التذكرة


التذگرة


امرئ القيس
رضيت من الغنيمة بالإياب
زهير
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ... ولو رام أن يرقى السماء بسلم
ومن يك ذا فضل، فيبخل بفضله ... على قومه يستغن عنه ويذمم
ومن يغترب يحسب عدوا صديقه ... ومن لا يكرم نفسه لا يكرم
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه ... يهدم، ومن لا يظلم الناس يظلم
ومن لا يصانع في أمور كثيرة ... يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
ومن يجعل المعروف من دون عرضه. يفره، ومن لا يتق الشتم يشتم
لسان الفتى نصف ونصف فئاده. فلم يبق الا صورة اللحم والدم
سئمت تكاليف الحياة، ومن يعش، ... ثمانين عاما لا أبالك، يسأم
ومهما تكن عند امرئ من خليقةولو خالها تخفى على الناس تعلم
وأعلم ما في اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن علم ما في غد عم
فما كان من خير اتوه فانما. توارثه اباء ابائهم قبل
وهل ينبت الخطي الا وشيجه. وتغرس الا في منابتها النخل
النابغة
فإنك كالليل الذى هو مدركى ... فإن مطيّة الجهل الشباب
ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث، أىّ الرجال المهذّب؟
طرفة
ستبدى لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
وأعلم علما ليس بالشكّ أنه ... إذا ذلّ مولى المرء فهو ذليل
أوس بن حجر
اذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنا ... أصبت حليما أو أصابك جاهل
ولست بخابئّ أبدا طعاما ... حذار غد، لكلّ غد طعام
المتلمس
قليل المال تصلحه فيبقى ... ولا يبقى الكثير مع الفساد
ولا يقيم على ذلّ يراقبه ... إلا الأذلّان عير السوء والوتد
هذا على الخسف مربوط برمّته ... وذا يشجّ فلا يرثى له أحد
الأفوه الأودىّ
والبيت لا يبتنى إلا له عمد ... ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
فإن تجمّع أوتاد وأعمدة ... وساكن، بلغوا الأمر الذى كادوا
تهدى الأمور بأهل الرأى ما صلحت ... وإن تولّت فبالأشرار تنقاد
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهّالهم سادوا
عدى بن زيد
كفى واعظا للمرء أيام دهره ... تروح له بالواعظات وتغتدى
عن المرء لا تسأل وسل عن قريبه ... فكلّ قرين بالمقارن يقتدى
وظلم ذوى القربى أشدّ مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهنّد
إذا ما رأيت الشرّ يبعث أهله ... وقام جناة الشرّ للشرّ فاقعد
يا راقد الليل مسرورا بأوّله ... إن الحوادث قد يطرقن أسحارا
الأسود بن يعفر
جرت الرياح على محلّ ديارهم ... فكأنهم كانوا على ميعاد
ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة ... فى ظلّ ملك ثابت الأوتاد
فإذا النعيم وكلّ ما يلهى به ... يوما يصير إلى بلى ونفاد
حاتم الطائىّ
أماوىّ ما يغنى الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
وقد علم الأقوام لو أن حاتما ... أراد ثراء المال، كان له وفر
وأنت إذا أعطيت بطنك سؤله ... وفرجك، نالا منتهى الذمّ أجمعا
النمر بن تولب
يودّ الفتى طول السلامة جاهدا ... فكيف ترى طول السلامة يفعل؟
فيوما علينا ويوما لنا ... ويوما نساء ويوما نسرّ
طفيل الغنوىّ
إنّ النساء كأشجار نبتن معا ... منهن مرّ، وبعض المرّ مأكول
عروة بن الورد
وما شاب رأسى من سنين تتابعت ... علىّ ولكن شيّبتنى الوقائع
ومن يك مثلى ذا عيال ومقترا ... من المال يطرح نفسه كلّ مطرح
الأعشى:
كناطح صخرة يوما ليفلقها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
فتأبط شرّا:
لتقرعنّ علىّ السنّ من ندم ... اذا تذكّرت يوما بعض أخلاقى
المثقّب العبدىّ
فإما أن تكون أخى بحقّ ... فأعرف منك غثّى من سمينى
وإلا فاطرحنى واتّخذنى ... عدوّا أتّقيك وتتّقينى
فإنى لو تعاندنى شمالى ... عنادك ما وصلت بها يمينى
أفنون التغلبىّ
لعمرك ما يدرى الفتى كيف يتّقى ... إذا هو لم يجعل له الله واقيا
الأضبط بن قريع السّعدىّ
قد يجمع المال غير آكله ... وبأكل المال غير من جمعه
لا تحقرنّ الفقير علّك أن ... تركع يوما والدهر قد رفعه
وأقبل من الدهر ما أتاك به ... من قرّ عينا بعيشه نفعه
سويد بن أبى كاهل
ربّ من أنضجت غيظا قلبه ... قد تمنّى لى موتا لم يطع
ويرانى كالشّجى في حلقه ... عسرا مخرجه ما ينتزع
ويحيّينى إذا لاقيته ... وإذا يحلو له لحمى رتع
لبيد بن ربيعة،
وما المال والأهلون إلّا وديعة ... ولا بدّ يوما أن تردّ الودائع
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادا بعد إذ هو ساطع
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب
النابغة الجعدي
ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمى صفوه أن يكدّرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
تذكرت والذكرى تهيج ذا الفتى...ومن عادة المحزون ان يتذكر
اأميّة بن أبى الصّلت الثقفى
تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
حسّان بن ثابت
وإن امرأ يمسى ويصبح سالما ... من الناس- إلا ما جنى- لسعيد
الحطيئة
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسى
أقلّوا عليهم لا ابا لأبيكم ... من اللوم أوسدّوا المكان الذى سدّوا
عمرو بن معديكرب
إذا لم تستطع أمرا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع
زياد بن زيد
هل الدهر والأيام إلا كما ترى؟ ... رزيّة مال أو فراق حبيب
الكميت بن زيد الأسدىّ
إذا لم يكن إلا الأسنة مركب ... فلا رأى للمضطرّ إلا ركوبها
فيا موقدا نارا لغيرك ضوءها ... ويا حاطبا في حبل غيرك تحطب
المساور بن هند
شقيت بنو أسد بشعر مساور ... إن الشقىّ بكل حبل يخنق
الفرزدق،
ليس الشفيع الذى يأتيك مؤتزرا ... مثل الشفيع الذى يأتيك عريانا
جرير:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا ... أبشر بطول سلامة يا مربع
كثيّر عزة:
هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزّة من أعراضنا ما استحلّت
ومن يتتبّع جاهدا كلّ عثرة ... يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب
عمر بن أبى ربيعة
ليت هندا أنجزتنا ما تعد ... وشقت أكبادنا ممّا نجد
واستبدّت مرّة واحدة ... إنما العاجز من لا يستبد
بشّار بن برد
اذا كنت في كلّ الأمور معانتا ... صديقك لم تلق الذى لا نعاتبه
فعش واحدا أو صل أخاك فإنه ... مقارف دنب مرة ومجانبه
إذا أنت لم نشرب مرارا على القذى ... ظمئت وأىّ الناس نصفو مشاربه
أبو العتاهية
إنّ الشباب والفراغ والجده ... مفسدة للدّين، أىّ مفسده!
ولربّ شهوة ساعة ... قد أورثت حزنا طويلا
سلم بن عمرو الخاسر:
من راقب الناس مات غمّا ... وفاز باللذة الجسور
لا تسأل المرء عن خلائقه ... فى وجهه شاهد من الخبر
صالح بن عبد القدّوس
ما يبلغ الأعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل من نفسه
والجاهل الآمل ما في غد ... كحفظه في اليوم أو أمسه
والشيخ لا يترك أخلاقه ... حتى يوارى في ثرى رمسه
والحمق داء ماله حيلة ... ترجى كبعد النجم من لمسه
وإنّ عناء أن تفهّم جاهلا ... فيحسب جهلا انه منك أفهم
متى يبلغ البنيان يوما تمامه ... اذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
أبو نواس الحسن بن هانئ
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشّفت ... له عن عدوّ في ثياب صديق
وليس لله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد!
عبد الله بن أبى عتبة المهلّبى
كل المصائب قد تمرّ على الفتى ... فتهون غير شماتة الأعداء
العبّاس بن الأحنف
صرت كأنّى ذبالة نصبت ... تضىء للناس وهى تحتر
منصور النمري
