قافية الميم
وقال يمدح سيف الدولة، وهي أول ما أنشده سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة عند نزوله أنطاكية من ظفره بحصن بَرْزُوَيْهِ، وكان جالسًا تحت فازة من الديباج
١ عليها صورة ملك الروم وصور وحش وحيوان:
وَفَاؤُكُمَا كَالرَّبْعِ أَشْجَاهُ طَاسِمُهْ
بِأَنْ تُسْعِدَا وَالدَّمْعُ أَشْفَاهُ سَاجِمُهْ
٢وَمَا أَنَا إلَّا عَاشِقٌ كُلُّ عَاشِقٍ
أَعَقُّ خَلِيلَيْهِ الصَّفِيَّيْنِ لَائِمُهْ
٣وَقدْ يَتَزَيَّا بِالْهَوَى غَيْرُ أَهْلِهِ
ويَستَصْحِبُ الْإِنْسَانُ مَنْ لَا يُلَائِمُهْ
٤بَلِيتُ بِلَى الْأَطْلَالِ إنْ لَمْ أَقِفْ بِهَا
وُقُوفَ شَحِيحٍ ضَاعَ فِي التُّرْبِ خَاتِمُهْ
٥كَئِيبًا تَوَقَّانِي الْعَوَاذِلُ فِي الْهَوَى
كَمَا يَتَوَقَّى رَيِّضَ الْخَيْلِ حَازِمُهْ
٦قِفِي تَغْرَمِ الْأُولَى مِنَ اللَّحْظِ مُهْجَتِي
بِثَانِيَةٍ وَالْمُتْلِفُ الشَّيْءَ غَارِمُهْ
٧سَقَاكِ وَحَيَّانَا بِكِ اللهُ إِنَّمَا
عَلَى الْعِيسِ نَوْرٌ وَالْخُدُورُ كَمَائِمُهْ
٨وَمَا حَاجَةُ الْأَظْعَانِ حَوْلَكِ فِي الدُّجَى
إلَى قَمَرٍ مَا وَاجِدٌ لَكِ عَادِمُهْ؟
٩إذَا ظَفِرَتْ مِنْكِ الْعُيُونُ بِنَظْرَةٍ
أَثَابَ بِهَا مُعْيِي الْمَطِيِّ وَرَازِمُهْ
١٠حَبِيبٌ كَأَنَّ الْحُسْنَ كَانَ يُحِبُّهُ
فآثَرَهُ أَوْ جَارَ فِي الْحُسْنِ قَاسِمُهْ
١١تَحُولُ رِمَاحُ الْخَطِّ دُونَ سِبَائِهِ
وتُسْبَى لَهُ مِنْ كُلِّ حَيٍّ كَرَائِمُهْ
١٢وَيُضْحِي غُبَارُ الْخَيْلِ أَدْنَى سُتُورِهِ
وَآخِرُهَا نَشْرُ الْكِبَاءِ الْمُلَازِمُهْ
١٣وَمَا اسْتَغْرَبَتْ عَيْنِي فِرَاقًا رَأَيْتُهُ
وَلَا عَلَّمَتْنِي غَيْرَ مَا الْقَلْبُ عَالِمُهْ
١٤فَلَا يَتَّهِمْنِي الْكَاشِحُونَ فَإنَّنِي
رَعَيْتُ الرَّدَى حَتَّى حَلَتْ لِي عَلَاقِمُهْ
١٥مُشِبُّ الَّذِي يَبْكِي الشَّبَابَ مُشِيبُهُ
فكَيْفَ تَوَقِّيهِ وَبَانِيهِ هَادِمُهْ؟
١٦وَتَكْمِلَةُ الْعَيْشِ الصِّبَا وَعَقِيبُهُ
وَغَائِبُ لَوْنِ الْعَارِضَيْنِ وَقَادِمُهْ
١٧وما خَضَبَ النَّاسُ الْبَيَاضَ لِأَنَّهُ
قَبِيحٌ وَلكِنْ أَحْسَنُ الشَّعْرِ فَاحِمُهْ
١٨وَأَحْسَنُ مِنْ مَاءِ الشَّبِيبَةِ كُلِّهِ
حيَا بَارِقٍ فِي فَازَةٍ أَنَا شَائِمُهْ
١٩عَلَيْهَا رِياضٌ لَمْ تَحُكْهَا سَحَابَةٌ
وَأَغْصَانُ دَوْحٍ لَمْ تَغَنَّ حَمَائِمُهْ
٢٠وَفَوْقَ حَوَاشِي كُلِّ ثَوْبٍ مُوَجَّهٍ
مِنَ الدُّرِّ سِمْطٌ لَمْ يُثَقِّبْهُ نَاظِمُهْ
٢١تَرَى حَيَوَانَ البَرِّ مُصْطَلِحًا بِهَا
يُحَارِبُ ضِدٌّ ضِدَّهُ وَيُسَالِمُهْ
٢٢إِذَا ضَرَبَتْهُ الرِّيحُ مَاجَ كَأنَّهُ
تَجُولُ مَذَاكِيهِ وَتَدْأَى ضَرَاغِمُهْ
٢٣وَفِي صُورَةِ الرُّومِيِّ ذِي التَّاجِ ذِلَّةٌ
لِأَبْلَجَ لا تِيجَانَ إِلَّا عَمَائِمُهْ
٢٤تُقَبِّلُ أَفْوَاهُ الْمُلُوكِ بِسَاطَهُ
ويَكْبُرُ عَنْهَا كُمُّهُ وَبَرَاجِمُهْ
٢٥قِيَامًا لِمَنْ يَشْفِي مِنَ الدَّاءِ كَيُّهُ
وَمَنْ بَيْنَ أُذْنَيْ كُلِّ قَرْمٍ مَوَاسِمُهْ
٢٦قَبَائِعُهَا تَحْتَ الْمَرَافِقِ هَيْبَةً
وأنْفَذُ مِمَّا فِي الْجُفُونِ عَزَائِمُهْ
٢٧لَهُ عَسْكَرَا خَيْلٍ وَطَيْرٍ إذَا رَمَى
بِهَا عَسْكَرًا لَمْ يَبْقَ إلَّا جَمَاجِمُهْ
٢٨أَجِلَّتُها مِنْ كُلِّ طَاغٍ ثِيَابُهُ
وَمَوْطِئُهَا مِنْ كُلِّ بَاغٍ مَلَاغِمُهْ
٢٩فَقَدْ مَلَّ ضَوْءُ الصُّبْحِ مِمَّا تُغِيرُهُ
وَمَلَّ سَوَادُ اللَّيْلِ مِمَّا تُزَاحِمُهْ
٣٠وَمَلَّ الْقَنَا مِمَّا تَدُقُّ صُدُورَهُ
وَمَلَّ حَدِيدُ الْهِنْدِ مِمَّا تُلَاطِمُهْ
٣١سَحَابٌ مِن الْعِقْبَانِ يَزْحَفُ تَحْتَهَا
سَحَابٌ إِذَا اسْتَسْقَتْ سَقَتْهَا صَوَارِمُهْ
٣٢سَلَكْتُ صُرُوفَ الدَّهْرِ حَتَّى لَقِيتُهُ
عَلَى ظَهْرِ عَزْمٍ مُؤْيَدَاتٍ قَوَائِمُهْ
٣٣مَهَالِكَ لَمْ تَصْحَبْ بِهَا الذِّئْبَ نَفْسُهُ
وَلَا حَمَلَتْ فِيهَا الْغُرَابَ قَوَادِمُهْ
٣٤فَأَبْصَرْتُ بَدْرًا لا يَرَى الْبَدْرُ مِثْلَهُ
وَخَاطَبْتُ بَحْرًا لَا يَرَى الْعِبْرَ عَائِمُهْ
٣٥غَضِبْتُ لَهُ لَمَّا رَأيْتُ صِفَاتِهِ
بِلَا وَاصِفٍ وَالشِّعْرُ تَهْذِي طَمَاطِمُهْ
٣٦وَكُنْتُ إِذَا يَمَّمْتُ أَرْضًا بَعِيدَةً
سَرَيْتُ وَكُنْتُ السِّرَّ وَاللَّيْلُ كَاتِمُهْ
٣٧لَقَدْ سَلَّ سَيْفَ الدَّوْلَةِ الْمَجْدُ مُعْلِمًا
فَلَا الْمَجْدُ مُخْفِيهِ وَلَا الضَّرْبُ ثَالِمُهْ
٣٨عَلَى عاتِقِ الْمَلْكِ الْأَغَرِّ نِجَادُهُ
وَفِي يَدِ جَبَّارِ السَّمَوَاتِ قَائِمُهْ
٣٩تُحَارِبُهُ الْأَعْدَاءُ وَهْيَ عَبِيدُهُ
وتَدَّخِرُ الْأَمْوَالَ وَهْيَ غَنَائِمُهْ
٤٠وَيَسْتَكْبِرُونَ الدَّهْرَ وَالدَّهْرُ دُونَهُ
وَيَسْتَعْظِمُونَ الْمَوْتَ والْمَوْتُ خَادِمُهْ
٤١وَإِنَّ الَّذِي سَمَّى عَلِيًّا لَمُنْصِفٌ
وَإِنَّ الَّذِي سَمَّاهُ سَيْفًا لَظَالِمُهْ
وَمَا كُلُّ سَيْفٍ يَقْطَعُ الْهَامَ حَدُّهُ
وتَقْطَعُ لَزْبَاتِ الزَّمَانِ مَكَارِمُهْ
٤٢وقال يمدحه، وقد عزم على الرحيل عن أنطاكية:
أيْنَ أزْمَعْتَ أيُّهَذَا الْهُمَامُ؟
نَحْنُ نَبْتُ الرُّبَا وَأَنتَ الْغَمَامُ
٤٣نَحْنُ مَنْ ضَايَقَ الزَّمَانُ لَهُ فِيـ
ـكَ وَخَانَتْهُ قُرْبَكَ الْأيَّامُ
٤٤في سَبِيلِ الْعُلَا قِتَالُكَ وَالسِّلـْ
ـمُ وَهذَا المُقَامُ وَالإجْذَامُ
٤٥لَيْتَ أَنَّا إِذَا ارْتَحَلْتَ لَكَ الْخَيـْ
ـلُ وَأَنَّا إذَا نَزَلْتَ الْخِيَامُ
٤٦كُلَّ يَوْمٍ لَكَ احْتِمَالٌ جَدِيدُ
وَمَسِيرٌ لِلْمَجْدِ فِيهِ مُقَامُ
٤٧وَإِذَا كَانَتِ النُّفُوسُ كِبَارًا
تَعِبَتْ فِي مُرَادِهَا الْأَجْسَامُ
٤٨وَكَذَا تَطْلُعُ الْبُدُورُ عَلَيْنَا
وَكَذَا تَقْلَقُ الْبُحُورُ الْعِظَامُ
٤٩وَلَنَا عَادَةُ الْجَمِيلِ مِنَ الصَّبـْ
ـرِ لَوَ انَّا سِوَى نَوَاكَ نُسَامُ
٥٠كُلُّ عَيْشٍ مَا لَمْ تُطِبْهُ حِمَامٌ
كُلُّ شَمْسٍ مَا لَمْ تَكُنْهَا ظَلَامُ
٥١أَزِلِ الْوَحْشَةَ الَّتِي عِنْدَنَا يَا
مَنْ بِهِ يَأْنَسُ الْخَمِيسُ اللُّهَامُ
٥٢وَالَّذِي يَشْهَدُ الْوَغَى سَاكِنَ الْقَلـْ
ـبِ كَأَنَّ الْقِتَالَ فِيهَا ذِمَامُ
٥٣وَالَّذِي يَضْرِبُ الْكَتَائِبَ حَتَّى
تَتَلَاقَى الْفِهَاقُ والْأَقْدَامُ
٥٤وَإذَا حَلَّ سَاعَةً بِمَكَانٍ
فَأَذَاهُ عَلَى الزَّمَانِ حَرَامُ
٥٥وَالَّذِي تُنْبِتُ الْبِلَادُ سُرُورٌ
وَالَّذِي تَمْطُرُ السَّحَابُ مُدَامُ
٥٦كُلَّما قِيلَ: قَدْ تَنَاهَى أَرَانَا
كَرَمًا مَا اهْتَدَتْ إلَيْهِ الْكِرَامُ
٥٧وَكِفَاحًا تَكِعُّ عَنْهُ الْأَعَادِي
وَارْتِيَاحًا يَحَارُ فِيهِ الْأَنَامُ
٥٨إِنَّمَا هَيْبَةُ المُؤَمَّلِ سَيْفِ الدَّ
وْلَةِ الْمَلْكِ في الْقُلوبِ حُسَامُ
٥٩فَكَثِيرٌ مِنَ الشُّجَاعِ التَّوَقِّي
وَكَثِيرٌ مِنَ الْبَلِيغِ السَّلَامُ
٦٠وقال يمدحه أيضًا:
أنَا مِنكَ بَيْنَ فَضَائِلٍ وَمَكَارِمِ
وَمِنِ ارْتِيَاحِكَ فِي غَمَامٍ دَائِمِ
٦١وَمِنِ احْتِقَارِكَ كُلَّ مَا تَحْبُو بِهِ
فِيمَا أُلَاحِظُهُ بِعَيْنَيْ حَالِمِ
٦٢إنَّ الْخَلِيفَةَ لَمْ يُسَمِّكَ سَيْفَهَا
حَتَّى بَلَاكَ فَكُنْتَ عَيْنَ الصَّارِمِ
٦٣فَإِذَا تَتَوَّجَ كُنْتَ دُرَّةَ تَاجِهِ
وَإِذَا تَخَتَّمَ كُنْتَ فَصَّ الْخَاتِمِ
٦٤وَإِذَا انْتَضَاكَ عَلَى الْعِدَى فِي مَعْرَكٍ
هَلَكُوا وَضَاقَتْ كَفُّهُ بِالْقَائِمِ
٦٥أَبْدَى سَخَاؤُكَ عَجْزَ كُلِّ مُشَمِّرٍ
فِي وَصْفِهِ وَأَضَاقَ ذَرْعَ الْكَاتِمِ
٦٦وقال يمدحه، وكان سيف الدولة قد أمر غلمانه أن يلبسوا، وقصد ميَّافارقين في خمسة آلاف من الجند وألفين من غلمانه، ليزور قبر والدته، وذلك سنة ثمانٍ وثلاثين وثلاثمائة:
إِذَا كَانَ مَدْحٌ فَالنَّسِيبُ الْمُقَدَّمُ
أَكُلُّ فَصِيحٍ قَالَ شِعْرًا مُتَيَّمُ
٦٧لَحُبُّ ابْنِ عَبْدِ اللهِ أَوْلَى فَإنَّهُ
بِهِ يُبْدَأُ الذِّكْرُ الْجَمِيلُ وَيُخْتَمُ
٦٨أَطَعْتُ الْغَوَانِي قَبْلَ مَطْمَحِ نَاظِرِي
إِلَى مَنْظَرٍ يَصْغُرْنَ عَنْهُ وَيَعْظُمُ
٦٩تَعَرَّضَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ الدَّهْرَ كُلَّهُ
يُطَبِّقُ فِي أَوْصَالِهِ وَيُصَمِّمُ
٧٠فَجَازَ لَهُ حَتَّى عَلَى الشَّمْسِ حُكْمُهُ
وَبَانَ لَهُ حَتَّى عَلَى الْبَدْرِ مَيْسَمُ
٧١كَأَنَّ الْعِدَا في أَرْضِهِمْ خُلَفَاؤُهُ
فَإنْ شَاءَ حَازُوهَا وَإنْ شَاءَ سَلَّمُوا
٧٢وَلَا كُتْبَ إلَّا الْمَشْرَفِيَّةُ عِنْدَهُ
وَلَا رُسُلٌ إِلَّا الْخَمِيسُ الْعَرَمْرَمُ
٧٣فَلَمْ يَخْلُ مِنْ نَصْرٍ لَهُ مَنْ لَهُ يَدٌ
وَلَمْ يَخْلُ مِنْ شُكْرٍ لَهُ مَنْ لَهُ فَمُ
٧٤وَلَمْ يَخْلُ مِنْ أَسْمَائِهِ عُودُ مِنْبَرٍ
وَلَمْ يَخْلُ دِينَارٌ وَلَمْ يَخْلُ دِرْهَمُ
٧٥ضَرُوبٌ وَمَا بَيْنَ الْحُسَامَيْنِ ضَيِّقٌ
بَصِيرٌ وَمَا بَيْنَ الشُّجَاعَيْنِ مُظْلِمُ
٧٦تُبَارِي نُجُومَ الْقَذْفِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ
نُجُومٌ لَهُ مِنْهُنَّ وَرْدٌ وَأدْهَمُ
٧٧يَطَأْنَ مِنَ الْأَبْطَالِ مَنْ لَا حَمَلْنَهُ
وَمِنْ قِصَدِ الْمرَّانِ مَا لَا يُقَوَّمُ
٧٨فَهُنَّ مَعَ السِّيدَانِ فِي الْبَرِّ عُسَّلٌ
وَهُنَّ مَعَ النِّينَانِ فِي الْمَاءِ عُوَّمُ
٧٩وَهُنَّ مَعَ الْغِزْلَانِ فِي الْوَادِ كُمَّنٌ
وَهُنَّ مَعَ الْعِقْبَانِ فِي النِّيقِ حُوَّمُ
٨٠إِذَا جَلَبَ النَّاسُ الْوَشِيجَ فَإِنَّهُ
بِهِنَّ وَفي لَبَّاتِهِنَّ يُحَطَّمُ
٨١بِغُرَّتِهِ فِي الْحَرْبِ وَالسِّلْمِ والْحِجَا
وَبَذْلِ اللُّهَا وَالْحَمْدِ وَالْمَجْدِ مُعْلَمُ
٨٢يُقِرُّ لَهُ بِالْفَضْلِ مَنْ لَا يَوَدُّهُ
وَيَقْضِي لَهُ بِالسَّعْدِ مَنْ لَا يُنَجِّمُ
٨٣أَجَارَ عَلَى الْأَيَّامِ حَتَّى ظَنَنْتُهُ
تُطَالِبُهُ بِالرَّدِّ عَادٌ وَجُرْهُمُ
٨٤ضَلَالًا لِهَذِي الرِّيحِ! مَاذَا تُرِيدُهُ؟
وَهَدْيًا لِهَذَا السَّيْلِ! مَاذَا يُؤَمِّمُ؟
٨٥أَلَمْ يَسْأَلِ الْوَبْلُ الَّذِي رَامَ ثَنْيَنَا
فَيُخْبِرَهُ عَنْكَ الْحَدِيدُ الْمُثَلَّمُ
٨٦وَلَمَّا تَلَقَّاكَ السَّحَابُ بِصَوْبِهِ
تَلَقَّاهُ أعْلَى مِنْهُ كَعْبًا وَأكْرَمُ
٨٧فَبَاشَرَ وَجْهًا طَالَمَا بَاشَرَ الْقَنَا
وَبَلَّ ثِيَابًا طَالَمَا بَلَّهَا الدَّمُ
٨٨تَلَاكَ وَبَعْضُ الْغَيْثِ يَتْبَعُ بَعْضَهُ
مِنَ الشَّأْمِ يَتْلُو الْحَاذِقَ الْمُتَعَلِّمُ
٨٩فَزَارَ الَّتِي زَارَتْ بِكَ الْخَيْلُ قَبْرَهَا
وَجَشَّمَهُ الشَّوْقُ الَّذِي تَتَجَشَّمُ
٩٠وَلَمَّا عَرَضْتَ الْجَيْشَ كَانَ بَهَاؤُهُ
عَلَى الْفَارِسِ الْمُرْخِي الذُّؤَابَةَ مِنْهُمُ
٩١حَوَالَيْهِ بَحْرٌ لِلتَّجَافِيفِ مَائِجٌ
يَسِيرُ بِهِ طَرْدٌ مِنَ الْخَيْلِ أَيْهَمُ
٩٢تَسَاوَتْ بِهِ الْأَقْطَارُ حَتَّى كَأَنَّهُ
يُجَمِّعُ أَشْتَاتَ الْجِبَالِ وَيَنْظِمُ
٩٣وَكُلُّ فَتًى لِلْحَرْبِ فَوْقَ جَبِينِهِ
مِنَ الضَّرْبِ سَطْرٌ بِالْأَسِنَّةِ مُعْجَمُ
٩٤يَمُدُّ يَدَيْهِ فِي الْمُفَاضَةِ ضَيْغَمٌ
وَعَيْنَيْهِ مِنْ تَحْتِ التِّرِيكَةِ أَرْقَمُ
٩٥كَأَجْنَاسِهَا رَايَاتُهَا وَشِعَارُهَا
وَمَا لَبِسَتْهُ وَالسِّلَاحُ الْمُسَمَّمُ
٩٦وَأَدَّبَهَا طُولُ الْقِتَالِ فَطَرْفُهُ
يُشِيرُ إلَيْهَا مِنْ بَعيدٍ فَتَفْهَمُ
٩٧تُجَاوِبُهُ فِعْلًا وَمَا تَعْرِفُ الْوَحَى
وَيُسْمِعُها لَحْظًا وَمَا يَتَكَلَّمُ
٩٨تَجَانَفُ عَنْ ذَاتِ الْيَمِينِ كَأَنَّهَا
تَرِقُّ لِمَيَّافَارِقِينَ وَتَرْحَمُ
٩٩وَلَوْ زَحَمَتْهَا بِالْمَنَاكِبِ زَحْمَةً
دَرَتْ أَيُّ سُورَيْهَا الضَّعِيفُ الْمُهَدَّمُ؟
١٠٠عَلَى كُلِّ طَاوٍ تَحْتَ طَاوٍ كَأَنَّهُ
مِنَ الدَّمِ يُسْقَى أَوْ مِنَ اللَّحْمِ يُطْعَمُ
١٠١لَهَا فِي الْوَغَى زِيُّ الْفَوَارِسِ فَوْقَهَا
فكُلُّ حِصَانٍ دَارِعٌ مُتَلَثِّمُ
١٠٢وَمَا ذَاكَ بُخْلًا بِالنُّفُوسِ عَلَى الْقَنَا
وَلَكِنَّ صَدْمَ الشَّرِّ بِالشَّرِّ أَحْزَمُ
١٠٣أتَحْسِبُ بِيضُ الْهِنْدِ أَصْلَكَ أَصلَهَا
وَأنَّكَ مِنْهَا؟ سَاءَ مَا تَتَوَهَّمُ
١٠٤إِذَا نَحْنُ سَمَّيْنَاكَ خِلْنَا سُيُوفَنَا
مِنَ التِّيهِ فِي أَغْمَادِهَا تَتَبَسَّمُ
١٠٥وَلَمْ نَرَ مَلْكًا قَطُّ يُدْعَى بِدُونِهِ
فيَرْضَى وَلَكِنْ يَجْهَلُونَ وَتَحْلُمُ
١٠٦أَخَذْتَ عَلَى الْأَعْدَاءِ كُلَّ ثَنِيَّةٍ
مِنَ الْعَيْشِ تُعْطِي مَنْ تَشَاءُ وَتَحْرِمُ
١٠٧فَلَا مَوْتَ إلَّا مِنْ سِنَانِكَ يُتَّقَى
وَلَا رِزْقَ إلَّا مِنْ يَمِينِكَ يُقْسَمُ
١٠٨وقال يعاتب سيف الدولة — وأنشدها في محفل من العرب — وكان سيف الدولة إذا تأخر عنه مدحُه شق عليه وأحضر من لا خير فيه، وتقدم إليه بالتعرض له في مجلسه بما لا يحب، وأكثر عليه مرة بعد مرة، فقال يعاتبه:
وَا حَرَّ قَلْبَاهُ مِمَّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ
وَمَنْ بِجِسْمِي وَحَالِي عِنْدَهُ سَقَمُ
١٠٩مَا لِي أُكَتِّمُ حُبًّا قَدْ بَرَى جَسَدِي
وَتَدَّعِي حُبَّ سَيْفِ الدَّوْلَةِ الْأُمَمُ
١١٠إِنْ كَانَ يَجْمَعُنَا حُبٌّ لِغُرَّتِهِ
فَلَيْتَ أَنَّا بِقَدْرِ الْحُبِّ نَقْتَسِمُ
١١١قَدْ زُرْتُهُ وَسُيُوفُ الْهِنْدِ مُغْمَدَةٌ
وَقَدْ نَظَرْتُ إلَيْهِ وَالسُّيُوفُ دَمُ
١١٢فَكَانَ أَحْسَنَ خَلْقِ اللهِ كُلِّهِمِ
وَكَانَ أَحْسَنَ مَا فِي الْأَحْسَنِ الشِّيَمُ
١١٣فَوْتُ الْعَدُوِّ الَّذِي يَمَّمْتَهُ ظَفَرٌ
فِي طَيِّهِ أَسَفٌ فِي طَيِّهِ نِعَمُ
١١٤قَدْ نَابَ عَنْكَ شَدِيدُ الْخَوْفِ وَاصْطَنَعَتْ
لَكَ الْمَهَابَةُ مَا لَا تَصْنَعُ الْبُهَمُ
١١٥أَلْزَمْتَ نَفْسَكَ شَيْئًا لَيْسَ يَلْزَمُهَا
أَنْ لَا يُوَارِيَهُمْ أَرْضٌ وَلَا عَلَمُ
١١٦أَكُلَّمَا رُمْتَ جَيْشًا فانْثَنَى هَرَبًا
تَصَرَّفَتْ بِكَ فِي آثَارِهِ الْهِمَمُ؟!
