيهِ وَالدُّنَا
١٢٤مَنْ لَيْسَ مِنْ قَتْلَاهُ مِنْ طُلَقَائِهِ
مَنْ لَيْسَ مِمَّنْ دَانَ مِمَّنْ حُيِّنَا
١٢٥لَمَّا قَفَلْتَ مِنَ السَّوَاحِلِ نَحْوَنَا
قَفَلَتْ إِلَيْهَا وَحْشَةٌ مِنْ عِنْدِنَا
١٢٦أَرِجَ الطَّرِيقُ فَمَا مَرَرْتَ بِمَوْضِعٍ
إِلَّا أَقَامَ بِهِ الشَّذَا مُسْتَوْطِنَا
١٢٧لَوْ تَعْقِلُ الشَّجَرُ الَّتِي قَابَلْتَهَا
مَدَّتْ مُحَيِّيَةً إِلَيْكَ الْأَغْصُنَا
١٢٨سَلَكَتْ تَمَاثِيلَ الْقِبَابِ الْجِنُّ مِنْ
شَوْقٍ بِهَا فَأَدَرْنَ فِيكَ الْأَعْيُنَا
١٢٩طَرِبَتْ مَرَاكِبُنَا فَخِلْنَا أَنَّهَا
لَوْلَا حَيَاءٌ عَاقَهَا رَقَصَتْ بِنَا
١٣٠أَقْبَلْتَ تَبْسِمُ وَالْجِيَادُ عَوَابِسٌ
يَخْبُبْنَ بالْحَلَقِ الْمُضَاعَفِ وَالْقَنَا
١٣١عَقَدَتْ سَنَابِكُهَا عَلَيْهَا عِثْيَرًا
لَوْ تَبْتَغِي عَنَقًا عَلَيْهِ أَمْكَنَا
١٣٢وَالْأَمْرُ أَمْرُكَ وَالْقُلُوبُ خَوَافِقٌ
فِي مَوْقِفٍ بَيْنَ الْمَنِيَّةِ وَالْمُنَى
١٣٣فَعَجِبْتُ حَتَّى مَا عَجِبْتُ مِنَ الظُّبَا
وَرَأَيْتُ حَتَّى مَا رَأَيْتُ مِنَ السَّنَا
١٣٤إِنِّي أَرَاكَ مِنَ الْمَكَارِمِ عَسْكَرًا
في عَسْكَرٍ وَمِنَ الْمَعَالِي مَعْدِنَا
١٣٥فَطِنَ الْفُؤَادُ لِمَا أَتَيْتُ عَلَى النَّوَى
وَلِمَا تَرَكْتُ مَخَافَةً أَنْ تَفْطُنَا
١٣٦أَضْحَى فِرَاقُكَ لِي عَلَيْهِ عُقُوبَةً
لَيْسَ الَّذِي قَاسَيْتُ مِنْهُ هَيِّنَا
١٣٧فَاغْفِرْ فِدًى لَكَ وَاحْبُنِي مِنْ بَعْدِهَا
لِتَخُصَّنِي بِعَطِيَّةٍ مِنْهَا أَنَا
١٣٨وَانْهَ الْمُشِيرَ عَلَيْكَ فِيَّ بِضَلَّةٍ
فَالْحُرُّ مُمْتَحَنٌ بِأَوْلَادِ الزِّنَا
١٣٩وَإِذَا الْفَتَى طَرَحَ الْكَلَامَ مُعَرِّضًا
فِي مَجْلِسٍ أَخَذَ الْكَلَامَ اللَّذْعَنَا
١٤٠وَمَكَايِدُ السُّفَهَاءِ وَاقِعَةٌ بِهِمْ
وَعَدَاوَةُ الشُّعَرَاءِ بِئْسَ الْمُقْتَنَى
١٤١لُعِنَتْ مُقارَنَةُ اللَّئِيمِ فَإِنَّهَا
ضَيْفٌ يَجُرُّ مِنَ النَّدَامَةِ ضَيْفَنَا
١٤٢غَضَبُ الْحَسُودِ إِذَا لَقِيتُكَ رَاضِيًا
رُزْءٌ أَخَفُّ عَلَيَّ مِنْ أَنْ يُوزَنَا
١٤٣أَمْسَى الَّذِي أَمْسَى بِرَبِّكَ كَافِرًا
مِنْ غَيْرِنَا مَعَنَا بِفَضْلِكَ مُؤْمِنَا
١٤٤خَلَتِ الْبِلَادُ مِنَ الْغَزَالَةِ لَيْلَهَا
فَأَعَاضَهَاكَ اللهُ كَيْ لَا تَحْزَنَا
١٤٥وقال وقد سأله الجلوس:
يَا بَدْرُ إِنَّكَ وَالْحَدِيثُ شُجُونُ
مَنْ لَمْ يَكُنْ لِمِثَالِهِ تَكْوِينُ
١٤٦لَعَظُمْتَ حَتَّى لَوْ تَكُونُ أَمَانَةً
مَا كَانَ مُؤْتَمَنًا بِهَا جِبْرِينُ
١٤٧بَعْضُ الْبَرِيَّةِ فَوْقَ بَعْضٍ خَالِيًا
فَإِذَا حَضَرْتَ فَكُلُّ فَوْقٍ دُونُ
١٤٨وقال يمدح أبا عبيد الله محمد بن عبد الله بن محمد الخطيب الخصيبي، وهو يومئذٍ يتقلد القضاء بأنطاكية:
أَفَاضِلُ النَّاسِ أَغْرَاضٌ لِذَا الزَّمَنِ
يَخْلُو مِنَ الْهَمِّ أَخْلَاهُمْ مِنَ الْفِطَنِ
١٤٩وَإِنَّمَا نَحْنُ فِي جِيلٍ سَوَاسِيَةٍ
شَرٍّ عَلَى الْحُرِّ مِنْ سُقْمٍ عَلَى بَدَنِ
١٥٠حَوْلِي بِكُلِّ مَكَانٍ مِنْهُمُ خِلَقٌ
تُخْطِي إِذَا جِئْتَ فِي اسْتِفْهَامِهَا بِمَنِ؟
١٥١لَا أَقْتَرِي بَلَدًا إِلَّا عَلَى غَرَرٍ
وَلَا أَمُرُّ بِخَلْقٍ غَيْرِ مُضْطَغِنِ
١٥٢وَلَا أُعَاشِرُ مِنْ أَمْلَاكِهِمْ أَحَدًا
إِلَّا أَحَقَّ بِضَرْبِ الرَّأْسِ مِنْ وَثَنِ
١٥٣إِنِّي لَأَعْذِرُهُمْ مِمَّا أُعَنِّفُهُمْ
حَتَّى أُعَنِّفُ نَفْسِي فِيهِمِ وَأَنِي
١٥٤فَقْرُ الْجَهُولِ بِلَا عَقْلٍ إِلَى أَدَبٍ
فَقْرُ الْحِمَارِ بِلَا رَأْسٍ إِلَى رَسَنِ
١٥٥وَمُدْقِعِينَ بِسُبْرُوتٍ صَحِبْتُهُمُ
عَارِينَ مِنْ حُلَلٍ كَاسِينَ مِنْ دَرَنِ
١٥٦خُرَّابِ بَادِيَةٍ غَرْثَى بُطُونُهُمُ
مَكْنُ الضِّبَابِ لَهُمْ زَادٌ بِلَا ثَمَنِ
١٥٧يَسْتَخْبِرُونَ فَلَا أُعْطِيهِمُ خَبَرِي
وَمَا يَطِيشُ لَهُمْ سَهْمٌ مِنَ الظِّنَنِ
١٥٨وَخَلَّةٍ فِي جَلِيسٍ أَتَّقِيهِ بِهَا
كَيْمَا يُرَى أَنَّنَا مِثْلَانِ فِي الْوَهَنِ
١٥٩وَكِلْمَةٍ فِي طَرِيقٍ خِفْتُ أُعْرِبُهَا
فَيُهْتَدَى لِي فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى اللَّحَنِ
١٦٠قَدْ هَوَّنَ الصَّبْرُ عِنْدِي كُلَّ نَازِلَةٍ
ولَيَّنَ الْعَزْمُ حَدَّ المَرْكَبِ الْخَشِنِ
١٦١كَمْ مَخْلَصٍ وَعُلًا فِي خَوْضِ مَهْلَكَةٍ
وَقَتْلَةٍ قُرِنَتْ بِالذَّمِّ فِي الْجُبُنِ!
١٦٢لَا يُعْجِبَنَّ مَضِيمًا حُسْنُ بِزَّتِهِ
وَهَلْ يَرُوقُ دَفِينًا جَوْدَةُ الْكَفَنِ؟!
١٦٣للهِ حَالٌ أُرَجِّيهَا وَتُخْلِفُنِي!