لعلّ له عذرا وأنت تلوم ... ورب امرىء قد لام وهو مليم
محمود الورّاق:
وإذا غلا شىء علىّ تركته ... فيكون أرخص ما يكون إذا غلا
أبو سعيد المخزومى:
وكم رأينا للدهر من أسد ... بالت على راسه ثعالبه
إذا ضنّ الجواد بما لديه ... فما فضل الجواد على البخيل؟
دعبل
لا تعجبى يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
المؤمل بن أميل
إذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... وتذنبون فنأتيكم ونعتذر
سعيد بن حميد
وإنك كالدنيا تذمّ صروفها ... ونوسعها سبّا ونحن عبيدها
ابن أبى فنن:
ربّ أمر سرّ أخره ... بعد ما ساءت أوائله
يزيد بن محمد المهلبىّ
ومن ذا الذى ترضى سجاياه كلّها ... كفى المرء نبلا ان تعدّ معايبه
أبو تمام
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر
توفيت الأمال بعد محمد وأصبح في شغل عن السفر السفر
وما مات حتى مات مضرب سيفه من الضرب واعتلت عليه القنا السمر
فاثبت في مستنقع الموت رجله وقال لها من تحت اخمصك الحشر
تردى ثياب الموت حمرا فما دجا الليل إلا وهي من سندس خضر
كان بني نبهان يوم وفاته نجوم سماء خر من بينها البدر
غدا طاهر الاثواب لم تبق روضة غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر
تعود بسط الكف حتى لو انه. اراد انقباضا لم تطعه انامله
هو البحر من اي النواحي اتيته. فلجته المعروف والجود ساحله
ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله
واذا أمرؤ أهدى اليك صنيعة ... من جاهه فكأنها من ماله
خلقنا رجالا للتجلد والأسى ... وتلك الغوانى للبكا والمآتم
ينال الفتى من عيشه وهو جاهل ... ويكدى الفتى في دهره وهو عالم
ولو كانت الأرزاق تجرى على الحجى ... هلكن إذا من جهلهنّ البهائم
واذا أراد الله نشر فضيلة ... يوما، أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت ... ما كان يعرف طيب عرف العود
أبو عبادة البحترىّ،
اذا محاسنى اللاتى أدلّ بها ... كانت ذنوبى فقل لى كيف أعتذر
ابن الرومىّ
ابن الرومي
ولي وطن آليت ألا ابيعه. وألا أرى غيري له الدهر مالكا
عهِدتُ به شَرْخَ الـشـبـابِ ونـعـمةً. كنِعْمَةِ قوم أصبحُوا في ظِلالكا
وحبب آوطان الرجال إليهم. مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم. عهود الصبا فيها فحنوا لذالكا
واذا أتاك من الأمور مقدّر ... ففررت منه فنحوه تتوجه
عبد الله بن المعتزّ
اصبر على كيد الحسود ... فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها ... إذ لم تجد ما تاكله
جحظة
لا تعدنّ للزمان صديقا ... وأعدّ الزمان للأصدقاء
أبو فراس الحمدانىّ
راك عصي الدمع شيمتك الصبر. اما للهوى نهي عليك ولا امر
وقالَ أصيحابي: " الفرارُ أوالردى ؟ فقُلتُ: هُمَا أمرَانِ، أحلاهُما مُرّ
سيذكرني قومي اذا جد جدهم. وافي الليلة الظلماء يفتقد البد
ونحن أناس لا توسّط عندنا ... لنا الصدر دون العالمين أو القبر
تهون علينا في المعالى نفوسنا ... ومن خطب الحسناء لم يغله المهر
بن نباته
فلا تحقرنّ عدوّا رماك ... وإن كان في ساعديه قصر
فإن السيوف تحزّ الرقاب ... وتعجز عما تنال الابر؟
أبو طالب المأمونىّ
لى في ضمير الدهر سرّ كامن ... لا بدّ أن تستلّه الأقدار
إسماعيل الناشىء
ولا تجزعنّ على أيكة ... أبت أن تظلّك أغصانها
ابن منقذ
حبسوك والطير النواطق إنّما ... حبست لميزتها على الأنداد
وتهيّبوك وأنت مودع سجنهم ... وكذا السيوف تهاب في الأغماد
ما الحبس دار مهانة لذوي العلى ... لكنّه كالغيل للآساد
مَثُوبةُ الفاقِد عن فَقِده ... بصبره ، أَنفعُ مِنْ وَجْدِه
يَبْكيه في حُزْنٍ عليه فهل ... يَطْمَعُ في التّخليد منْ بَعْدِه
ما حيلةُ النّاس وهل مِنْ يدٍ ... لهمْ بدفع الموت أو صَدِّه
وُرودُه لا بدّ منه فما ... يُنْكَرُ مالا بُدَّ مِنْ وِرْده
سِهامُه لم يَسْتَطِعْ رَدَّها ... داوودُ بالمُحْكَمِ من سَرْدِه
ولا سليمانُ ابْنُه ردَّها ... بِمُلْكِه والَحْشِد من جُنْدِهِ
عَدْلٌ تساوى الخَلْقُ فيه فما ... يُمَيَّزُ المالِكُ من عبده
كلٌّ له حَدٌّ إِذا ما انتهى ... إِليه وافاه على حَدِّه
تجمعُنا الأرضُ وكلُّ امرئٍ ... في لحده كالطفل في مَهده
أَما ترى أَسلافنا عَرّسوا ... بمنزلٍ دانٍ على بُعْدِه
تَبَوّءوا الأرضَ ولم يُخبِروا ... عن حَرِّ مَثْواهُمْ لا بَرْدِه
لو نطَقوا قالوا التُّقى خيرُ ما ... تَزَوَّد العبدُ إلى لَحدِه
فارجِع إلى الله وثِقْ بالذي ... أتَاك في الصّادقِ مِنْ وعده
للصابرين الأَجرُ والأَمْنُ مِنْ ... عذابه والفوزُ في خُلْد
‏‎‎متمم بن نويرة
‏‎وكنّا كندْمانَيْ جذيمةً حقبةً ... منَ الدهرِ حتى قيلَ لن يتصدعا
‏‎وعشنا بخيرٍ في الحياةِ وقبلنا ... أصابَ المنايا رَهطَ كِسْرَى وتبعا
‏‎فلما تفرَّقْنا كأنِّي ومالكاً ... لطولِ اجتماعٍ لمْ نبتْ ليلةً معا
‏‎فإنْ تكنِ الأيامُ فرقْنَ بينَنا ... فقدْ بانَ محموداً أخِي حينَ ودَّعا
‏‎الهذلي
‏‎أَمِنَ المَنونِ وَريبِها تَتَوَجَّعُ * وَالدَهرُ لَيسَ بِمُعتِبٍ مِن يَجزَعُ
‏‎وَإِذا المَنِيَّةُ أَنشَبَت أَظفارَها * أَلفَيتَ كُلَّ تَميمَةٍ لا تَنفَعُعُ
‏‎وَتَجَلُّدي لِلشامِتينَ أُريهِمُ * أَنّي لَرَيبِ الدَهرِ لا أَتَضَعضَعُ
‏‎وَالنَفسُ راغِبِةٌ إِذا رَغَّبتَها * فَإِذا تُرَدُّ إِلى قَليلٍ تَقنَعُ‎
‏‎ابن الانباري
‏‎علوَّ في الحياةِ وفي الممات ... لحقٌ أنتَ إحدى المعجزات
‏‎كأنّ النَّاس حولك حين قاموا ... وفودُ نداك أيام الصلاتِ
‏‎ولمّا ضاقَ بطنُ الأرضِ عن أن ... يضمَّ علاكَ من بعدِ الوفاةِ
‏‎أصاروا الجوَّ قبرك واستعاضوا ... عن الأكفان ثوب السّافيات
‏‎لعظمك في النّفوس تبيت ترعى ... بحراَّس وحفّاظ ثقاب
‏‎وتوقدُ حولك النّيرانُ ليلاً ... كذلك كنتَ أيَّامَ الحياة
‏‎ولو أني قدرتُ على قيام ... بفرضك والحقوق
‏‎ملأت الأرض من نظم القوافي ... ونحتُ بها خلاف النائحاتِ
‏‎ولكنّي أصبّرُ عنك نفسي ... مخافةَ أنْ أعدَّ من الجناةِ
‏‎عليك تحيةُ الرّحمن تترى ... برحماتٍ غواد رائحات
التهامي
حكم المنية في البرية جارِ ***** ما هذه الدنيا بدار قرارِ
بينا يرى الإنسان فيها مخبرا ***** حتى يُرى خبراً من الأخبار
طُبعتْ على كدر وأنت تريدها ***** صفواً من الأقذار والأكدار
ومُكلّفُ الأيام ضد طباعها ***** مُتطلبٌ في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما ***** تبني الرجاء على شفيرٍ هار
فالعيش نوم والمنية يقظة ***** والمرء بينهما خيالٌ سار
ياكوكبا ما كان أقصر عمره ***** وكذاك عمر كواكب الأسحار
جاورت اعدائي وجاور ربه. شتان بين جواره وجواري
ابن الرومي
بنـيّ الـذي أهـدتهُ كفـايَ لـلثـرى ** فيا عِزة المُهدَى ويا حسرة المهدِي
طواه الردى عني فاضحى مزاره بعيدا على قرب قريبا على بعد
لقد انجزت فيه المنايا وعيدها. وأخلفت الامال ما كان من وعد
لعمري لقد حالتْ بي الحال بعده ***** فيا ليت شعري كيف حالتْ به بعدي
ألامُ لما أبدي عليكَ من الأسى ***** وإنّي لأخفي عليك أضعافَ ما أبدي
وأنتَ وإن أفردتَ في دار وحشةٍ **** فإني بدار الأنس في وحشة الفردِ
الحصين بن الحمام
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد ... لنفسي حياة مثل أن أتقدما
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا تقطر الدما
نفلّق هاما من رجال أعزّة ... علينا وهم كانوا أعقّ وأظلماا
صبرنا وكان الصبر منا سجيّة ... بأسيافنا يقطعن كفّا ومعصما
ولما رأيت الودّ ليس بنافعي ... عمدت إلى الأمر الذي كان أحزما
فلست بمبتاع الحياة بسبّة ... ولا مرتق من خشية الموت سلما