١١٧عَلَيْكَ هَزْمُهُمُ فِي كُلِّ مُعْتَرَكٍ
وَمَا عَلَيْكَ بِهِمْ عَارٌ إِذَا انْهَزَمُوا
١١٨أَمَا تَرَى ظَفَرًا حُلْوًا سِوَى ظَفَرٍ
تَصَافَحَتْ فِيهِ بِيضُ الْهِنْدِ وَاللَّمَمُ
١١٩يَا أَعْدَلَ النَّاسِ إلَّا فِي مُعَامَلَتِي
فِيكَ الْخِصَامُ وَأَنْتَ الْخَصْمُ وَالْحَكَمُ
١٢٠أُعِيذُهَا نَظَرَاتٍ مِنْكَ صَادِقَةً
أَنْ تَحْسِبَ الشَّحْمَ فِيمَنْ شَحْمُهُ وَرَمُ
١٢١وَمَا انْتِفَاعُ أَخِي الدُّنْيَا بِنَاظِرِهِ
إِذَا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الْأَنْوَارُ وَالظُّلَمُ
١٢٢أَنَا الَّذِي نَظَرَ الْأَعْمَى إِلَى أَدَبِي
وَأَسْمَعَتْ كَلِمَاتِي مَنْ بِهِ صَمَمُ
١٢٣أَنَامُ مِلْءَ جُفُونِي عَنْ شَوَارِدِهَا
وَيَسْهَرُ الْخَلْقُ جَرَّاهَا وَيَخْتَصِمُ
١٢٤وَجَاهِلٍ مَدَّهُ فِي جَهْلِهِ ضَحِكِي
حَتى أَتَتْهُ يَدٌ فَرَّاسَةٌ وَفَمُ
١٢٥إِذَا نَظَرْتَ نُيُوبَ اللَّيْثِ بَارِزَةً
فَلَا تَظُنُّنَّ أَنَّ اللَّيْثَ مُبْتَسِمُ
١٢٦وَمُهْجَةٍ مُهْجَتِي مِنْ هَمِّ صَاحِبِهَا
أَدْرَكْتُهَا بِجَوَادٍ ظَهْرُهُ حَرَمُ
١٢٧رِجْلَاهُ فِي الرَّكْضِ رِجْلٌ وَالْيَدَانِ يَدٌ
وَفِعْلُهُ مَا تُرِيدُ الْكَفُّ وَالقَدَمُ
١٢٨وَمُرْهَفٍ سِرْتُ بَيْنَ الْجَحْفَلَيْنِ بِهِ
حَتَّى ضَرَبْتُ وَمَوْجُ الْمَوْتِ يَلْتَطِمُ
١٢٩فَالْخَيْلُ وَاللَّيْلُ وَالْبَيْدَاءُ تَعْرِفُنِي
وَالسَّيْفُ وَالرُّمْحُ وَالْقِرْطَاسُ وَالْقَلَمُ
١٣٠صَحِبْتُ فِي الفَلَوَاتِ الْوَحْشَ مُنفَرِدًا
حَتَّى تَعَجَّبَ مِنِّي الْقُورُ وَالْأَكَمُ
١٣١يَا مَنْ يَعِزُّ عَلَيْنَا أَنْ نُفَارِقَهُمْ
وِجْدَانُنَا كُلَّ شَيْءٍ بَعْدَكُمْ عَدَمُ
١٣٢مَا كَانَ أَخْلَقَنَا مِنْكُمْ بِتَكْرِمَةٍ
لَوْ أَنَّ أَمْرَكُمُ مِنْ أَمْرِنَا أَمَمُ!
١٣٣إِنْ كَانَ سَرَّكُمُ مَا قَالَ حَاسِدُنَا
فَمَا لِجُرْحٍ إِذَا أَرْضَاكُمُ أَلَمُ
١٣٤وَبَيْنَنَا — لَوْ رَعَيْتُمْ ذَاكَ — مَعْرِفَةٌ
إِنَّ الْمَعَارِفَ فِي أَهْلِ النُّهَى ذِمَمُ
١٣٥كَمْ تَطْلُبُونَ لَنَا عَيْبًا فيُعْجِزُكمْ!
وَيَكْرَهُ اللهُ مَا تَأْتُونَ وَالكَرَمُ
١٣٦مَا أَبْعَدَ الْعَيْبَ وَالنُّقْصَانَ عَنْ شَرَفِي!
أَنَا الثُّرَيَّا وَذَانِ الشَّيْبُ وَالْهَرَمُ
١٣٧لَيْتَ الْغَمَامَ الَّذِي عِنْدِي صَوَاعِقُهُ
يُزيلُهُنَّ إِلَى مَنْ عِنْدَهُ الدِّيَمُ!
١٣٨أَرَى النَّوَى تَقتَضِيني كلَّ مَرْحَلَة
لَا تَسْتَقِلُّ بِهَا الْوَخَّادَةُ الرُّسُمُ
١٣٩لَئِنْ تَرَكْنَ ضُمَيْرًا عَنْ مَيامِنِنَا
لَيَحْدُثَنَّ لِمَنْ وَدَّعْتُهُمْ نَدَمُ
١٤٠إذَا تَرَحَّلْتَ عَنْ قَوْمٍ وَقَدْ قَدَرُوا
أَنْ لَا تُفارِقَهُمْ فالرَّاحِلُونَ هُمُ
١٤١شَرُّ الْبِلَادِ مَكَانٌ لَا صَدِيقَ بِهِ
وَشَرُّ مَا يَكسِبُ الْإِنْسَانُ مَا يَصِمُ
١٤٢وَشَرُّ مَا قَنَصَتْهُ رَاحَتِي قَنَصٌ
شُهْبُ البُزَاةِ سَوَاءٌ فِيهِ والرَّخَمُ
١٤٣بِأَيِّ لَفْظٍ تَقُولُ الشِّعْرَ زِعْنِفَةٌ
تَجُوزُ عِنْدَكَ لَا عُرْبٌ وَلَا عَجَمُ؟
١٤٤هَذَا عِتَابُكَ إلَّا أَنَّهُ مِقَةٌ
قَدْ ضُمِّنَ الدُّرَّ إلَّا أَنَّهُ كَلِمُ
١٤٥وقال وقد عوفي سيف الدولة مما كان به:
الْمَجْدُ عُوفِيَ إِذْ عُوفِيتَ وَالْكَرَمُ
وَزَالَ عَنْكَ إِلَى أَعْدَائِكَ الْألَمُ
١٤٦صَحَّتْ بِصِحَّتِكَ الْغَارَاتُ وَابْتَهَجَتْ
بِهَا الْمَكَارِمُ وَانْهَلَّتْ بِهَا الدِّيَمُ
١٤٧وَرَاجَعَ الشَّمْسَ نُورٌ كَانَ فَارَقَهَا
كَأَنَّمَا فَقْدُهُ فِي جِسْمِهَا سَقَمُ
١٤٨وَلَاحَ بَرْقُكَ لِي مِنْ عَارِضَيْ مَلِكٍ
مَا يَسْقُطُ الْغَيْثُ إِلَّا حَيْثُ يَبْتَسِمُ
١٤٩يُسْمَى الْحُسَامَ ولَيْسَتْ مِنْ مُشَابَهَةٍ
وَكَيْفَ يَشْتَبِهُ الْمَخْدُومُ وَالْخَدَمُ؟
١٥٠تَفَرَّدَ الْعُرْبُ فِي الدُّنْيَا بِمَحْتِدِهِ
وَشَارَكَ الْعُرْبَ فِي إِحْسَانِهِ الْعَجَمُ
١٥١وَأَخْلَصَ اللهُ لِلْإِسْلَامِ نُصْرَتَهُ
وَإنْ تَقَلَّبَ فِي آلَائِهِ الْأُمَمُ
١٥٢وَمَا أَخُصُّكَ فِي بُرْءٍ بتَهْنِئَةٍ
إِذَا سَلِمْتَ فكُلُّ النَّاسِ قَدْ سَلِمُوا
١٥٣وأنفذ شاعر إلى سيف الدولة أبياتًا فيها يشكو الفقر، ويذكر أنه رآها في المنام، فقال أبو الطيب:
١٥٤قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْتَ فِي الْأَحْلَامِ
وَأَنَلْنَاكَ بَدْرَةً فِي الْمَنَامِ
١٥٥وَانْتَبَهْنَا كَمَا انْتَبَهْتَ بِلَا شَيْ
ءٍ وَكَانَ النَّوَالُ قَدْرَ الْكَلَامِ
١٥٦كُنْتَ فِيمَا كَتَبْتَهُ نَائِمَ الْعَيـْ
ـنِ فَهَلْ كُنْتَ نَائِمَ الْأَقْلَامِ؟
١٥٧أَيُّهَا الْمُشْتَكِي إِذَا رَقَدَ الْإِعـْ
ـدَامَ لَا رَقْدَةٌ مَعَ الْإِعْدَامِ
١٥٨افْتَحِ الْجَفْنَ وَاتْرُكِ الْقَوْلَ فِي النَّوْ
مِ وَمَيِّزْ خِطَابَ سَيْفِ الْأَنَامِ
١٥٩الَّذِي لَيْسَ عَنْهُ مُغْنٍ وَلَا مِنـْ
ـهُ بَدِيلٌ وَلَا لِمَا رَامَ حَامِي
١٦٠كُلُّ آبَائِهِ كِرَامُ بَنِي الدُّنـْ
ـيَا وَلكنَّهُ كَرِيمُ الْكِرَامِ
١٦١وقال يمدحه ويذكر بناءه ثغر الحدث سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة:
١٦٢عَلَى قَدْرِ أَهْلِ الْعَزْمِ تَأْتِي الْعَزَائِمُ
وَتَأْتِي عَلَى قَدْرِ الْكِرَامِ الْمَكَارِمُ
١٦٣وَتَعْظُمُ فِي عَيْنِ الصَّغِيرِ صِغَارُهَا
وَتَصْغُرُ فِي عَيْنِ الْعَظِيمِ الْعَظَائِمُ
١٦٤يُكَلِّفُ سَيْفُ الدَّوْلَةِ الْجَيْشَ هَمَّهُ
وَقَدْ عَجَزَتْ عَنْهُ الْجُيُوشُ الْخَضَارِم
١٦٥وَيَطْلُبُ عِنْدَ النَّاسِ مَا عِنْدَ نَفْسِهِ
وَذَلِكَ مَا لَا تَدَّعِيهِ الضَّرَاغِمُ
١٦٦يُفدِّي أَتَمُّ الطَّيْرِ عُمْرًا سِلَاحَهُ
نُسُورُ الْمَلَا أَحْدَاثُهَا وَالْقَشَاعِمُ
١٦٧وَمَا ضَرَّهَا خَلْقٌ بِغَيْرِ مَخَالِبٍ
وَقَدْ خُلِقَتْ أَسْيَافُهُ وَالْقَوَائِمُ
١٦٨هَلِ الْحَدَثُ الْحَمْرَاءُ تَعْرِفُ لَوْنَهَا
وَتَعْلَمُ أَيُّ السَّاقِيَيْنِ الْغَمَائِمُ؟
١٦٩سَقَتْهَا الْغَمَامُ الْغُرُّ قَبْلَ نُزُولِهِ
فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا سَقَتْهَا الْجَمَاجِمُ
١٧٠بَنَاهَا فَأَعْلَى وَالْقَنَا تَقْرَعُ الْقَنَا
وَمَوْجُ الْمَنَايَا حَوْلَهَا مُتَلَاطِمُ
١٧١وَكَانَ بِهَا مِثْلُ الْجُنُونِ فَأَصْبَحَتْ
وَمِنْ جُثَثِ الْقَتْلَى عَلَيْهَا تَمَائِمُ
١٧٢طَرِيدَةُ دَهْرٍ سَاقَهَا فَرَدَدْتَهَا
عَلَى الدِّينِ بِالْخَطِّيِّ وَالدَّهْرُ رَاغِمُ
١٧٣تُفِيتُ اللَّيَالِي كُلَّ شَيْءٍ أخَذْتَهُ
وَهُنَّ لِمَا يَأْخُذْنَ مِنْكَ غَوَارِمُ
١٧٤إِذَا كَانَ مَا تَنْوِيهِ فِعْلًا مُضَارِعًا
مَضَى قَبْلَ أَنْ تُلْقَى عَلَيْهِ الْجَوَازِمُ
١٧٥وَكَيْفَ تُرَجِّي الرُّومُ وَالرُّوسُ هَدْمَهَا
وَذَا الطَّعْنُ آسَاسٌ لَهَا وَدَعَائِمُ؟!
١٧٦وَقَدْ حَاكَمُوهَا وَالْمَنَايَا حَوَاكِمٌ
فَمَا مَاتَ مَظْلُومٌ وَلَا عَاشَ ظَالِمُ
١٧٧أَتَوْكَ يَجُرُّونَ الْحَدِيدَ كَأنَّهُمْ
سَرَوْا بِجِيَادٍ مَا لَهُنَّ قَوَائِمُ
١٧٨إِذَا بَرَقُوا لَمْ تُعْرَفِ الْبِيضُ مِنْهُمُ
ثِيَابُهُمُ مِنْ مِثْلِها وَالْعَمَائِمُ
١٧٩خَمِيسٌ بِشَرْقِ الْأَرْضِ وَالْغَرْبِ زَحْفُهُ
وَفِي أُذُنِ الْجَوْزَاءِ مِنْهُ زَمَازِمُ
١٨٠تَجَمَّعَ فِيهِ كُلُّ لِسْنٍ وَأُمَّةٍ
فَمَا تُفْهِمُ الْحُدَّاثَ إلَّا التَّرَاجِمُ
١٨١فَلِلَّهِ وَقْتٌ ذَوَّبَ الْغِشَّ نَارُهُ
فَلَمْ يَبْقَ إلَّا صَارِمٌ أَوْ ضُبَارِمُ
١٨٢تَقَطَّعَ مَا لَا يَقْطَعُ الدِّرْعَ وَالْقَنَا
وَفَرَّ مِنَ الْأَبْطَالِ مَنْ لَا يُصَادِمُ
١٨٣وَقَفْتَ وَمَا فِي الْمَوْتِ شَكٌّ لِوَاقِفٍ
كَأَنَّكَ فِي جَفْنِ الرَّدَى وَهْوَ نَائِمُ
١٨٤تَمُرُّ بِكَ الْأبْطَالُ كَلْمَى هَزِيمَةً
وَوَجْهُكَ وَضَّاحٌ وَثَغْرُكَ بَاسِمُ
١٨٥تَجَاوَزْتَ مِقْدَارَ الشَّجَاعَةِ وَالنُّهَى
إِلَى قَوْلِ قَوْمٍ: أَنْتَ بِالْغَيْبِ عَالِمُ
١٨٦ضَمَمْتَ جَنَاحَيْهِمْ عَلَى الْقَلْبِ ضَمَّةً
تَمُوتُ الْخَوَافِي تَحْتَهَا وَالْقَوَادِمُ
١٨٧بِضَرْبٍ أَتَى الْهَامَاتِ وَالنَّصْرُ غَائِبٌ
وَصَارَ إِلَى اللَّبَاتِ وَالنَّصْرُ قَادِمُ
١٨٨حَقَرْتَ الرُّدَيْنِيَّاتِ حَتَّى طَرَحْتَهَا
وَحَتَّى كَأنَّ السَّيْفَ لِلرُّمْحِ شَاتِمُ
١٨٩وَمَنْ طَلَبَ الْفَتْحَ الْجَلِيلَ فَإِنَّمَا
مَفَاتِيحُهُ الْبِيضُ الْخِفَافُ الصَّوَارِمُ
١٩٠نَثَرْتَهُمُ فَوْقَ الْأُحَيْدِبِ كُلِّهِ
كَمَا نُثِرَتْ فَوْقَ الْعَرُوسِ الدَّرَاهِمُ
١٩١تَدُوسُ بِكَ الْخَيلُ الْوُكُورَ عَلَى الذُّرَا
وَقَدْ كَثُرَتْ حَوْلَ الْوُكُورِ الْمَطَاعِمُ
١٩٢تَظُنُّ فِرَاخُ الْفُتْخِ أنَّكَ زُرْتَهَا
بِأُمَّاتِهَا وَهْيَ الْعِتَاقُ الصَّلَادِمُ
١٩٣إِذَا زَلِفَتْ مَشَّيْتَهَا بِبُطُونِهَا
كَمَا تَتَمَشَّى فِي الصَّعِيدِ الْأَرَاقِمُ
١٩٤أَفِي كُلِّ يَوْمٍ ذَا الدُّمُسْتُقُ مُقْدِمٌ
قَفَاهُ عَلَى الْإقْدَامِ لِلْوَجْهِ لَائِمُ
١٩٥أَيُنْكِرُ رِيحَ اللَّيْثِ حَتَّى يَذُوقَهُ
وَقَدْ عَرَفَتْ رِيْحَ اللُّيُوثِ الْبَهَائِمُ؟!
١٩٦وَقَدْ فَجَعَتْهُ بِابْنِهِ وَابْنِ صِهْرِهِ
وَبِالصِّهْرِ حَمْلَاتُ الْأَمِيرِ الْغَوَاشِمُ
١٩٧مَضَى يَشْكُرُ الْأَصْحَابَ فِي فَوْتِهِ الظُّبَا
بِما شَغَلَتْهَا هَامُهُمْ وَالْمَعَاصِمُ
١٩٨وَيَفْهَمُ صَوْتَ الْمَشْرَفِيَّةِ فِيهِمِ
عَلَى أَنَّ أَصْوَاتَ السُّيُوفِ أَعَاجِمُ
١٩٩يُسَرُّ بِمَا أَعْطَاكَ لَا عَنْ جَهَالَةٍ
وَلكِنَّ مَغْنُومًا نَجَا مِنْكَ غَانِمُ
٢٠٠وَلَسْتَ مَلِيكًا هَازِمًا لِنَظِيرِهِ
وَلَكِنَّكَ التَّوْحِيدُ لِلشِّرْكِ هَازِمُ
٢٠١تَشَرَّفُ عَدْنَانٌ بِهِ لَا رَبِيعَةٌ
وَتَفْتَخِرُ الدُّنْيَا بِهِ لَا الْعَوَاصِمُ
٢٠٢لَكَ الْحَمْدُ فِي الدُّرِّ الَّذِي لِيَ لَفْظُهُ
فَإِنَّكَ مُعْطِيهِ وَإنِّيَ نَاظِمُ
٢٠٣وَإِنِّي لَتَعْدُو بِي عَطَايَاكَ فِي الْوَغَى
فَلَا أَنَا مَذْمُومٌ وَلَا أَنْتَ نَادِمُ
٢٠٤عَلَى كُلِّ طَيَّارٍ إِلَيْهَا بِرِجْلِهِ
إِذَا وَقَعَتْ فِي مِسْمَعَيْهِ الْغَمَاغِمُ
٢٠٥أَلَا أَيُّهَا السَّيْفُ الَّذِي لَيْسَ مُغْمَدًا
وَلَا فِيهِ مُرْتَابٌ وَلَا مِنْهُ عَاصِمُ
٢٠٦هَنِيئًا لِضَرْبِ الْهَامِ وَالْمَجْدِ وَالْعُلَا
وَرَاجِيكَ وَالْإِسْلَامِ أَنَّكَ سَالِمُ
٢٠٧وَلِمْ لَا يَقِي الرَّحْمَنُ حَدَّيْكَ مَا وَقَى
وَتَفْلِيقُهُ هَامَ الْعِدَا بِكَ دَائِمُ؟!
٢٠٨وقال: وقد ورد فرسان الثغور ومعهم رسول ملك الروم يطلب الهدنة، وأنشده إياها بحضرتهم وقت دخولهم لثلاث عشرة بقين من المحرم سنة أربع وأربعين وثلاثمائة:
أَرَاعَ كَذَا كُلَّ المُلُوكِ هُمَامُ
وَسَحَّ لَهُ رُسْلَ المُلُوكِ غَمَامُ؟!
٢٠٩وَدَانَتْ لَهُ الدُّنْيَا فَأَصْبَحَ جَالِسًا
وَأيَّامُهَا فِيمَا يُرِيدُ قِيَامُ؟!
٢١٠إِذَا زَارَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ الرُّومَ غَازِيًا
كَفَاهَا لِمَامٌ لَوْ كَفَاهُ لِمَامُ
٢١١فَتًى تَتْبَعُ الْأَزْمَانُ فِي النَّاسِ خَطْوَهُ
لكُلِّ زَمَانٍ فِي يَدَيْهِ زِمَامُ
٢١٢تَنَامُ لَدَيْكَ الرُّسْلُ أَمْنًا وَغِبْطَةً
وَأَجْفَانُ رَبِّ الرُّسْلِ لَيْسَ تَنَامُ
٢١٣حِذَارًا لِمُعْرَوِرِي الْجِيَادِ فُجَاءَةً
إِلَى الطَّعْنِ قُبْلًا مَا لَهُنَّ لِجَامُ
٢١٤تُعَطَّفُ فِيهِ وَالْأَعِنَّةُ شَعْرُهَا
وَتُضْرَبُ فِيهِ وَالسِّيَاطُ كَلَامُ
٢١٥وَمَا تَنْفَعُ الْخَيْلُ الْكِرَامُ وَلَا الْقَنَا
إِذَا لَمْ يَكُنْ فَوْقَ الْكِرَامِ كِرَامُ
٢١٦إِلَى كَمْ تَرُدُّ الرُّسْلَ عَمَّا أَتَوْا لَهُ
كَأنَّهُمُ فِيمَا وَهَبْتَ مَلَامُ؟!