وَأَقْتَضِي كَوْنَهَا دَهْرِي وَيَمْطُلُني
١٦٤مَدَحْتُ قَوْمًا وَإِنْ عِشْنَا نَظَمْتُ لَهُمْ
قَصَائِدًا مِنْ إِنَاثِ الْخَيْلِ وَالْحُصُنِ
١٦٥تَحْتَ الْعَجَاجِ قَوَافِيهَا مُضَمَّرَةً
إِذَا تُنُوشِدْنَ لَمْ يَدْخُلْنَ فِي أُذُنِ
١٦٦فَلَا أُحَارِبُ مَدْفُوعًا إِلَى جُدُرٍ
وَلَا أُصَالِحُ مَغْرُورًا عَلَى دَخَنِ
١٦٧مُخَيِّمُ الْجَمْعِ بِالْبَيْدَاءِ يَصْهَرُهُ
حَرُّ الْهَوَاجِرِ فِي صُمٍّ مِنَ الْفِتَنِ
١٦٨أَلْقَى الْكِرَامُ الْأُلَى بَادُوا مَكَارِمَهُمْ
عَلَى الْخَصِيبِيِّ عِنْدَ الفَرْضِ وَالسُّنَنِ
١٦٩فَهُنَّ فِي الْحَجْرِ مِنْهُ كُلَّمَا عَرَضَتْ
لَهُ الْيَتَامَى بَدَا بِالْمَجْدِ وَالْمِنَنِ
١٧٠قَاضٍ إِذَا الْتَبَسَ الْأَمْرَانِ عَنَّ لَهُ
رَأْيٌ يُخَلِّصُ بَيْنَ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ
١٧١غَضُّ الشَّبَابِ بَعِيدٌ فَجْرُ لَيْلَتِهِ
مُجَانِبُ الْعَيْنِ لِلْفَحْشَاءِ وَالْوَسَنِ
١٧٢شَرَابُهُ النَّشْحُ لَا لِلرِّيِّ يَطْلُبُهُ
وَطُعْمُهُ لِقَوَامِ الْجِسْمِ لَا السِّمَنِ
١٧٣أَلْقَائِلُ الصِّدْقَ فِيهِ مَا يُضِرُّ بِهِ
وَالْوَاحِدُ الْحَالَتَيْنِ: السِّرِّ وَالْعَلَنِ
١٧٤ألْفَاصِلُ الْحُكْمَ عَيَّ الْأَوَّلُونَ بِهِ
وَالْمُظْهِرُ الْحَقَّ لِلسَّاهِي عَلَى الذَّهِنِ
١٧٥أَفْعَالُهُ نَسَبٌ لَوْ لَمْ يَقُلْ مَعَهَا
جَدِّي الْخَصِيبُ عَرَفْنَا الْعِرْقَ بِالْغُصُنِ
١٧٦الْعَارِضُ الْهَتِنُ ابْنُ الْعَارِضِ الْهَتِنِ ابـْ
ـنِ الْعَارِضِ الْهَتِنِ ابْنِ الْعَارِضِ الْهتِنِ
١٧٧قَدْ صَيَّرَتْ أَوَّلَ الدُّنْيَا وَآخِرَهَا
آبَاؤُهُ مِنْ مُغَارِ الْعِلْمِ فِي قَرَنِ
١٧٨كَأَنَّهُمْ وُلِدُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ وُلِدُوا
أَوْ كَانَ فَهْمُهُمُ أَيَّامَ لَمْ يَكُنِ
١٧٩الْخَاطِرِينَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ أَبَدًا
مِنَ الْمَحَامِدِ فِي أَوْقَى مِنَ الْجُنَنِ
١٨٠لِلنَّاظِرِينَ إِلَى إِقْبَالِهِ فَرَحٌ
يُزيلُ مَا بِجِبَاهِ الْقَوْمِ مِنْ غَضَنِ
١٨١كَأَنَّ مَالَ ابْنِ عَبْدِ اللهِ مُغْتَرَفٌ
مِنْ رَاحَتَيْهِ بِأَرْضِ الرُّومِ وَالْيَمَنِ
١٨٢لَمْ نَفْتَقِدْ بِكَ مِنْ مُزْنٍ سِوَى لَثَقٍ
وَلَا مِنَ الْبَحْرِ غَيْرَ الرِّيحِ وَالسُّفُنِ
١٨٣وَلَا مِنَ اللَّيْثِ إِلَّا قُبْحَ مَنْظَرِهِ
وَمِنْ سِوَاهُ سِوَى مَا لَيْسَ بِالْحَسَنِ
١٨٤مُنْذُ احْتَبَيْتَ بِأَنْطَاكِيَّةَ اعْتَدَلَتْ
حَتَّى كَأَنَّ ذَوِي الْأَوْتَارِ في هُدَنِ
١٨٥وَمُذْ مَرَرْتَ عَلَى أَطْوَادِهَا قُرِعَتْ
مِنَ السُّجُودِ فَلَا نَبْتٌ عَلَى القُنَنِ
١٨٦أَخْلَتْ مَوَاهِبُكَ الْأَسْوَاقَ مِنْ صَنَعٍ
أَغْنَى نَدَاكَ عَنِ الْأَعْمَالِ وَالْمِهَنِ
١٨٧ذَا جُودُ مَنْ لَيْسَ مِنْ دَهْرٍ عَلَى ثِقَةٍ
وَزُهْدُ مَنْ لَيْسَ مِنْ دُنْيَاهُ فِي وَطَنِ
١٨٨وَهَذِهِ هَيْبَةٌ لَمْ يُؤْتَهَا بَشَرٌ
وَذَا اقْتِدَارُ لِسَانٍ لَيْسَ فِي الْمُنَنِ
١٨٩فَمُرْ وَأَوْمٍ تُطَعْ قُدِّسْتَ مِنْ جَبَلٍ
تَبَارَكَ اللهُ مُجْرِي الرُّوحِ في حَضَنِ
١٩٠وقال يمدح أبا سهل سعيد بن عبد الله بن عبيد الله بن الحسن الأنطاكي:
قَدْ عَلَّمَ الْبَيْنُ مِنَّا الْبَيْنَ أَجْفَانَا
تَدْمَى وَأَلَّفَ فِي ذَا الْقَلْبِ أَحْزَانَا
١٩١أَمَّلْتُ سَاعَةَ سَارُوا كَشْفَ مِعْصَمِهَا
لِيَلْبَثَ الْحَيُّ دُونَ السَّيْرِ حَيْرَانَا
١٩٢وَلَوْ بَدَتْ لَأَتَاهَتْهُمْ فَحَجَّبَهَا
صَوْنٌ عُقُولَهُمْ مِنْ لَحْظِهَا صَانَا
١٩٣بالْوَاخِدَاتِ وَحَادِيهَا وَبِي قَمَرٌ
يَظَلُّ مِنْ وَخْدِهَا فِي الْخِدْرِ حَشْيَانَا
١٩٤أَمَّا الثِّيَابُ فَتَعْرَى مِنْ مَحَاسِنِهِ
إِذَا نَضَاهَا وَيَكْسَا الْحُسنَ عُرْيَانَا
١٩٥يَضُمُّهُ الْمِسْكُ ضَمَّ الْمُسْتَهَامِ بِهِ
حَتَّى يَصِيرَ عَلَى الْأَعْكَانِ أَعْكَانَا
١٩٦قَدْ كُنْتُ أُشْفِقُ مِنْ دَمْعِي عَلَى بَصَرِي
فَالْيَوْمَ كُلُّ عَزِيزٍ بَعْدَكُمْ هَانَا
١٩٧تُهْدِي الْبَوَارِقُ أَخْلَافَ الْمِيَاهِ لَكُمْ
وَلِلْمُحِبِّ مِنَ التَّذْكَارِ نِيرَانَا
١٩٨إِذَا قَدِمْتُ عَلَى الْأَهْوَالِ شَيَّعَنِي
قَلْبٌ إِذَا شِئْتُ أَنْ يَسْلَاكمُ خَانَا
١٩٩أَبْدُو فَيَسْجُدُ مَنْ بِالسُّوْءِ يَذْكُرُنِي
وَلَا أُعَاتِبُهُ صَفْحًا وَإِهْوَانَا
٢٠٠وَهَكَذَا كُنْتُ فِي أَهْلِي وَفِي وَطَنِي
إِنَّ النَّفِيسَ غَرِيبٌ حَيْثُمَا كَانَا
٢٠١مُحَسَّدُ الْفَضْلِ مَكْذُوبٌ عَلَى أَثَرِي
أَلْقَى الْكَمِيَّ وَيَلْقَانِي إِذَا حَانَا
٢٠٢لَا أَشْرَئِبُّ إِلَى مَا لَمْ يَفُتْ طَمَعًا
وَلَا أَبِيتُ عَلَى مَا فَاتَ حَسْرَانَا
٢٠٣وَلَا أُسَرُّ بِمَا غَيْرِي الْحَمِيدُ بِهِ
وَلَوْ حَمَلْتَ إِلَيَّ الدَّهْرَ مَلْآنَا
٢٠٤لَا يَجْذِبَنَّ رِكَابِي نَحْوَهُ أَحَدٌ