السموأل

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها ... فليس إلى حسن الثناء سبيل
تعيرنا أنا قليل عديدنا ... فقلت لها إن الكرام قليل
وما قل من كانت بقاياه مثلنا ... شباب تسامى للعلى وكهول
وما ضرنا أنا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل

أشجع بن عمرو السلمي:

مضى ابن سعيد حين لم يبق مشرق ... ولا مغرب إلا له فيه مادح
وما كنت أدري ما فواضل كفه ... على الناس حتى غيبته الصفائح
فأصبح في لحد من الأرض ميتا ... وكانت به حيا تضيق الصحاصح
سأبكيك ما فاضت دموعي، فإن تغض ... فحسبك مني ما تجن الجوانح
فما أنا، من زرء وإن جل، جازع ... ولا بسرور بعد موتك فارح
كأن لم يمت حي سواك، ولم تقم ... على أحد إلا عليك النوائح
لئن حسنت فيك المراثي وذكرها ... لقد حسنت من قبل فيك المدائح
وقال عبدة بن الطبيب، إسلامي
عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما
فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما
ه
وقال المقنع الكندي محمد بن عمير:
وإن الذي بيني وبين بني أبي ... وبين بني عمي لمختلف جدا
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهموإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم ... وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا

الرندي

لكل شيئ إذا ما تم نقصان. فلا يغر بطيب العيش انسان
هي الامور كما شاهدتها دُولٌ *** مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ
فجائعُ الدهر أنواعٌ مُنوَّعة *** وللزمان مسرّاتٌ وأحزانُ
وللحوادث سُلوان يسهلها *** وما لما حلّ بالإسلام سُلوانُ
تلك المصيبةُ أنستْ ما تقدمها *** وما لها مع طولَ الدهرِ نسيانُ
لمثل هذا يذوب القلبُ من كمدٍ *** إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ
ابن دراج
لعلك يا شمس عند الأصيل ... شجيت لشجو الغريب الذليل
فكوني شفيعي إلى ابن الشفيع ... وكوني رسولي إلى ابن الرسول
فإما شهدت فأزكى شهيد ... وإما دللت فأهدى دليل
على سابق في قيود الخطوب ... ونجم سناً في غثاء السيول
[ينادي الثرى لسقام الضياع ... ويشكو إلى الملك داء الخمول]
[وعز على العلم مثواه أرضاً ... على حكم دهرٍ ظلوم جهول]
ويعجب كيف دنا من علي ... ولم تنفصم حلقات الكبول
وكيف تنسم آل النبي ... وأبطأ عنه شفاء العليل
وأطواد عزهم ماثلات ... له وهو يرنو بطرف كليل
وأبحرهم زاخرات إليه ... ويرشف في الثمد المستحيل
[تجرأ من جنتي مأربٍ ... بخمط وأثل وسدر قليل]
شريد السيوف وفل الحتوف ... يكيد بأفلاذ قلب مهول
تهاوت بهم مصعقات الرع ... د في مدجنات الضحى والأصيل
بوارق ظلماء ظلم تبيح ... دمى من حمى أو دماً من قتيل
فأذهل مرضعةً عن رضيع ... وأنسى الحمائم ذكر الهديل
فما تهتدي العين فيها سبيلاً ... سوى سبل العبرات الهمول
[ولا يعرف الموت فيها طريقاً ... إلى النفس إلا بعضب صقيل]
ركبت لها محملاً للنجاة ... وصيرت قصدك فيه عديلي
فردت على عقبيها المنون ... بواق مجير ورأي أصيل
وقد سمتها بنفيس التلاد ... على أنفس ضائعات الذحول
نفوس حنت قوس عطفي عليها ... فكن سهام قسي الخمول
فسمي جدك عمرو الكرام ... بهشم الثريد زمان المحول
وضيف حتى وحوش الفلاة ... وأهدى القرى لهضاب الوعول
وإن أبا طالب للضيوف ... لأطلب من ضيفه للنزول
يروح عليهم بغر الجفان ... ويغدو لهم بالغريض النشيل
فأنتم هداة حياة ومرت ... وأنتم أئمة فعل وقيل
وسادات من حل جنات عدن ... جميع شبابهم والكهول
وأنتم خلائف دنيا ودينٍ ... بحكم الكتاب وحكم العقول
ووالدكم خاتم الأنبياء ... لكم منه مجد حفيٍ كفيل
تلذ بحملكم عاتقاه ... على حمله كل عبٍ ثقيل
ورحب على ضمكم صدره ... إذا ضاق صدر أب عن سليل
ويطرقه الوحي وهناً وأنتم ... ضجيعاه بين يدي جبرئيل
وزودكم كل هدي زكي ... وأودعكم كل رأي أصيل

ابن عبدون

الدهر يفجع بعد العين بالأثر ... فما البكاء على الأشباح والصور؟
هوت بدارا وفلت غرب قاتله ... وكان عضباً على الأملاك ذا أثر
واسترجعت من بني ساسان ما وهبت ... ولم تدع لبني يونان من أثر
وألحقت اختها طسماً وعاد على ... عاد وجرهم منها ناقض المرر
وما أقالت ذوي الهيئات من يمن ... ولا أجارت ذوي الغايات من مضر
ومزقت سبأ في كل قاصية ... فما التقى رائح منهم بمبتكر
وأنفذت في كليب حكمها ورمت ... مهلهلاً بين سمع الأرض والبصر
ولم ترد على الضليل صحته ... ولا ثنت أسداً عن ربها حجر
يوم القليب بنو بدر فنوا وسعي ... قليب بدر بمن فيه إلى سقر
ومزقت جعفراً بالبيض واختلست ... من غيله حمزة الظلام للجزر
وأشرفت بخبيب فوق فارعه ... وألصقت طلحة الفياض بالعفر
وخضبت شيب عثمان دماً وخطت ... إلى الزبير ولم تستحي من عمر
ولا رعت لأبي اليقظان صحبته ... ولم تزوده إلا الضيح في الغمر
وأجزرت سيف أشقاها أبا حسن ... وأمكنت من حسين راحتي شمر
وليتها إذ فدت عمراً بخارجة ... فدت علياً بمن شاءت من البشر
وأنزلت مصعباً من رأس شاهقة ... كانت بها مهجة المختار في وزر
ولم تراقب مكان ابن الزبير ولا ... راعت عياذته بالبيت والحجر
وأوثقت في عراها كل معتمد ... واشرقت بقذاها كل مقتدر
وروعت كل مأمون ومؤتمن ... وأسلمت كل منصور ومنتصر
بني المظفر والأيام لا نزلت ... مراحلا والورى منها على سفر

ابن زيدون

‏‎أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا ... وناب عن طيب لقيانا تجافينا
‏‎بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا ... شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا
‏‎يكاد حين تناجيكم ضمائرنا ... يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
‏‎حالت لبينكم أيامنا فغدت ... سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا
‏‎إذ جانب العيش طلق من تألفنا ... ومورد اللهو صاف من تصافينا
‏‎وإذ هصرنا غصون الأنس دانية ... قطوفها فجنينا منه ما شينا
‏‎ليسق عهدكم عهد السرور فما ... كنتم لأرواحنا إلا رياحيناا
‏‎إن الزمان الذي ما زال يضحكنا ... أنساً بقربهم قد عاد يبكينا
‏‎غيظ العدى من تساقينا الهوى فدعوا ... بأن نغص فقال الدهر آمينا
‏‎فانحل ما كان معقوداً بأنفسنا ... وانبت ما كان موصولاً بأيدينا
‏‎وقد نكون وما يخشى تفرقنا ... فاليوم نحن وما يرجى تلاقينا
‏‎لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا ... أن طالما غير النأي المحبينا
‏‎والله ما طلبت أهواؤنا بدلاً ... منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا
‏‎يا ساري البرق غاد القصر فاسق به ... من كان صرف الهوى والود يسقينا
‏‎عليك مني سلام الله ما بقيت... صبابة منك تخفيها فتخفينا
أيوحشني الزمان وأنت أنسي ... ويظلم لي النهار، وأنت شمسي
‏‎وأغرس في محبتك الأماني ... فأجني الموت من ثمرات غرسي
‏‎لقد جازيت غدرا عن وفائي ... وبعت مودتي ظلما ببخس
‏‎ولو أن الزمان أطاع حكمي ... فديتك من مكارهه بنفسي
‏‎
ودع الصبر محب ودعك. ذائع من سره ما استودعة
يقرع السن على ان لم يكن. زاد في تلك الخطى اذ شيعة
يا اخا البدر سناء وسنى. رحم الله زمانا اطلعك
ان يطل بعدك ليلي فلكم. بت اشكو قصر الليل معك
.
ابن زريق
‏‎لا تعذليه فإن العذل يولعه ... قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه
‏‎جاوزت في نصحه حداً أضر به ... من حيث قدرت أن النصح ينفعه
‏‎فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلاً ... من عنفه فهو مضني القلب موجعه
‏‎قد كان مضطلعاً بالخطب يحمله ... فضلعت بخطوب البين أضلعه
‏‎يكفيه من روعة التنفيذ أن له ... من النوى كل يوم ما يروعه
‏‎ما آب من سفر إلا وأزعجه ... عزم إلى سفر بالرغم يزمعه
‏‎قد قسم الله بين الناس رزقهم ... لا يخلق الله من خلق يضيعه
‏‎أستودع الله في بغداد لي قمراً ... بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
‏‎ودعته وبودي لو يودعني ... صفو الحياة وأني لا أودعه
‏‎ابن الخياط
‏‎خذا من صبا نجد أماناً لقلبه ... فقد كاد رياها يطير بلبه
‏‎وإياكما ذاك النسيم فإنه ... متى هب كان الوجد أيسر خطبه
‏‎خليلي لو أحببتما لعلمتما ... محل الهوى من مغرم القلب صبه
‏‎وفي الركب مطوي الضلوع على جوى ... متى يدعه داعي الغرام يلبه
‏‎إذا خطرت من جانب الرمل نفحة ... تناول منها داءه دون صحبه
‏‎الشريف الرضي
‏‎يا ظبية البان ترعى في خمائله ... ليهنك اليوم أن القلب مرعاك
‏‎الماء عندك مبذول لشاربه ... وليس يرويك إلا مدمع الباكي
‏‎هبت لنا من رياح الغور رائحة ... بعد الرقاد عرفناها برياك
‏‎ثم انثنينا إذا ما هزنا طرب ... على الرحال تعللنا بذكراك
‏‎حكت لحاظك ما في الرئم من ملح ... يوم اللقاء وكان الفضل للحاكي
‏‎سهم أصاب وراميه بذي سلم ... من بالعراق لقد أبعدت مرماك
‏‎كأن طرفك يوم الجزع يخبرنا ... بما انطوى عنك من أسماء قتلاكاابن

ابن الوردي

اعتزل ذكر الأغاني والغزل ... وقل الفصل وجانب من هزل
ودع الذكرى لأيام الصبا ... فلأيام الصبا نجم أفل
واهجر الخمرة إن كنت فتى ... كيف يسعى في جنون من عقل
واتق الله فتقوى الله ما ... جاورت قلب امرئ إلا وصل
ليس من يقطع طرقاً بطلاً ... إنما من يتقي الله البطل
كتب الموت على الخلق فكم ... فل من جيش وأنفى من دول
أين نمرود وكنعان ومن ... ملك الأرض وولى وعزل
أين من سادوا وشادوا وبنوا ... هلك الكل ولم تغن القلل
سيعيد الله كلا منهم ... وسيجزي فاعلاً ماقد فعل
اطلب العلم ولاتكسل فما ... أبعد الخير على أهل الكسل
لاتقل قد ذهبت أربابه ... كل من سار على الدرب وصل
اطرح الدنيا فمن عاداتها ... تخفض العالي وتعلي من سفل
كم جهول بات فيها مكثراً ... وعليه بات منها في علل
كم شجاع لم ينل فيها المنى ... وجبان نال غايات الأمل
واترك الحيلة فيها واتكل ... إنما الحيلة في ترك الحيل
لاتقل أصلي وفصلي أبداً ... إنما أصل الفتى ماقد حصل
ليس يخلو المرء من ضد ولو ... حاول العزلة في رأس الجبل
جانب السلطان واحذر بطشه ... لاتعاند من إذا قال فعل
إن نصف الناس أعداءه لمن ... ولي الأحكام هذا إن عدل
الطغرائي
أصالة الرأي صانتي عن الخطل ... وحلية الفضل زانتني لدى العطل
حب السلامة يثني عزم صاحبه ... عن المعالي ويغري المرء بالكسل
فإن جنحت إليه فاتخذ نفقا ... في الأرض أو سلما في الجو فاعتزل
إن العلى حدثتني وهي صادقة ... فيما تحدث أن العز في النقل
أعلل النفس بالآمال أرقبها ... ماأضيق العيش لولا فسحة الأمل
لم أرتض العيش والأيام مقبلة ... فكيف أرضى وقد ولت على عجل
ماكنت أوثر أن يمتد بي زمني ... حتى أرى دولة الأوغاد والسفل
فإنما رجل الدنيا وواحدها ... من لايعول في الدنيا على رجل
ترجو البقاء بدار لاثبات بها ... فهل سمعت بظل غير منتقل
المعري
‏‎ولما رأيت الجهل في الناس فاشيا ... تجاهلت حتى ظن أني جاهل
‏‎فوا عجبا كم يدعي الفضل ناقص ... ووا أسفا كم يظهر النقص فاضل
‏‎إذا وصف الطائي بالبخل مادر ... وعير قساً بالفهاهة باقل
‏‎وقال السهى للشمس أنت ضئيلة ... وقال الدجى للصبح لونك حائل
‏‎فيا موت زر إن الحياة ذميمة ... ويا نفس جدي إن دهرك هازل