٢١٧وَإنْ كُنْتَ لَا تُعْطِي الذِّمَامَ طَوَاعَةً
فَعَوْذُ الْأَعَادِي بِالْكَرِيمِ ذِمَامُ
٢١٨وَإِنَّ نُفُوسًا أَمَّمَتْكَ مَنِيعَةٌ
وَإنَّ دِمَاءً أَمَّلَتْكَ حَرَامُ
٢١٩إذا خَافَ مَلْكٌ مِنْ مَلِيكٍ أَجَرْتَهُ
وَسَيْفَكَ خَافُوا وَالْجِوَارَ تُسَامُ
٢٢٠لَهُمْ عَنْكَ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ تَفَرُّقٌ
وَحَوْلَكَ بِالْكُتْبِ اللِّطَافِ زِحَامُ
٢٢١تَغُرُّ حَلَاوَاتُ النُّفُوسِ قُلُوبَهَا
فَتَخْتَارُ بَعْضَ الْعَيْشِ وَهْوَ حِمَامُ
٢٢٢وَشَرُّ الْحِمَامَيْنِ الزُّؤَامَيْنِ عِيشَةٌ
يَذِلُّ الَّذِي يَخْتَارُهَا وَيُضَامُ
٢٢٣فَلَوْ كَانَ صُلْحًا لَمْ يَكُنْ بِشَفَاعَةٍ
وَلَكِنَّهُ ذُلٌّ لَهُمْ وَغَرَامُ
٢٢٤وَمَنٌّ لِفُرْسَانِ الثُّغُورِ عَلَيْهِمِ
بِتَبْلِيغِهِمْ مَا لَا يَكَادُ يُرَامُ
٢٢٥كَتَائِبُ جَاءُوا خَاضِعِينَ فَأَقْدَمُوا
وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا خَاضِعِينَ لَخَامُوا
٢٢٦وَعَزَّتْ قَدِيمًا في ذَرَاكَ خُيُولُهُمْ
وَعَزُّوا وَعَامَتْ فِي نَدَاكَ وَعَامُوا
٢٢٧عَلَى وَجْهِكَ الْمَيْمُونِ فِي كُلِّ غَارَةٍ
صَلَاةٌ تَوَالَى مِنْهُمُ وَسَلَامُ
٢٢٨وَكُلُّ أُنَاسٍ يَتْبَعُونَ إِمَامَهُمْ
وَأَنْتَ لِأَهْلِ الْمَكْرُمَاتِ إِمَامُ
٢٢٩وَرُبَّ جَوَابٍ عَنْ كِتَابٍ بَعَثْتَهُ
وَعُنْوَانُهُ لِلنَّاظِرِينَ قَتَامُ
٢٣٠تَضِيقُ بِهِ الْبَيْدَاءُ مِنْ قَبْلِ نَشْرِهِ
وَمَا فُضَّ بِالْبَيْدَاءِ عَنهُ خِتَامُ
٢٣١حُرُوفُ هِجَاءِ النَّاسِ فِيهِ ثَلَاثَةٌ
جَوَادٌ وَرُمْحٌ ذَابِلٌ وَحُسَامُ
٢٣٢أَذَا الْحَرْبِ قَدْ أتْعَبْتَهَا فَالْهُ سَاعَةً
لِيُغْمَدَ نَصْلٌ أوْ يُحَلَّ حِزَامُ
٢٣٣وَإِنْ طَالَ أَعْمَارُ الرِّمَاحِ بِهُدْنَةٍ
فَإِنَّ الَّذِي يَعْمَرْنَ عِنْدَكَ عَامُ
٢٣٤وَمَا زِلْتَ تُفْنِي السُّمْرَ وَهْيَ كَثِيرَةٌ
وَتُفْنِي بِهِنَّ الْجَيْشَ وَهْوَ لُهَامُ
٢٣٥مَتَى عَاوَدَ الْجَالُونَ عَاوَدْتَ أَرْضَهُمْ
وَفِيهَا رِقَابٌ لِلسُّيُوفِ وَهَامُ
٢٣٦وَرَبَّوْا لَكَ الْأوْلَادَ حَتَّى تُصِيبَهَا
وَقَدْ كَعَبَتْ بِنْتٌ وَشَبَّ غُلَامُ
٢٣٧جَرَى مَعَكَ الْجَارُونَ حَتَّى إذا انْتَهَوْا
إِلَى الْغَايَةِ الْقُصْوَى جَرَيْتَ وَقَامُوا
٢٣٨فَلَيْسَ لِشَمْسٍ مُذْ أَنَرْتَ إنَارَةٌ
وَلَيْسَ لِبَدْرٍ مُذْ تَمَمْتَ تَمَامُ
٢٣٩وقال يمدحه ويودعه، وقد خرج إلى إقطاع قطعه إياه بناحية معرة النعمان:
أَيَا رَامِيًا يُصْمِي فُؤَادَ مَرَامِهِ
تُرَبِّي عِدَاهُ رِيشَهَا لِسِهَامِهِ
٢٤٠أَسِيرُ إِلَى إِقْطَاعِهِ فِي ثِيَابِهِ
عَلَى طِرْفِهِ، مِنْ دَارِهِ، بِحُسَامِهِ
٢٤١وَمَا مَطَرَتْنِيهِ مِنَ الْبِيضِ وَالْقَنَا
وَرُومِ الْعِبِدَّى هَاطِلَاتُ غَمَامِهِ
٢٤٢فَتًى يَهَبُ الْإِقْلِيمَ بِالمَالِ وَالْقُرَى
وَمَنْ فِيهِ مِنْ فُرْسَانِهِ وَكِرَامِهِ
٢٤٣وَيَجْعَلُ مَا خُوِّلْتُهُ مِنْ نَوَالهِ
جَزَاءً لِمَا خُوِّلْتُهُ مِنْ كَلامِهِ
٢٤٤فَلَا زَالَتِ الشَّمْسُ الَّتِي فِي سَمَائِهِ
مُطَالِعَةَ الشَّمْسِ الَّتِي فِي لِثَامِهِ
٢٤٥وَلَا زَالَ تَجْتَازُ الْبُدُورُ بِوَجْهِهِ
تَعَجَّبُ مِنْ نُقْصَانِهَا وَتَمَامِهِ
٢٤٦وأنشد سيفُ الدولة متمثلًا بقول النابغة:
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ
بِهِنَّ فلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
٢٤٧فقال أبو الطيب مرتجلًا:
رَأَيْتُكَ تُوسِعُ الشُّعَرَاءَ نَيْلًا
حَدِيثَهُمُ المُوَلَّدَ وَالْقَدِيمَا
٢٤٨فَتُعْطِي مَنْ بَقَى مَالًا جَسِيمًا
وَتُعْطِي مَنْ مَضَى شَرَفًا عَظِيمَا
٢٤٩سَمِعْتُكَ مُنْشِدًا بَيْتَيْ زِيَادٍ
نَشِيدًا مِثْلَ مُنْشِدِهِ كَرِيمَا
٢٥٠فَمَا أَنْكَرْتُ مَوْضِعَهُ وَلَكِنْ
غَبَطْتُ بِذَاكَ أَعْظُمَهُ الرَّمِيمَا
٢٥١وقال يمدحه، ويذكر إيقاعه بعمرو بن حابس وبني ضبة سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، ولم ينشده إياها:
ذِكَرُ الصِّبَا وَمَرَاتِعِ الْآرَامِ
جَلَبَتْ حِمَامِي قَبْلَ وَقْتِ حِمَامِي
٢٥٢دِمَنٌ تَكَاثَرَتِ الْهُمُومُ عَليَّ فِي
عَرَصَاتِها كَتَكَاثُرِ اللُّوَّامِ
٢٥٣فَكَأنَّ كُلَّ سَحَابَةٍ وَكَفَتْ بِهَا
تَبْكِي بِعَيْنِيْ عُرْوَةَ بْنِ حِزَامِ
٢٥٤وَلَطَالَمَا أَفْنَيْتُ رِيقَ كَعَابِهَا
فِيهَا وَأَفْنَتْ بِالْعِتَابِ كَلَامِي
٢٥٥قَدْ كُنْتَ تَهْزَأُ بالْفِرَاقِ مَجَانَةً
وَتَجُرُّ ذَيْلَيْ شِرَّةٍ وَعُرَامِ
٢٥٦لَيْسَ الْقِبَابُ عَلَى الرِّكَابِ وَإِنَّمَا
هُنَّ الْحَيَاةُ تَرَحَّلَتْ بِسَلَامِ
٢٥٧لَيْتَ الَّذِي خَلَقَ النَّوَى جَعَلَ الْحَصَى
لِخِفَافِهِنَّ مَفَاصِلِي وَعِظَامِي!
٢٥٨مُتَلَاحِظَيْنِ نَسُحُّ مَاءَ شُئُونِنَا
حَذَرًا مِنَ الرُّقَبَاءِ فِي الْأَكْمَامِ
٢٥٩أَرْوَاحُنَا انْهَمَلَتْ وَعِشْنَا بَعْدَهَا
مِنْ بَعْدِ مَا قَطَرَتْ عَلَى الْأَقْدَامِ
٢٦٠لَوْ كُنَّ يَوْمَ جَرَيْنَ كُنَّ كَصَبْرِنَا
عِنْدَ الرَّحِيلِ لَكُنَّ غَيْرَ سِجَامِ
٢٦١لَمْ يَتْرُكُوا لِي صَاحِبًا إلَّا الْأَسَى
وَذَمِيلَ دِعْبِلَةٍ كَفَحْلِ نَعَامِ
٢٦٢وَتَعَذُّرُ الْأَحْرَارِ صَيَّرَ ظَهْرَهَا
إلَّا إلَيْكَ عَلَيَّ فَرْجَ حَرَامِ
٢٦٣أَنْتَ الْغَرِيبَةُ فِي زَمَانٍ أَهْلُهُ
وُلِدَتْ مَكَارِمُهُمْ لِغَيْرِ تَمَامِ
٢٦٤أَكْثَرْتَ مِنْ بَذْلِ النَّوَالِ وَلَمْ تَزَلْ
عَلَمًا عَلَى الْإِفْضَالِ وَالْإِنْعَامِ
٢٦٥صَغَّرْتَ كُلَّ كَبِيرَةٍ وَكَبُرَتْ عَنْ
لَكَأنَّهُ وَعَدَدْتَ سِنَّ غُلَامِ
٢٦٦وَرَفَلْتَ فِي حُلَلِ الثَّنَاءِ وَإِنمَا
عَدَمُ الثَّنَاءِ نِهَايَةُ الْإِعْدَامِ
٢٦٧عَيْبٌ عَلَيْكَ تُرَى بِسَيْفٍ فِي الْوَغَى
مَا يَصْنَعُ الصَّمْصَامُ بالصَّمْصَامِ
٢٦٨إِنْ كَانَ مِثْلُكَ كَانَ أوْ هُوَ كَائِنٌ
فَبَرِئْتُ حِينَئِذٍ مِنَ الْإسْلَامِ
٢٦٩مَلِكٌ زُهَتْ بِمَكَانِهِ أَيَّامُهُ
حَتَّى افْتَخَرْنَ بِهِ عَلَى الْأَيَّامِ
٢٧٠وَتَخَالُهُ سَلَبَ الْوَرَى أَحْلَامَهُم
مِنْ حِلْمِهِ فَهُمُ بِلَا أَحْلَامِ
٢٧١وَإذَا امْتَحَنْتَ تَكَشَّفَتْ عَزَمَاتُهُ
عَنْ أَوْحَدِيِّ النَّقْضِ وَالْإِبْرَامِ
٢٧٢وَإِذَا سَأَلْتَ بَنَانَهُ عَنْ نَيْلِهِ
لَمْ يَرْضَ بِالدُّنْيَا قَضَاءَ ذِمَامِ
٢٧٣مَهْلًا ألَا لِلَّهِ مَا صَنَعَ الْقَنَا
فِي عَمْرِو حَابِ وَضَبَّةَ الْأَغْتَامِ!
٢٧٤لَمَّا تَحَكَّمَتِ الْأَسِنَّةُ فِيهِمِ
جَارَتْ وَهُنَّ يَجُرْنَ فِي الْأَحْكَامِ
٢٧٥فَتَرَكْتَهُمْ خَلَلَ الْبُيُوتِ كَأَنَّمَا
غَضِبَتْ رُءوسُهُمُو عَلَى الْأَجْسَامِ
٢٧٦أَحْجَارُ نَاسٍ فَوْقَ أَرْضٍ مِنْ دَمٍ
وَنُجُومُ بَيْضٍ فِي سَمَاءِ قَتَامِ
٢٧٧وَذِرَاعُ كُلِّ أَبِي فُلَانٍ كُنْيَةً
حَالَتْ فَصَاحِبُهَا أَبُو الْأَيْتَامِ
٢٧٨عَهْدِي بِمَعْرَكَةِ الْأَمِيرِ وَخَيْلُهُ
فِي النَّقْعِ مُحْجِمَةٌ عَنِ الْإِحْجَامِ
٢٧٩يَا سَيْفَ دَوْلَةِ هَاشِمٍ مَنْ رَامَ أَنْ
يَلْقَى مَنَالَكَ رَامَ غَيْرَ مَرَامِ
٢٨٠صَلَّى الْإِلَهُ عَلَيْكَ غَيْرَ مُوَدَّعٍ
وَسَقَى ثَرَى أبَوَيْكَ صَوْبَ غَمَامِ
٢٨١وَكَسَاكَ ثَوْبَ مَهَابَةٍ مِنْ عِنْدِهِ
وَأرَاكَ وَجْهَ شَقِيقِكَ الْقَمْقَامِ
٢٨٢فَلَقَدْ رَمَى بَلَدَ العَدُوِّ بِنَفْسِهِ
فِي رَوْقِ أَرْعَنَ كَالْغِطَمِّ لُهَامِ
٢٨٣قَوْمٌ تَفَرَّسَتِ الْمَنَايَا فِيكُمُ
فَرَأتْ لَكُمْ فِي الْحَرْبِ صَبْرَ كِرَامِ
٢٨٤تَاللهِ مَا عَلِمَ امْرُؤٌ لَوْلَاكُمُ
كَيْفَ السَّخَاءُ وَكَيْفَ ضَرْبُ الْهَامِ
٢٨٥وقال، وقد تُحدِّث بحضرة سيف الدولة أن البطريق أقسم عند ملكه أنه يعارض سيف الدولة في الدرب، وسأله أن ينجده ببطارقته وعدده وعُدده، ففعل، فخاب ظنه. أنشده إياها سنة خمس وأربعين وثلاثمائة، وهي آخر ما أنشده بحلب:
عُقْبَى الْيَمِينِ عَلَى عُقْبَى الْوَغَى نَدَمُ
مَاذَا يَزِيدُكَ فِي إقْدَامِكَ الْقَسَمُ؟
٢٨٦وَفي الْيَمِينِ عَلَى مَا أَنْتَ وَاعِدُهُ
مَا دَلَّ أنَّكَ في المِيعَادِ مُتَّهَمُ
٢٨٧آلَى الْفَتَى ابْنُ شُمُشْقِيقٍ فَأَحْنَثَهُ
فَتًى مِنَ الضَّرْبِ تُنْسَى عِنْدَهُ الْكَلِمُ
٢٨٨وَفَاعِلٌ مَا اشْتَهَى يُغْنِيهِ عَنْ حَلِفٍ
عَلَى الْفِعَالِ حُضُورُ الْفِعْلِ وَالْكَرَمُ
٢٨٩كلُّ السُّيُوفِ إذا طَالَ الضِّرَابُ بِهَا
يَمَسُّهَا غَيْرَ سَيْفِ الدَّوْلَةِ السَّأَمُ
٢٩٠لَوْ كَلَّتِ الْخَيْلُ حَتَّى لا تَحَمَّلُهُ
تَحَمَّلَتْهُ إلى أَعْدَائِهِ الهِمَمُ
٢٩١أَيْنَ الْبَطَارِيقُ وَالْحَلْفُ الَّذِي حَلَفُوا
بِمَفْرَقِ الْمَلْكِ وَالزَّعْمُ الَّذِي زَعَمُوا؟
٢٩٢وَلَّى صَوَارِمَهُ إِكْذَابَ قَوْلِهِمِ
فَهُنَّ أَلْسِنَةٌ أَفْوَاهُهَا الْقِمَمُ
٢٩٣نَوَاطِقٌ مُخْبِرَاتٌ فِي جَمَاجِمِهِمْ
عَنْهُ بِمَا جَهِلُوا مِنْهُ وَمَا عَلِمُوا
٢٩٤الرَّاجِعُ الْخَيْلَ مُحْفَاةً مُقَوَّدَةً
مِنْ كُلِّ مِثْلِ وَبَارٍ أَهْلُهَا إِرَمُ
٢٩٥كَتَلِّ بِطْرِيقٍ المَغْرُورِ سَاكِنُهَا
بِأَنَّ دَارَكَ قِنَّسْرِينُ وَالْأَجَمُ
٢٩٦وَظَنِّهِمْ أَنَّكَ المِصْبَاحُ في حَلَبٍ
إِذَا قَصَدْتَ سِوَاهَا عَادَهَا الظُّلَمُ
٢٩٧وَالشَّمْسَ يَعْنُونَ إِلَّا أَنَّهُمْ جَهِلُوا
وَالْمَوْتَ يَدْعُونَ إِلَّا أَنَّهُمْ وَهَمُوا
٢٩٨فَلَمْ تُتِمَّ سَرُوجٌ فَتْحَ نَاظِرِهَا
إِلَّا وَجَيْشُكَ فِي جَفْنَيْهِ مُزْدَحِمُ
٢٩٩وَالنَّقْعُ يَأْخُذُ حَرَّانًا وَبَقْعَتَهَا
وَالشَّمْسُ تَسْفِرُ أَحْيَانًا وَتَلْتَثِمُ
٣٠٠سُحْبٌ تَمُرُّ بِحِصْنِ الرَّانِ مُمْسِكَةً
وَمَا بِهَا الْبُخْلُ لَوْلَا أَنَّهَا نِقَمُ
٣٠١جَيْشٌ كَأَنَّكَ فِي أَرْضٍ تُطَاوِلُهُ
فَالْأَرْضُ لَا أَمَمٌ وَالْجَيْشُ لَا أَمَمُ
٣٠٢إِذَا مَضَى عَلَمٌ مِنْهَا بَدَا عَلَمٌ
وَإنْ مَضَى عَلَمٌ مِنْهُ بَدَا عَلَمُ
٣٠٣وَشُزَّبٌ أَحْمَتِ الشِّعْرَى شَكَائِمَهَا
وَوَسَّمَتْهَا عَلَى آنَافِهَا الْحَكَمُ
٣٠٤حَتَّى وَرَدْنَ بِسِمْنَيْنٍ بُحَيْرَتُهَا
تَنِشُّ بِالْمَاءِ فِي أَشْدَاقِهَا اللُّجُمُ
٣٠٥وَأَصْبَحَتْ بِقُرَى هِنْزِيطَ جَائِلَةً
تَرْعَى الظُّبَا فِي خَصِيبٍ نَبْتُهُ اللِّمَمُ
٣٠٦فَمَا تَرَكْنَ بِهَا خُلْدًا لَهُ بَصَرٌ
تَحْتَ التُّرَابِ وَلَا بَازًا لَهُ قَدَمُ
٣٠٧وَلَا هِزَبْرًا لَهُ مِنْ دِرْعِهِ لِبَدٌ
وَلَا مَهَاةً لَهَا مِنْ شِبْهِهَا حَشَمُ
٣٠٨تَرْمِي عَلَى شَفَرَاتِ الْبَاتِرَاتِ بِهِمْ
مَكَامِنُ الْأَرْضِ وَالْغِيطَانُ وَالْأَكَمُ
٣٠٩وَجَاوَزُوا أَرْسَنَاسًا مُعْصِمِينَ بهِ
وَكَيْفَ يَعْصِمُهُمْ مَا لَيْسَ يَنْعَصِمُ؟!
٣١٠وَمَا يَصُدُّكَ عَنْ بَحْرٍ لَهُمْ سَعَةٌ
وَمَا يَرُدُّكَ عَنْ طَوْدٍ لَهُمْ شَمَمُ
٣١١ضَرَبْتَهُ بِصُدُورِ الْخَيْلِ حَامِلَةً
قَوْمًا إذا تَلِفُوا قُدْمًا فَقَدْ سَلِمُوا
٣١٢تَجَفَّلُ المَوْجُ عَنْ لَبَّاتِ خَيْلِهِمِ
كمَا تَجَفَّلُ تَحْتَ الْغَارَةِ النَّعَمُ
٣١٣عَبَرْتَ تَقْدُمُهُمْ فِيهِ وَفِي بَلَدٍ
سُكَّانُهُ رِمَمٌ مَسْكُونُهَا حُمَمُ
٣١٤وَفِي أَكُفِّهِمِ النَّارُ التي عُبِدَتْ
قَبْلَ الْمَجُوسِ إلَى ذَا الْيَوْمِ تَضْطَرِمُ
٣١٥هِنْدِيَّةٌ إنْ تُصَغِّرْ مَعْشَرًا صَغُرُوا
بِحَدِّهَا أوْ تُعَظِّمْ مَعْشَرًا عَظَمُوا
٣١٦قَاسَمْتَهَا تَلَّ بِطْرِيقٍ فَكَانَ لَهَا
أَبْطَالُهَا وَلَكَ الْأَطْفَالُ وَالْحُرَمُ
٣١٧تَلْقَى بِهِمْ زَبَدَ التَّيَّارِ مُقْرَبَةٌ
عَلَى جَحَافِلِهَا مِنْ نَضْحِهِ رَثَمُ
٣١٨دُهْمٌ فَوَارِسُهَا رُكَّابُ أَبْطُنِهَا
مَكْدُودَةٌ بِقَوْمٍ لَا بِهَا الْأَلَمُ
٣١٩مِنَ الْجِيَادِ الَّتِي كِدْتَ الْعَدُوَّ بهَا
وَمَا لَهَا خِلَقٌ منْهَا وَلَا شِيَمُ
٣٢٠نِتَاجُ رَأْيِكَ في وَقْتٍ عَلَى عَجَلٍ
كَلَفْظِ حَرْفٍ وَعَاهُ سامعٌ فَهِمُ
٣٢١وَقَدْ تَمَنَّوْا غَدَاةَ الدَّرْبِ فِي لَجَبٍ
أَنْ يُبْصِرُوكَ فَلَمَّا أَبْصَرُوكَ عَمُوا
٣٢٢صَدَمْتَهُمْ بِخَمِيسٍ أَنْتَ غُرَّتُهُ
وَسَمْهَرِيَّتُه في وَجْهه غَمَمُ
٣٢٣فَكَانَ أَثْبَتَ مَا فِيهِمْ جُسُومُهُمُ
يَسْقُطْنَ حَوْلَكَ وَالْأَرْوَاحُ تَنْهَزِمُ
٣٢٤وَالْأَعْوَجِيَّةُ مِلْءَ الطُّرْقِ خَلفَهُمْ
وَالْمَشْرَفِيَّةُ مِلْءَ الْيَوْمِ فَوْقَهُمْ
٣٢٥إِذَا تَوَافَقَتِ الضَّرْبَاتُ صَاعِدَةً
تَوَافَقَتْ قُلَلٌ فِي الْجَوِّ تَصْطَدِمُ
٣٢٦وَأسْلَمَ ابْنُ شُمُشْقِيقٍ أَلِيَّتَهُ
أَلَّا انْثَنَى فَهْوَ يَنْأَى وَهْيَ تَبْتَسِمُ
٣٢٧لَا يَأْمُلُ النَّفَسَ الْأَقْصَى لِمُهْجَتِهِ
فَيَسْرِقُ النَّفَسَ الْأَدْنَى وَيَغْتَنِمُ
٣٢٨تَرُدُّ عَنْهُ قَنَا الْفُرْسَانِ سَابِغَةٌ
صَوْبُ الْأَسِنَّةِ فِي أَثْنَائِهَا دِيَمُ
٣٢٩تَخُطُّ فِيهَا الْعَوَالِي لَيْسَ تَنْفُذُهَا
كَأَنَّ كُلَّ سِنَانٍ فَوْقَهَا قَلَمُ
٣٣٠فَلَا سَقَى الْغَيْثُ مَا وَارَاهُ مِنْ شَجَرٍ
لَوْ زَلَّ عَنْهُ لَوَارَتْ شَخْصَهُ الرَّخَمُ
٣٣١أَلْهَى الْمَمَالِكَ عَنْ فَخْرٍ قَفَلْتَ بِهِ
شُرْبُ الْمُدَامَةِ وَالْأَوْتَارُ وَالنَّغَمُ
٣٣٢مُقَلَّدًا فَوْقَ شُكْرِ اللهِ ذَا شُطَبٍ
لا تُسْتَدَامُ بِأَمْضَى مِنْهُمَا النِّعَمُ
٣٣٣أَلْقَتْ إِلَيْكَ دِمَاءُ الرُّومِ طَاعَتَهَا
فَلَوْ دَعَوْتَ بِلَا ضَرْبٍ أَجَابَ دَمُ
٣٣٤يُسَابِقُ القَتْلُ فِيهِمْ كُلَّ حَادِثَةٍ
فَمَا يُصِيبُهُمُ مَوْتٌ وَلَا هَرَمُ
٣٣٥نَفَتْ رُقَادَ عَلِيٍّ عَنْ مَحَاجِرِهِ
نَفْسٌ يُفَرِّجُ نَفْسًا غَيْرَهَا الْحُلُمُ
٣٣٦الْقَائِمُ الْمَلِكُ الْهَادِي الَّذِي شَهِدَتْ
قِيَامَهُ وَهُدَاهُ الْعُرْبُ وَالْعَجَمُ
٣٣٧ابْنُ الْمُعَفِّرِ فِي نَجْدٍ فَوَارِسَهَا
بِسَيْفِهِ وَلَهُ كُوفَانُ وَالْحَرَمُ
٣٣٨لَا تَطْلُبَنَّ كَرِيمًا بَعْدَ رُؤيَتِهِ
إنَّ الْكِرَامَ بِأَسْخَاهُمْ يَدًا خُتِمُوا
٣٣٩وَلَا تُبَالِ بِشِعْرٍ بَعْدَ شَاعِرِهِ
قَدْ أُفْسِدَ الْقَوْلُ حَتَّى أُحْمِدَ الصَّمَمُ
٣٤٠وقال يمدح إنسانًا، وأراد أن يستكشفه عن مذهبه، وهي من قوله في صباه:
كُفِّي أَرَانِي وَيْكِ لَوْمَكِ أَلْوَمَا
هَمٌّ أَقَامَ عَلَى فُؤَادٍ أَنْجَمَا
٣٤١وَخَيَالُ جِسْمٍ لَمْ يُخَلِّ لَهُ الْهَوَى
لَحْمًا فَيُنْحِلَهُ السَّقَامُ وَلَا دَمَا
٣٤٢وَخُفُوقُ قَلْبٍ لَوْ رَأَيْتِ لَهِيبَهُ
يَا جَنَّتِي لَظَنَنْتِ فِيه جَهَنَّمَا
٣٤٣وَإِذَا سَحَابَةُ صَدِّ حِبٍّ أَبْرَقَتْ
تَرَكَتْ حَلَاوَةَ كُلِّ حُبٍّ عَلْقَمَا
٣٤٤يَا وَجْهَ دَاهِيَةَ الَّذِي لَوْلَاكَ مَا
أَكَلَ الضَّنَى جَسَدِي وَرَضَّ الْأَعْظُمَا
٣٤٥إِنْ كَانَ أَغْنَاهَا السُّلُوُّ فَإِنَّنِي
أَصْبَحْتُ مِنْ كَبِدِي وَمِنْهَا مُعْدِمَا
٣٤٦غُصْنٌ عَلَى نَقَوَيْ فَلَاةٍ نَابِتٌ
شَمْسُ النَّهَارِ تُقِلُّ لَيْلًا مُظْلِمَا
٣٤٧لَمْ تُجْمَعِ الْأَضْدَادُ فِي مُتَشَابِهٍ
إِلَّا لِتَجْعَلَنِي لِغُرْمِيَ مَغْنَمَا
٣٤٨كَصِفَاتِ أَوْحَدِنَا أَبِي الْفَضْلِ الَّتي
بَهَرَتْ فَأَنْطَقَ وَاصِفِيهِ وَأَفْحَمَا
٣٤٩يُعْطِيكَ مُبْتَدِرًا فَإِنْ أَعْجَلْتَهُ
أَعْطَاكَ مُعْتَذِرًا كَمَنْ قَدْ أَجْرَمَا
٣٥٠وَيَرَى التَّعَظُّمَ أَنْ يُرَى مُتَوَاضِعًا
وَيَرَى التَّوَاضُعَ أَنْ يُرَى مُتَعَظِّمَا
٣٥١نَصَرَ الْفَعَالَ عَلَى الْمِطَالِ كَأَنَّمَا
خَالَ السُّؤَالَ عَلَى النَّوَالِ مُحَرَّمَا
٣٥٢يَا أَيُّهَا المَلَكُ الْمُصَفَّى جَوْهَرًا
مِنْ ذَاتِ ذِي الْمَلَكُوتِ أَسْمَى مَنْ سَمَا
٣٥٣نُورٌ تَظَاهَرَ فِيكَ لَاهُوتِيَّةً
فتَكَادُ تَعْلَمُ عِلْمَ مَا لَنْ يُعْلَمَا
٣٥٤وَيُهِمُّ فِيكَ إِذَا نَطَقْتَ فَصَاحَةً
مِنْ كُلِّ عُضْوٍ مِنْكَ أَنْ يَتَكَلَّمَا
٣٥٥أَنَا مُبْصِرٌ وَأَظُنُّ أَنِّيَ نَائِمٌ
مَنْ كَانَ يَحْلُمُ بِالْإِلَهِ فَأَحْلُمَا؟!