مَا دُمْتُ حَيًّا وَمَا قَلْقَلْنَ كِيرَانَا
٢٠٥لَوِ اسْتَطَعْتُ رَكِبْتُ النَّاسَ كُلَّهُمُ
إِلَى سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بُعْرَانَا
٢٠٦فَالْعِيسُ أَعْقَلُ مِنْ قَوْمٍ رَأَيْتُهُمُ
عَمَّا يَرَاهُ مِنَ الْإِحْسَانِ عُمْيَانَا
٢٠٧ذَاكَ الْجَوادُ وَإِنْ قَلَّ الْجَوَادُ لَهُ
ذَاكَ الشُّجَاعُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ أَقْرَانَا
٢٠٨ذَاكَ الْمُعِدُّ الَّذِي تَقْنُو يَدَاهُ لَنَا
فَلَوْ أُصِيبَ بِشَيءٍ مِنْهُ عَزَّانَا
٢٠٩خَفَّ الزَّمَانُ عَلَى أَطْرَافِ أَنْمُلِهِ
حَتَّى تُوُهِّمْنَ لِلْأَزْمَانِ أَزْمَانَا
٢١٠يَلْقَى الْوَغَى وَالْفَنَا وَالنَّازِلَاتِ بِهِ
وَالسَّيْفَ وَالضَّيْفَ رَحْبَ الْبَاعِ جَذْلَانَا
٢١١تَخَالُهُ مِنْ ذَكَاءِ الْقَلْبِ مُحْتَمِيًا
وَمِنْ تَكَرُّمِهِ وَالْبِشْرِ نَشْوَانَا
٢١٢وَتَسْحَبُ الْحِبَرَ القَيْنَاتُ رَافِلَةً
في جُودِهِ وتَجُرُّ الْخَيْلُ أَرْسَانَا
٢١٣يُعْطِي الْمُبَشِّرَ بِالقُصَّادِ قَبْلَهُمُ
كَمَنْ يُبَشِّرُهُ بِالْمَاءِ عَطْشَانَا
٢١٤جَزَتْ بَنِي الْحَسَنِ الْحُسْنَى فَإِنَّهُمُ
فِي قَوْمِهِمْ مِثلُهُمْ في الْغُرِّ عَدْنَانَا
٢١٥مَا شَيَّدَ اللهُ مِنْ مَجْدٍ لِسَالِفِهِمْ
إِلَّا وَنَحْنُ نَرَاهُ فِيهِمِ الْآنَا
٢١٦إِنْ كُوتِبُوا أَوْ لُقُوا أَوْ حُورِبُوا وُجِدُوا
فِي الخَطِّ وَاللَّفْظِ وَالْهَيْجَاءِ فُرْسَانَا
٢١٧كَأَنَّ أَلْسُنَهُمْ فِي النُّطْقِ قَدْ جُعِلَتْ
عَلَى رِمَاحِهِمِ فِي الطَّعْنِ خِرْصَانَا
٢١٨كَأَنَّهُمْ يَرِدُونَ الْمَوْتَ مِنْ ظَمَأٍ
أَوْ يَنْشَقُونَ مِنَ الْخَطِّيِّ رَيْحَانَا
٢١٩الْكَائِنِينَ لِمَنْ أَبْغِي عَدَاوَتَهُ
أَعْدَى الْعِدَا وَلِمَنْ آخَيْتُ إِخْوَانَا
٢٢٠خَلَائِقٌ لَوْ حَوَاهَا الزِّنْجُ لَانْقَلَبُوا
ظُمْيَ الشِّفَاهِ جِعَادَ الشَّعْرِ غُرَّانَا
٢٢١وَأَنْفُسٌ يَلْمَعِيَّاتٌ تُحِبُّهُمُ
لَهَا اضْطِرَارًا وَلَوْ أَقْصَوْكَ شَنْآنَا
٢٢٢الْوَاضِحِينَ أُبُوَّاتٍ وَأَجْبِنَةً
وَوَالِدَاتٍ وَأَلْبَابًا وَأَذْهَانَا
٢٢٣يَا صَائِدَ الْجَحْفَلِ الْمَرْهُوبِ جَانِبُهُ
إِنَّ الليُوثَ تَصِيدُ النَّاسَ أُحْدَانَا
٢٢٤وَوَاهِبًا كُلُّ وَقْتٍ وَقْتُ نَائِلِهِ
وَإِنَّمَا يَهَبُ الْوُهَّابُ أَحْيَانَا
٢٢٥أَنْتَ الَّذِي سَبَكَ الْأَمَوَالَ مَكْرُمَةً
ثُمَّ اتَّخَذْتَ لَهَا السُّؤَّالَ خُزَّانَا
٢٢٦عَلَيْكَ مِنْكَ إِذَا أُخْلِيتَ مُرْتَقِبٌ
لَمْ تَأْتِ فِي السِّرِّ مَا لَمْ تَأْتِ إِعْلَانَا
٢٢٧لَا أَسْتَزِيدُكَ فِيمَا فِيكَ مِنْ كَرَمٍ
أَنَا الَّذِي نَامَ إِنْ نَبَّهْتُ يَقْظَانَا
٢٢٨فَإِنَّ مِثْلَكَ بَاهَيْتُ الْكِرَامَ بِهِ
وَرَدَّ سُخْطًا عَلَى الْأَيَّامِ رِضْوَانَا
٢٢٩وَأَنْتَ أَبْعَدُهُمْ ذِكْرًا وَأَكْبَرُهُمْ
قَدْرًا وَأَرْفَعُهُمْ فِي الْمَجْدِ بُنْيَانَا
قَدْ شَرَّفَ اللهُ أَرْضًا أَنْتَ سَاكِنُهَا
وَشَرَّفَ النَّاسَ إِذْ سَوَّاكَ إِنْسَانَا
٢٣٠وقال في مجلس أبي محمد بن طغج وقد أقبل الليل وهما في بستان:
زَالَ النَّهَارُ وَنُورٌ مِنْكَ يُوهِمُنَا
أَنْ لَمْ يَزُلْ وَلِجُنْحِ اللَّيْلِ إِجْنَانُ
٢٣١فَإِنْ يَكُنْ طَلَبُ الْبُسْتَانِ يُمْسِكُنَا
فَرُحْ فَكُلُّ مَكَانٍ مِنْكَ بُسْتَانُ
٢٣٢وقال في بطيخة من الند في غشاء من الخيزران عليها قلادة لؤلؤ وعلى رأسها عنبر قد أدير حولها كانت في يد أبي العشائر:
٢٣٣مَا أَنَا وَالْخَمْرُ وَبِطِّيخَةٌ
سَوْدَاءُ فِي قِشْرٍ مِنَ الْخَيْزُرَانْ
٢٣٤يَشْغَلُنِي عَنْهَا وَعَنْ غَيْرِهَا
تَوْطِينِيَ النَّفْسَ لِيَوْمِ الطِّعَانْ
٢٣٥وَكُلُّ نَجْلَاءَ لَهَا صَائِكٌ
يَخضُبُ مَا بَيْنَ يَدِي وَالسِّنَانْ
٢٣٦وقال، وقد بلغ أبا الطيب أن قومًا نعوه في مجلس سيف الدولة بحلب وهو بمصر:
بِمَ التَّعَلُّلُ لَا أَهْلٌ وَلَا وَطَنُ
وَلَا نَدِيمٌ وَلَا كَأْسٌ وَلَا سَكَنُ؟!
٢٣٧أُرِيدُ مِنْ زَمَنِي ذَا أَنْ يُبَلِّغَنِي
مَا لَيْسَ يَبْلُغُهُ مِنْ نَفْسِهِ الزَّمَنُ
٢٣٨لَا تَلْقَ دَهْرَكَ إلَّا غَيرَ مُكتَرِثٍ
مَا دَامَ يَصْحَبُ فِيهِ رُوحَكَ الْبَدَنُ
٢٣٩فَمَا يَدُومُ سُرُور مَا سُرِرْتَ بِهِ
وَلَا يَرُدُّ عَلَيْكَ الْفَائِتَ الْحَزَنُ
٢٤٠مِمَّا أَضَرَّ بِأَهْلِ الْعِشْقِ أَنَّهُمُ
هَوُوا وَمَا عَرَفُوا الدُّنْيَا وَمَا فَطِنُوا
٢٤١تَفْنَى عُيُونُهُمُ دَمْعًا وَأَنْفُسُهُمْ
فِي إِثْرِ كُلِّ قَبِيحٍ وَجْهُهُ حَسَنُ
٢٤٢تَحَمَّلُوا حَمَلَتْكُمْ كُلُّ نَاجِيَةٍ
فَكُلُّ بَيْنٍ عَلَيَّ الْيَوْمَ مُؤْتَمَنُ
٢٤٣مَا فِي هَوَادِجِكُمْ مِنْ مُهْجَتِي عِوَضٌ
إِنْ مُتُّ شَوْقًا وَلَا فِيهَا لَهَا ثَمَنُ
٢٤٤يَا مَنْ نُعِيتُ عَلَى بُعْدٍ بِمَجْلِسِهِ
كُلٌّ بِمَا زَعَمَ النَّاعُونَ مُرْتَهَنُ
٢٤٥كَمْ قَدْ قُتِلْتُ وَكَمْ قَدْ مِتُّ عِنْدَكُمُ!