غير مجد في ملتي واعتقادي ... نوح باك ولا ترنم شادد

صاح هذي قبورنا تملأ الرح ... ب فأين القبور من عهد عاد
خفف الوطأ ما أظن أديم ال ... أرض إلا من هذه الأجساد
وقبيح بنا وإن قدم العه ... د هوان الآباء والأجداد
سر ان استطعت في الهواء رويدا ... لا اختيالا على رفات العباد
رب لحد قد صار لحدا مرارا ... ضاحك من تزاحم الأضداد
ودفين على بقايا دفين ... في طويل الأزمان والآباد
تعب كلها الحياة فما أع ... جب إلا من راغب في ازدياد


المتنبي

نعد المشرفية والعوالي ... وتقتلنا المنون بلا قتال
نصيبك في حياتك من حبيب ... نصيبك من منامك من خيال
رماني الدهر بالأرزاء حتى ... فؤادي في غشاء من نبال
فصرت إذا أصابني سهام ... تكسرت النصال على النصال
وهان فما أبالي بالرزايا ... لأني ما انتفعت بأن أبالي
وما أحد يخلد في البرايا ... بل الدنيا تؤول إلى زوال
ولو كان النساء كمن فقدنا ... لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب ... ولا التذكير فخر للهلال
‏‎وحالاتُ الزّمانِ عَلَيكَ شتى وحالُكَ واحدٌ في كلّ حالِ
‏‎فإن تَفُقِ الأنامَ وأنت منهم ... فإنَّ المسكَ بعضُ دم الغزالِ
وأفجع من فقدنا من وجدنا ... قبيل الفقد مفقود المثال
يدفن بعضنا بعضا وتمشي أواخرنا على هام الأوالي

عَذَلتُ أَهلَ العِشقِ حَتّى ذُقتُهُ ... فَعَجِبتُ كَيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ

‏‎وَعَذَرتُهُمْ وَعَرَفتُ ذَنبِيَ أَنَّني *** عَيَّرتُهُمْ فَلَقيتُ فيهِ ما لَقوا
‏‎أَبَني أَبينا نَحنُ أَهلُ مَنازِلٍ *** أَبَدًا غُرابُ البَينِ فيها يَنعَقُ
‏‎نَبكي عَلى الدُنيا وَما مِن مَعشَرٍ *** جَمَعَتهُمُ الدُنيا فَلَم يَتَفَرَّقوا
‏‎أَينَ الأَكاسِرَةُ الجَبابِرَةُ الأُلى *** كَنَزوا الكُنوزَ فَما بَقينَ وَلا بَقوا
‏‎1مِن كُلِّ مَن ضاقَ الفَضاءُ بِجَيشِهِ *** حَتّى ثَوى فَحَواهُ لَحدٌ ضَيِّقُ
‏‎1خُرسٌ إِذا نودوا كَأَن لَم يَعلَموا *** أَنَّ الكَلامَ لَهُم حَلالٌ مُطلَقُ
‏‎1وَالمَوتُ آتٍ وَالنُفوسُ نَفائِسٌ *** وَالمُستَغِرُّ بِما لَدَيهِ الأَحمَقُ
‏‎1وَالمَرءُ يَأمُلُ وَالحَياةُ شَهِيَّةٌ *** وَالشَيبُ أَوقَرُ وَالشَبيبَةُ أَنزَقُ
1وَلَقَد بَكَيتُ عَلى الشَبابِ وَلِمَّتي *** مُسوَدَّةٌ وَلِماءِ وَجهِيَ رَونَقُ

أُعيذُها نظراتٍ منك صادقةً ... أن تحسبَ الشحمَ فيمن شحمُهُ وَرمُ

وما انتفاعُ أخي الدنيا بناظِرِه ... إذا استوتْ عنده الأنوارُ والظلَمُ
إذا رأيتَ نيوب الليث بارزةً ... فلا تظُنَّنَّ أنَّ الليثَ يبتسمُ
إنْ كان سرَّكُمُ ما قال حاسدُنا ... فما لجرحٍ إذا أرضاكُمُ ألَمُ
وبيننا لو رعيتُم ذاك معرِفةٌ ... إن المعارف في أهل النهى ذممُ
شرُّ البلادِ مكانٌ لا صديقَ به ... وشرُّ ما يكسب الإنسان ما يصمُ
اذا ترحلت عن قوم وقد قدروا.... الا تفرقهم فالراحلون هم

ولمّا صار ودُّ الناس خِبّاً ... جزيتُ على ابتسامٍ بابتسامِ

وصرتُ أشكُّ فيمن أصطفيه ... لعلمي أنَّهُ بعض الأنام
وآنفُ من أخي لأبي وأمي ... إذا ما لم أجِدهُ من الكرامِ
أرى الأجداد تغلبُها كثيراً ... على الأولاد أخلاق اللئام
ولم أرَ في عيوب الناس شيئاً ... كنقص القادرين على التمامِ

اذا غامرت في شرف ملوم. فلا تقنع بما دون النجوم

فطعمُ الموت في أمرٍ حقيرٍ ... كطعم الموت في أمرٍ عظيمِ
يرى الجبناءُ أنَّ العجز فخرٌ ... وتلك خديعةُ الطبع اللئيمِ
وكل شجاعةٍ في المرء تغني ... ولا مثلَ الشجاعة في الحكيمِ
وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً ... وآفتُهُ من الفهم السقيمِ
ولكنْ تأخذ الآذانُ منه ... على قدر القرائح والفهومِ

الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهي المحل الثاني

فإذا هما اجتمعا لنفس حرة ... بلغت من العلياء كل مكان
ولربما طعن الفتى أقرانه ... بالرأي قبل تطاعن الأقران
لولا العقول لكان أدنى ضيغم ... أدنى إلى شرف من الإنسان

وحيدٌ من الخّلان في كلِّ بلدةٍ ... إذا عظم المطلوبُ قلَّ المساعدُ

بذا قضت الأيامُ ما بين أهلها ... مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائدُ
وكلٌ يرى طرق الشجاعة والندى ... ولكنَّ طبعَ النفس للنفس قائدُ
فإنَّ قليل الحب بالعقل صالحٌ ... وإنَّ كثير الحب بالجهل فاسدُ
وما قتل الأحرارً كالعفو عنهم ... ومَنْ لك بالحرِّ الذي يحفظ اليدا
إذا أنتَ أكرمت الكريمَ ملكتَهُ ... وإنْ أنتَ أكرمتَ اللئيمَ تمرَّدا
ووضعُ الندى في موضع السيف بالعلى مضرٌكوضع السيف في موضع الندى
وقيَّدتُ نفسي في ذراكَ محبَّةً ... ومَنْ وَجَدَ الإحسانَ قيداً تقيَّدا

‏‎لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النطق إن لم تسعد الحال

لولا المشقَّةُ ساد الناس كُلهم ... الجودُ يُفقِرُ والإقدام قتّالُ
إنَّا لفي زمنٍ تركُ القبيحِ بهِ ... من أكثر الناس إحسانٌ وإجمالُ
ذكرُ الفتى عمره الثاني وحاجته ... ما فاته وفضولُ العيش أشغالُ

والهجرُ أقْتَلُ لي ممّا أراقبُهُ ... أنا الغريقُ فما خوفي من البللِ

خُذْ ما تراه ودعْ شيئاً سمعتَ به ... في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحلِ
لعل عتبَك محمودٌ عواقبُهُ ... وربَّما صحَّت الأجسامُ بالعِللِ
أفاضلُ الناسِ أغراض لذا الزمنِ ... يخلو من الهمِّ أخلاهم من الفطنِ
فقرُ الجهول بلا عقلٍ إلى أدبٍ ... فقر الحمار بلا رأسٍ إلى رَسَنِ
لا يعجبنَّ مضيماً حسنُ بزَّتهِ ... وهل يروقُ دفيناً جودةُ الكفنِ

غير أنَّ الفتى يُلاقي المنايا ... كالحاتٍ ولا يُلاقي الهوانا

ولو أنَّ الحياة تبقى لحيٍّ ... لَعَدَدْنا أضلَّنا الشجعانا
وإذا لم يكن من الموت بُدٌّ ... فمن العجز أن تكون جبانا

تصفو الحياة لجاهل أو غافل ... عما مضى منها وما يتوقع

والناس أنزل في زمانك منزلا ... من أن تعايشهم وقدرك أرفع
مَنْ كان فوق محل الشمس موضعُهُ ... فليس يرفعه شيءٌ ولا يضع