٣٥٦كَبُرَ الْعِيَانُ عَلَيَّ حَتَّى إِنَّهُ
صَارَ الْيَقِينُ مِنَ الْعِيَانِ تَوَهُّمَا
٣٥٧يَا مَنْ لِجُودِ يَدَيْهِ فِي أَمْوالِهِ
نِقَمٌ تَعُودُ عَلَى الْيَتَامَى أَنْعُمَا
٣٥٨حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ: مَا ذَا عَاقِلًا
وَيَقُولَ بَيْتُ المَالِ: مَا ذَا مُسْلِمَا
٣٥٩إِذْكَارُ مِثْلِكَ تَرْكُ إِذْكَارِي لَهُ
إِذْ لَا تُرِيدُ لِمَا أُرِيدُ مُتَرْجِمَا
٣٦٠وقال في صباه:
إِلَى أَيِّ حِينٍ أَنْتَ فِي زِيِّ مُحْرِمِ؟
وَحَتَّى مَتَى في شِقْوَةٍ وَإِلَى كَمِ؟
٣٦١وَإِلَّا تَمُتْ تَحْتَ السُّيُوفِ مُكَرَّمًا
تَمُتْ وَتُقَاسِ الذُّلَّ غَيْرَ مُكَرَّمِ
٣٦٢فَثِبْ وَاثِقًا بِاللهِ وِثْبَةَ مَاجِدٍ
يَرَى الْمَوْتَ في الْهَيْجَا جَنَى النَّحْلِ في الْفَمِ
٣٦٣وقال في صباه:
ضَيْفٌ أَلَمَّ بِرَأْسِي غَيْرَ مُحْتَشِمِ
والسَّيْفُ أَحْسَنُ فِعْلًا مِنْهُ بِاللِّمَمِ
٣٦٤إِبْعَدْ بَعِدْتَ بَيَاضًا لا بَيَاضَ لَهُ
لَأَنْتَ أَسْوَدُ فِي عَيْنِي مِنَ الظُّلَمِ
٣٦٥بِحُبِّ قَاتِلَتِي وَالشَّيْبِ تَغْذِيَتِي
هَوَايَ طِفْلًا وَشَيْبِي بَالِغَ الْحُلُمِ
٣٦٦فَمَا أَمُرُّ بِرَسْمٍ لَا أُسَائِلُهُ
وَلَا بِذَاتِ خِمَارٍ لا تُرِيقُ دَمِي
٣٦٧تَنَفَّسَتْ عَنْ وَفَاءٍ غَيْرِ مُنصَدِعٍ
يَوْمَ الرَّحِيلِ وشَعْبٍ غَيْرِ مُلْتَئِمِ
٣٦٨قَبَّلْتُهَا وَدُمُوعِي مَزْجُ أَدْمُعِهَا
وَقَبَّلَتْنِي عَلَى خَوْفٍ فَمًا لِفَمِ
٣٦٩فَذُقْتُ مَاءَ حَيَاةٍ مِنْ مُقَبَّلِهَا
لَوْ صَابَ تُرْبًا لَأَحْيَا سَالِفَ الْأُمَمِ
٣٧٠تَرْنُو إِلَيَّ بِعَيْنِ الظَّبْي مُجْهِشَةً
وتَمْسَحُ الطَّلَّ فَوْقَ الْوَرْدِ بِالْعَنَمِ
٣٧١رُوَيْدَ حُكْمَكِ فِينَا غَيْرَ مُنْصِفَةٍ
بِالنَّاسِ كُلِّهِمِ أَفْدِيكِ مِنْ حَكَمِ
٣٧٢أَبْدَيْتِ مِثْلَ الَّذِي أَبْدَيْتُ مِنْ جَزَعٍ
وَلَمْ تُجِنِّي الَّذِي أَجْنَنْتُ مِنْ أَلَمْ
٣٧٣إِذَنْ لَبَزَّكِ ثَوْبَ الْحُسْنِ أَصْغَرُهُ
وَصِرْتِ مِثْلِيَ فِي ثَوْبَيْنِ مِنْ سَقَمِ
٣٧٤لَيْسَ التَّعَلُّلُ بِالْآمَالِ مِنْ أَرَبِي
وَلَا الْقَنَاعَةُ بِالْإِقْلَالِ مِنْ شِيَمِي
٣٧٥وَلَا أَظُنُّ بَنَاتِ الدَّهْرِ تَتْرُكُنِي
حَتَّى تَسُدَّ عَلَيْهَا طُرْقَهَا هِمَمِي
٣٧٦لُمِ اللَّيَالِي الَّتِي أَخْنَتْ عَلَى جِدَتِي
بِرِقَّةِ الْحَالِ وَاعْذُرْنِي وَلَا تَلُمِ
٣٧٧أَرَى أُنَاسًا وَمَحْصُولِي عَلَى غَنَمٍ
وَذِكْرَ جُودٍ وَمَحْصُولِي عَلَى الْكَلِمِ
٣٧٨وَرَبُّ مَالٍ فَقِيرًا مِنْ مُرُوَّتِهِ
لَمْ يُثْرِ مِنْهَا كَمَا أَثْرَى مِنَ الْعَدَمِ
٣٧٩سَيَصْحَبُ النَّصْلُ مِنِّي مِثْلَ مَضْرِبِهِ
وَيَنْجَلِي خَبَرِي عَنْ صِمَّةِ الصَّمَمِ
٣٨٠لَقَدْ تَصَبَّرْتُ حَتَّى لَاتَ مُصْطَبَرٍ
فَالْآنَ أُقْحِمُ حَتَّى لَاتَ مُقْتَحَمِ
٣٨١لَأَتْرُكَنَّ وُجُوهَ الْخَيْلِ سَاهِمَةً
وَالْحَرْبُ أَقْوَمُ مِنْ سَاقٍ عَلَى قَدَمِ
٣٨٢وَالطَّعْنُ يُحْرِقُهَا وَالزَّجْرُ يُقلِقُهَا
حَتَّى كَأَنَّ بِهَا ضَرْبًا مِنَ اللَّمَمِ
٣٨٣قَدْ كَلَّمَتْهَا الْعَوَالِي فَهْيَ كَالِحَةٌ
كَأَنَّمَا الصَّابُ مَعْصُوبٌ عَلَى اللُّجُمِ
٣٨٤بِكُلِّ مُنْصَلِتٍ مَا زَالَ مُنْتَظِرِي
حَتَّى أَدَلْتُ لَهُ مِنْ دَوْلَةِ الْخَدَمِ
٣٨٥شَيْخٍ يَرَى الصَّلَواتِ الْخَمْسَ نَافِلَةً
وَيَسْتَحِلُّ دَمَ الْحُجَّاجِ في الْحَرَمِ
٣٨٦وَكُلَّمَا نُطِحَتْ تَحْتَ الْعَجَاجِ بِهِ
أُسْدُ الْكَتَائِبِ رَامَتْهُ وَلَمْ يَرِمِ
٣٨٧تُنْسِي الْبِلَادَ بُرُوقَ الْجَوِّ بَارِقَتِي
وَتَكْتَفِي بِالدَّمِ الْجَارِي عَنِ الدِّيَمِ
٣٨٨رِدِي حِيَاضَ الرَّدَى يَا نفْسِ وَاتَّرِكِي
حِيَاضَ خَوْفِ الرَّدَى لِلشَّاءِ والنَّعَمِ
٣٨٩إِنْ لَمْ أَذَرْكِ عَلَى الْأَرْمَاحِ سَائِلَةً
فَلَا دُعِيتُ ابْنَ أُمِّ الْمَجْدِ وَالْكَرَمِ
٣٩٠أَيَمْلِكُ الْمُلْكَ وَالْأَسْيَافُ ظَامِئَةٌ
وَالطَّيْرُ جَائِعَةٌ لَحْمٌ عَلَى وَضَمِ؟!
٣٩١مَنْ لَوْ رَآنِيَ مَاءً مَاتَ مِنْ ظَمَأٍ
وَلَوْ مَثَلْتُ لَهُ فِي النَّوْمِ لَمْ يَنَمِ
٣٩٢مِيعَادُ كُلِّ رَقِيقِ الشَّفْرَتَيْنِ غَدًا
وَمَنْ عَصَى مِنْ مُلُوكِ الْعُرْبِ وَالْعَجَمِ
٣٩٣فَإِنْ أَجَابُوا فَمَا قَصْدِي بِهَا لَهُمُ
وَإِنْ تَوَلَّوْا فَمَا أَرْضَى لَهَا بِهِمِ
٣٩٤وعذله أبو عبد الله معاذ بن إسماعيل اللاذقي، على ما كان قد شاهده من تهوره فقال:
٣٩٥أَبَا عَبْدِ الْإِلَهِ مُعَاذُ إِنِّي
خَفِيٌّ عَنْكَ فِي الْهَيْجَا مَقَامِي
٣٩٦ذَكَرْتَ جَسِيمَ مَا طَلَبِي وَأَنَّا
نُخَاطِرُ فِيهِ بِالْمُهَجِ الْجِسَامِ
٣٩٧أَمِثْلِي تَأْخُذُ النَّكَبَاتُ مِنْهُ
وَيَجْزَعُ مِنْ مُلَاقَاةِ الْحِمَامِ
٣٩٨وَلَوْ بَرَزَ الزَّمَانُ إِلَيَّ شَخْصًا
لَخَضَّبَ شَعْرَ مَفْرِقِهِ حُسَامِي
٣٩٩وَمَا بَلَغَتْ مَشِيئَتَهَا اللَّيَالِي
وَلَا سَارَتْ وَفِي يَدِهَا زِمَامِي
٤٠٠إِذَا امْتَلَأَتْ عُيُونُ الْخَيْلِ مِنِّي
فَوَيْلٌ فِي التَّيَقُّظِ وَالْمَنَامِ!
٤٠١وقال له بعض بني كلاب: أَشْرَبُ هذه الكأس سرورًا بك، فقال:
إِذَا مَا شَرِبْتَ الْخَمْرَ صِرْفًا مُهَنَّأً
شَرِبْنَا الَّذِي مِنْ مِثْلِهِ شَرِبَ الْكَرْمُ
٤٠٢أَلَا حَبَّذَا قَوْمٌ نَدَامَاهُمُ الْقَنَا
يُسَقُّونَهَا رِيًّا وَسَاقِيهِمُ الْعَزْمُ
٤٠٣وقال وقد مد له إنسان يده بكأس وحلف بالطلاق ليشربنها:
وَأَخٍ لَنَا بَعَثَ الطَّلَاقَ أَلِيَّةً
لَأُعَلِّلَنَّ بِهذِهِ الْخُرْطُومِ
٤٠٤فَجَعَلْتُ رَدِّي عِرْسَهُ كَفَّارَةً
عَنْ شُرْبِهَا وَشَرِبْتُ غَيْرَ أَثِيمِ
٤٠٥وقال يمدح الحسين بن إسحق التنوخي:
مَلَامِي النَّوَى في ظُلْمِهَا غَايَةُ الظُّلْمِ
لَعَلَّ بِهَا مِثْلَ الَّذِي بِي مِنَ السُّقْمِ
٤٠٦فَلَوْ لَمْ تَغَرْ لَمْ تَزْوِ عَنِّي لِقَاءَكُمْ
وَلَوْ لَمْ تُرِدْكُمْ لَمْ تَكُنْ فِيكُمُ خَصْمِي
٤٠٧أَمُنْعِمَةٌ بِالْعَوْدَةِ الظَّبْيَةُ الَّتِي
بِغَيْرِ وَلِيٍّ كَانَ نَائِلَهَا الْوَسْمِي
٤٠٨تَرَشَّفْتُ فَاهَا سُحْرَةً فَكَأَنَّنِي
تَرَشَّفْتُ حَرَّ الْوَجْدِ مِنْ بَارِدِ الظَّلْمِ
٤٠٩فَتَاةٌ تَسَاوَى عِقْدُهَا وَكَلَامُهَا
وَمَبْسِمُهَا الدُّرِّيُّ فِي الْحُسْنِ وَالنَّظْمِ
٤١٠وَنَكْهَتُهَا وَالْمَنْدَلِيُّ وَقَرْقَفٌ
مُعَتَّقَةٌ صَهْبَاءُ في الرِّيحِ وَالطَّعْمِ
٤١١جَفَتْنِي كَأَنِّي لَسْتُ أَنْطَقَ قَوْمِهَا
وَأَطْعَنَهُمْ وَالشُّهْبُ في صُورَةِ الدُّهْمِ
٤١٢يُحَاذِرُنِي حَتْفِي كَأَنِّيَ حَتْفُهُ
وَتَنْكُزُنِي الْأَفْعَى فَيَقْتُلُهَا سُمِّي
٤١٣طِوَالُ الرُّدَيْنِيَّاتِ يَقْصِفُهَا دَمِي
وَبِيضُ السُّرَيْجِيَّاتِ يَقْطَعُهَا لَحْمِي
٤١٤بَرَتْنِي السُّرَى بَرْيَ الْمُدَى فَرَدَدْنَنِي
أَخَفُّ عَلَى الْمَرْكُوبِ مِنْ نَفَسِي جِرْمِي
٤١٥وَأَبْصَرَ مِنْ زَرْقَاءِ جَوٍّ لِأَنَّني
إِذَا نَظَرَتْ عَيْنَايَ سَاوَاهُمَا عِلْمِي
٤١٦كَأَنِّي دَحَوْتُ الْأَرْضَ مِنْ خِبْرَتِي بهَا
كَأَنِّي بَنَى الْإِسْكَنْدَرُ السَّدَّ مِنْ عَزْمِي
٤١٧لِأَلْقَى ابْنَ إسْحَاقَ الَّذِي دَقَّ فَهْمُهُ
فَأَبْدَعَ حَتَّى جَلَّ عَنْ دِقَّةِ الْفَهْمِ
٤١٨وَأَسْمَعَ مِنْ أَلْفَاظِهِ اللُّغَةَ الَّتِي
يَلَذُّ بِهَا سَمْعِي وَلَوْ ضُمِّنَتْ شَتْمِي
٤١٩يَمِينُ بَنِي قَحْطَانَ رَأْسُ قُضَاعَةٍ
وَعِرْنِينُهَا بَدْرُ النُّجُومِ بَنِي فَهْمِ
٤٢٠إِذَا بَيَّتَ الْأَعْدَاءَ كَانَ اسْتِمَاعُهُمْ
صَرِيرَ الْعَوَالِي قَبْلَ قَعْقَعَةِ اللُّجْمِ
٤٢١مُذِلُّ الْأَعِزَّاءِ الْمُعِزُّ وَإِنْ يَئِنْ
بِهِ يُتْمُهُمْ فَالْمُوتِمُ الْجَابِرُ الْيُتْمِ
٤٢٢وَإنْ تُمْسِ دَاءً في الْقُلُوبِ قَنَاتُهُ
فَمُمْسِكُهَا مِنْهُ الشِّفَاءُ مِنَ الْعُدْمِ
٤٢٣مُقَلَّدُ طَاغِي الشَّفْرَتَيْنِ مُحَكَّمٍ
عَلَى الْهَامِ إِلَّا أَنَّهُ جَائِرُ الْحُكْمِ
٤٢٤تَحَرَّجَ عَنْ حَقْنِ الدِّمَاءِ كَأَنَّهُ
يَرَى قَتْلَ نَفْسٍ تَرْكَ رَأْسٍ عَلَى جِسْمِ
٤٢٥وَجَدْنَا ابْنَ إِسْحَاقَ الْحُسَيْنِ كَجَدِّهِ
عَلَى كَثْرَةِ الْقَتْلَى بَرِيئًا مِنَ الْإِثْمِ
٤٢٦مَعَ الْحَزْمِ حَتَّى لَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ
لِأَلْحَقَهُ تَضَيِيعُهُ الْحَزْمَ بالْحَزْمِ
٤٢٧وَفي الْحَرْبِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ تَأَخُّرًا
لَأَخَّرَهُ الطبْعُ الْكَرِيمُ إِلَى القُدْمِ
٤٢٨لَهُ رَحْمَةٌ تُحْيي الْعِظَامَ وَغَضْبَةٌ
بِهَا فَضْلَةٌ لِلْجُرْمِ عَنْ صَاحِبِ الْجُرْمِ
٤٢٩وَرِقَّةُ وَجْهٍ لَوْ خَتَمْتَ بِنَظْرَةٍ
عَلَى وَجْنَتَيْهِ مَا انْمَحَى أَثَرُ الْخَتْمِ
٤٣٠أَذَاقَ الْغَوَانِي حُسْنُهُ مَا أَذَقْنَنِي
وَعَفَّ فَجَازَاهُنَّ عَنِّي عَلَى الصُّرْمِ
٤٣١فِدًى مَنْ عَلَى الْغَبْرَاءِ أَوَّلُهُمْ أَنَا
لِهَذَا الْأَبِيِّ الْمَاجِدِ الْجَائِدِ الْقَرْمِ
٤٣٢لَقَدْ حَالَ بَيْنَ الْجِنِّ وَالْأَمْنِ سَيْفُهُ
فَمَا الظَّنُّ بَعْدَ الْجِنِّ بِالْعُرْبِ وَالْعُجْمِ
٤٣٣وَأَرْهَبَ حَتَّى لَوْ تَأَمَّلَ دِرْعَهُ
جَرَتْ جَزَعًا مِنْ غَيْرِ نَارٍ وَلَا فَحْمِ
٤٣٤وَجَادَ فَلَوْلَا جُودُهُ غَيْرَ شَارِبٍ
لَقُلْنَا: كَرِيمٌ هَيَّجَتْهُ ابْنَةُ الْكَرْمِ
٤٣٥أَطَعْنَاكَ طَوْعَ الدَّهْرِ يَا ابْنَ ابْنِ يُوسُفٍ
لِشَهْوَتِنا، وَالْحَاسِدُو لَكَ بِالرُّغْمِ
٤٣٦وَثِقْنَا بِأَنْ تُعْطِي فَلَوْ لَمْ تَجُدْ لَنَا
لَخِلْنَاكَ قَدْ أَعْطَيْتَ مِنْ قُوَّةِ الْوَهْمِ
٤٣٧دُعِيتُ بِتَقْرِيظِيكَ فِي كلِّ مَجْلِسٍ
وَظَنَّ الَّذِي يَدْعُو ثَنَائِي عَلَيْكَ اسْمِي
٤٣٨وَأَطْمَعْتَنِي فِي نَيْلِ مَا لَا أَنَالُهُ
بِمَا نِلْتُ حَتَّى صِرْتُ أَطْمَعُ فِي النَّجْمِ
٤٣٩إِذَا مَا ضَرَبْتَ الْقِرْنَ ثُمَّ أَجَزْتَنِي
فَكِلْ ذَهَبًا لِي مَرَّةً مِنْهُ بِالْكَلْمِ
٤٤٠أَبَتْ لَكَ ذَمِّي نَخْوَةٌ يَمَنِيَّةٌ
وَنَفْسٌ بهَا فِي مَأزِقٍ أَبَدًا تَرْمِي
٤٤١فَكَمْ قَائِلٍ: لَوْ كَانَ ذَا الشَّخْصُ نَفْسَهُ
لَكَانَ قَرَاهُ مَكْمَنَ الْعَسْكَرِ الدَّهْمِ!
٤٤٢وَقَائِلَةٍ — وَالْأَرْضَ أَعْنِي تَعَجُّبًا:
عَلَيَّ امْرُؤٌ يَمْشِي بِوَقْرِي مِنَ الْحِلْمِ!