ثُمَّ انْتَفَضْتُ فَزَالَ الْقَبْرُ وَالْكَفَنُ
٢٤٦قَدْ كَانَ شَاهَدَ دَفْنِي قَبْلَ قَوْلِهِمِ
جَمَاعَةٌ ثُمَّ مَاتُوا قَبْلَ مَنْ دَفَنُوا
٢٤٧مَا كُلُّ مَا يَتَمَنَّى الْمَرْءُ يُدْرِكُهُ
تَجْرِي الرِّيَاحُ بِمَا لَا تَشْتَهِي السُّفُنُ
٢٤٨رَأَيْتُكُمْ لَا يَصُونُ الْعِرْضَ جَارُكُمُ
وَلَا يَدِرُّ عَلَى مَرْعَاكُمُ اللَّبَنُ
٢٤٩جَزَاءُ كُلِّ قَرِيبٍ مِنْكُمُ مَلَلٌ
وَحَظُّ كُلِّ مُحِبٍّ مِنْكُمُ ضَغَنُ
٢٥٠وَتَغْضَبُونَ عَلَى مَنْ نَالَ رِفْدَكُمُ
حَتَّى يُعَاقِبَهُ التَّنْغِيصُ وَالْمِنَنُ
٢٥١فَغَادَرَ الْهَجْرُ مَا بَيْنِي وَبيْنَكُمُ
يَهْمَاهَ تَكْذِبُ فِيهَا الْعَيْنُ وَالْأُذُنُ
٢٥٢تَحْبُو الرَّوَاسِمُ مِنْ بَعْدِ الرِّسِيمِ بِهَا
وَتَسْأَلُ الْأَرْضَ عَنْ أَخْفَافِهَا الثَّفِنُ
٢٥٣إِنِّي أُصَاحِبُ حِلْمِي وَهْوَ بِي كَرَمٌ
وَلَا أُصَاحِبُ حِلْمِي وَهْوَ بِي جُبُنُ
٢٥٤وَلَا أُقِيمُ عَلَى مَالٍ أَذِلُّ بِهِ
وَلَا أَلَذُّ بِمَا عِرْضِي بِهِ دَرِنُ
٢٥٥سَهِرْتُ بَعْدَ رَحِيلِي وَحْشَةً لَكُمُ
ثُمَّ اسْتَمَرَّ مَرِيرِي وَارْعَوَى الوَسَنُ
٢٥٦وَإِنْ بُلِيتُ بِوُدٍّ مِثْلِ وُدِّكُمُ
فَإِنَّنِي بفِرَاقٍ مِثْلِهِ قَمِنُ
٢٥٧أَبْلَى الْأَجِلَّةَ مُهْرِي عِنْدَ غَيْرِكُمُ
وَبُدِّلَ الْعُذْرُ بِالفُسْطَاطِ وَالرَّسَنُ
٢٥٨عِنْدَ الْهُمَامِ أَبِي الْمِسْكِ الَّذِي غَرِقَتْ
فِي جُودِهِ مُضَرُ الْحَمْرَاءِ وَاليَمَنُ
٢٥٩وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنِّي بَعْضُ مَوْعِدِهِ
فَمَا تَأَخَّرُ آمَالِي وَلَا تَهِنُ
٢٦٠هُوَ الْوَفِيُّ وَلَكِنِّي ذَكَرْتُ لَهُ
مَوَدَّةً فَهْوَ يَبْلُوهَا وَيَمْتَحِنُ
٢٦١وقال بمصر ولم ينشدها كافورًا:
صَحِبَ النَّاسُ قَبْلَنَا ذَا الزَّمَانَا
وَعَنَاهُمْ مِنْ شَأْنِهِ مَا عَنَانَا
٢٦٢وَتَوَلَّوْا بِغُصَّةٍ كُلُّهُمْ مِنـْ
ـهُ وَإِنْ سَرَّ بَعْضَهُمْ أَحْيَانَا
٢٦٣رُبَّمَا تُحْسِنُ الصَّنِيعَ لَيَالِيـ
ـهِ وَلَكِنْ تُكَدِّرُ الْإِحْسَانَا
٢٦٤وَكَأَنَّا لَمْ يَرْضَ فِينَا بِرَيْبِ الدْ
دَهْرِ حَتَّى أَعَانَهُ مَنْ أَعَانَا
٢٦٥كُلَّمَا أَنْبَتَ الزَّمَانُ قَنَاةً
رَكَّبَ الْمَرْءُ فِي الْقَنَاةِ سِنَانَا
٢٦٦وَمُرَادُ النُّفُوسِ أَصْغَرُ مِنْ أَنْ
نَتَعَادَى فِيهِ وَأَنْ نَتَفَانَى
٢٦٧غَيْرَ أَنَّ الْفَتَى يُلَاقِي الْمَنَايَا
كَالِحَاتٍ وَلَا يُلَاقِي الْهَوَانَا
٢٦٨وَلَوَ أَنَّ الْحَيَاةَ تَبْقَى لِحَيٍّ
لَعَدَدْنَا أَضَلَّنَا الشُّجْعَانَا
٢٦٩وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَوْتِ بُدٌّ
فَمِنَ الْعَجْزِ أَنْ تَكُونَ جَبَانَا
٢٧٠كُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الصَّعْبِ فِي الْأَنـْ
ـفُسِ سَهْلٌ فِيهَا إِذَا هُوَ كَانَا
٢٧١وقال يذكر خروج شبيب العُقَيلي على الأستاذ كافور، وقتله بدمشق سنة ثمانٍ وأربعين وثلاثمائة:
عَدُوُّكَ مَذْمُومٌ بِكُلِّ لِسَانِ
وَلَوْ كَانَ مِنْ أَعْدَائِكَ الْقَمَرَانِ
٢٧٢وَللهِ سِرٌّ فِي عُلَاكَ وَإِنَّمَا
كَلَامُ الْعِدَا ضَرْبٌ مِنَ الْهَذَيَانِ
٢٧٣أَتَلْتَمِسُ الْأَعْدَاءُ بَعْدَ الَّذِي رَأَتْ
قِيَامَ دَلِيلٍ أَوْ وُضُوحَ بَيَانِ؟!
٢٧٤رَأَتْ كُلَّ مَنْ يَنْوِي لَكَ الْغَدْرَ يُبْتَلَى
بِغَدْرِ حَيَاةٍ أَوْ بِغَدْرِ زَمَانِ
٢٧٥بِرَغْمِ شَبِيبٍ فَارَقَ السَّيْفُ كَفَّهُ
وَكَانَا عَلَى الْعِلَّاتِ يَصْطَحِبَانِ
٢٧٦كَأَنَّ رِقَابَ النَّاسِ قَالَتْ لِسَيْفِهِ:
رَفِيقُكَ قَيْسِيٌّ وَأَنْتَ يَمَانِ
٢٧٧فَإِنْ يَكُ إِنْسَانًا مَضَى لِسَبِيلِهِ
فَإِنَّ الْمَنَايَا غَايَةُ الْحَيَوَانِ
٢٧٨وَمَا كَانَ إِلَّا النَّارَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ
تُثِيرُ غُبَارًا فِي مَكَانِ دُخَانِ
٢٧٩فَنَالَ حَيَاةً يَشْتَهِيهَا عَدُوُّهُ
وَمَوْتًا يُشَهِّي الْمَوْتَ كُلَّ جَبَانِ
٢٨٠نَفَى وَقْعَ أَطْرَافِ الرِّمَاحِ بِرُمْحِهِ
وَلَمْ يَخْشَ وَقْعَ النَّجْمِ وَالدَّبَرَانِ
٢٨١وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ الْمَوْتَ فَوْقَ شَوَاتِهِ
مُعَارُ جَنَاحٍ مُحسِنِ الطَّيَرَانِ
٢٨٢وَقَدْ قَتَلَ الْأَقرَانَ حَتَّى قَتَلْتَهُ
بِأَضْعَفِ قِرْنٍ فِي أَذَلِّ مَكَانِ
٢٨٣أَتَتْهُ الْمَنَايَا فِي طَرِيقٍ خَفِيَّةٍ
عَلَى كُلِّ سَمْعٍ حَوْلَهُ وَعِيَانِ
٢٨٤وَلَوْ سَلَكَتْ طُرْقَ السِّلَاحِ لَرَدَّهَا
بِطُولِ يَمِينٍ وَاتِّسَاعِ جَنَانِ
٢٨٥تَقَصَّدَهُ الْمِقْدَارُ بَيْنَ صِحَابِهِ
عَلَى ثِقَةٍ مِنْ دَهْرِهِ وَأَمَانِ
٢٨٦وَهَلْ يَنْفَعُ الْجَيْشُ الْكَثِيرُ الْتِفَافُهُ
عَلَى غَيْرِ مَنْصُورٍ وَغَيْرِ مُعَانِ؟!
٢٨٧وَدَى مَا جَنَى قَبْلَ الْمَبِيتِ بِنَفْسِهِ
وَلَمْ يَدِهِ بِالْجَامِلِ الْعَكَنَانِ
٢٨٨أَتُمْسِكُ مَا أَوْلَيْتُهُ يَدُ عَاقِلٍ
وَتُمْسِكُ فِي كُفْرَانِهِ بِعِنَانِ؟!
٢٨٩وَيَرْكَبُ مَا أَرْكَبْتَهُ مِنْ كَرَامَةٍ
وَيَرْكَبُ لِلْعِصْيَانِ ظَهْرَ حِصَانِ
٢٩٠ثَنَى يَدَهُ الْإِحْسَانُ حَتَّى كَأَنَّهَا
وَقَدْ قُبِضَتْ كَانَتْ بِغَيْرِ بَنَانِ
٢٩١وَعِنْدَ مَنِ الْيَوْمَ الْوَفَاءُ لِصَاحِبٍ
شَبِيبٌ وَأَوْفَى مَنْ تَرَى أَخَوَانِ؟!
٢٩٢قَضَى اللهُ يَا كَافُورُ أَنَّكَ أَوَّلٌ
وَلَيْسَ بِقَاضٍ أَنْ يُرَى لَكَ ثَانِ
٢٩٣فَمَا لَكَ تَخْتَارُ الْقِسِيَّ وَإِنَّمَا
عَنِ السَّعْدِ يَرْمِي دُونَكَ الثَّقَلَانِ؟!
٢٩٤وَمَا لَكَ تُعْنَى بِالْأَسِنَّةِ وَالْقَنَا
وَجَدُّكَ طَعَّانٌ بِغَيْرِ سِنَانِ؟!
٢٩٥وَلِمْ تَحْمِلُ السَّيفَ الطَّوِيلَ نِجَادُهُ
وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْهُ بِالْحَدَثَانِ؟!