صبراً بني إسحاق عنه تكرُّماً ... إنَّ العظيمَ على العظيم صبَورُ

يمَّمْتُ شاسعَ دارهم عن نيِّةٍ ... إنَّ المحبَّ لمن يحبُّ يزورُ

لو كان سُكنايَ فيهِ منقصةً ... لم يكن الدرُّ ساكنَ الصدفِ

غير اختيارٍ قبلتُ برَّكَ بي ... والجوعُ يُرضي الأسُودَ بالجيفِ

أعزُّ مكانٍ في الدُّنى سرجُ سابحٍ ... وخير جليسٍ في الزمان كتابُ

إذا نلتُ منك الودَّ فالمالُ هيِّنٌ ... وكلُّ الذي فوق التراب ترابُ

العبدُ ليس لحرٍّ صالحٍ بأخٍ ... لو أنَّهُ في ثياب الحُرِّ مولود

لا تشترِ العبدَ إلا والعصا معه ... إنَّ العبيدَ لأنجاسٌ مناكيد

ولم تزلْ قلَّةُ الإنصافِ قاطعةً ... بين الأنام ولو كانوا ذوي رحمِ

وكُن على حذرٍ للناس تستُرُهُ ... ولا يغرُّك منهم ثغرٌ مبتسِمِ

كفى بك داءً أن ترى الموتَ شافياً ... وحسبُ المنايا أن يَكُنَّ أمانيا

قواصِدُ كافورٍ تواركُ غيرهِ ... ومَنْ قَصَدَ البحرَ استقلَّ السواقيا

نحن بنو الموتى فما بالنا ... نعاف ما لا بد من شربه

يموت راعي الضأن في جهله ... ميتة جالينوس في طبه

وقد فارق الناس الأحبَّةُ قبلنا ... وأعيا دواء الموت كلَّ طبيبِ

وجرمٍ جرَّه سفهاءُ قومٍ ... فحلَّ بغير جارمِهِ العذابُ
ومن نكد الدنيا على الحُرِّ أن يرى ... عدواً له ما من صداقته بُدُّ
إذا ساَء فعلُ المرءِ ساءت ظنونُهُ ... وصدَّق ما يعتادهُ من تَوَهُّم
كفى بجسمي نحولاً أنني رجل ... لولا مخاطبتي إياك لم ترني
عش عزيزاً أو مت وأنت كريمٌ ... بين طعنِ القنا وخفقِ البنُود
فَعُدْ بها لا عدمتُها أبداً ... خيرُ صلاتِ الكريمِ أعودُها
إذا قيل: رِفقاً، قال: للحلم موضعٌ ... وحلمُ الفتى في غير موضعه جهل
خليلُك أنتَ، لا مَنْ قُلتَ خِلّي ... وإن كثر التجمُّل والكلامُ
ومن يكُ ذا فمٍ مُرٍّ مريضٍ ... يجدْ مُراً به الماَء الزلالا
مَنْ يَهُنْ يسهلِ الهوانُ عليه ... ما لجرحٍ بمِّيتٍ ايلامُ
والغنى في يد اللئيم قبيحٌ ... قَدْرَ قُبّحِ الكريم في الإملاقِ
ما كل من طلب المعالي نافذا ... فيها ولا كل الرجال فحولا
اذا اعتاد الفتى خوض المنايا. فاهون ما يمر به الوحول
مَنْ أطاقَ التماس شيءٍ غلاباً ... واغتصاباً لم يلتمسهُ سؤالا




الحكمة

يُرِيد الْمَرْء أَن يُعطى مُناه ... - _ ويأبى الله إلاّ مَا يَشَاء)
(فَقل لمن يدّعى بِالْعلمِ فلسفة ... - _ حِفظت شَيْئا وَغَابَتْ عَنْك أَشْيَاء)
النَّاس من جِهَة التّمثال أكفاء ... - _ أبوهمو آدم وَالأُم حوَّاء)
وهَبْني قلتُ إِن الصُّبْح ليل ... - _ أيعمى الْعَالمُونَ عَن الضّياء)
اللّيالي من الزَّمَان حبالى ... - _ مثقلاتٌ يلدن كلَّ عَجِيب)
وَلَو كَانَ سَهْما وَاحِدًا لاتَّقيته ... - _ ولكنّه سهمٌ وثانٍ وثالث)
(وَمن رعي غنما فِي أَرض مسبعة ... - _ ونام عَنْهَا تولّى رعيَها الأسدُ)
خلق الله للحروب رجَالًا ... - _ ورجالا لقصعة وثريد)
(لَئِن فخرتَ بآباء ذَوي حسبٍ ... - _ لقد صدقت وَلَكِن بئْسَمَا ولدُوا)
(إِذا ضَاعَ شَيْء بَين أمّ وبنتها ... - _ فإحداهما يَا صَاح لَا شكّ آخذه)
وَلم أر ظلما مثل ظلم ينالنا ... - _ نساء ثمَّ نؤمر بالشكر)
فسبحان الَّذِي أَعْطَاك ملكا ... - _ وعلّمك الْقعُود على السّرير)
أَتَذكر إِذْ قَمِيصك جلد شَاة ... - _ وَإِذ نعلاك من خفّ الْبَعِير)
وَمن الْعَجَائِب والعجائب جمَّة ... - _ أَن يلهج الْأَعْمَى بِعَيْب الْأَعْوَر)
(أعطيتُ كلَّ النَّاس من نَفسِي الرِّضَا ... - _ إِلَّا الحسود فَإِنَّهُ أعيْاني)
يقولون اهلا وسهلا ومرحبا ... ولو ظفروا بي ساعة قتلوني
إن السماء، إذا لم تبك مقلتها، ... لم تضحك الأرض عن شئ من الزهر
فإني رأيت الشمس زيدت محبة ... إلى الناس إذ ليست عليهم بسرمد.
والشمس لولا أنها محجوبة ... عن ناطريك لما أضاء الفرقد
كالشمس لا تبدو فضيلتها ... حتى تغشى الأرض بالظلم.
كالشمس في كبد السماء محلها، ... وشعاعها في سائرالآفاق.
المرء مثل هلال حين تبصره ... يبدو ضعيفا ضئيلا ثم يتسق.
" يزداد حتى إذا ما تم أعقبه ... كر الجديدين نقصا ثم ينمحق
كالنجم إن سافرت كان مواكبا ... وإذا حططت الرحل كان جليسا
وكنا في اجتماع كالثريا، ... فصرنا فرقة كبنات نعش
وللنجم من بعد الرجوع استقامة ... وللشمس من بعد الغروب طلوع
أيها المنكح الثريا سهيلا، ... عمرك الله! كيف يلتقيان؟
هي شامية إذا ما استهلت، ... وسهيل إذا استهل يماني.
وكل أخ مفارقه أخوه، ... لعمر أبيك، إلا الفرقدان
ليت الغمام الذي عندي صواعقه ... يزيلهن إلى من عنده الديم!
اذا هبت رياحك ، فاغتنمها ... فإن لكل خافقة سكون!
وكل ريح لها هبوب ... يوما فلا بد من ركود
والريح ترجع عاصفا ... من بعد ما ابتدأت نسيم
والنار بالماء الذي هو ضدها ... تعطي النضاج، وطبعها الإحراق
لولا اشتعال النار فيما جاورت، ... ما كان يعرف طيب عرف العود
وفتيلة المصباح تحرق نفسها ... وتضيء للساري، وأنت كذاكا
إن الليالي لم تحسن إلى أحد ... إلا أساءت إليه بعد إحسان.
والليالي كما عهدت حبالى ... مقر بات يلدن كل عجيب.
لا تحملن هموم أيام على ... يوم، لعلك أن تقصر عن غده
ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا، ... فكم تحتها قوم همو منك أرفع!
ولو بغى جبل يوما على جبل، ... لانهد منه أعاليه وأسفله!
تتناثر الأطواد وهي شوامخ ... حتى تصير مداوس الأقدام.
كمثل البحر يغرق فيه حي ... ولا ينفك تطفو فيه جيفه
من قاس غيركم بكم ... قاس الثماد إلى البحور
أيجوز أخذ الماء من ... متلهب الأحشاء صادي؟
أرى ماء وبي عطش شديد ... ولكن لا سبيل إلى الورود!
من غص داوى بشرب الماء غصته ... فكيف يصنع من قد غص بالماء؟
ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض ... على الماء، خانته فروج الأصابع.
وإني وإشرافي عليك بهمتي ... لكالمبتغي زبدا من الماء بالمخض.
فقل في مكرع عذب ... وقد وافاه عطشان!
يا شيبتي دومي ولا تترحلي ... وتيقني أني بوصلك مولع!
قد كنت أجزع من حلولك مرة، ... فالآن من خوف ارتحالك أجزع!
فأما المشيب فصبح بدا ... وأما الشباب فليل أفل.
سقى الله هذا وهذا معا ... فنعم المولى ونعم البدل!
الناس أكيس من أن يحسدوا رجلا ... حتى يروا عنده آثار إحسان.
وعين الرضا عن كل عيب كليلة؛ ... ولكن عين السخط تبدي المساويا
كم والد يحرم أولاده ... وخيره يحظى به الأبعد.
كالعين لا تنظر ما حولها، ... ولحظها يدرك ما يبعد

واشدد يديك بحبل الله معتصماً ... فإنه الركن إن خانتك أركان

وما من كاتب إلا سيفنى ... ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيءٍ ... يسرك في القيامة أن تراه
كن ابن من شئت واكتسب أدباً ... يغنيك محموده عن النسب
إن الفتى من يقول ها أنا ذا ... ليس الفتى من يقول كان أبي
جزى الله الشدائد كل خير ... عرفت بها عدوي من صديقي
رب يوم بكيت منه فلما ... صرت في غيره بكيت عليه
عتبت على عمرو فلما فقدته ... وجربت أقواماً بكيت على عمرو
‏‎أبك من زمن لم أرض خلّته ... إلّا بكيت عليه حين ينصرم
وما مرّ يوم أرتجي فيه راحة ... فأخبره إلا بكيت على أمس