٤٤٣عَظُمْتَ فَلَمَّا لَمْ تُكَلَّمْ مَهَابَةً
تَوَاضَعْتَ وَهْوَ الْعُظْمُ عُظْمًا عَنِ الْعُظْم
٤٤٤وقال يمدح علي بن إبراهيم التنوخي:
أَحَقُّ عَافٍ بِدَمْعِكَ الْهِمَمُ
أَحْدَثُ شَيْءٍ عَهْدًا بِهَا الْقِدَمُ
٤٤٥وَإِنَّمَا النَّاسُ بِالْمُلُوكِ وَمَا
تُفْلِحُ عُرْبٌ مُلُوكُهَا عَجَمُ
٤٤٦لَا أَدَبٌ عِنْدَهُمْ وَلَا حَسَبٌ
وَلَا عُهُودٌ لَهُمْ وَلَا ذِمَمُ
٤٤٧بِكُلِّ أَرْضٍ وَطِئْتُهَا أُمَمٌ
تُرْعَى بِعَبْدٍ كَأَنَّها غَنَمُ
٤٤٨يَسْتَخْشِنُ الْخَزَّ حِينَ يَلْمُسُهُ
وَكَانَ يُبْرَى بِظُفْرِهِ الْقَلَمُ
٤٤٩إِنِّي وَإِنْ لُمْتُ حَاسِدِيَّ فَما
أُنْكِرُ أنِّي عُقُوبَةٌ لَهُمُ
٤٥٠وَكَيْفَ لَا يُحْسَدُ امْرُؤٌ عَلَمٌ
لَهُ عَلَى كُلِّ هَامَةٍ قَدَمُ؟!
٤٥١يَهَابُهُ أَبْسَأُ الرِّجَالِ بِهِ
وَتَتَّقِي حَدَّ سَيْفِهِ الْبُهَمُ
٤٥٢كَفَانِيَ الذَّمَّ أَنَّنِي رَجُلٌ
أَكْرَمُ مَالٍ مَلَكْتُهُ الْكَرَمُ
٤٥٣يَجْنِي الْغِنَى لِلِّئَامِ لَوْ عَقَلُوا
مَا لَيْسَ يَجْنِي عَلَيْهِمِ الْعَدَمُ
٤٥٤هُمُ لِأَمْوَالِهِمْ وَلَسْنَ لَهُمْ
وَالْعَارُ يَبْقَى والْجُرْحُ يَلْتَئِمُ
٤٥٥مَنْ طَلَبَ الْمَجْدَ فَلْيَكُنْ كَعَلِيـْ
ـيٍ يَهَبُ الْأَلْفَ وَهْوَ يَبْتَسِمُ
٤٥٦وَيَطْعَنُ الْخَيْلَ كُلَّ نَافِذَةٍ
لَيْسَ لَهَا مِنْ وَحَائِهَا أَلَمُ
٤٥٧وَيَعْرِفُ الْأَمْرَ قَبْلَ مَوْقِعِهِ
فَمَا لَهُ بَعْدَ فِعْلِهِ نَدَمُ
٤٥٨وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ والسَّلَاهِبُ وَالـْ
ـبِيضُ لَهُ وَالْعَبِيدُ وَالْحَشَمُ
٤٥٩وَالسَّطَوَاتُ الَّتِي سَمِعْتَ بِهَا
تَكَادُ مِنْهَا الْجِبَالُ تَنْفَصِمُ
٤٦٠يُرْعِيكَ سَمْعًا فِيهِ اسْتِمَاعٌ إِلَى الدْ
دَاعِي وَفِيهِ عَنِ الْخَنَا صَمَمُ
٤٦١يُرِيكَ مِنْ خَلْقِهِ غَرَائِبَهُ
فِي مَجْدِهِ كَيْفَ تُخْلَقُ النَّسَمُ
٤٦٢مِلْتُ إِلَى مَنْ يَكَادُ بَيْنَكُمَا
إِنْ كُنْتُمَا السَّائِلَيْنِ يَنْقَسِمُ
٤٦٣مِنْ بَعْدِ مَا صِيغَ مِنْ مَوَاهِبِهِ
لِمَنْ أُحِبُّ الشُّنُوفُ وَالْخَدَمُ
٤٦٤مَا بَذَلَتْ مَا بِهِ يَجُودُ يَدٌ
وَلَا تَهَدَّى لِمَا يَقُولُ فَمُ
٤٦٥بَنُو الْعَفَرْنَى مَحَطَّةَ الْأَسَدِ الـْ
أُسْدُ وَلكِنْ رِمَاحُهَا الْأَجَمُ
٤٦٦قَوْمٌ بُلُوغُ الْغُلَامِ عِنْدَهُمُ
طَعْنُ نُحُورِ الكُمَاةِ لَا الْحُلُمُ
٤٦٧كَأَنَّمَا يُولَدُ النَّدَى مَعَهُمْ
لَا صِغَرٌ عَاذِرٌ وَلَا هَرِمُ
٤٦٨إِذَا تَوَلَّوْا عَدَاوَةً كَشَفُوا
وَإِنْ تَوَلَّوْا صَنِيعَةً كَتَمُوا
٤٦٩تَظُنُّ مِنْ فَقْدِكَ اعْتِدَادَهُمُ
أَنَّهُمْ أَنْعَمُوا وَمَا عَلِمُوا
٤٧٠إِنْ بَرَقُوا فَالْحُتُوفُ حَاضِرَةٌ
أَوْ نَطَقُوا فَالصَّوَابُ وَالْحِكَمُ
٤٧١أَوْ حَلَفُوا بِالْغَمُوسِ وَاجْتَهَدُوا
فَقَوْلُهُمْ: «خَابَ سَائِلِي» الْقَسَمُ
٤٧٢أَوْ رَكِبُوا الْخَيْلَ غَيْرَ مُسْرَجَةٍ
فَإِنَّ أَفْخَاذَهُمْ لَهَا حُزُمُ
٤٧٣أَوْ شَهِدُوا الْحَرْبَ لَاقِحًا أَخَذُوا
مِنْ مُهَجِ الدَارِعِينَ مَا احْتَكَمُوا
٤٧٤تُشْرِقُ أَعْرَاضُهُمْ وَأَوْجُهُهُمْ
كَأَنَّهَا فِي نُفُوسِهِمْ شِيَمُ
٤٧٥لَوْلَاكَ لَمْ أَتْرُكِ الْبُحَيْرَةَ وَالـْ
ـغَوْرُ دَفِيءٌ وَمَاؤُهَا شَبِمُ
٤٧٦وَالْمَوْجُ مِثْلُ الفُحُولِ مُزْبِدَةً
تَهْدِرُ فِيهَا وَمَا بِهَا قَطَمُ
٤٧٧وَالطَّيْرُ فَوْقَ الْحَبَابِ تَحْسَبُهَا
فُرْسَانَ بُلْقٍ تَخُونُهَا اللُّجُمُ
٤٧٨كَأَنَّهَا وَالرِّيَاحُ تَضْرِبُهَا
جَيْشَا وَغًى هَازِمٌ وَمُنْهَزِمُ
٤٧٩كَأَنَّهَا فِي نَهَارِهَا قَمَرٌ
حَفَّ بِهِ مِنْ جِنَانِهَا ظُلَمُ
٤٨٠نَاعِمَةُ الْجِسْمِ لَا عِظَامَ لَهَا
لَهَا بَنَاتٌ وَمَا لَهَا رَخِمَ
٤٨١يُبْقَرُ عَنْهُنَّ بَطْنُهَا أَبَدًا
وَمَا تَشَكَّى وَلَا يَسِيلُ دَمُ
٤٨٢تَغَنَّتِ الطَّيْرُ فِي جَوَانِبِهَا
وَجَادَتِ الْأَرْضُ حَوْلَهَا الدِّيَمُ
٤٨٣فَهْيَ كَمَاوِيَّةٍ مُطَوَّقَةٍ
جُرِّدَ عَنْهَا غِشَاؤُهَا الْأَدَمُ
٤٨٤يَشِينُهَا جَرْيُهَا عَلَى بَلَدٍ
تَشِينُهُ الْأَدْعِيَاءُ وَالْقَزَمُ
٤٨٥أَبَا الْحُسَيْنِ اسْتَمِعْ فَمَدْحُكُمُ
في الْفِعْلِ قَبْلَ الْكَلَام مُنْتَظِمُ
٤٨٦وَقَدْ تَوَالَى الْعِهَادُ مِنْهُ لَكُمْ
وَجَادَتِ الْمَطْرَةُ الَّتِي تَسِمُ
٤٨٧أُعِيذُكُمْ مِنْ صُرُوفِ دَهْرِكُمُ
فَإِنَّهُ في الْكِرَامِ مُتَّهَمُ
٤٨٨وقال يمدح المغيث بن العجلي:
فُؤَادٌ مَا تُسَلِّيهِ الْمُدَامُ
وَعُمْرٌ مِثْلُ مَا تَهَبُ اللِّئَامُ
٤٨٩وَدَهْرٌ نَاسُهُ نَاسٌ صِغَارٌ
وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ جُثَثٌ ضِخَامُ
٤٩٠وَمَا أَنَا مِنْهُمُ بالْعَيْشِ فِيهِمْ
وَلكِنْ مَعْدِنُ الذَّهَبِ الرَّغَامُ
٤٩١أَرَانِبُ غَيْرَ أَنَّهُمُ مُلُوكٌ
مُفَتَّحَةٌ عُيُونُهُمُ نِيَامُ
٤٩٢بِأَجْسَامٍ يَحَرُّ الْقَتْلُ فِيهَا
وَمَا أَقْرَانُهَا إِلَّا الطَّعَامُ
٤٩٣وَخَيْلٍ مَا يَخِرُّ لَهَا طَعِينٌ
كَأَنَّ قَنَا فَوَارِسِهَا ثُمَامُ
٤٩٤خَلِيلُكَ أَنْتَ لَا مَنْ قُلْتَ: خِلِّي
وَإِنْ كَثُرَ التَّجَمُّلُ والْكَلَامُ
٤٩٥وَلَوْ حِيزَ الْحِفَاظُ بِغَيْرِ عَقْلٍ
تَجَنَّبَ عُنْقَ صَيقَلِهِ الْحُسَامُ
٤٩٦وَشِبْهُ الشَّيْءِ مُنْجَذِبٌ إِلَيْهِ
وَأَشْبَهُنَا بِدُنْيَانَا الطَّغَامُ
٤٩٧وَلَوْ لَمْ يَعْلُ إِلَّا ذُو مَحَلٍّ
تَعَالَى الْجَيْشُ وَانْحَطَّ القَتَامُ
٤٩٨وَلَوْ لَمْ يَرْعَ إِلَّا مُسْتَحِقٌّ
لِرُتْبَتِهِ أَسَامَهُمُ الْمُسَامُ
٤٩٩وَمَنْ خَبَرَ الْغَوَانِي فَالْغَوَانِي
ضِيَاءٌ فِي بَوَاطِنِهِ ظَلَامُ
٥٠٠إِذَا كَانَ الشَّبَابُ السُّكْرَ وَالشَّيـْ
ـبُ هَمًّا فَالْحَيَاةُ هِيَ الْحِمَامُ
٥٠١وَمَا كُلٌّ بِمَعْذُورٍ بِبُخْلٍ
وَلَا كُلٌّ عَلَى بُخْلٍ يُلَامُ
٥٠٢وَلَمْ أَرَ مِثْلَ جِيرَانِي وَمِثْلِي
لِمِثْلِي عِنْدَ مِثْلِهِمِ مُقَامُ
٥٠٣بِأَرْضٍ مَا اشْتَهَيْتَ رَأَيْتَ فِيهَا
فلَيْسَ يَفُوتُهَا إِلَّا الْكِرَامُ
٥٠٤فَهَلَّا كَانَ نَقْصُ الْأَهْلِ فِيهَا
وَكَانَ لِأَهْلِهَا مِنْهَا التَّمَامُ؟
٥٠٥بِهَا الْجَبَلَانِ مِنْ صَخْرٍ وَفَخْرٍ
أَنَافَا: ذَا الْمُغِيثُ وَذَا اللَّكَامُ
٥٠٦وَلَيْسَتْ مِنْ مَواطِنِهِ وَلَكِنْ
يَمُرُّ بِهَا كَمَا مَرَّ الغَمَامُ
٥٠٧سَقَى اللهُ ابْنَ مُنْجِبَةٍ سَقَانِي
بِدَرٍّ مَا لِرَاضِعِهِ فِطَامُ
٥٠٨وَمَنْ إِحْدَى فَوَائِدِهِ العَطَايَا
وَمَنْ إِحْدَى عَطَايَاهُ الدَّوَامُ
٥٠٩وَقَدْ خَفِيَ الزَّمَانُ بِهِ عَلَينَا
كَسِلْكِ الدُّرِّ يُخْفِيهِ النِّظَامُ
٥١٠تَلَذُّ لَهُ الْمُرُوءَةُ وَهْيَ تُؤْذِي
وَمَنْ يَعْشَقْ يَلَذُّ لَهُ الْغَرَامُ
٥١١تَعَلَّقَهَا هَوَى قَيْسٍ لِلَيْلَى
وَوَاصَلَهَا فَلَيْسَ بِهِ سَقَامُ
٥١٢يَرُوعُ رَكَانَةً وَيَذُوبُ ظَرْفًا
فَمَا نَدْرِى أشَيْخٌ أمْ غُلَامُ؟
٥١٣وَتَمْلِكُهُ الْمَسَائِلُ فِي نَدَاهُ
وَأَمَّا فِي الْجِدَالِ فَلَا يُرَامُ
٥١٤وَقَبْضُ نَوَالِهِ شَرَفٌ وَعِزٌّ
وَقَبْضُ نَوَالِ بَعْضِ الْقَوْمِ ذَامُ
٥١٥أَقَامَتْ فِي الرِّقَابِ لَهُ أَيَادٍ
هِيَ الْأَطْوَاقُ وَالنَّاسُ الْحَمَامُ
٥١٦إِذَا عُدَّ الْكِرَامُ فَتِلْكَ عِجْلٌ
كَمَا الأنْوَاءُ حِينَ تُعَدُّ عَامُ
٥١٧تَقِي جَبَهَاتُهُمْ مَا فِي ذَرَاهُمْ
إِذَا بِشِفَارِهَا حَمِيَ اللِّطَامُ
٥١٨وَلَو يَمَّمْتَهُمْ فِي الْحَشْرِ تجْدُو
لَأَعْطَوْكَ الَّذِي صَلَّوْا وَصَامُوا
٥١٩فَإِنْ حَلُمُوا فَإِنَّ الْخَيْلَ فِيهِمْ
خِفَافٌ وَالرِّمَاحُ بِهَا عُرَامُ
٥٢٠وَعِنْدَهُمُ الْجِفَانُ مُكَلَّلَاتٍ
وَشَزْرُ الطَّعْنِ وَالضَّرْبُ التُّؤَامُ
٥٢١نُصَرِّعُهُمْ بِأَعْيُنِنَا حَيَاءً
وَتَنْبُو عَنْ وُجُوهِهِمُ السِّهَامُ
٥٢٢قَبِيلٌ يَحْمِلُونَ مِنَ الْمَعَالِي
كَمَا حَمَلَتْ مِنَ الْجَسَدِ الْعِظَامُ
٥٢٣قَبِيلٌ أَنْتَ أَنْتَ وَأَنْتَ مِنْهُمْ
وَجَدُّكَ بِشْرٌ الْمَلِكُ الْهُمَامُ
٥٢٤لِمَنْ مَالٌ تُمَزِّقُهُ الْعَطَايَا
وَيَشْرَكُ فِي رَغَائِبِهِ الْأَنَامُ؟!
وَلَا نَدْعُوكَ صَاحِبَهُ فَتَرْضَى
لِأَنَّ بِصُحْبَةٍ يَجِبُ الذِّمَامُ
٥٢٥تُحَايِدُهُ كَأَنَّكَ سَامِرِيٌّ
تُصَافِحُهُ يَدٌ فِيهَا جُذَامُ
٥٢٦إِذَا مَا الْعَالِمُونَ عَرَوْكَ قَالُوا:
أَفِدْنَا أَيُّهَا الْحِبْرُ الْإِمَامُ
٥٢٧إِذَا مَا الْمُعْلِمُونَ رَأَوْكَ قَالُوا:
بِهَذَا يُعْلَمُ الْجَيْشُ اللُّهَامُ
٥٢٨لَقَدْ حَسُنَتْ بِكَ الْأَوْقَاتُ حَتَّى
كَأَنَّكَ فِي فَمِ الدَّهْرِ ابْتِسَامُ
٥٢٩وَأُعْطِيتَ الَّذِي لَمْ يُعْطَ خَلْقٌ
عَلَيْكَ صَلَاةُ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ
وقال يمدح عمر بن سليمان الشرابي وهو يومئذٍ يتولى الفداء بين العرب والروم:
نَرَى عِظَمًا بِالْبَيْنِ وَالصَّدُّ أَعْظَمُ
وَنَتَّهِمُ الْوَاشِينَ وَالدَّمْعُ مِنْهُمُ
٥٣٠وَمَنْ لُبُّهُ مَعْ غَيْرِهِ كَيْفَ حَالهُ؟!
وَمَنْ سِرُّهُ فِي جَفْنِهِ كيْفَ يَكْتَمُ؟!
٥٣١وَلَمَّا الْتَقَيْنَا وَالنَّوَى وَرَقِيبُنَا
غَفُولَانِ عَنَّا ظِلْتُ أَبْكِي وَتَبْسِمُ
٥٣٢فَلَمْ أَرَ بَدْرًا ضَاحِكًا قَبْلَ وَجْهِهَا
وَلَمْ تَرَ قَبْلِي مَيِّتًا يَتَكَلَّمُ
ظَلُومٌ كَمَتْنَيْهَا لِصَبٍّ كَخَصْرِهَا
ضَعِيفِ الْقُوَى مِنْ فِعْلِهَا يَتَظَلَّمُ
٥٣٣بفَرْعٍ يُعِيدُ اللّيْلَ والصُّبْحُ نَيِّرٌ
وَوَجْهٍ يُعِيدُ الصُّبْحَ واللَّيْلُ مُظْلِمُ
٥٣٤فَلَوْ كَانَ قَلْبِي دَارَها كَانَ خَالِيًا
وَلَكِنَّ جَيْشَ الشَّوْقِ فِيهِ عَرَمْرَمُ
٥٣٥أَثَافٍ بِهَا مَا بِالْفُؤَادِ مِنَ الصَّلَى
وَرَسْمٌ كَجِسْمِي ناحِلٌ مُتَهَدِّمُ
٥٣٦بَلَلْتُ بِهَا رُدْنَيَّ والْغَيْمُ مُسْعِدِي
وَعَبْرَتُهُ صِرْفٌ وَفِي عَبْرَتِي دَمُ
٥٣٧وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَا انْهَلَّ فِي الْخَدِّ مِنْ دَمِي
لَمَا كَانَ مُحْمَرًّا يَسِيلُ فَأَسْقَمُ
٥٣٨بِنَفْسِي الْخَيَالُ الزَّائِرِي بَعْدَ هَجْعَةٍ
وَقوْلَتُهُ لِي: بَعْدَنَا الْغُمْضَ تَطْعَمُ؟!
٥٣٩سَلَامٌ فَلَوْلَا الْخَوْفُ وَالْبُخْلُ عِنْدَهُ
لَقُلْتُ: أَبُو حَفْصٍ عَلَيْنَا الْمُسَلِّمُ
٥٤٠مُحِبُّ النَّدَى الصَّابِي إلَى بَذْلِ مَالِهِ
صُبُوًّا كَمَا يَصْبُو الْمُحِبُّ الْمُتَيَّمُ
٥٤١وَأُقْسِمُ لَوْلَا أَنَّ فِي كُلِّ شَعْرَةٍ
لَهُ ضَيْغَمًا قُلْنَا لَهُ: أَنْتَ ضَيْغَمُ
٥٤٢أَنَنْقُصُهُ مِنْ حَظِّهِ وَهْوَ زَائِدٌ
وَنَبْخَسُهُ وَالْبَخْسُ شَيْءٌ مُحَرَّمُ؟!
٥٤٣يَجِلُّ عَنِ التَّشْبِيهِ لَا الْكَفُّ لُجَّةٌ
وَلَا هُوَ ضِرْغَامٌ وَلَا الرَّأْيُ مِخْذَمُ
٥٤٤وَلَا جُرْحُهُ يُؤسَى وَلَا غَوْرُهُ يُرَى
وَلَا حَدُّهُ يَنْبُو وَلَا يَتَثَلَّمُ
٥٤٥وَلَا يُبْرَمُ الْأَمْرُ الَّذِي هُوَ حَالِلٌ
وَلَا يُحْلَلُ الْأَمْرُ الَّذِي هُوَ مُبْرِمُ
٥٤٦وَلَا يَرْمَحُ الْأَذْيَالَ مِنْ جَبَرِيَّةٍ
وَلَا يَخْدُمُ الدُّنْيَا وَإِيَّاهُ تَخْدُمُ
٥٤٧وَلَا يَشْتَهِي يَبْقَى وَتَفْنَى هِبَاتُهُ
وَلَا تَسْلَمُ الْأَعْدَاءُ مِنْهُ وَيَسْلَمُ
٥٤٨أَلَذُّ مِنَ الصَّهْبَاءِ بِالْمَاءِ ذِكْرُهُ
وَأَحْسَنُ مِنْ يُسْرٍ تَلَقَّاهُ مُعْدِمُ
٥٤٩وَأَغْرَبُ مِنْ عَنْقَاءَ فِي الطَّيْرِ شَكْلُهُ
وَأَعْوَزُ مِنْ مُسْتَرْفِدٍ مِنْهُ يُحْرَمُ
٥٥٠وَأَكْثَرُ مِنْ بَعْدِ الْأَيَادِي أَيَادِيًا
مِنْ الْقَطْرِ بَعْدَ الْقَطْرِ وَالْوَبْلُ مُثْجِمُ
٥٥١سَنِيُّ الْعَطَايَا لَوْ رَأَى نَوْمَ عَيْنهِ
مِنَ اللُّؤْمِ آلَى أَنَّهُ لَا يُهَوِّمُ
٥٥٢وَلَوْ قَالَ: هَاتُوا دِرْهَمًا لَمْ أَجُدْ بِهِ
عَلَى سَائِلٍ أَعْيَا عَلَى النَّاسِ درْهَمُ
٥٥٣ولَوْ ضَرَّ مَرْءًا قَبْلَهُ مَا يَسُرُّهُ
لَأَثَّرَ فِيهِ بَأْسُهُ وَالتَّكَرُّمُ
٥٥٤يُرَوِّي بِكَالْفِرْصَادِ فِي كُلِّ غَارَةٍ
يَتَامَى مِنَ الْأَغْمَادِ تُنْضَى فَتُوتِمُ
٥٥٥إِلَى الْيَوْمِ مَا حَطَّ الْفِدَاءُ سُرُوجَهُ
مُذُ الْغَزْوُ سَارٍ مُسْرَجُ الْخَيْلِ مُلْجَمُ
٥٥٦يَشُقُّ بِلَادَ الرُّومِ وَالنَّقْعُ أَبْلَقٌ
بِأَسْيَافِهِ وَالْجَوُّ بِالنَّقْعِ أَدْهَمُ
٥٥٧إِلَى المَلِكِ الطَّاغِي فَكَمْ مِنْ كَتِيبَةٍ
تُسَايِرُ مِنْهُ حَتْفَهَا وَهْيَ تَعْلَمُ!
٥٥٨وَمِنْ عَاتِقٍ نَصْرَانَةٍ بَرَزَتْ لَهُ
أُسِيلَةِ خَدٍّ عَنْ قَرِيبٍ ستُلْطَمُ!