٢٩٦أَرِدْ لي جَمِيلًا جُدْتَ أَوْ لَمْ تَجُدْ بِهِ
فَإِنَّكَ مَا أَحْبَبْتَ فِيَّ أَتَانِي
٢٩٧لَوِ الْفَلَكَ الدَّوَّارَ أَبْغَضْتَ سَعْيَهُ
لَعَوَّقَهُ شَيْءٌ عَنِ الدَّوَرَانِ
٢٩٨ونظر يومًا إلى كافور فقال:
لَوْ كَانَ ذَا الْآكِلُ أَزْوَادَنَا
ضَيْفًا لَأَوْسَعْنَاهُ إِحْسَانَا
٢٩٩لَكِنَّنَا فِي الْعَيْنِ أَضْيَافُهُ
يُوسِعُنَا زُورًا وَبُهْتَانَا
٣٠٠فَلَيْتَهُ خَلَّى لَنَا سُبْلنَا
أَعَانَهُ اللهُ وَإِيَّانَا
٣٠١وكتب إلى يوسف بن عبد العزيز الخزاعي في بُلْبِيس يطلب منه دليلًا فأنفذه إليه:
جَزَى عَرَبًا أَمْسَتْ بِبُلْبَيْسَ رَبُّهَا
بِمَسْعَاتِهَا تَقْرَرْ بِذَاكَ عُيُونُهَا
٣٠٢كَرَاكِرَ مِنْ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ سَاهِرًا
جُفُونُ ظُبَاهَا لِلْعُلَا وَجُفُونُهَا
٣٠٣وَخَصَّ بِهِ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ يُوسُفٍ
فَمَا هُوَ إِلَّا غَيْثُهَا وَمَعِينُهَا
٣٠٤فَتًى زَانَ فِي عَيْنَيَّ أَقْصَى قَبِيلِهِ
وَكَمْ سَيِّدٍ فِي حِلَّةٍ لَا يَزِينُهَا
٣٠٥وقال يمدح عضد الدولة وولديه: أبا الفوارس وأبا دلف، ويذكر طريقه بشعب بوَّان:
مَغَانِي الشِّعْبِ طِيبًا فِي الْمَغَانِي
بِمَنْزِلَةِ الرَّبِيعِ مِنَ الزَّمَانِ
٣٠٦وَلَكِنَّ الْفَتَى الْعَرَبِيَّ فِيهَا
غَرِيبُ الْوَجْهِ وَالْيَدِ وَاللِّسَانِ
٣٠٧مَلَاعِبُ جِنَّةٍ لَوْ سَارَ فِيهَا
سُلَيْمَانٌ لَسَارَ بِتَرْجُمَانِ
٣٠٨طَبَتْ فُرْسَانَنَا وَالْخَيْلَ حَتَّى
خَشِيتُ وَإِنْ كَرُمْنَ مِنَ الْحِرَانِ
٣٠٩غَدَوْنَا تَنْفُضُ الْأَغْصَانُ فِيهَا
عَلَى أَعْرافِهَا مِثْلَ الْجُمَانِ
٣١٠فَسِرْتُ وَقَدْ حَجَبْنَ الشَّمْسَ عَنِّي
وَجِبْنَ مِنَ الضِّيَاءِ بِمَا كَفَانِي
٣١١وَأَلْقَى الشَّرْقُ مِنْهَا فِي ثِيَابِي
دَنَانِيرًا تَفِرُّ مِنَ الْبنَانِ
٣١٢لَهَا ثَمَرٌ تُشِيرُ إِلَيْكَ مِنْهُ
بِأَشْرِبَةٍ وَقَفْنَ بِلَا أَوَانِي
٣١٣وَأَمْوَاهٌ تَصِلُّ بِهَا حَصَاهَا
صَلِيلَ الْحَلْيِ فِي أَيْدِي الْغَوَانِي
٣١٤وَلَوْ كَانَتْ دِمَشْقَ ثَنَى عِنَانِي
لَبِيقُ الثُّرْدِ صِينِيُّ الْجِفَانِ
٣١٥يَلَنْجُوجِيُّ مَا رُفِعَتْ لِضَيْفٍ
بِهِ النِّيرَانُ نَدِّيُّ الدُّخَانِ
٣١٦تَحِلُّ بِهِ عَلَى قَلْبٍ شُجَاعٍ
وَتَرْحَلُ مِنْهُ عَنْ قَلْبٍ جَبَانِ
٣١٧مَنَازِلُ لَمْ يَزَلْ مِنْهَا خَيَالٌ
يُشَيِّعُنِي إِلَى النِّوْبَنْذَجَانِ
٣١٨إِذَا غَنَّى الْحَمَامُ الْوُرْقُ فِيهَا
أَجَابَتْهُ أَغَانِيُّ الْقِيَانِ
٣١٩وَمَنْ بِالشِّعْبِ أَحْوَجُ مِنْ حَمَامٍ
إِذَا غَنَّى وَنَاحَ إِلَى الْبَيَانِ
٣٢٠وَقَدْ يَتَقَارَبُ الْوَصْفَانِ جِدًّا
وَمَوْصُوفَاهُمَا مُتَبَاعِدَانِ
٣٢١يَقُولُ بِشِعْبِ بَوَّانٍ حِصَاني:
أَعَنْ هَذَا يُسَارُ إِلَى الطِّعَانِ؟!
٣٢٢أَبُوكُمْ آدَمٌ سَنَّ الْمَعَاصِي
وَعَلَّمَكُمْ مُفَارَقَةَ الْجِنَانِ
٣٢٣فَقُلْتُ: إِذَا رَأَيْتُ أَبَا شُجَاعٍ
سَلَوْتُ عَنِ الْعِبَادِ وَذَا الْمَكَانِ
٣٢٤فَإِنَّ النَّاسَ وَالدُّنْيَا طَرِيقٌ
إِلَى مَنْ مَا لَهُ فِي النَّاسِ ثَانِ
٣٢٥لَقَدْ عَلَّمْتُ نَفْسِي الْقَوْلَ فِيهِمْ
كَتَعْلِيمِ الطَّرَادِ بِلَا سِنَانِ
٣٢٦بِعَضْدِ الدَّوْلَةِ امْتَنَعَتْ وَعَزَّتْ
وَلَيْسَ لِغَيْرِ ذِي عَضُدٍ يَدَانِ
٣٢٧وَلَا قَبْضٌ عَلَى الْبِيضِ المَوَاضِي
وَلَا حَظٌّ مِنَ السُّمْرِ اللِّدَانِ
٣٢٨دَعَتْهُ بِمَفْزَعِ الْأَعْضَاءِ مِنْهَا
لِيَوْمِ الْحَرْبِ بِكْرٍ أَوْ عَوَانِ
٣٢٩فَمَا يُسْمِي كَفَنَّاخُسْرَ مُسْمٍ
وَلَا يُكْنِي كَفَنَّاخُسْرَ كَانِي
٣٣٠وَلَا تُحْصَى فَضَائِلُهُ بِظَنٍّ
وَلَا الْإِخْبَارِ عَنْهُ وَلَا الْعِيَانِ
٣٣١أُرُوضُ النَّاسِ مِنْ تُرْبٍ وَخَوْفٍ
وَأَرْضُ أَبِي شُجَاعٍ مِنْ أَمَانِ
٣٣٢تُذِمُّ عَلَى اللُّصُوصِ لِكُلِّ تَجْرٍ
وَيَضْمَنُ لِلصَّوَارِمِ كُلَّ جَانِي
٣٣٣إِذَا طَلَبَتْ وَدَائِعُهُمْ ثِقَاتٍ
دُفِعْنَ إِلَى الْمَحَانِي وَالرِّعَانِ
٣٣٤فَبَاتَتْ فَوْقَهُنَّ بِلَا صِحَابٍ
تَصِيحُ بِمَنْ يَمُرُّ: أَمَا تَرَانِي؟
٣٣٥رُقَاهُ كُلُّ أَبْيَضَ مَشْرَفِيٍّ
لِكُلِّ أَصَمَّ صِلٍّ أُفْعُوَانِ
٣٣٦وَمَا تُرْقَى لُهَاهُ مِنْ نَدَاهُ
وَلَا الْمَالُ الْكَرِيمُ مِنَ الْهَوَانِ
٣٣٧حَمَى أَطْرَافَ فَارِسَ شَمَّرِيٌّ
يَحُضُّ عَلَى التَّبَاقِي بِالتَّفَانِي
٣٣٨بِضَرْبٍ هَاجَ أَطْرَابَ الْمَنَايَا
سِوَى ضَرْبِ الْمَثَالِثِ وَالْمَثَانِي
٣٣٩كَأَنَّ دَمَ الْجَمَاجِمِ فِي الْعَنَاصِي
كَسَا الْبُلْدَانَ رِيشَ الْحَيقُطَانِ
٣٤٠فَلَوْ طُرِحَتْ قُلُوبُ الْعِشْقِ فِيهَا
لَمَا خَافَتْ مِنَ الْحَدَقِ الْحِسَانِ
٣٤١وَلَمْ أَرَ قَبْلَهُ شِبْلَيْ هِزَبْرٍ
كَشِبْلَيْهِ وَلَا مُهْرَيْ رِهَانِ
٣٤٢أَشَدَّ تَنَازُعًا لِكَرِيمِ أَصْلٍ
وَأَشْبَهَ مَنْظَرًا بِأَبٍ هِجَانِ
٣٤٣وَأَكْثَرَ فِي مَجَالِسِهِ اسْتِمَاعًا
فُلَانٌ دَقَّ رُمْحًا فِي فُلَانِ
٣٤٤وَأَوَّلُ رَأْيَةٍ رَأَيَا الْمَعَالِي
فَقَدْ عَلِقَا بِهَا قَبْلَ الْأَوَانِ
٣٤٥وَأَوَّلُ لَفْظَةٍ فَهِمَا وَقَالَا
إِغَاثَةُ صَارِخٍ أَوْ فَكُّ عَانِ
٣٤٦وَكُنْتَ الشَّمْسَ تَبْهَرُ كُلَّ عَيْنٍ
فَكَيْفَ وَقَدْ بَدَتْ مَعَهَا اثْنَتَانِ؟!