فما أكثر الأصحاب حين تعدهم ... ولكنهم في النائبات قلي

لعمري ما ضاقت بلاد بأهلها ... ولكن أخلاق الرجال تضيق
لكل داء دواء يستطب به ... إلا الحماقة أعيت من يداويها
يهون علينا أن تصاب جسومنا ... وتسلم أعراض لنا وعقو
إن لله عباداً فطنا ... طلقوا الدنيا وخافوا لفتنا
نظروا فيها فلما علموا ... أنها ليست لحيٍ وطنا
جعلوها لجةً واتخذوا ... صالح الأعمال فيها سفنا
إذا جاء موسى وألقى العصا ... فقد بطل السحر والساحر
إذا كان رب البيت بالدف مولعاً ... فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
إنما هذه الحياة متاع ... فالجهول الجهول من يصطفيها
ما مضى فات والمؤمل غيب ... ولك الساعة التي أنت فيها
عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى ... وللمشتري دنياه بالدين أعجب
وأعجب من هذين من باع دينه ... بدنيا سواه فهو من ذين أخيب
يا لك من قبرة بمعمر ... خلا لك اجو فبيضي واصفري
قد رفع الفخ فماذا تحذري ... ونقري ما شئت أن تنقري
قد ذهب الصياد عنك فابشري ... لابد من أخذك يوما فاحذري
جزاني جزاه الله شر جزائه ... جزاء سنمار وما كان ذا ذنب
قد بلينا بأميرٍ ... ظلم الناس وسبح
فهو كالجزار فيهم ... يذكر الله ويذبح
إني لأفتح عيني حين أفتحها ... على كثيرٍ ولكن لا أدرى أحدا
أنست بوحدتي ولزمت بيتي ... فطاب الأنس لي وصفا السرور
وأدبني الزمان فلا أبالي ... بأني لا أزار ولا أزور
ولست بسائل ما عشت يوماً ... أسار الجند أم ركب الأمير
وإذا بليت بجاهل متحكم ... يجد المحال من الأمور صوابا
أوليته مني السكوت وربما ... كان السكوت عن الجواب جوابا
يخاطبني السفيه بكل قبحٍ ... وأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهةً وأزيد حلماً ... كعودٍ زاده الإحراق طيبا
تنكر لي دهري ولم يدر أنني ... أعز وأهوال الزمان تهون
وظل يريني الخطب كيف اعتداؤه ... وبت أريه الصبر كيف يكون
ليس من مات فاستراح بميتٍ ... إنما الميت ميت الأحياء
قد يدرك المتأني حسن حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ... ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدوٍ في ثياب صديق
لعمرك ما الرزية فقد مال ... ولا فرس يموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد حر ... يموت لموته خلق كثير
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى ... فأكثر ما يجنى عليه اجتهاده
إذا كان غير الله للمرء عدة ... أتته الرزايا من وجوه المكاسب
ألم تر أن السيف يزرى بقدره ... إذا قيل هذا السيف أمضى من العصا
إن الأمور إذا بدت لزوالها ... فعلامة الإدبار فيها تظهر
ولو لبس الحمار ثياب خز ... لقال الناس يا لك من حمار
وعين الرضا عن كل عيل كليلة ... كما أن عين السخط تبدي المساويا
إذا كنت في كل الأمور معاتباً ... صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
وإن أنت لم تشرب مراراً على القذى ... ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
فعش واحداً أو صل أخاك فإنه ... مقارف ذنب مرة ومجانبه
‏‎قالوا حبست فقلت ليس بضائر ... حبسي وأي مهند لا يغمد
‏‎أو ما رأيت الليث يألف غيله ... كبراً وأوباش السباع تصيد
‏‎فالشمس لولا أنها محجوبة ... عن ناظريك لما أضاء الفرقد
‏‎والنار في أحجارها مخبوءة ... لا نصطلي إن لم نثرها الأزند
‏‎والحبس إن لم نغشه لدنيه ... شنعاء نعم المنزل المتورد
إني بليت بأربع لم يخلقوا ... إلا لشدة شقوتي وعنائي
إبليس والدنيا ونفسي والهوى ... كيف الخلاص وكلهم أعدائي
أتيت القبور فناديتها ... فأين المعظم والمحتقر
وأين المذل بسلطانه ... وأين المذكى إذا ما افتخر
فنوديت من بينهم لا أرى ... شخوصاً لهم ولا من أثر
تفانوا جميعاً فلا مخبر ... وماتوا ومات الخبر
فيا سائلي عن أناس مضوا ... أما لك فيما ترى معتبر
إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن
لا تقطعن ذنب الأفعى وترسلها ... إن كنت شهماً فاتبع رأسها الذنبا
ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض ... على الماء خانته فروج الأصابع


‏‎ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل ... وكلّ نعيم لا محالة زائل

اذا لم تستطع شيئا فدعه.... وجاوزه إلى ما تستطيع
اذا محاسني اللاتي أتيت بها ... عدّت ذنوبا فقل لي كيف أعتذر
ومن يكن الغراب له دليلا ... يمرّ به على جيف الكلاب
كن ابن من شئت واكتسب أدباً ... يغنيك محموده عن النسب
إن الفتى من يقول ها أنا ذا ... ليس الفتى من يقول كان أبي
فقلت ذروه ما به وطباعه ... فكل إناء بالذي فيه ينضح
إذا الكلب لا يؤذيك عند نبيحه ... فذره إلى يوم القيامة ينبح
أيا من عاش في الدنيا طويلاً ... وأفنى العمر في قبل وفال
وأتعب نفسه فيما سيفنى ... وجمع من حرامٍ أو حلال
هب الدنيا تقاد إليك عفواً ... أليس مصير ذلك للزوال
دهرٌ علا قدر الوضيع به ... وترى الشريف يحطه شرفه
كالبحر يرسب فيه لؤلؤه ... سفلاً وتعلو فوقه جيفه
وإخوان تخذتهم دروعاً ... فكانوها ولكن للأعادي
وخلتهم سهاماً صائبات ... فكانوها ولكن في فؤادي
وقالوا قد صفت منا قلوب ... لقد صدقوا ولكن عن ودادي
وقالوا قد سعينا كل سعي ... لقد صدقوا ولكن في فساد
فيا عجباً لمن ربيت طفلاً ... ألقمه بأطراف البنان
أعلمه الرماية كل يومٍ ... فلما أشتد ساعده رماني
أعلمه الفتوة كل وقتٍ ... فلما طر شاربه جفاني
وكم علمته نظم القوافي ... فلما قال قافية هجاني
وكم اذا كنت في كلّ الأمور معانتا ... صديقك لم تلق الذى لا نعاتبه
فعش واحدا أو صل أخاك فإنه ... مقارف دنب مرة ومجانبه
إذا أنت لم نشرب مرارا على القذى ... ظمئت وأىّ الناس نصفو مشاربه.
‏‎وزهدني في الناس معرفتي بهم ... وطول اختباري صاحباً بعد صاحب
هفلم ترني الأيام خلا تسرني ... مباديه إلا ساءني في العواقب
ولا كنت أرجوه لدفع ملمة ... من الدهر إلا كان إحدى المصائب
أني بلوت الناس أطلب منهمو ... أخا ثقة عند اعتراض الشدائد
أر فيما ساءني غير شامت ... ولم أر فيما سرني غير حاسد
وإنّ عناء أن تفهّم جاهلا ... فيحسب جهلا انه منك أفهم
متى يبلغ البنيان يوما تمامه ... اذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
الدَّهْرُ يَوْمَانِ ذا أَمْنٌ وَذَا خَطَرُ وَالْعَيْشُ عَيْشَانِ ذَا صَفْوٌ وَذا كَدَرُ
أَمَا تَرَى الْبَحْرَ تَعْلُو فَوْقَهُ جِيَفٌ وَتَسْتَقِرُّ بأقْصى قَاعِهِ الدُّرَرُ
وَفِي السَّماءِ نُجُومٌ لا عِدَادَ لَهَا وَلَيْسَ يُكْسَفُ إلاَّ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى ... وللمشتري دنياه بالدين أعجب
وأعجب من هذين من باع دينه ... بدنيا سواه فهو من ذين أخيب
تهدى الأمور بأهل الرأى ما صلحت ... وإن تولّت فبالأشرار تنقاد
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهّالهم سادوا
ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمى صفوه أن يكدّرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
‏‎نَحن من الدَّهْر فِي اعاجيب ... فنسأل الله صَبر ايوب)
(أقفرت الارض من محاسنها ... فابك عَلَيْهَا بكاء يَعْقُوب)
يعزي المعزي ثم يمضي لشأنه ... ويبقى المعزي في أحر من الجمر
ويسلو المعزى بعد حين كغيره ... ويبقى المعزى فيه في وحشة القبر
يا أيها السادر في بغيه ... لم تخف الله وإرصاده
إنّي من الله على موعد ... فيك ولن يخلف ميعاده
‏‎أيا من عاش في الدنيا طويلاً ... وأفنى العمر في قبل وفال
وأتعب نفسه فيما سيفنى ... وجمع من حرامٍ أو حلال
ما يضرّ البحر أضحى زاخرا ... أن رمى فيه غلام بحجر
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه ... فما فاته منها فليس بضائر
ولا تجزعنّ على أيكة ... أبت أن تظلّك أغصانها
وكم رأينا للدهر من أسد ... بالت على راسه ثعالبه
فقلت ذروه ما به وطباعه ... فكل إناء بالذي فيه ينضح
إذا الكلب لا يؤذيك عند نبيحه ... فذره إلى يوم القيامة ينبح
كالشّمس لا تبدو فضيلتها ... حتّى تغشّى الأرض بالظّلم.
كالشّمس لا تبدو فضيلتها ... حتّى تغشّى الأرض بالظّلم.
كالشمس فى كبد السماء محلّها، ... وشعاعها فى سائر الآفاق
أرى ماء وبى عطش شديد، ... ولكن لا سبيل إلى الورود!
من غصّ داوى بشرب الماء غصّته، ... فكيف يصنع من قد غصّ بالماء
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب
أقلّوا عليهم لا ابا لأبيكم ... من اللوم أوسدّوا المكان الذى سدّوا
ولا بدّ من شكوى إلى ذى مروءة ... يواسيك أو يسليك أو يتوجّع
لا تسأل المرء عن خلائقه ... فى وجهه شاهد من الخبر
إذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... وتذنبون فنأتيكم ونعتذر
غيري جنى وانا المعاقب فيكم. فكانني سبابة المتندم
لئِنْ كنتُ مُحْتاجاً إلى الحِلْمِ إِنَّني ... إِلى الجَهْلِ في بَعْضِ الأَحايينِ أَحْوَجُ
فإنْ قال بَعْضُ النَّاسِ: فيهِ سَماجَةٌ، ... لقَدْ صَدَقُوا، والذُّلُّ بالحرِّ أَسْمَج
إذا ما انقضى القرن الذي أنت منهم ... وخلفت في قرن فأنت غريب
تصدر للتدريس كل مهوسٍ ... بليدٍ يسمى بالفقيه المدرس
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ... ببيتٍ قديمٍ شاع في كل مجلسٍ
لقد هزلت حتى بدا من هزالها ... كلاهما وحتى سامها كل مفلس
أما الخيام فإنها كخيامهم ... وأرى نساء الحي غير نسائها
توكل على الله في النائبات ... ولا تبغ فيها سواه بديلا
وثق بجميل صنيع الإله ... فما عوَّد الله إلا جميلا
أحسن الظن بمن قد عودك ... كل إحسان وسوى أودك
إن رباً كان يكفيك الذي ... كان بالأمس سيكفيك غدك
رب قوم رتعوا في نعمة ... زمناً والعيش ريان غدق
سكت الدهر طويلاً عنهم ... ثم أبكاهم دماً حين نطق