٥٥٩صُفُوفًا لِلَيْثٍ فِي لُيُوثٍ حُصُونُها
مُتُونُ المَذَاكِي وَالْوَشِيجُ الْمُقَوَّمُ
٥٦٠تَغِيبُ الْمَنَايَا عَنْهُمُ وَهْوَ غَائِبٌ
وتَقْدَمُ في سَاحَاتِهِمْ حِينَ يَقْدَمُ
٥٦١أَجِدَّكَ مَا تَنْفَكُّ عَانٍ تَفُكُّهُ
عُمَ بْنَ سُلَيْمَانَ وَمَالٌ تُقَسِّمُ
٥٦٢مُكَافِيكَ مَنْ أَوْلَيْتَ دِينَ رَسُولِهِ
يَدًا لَا تُؤَدِّي شُكْرَهَا الْيَدُ وَالْفَمُ
٥٦٣عَلَى مَهَلٍ إِنْ كُنْتَ لَسْتَ بِرَاحِمٍ
لِنَفْسِكَ مِنْ جُودٍ فَإِنَّكَ تُرْحَمُ
٥٦٤مَحَلُّكَ مَقْصُودٌ وَشَانِيكَ مُفْحَمُ
وَمِثْلُكَ مَفْقُودٌ وَنَيْلُكَ خِضْرِمُ
٥٦٥وَزَارَكَ بِي دُونَ الْمُلُوكِ تَحَرُّجِي
إِذَا عَنَّ بَحْرٌ لَمْ يَجُزْ لِي التَّيَمُّمُ
٥٦٦فَعِشْ لَوْ فَدَى المَمْلُوكُ رَبًّا بِنَفْسِهِ
مِنَ المَوْتِ لَمْ تُفْقَدْ وَفِي الْأَرْضِ مُسْلِمُ
٥٦٧واجتاز بمكان يعرف بالفراديس من أرض قِنَّسْرِين فسمع زئير الأسد، فقال:
أَجَارُكِ يَا أُسْدَ الْفَرَادِيسِ مُكْرَمُ
فتَسْكُنَ نَفْسِي أَمْ مُهَانٌ فَمُسْلَمُ؟
٥٦٨وَرَائِي وَقُدَّامِي عُدَاةٌ كَثِيرَةٌ
أُحَاذِرُ مِنْ لِصٍّ وَمِنْكِ وَمِنْهُمُ
٥٦٩فَهَلْ لَكِ فِي حِلْفِي عَلَى مَا أُرِيدُهُ؟
فَإِنِّي بِأَسْبَابِ الْمَعِيشَةِ أَعْلَمُ
٥٧٠إِذَنْ لَأَتَاكِ الخَيْرُ مِنْ كُلِّ وِجْهَةٍ
وَأَثْرَيْتِ مِمَّا تَغْنَمِينَ وَأَغْنَمُ
٥٧١وقال في لعبة كانت تدور فسقطت عند بدر بن عمار:
مَا نَقَلَتْ فِي مَشِيئَةٍ قَدَمَا
وَلَا اشْتَكَتْ مِنْ دُوَارِهَا أَلَمَا
٥٧٢لَمْ أَرَ شَخْصًا مِنْ قَبْلِ رُؤْيَتِهَا
يَفْعَلُ أَفْعَالَهَا وَمَا عَزَمَا
فَلَا تَلُمْهَا عَلَى تَوَاقُعِهَا
أَطْرَبَهَا أَنْ رَأَتْكَ مُبْتَسِمَا
٥٧٣وخرج أبو الطيب إلى جبل حرس، فنزل بأبي الحسين علي بن أحد المري الخراساني، وكان بينهما مودة بطبرية، فقال يمدحه:
لَا افْتِخَارٌ إِلَّا لِمَنْ لَا يُضَامُ
مُدْرِكٍ أَوْ مُحَارِبٍ لَا يَنَامُ
٥٧٤لَيْسَ عَزْمًا مَا مَرَّضَ المَرْءُ فِيهِ
لَيْسَ هَمًّا مَا عَاقَ عَنْهُ الظَّلَامُ
٥٧٥وَاحْتِمَالُ الْأَذَى وَرُؤْيَةُ جَانِيـ
ـهِ غِذَاءٌ تَضْوَى بِهِ الْأَجْسَامُ
٥٧٦ذَلَّ مَنْ يَغْبِطُ الذَّلِيلَ بِعَيْشٍ
رُبَّ عَيْشٍ أَخَفُّ مِنْهُ الْحِمَامُ
٥٧٧كُلُّ حِلْمٍ أَتَى بِغَيْرِ اقْتِدَارٍ
حُجَّةٌ لَاجِئٌ إِلَيْهَا اللِّئَامُ
٥٧٨مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الْهَوَانُ عَلَيْهِ
مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلَامُ
٥٧٩ضَاقَ ذَرْعًا بِأَنْ أَضِيقَ بِهِ ذَرْ
عًا زَمَانِي وَاسْتَكْرَمَتْنِي الْكِرَامُ
٥٨٠وَاقِفًا تَحْتَ أَخْمَصَيْ قَدْرِ نَفْسِي
وَاقِفًا تَحْتَ أَخْمَصَيَّ الْأَنَامُ
٥٨١أَقَرَارًا أَلَذُّ فَوْقَ شَرَارٍ
وَمَرَامًا أَبْغِي وَظُلْمِي يُرَامُ؟!
دُونَ أَنْ يَشْرَقَ الْحِجَازُ وَنَجْدٌ
وَالْعِرْاقَانِ بِالْقَنَا وَالشَّآمُ
شَرَقَ الْجَوِّ بِالْغُبَارِ إِذَا سَا
رَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْقَمْقَامُ
٥٨٢الْأَدِيبُ الْمُهَذَّبُ الْأَصْيَدُ الضَّرْ
بُ الذَّكِيُّ الْجَعْدُ السَّرِيُّ الْهُمَامُ
٥٨٣وَالَّذِي رَيْبُ دَهْرِهِ مِنْ أُسَارَا
هُ وَمِنْ حَاسِدِي يَدَيْهِ الْغَمَامُ
٥٨٤يَتَدَاوَى مِنْ كَثْرَةِ المَالِ بِالْإِقـْ
ـلَالِ جُودًا كَأَنَّ مَالًا سَقَامُ
٥٨٥حَسَنٌ فِي عُيُونِ أَعْدَائِهِ أَقـْ
ـبَحُ مِنْ ضَيْفِهِ رَأَتْهُ السَّوَامُ
٥٨٦لَوْ حَمَى سَيِّدًا مِنَ الْمَوْتِ حَامٍ
لَحَمَاكَ الْإِجْلَالُ وَالْإِعْظَامُ
٥٨٧وَعَوَارٍ لَوَامِعٌ دِينُهَا الْحِلـْ
ـلُ وَلَكِنَّ زِيَّهَا الْإِحْرَامُ
٥٨٨كُتِبَتْ فِي صَحَائِفِ الْمَجْدِ: بِسْمٌ
ثُمَّ قَيْسٌ وَبَعْدَ قَيْسِ السَّلَامُ
٥٨٩إِنَّمَا مُرَّةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ سَعْدٍ
لَجَمَرَاتٌ لَا تَشْتَهِيهَا النَّعَامُ
٥٩٠لَيْلُهَا صُبْحُهَا مِنَ النَّارِ وَالْإِصـْ
ـبَاحُ لَيْلٌ مِنَ الدُّخَانِ تِمَامُ
٥٩١هِمَمٌ بَلَّغَتْكُمُ رُتَبَاتٍ
قَصُرَتْ عَنْ بُلُوغِهَا الْأَوْهَامُ
وَنُفُوسٌ إِذَا انْبَرَتْ لِقِتَالٍ
نَفِدَتْ قَبْلَ يَنْفَدُ الْإِقْدَامُ
٥٩٢وَقُلُوبٌ مُوَطَّنَاتٌ عَلَى الرَّوْ
عِ كَأَنَّ اقْتِحَامَهَا اسْتِسْلَامُ
٥٩٣قَائِدُو كُلِّ شَطْبَةٍ وَحِصَانٍ
قَدْ بَراهَا الْإِسْرَاجُ وَالْإِلْجَامُ
٥٩٤يَتَعَثَّرْنَ بِالرُّءُوسِ كَمَا مَرْ
رَ بِتَاءَاتِ نُطْقِهِ التَّمْتَامُ
٥٩٥طَالَ غِشْيَانُكَ الكَرَائِهَ حَتَّى
قَالَ فِيكَ الَّذِي أَقُولُ الْحُسَامُ
٥٩٦وَكَفَتْكَ الصَّفَائِحُ النَّاسَ حَتَّى
قَدْ كَفَتْكَ الصَّفَائِحَ الْأَقْلَامُ
٥٩٧وَكَفَتْكَ التَّجَارِبُ الْفِكْرَ حَتَّى
قَدْ كَفَاكَ التَّجَارِبَ الْإِلْهَامُ
٥٩٨فَارِسٌ يَشْتَرِي بِرَازَكَ لِلْفَخـْ
ـرِ بِقَتْلٍ مُعَجَّلٍ لَا يُلَامُ
٥٩٩نَائِلٌ مِنْكَ نَظْرَةً سَاقَهُ الْفَقـْ
ـرُ عَلَيْهِ لِفَقْرِهِ إِنْعَامُ
٦٠٠خَيْرُ أَعْضَائِنَا الرُّءُوسُ وَلَكِنْ
فَضَلَتْهَا بِقَصْدِكَ الْأَقْدَامُ
٦٠١قَدْ لَعَمْرِي أَقْصَرْتُ عَنْكَ وَلِلْوَفـْ
ـدِ ازْدِحَامٌ وَلِلْعَطَايَا ازْدِحَامُ
٦٠٢خِفْتُ إِنْ صِرْتُ فِي يَمِينِكَ أَنْ تَأْ
خُذَنِي في هِبَاتِكَ الْأَقْوَامُ
٦٠٣وَمِنَ الرُّشْدِ لَمْ أَزُرْكَ عَلَى الْقُرْ
بِ، عَلَى الْبُعْدِ يُعْرَفُ الْإِلْمَامُ
٦٠٤وَمِنَ الْخَيْرِ بُطْءُ سَيْبِكَ عَنِّي
أَسْرَعُ السُّحْبِ فِي الْمَسِيرِ الْجَهَامُ
٦٠٥قُلْ فَكَمْ مِنْ جَوَاهِرٍ بِنِظَامٍ
وُدُّهَا أَنَّهَا بِفِيكَ كَلَامُ!
٦٠٦هَابَكَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فَلَوْ تَنـْ
ـهَاهُمَا لَمْ تَجُزْ بِكَ الْأَيَّامُ
٦٠٧حَسْبُكَ اللهُ مَا تَضِلُّ عَنِ الْحَقـْ
ـقِ وَمَا يَهْتَدِي إِلَيْكَ أَثَامُ
٦٠٨لِمَ لَا تَحْذَرُ الْعَوَاقِبَ فِي غَيـْ
ـرِ الدَّنَايَا أَمَا عَلَيْكَ حَرَامُ؟!
٦٠٩كَمْ حَبِيبٍ لَا عُذْرَ فِي اللَّوْمِ فِيهِ
لَكَ فِيهِ مِنَ التُّقَى لُوَّامُ!
٦١٠رَفَعَتْ قَدْرَكَ النَّزَاهَةُ عَنْهُ
وَثَنَتْ قَلْبَكَ المَسَاعِي الْجِسَامُ
٦١١إِنَّ بَعْضًا مِنَ الْقَرِيضِ هُذَاءٌ
لَيْسَ شَيْئًا وَبَعْضَهُ أَحْكَامُ
٦١٢مِنْهُ مَا يَجْلُبُ الْبَرَاعَةُ والفَضـْ
ـلُ ومِنْهُ مَا يَجْلُبُ الْبِرْسَامُ
٦١٣وورد على أبي الطيب كتاب من جدته لأمه تشكو شوقها إليه وطول غيبته عنها، فتوجه نحو العراق، ولم يمكنه وصول الكوفة على حالته تلك، فانحدر إلى بغداد، وكانت جدته قد يئست منه، فكتب إليها كتابًا يسألها المسيرَ إليه، فقبَّلت كتابه، وحُمَّت لوقتها سرورًا به، وغلب الفرح على قبلها فقتلها، فقال يرثيها:
أَلَا لَا أُرِي الْأَحْدَاثَ حَمْدًا وَلَا ذَمًّا
فَمَا بَطْشُها جَهْلًا وَلَا كَفُّهَا حِلْمَا
٦١٤إِلَى مِثْلِ مَا كَانَ الفَتَى مَرْجِعُ الْفَتَى
يَعُودُ كَمَا أُبْدِي وَيُكْرِي كَمَا أَرْمَى
٦١٥لَكِ اللهُ مِنْ مَفْجُوعَةٍ بِحَبِيبِهَا
قَتِيلَةِ شَوْقٍ غَيْرِ مُلْحِقِهَا وَصْمَا
٦١٦أَحِنُّ إِلَى الْكَأْسِ الَّتِي شَرِبَتْ بِهَا
وَأَهْوَى لِمَثْوَاهَا التُّرَابَ وَمَا ضَمَّا
٦١٧بَكَيْتُ عَلَيْهَا خِيفَةً فِي حَيَاتِهَا
وَذَاقَ كِلَانَا ثُكْلَ صَاحِبِهِ قِدْمَا
٦١٨وَلَوْ قَتَلَ الْهَجْرُ الْمُحِبِّينَ كُلَّهُمْ
مَضَى بَلَدٌ بَاقٍ أَجَدَّتْ لَهُ صَرْمَا
٦١٩عَرَفْتُ اللَّيَالِي قَبْلَ مَا صَنَعَتْ بِنَا
فَلَمَّا دَهَتْنِي لَمْ تَزِدْنِي بِهَا عِلْمَا
٦٢٠مَنَافِعُهَا مَا ضَرَّ فِي نَفْعِ غَيْرِهَا
تَغَذَّى وَتَرْوَى أَنْ تَجُوعَ وَأَنْ تَظْمَا
٦٢١أَتَاهَا كِتَابِي بَعْدَ يَأْسٍ وَتَرْحَةٍ
فَمَاتَتْ سُرُورًا بي فَمُتُّ بِهَا غَمَّا
٦٢٢حَرَامٌ عَلَى قَلْبِي السُّرُورُ فَإِنَّنِي
أَعُدُّ الَّذِي مَاتَتْ بِهِ بَعْدَهَا سُمَّا
٦٢٣تَعَجَّبُ مِنْ خَطِّي وَلَفْظِي كَأَنَّهَا
تَرَى بِحُرُوفِ السَّطْرِ أَغْرِبَةً عُصْمَا
٦٢٤وَتَلْثَمُهُ حَتَّى أَصَارَ مِدَادُهُ
مَحَاجِرَ عَيْنَيْهَا وَأَنْيَابَهَا سُحْمَا
٦٢٥رَقَا دَمْعُهَا الْجَارِي وَجَفَّتْ جُفُونُهَا
وَفَارَقَ حُبِّي قَلْبَهَا بَعْدَ مَا أَدْمَى
٦٢٦وَلَمْ يُسْلِهَا إِلَّا المَنَايَا وَإِنَّمَا
أَشَدُّ مِنَ السُّقْمِ الَّذِي أَذْهَبَ السُّقْمَا
٦٢٧طَلَبْتُ لَهَا حَظًّا فَفَاتَتْ وَفَاتَنِي
وَقَدْ رَضِيَتْ بِي لَوْ رَضِيتُ بِهَا قِسْمَا
٦٢٨فَأَصْبَحْتُ أَسْتَسْقِي الْغَمَامَ لِقَبْرِهَا
وَقَدْ كُنْتُ أَسْتَسْقِي الْوَغَى وَالْقَنَا الصُّمَّا
٦٢٩وَكُنْتُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ أَسْتَعْظِمُ النَّوَى
فَقَدْ صَارَتِ الصُّغْرَى الَّتي كَانَتِ الْعُظْمَى
٦٣٠هَبِينِي أَخَذْتُ الثَّأْرَ فِيكِ مِنَ الْعِدَا
فَكَيْفَ بِأَخْذِ الثَّأْرِ فِيكِ مِنَ الْحُمَّى؟!
٦٣١وَمَا انْسَدَّتِ الدُّنْيَا عَلَيَّ لِضِيقِهَا
وَلَكِنَّ طَرْفًا لَا أَرَاكِ بِهِ أَعْمَى
٦٣٢فَوَا أَسَفَا أنْ لَا أُكِبَّ مُقَبِّلًا
لِرَأْسِكِ وَالصَّدْرِ اللَّذَيْ مُلِئَا حَزْمَا
٦٣٣وَأَنْ لَا أُلَاقِي رُوحَكِ الطَّيِّبَ الَّذِي
كَأَنَّ ذَكِيَّ المِسْكِ كَانَ لَهُ جِسْمَا
٦٣٤وَلَوْ لَمْ تَكُونِي بِنْتَ أَكْرَمِ وَالِدٍ
لَكَانَ أَبَاكِ الضَّخْمَ كَوْنُكِ لِي أُمَّا
٦٣٥لَئِنْ لَذَّ يَوْمُ الشَّامِتِينَ بِيَوْمِهَا
فَقَدْ وَلَدَتْ مِنِّي لِأَنْفِهِمِ رَغْمَا
٦٣٦تَغَرَّبَ لَا مُسْتَعْظِمًا غَيْرَ نَفْسِهِ
وَلَا قَابِلًا إِلَّا لِخَالِقِهِ حُكْمَا
٦٣٧وَلَا سَالِكًا إِلَّا فُؤَادَ عَجَاجَةٍ
وَلَا وَاجِدًا إِلَّا لِمَكْرُمَةٍ طَعْمَا
٦٣٨يَقُولُونَ لِي: مَا أَنْتَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ؟
وَمَا تَبْتَغِي؟ مَا أَبْتَغِي جَلَّ أَنْ يُسْمَى
٦٣٩كَأَنَّ بَنِيهِمْ عَالِمُونَ بِأَنَّنِي
جَلُوبٌ إِلَيْهِمْ مِنْ مَعَادِنِهِ الْيُتْمَا
٦٤٠وَمَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالنَّارِ فِي يَدِي
بِأَصْعَبَ مِنْ أَنْ أَجْمَعَ الْجَدَّ وَالْفَهْمَا
٦٤١وَلَكِنَّنِي مُسْتَنْصِرٌ بِذُبَابِهِ
وَمُرْتَكِبٌ فِي كُلِّ حَالٍ بِهِ الْغَشْمَا
٦٤٢وَجَاعِلُهُ يَوْمَ اللِّقَاءِ تَحِيَّتِي
وَإِلَّا فَلَسْتُ السَّيِّدَ الْبَطَلَ القَرْمَا
٦٤٣إِذَا فَلَّ عَزْمِي عَنْ مَدًى خَوْفُ بُعْدِهِ
فَأَبْعَدُ شَيْءٍ مُمْكِنٌ لَمْ يَجِدْ عَزْمَا
٦٤٤وَإِنِّي لَمِنْ قَوْمٍ كَأَنَّ نُفُوسَنَا
بِهَا أَنَفٌ أَنْ تَسْكُنَ اللَّحْمَ وَالْعَظْمَا
٦٤٥كَذَا أَنَا يَا دُنْيَا إِذَا شِئْتِ فَاذْهَبِي
وَيَا نَفْسُ زِيدِي فِي كَرَائِهِهَا قُدْمَا
٦٤٦فَلَا عَبَرَتْ بِي سَاعَةٌ لَا تُعِزُّنِي
وَلَا صَحِبَتْني مُهْجَةٌ تَقْبَلُ الظُّلْمَا
٦٤٧وقال يمدح الأمير أبا محمد الحسن بن عبيد الله بن طغج بالرملة، وكان أبو محمد قد كثرت مراسلته إلى أبي الطيب من الرملة، فسار إليه، فلما دخل الرملة أكرمه أبو محمد فمدحه بهذه القصيدة:
أَنَا لَائِمي إِنْ كُنْتُ وَقْتَ اللَّوَائِمِ
عَلِمْتُ بِمَا بِي بَيْنَ تِلكَ الْمَعَالِمِ
٦٤٨وَلَكِنَّنِي مِمَّا شُدِهْتُ مُتَيَّمٌ
كَسَالٍ وَقَلْبِي بَائِحٌ مِثْلُ كَاتِمِ
٦٤٩وَقَفْنَا كَأَنَّا كُلُّ وَجْدِ قُلُوبِنَا
تَمَكَّنَ مِنْ أَذْوَادِنَا فِي الْقَوَائِمِ
٦٥٠وَدُسْنَا بِأَخْفَافِ الْمَطِيِّ تُرَابَهَا
فَلَا زِلْتُ أَسْتَشْفِي بِلَثْمِ الْمَنَاسِمِ
٦٥١دِيَارُ اللَّوَاتِي دَارُهُنَّ عَزِيزَةٌ
بِطُولِ الْقَنَا يُحْفَظْنَ لَا بِالتَّمَائِمِ
٦٥٢حِسَانُ التَّثَنِّي يَنْقُشُ الْوَشْيُ مِثْلَهُ
إِذَا مِسْنَ فِي أَجْسَامِهِنَّ النَّوَاعِمِ
٦٥٣وَيَبْسِمْنَ عَنْ دُرٍّ تَقَلَّدْنَ مِثْلَهُ
كَأَنَّ التَّرَاقِي وُشِّحَتْ بِالْمَبَاسِمِ
٦٥٤فَمَا لِي وَلِلدُّنْيَا طِلَابِي نُجُومُهَا
وَمَسْعَايَ مِنْهَا فِي شُدُوقِ الْأَرَاقِمِ؟!
٦٥٥مِنَ الْحِلْمِ أنْ تَسْتَعْمِلَ الْجَهْلَ دُونَهُ
إِذَا اتَّسَعَتْ فِي الْحِلْمِ طُرْقُ الْمَظَالِمِ
٦٥٦وَأَنْ تَرِدَ الْمَاءَ الَّذِي شَطْرُهُ دَمٌ
فَتُسْقَى إِذَا لَمْ يُسْقَ مَنْ لَمْ يُزَاحِمِ
٦٥٧وَمَنْ عَرَفَ الْأَيَّامَ مَعْرِفَتِي بِهَا
وَبِالنَّاسِ رَوَّى رُمْحَهُ غَيْرَ رَاحِمِ
فَلَيْسَ بِمَرْحُومٍ إِذَا ظَفِرُوا بِهِ
وَلَا فِي الرَّدَى الْجَارِي عَلَيْهِم بِآثِمِ
٦٥٨إِذَا صُلْتُ لَمْ أَتْرُكْ مَصَالًا لِصَائِلٍ
وَإِنْ قُلْتُ لَمْ أَتْرُكْ مَقَالًا لِعَالِمِ
٦٥٩وَإِلَّا فَخَانَتْنِي الْقَوَافِي وَعَاقَنِي
عَنْ ابْنِ عُبَيْدِ اللهِ ضُعْفُ الْعَزَائِمِ
٦٦٠عَنِ الْمُقْتَنِي بَذْلَ التَّلَادِ تِلَادَهُ
وَمُجْتَنِبِ الْبُخْلِ اجْتِنَابَ الْمَحَارِمِ
٦٦١تَمَنَّى أَعَادِيهِ مَحَلَّ عُفَاتِهِ
وَتَحْسُدُ كَفَّيْهِ ثِقَالُ الْغَمَائِمِ
٦٦٢وَلَا يَتَلَقَّى الْحَرْبَ إِلَّا بِمُهْجَةٍ
مُعَظَّمَةٍ مَذْخُورَةٍ لِلْعَظَائِمِ
٦٦٣وَذِي لَجَبٍ لَا ذُو الْجَنَاحِ أَمَامَهُ
بِنَاجٍ وَلَا الْوَحْشُ الْمُثَارُ بِسَالمِ
٦٦٤تَمُرُّ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهْيَ ضَعِيفَةٌ
تُطَالِعُهُ مِنْ بَيْنِ رِيشِ الْقَشَاعِمِ
٦٦٥إِذَا ضَوْءُهَا لَاقَى مِنَ الطَّيْرِ فُرْجَةً
تَدَوَّرَ فَوْقَ البَيْضِ مِثْلَ الدَّرَاهِمِ
٦٦٦وَيَخْفَى عَلَيْكَ الْبَرْقُ وَالرَّعْدُ فَوْقَهُ
مِنَ اللَّمْعِ فِي حَافَاتِهِ وَالْهَمَاهِمِ
٦٦٧أَرَى دُونَ مَا بَيْنَ الْفُرَاتِ وَبَرْقَةٍ
ضِرَابًا يُمَشِّي الْخَيْلَ فَوْقَ الْجَمَاجِمِ
٦٦٨وَطَعْنَ غَطَارِيفٍ كَأَنَّ أَكُفَّهُمْ
عَرَفْنَ الرُّدَيْنِيَّاتِ قَبْلَ الْمَعَاصِمِ
٦٦٩حَمَتْهُ عَلَى الْأَعْدَاءِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ
سُيُوفُ بَنِي طُغْجِ بْنِ جُفِّ الْقَمَاقِمِ
٦٧٠هُمُ الْمُحْسِنُونَ الْكَرَّ فِي حَوْمَةِ الْوَغَى
وَأَحْسَنُ مِنْهُ كَرُّهُمْ فِي الْمَكَارِمِ
٦٧١وَهُمْ يُحْسِنُونَ الْعَفْوَ عَنْ كُلِّ مُذْنِبٍ
وَيَحْتَمِلُونَ الْغُرْمَ عَنْ كُلِّ غَارِمِ
٦٧٢حَيِيُّونَ إِلَّا أَنَّهُمْ فِي نِزَالِهِمْ
أَقَلُّ حَيَاءً مِنْ شِفَارِ الصَّوَارِمِ
٦٧٣وَلَوْلَا احْتِقَارُ الْأُسْدِ شَبَّهْتُهَا بِهِمْ
وَلكِنَّهَا مَعْدُودَةٌ فِي الْبَهَائِمِ
٦٧٤سَرَى النَّوْمُ عَنِّي فِي سُرَايَ إِلَى الَّذِي
صَنَائِعُهُ تَسْرِي إِلَى كُلِّ نَائِمِ
٦٧٥إِلَى مُطْلِقِ الْأَسْرَى وَمُخْتَرِمِ الْعِدَا
وَمُشْكِي ذَوِي الشَّكْوَى وَرَغْمِ الْمُرَاغِمِ
٦٧٦كَرِيمٌ نَفَضْتُ النَّاسَ لَمَّا بَلَغْتُهُ
كَأَنَّهُمْ مَا جَفَّ مِنْ زَادِ قَادِمِ
٦٧٧وَكَادَ سُرُورِي لَا يَفِي بِنَدَامَتِي
عَلَى تَرْكِهِ فِي عُمْرِيَ المُتَقَادِمِ
٦٧٨وَفَارَقْتُ شَرَّ الْأَرْضِ أَهْلًا وَتُرْبَةً
بِهَا عَلَوِيٌّ جَدُّهُ غَيْرُ هَاشِمِ
٦٧٩بَلَى اللهُ حُسَّادَ الْأَمِيرِ بِحِلْمِهِ
وَأَجْلَسَهُ مِنْهُمْ مَكَانَ الْعَمَائِمِ
٦٨٠فَإِنَّ لَهُمْ فِي سُرْعَةِ الْمَوْتِ رَاحَةً
وَإِنَّ لَهُمْ فِي الْعَيْشِ حَزَّ الْغَلَاصِمِ
٦٨١كَأَنَّكَ مَا جَاوَدْتَ مَنْ بَانَ جُودُهُ
عَلَيْكَ وَلَا قَاتَلْتَ مَنْ لَمْ تُقَاوِمِ
٦٨٢وأقسم عليه أبو محمد أن يشرب فأخذ الكأس، وقال ارتجالًا:
حُيِّيتَ مِنْ قَسَمٍ وَأَفْدِي الْمُقْسِمَا
أَمْسى الْأَنَامُ لَهُ مُجِلًّا مُعْظِمَا
٦٨٣وَإِذَا طَلبْتُ رِضَا الْأَمِيرِ بِشُرْبِهَا
وَأَخَذْتُهَا فَلَقَدْ تَرَكْتُ الْأَحْرَمَا
٦٨٤وحدث أبو محمد عن مسيرهم في الليل لكبس بادية وأن المطر أصابهم، فقال:
غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ لَكَ الْإِقْدَامُ
فَلِمَنْ ذَا الْحَدِيثُ وَالْإعْلَامُ؟!