٣٤٧فَعَاشَا عِيشَةَ الْقَمَرَيْنِ يُحْيَا
بِضَوْئِهِمَا وَلَا يَتَحَاسَدَانِ
٣٤٨وَلَا مَلَكَا سِوَى مُلْكِ الْأَعَادِي
وَلَا وَرِثَا سِوَى مَنْ يَقْتُلَانِ
٣٤٩وَكَانَ ابْنَا عَدُوٍّ كَاثَرَاهُ
لَهُ يَاءَيْ حُرُوفِ أُنَيْسِيَانِ
٣٥٠دُعَاءٌ كَالثَّنَاءِ بِلَا رِئَاءٍ
يُؤَدِّيهِ الْجَنَانُ إِلَى الْجَنَانِ
٣٥١فَقَدْ أَصْبَحْتَ مِنْهُ فِي فِرِنْدٍ
وَأَصْبَحَ مِنْكَ فِي عَضْبٍ يَمَانِ
٣٥٢وَلَوْلَا كَوْنُكُمْ فِي النَّاسِ كَانُوا
هُرَاءً كَالْكَلَامَ بِلَا مَعَانِي
٣٥ قافية الهاء
وذكر سيف الدولة جَدَّ أبي العشائر وأباه فقال:
أَغْلَبُ الْحَيِّزَيْنِ مَا كُنْتَ فِيهِ
وَوَلِيُّ النَّمَاءِ مَنْ تَنْمِيهِ
١ذَا الَّذِي أَنْتَ جَدُّهُ وَأَبُوهُ
دِنْيَةً دُونَ جَدِّهِ وَأَبِيهِ
٢وأجمل سيف الدولة ذكره وهو يسايره فقال:
أَنَا بِالْوُشَاةِ إِذَا ذَكَرْتُكَ أَشْبَهُ
تَأْتِي النَّدَى وَيُذَاعُ عَنْكَ فَتَكْرَهُ
٣وَإِذَا رَأَيْتُكَ دُونَ عِرْضِي عَارِضًا
أَيْقَنْتُ أَنَّ اللهَ يَبْغِي نَصْرَهُ
٤وقال يمدح أبا العشائر ويودعه، وقد أراد سفرًا:
النَّاسُ مَا لَمْ يَرَوْكَ أَشْبَاهُ
وَالدَّهْرُ لَفْظٌ وَأَنْتَ مَعْنَاهُ
٥وَالْجُودُ عَيْنٌ وَأَنْتَ نَاظِرُهَا
وَالْبَأْسُ بَاعٌ وَأَنْتَ يُمْنَاهُ
٦أَفْدِي الَّذِي كُلُّ مَأْزِقٍ حَرِجٍ
أَغْبَرَ فُرْسَانُهُ تَحَامَاهُ
٧أَعْلَى قَنَاةِ الْحُسَيْنِ أَوْسَطُهَا
فِيهِ وَأَعْلَى الْكَمِيِّ رِجْلَاهُ
٨تُنْشِدُ أَثُوابُنَا مَدَائِحَهُ
بِأَلْسُنٍ مَا لَهُنَّ أَفْوَاهُ
٩إِذَا مَرَرْنَا عَلَى الْأَصَمِّ بِهَا
أَغْنَتْهُ عَنْ مِسْمَعَيْهِ عَيْنَاهُ
١٠سُبْحَانَ مَنْ خَارَ لِلْكَوَاكِبِ بِالـْ
ـبُعْدِ ولَوْ نِلْنَ كُنَّ جَدْوَاهُ
١١لَوْ كَانَ ضَوْءُ الشُّمُوسِ فِي يَدِهِ
لَصَاعَهُ جُودُهُ وَأفْنَاهُ
١٢يَا رَاحِلًا كُلُّ مَنْ يُوَدِّعُهُ
مُوَدِّعٌ دِينَهُ وَدُنْيَاهُ
١٣إِنْ كَانَ فِيمَا نَرَاهُ مِنْ كَرَمٍ
فِيكَ مَزِيدٌ فَزَادَكَ اللهُ
١٤وقال قوم: لم يكنك أبو الطيب يا أبا العشائر، وأنت تعرف بكنيتك، فقال:
قَالُوا: أَلَمْ تَكْنِهِ؟ فقُلتُ لَهُمْ:
ذَلِكَ عِيٌّ إِذَا وَصَفْنَاهُ
١٥لَا يَتَوَقَّى أَبُو الْعَشَائِرِ مِنْ
لَبْسِ مَعَانِي الْوَرَى بِمَعْنَاهُ
١٦أَفْرَسُ مَنْ تَسْبَحُ الْجِيَادُ بِهِ
وَلَيْسَ إِلَّا الْحَدِيدَ أَمْوَاهُ
١٧وكان الأسود قد عمر دارًا، وانتقل إليها فمات له فيها خمسون غلامًا، ففزع من ذلك وخرج منها إلى دار أخرى، فقال وأنشده إياها في شهر المحرم سنة سبع وأربعين وثلاثمائة:
أَحَقُّ دَارٍ بِأَنْ تُسْمَى مُبَارَكَةً
دَارٌ مُبَارَكَةُ الْمَلْكِ الَّذِي فِيهَا
١٨وَأَجْدَرُ الدُّورِ أَنْ تُسْقَى بِسَاكِنِهَا
دَارٌ غَدَا النَّاسُ يَسْتَسْقُونَ أَهْلِيهَا
١٩هَذِي مَنَازِلُكَ الْأُخْرَى نُهَنِّئُهَا
فَمَنْ يَمُرُّ عَلَى الْأُولَى يُسَلِّيهَا؟
٢٠إِذَا حَلَلْتَ مَكَانًا بَعْدَ صَاحِبِهِ
جَعَلْتَ فِيهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ تِيهَا
٢١لَا يُنْكَرُ الْعَقْلُ مِنْ دَارٍ تَكُونُ بِهَا
فَإِنَّ رِيحَكَ رُوحٌ فِي مَغَانِيهَا
٢٢أَتَمَّ سَعْدَكَ مَنْ لَقَّاكَ أَوَّلَهُ
وَلَا اسْتَرَدَّ حَيَاةً مِنْكَ مُعْطِيهَا
٢٣ونزل أبو الطيب في أرض حِسْمَى برجل يقال له: وردان بن ربيعة الطائي، فاستغوى وردان عبيد أبي الطيب؛ فجعلوا يسرقون له من أمتعته، فلما شعر أبو الطيب بذلك ضرب أحد عبيده بالسيف فأصاب وجهه، وأمر الغلمان فأجهزوا عليه كما تقدم — وقال يهجو وردان:
لَئِنْ تَكُ طَيِّئٌ كَانَتْ لِئَامًا
فَأَلْأَمُهَا رَبِيعَةُ أَوْ بَنُوهُ
وَإِنْ تَكُ طَيِّئٌ كَانَتْ كِرَامًا
فَوَرْدَانٌ لِغَيْرِهِمِ أَبُوهُ
٢٤مَرَرْنَا مِنْهُ فِي حِسْمَى بِعَبْدٍ
يَمُجُّ اللُّؤْمَ مَنْخِرُهُ وَفُوهُ
٢٥أَشَذَّ بِعِرْسِهِ عَنِّي عَبِيدِي
فَأَتْلَفَهُمْ وَمَالِي أَتْلَفُوهُ
٢٦فَإِنْ شَقِيَتْ بِأَيْدِيهِمْ جِيَادِي
لَقَدْ شَقِيَتْ بِمُنْصُلِيَ الْوُجُوهُ
٢٧وقال يمدح عضد الدولة أبا شجاع فَنَّاخُسْرَوْ سنة أربع وخمسين وثلاثمائة:
أَوْهِ بَدِيلٌ مِنْ قَوْلَتِي: وَاهَا
لِمَنْ نَأَتْ وَالْبَدِيلُ ذِكْرَاهَا
٢٨أَوْهِ لِمَنْ لَا أَرَى مَحَاسِنَهَا
وَأَصْلُ وَاهًا وَأَوْهِ مَرْآهَا
٢٩شَامِيَّةٌ طَالَمَا خَلَوْتُ بِهَا
تُبْصِرُ فِي نَاظِرِي مُحَيَّاهَا
٣٠فَقَبَّلَتْ نَاظِرِي تُغَالِطُنِي
وَإِنَّمَا قَبَّلَتْ بِهِ فَاهَا
٣١فَلَيْتَهَا لَا تَزَالُ آوِيَةً
وَلَيْتَهُ لَا يَزَالُ مَأْوَاهَا
٣٢كُلُّ جَرِيحٍ تُرْجَى سَلَامَتُهُ
إِلَّا فُؤَادًا دَهَتْهُ عَيْنَاهَا
٣٣تَبُلُّ خَدَّيَّ كُلَّمَا ابْتَسَمَتْ
مِنْ مَطَرٍ بَرْقُهُ ثَنَايَاهَا
٣٤مَا نَفَضَتْ فِي يَدِي غَدَائِرُهَا
جَعَلْتُهُ فِي الْمُدَامِ أَفْوَاهَا
٣٥فِي بَلَدٍ تُضْرَبُ الْحِجَالُ بِهِ
عَلَى حِسَانٍ وَلَسْنَ أَشْبَاهَا
٣٦لَقِينَنَا وَالْحُمُولُ سَائِرَةٌ
وَهُنَّ دُرٌّ فَذُبْنَ أَمْوَاهَا
٣٧كُلُّ مَهَاةٍ كَأَنَّ مُقْلَتَهَا
تَقُولُ: إِيَّاكُمُ وَإِيَّاهَا!