فصبرا في مجال الموت صبرا ... فما نيل الخلود بمستطاع

وما للمرء خير في حياة ... إذا ما عد من سقط المتاع
ولست بمستببق أخا لا تلمه ... على شعث، أي الرجال المهذب
أرى خلل الرماد وميض جمر ... ويوشك أن يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تذكى ... وإن الحرب أولها كلام
فقلت من التعجب: ليت شعري! ... أأيقاظ أمية أم نيام
عن المرء لا تسأل، وأبصر قرينه ... فإن القرين بالمقارن مقتدي
عزفت عن الغواية والملاهي ... وأخلصت المتاب إلى إلهي
وغرتني ليال كنت فيها ... مطيعاً للشباب به أباهي
أجاري الغي في ميدان لهوى ... وقلبي عن طريق الرشد لاهي
وألجمي المشيب لجام تقوى ... وركن الشيب بادي العيب واهي
ومن لم يكفه العذال عزم ... فليس له على عذل تناهي
♌️♌️♌️
«5» ، الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ
«6» ، قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ
«7» ، أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ
«9» ، لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ 58
«10» ، أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ
«11» ، وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ
«12» ، لِكُلِ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ
«1» ، قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ
«2» ، فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً
«3» ، وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها
«4» ، كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ 38
«5» ، حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً
«6» . وما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ
«7» .كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ
«8» . ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ
«9» تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى
«10» . هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ 60
«11» . وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ
«12» وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ
«13» كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ
«14» . لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها
«15» .لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ
«17» . وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ
لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ 2
يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ
لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ
«21» ، وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ 4
«22» . وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ
«24» فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ 21 لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ 22
«26» . إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ
«27» . يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ
«28» . لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ
«30» ، فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى
«31» كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ
«32» فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ 50
«33» . وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
«34» مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها
«36» . إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ
«37» ، فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ
«38» . وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ
«39» . وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ 88
«41» ، وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً
«42» لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ 61
«43» . كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ 26
45أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ 15
😡😡😡
«إنما الأعمال بالنيات، . «آفة العلم النسيان» . «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» . «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» . «أنزلوا الناس منازلهم» اقيلوا ذوي الهيئات . «اليد العليا خير من اليد السفلى» .. «مطل الغني ظلم» . «يد الله مع الجماعة» . «الجار قبل الدار» . والرفيق قبل الطريق» . «من غشنا فليس منا» . «سيد القوم خادمهم» . «الحياء شعبة من الإيمان» . «تخيروا لنطفكم» . «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول» . «حدّث ولا حرج» . «المجالس بالأمانات» . «كل ميسر لما خلق له» «إياك وما يعتذر منه» . «إستعينوا على قضاء الحوائج بالكتمان» . «الندم توبة» . «لا يكون المؤمن طعانا ولا لعانا» . «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» . «من كثّر سواد قوم فهو منهم» . «أنصر أخاك ظالما أو مظلوما. «كاد الفقر أن يكون كفرا» . «نعم صومعة المرء بيته» . «الأعمال بخواتيمها» .
🍏🍏🍏
- إن من البيان لسحرا.- إن الجواد قد يعثر.- إن البلاء موكل بالمنطق.- إن أخا الهيجاء من يسعى معك، ومن يضر نفسه لينفعك.- أنف في السماء وإست في الماء.إذا أدبر الدهر عن قوم كفى عدوهم أمرهم.- إياك أعني واسمعي يا جارة.- إن لم يكن وفاق ففراق.- إنك لا تجني من الشوك العنب.- إذا حان القضاء ضاق الفضاء - آفة المروءة خلف الوعد اتق شر من احسنت إليه.
بلغ السيل الزبى وجاوز الحزام الطبيين .- سمن كلبك ياكلك أجع كلبك يتبعك.- حافظ على الصديق، ولو في الحريق.-
أتبع السيئة الحسنة تمحها.الخيل أعرف بفرسانها.- رمتني بدائها وانسلت.- ربّ رمية من غير رام.-
استراح من لا عقل له.
- رب أخ لك لم تلده أمك.- رب طمع أدى إلى عطب.- ربما كان السكوت جوابا.- رب ملوم لا ذنب له.- رحم الله من أهدى إليّ عيوبي.-
- سبق السيف العذل.- سحابة صيف عن قليل تقشع.-
.- الظلم مرتعه وخيم.-
العبد يقرع بالعصا ... والحرّ تكفيه الملامة
- أعقلها وتوكل.- العتاب قبل العقاب.- عند الامتحان يكرم المرء أو يهان.-
القول ما قالت حذام.- كل فتاة بأبيها معجبة.- الكلام أنثى، والجواب ذكر.- كما تزرع تحصد.- كلب جوال خير من أسد رابض.- لقد ذل من بالت عليه الثعالب.- ليس الخبر كالعيان
لكل قادم دهشة- لعل له عذرا وأنت تلوم.- لكل ساقطة لاقطة.- لكل مقام مقال.- للباطل جولة ثم يضمحل.-
ليست النائحة الثكلى كالمستأجرة.-
لكل دهر دولة ورجال.- لا عطر بعد عروس.-قطعت جهيزة قول كل خطيب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.- لا يضر السحاب نباح الكلاب.- مقتل الرجل بين
فكيه،- ما حك جلدك مثل ظفرك.- هذه بتلك، والبادي أظلم.-
لا تنتطح فيه عنزان ولا يختلف فيه اثنان. أعز من لهاة الليث.
أبخل من مادر
أجود من حاتم
أحلم من الأحنف
أشجع من قسورة
أجبن من صافر
أعق من ضب
أعط القوس باريها
أنت أعلم باللقمة ممن غص بها
ربّ لحظ أصدق من لفظ» .
الملك عقيم
تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييهالمنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى
ذهبوا أيدي سبأ
قد بان الصبح لذي عينين
يكفيك من شرّ سماعه.
أسمع جعجعة ولا أرى طحنا» ،
سفينة نوح
عمر نوح
نَار إِبْرَاهِيم
نَاقَة صَالح
رُؤْيا يُوسُف
ذِئْب يُوسُف
قَمِيص يُوسُف
حسن يُوسُف
عَصا مُوسَى
صَبر أَيُّوب
حوت يُونُس
مَزَامِير دَاوُد
خَاتم سُلَيْمَان
جن سُلَيْمَان
ملك سُلَيْمَان
غسيل الْمَلَائِكَة
سحر هاروت
ريح عَاد
أَحْمَر ثَمُود
اشقى ثمود
كنز قَارون
سد امأرب
نوم أَصْحَاب الْكَهْف
درة عمر
قَمِيص عُثْمَان
شعرة مُعَاوِيَة
مشْيَة أَبى دُجَانَة
دهاء عمرو
حلم الْأَحْنَف
ذكاء إِيَاس
موعود عرقوب
كمدماني جذيمة
إياكم وخضراء الدمن
أعزّ من كليب وائل
أحذر من ذئب
اجهل من فراشة
احمق من دغة
أطمع من أشعب
أبصر من الزرقاء
أخطف من عقاب
أشرب من الهيم
أصغر من صعوة
آمن من حمام مكّة
أفسد من الجراد
مات فلان حتف أنفه " .
" لا ينتطح فيه عنزان ولا يختلف فيه اثنان
إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى " المنبت: المنقطع عن أصحابه في السفر، والظهر: الدابة، قاله في الغلو في العبادة.
" الآن حمى الوطيس " : ضربه في الحرب.
" يا خيل الله اركبي " .
" اشتدي أزمة تنفرجي
الناس كأسنان المشط
الناس كإبل، مائة لا تجد فيها راحلة
المتشبع بما لا يعطه كلابس ثوب زور
المؤمن مرآة أخيه
" ساقي القوم آخرهم شربا " " المرء على دين خليله فلينظر امرؤ من يخال " .
" المستشير معان والمستشار مؤتمن
إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصار
ليعلم من أين تؤكل الكتف
الصيف ضيعت اللبن "تركت الشيء في وقته،
أحشفا وسوء كيلة
الحق أبلج، والباطل لجلج
أعط أخاك تمرة، فإن أبي فجمرة
أوسعتهم سبا وأودوا بالإبل
أوردها سعد وسعد مشتمل
بلغ السيل الزبى "وجاوز الحزام الطبيين
تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها " :
تسمع بالمعيدي خير من أن تراه
جوع كلبك يتبعك سمن كلبك ياكلك
جاوز الحزام الطبيين
حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق
حسبك من شر سماعه
تفرقوا ايدي سبا
رمتني بدائها وانسلت
رماه بثالثة الأثافي " لمن رمى بداهية عظيمة.
رجع بخفي حنين
رب كلمة قالت لصاحبها دعني
زرغبا تزدد حبا
سبق السيف العذل
سكت دهرا ونطق كفرا
ساء سمعا فأساء جابة
شنشنة أعرفها من أخزم
على أهلها جنت براقش
قطعت جهيزة قول كل خطيب
قلب له ظهر المجن
كل فتاة بأبيها معجبة
كالمستجير من الرمضاء بالنار
لقد ذل من بالت عليه الثعالب
من أشبه أباه فما ظلم
مكره أخوك لا بطل
نفس عصام سودت عصاما " :
وافق شن طبقة،
لا عطر بعد عروس
لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين
يداك أوكتا وفوك نفخ
ابن بجدتها واخو عذرتها
أنت أعلم باللقمة أم من غصّ بها
ربّ لحظ أصدق من لفظ» .
«119» - «ليس الخبر كالعيان
اتّخذ اللّيل جملا
القول ما قالت حذام
إيّاك أعني واسمعي يا جارة
لكلّ جواد كبوة ولكلّ عالم هفوة ولكلّ صارم نبوة
كمستبضع التمر إلى هجر
ما هو في العير ولا في النفير
ربّ أخ لك لم تلده أمّك
كندماني جذيمة
ربّ رمية من غير رام
ربما كان السكوت جوابا
إن الشقي بكل حبل يخنق
خبط عشواء
استنسر البغاث
استنوق الجمل
اختلط الحابل بالنابل
الحرب غشوم
الملك عقيم
الظلم مرتعه وخيم
لا تبل في قليب شربت منه
من ذا رأى أرضا بغير سماء؟
إن السماء ترحى حين تحتجب
والبر خير حقيبة الرجل
رضيت من الغنيمة بالإياب
حنانيك بعض الشر أهون من بعض
ما أشبه الليلة بالبارحه
اي الرجال المهذب
ولا يبقى الكثير مع الفساد
مصائب قوم عند قوم فوائد
اذا عظم المطلوب قل المساعد
خير جليس في الزمان كتاب
أنا الغريق فما خوفي من البلل
إذا عَنَّ بحرٌ لم يجزْ لي التيممُ
وفي عنق الحسناء يُستحسن العقدُ
وعند التعمق الزّلَلُ
ربَّ عيشٍ أخف منه الحِمام
وتأبى الطباعُ على الناقلِ
أذلّ الحرص أعناق الرجال
وأىّ الناس ليس له عيوب
وكيف جحود القلب والعين تشهد
خير فيمن لا يدوم له عهد
وشتّان ما بين الولاية والعزل
إنّ جهد المقلّ غير قليل
وعلى المريب شواهد لا تدفع
ما الحبّ إلا للحبيب الأوّل .
وذى النقص في الدنيا بذى الفضل مولع