قَدْ عَلِمْنَا مِنْ قَبْلُ أَنَّكَ مَنْ لَمْ
يَمْنَعِ اللَّيْلُ هَمَّهُ وَالْغَمَامُ
٦٨٥وقال، وقد كبست أَنطاكيَة فقتل مهره الطخْرور والْحِجْرُ أمه:
إِذَا غَامَرْتَ فِي شَرَفٍ مَرُومِ
فَلَا تَقْنَعْ بِمَا دُونَ النُّجُومِ
٦٨٦فَطَعْمُ الْمَوْتِ فِي أَمْرٍ صَغِيرٍ
كَطَعْمِ الْمَوْتِ فِي أَمْرٍ عَظِيمِ
٦٨٧ستَبْكِي شَجْوَهَا فَرَسِي وَمُهْرِي
صَفَائِحُ دَمْعُهَا مَاءُ الْجُسُومِ
٦٨٨قَرَبْنَ النَّارَ ثُمَّ نَشَانَ فِيهَا
كَمَا نشأ الْعَذَارَى فِي النَّعِيمِ
٦٨٩وَفَارَقْنَ الصَّيَاقِلَ مُخْلَصَاتٍ
وَأَيْدِيهَا كَثِيرَاتُ الْكُلُومِ
٦٩٠يَرَى الْجُبَنَاءُ أَنَّ الْعَجْزَ عَقْلٌ
وَتِلْكَ خَدِيعَةُ الطَّبْعِ اللَّئِيمِ
٦٩١وَكُلُّ شَجَاعَةٍ فِي الْمَرْءِ تُغْنِي
وَلَا مِثْلَ الشَّجَاعَةِ فِي الْحَكِيمِ
٦٩٢وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا
وآفَتُهُ مِنَ الْفَهْمِ السَّقِيمِ!
٦٩٣وَلكِنْ تَاخُذُ الآذانُ مِنْهُ
عَلَى قَدْرِ الْقَرَائِحِ وَالْعُلُومِ
٦٩٤وسار أبو الطيب من الرملة يريد أنطاكية في سنة ست وثلاثين، فنزل بطرابلس وبها إسحاق بن إبراهيم الأعور بن كيغلغ. وكان جاهلًا، وكان يجالسه ثلاثة نفر من بني حيدرة، وكان بينه وبين أبي الطيب عداوة قديمة، فقالوا له: أتحب أن يتجاوزك ولا يمدحك؟! وجعلوا يغرونه، فراسله أن يمدحه، فاحتج عليه بيمين لحقته لا يمدح أحدًا إلى مدة، فعاقه عن طريقه ينتظر المدة، وأخذ عليه الطريق وضبطها. ومات النفر الثلاثة الذين كانوا يغرونه في مدة أربعين يومًا، فهجاه أبو الطيب، وأملاها على من يثق به. فلما ذاب الثلج خرج كأنه يسير فرسه وسار إلى دمشق، فأتبعه ابن كيغلغ خيلًا ورجلًا، فأعجزهم وظهرت القصيدة، وهي:
لِهَوَى النُّفُوسِ سَرِيرَةٌ لَا تُعْلَمُ
عَرَضًا نَظَرْتُ وَخِلْتُ أَنِّي أَسْلَمُ
٦٩٥يَا أُخْتَ مُعْتَنِقِ الْفَوَارِسِ فِي الْوَغَى
لَأَخُوكِ ثَمَّ أَرَقُّ مِنْكِ وَأَرْحَمُ
يَرْنُو إِلَيْكِ مَعَ الْعَفَافِ وَعِنْدَهُ
أَنَّ الْمَجُوسَ تُصِيبُ فِيمَا تَحْكُمُ
٦٩٦رَاعَتْكِ رَائِعَةُ البَيَاضِ بِعَارضِي
وَلَوَ انَّهَا الْأُولَى لَرَاعَ الْأَسْحَمُ
٦٩٧لَوْ كَانَ يُمْكِنُنِي سَفَرْتُ عَنِ الصِّبَا
فَالشَّيْبُ مِنْ قَبْلِ الْأَوَانِ تَلَثُّمُ
٦٩٨وَلَقَدْ رَأَيْتُ الْحَادِثَاتِ فَلَا أَرَى
يَقَقًا يُمِيتُ وَلَا سَوَادًا يَعْصِمُ
٦٩٩وَالْهَمُّ يَخْتَرِمُ الْجَسِيمَ نَحَافَةً
وَيُشِيبُ نَاصِيَةَ الصَّبِيِّ وَيُهْرِمُ
٧٠٠ذُو الْعَقْلِ يَشْقَى فِي النَّعِيمِ بِعَقْلِهِ
وَأَخُو الْجَهَالَةِ فِي الشَّقَاوَةِ يَنْعَمُ
٧٠١وَالنَّاسُ قَدْ نَبَذُوا الْحِفَاظَ فَمُطْلَقٌ
يَنْسَى الَّذِي يُولَى وَعَافٍ يَنْدَمُ
٧٠٢لَا يَخْدَعَنَّكَ مِنْ عَدُوٍّ دَمْعُهُ
وَارْحَمْ شَبَابَكَ مِنْ عَدُوٍّ تَرْحَمُ
٧٠٣لَا يَسْلَمُ الشَّرَفُ الرَّفِيعُ مِنَ الْأَذَى
حَتَّى يُرَاقَ عَلَى جَوَانِبِهِ الدَّمُ
٧٠٤يُؤْذِي الْقَلِيلُ مِنَ اللِّئَامِ بِطَبْعِهِ
مَنْ لَا يَقِلُّ كَمَا يَقِلُّ وَيَلْؤُمُ
٧٠٥الظُّلْمُ مِنْ شِيَمِ النُّفُوسِ فَإِنْ تَجِدْ
ذَا عِفَّةٍ فَلِعِلَّةٍ لَا يَظْلِمُ
٧٠٦يَحْمِي ابْنَ كَيْغَلَغَ الطَّرِيقَ وَعِرْسُهُ
مَا بَيْنَ رِجْلَيْهَا الطَّرِيقُ الْأَعْظَمُ
٧٠٧أَقِمِ المَسَالِحَ فَوْقَ شُقْرِ سُكَيْنَةٍ
إِنَّ المَنِيَّ بِحَلْقَتَيْهَا خِضرِمُ
٧٠٨وَارْفُقْ بِنَفْسِكَ إِنَّ خَلْقَكَ نَاقِصٌ
وَاسْتُرْ أَبَاكَ فَإِنَّ أَصْلَكَ مُظْلِمُ
٧٠٩وَغِنَاكٌ مَسْأَلَةٌ وَطَيْشُكَ نَفْخَةٌ
وَرِضَاكَ فَيْشَلَةٌ وَرَبُّكَ دِرْهَمُ
٧١٠وَاحْذَرْ مُنَاوَاةَ الرِّجَالِ فَإِنَّمَا
تَقْوَى عَلَى كَمَرِ الْعَبِيدِ وَتُقْدِمُ
٧١١وَمِنَ البَلِيَّةِ عَذْلُ مَنْ لَا يَرْعَوِي
عَنْ غَيِّهِ وَخِطَابُ مَنْ لَا يَفْهَمُ
٧١٢يَمْشِي بِأَرْبَعَةٍ عَلَى أَعْقَابِهِ
تَحْتَ الْعُلُوجِ وَمِنْ وَرَاءٍ يُلْجَمُ
٧١٣وَجُفُونُهُ مَا تَسْتَقِرُّ كَأَنَّهَا
مَطْرُوفَةٌ أَوْ فُتَّ فِيهَا حِصْرِمُ
٧١٤وَإِذَا أَشَارَ مُحَدِّثًا فَكَأَنَّهُ
قِرْدٌ يُقَهْقِهُ أَوْ عَجُوزٌ تَلْطِمُ
٧١٥يَقْلِي مُفَارَقَةَ الْأَكُفِّ قَذَالُهُ
حَتَّى يَكَادَ عَلَى يَدٍ يَتَعَمَّمُ
٧١٦وَتَرَاهُ أَصْغَرَ مَا تَرَاهُ نَاطِقًا
وَيَكُونُ أَكْذَبَ مَا يَكُونُ وَيُقْسِمُ
٧١٧وَالذُّلُّ يُظْهِرُ فِي الذَّلِيلِ مَوَدَّةً
وَأَوَدُّ مِنْهُ لِمَنْ يَوَدُّ الْأَرْقَمُ
٧١٨وَمِنَ الْعَدَاوَةِ مَا يَنَالُكَ نَفْعُهُ
وَمِنَ الصَّدَاقَةِ مَا يَضُرُّ وَيُؤْلِمُ
٧١٩أَرْسَلْتَ تَسْأَلُنِي الْمَدِيحَ سَفَاهَةً
صَفْرَاءُ أَضْيَقُ مِنْكَ مَاذَا أَزْعُمُ؟!
٧٢٠أَتُرَى الْقِيَادَة فِي سِوَاكَ تَكَسُّبًا
يَا ابْنَ الْأُعَيِّرِ وَهْيَ فِيكَ تَكَرُّمُ
٧٢١فَلَشَدَّ مَا جَاوَزْتَ قَدْرَكَ صَاعِدًا
وَلَشَدَّ مَا قَرُبَتْ عَلَيْكَ الْأَنْجُمُ
٧٢٢وَأَرَغْتَ مَا لِأَبِي الْعَشَائِرِ خَالِصًا
إِنَّ الثَّنَاءَ لِمَنْ يُزَارُ فيُنْعِمُ
٧٢٣وَلِمَنْ أَقَمْتَ عَلَى الْهَوَانِ بِبَابِهِ
تَدْنُو فَيُوجَأُ أَخْدَعَاكَ وَتُنْهَمُ
٧٢٤وَلِمَنْ يُهِينُ الْمَالَ وَهْوَ مُكَرَّمٌ
وَلِمَنْ يَجُرُّ الْجَيْشَ وَهْوَ عَرَمْرَمُ
٧٢٥وَلِمَنْ إِذَا الْتَقَتِ الْكُمَاةُ بِمَأَزِقٍ
فَنَصِيبُهُ مِنْهَا الكَمِيُّ المُعْلِمُ
٧٢٦وَلَرُبَّمَا أَطَرَ القَنَاةَ بِفَارِسٍ
وَثَنَى فَقَوَّمَهَا بِآخَرَ مِنْهُمُ
٧٢٧وَالْوَجْهُ أَزْهَرُ وَالْفُؤَادُ مُشَيَّعٌ
وَالرُّمْحُ أَسْمَرُ وَالْحُسَامُ مُصَمِّمُ
٧٢٨أَفْعَالُ مَنْ تَلِدُ الْكِرَامُ كَرِيمَةٌ
وَفَعَالُ مَنْ تَلِدُ الْأَعَاجِمُ أَعْجَمُ
٧٢٩واجتاز ببعلبك فخلع عليه علي بن عسكر، وسأله أن يقيم عنده، وكان يريد السفر إلى أَنطاكيَة، فقال يستأذنه:
رَوِينَا يَا ابْنَ عَسْكَرٍ الْهُمَامَا
وَلَمْ يَتْرُكْ نَدَاكَ بِنَا هُيَامَا
٧٣٠وَصَارَ أَحَبُّ مَا تُهْدِي إلَيْنَا
لِغَيْرِ قِلًى وَدَاعَكَ وَالسَّلَامَا
٧٣١وَلَمْ نَمْلَلْ تَفَقُّدَكَ الْمَوَالِي
وَلَمْ نَذْمُمْ أَيَادِيَكَ الْجِسَامَا
٧٣٢وَلَكِنَّ الْغُيُوثَ إِذَا تَوَالَتْ
بِأَرْضِ مُسَافِرٍ كَرِهَ الْمُقَامَا
٧٣٣وكان مع أبي العشائر ليلًا على الشراب، فكلما أراد النهوض وهب له شيئًا، حتى وهب له ثيابًا وجارية ومهرًا فقال:
أَعَنْ إِذْنِي تَهُبُّ الرِّيحُ رَهْوًا
وَيَسْرِي كُلَّمَا شِئْتُ الْغَمَامُ؟!
٧٣٤وَلَكِنَّ الْغَمَامَ لَهُ طِبَاعٌ
تَبَجُّسُهُ بِهَا وَكَذَا الْكِرَامُ
٧٣٥وقال يمدح كافورًا، وقد أهدى إليه مهرًا أدهم في شهر ربيع الآخر سنة ٣٤٧ﻫ:
فِرَاقٌ وَمَنْ فَارَقْتُ غَيْرُ مُذَمَّمِ
وَأَمٌّ وَمَنْ يَمَّمْتُ خَيْرُ مُيَمَّمِ
٧٣٦وَمَا مَنْزِلُ اللَّذَّاتِ عِنْدِي بِمَنْزِلٍ
إِذَا لَمْ أُبَجَّلْ عِنْدَهُ وَأُكَرَّمِ
٧٣٧سَجِيَّةُ نَفْسٍ مَا تَزَالُ مُلِيحَةً
مِنَ الضَّيْمِ مَرْمِيًّا بِهَا كُلُّ مَخْرِمِ
٧٣٨رَحَلْتُ فَكَمْ بَاكٍ بِأَجْفَانِ شَادِنٍ
عَلَيَّ وَكَمْ بَاكٍ بِأَجْفَانِ ضَيْغَمِ!
٧٣٩وَمَا رَبَّةُ القُرْطِ الْمَلِيحِ مَكَانُهُ
بِأَجْزَعَ مِنْ رَبِّ الْحُسَامِ الْمُصَمِّمِ
٧٤٠فَلَوْ كَانَ مَا بِي مِنْ حَبِيبٍ مُقَنَّعٍ
عَذَرْتُ وَلَكِنْ مِنْ حَبِيبٍ مُعَمَّمِ
٧٤١رَمَى وَاتَّقَى رَمْيِي وَمِنْ دُونِ مَا اتَّقَى
هَوًى كَاسِرٌ كَفِّي وَقَوْسِي وَأَسْهُمي
٧٤٢إِذَا سَاءَ فِعْلُ الْمَرْءِ سَاءَتْ ظُنُونُهُ
وَصَدَّقَ مَا يَعتَادُهُ مِنْ تَوَهُّمِ
٧٤٣وَعَادَى مُحِبِّيهِ بِقَوْلِ عُدَاتِهِ
وَأَصْبَحَ فِي لَيْلٍ مِنَ الشَّكِّ مُظْلِمِ
٧٤٤أُصَادِقُ نَفْسَ الْمَرْءِ مِنْ قَبْلِ جِسْمِهِ
وَأَعْرِفُهَا فِي فِعْلِهِ وَالتَّكَلُّمِ
٧٤٥وَأَحْلُمُ عَنْ خِلِّي وَأَعْلَمُ أَنَّهُ
مَتَى أَجْزِهِ حِلْمًا عَلَى الْجَهْلِ يَنْدَمِ
٧٤٦وَإِنْ بَذَلَ الْإِنْسَانُ لِي جُودَ عَابِسٍ
جَزَيْتُ بِجُودِ التَّارِكِ المُتَبَسِّمِ
٧٤٧وَأَهْوَى مِنَ الْفِتْيَانِ كُلَّ سَمَيْذَعٍ
نَجِيبٍ كَصَدْرِ السَّمْهَرِيِّ الْمُقَوَّمِ
٧٤٨خَطَتْ تَحْتَهُ الْعِيسُ الْفَلَاةَ وَخَالَطَتْ
بِهِ الْخَيْلُ كَبَّاتِ الْخَمِيسِ الْعَرَمْرَمِ
٧٤٩وَلَا عِفَّةٌ فِي سَيْفِهِ وَسِنَانِهِ
وَلَكِنَّهَا فِي الْكَفِّ وَالْفَرْجِ وَالْفَمِ
٧٥٠وَمَا كُلُّ هَاوٍ لِلْجَمِيلِ بِفَاعِلٍ
وَلَا كُلُّ فَعَّالٍ لَهُ بِمُتَمِّمِ
٧٥١فِدًى لِأَبِي الْمِسْكِ الْكِرَامُ فَإِنَّهَا
سَوَابِقُ خَيْلٍ يَهْتَدِينَ بِأدْهَمِ
٧٥٢أَغَرَّ بِمَجْدٍ قَدْ شَخَصْنَ وَرَاءَهُ
إِلَى خُلُقٍ رَحْبٍ وَخَلْقٍ مُطَهَّمِ
٧٥٣إِذَا مَنَعَتْ مِنْكَ السِّيَاسَةُ نَفْسَهَا
فَقِفْ وَقْفَةً قُدَّامَهُ تَتَعَلَّمِ
٧٥٤يَضِيقُ عَلَى مَنْ رَاءَهُ الْعُذْرُ أَنْ يُرَى
ضَعِيفَ الْمَسَاعِي أَوْ قَلِيلَ التَّكَرُّمِ
٧٥٥وَمَنْ مِثْلُ كَافُورٍ إِذَا الْخَيْلُ أَحْجَمَتْ
وَكَانَ قَلِيلًا مَنْ يَقُولُ لَهَا: اقْدُمِي
٧٥٦شَدِيدُ ثَبَاتِ الطِّرْفِ وَالنَّقْعُ وَاصِلٌ
إِلَى لَهَوَاتِ الْفَارِسِ المُتَلَثِّمِ
٧٥٧أَبَا الْمِسْكِ أَرْجُو مِنْكَ نَصْرًا عَلَى الْعِدَا
وآمُلُ عِزًّا يَخْضِبُ الْبِيضَ بِالدَّمِ
٧٥٨وَيَوْمًا يَغِيظُ الْحاسِدِينَ وَحَالَةً
أُقِيمُ الشَّقَا فِيهَا مَقَامَ التَّنَعُّمِ
٧٥٩وَلَمْ أَرْجُ إِلَّا أَهْلَ ذَاكَ وَمَنْ يُرِدْ
مَوَاطِرَ مِنْ غَيْرِ السَّحَائِبِ يَظْلِمِ
٧٦٠فَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِي مِصْرَ مَا سِرْتُ نَحْوَهَا
بِقَلْبِ الْمَشُوقِ الْمُسْتَهَامِ الْمُتَيَّمِ
٧٦١وَلَا نَبَحَتْ خَيْلِي كلَابُ قَبَائِلٍ
كَأَنَّ بِهَا فِي اللَّيلِ حَمْلَاتِ دَيْلَمِ
٧٦٢وَلَا اتَّبَعَتْ آثَارَنَا عَيْنُ قَائِفٍ
فَلَمْ تَرَ إِلَّا حَافِرًا فَوْقَ مَنْسِمِ
٧٦٣وَسَمْنَا بِهَا الْبَيْدَاءَ حَتَّى تَغَمَّرَتْ
مِنَ النِّيلِ وَاسْتَذْرَتْ بِظِلِّ الْمُقَطَّمِ
٧٦٤وَأَبْلَخَ يَعْصِي بِاخْتِصَاصِي مُشِيرَهُ
عَصَيْتُ بِقَصْدِيهِ مُشِيرِي وَلُوَّمِي
٧٦٥فَسَاقَ إِلَيَّ الْعُرْفَ غَيْرَ مُكَدَّرٍ
وَسُقْتُ إِلَيْهِ الشُّكْرَ غَيْرَ مُجَمْجَمِ
٧٦٦قَدِ اخْتَرْتُكَ الْأَمْلَاكَ فاخْتَرْ لَهُمْ بِنَا
حَدِيثًا وَقَدْ حَكَّمْتُ رَأْيَكَ فَاحْكُمِ
٧٦٧فَأَحْسَنُ وَجْهٍ فِي الْوَرَى وَجْهُ مُحْسِنٍ
وَأَيْمَنُ كَفٍّ فِيهِمِ كَفُّ مُنْعِمِ
٧٦٨وَأَشرَفُهُمْ مَنْ كَانَ أَشْرَفَ هِمَّةً
وَأَكْبَرَ إِقْدَامًا عَلَى كُلِّ مُعْظَمِ
٧٦٩لِمَنْ تَطْلُبُ الدُّنْيَا إِذَا لَمْ تُرِدْ بِهَا
سُرُورَ مُحِبٍّ أَوْ إِسَاءَةَ مُجْرِمِ؟!