٣٨فِيهِنَّ مَنْ تَقْطُرُ السُّيُوفُ دَمًا
إِذَا لِسَانُ الْمُحِبِّ سَمَّاهَا
٣٩أُحِبُّ حِمْصًا إِلَى خُنَاصِرَةٍ
وَكُلُّ نَفْسٍ تُحِبُّ مَحْيَاهَا
٤٠حَيْثُ الْتَقَى خَدُّهَا وَتُفَّاحُ لُبـْ
ـنَانَ وَثَغْرِي عَلَى حُمَيَّاهَا
٤١وَصِفْتُ فِيهَا مَصِيفَ بَادِيَةٍ
شَتَوْتُ بِالصَّحْصَحَانِ مَشْتَاهَا
٤٢إِنْ أَعْشَبَتْ رَوْضَةٌ رَعَيْنَاهَا
أَوْ ذُكِرَتْ حِلَّةٌ غَزَوْنَاهَا
٤٣أَوْ عَرَضَتْ عَانَةٌ مُقَزَّعَةٌ
صِدْنَا بِأُخْرَى الْجِيَادِ أُوْلَاهَا
٤٤أَوْ عَبَرَتْ هَجْمَةٌ بِنَا تُرِكَتْ
تَكُوسُ بَيْنَ الشُّرُوبِ عَقْرَاهَا
٤٥وَالْخَيْلُ مَطْرُودَةٌ وَطَارِدَةٌ
تَجُرُّ طُولَى الْقَنَا وَقُصْرَاهَا
٤٦يُعْجِبُهَا قَتْلُهَا الْكُمَاةَ وَلَا
يُنْظِرُهَا الدَّهْرُ بَعْدَ قَتْلَاهَا
٤٧وَقَدْ رَأَيْتُ الْمُلُوكَ قَاطِبَةً
وَسِرْتُ حَتَّى رَأَيْتُ مَوْلَاهَا
٤٨وَمَنْ مَنَايَاهُمُ بِرَاحَتِهِ
يَأْمُرُهَا فِيهِمِ وَيَنْهَاهَا
٤٩أَبَا شُجَاعٍ بِفَارِسٍ عَضُدَ الدَّ
وْلَةِ فَنَّاخُسْرُوْ شَهَنْشَاهَا
٥٠أَسَامِيًا لَمْ تَزِدْهُ مَعْرِفَةً
وَإِنَّمَا لَذَّةً ذَكَرْنَاهَا
٥١تَقُودُ مُسْتَحْسَنَ الْكَلَامِ لَنَا
كَمَا تَقُودُ السَّحَابَ عُظْمَاهَا
٥٢هُوَ النَّفِيسُ الَّذِي مَوَاهِبُهُ
أَنْفَسُ أَمْوَالِهِ وَأَسْنَاهَا
٥٣لَوْ فَطِنَتْ خَيْلُهُ لِنَائِلِهِ
لَمْ يُرْضِهَا أَنْ تَرَاهُ يَرْضَاهَا
٥٤لَا تَجِدُ الْخَمْرُ فِي مَكَارِمِهِ
إِذَا انْتَشَى خَلَّةً تَلَافَاهَا
٥٥تُصَاحِبُ الرَّاحُ أَرْيَحِيَّتَهُ
فَتَسْقُطُ الرَّاحُ دُونَ أَدْنَاهَا
٥٦تَسُرُّ طَرْبَاتُهُ كَرَائِنَهُ
ثُمَّ تُزِيلُ السُّرُورَ عُقْبَاهَا
٥٧بِكُلِّ مَوْهُوبَةٍ مُوَلْوَلَةٍ
قَاطِعَةٍ زِيرَهَا وَمَثْنَاهَا
٥٨تَعُومُ عَوْمَ القَذَاةِ فِي زَبَدٍ
مِنْ جُودِ كَفِّ الْأَمِيرِ يَغْشَاهَا
٥٩تُشْرِقُ تِيجَانُهُ بِغُرَّتِهِ
إِشْرَاقَ أَلْفَاظِهِ بِمَعْنَاهَا
٦٠دَانَ لَهُ شَرْقُهَا وَمَغْرِبُهَا
وَنَفْسُهُ تَسْتَقِلُّ دُنْيَاهَا
٦١تَجَمَّعَتْ فِي فُؤَادِهِ هِمَمٌ
مِلْءُ فُؤَادِ الزَّمَانِ إِحْدَاهَا
٦٢فَإِنْ أَتَى حَظُّهَا بِأَزْمِنَةٍ
أَوْسَعَ مِنْ ذَا الزَّمَانِ أَبْدَاهَا
٦٣وَصَارَتِ الْفَيْلَقَانِ وَاحِدَةً
تَعْثُرُ أَحْيَاؤهَا بِمَوْتَاهَا
٦٤وَدَارَتِ النَّيِّرَاتُ فِي فَلَكٍ
تَسْجُدُ أَقْمَارُهَا لِأَبْهَاهَا
٦٥الْفَارِسُ المُتَّقَى السِّلَاحُ بِهِ الـْ
ـمُثْنِي عَلَيْهِ الْوَغَى وَخَيْلَاهَا
٦٦لَوْ أَنْكَرَتْ مِنْ حَيَائِهَا يَدُهُ
فِي الْحَرْبِ آثَارَهَا عَرَفْنَاهَا
٦٧وَكَيْفَ تَخْفَى الَّتي زِيَادَتُهَا
وَنَاقِعُ الْمَوْتِ بَعْضُ سِيمَاهَا؟!
٦٨أَلْوَاسِعُ الْعُذْرِ أَنْ يَتِيهَ عَلَى الدُّ
نْيَا وَأَبْنَائِهَا وَمَا تَاهَا
٦٩لَوْ كَفَرَ الْعَالَمُونَ نِعْمَتَهُ
لَمَا عَدَتْ نَفْسُهُ سَجَايَاهَا
٧٠كَالشَّمْسِ لَا تَبْتَغِي بِمَا صَنَعَتْ
مَنْفَعَةً عِنْدَهُمْ وَلَا جَاهَا
٧١وَلِّ السَّلَاطِينَ مَنْ تَوَلَّاهَا
وَالْجَأْ إِلَيْهِ تَكُنْ حُدَيَّاهَا
٧٢وَلَا تَغُرَّنَّكَ الْإِمَارَةُ فِي
غَيْرِ أَمِيرٍ وَإِنْ بِهَا بَاهَى
٧٣فَإِنَّمَا الْمَلْكُ رَبُّ مَمْلَكَةٍ
قَدْ فَغَمَ الْخَافِقَيْنِ سَرَيَّاهَا
٧٤مُبْتَسِمٌ وَالْوُجُوهُ عَابِسَةٌ
سِلْمُ الْعِدَا عِنْدَهُ كَهَيْجَاهَا
٧٥أَلنَّاسُ كَالْعَابِدِينَ آلِهَةً
وَعَبْدُهُ كَالْمُوَحِّدِ اللهَ
قافية الياء
وفارق أبو الطيب سيف الدولة، ورحل إلى دمشق، وكاتبه الأستاذ كافور بالمسير إليه، فلما ورد مصر أخلى له كافور دارًا وخلع عليه وحمل إليه آلافًا من الدراهم، فقال يمدحه وأنشده إياها في جمادى الآخرة سنة ست وأربعين وثلاثمائة:
كَفَى بِكَ دَاءً أَنْ تَرَى الْمَوْتَ شَافِيَا
وَحَسْبُ الْمَنَايَا أَنْ يَكُنَّ أَمَانِيَا
١تَمَنَّيْتَهَا لَمَّا تَمَنَّيْتَ أَنْ تَرَى
صَدِيقًا فَأَعْيَا أَوْ عَدُوًّا مُدَاجِيَا
٢إِذَا كُنْتَ تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ بذِلَّةٍ
فَلَا تَسْتَعِدَّنَّ الْحُسَامَ الْيَمَانِيَا
٣وَلَا تَسْتَطِيلَنَّ الرِّمَاحَ لِغَارَةٍ
وَلَا تَسْتَجِيدَنَّ الْعِتَاقَ الْمَذَاكِيَا
٤فَمَا يَنْفَعُ الْأُسْدَ الْحَيَاءُ مِنَ الطَّوَى
وَلَا تُتَّقَى حَتَّى تَكُونَ ضَوَارِيَا
٥حَبَبْتُكَ قَلْبِي قَبْلَ حُبِّكَ مَنْ نَأَى
وَقَدْ كَانَ غَدَّارًا فَكُنْ أَنْتَ وَافِيَا
٦وَأَعْلَمُ أَنَّ الْبَيْنَ يُشْكِيكَ بَعْدَهُ
فَلَسْتَ فُؤَادِي إِنْ رَأَيْتُكَ شَاكِيَا
٧فَإِنَّ دُمُوعَ الْعَيْنِ غُدْرٌ بِرَبِّهَا
إِذَا كُنَّ إِثْرَ الْغَادِرِينَ جَوَارِيَا
٨إِذَا الْجُودُ لَمْ يُرْزَقْ خَلَاصًا مِنَ الْأذَى
فَلَا الْحَمْدُ مَكْسُوبًا وَلَا الْمَالُ بَاقِيَا
٩وَلِلنَّفْسِ أَخْلَاقٌ تَدُلُّ عَلَى الْفَتَى
أَكَانَ سَخَاءً مَا أَتَى أَمْ تَسَاخِيَا؟
١٠أَقِلَّ اشْتِيَاقًا أَيُّهَا الْقَلْبُ رُبَّمَا
رَأَيْتُكَ تُصْفِي الْوُدَّ مَنْ لَيْسَ جَازِيَا
١١خُلِقْتُ أَلُوفًا لَوْ رَحَلْتُ إِلَى الصِّبَا
لَفَارَقْتُ شَيْبِي مُوجَعَ الْقَلْبِ بَاكِيَا
١٢وَلَكِنَّ بِالْفُسْطَاطِ بَحْرًا أَزَرْتُهُ
حَيَاتِي وَنُصْحِي وَالْهَوَى وَالْقَوَافِيَا
١٣وَجُرْدًا مَدَدْنَا بَيْنَ آذَانِهَا الْقَنَا
فَبِتْنَ خِفَافًا يَتَّبِعْنَ الْعَوَالِيَا
١٤تَمَاشَى بِأَيْدٍ كُلَّمَا وَافَتِ الصَّفَا
نَقَشْنَ بِهِ صَدْرَ الْبُزَاةِ حَوَافِيَا
١٥وَتَنْظُرُ مِنْ سُودٍ صَوَادِقَ فِي الدُّجَى
يَرَيْنَ بَعِيدَاتِ الشُّخُوصِ كَمَا هِيَا
١٦وَتَنْصِبُ لِلْجَرْسِ الْخَفِيِّ سَوَامِعًا
يَخَلْنَ مُنَاجَاةَ الضَّمِيرِ تَنَادِيَا
١٧تُجَاذِبُ فُرْسَانَ الصَّبَاحِ أَعِنَّةً
كَأَنَّ عَلَى الْأَعْنَاقِ مِنْهَا أَفَاعِيَا
١٨بِعَزْمٍ يَسِيرُ الْجِسْمُ فِي السَّرْجِ رَاكِبًا
بِهِ وَيَسِيرُ الْقَلْبُ فِي الْجِسْمِ مَاشِيَا
١٩قَوَاصِدَ كَافُورٍ تَوَارِكَ غَيْرِهِ
وَمَنْ قَصَدَ الْبَحْرَ استَقَلَّ السَّوَاقِيَا
٢٠فَجَاءَتْ بِنَا إِنْسَانَ عَيْنِ زَمَانِهِ
وَخَلَّتْ بَيَاضًا خَلْفَهَا وَمَآقِيَا
٢١نَجُوزَ عَلَيْهَا الْمُحْسِنِينَ إِلَى الَّذِي
نَرَى عِنْدَهُمْ إِحْسَانَهُ وَالْأَيَادِيَا
٢٢فَتًى مَا سَرَيْنَا فِي ظُهُورِ جُدُودِنَا
إِلَى عَصْرِهِ إِلَّا نُرَجِّي التَّلَاقِيَا
٢٣تَرَفَّعَ عَنْ عُونِ الْمَكَارِمِ قَدْرُهُ
فَمَا يَفْعَلُ الْفَعْلَاتِ إِلَّا عَذَارِيَا
٢٤يُبِيدُ عَدَاوَاتِ الْبُغَاةِ بِلُطْفِهِ
فَإِنْ لَمْ تَبِدْ مِنْهُمْ أَبَادَ الْأَعَادِيَا
٢٥أَبَا الْمِسْكِ ذَا الْوَجْهُ الَّذِي كُنْتُ تَائِقًا
إِلَيْهِ وَذَا الْوَقْتُ الَّذِي كُنْتُ رَاجِيَا
٢٦لَقِيتُ الْمَرَوْرَى وَالشَّنَاخِيبَ دُونَهُ
وَجُبْتُ هَجِيرًا يَتْرُكُ الْمَاءَ صَادِيَا
٢٧أَبَا كُلِّ طِيبٍ لَا أَبَا الْمِسْكِ وَحْدَهُ
وَكُلَّ سَحَابٍ لَا أَخَصُّ الْغَوَادِيَا
٢٨يَدِلُّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كُلُّ فَاخِرٍ
وَقَدْ جَمَعَ الرَّحْمَنُ فِيكَ الْمَعَانِيَا
٢٩إِذَا كَسَبَ النَّاسُ الْمَعَالِيَ بِالنَّدَى
فَإِنَّكَ تُعْطِي فِي نَدَاكَ الْمَعَالِيَا
٣٠وَغَيْرُ كَثِيرٍ أَنْ يَزُورَكَ رَاجِلٌ
فَيَرْجِعَ مَلْكًا لِلْعِرَاقَيْنِ وَالِيَا
٣١فَقَدْ تَهَبُ الْجَيْشَ الَّذِي جَاءَ غَازِيًا
لِسَائِلِكَ الْفَرْدِ الَّذِي جَاءَ عَافِيَا
٣٢وَتَحْتَقِرُ الدُّنْيَا احْتِقَارَ مُجَرِّبٍ
يَرَى كُلَّ مَا فِيهَا وَحَاشَاكَ فَانِيَا
٣٣وَمَا كُنْتَ مِمَّن أَدْرَكَ الْمُلْكَ بِالْمُنَى
وَلَكِنْ بِأَيَّامٍ أَشَبْنَ النَّوَاصِيَا
٣٤عِدَاكَ تَرَاهَا فِي الْبِلَادِ مَسَاعِيًا
وَأَنْتَ تَرَاهَا فِي السَّمَاءِ مَرَاقِيَا
٣٥لَبِسْتَ لَهَا كُدْرَ الْعَجَاجِ كَأَنَّمَا
تَرَى غَيْرَ صَافٍ أَنْ تَرَى الْجَوَّ صَافِيَا
٣٦وَقُدْتَ إلَيْهَا كُلَّ أَجْرَدَ سَابِحٍ
يُؤَدِّيكَ غَضْبَانًا وَيَثْنِيكَ رَاضِيَا
٣٧وَمُخْتَرَطٍ مَاضٍ يُطِيعُكَ آمِرًا
وَيَعْصِي إِذَا اسْتَثْنَيْتَ لَوْ كُنْتَ نَاهِيَا
٣٨وَأَسْمَرَ ذِي عِشْرِينَ تَرْضَاهُ وَارِدًا
وَيَرْضَاكَ فِي إِيرَادِهِ الْخَيْلَ سَاقِيَا
٣٩كَتَائِبَ مَا انْفَكَّتْ تَجُوسُ عَمَائِرًا
مِنَ الْأَرْضِ قَدْ جَاسَتْ إِلَيْهَا فَيَافِيَا
٤٠غَزَوْتَ بِهَا دُورَ الْمُلُوكِ فَبَاشَرَتْ
سَنَابِكُهَا هَامَاتِهِمْ وَالْمَغَانِيَا
٤١وَأَنْتَ الَّذِي تَغْشَى الْأَسِنَّةَ أَوَّلًا
وَتَأَنَفُ أَنْ تَغْشَى الْأَسِنَّةَ ثَانِيَا
٤٢إِذَا الْهِنْدُ سَوَّتْ بَيْنَ سَيْفَيْ كَرِيهَةٍ
فَسَيْفُكَ فِي كَفٍّ تُزِيلُ التَّسَاوِيَا
٤٣وَمِنْ قَوْلِ سَامٍ لَوْ رَآكَ لِنَسْلِهِ:
فِدَى ابْنَ أَخِي نَسْلِي وَنَفْسِي وَمَالِيَا
٤٤مَدًى بَلَّغَ الْأُسْتَاذَ أَقْصَاهُ رَبُّهُ
وَنَفْسٌ لَهُ لَمْ تَرْضَ إِلَّا التَّنَاهِيَا
٤٥دَعَتْهُ فَلَبَّاهَا إِلَى الْمَجْدِ وَالْعُلَا
وَقَدْ خَالَفَ النَّاسُ النُّفُوسَ الدَّوَاعِيَا
٤٦فَأَصْبَحَ فَوْقَ الْعَالَمِينَ يَرَوْنَهُ
وَإِنْ كَانَ يُدْنِيهِ التَّكَرُّمُ نَائِيَا
٤٧ودخل على كافور بعد إنشاده هذه القصيدة، وابتسم إليه الأسود، ونهض فلبس نعلًا فرأى أبو الطيب شقوقًا برجليه وقبحًا، فقال يهجوه:
أُرِيكَ الرِّضَا لَوْ أَخْفَتِ النَّفْسُ خَافِيَا
وَمَا أَنَا عَنْ نَفْسِي وَلَا عَنْكَ رَاضِيَا
٤٨أَمَيْنًا وَإِخْلَافًا وَغَدْرًا وَخِسَّةً
وَجُبْنًا؟ أَشَخْصًا لُحتَ لِي أَمْ مَخَازِيَا؟!
٤٩تَظُنُّ ابْتِسَامَاتِي رَجَاءً وَغِبْطَةً
وَمَا أَنَا إِلَّا ضَاحِكٌ مِنْ رَجَائِيَا
٥٠وَتُعْجِبُنِي رِجْلَاكَ فِي النَّعْلِ إِنَّنِي
رَأَيْتُكَ ذَا نَعْلٍ إِذَا كُنْتَ حَافِيَا
٥١وَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَلَوْنُكَ أَسْوَدٌ
مِنَ الْجَهْلِ أَمْ قَدْ صَارَ أَبْيَضَ صَافِيَا؟!
٥٢وَيُذْكِرُنِي تَخْيِيطُ كَعْبِكَ شَقَّهُ
وَمَشْيَكَ فِي ثَوْبٍ مِنَ الزَّيْتِ عَارِيَا
٥٣وَلَوْلَا فُضُولُ النَّاسِ جِئْتُكَ مَادِحًا
بِمَا كُنْتُ فِي سِرِّي بِهِ لَكَ هَاجِيَا
٥٤فَأَصْبَحْتَ مَسْرُورًا بِمَا أَنَا مُنْشِدٌ
وَإِنْ كَانَ بِالْإِنْشَادِ هَجْوُكَ غَالِيَا
٥٥فَإِنْ كُنْتَ لَا خَيْرًا أَفَدْتَ فَإِنَّنِي
أَفَدْتُ بِلَحْظِي مِشْفَرَيْكَ الْمَلَاهِيَا
٥٦وَمِثْلُكَ يُؤْتَى مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ
لِيُضْحِكَ رَبَّاتِ الْحِدَادِ الْبَوَاكِيَا
٥٧
تعليقات