٧٧٠وَقَدْ وَصَلَ الْمُهْرُ الَّذِي فَوْقَ فَخْذِهِ
مِنِ اسْمِكَ مَا فِي كُلِّ عُنْقٍ وَمِعْصَمِ
٧٧١لَكَ الْحَيَوَانُ الرَّاكِبُ الْخَيْلَ كُلُّهُ
وَإِنْ كَانَ بِالنِّيرَانِ غَيْرَ مُوَسَّمِ
٧٧٢وَلَوْ كُنْتُ أَدْرِي كَمْ حَيَاتِي قَسَمْتُهَا
وَصَيَّرْتُ ثُلْثَيْهَا انْتِظَارَكَ فَاعْلَمِ
٧٧٣وَلَكِنَّ مَا يَمْضِي مِنَ الْعُمْرِ فَائِتٌ
فَجُدْ لِي بِخَطِّ الْبَادِرِ الْمُتَغَنِّمِ
٧٧٤رَضِيتُ بِمَا تَرْضَى بِهِ لِي مَحَبَّةً
وَقُدْتُ إِلَيْكَ النَّفْسَ قَوْدَ الْمُسَلِّمِ
٧٧٥وَمِثْلُكَ مَنْ كَانَ الْوَسِيطَ فُؤَادُهُ
فَكَلَّمَهُ عَنِّي وَلَمْ أَتَكَلَّمِ
٧٧٦وقال يذكر حُمَّى كانت تغشاه بمصر ويعرض بالرحيل عن مصر، وذلك في ذي الحجة سنة ثمانٍ وأربعين وثلاثمائة:
مَلُومُكُمَا يَجِلُّ عَنِ المَلَامِ
وَوَقْعُ فَعَالِهِ فَوْقَ الكَلام
٧٧٧ذَرَانِي وَالْفَلَاةَ بِلَا دَلِيلٍ
وَوَجْهِي وَالْهَجِيرَ بِلَا لِثَامِ
٧٧٨فَإِنِّي أَسْتَرِيحُ بِذِي وَهَذَا
وَأَتْعَبُ بِالْإِنَاخَةِ وَالمُقَامِ
٧٧٩عُيُونُ رَوَاحِلِي إِنْ حِرْتُ عَيْنِي
وَكُلُّ بُغَامِ رَازِحَةٍ بُغَامِي
٧٨٠فَقَدْ أَرِدُ المِيَاهَ بِغَيْرِ هَادٍ
سِوَى عَدِّي لَهَا بَرْقَ الْغَمَامِ
٧٨١يُذِمُّ لِمُهْجَتِي رَبِّي وَسَيْفِي
إِذَا احْتَاجَ الوَحِيدُ إِلَى الذِّمَامِ
٧٨٢وَلَا أُمْسِي لِأَهْلِ الْبُخْلِ ضَيْفًا
وَلَيْسَ قِرًى سِوَى مُخِّ النَّعَامِ
٧٨٣فَلَمَّا صَارَ وُدُّ النَّاسِ خِبًّا
جَزَيْتُ عَلَى ابْتِسَامٍ بابْتِسَامِ
٧٨٤وَصِرْتُ أَشُكُّ فِيمَنْ أَصْطَفِيهِ
لِعِلْمِي أَنَّهُ بَعْضُ الْأَنَامِ
٧٨٥يُحِبُّ الْعَاقِلُونَ عَلَى التَّصَافِي
وَحُبُّ الْجَاهِلِينَ عَلَى الْوَسَامِ
٧٨٦وَآنَفُ مِنْ أَخِي لِأَبِي وَأُمِّي
إِذَا مَا لَمْ أَجِدْهُ مِنَ الكِرَامِ
٧٨٧أَرَى الْأَجْدَادَ تَغْلِبُهَا كَثِيرًا
عَلَى الْأَوْلَادِ أَخْلَاقُ اللِّئَامِ
٧٨٨وَلَسْتُ بِقَانِعٍ مِنْ كُلِّ فَضْلٍ
بِأَنْ أُعْزَى إِلَى جَدٍّ هُمَامِ
٧٨٩عَجِبْتُ لِمَنْ لَهُ قَدٌّ وَحَدٌّ
وَيَنْبُو نَبْوَةَ الْقَضِمِ الكَهَامِ
٧٩٠وَمَنْ يَجِدُ الطَّرِيقَ إِلَى الْمَعَالِي
فَلَا يَذَرُ الْمَطِيَّ بِلَا سَنَامِ
٧٩١وَلَمْ أرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ شَيْئًا
كَنَقْصِ الْقَادِرِينَ عَلَى التَّمَامِ
٧٩٢أَقَمْتُ بِأَرْضِ مِصْرَ فَلَا وَرَائِي
تَخُبُّ بِيَ الْمَطِيُّ وَلَا أَمَامِي
٧٩٣وَمَلَّنِيَ الْفِرَاشُ وَكَانَ جَنْبِي
يَمَلُّ لِقَاءَهُ فِي كُلِّ عَامِ
٧٩٤قَلِيلٌ عَائِدِي سَقِمٌ فُؤَادِي
كَثِيرٌ حَاسِدِي صَعْبٌ مَرَامِي
٧٩٥عَلِيلُ الْجِسْمِ مُمْتَنِعُ الْقِيَامِ
شَدِيدُ السُّكْرِ مِنْ غَيرِ المُدَامِ
٧٩٦وَزَائِرَتِي كَأَنَّ بِهَا حَيَاءً
فَلَيْسَ تَزُورُ إِلَّا فِي الظَّلِامِ
٧٩٧بَذَلْتُ لَهَا الْمَطَارِفَ وَالْحَشَايَا
فَعَافَتْهَا وَبَاتَتْ فِي عِظَامِي
٧٩٨يَضِيقُ الْجِلْدُ عَنْ نَفَسِي وَعَنْهَا
فَتُوسِعُهُ بِأَنْوَاعِ السِّقَامِ
٧٩٩إِذَا مَا فَارَقَتْنِي غَسَّلَتْنِي
كَأَنَّا عَاكِفَانِ عَلَى حَرَامِ
٨٠٠كَأَنَّ الصُّبْحَ يَطْرُدُهَا فتَجْرِي
مَدَامِعُهَا بِأَرْبَعَةٍ سِجَامِ
٨٠١أُرَاقِبُ وَقْتَهَا مِنْ غَيْرِ شَوْقٍ
مُرَاقَبَةَ الْمَشُوقِ الْمُسْتَهَامِ
٨٠٢وَيَصْدُقُ وَعْدُهَا وَالصِّدْقُ شَرٌّ
إِذَا أَلْقَاكَ فِي الْكُرَبِ الْعِظَامِ
٨٠٣أَبِنْتَ الدَّهْرِ عِنْدِي كُلُّ بِنْتٍ
فَكَيْفَ وَصَلْتِ أَنْتِ مِنَ الزِّحَامِ؟!
٨٠٤جَرَحْتِ مُجَرَّحًا لَمْ يَبْقَ فِيهِ
مَكَانٌ لِلسُّيُوفِ وَلَا السِّهَامِ
٨٠٥أَلَا يَا لَيْتَ شِعْرَ يَدِي أتُمْسِي
تَصَرَّفُ فِي عِنَانٍ أوْ زِمَامِ؟
٨٠٦وَهَلْ أَرْمِي هَوَايَ بِرَاقِصَاتٍ
مُحَلَّاةِ الْمَقَاوِدِ باللُّغَامِ؟
٨٠٧فَرُبَّتَمَا شَفَيْتُ غَلِيلَ صَدْري
بِسَيْرٍ أَوْ قَنَاةٍ أَوْ حُسَامِ
٨٠٨وَضَاقَتْ خُطَّةٌ فَخَلَصْتُ مِنْهَا
خَلَاصَ الْخَمْرِ مِنْ نَسْجِ الْفِدَامِ
٨٠٩وَفَارَقْتُ الْحَبِيبَ بِلَا وَدَاعٍ
وَوَدَّعْتُ الْبِلَادَ بِلَا سَلَامِ
٨١٠يَقُولُ لِيَ الطَّبِيبُ: أَكَلْتَ شَيْئًا
وَدَاؤُكَ فِي شَرَابِكَ وَالطَّعَامِ
وَمَا فِي طِبِّهِ أَنِّي جَوَادٌ
أَضَرَّ بِجِسْمِهِ طُولُ الجِمَامِ
٨١١تَعَوَّدَ أَنْ يُغَبِّرَ فِي السَّرَايَا
وَيَدْخُلَ مِنْ قَتَامٍ فِي قَتَامِ
٨١٢فَأُمْسِكَ لَا يُطَالُ لَهُ فيَرْعَى
وَلَا هُوَ فِي العَلِيقِ وَلَا اللِّجَامِ
٨١٣فَإِنْ أَمْرَضْ فَمَا مَرِضَ اصْطِبَارِي
وَإِنْ أُحْمَمْ فَمَا حُمَّ اعْتِزَامِي
٨١٤وَإِنْ أَسْلَمْ فَمَا أَبْقَى وَلَكِنْ
سَلِمْتُ مِنَ الْحِمَامِ إِلَى الْحِمَامِ
٨١٥تَمَتَّعْ مِنْ سُهَادٍ أَوْ رُقَادٍ
وَلَا تَأْمُلْ كَرًى تَحْتَ الرِّجَامِ
٨١٦فَإِنَّ لِثَالِثِ الْحَالَيْنِ مَعْنًى
سِوَى مَعْنَى انْتِبَاهِكَ وَالْمَنَامِ
٨١٧وقال يهجو كافورًا:
مِنْ أَيَّةِ الطُّرْقِ يَأْتِي نَحْوَكَ الْكَرَمُ
أَيْنَ الْمَحَاجِمُ يَا كَافُورُ وَالْجَلَمُ؟
٨١٨جَازَ الْأُلَى مَلَكَتْ كَفَّاكَ قَدْرَهُمُ
فَعُرِّفُوا بِكَ أَنَّ الْكَلْبَ فَوْقَهُمْ
٨١٩لَا شَيْءَ أَقْبَحُ مِنْ فَحْلٍ لَهُ ذَكَرٌ
تَقُودُه أَمَةٌ لَيْسَتْ لَهَا رَحِمُ
٨٢٠سَادَاتُ كُلِّ أُنَاسٍ مِنْ نُفُوسِهِمِ
وَسَادَةُ الْمُسْلِمِينَ الْأَعْبُدُ الْقَزَمُ
٨٢١أَغَايَةُ الدِّينِ أَنْ تُحْفُوا شَوَارِبَكُمْ
يَا أُمَّةً ضَحِكَتْ مِنْ جَهْلِهَا الْأُمَمُ
٨٢٢أَلَا فَتًى يُورِدُ الْهِنْدِيَّ هَامَتَهُ
كَيْمَا تَزُولَ شُكُوكُ النَّاسِ وَالتُّهَمُ
٨٢٣فَإِنَّهُ حُجَّةٌ يُؤْذِي القُلُوبَ بِهَا
مَنْ دِينُهُ الدَّهْرُ وَالتَّعْطِيلُ وَالْقِدَمُ
٨٢٤مَا أَقْدَرَ اللهَ أَنْ يُخْزِي خَلِيقَتَهُ
وَلَا يُصَدِّقَ قَوْمًا فِي الَّذِي زَعَمُوا
٨٢٥وقال يهجوه أيضًا:
أَمَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا كَرِيمُ
تَزُولُ بِهِ عَنِ الْقَلْبِ الْهُمُومُ؟
٨٢٦أَمَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مَكَانٌ
يُسَرُّ بِأَهْلِهِ الْجَارُ الْمُقيمُ؟
٨٢٧تَشَابَهَتِ الْبَهَائِمُ وَالْعِبِدَّى
عَلَيْنَا وَالْمَوَالِي وَالصَّمِيمُ
٨٢٨وَمَا أَدْرِي أَذَا دَاءٌ حَدِيثٌ
أَصَابَ النَّاسَ أمْ دَاءٌ قَدِيمُ؟
٨٢٩حَصَلْتُ بِأَرْضِ مِصْرَ عَلَى عَبِيدٍ
كَأَنَّ الحُرَّ بَيْنَهُمُ يَتِيمُ
٨٣٠كَأَنَّ الْأَسْوَدَ اللَّابِيَّ فِيهِمْ
غُرَابٌ حَوْلَهُ رَخَمٌ وَبُومُ
٨٣١أُخِذْتُ بِمَدْحِهِ فَرَأَيْتُ لَهْوًا
مَقَالِي لِلْأُحَيْمِقِ يَا حَلِيمُ
٨٣٢وَلَمَّا أَنْ هَجَوْتُ رَأَيْتُ عِيًّا
مَقَالِي لِابْنِ آوَى يَا لَئِيمُ
٨٣٣فَهَلْ مِنْ عَاذِرٍ فِي ذَا وَفِي ذَا
فَمَدْفُوعٌ إلَى السَّقَمِ السَّقِيمُ؟
٨٣٤إِذَا أَتَتِ الْإِسَاءَةُ مِنْ لَئِيمٍ
وَلَمْ أَلُمِ الْمُسِيءَ فَمَنْ أَلُومُ؟!
٨٣٥ودخل عليه صديق له بالكوفة وبيده تفاحة ندٍّ عليها اسم فاتك، وكانت مما أهداه له، فاستحسنها الرجل، فقال المتنبي:
يُذَكِّرُنِي فَاتِكًا حِلْمُهُ
وَشَيْءٌ مِنَ النَّدِّ فِيهِ اسْمُهُ
٨٣٦وَلَسْتُ بِنَاسٍ وَلَكِنَّنِي
يُجَدِّدُ لِي رِيحَهُ شَمُّهُ
٨٣٧وَأَيَّ فَتًى سَلَبَتْنِي الْمَنُونُ
وَلَمْ تَدْرِ مَا وَلَدَتْ أُمُّهُ!
٨٣٨وَلَا مَا تَضُمُّ إِلَى صَدْرِهَا
وَلَوْ عَلِمَتْ هَالَهَا ضَمُّهُ
٨٣٩بِمِصْرَ مُلُوكٌ لَهُمْ مَا لَهُ
وَلَكِنَّهُمْ مَا لَهُمْ هَمُّهُ
٨٤٠فَأَجْوَدُ مِنْ جُودِهِمْ بُخْلُهُ
وَأَحْمَدُ مِنْ حَمْدِهِمْ ذَمُّهُ
٨٤١وَأَشْرَفُ مِنْ عَيْشِهِمْ مَوْتُهُ
وَأَنْفَعُ مِنْ وَجْدِهِمْ عُدْمُهُ
٨٤٢وَإِنَّ مَنِيَّتَهُ عِنْدَهُ
لَكَالْخَمْرِ سُقِّيَهُ كَرْمُهُ
٨٤٣فَذَاكَ الَّذِي عَبَّهُ مَاؤُهُ
وَذَاكَ الَّذِي ذَاقَهُ طَعْمُهُ
٨٤٤وَمَنْ ضَاقَتِ الْأَرْضُ عَنْ نَفسِهِ
حَرًى أَنْ يَضِيقَ بِهَا جِسْمُهُ
٨٤٥وقال يذكر مسيره من مصر ويرثي فاتكًا، وأنشأها يوم الثلاثاء لتسعٍ خلون من شعبان سنة ٣٥٢:
حَتَّامَ نَحْنُ نُسَارِي النَّجْمَ فِي الظُّلَمِ؟!
وَمَا سُرَاهُ عَلَى خُفٍّ وَلَا قَدَمِ
٨٤٦وَلَا يُحِسُّ بِأَجْفَانٍ يُحِسُّ بِهَا
فَقْدَ الرُّقَادِ غَرِيبٌ بَاتَ لَمْ يَنَمِ
٨٤٧تُسَوِّدُ الشَّمْسُ مِنَّا بِيضَ أَوْجُهِنَا
وَلَا تُسَوِّدُ بِيضَ العُذْرِ وَاللِّمَمِ
٨٤٨وَكَانَ حَالُهُمَا فِي الْحُكْمِ وَاحِدَةً
لَوِ احْتَكَمْنَا مِنَ الدُّنْيَا إِلَى حِكَمِ
٨٤٩وَنَتْرُكُ الْمَاءَ لَا يَنْفَكُّ مِنْ سَفَرٍ
مَا سَارَ في الْغَيْمِ مِنْهُ سَارَ فِي الْأَدَمِ
٨٥٠لَا أُبْغِضُ العِيسَ لَكِنِّي وَقَيْتُ بِهَا
قَلْبِي مِنَ الْحُزْنِ أَوْ جِسْمِي مِنَ السَّقَمِ
٨٥١طَرَدْتُ مِنْ مِصْرَ أَيْدِيهَا بِأَرْجُلِهَا
حَتَّى مَرَقْنَ بِنَا مِنْ جَوْشَ وَالْعَلَمِ
٨٥٢تَبْرِي لَهُنَّ نَعَامُ الدَّوِّ مُسْرَجَةً
تُعَارِضُ الْجُدُلَ المُرْخَاةَ بِاللُّجُمِ
٨٥٣فِي غِلْمَةٍ أَخْطَرُوا أَرْوَاحَهُم وَرَضُوا
بِمَا لَقِينَ رِضَا الْأَيْسَارِ بِالزَّلَمِ
٨٥٤تَبْدُو لَنَا كُلَّمَا أَلْقَوْا عَمَائِمَهُمْ
عَمَائِمٌ خُلِقَتْ سُودًا بِلَا لُثُمِ
٨٥٥بِيضُ الْعَوَارِضِ طَعَّانُونَ مَنْ لَحِقُوا
مِنَ الْفَوَارِسِ شَلَّالُونَ لِلنَّعَمِ
٨٥٦قَدْ بَلَّغُوا بِقَنَاهُمْ فَوْقَ طَاقَتِهِ
وَلَيْسَ يَبلُغُ مَا فِيهِمْ مِنَ الْهِمَمِ
٨٥٧فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا أَنَّ أَنْفُسَهُمْ
مِنْ طِيبِهِنَّ بِهِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ
٨٥٨نَاشُوا الرِّمَاحَ وَكَانَتْ غَيْرَ نَاطِقَةٍ
فَعَلَّمُوهَا صِيَاحَ الطَّيرِ فِي الْبُهَمِ
٨٥٩تَخْدِي الرِّكَابُ بِنَا بِيضًا مَشَافِرُهَا
خُضْرًا فَرَاسِنُهَا فِي الرُّغْلِ وَالْيَنَمِ
٨٦٠مَكْعُومَةً بِسِيَاطِ الْقَوْمِ نَضْرِبُهَا
عَنْ مَنْبِتِ الْعُشْبِ نَبْغِي مَنْبِتَ الْكَرَمِ
٨٦١وَأَيْنَ مَنْبِتُهُ مِنْ بَعْدِ مَنْبِتِهِ
أَبِي شُجَاعٍ قَرِيعِ الْعُرْبِ وَالْعَجَمِ؟!
٨٦٢لَا فَاتِكٌ آخَرٌ فِي مِصْرَ نَقْصِدُهُ
وَلَا لَهُ خَلَفٌ فِي النَّاسِ كُلِّهِمِ
٨٦٣مَنْ لَا تُشَابِهُهُ الْأَحْيَاءُ فِي شِيَمٍ
أَمْسَى تُشَابِهُهُ الْأَمْوَاتُ فِي الرِّمَمِ
٨٦٤عَدِمْتُهُ وَكَأَنِّي سِرْتُ أَطْلُبُهُ
فَمَا تَزِيدُنِيَ الدُّنْيَا عَلَى الْعَدَمِ
٨٦٥مَا زِلْتُ أُضْحِكُ إِبْلِي كُلَّمَا نَظَرَتْ
إِلَى مَنِ اختَضَبَتْ أَخْفَافُهَا بِدَمِ
٨٦٦أُسِيرُهَا بَيْنَ أَصْنَامٍ أُشَاهِدُهَا
وَلَا أُشَاهِدُ فِيهَا عِفَّةَ الصَّنَمِ
٨٦٧حَتَّى رَجَعْتُ وَأَقْلَامِي قَوَائِلُ لِي
أَلْمَجْدُ لِلسَّيْفِ لَيْسَ الْمَجْدُ لِلْقَلَمِ
٨٦٨اكْتُبْ بِنَا أَبَدًا بَعْدَ الْكِتَابِ بِهِ
فَإِنَّمَا نَحْنُ لِلْأَسْيَافِ كَالْخَدَمِ
٨٦٩أَسْمَعْتِنِي وَدَوَائِي مَا أَشَرْتِ بِهِ
فَإِنْ غَفَلْتُ فَدَائِي قِلَّةُ الْفَهَمِ
٨٧٠مَنِ اقْتَضَى بِسِوَى الْهِنْدِيِّ حَاجَتَهُ
أَجَابَ كُلَّ سُؤَالٍ عَنْ هَلٍ بِلَمِ
٨٧١تَوَهَّمَ الْقَوْمُ أَنَّ الْعَجْزَ قَرَّبَنَا
وَفِي التَّقَرُّبِ مَا يَدْعُو إِلَى التُّهَمِ
٨٧٢وَلَمْ تَزَلْ قِلَّةُ الْإِنْصَافِ قَاطِعَةً
بَيْنَ الرِّجَالِ وَلَوْ كَانُوا ذَوِي رَحِمِ
٨٧٣فَلَا زِيَارَةَ إِلَّا أَنْ تَزُورَهُمُ
أَيْدٍ نَشَأْنَ مَعَ المَصْقُولَةِ الْخُذُمِ
٨٧٤مِنْ كُلِّ قَاضِيَةٍ بِالْمَوْتِ شَفْرَتُهُ
مَا بَيْنَ مُنْتَقَمٍ مِنْهُ وَمُنْتَقِمِ
٨٧٥صُنَّا قَوَائِمَهَا عَنْهُمْ فَمَا وَقَعَتْ
مَوَاقِعَ اللُّؤْمِ فِي الْأَيْدِي وَلَا الكَزَمِ
٨٧٦هَوِّنْ عَلَى بَصَرٍ مَا شَقَّ مَنْظَرُهُ
فَإِنَّمَا يَقَظَاتُ الْعَيْنِ كَالْحُلُمِ
٨٧٧وَلَا تَشَكَّ إِلَى خَلْقٍ فَتُشْمِتَهُ
شَكْوَى الْجَرِيحِ إِلَى الْغِرْبَانِ وَالرَّخَمِ
٨٧٨وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ لِلنَّاسِ تَسْتُرُهُ
وَلَا يَغُرَّكَ مِنْهُمْ ثَغْرُ مُبْتَسِمِ
٨٧٩غَاضَ الْوَفَاءُ فَمَا تَلْقَاهُ فِي عِدَةٍ
وَأَعْوَزَ الصِّدْقُ فِي الْإِخْبَارِ وَالْقَسَمِ
٨٨٠سُبْحَانَ خَالِقِ نَفْسِي كَيْفَ لذَّتُهَا
فِيمَا النُّفُوسُ تَرَاهُ غَايَةَ الْأَلَمِ؟!
٨٨١الدَّهْرُ يَعْجَبُ مِنْ حَمْلِي نَوَائِبَهُ
وَصَبْرِ جِسْمِي عَلَى أَحْدَاثِهِ الْحُطُمِ
٨٨٢وَقْتٌ يَضِيعُ وَعُمْرٌ لَيْتَ مُدَّتَهُ
فِي غَيْرِ أُمَّتِهِ مِنْ سَالِفِ الْأُمَمِ
٨٨٣أَتَى الزَّمَانَ بَنُوهُ فِي شَبِيبَتِهِ
فَسَرَّهُمْ وَأَتَيْنَاهُ عَلَى الْهَرَمِ
٨٨٤وقال يمدح عضد الدولة، وقد نثر عليهم الورد، وهم قيام بين يديه حتى غرقوا فيه:
قَدْ صَدَقَ الْوَرْدُ فِي الَّذِي زَعَمَا
أَنَّكَ صَيَّرْتَ نَثْرَهُ دِيَمَا
٨٨٥كَأَنَّمَا مَائِجُ الْهَوَاءِ بِهِ
بَحْرٌ حَوَى مِثْلَ مَائِهِ عَنَمَا
٨٨٦نَاثِرُهُ نَاثِرُ السُّيُوفِ دَمًا
وَكُلَّ قَوْلٍ يَقُولُهُ حِكَمَا
٨٨٧وَالْخَيْلَ قَدْ فَصَّلَ الضِّياعَ بِهَا
وَالنِّعَمَ السَّابِغَاتِ وَالنِّقَمَا
٨٨٨فَلْيُرِنَا الْوَرْدُ إِنْ شَكَا يَدَهُ
أَحْسَنَ مِنْهُ مِنْ جُودِهِ سَلِمَا
٨٨٩وَقُلْ لَهُ: لَسْتَ خَيْرَ مَا نَثَرَتْ
وَإِنَّمَا عَوَّذَتْ بِكَ الْكَرَمَا
٨٩٠خَوْفًا مِنَ الْعَيْنِ أَنْ يُصَابَ بِهَا
أَصَابَ عَيْنًا بِهَا يُصَابُ عَمَى
٨٩١هوامش
تعليقات