☂☂☂

☂☂☂
- إذا أراد الله بعبد خيرا ألهمه الطاعة، وألزمه القناعة، اكتفى بالكفاف، واكتسى بالعفاف، الثقة بالله أزكى أمل والتوكل عليه أوفى عمل، من سره الفساد ساءه المعاد،- كل يحصد ما زرع ويجزى بما صنع.- لا يغرنك صحة نفسك وسلامة أمسك نصرة الحق شرف ونصرة الباطل سرف.- من لزم الطمع عدم الورع،- إذا ذهب الحياء حل البلاء.- علم لا ينفع كدواء لا ينجع-- أيام الدهر ثلاثة: يوم مضى لا يعود إليك، ويوم أنت فيه لا يدوم عليك، ويوم مستقبل لا ندري ما حاله ولا تعرف من أهله.- من كثر ابتهاجه بالمواهب اشتد انزعاجه للمصائب.
.
أربعة تؤدي إلى أربعة: الصمت إلى السلامة، والبر إلى الكرامة، والجود إلى السيادة، والشكر إلى الزيادة.
- من ساء تدبيره أهلكه جده «1» - الغرة ثمرة الجهل،- آفة القوة استضعاف الخصم.
- آفة النعم قبيح المن.- آفة الذنب حسن الظن- الحزم أسد الآراء والغفلة أضر الأعداء.
- من قرب السفلة واطرح ذوي الأحساب والمروءات استحق الخذلان.
من ملك نفسه عند أربع حرمه الله على النار حين يغضب وحين يرغب وحين يرهب وحين يشتهي.
- من طلب الدنيا بعمل الآخرة فقد خسرهما، ومن طلب الآخرة بعمل الدنيا فقد ربحهما
الصمت حرز، والصدق عز.-
خير النوال ما وصل قبل السؤال..
من رضي من نفسه بالإساءة شهد على أصله بالرداءة.
من ساء خلقه ضاق رزقه.-
لا تسىء إلى من أحسن إليك، ولا تعن على من أنعم عليك.
من كثر ظلمه واعتداؤه قرب هلاكه وفناؤه.- من طال تعدّيه كثرت اعاديه
من سل سيف العدوان أغمد في رأسه.
من لم يرحم العبرة سلب النعمة، ومن لم يقل العثرة سلب القدرة.-
صمت تسلم به خير من نطق تندم عليه،- من قال ما لا ينبغي سمع ما لا يشتهي.
، ومن أسرع في الجواب أخطأ في الصواب. من فعل ما شاء لقي ما ساء.- من كثر اعتباره قل عثاره.
إذا نزل القدر بطل الحذر،- رب عطب تحت طلب، ومنية تحت أمنية.-
اللسان سيف قاطع لا يؤمن حده، والكلام سهم نافذ لا يمكن رده.
آفة العلم النسيان. آفة المروءة خلف الوعد. إن الجواد قد يعثر. إن الحديد بالحديد يفلح. إن خيراً من الخير فاعله. إنك لا تجني من الشوك العنب. إن لم تغض على القذى لم ترض أبداً. إن لم يكن وفاق ففراق. إن يكن الشغل مجهدة فإن الفراغ مفسدة. أول الغضب جنون وآخره ندمٌ.
أحسن إن أردت أن يحسن إليك. الحر حر وإن مسه الضر. الحكمة ضالة المؤمن. حال الأجل دون الأمل. حافظ على الصديق ولو في الحريق. حفظك لسرك أوجب من حفظ غيرك له.
خير الأمور أوسطها دواء الدهر الصبر عليه رأس الحكمة مخافة الله. رب حرب شبت من لفظة.
ربما كان السكوت جواباً.
. عند الامتحان يكرم المرء أو يهان . كل ممنوع متبوع.
قلب الأحمق في فيه ولسان العاقل في قلبه. لا تنه عن خلق وتأتي مثله. لا تكن رطباً فتعصر ولا يابساً فتكسر. المرء بأصغريه قلبه ولسانه
من أحب شيئاً أكثر من ذكره.
ما كل عثرة تقال. ولا كل فرصة تنال. قد يشهر السلاح. في بعض المزاح. رب عتق. شر من رق. غثك خير من سمين غيرك.
. لا تكن ممن يلعن إبليس في العلانية ويواليه في السر. عادات السادات سادات العادات.
من زرع الإحن. حصد المحن. شعاع الشمس لا يخفى. ونور الحق لا يطفى.
أشجع من أسد.وأجبن من صافر. وأمضى من ليث عفرين. وأحذر من غراب. وأبصر من عقاب. وأزهى من طاووس.. وأكذب من فاختة.
أهدى من النجم. وأجود من الغيث. وأوحش من مفازة. وأثقل من جبل.


✅✅✅✅

نثريات
الفتح في ابن باجه
.
ناهيك به من رجل ما تطهّر من جنابه، ولا أظهر مخيلة إنابه، ولا استنجى من حدث، ولا أسجى فؤاده موارى في جدث، ولا أقرّ ببارئه ومصوّره، ولافرّ عن تباريه في ميدان تهوّره، الإساءة اليه أجدى من الإحسان، والبهيمة أهدى عنده من الانسان ورفض كتاب الله الحكيم العليم، ونبذه وراء ظهره، ثانى عطفه، وأراد إبطال ما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، واقتصر على الهيئة، وأنكر أن يكون له عند الله تبارك وتعالى فيئة، وحكم للكواكب بالتدبير، واجترم على الله اللطيف الخبير، واجترأ عند سماع النهى والإيعاد، واستهزأ بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) قد محى الإيمان من قلبه فما له فيه رسم، ونسى الرحمن لسانه فما يمرّ له عليه اسم، وانتمت نفسه للضلال وانتسبت، ونفت يوما تجزى فيه كلّ نفس بما كسبت، فقصر عمره على طرب ولهو، واستشعر كل كبر وزهو، وهو يعكف على سماع التلاحين، ويقف عليها كلّ حين، يعلن بذلك الاعتقاد، ولا يؤمن بشىء قادنا الى الله فى أسلس مقاد، مع منشإ وخيم، ولؤم أصل وخيم ، وصورة شوّهها الله وقبحها، وطلعة لو رآها كلب لنبحها،

وصف دابة

.
اشترى رجل دابة من دميرة. فوجد بها عيوباً كثيرة. فحضر إلى القاضي يشتكي حاله. وما أصابه من الغم وناله. فقال له القاضي: ما قصتك وشكواك. وما الذي من الهم والغم دهاك. فقال: أيها القاضي. إني بحكمك راضي. اشتريت من هذا الغريم دابة اشترط لي فيها الصحة والسلامة. فوجدت بها عيوباً أعقبتني ندامة. وقد سألته ردها فأبى. وقال عند رؤيته إياي: لا أهلاً بك ولا مرحباً. فقال القاضي: أبن ما بها من العيوب. وإلا فانت على هذه الخشبة مصلوب. فقال: كلها عيوب وذنوب. وأنحس مركوب. وأخس مصحوب.. كدامة. هجامة. نوامة كأنها هامة. وهي في الدواب شامة. حرونة. ملعونة مجنونة. تقلع الوتد وتمرض الجسد. وتفتت الكبد. ولا تركن إلى أحد. تشمر وتغدر وتعثر. واقفة الصدر. محلولة الظهر. بداءة الأذنين. عمشاء العينين. طويلة الإصبعين. قصيرة الرجلين ضيقة الأنفاس. مقلعة الأضراس. صغيرة الرأس. كثيرة النعاس. مشيها قليل. وجسمها نحيل. وراكبها عليل. وهو بين الأعزاء ذليل. تجفل من الهواء. وتعثر بالنوى. وتخبل بشعرة. نهاقة شهاقة غير مطراقة. وتحشر صاحبها في كل ضيق. وتهوس عليه في المكان المضيق. وتنقطع به في الطريق عن الصديق. وتعض ركبة الرفيق. وهي عديمة التوفيق. على التحقيق. فإن ردها فأكرم جانبه. وإن لم يردها فاصفع غاربه. وفك مضاربه. ولا تحوجني أن أضاربه. والسلام

مناظرة بين البر والبحر"

قال (البر) يا صاحب الدَّر ومعدن الدُر أطرقت رياضي ومزقت جسوري وأحواضي وأغرقت جثتي ودخلت جنتي وتلاطمت أمواجك على جنتي وأكلت حزائري وجروفي وأهلكت مرعى فصيلي وخروفي وأهزلت ثوري وحملي وفرسي وجملي وأجريت سفنك على أرض لم تجر عليها ولم تمل طرف غرابها إليها وغرست أوتادها على أوتاد الأرض وعرست في مواطن النفل والفرض وجعلت مجرى مراكبك في مجرى مراكبي ومشى حوتك على بطنه في سعد أخبية مضاربي وغاص ملاحك في ديار فرحي وهاجرت من القرى إلى أم القرى وحملت فلاحي أثقاله على القِرى وقد تلقيتك من الجنادل بصدري وحملتك إلى برزخك على ظهري وقبلت أمواجك بثغري وخلقت مقياسي فرحاً بقدومك إلى مصري وقد حرت وعدلت وفعلت فلعلك تغيض ولا يكون ذهابك عن ذهاب بغيض
قال (البحر) يا بر يا ذا البرّ هكذا تخاطب ضيفك وهو يخصب شتاءك وصيفك وقد ساقني الله إلى أرضك الجزر ومعدن الدر والخزر لأبهج زرعها وخيلها وأخرج أبها ونخيلها وأكرم ساكنك وأنزل البركة في أماكنك وأثبت لك في قلب أهلك أحكام المحبة وأنبت بك لهم في كل سنبلة مائة حبة وأحييك حياة طيبة يبتهج بها عمرك الجديد ويتلو (كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَىَ) [البقرة: 73] ألسنة العبيد وأطهرك من الأوساخ وأحمل إليك الإبليز فأطيبك به من عرق السباخ وأنا هدية الله إلى مصرك وملك عصرك القائم بنصرك ولولا بركاتي عليك ومسيري في كل مسرى إليك لكنت وادياً غير ذي زرع وصادياً غير ذي ضرع.
ولعمري لقد تلطف (البر) في عتابه وأحسن ودفع (البحر) في جوابه بالتي هي أحسن وقد اصطلحا وهما بحمد الله أخوان متضافران على عمارة بلاده ونشر الثروة ونمو الخيرات بين عباده فالله تعالى يخصب مرعاهما ويحرسهما ويرعاهما.

مناظرة بين الجمل والحصان"

قال "الجمل" أن أحمل الأثقال وأقطع بها المراحل الطوال وأكابد الكلال وأصبر على مر النكال ولا يعتريني من ذلك ملال وأصول صولة الإدلال بل أنقاد للطفل الصغير ولو شئت استصعبت على الأمير الكبير فأنا الذلول وللأثقال حمول لست بالخائن ولا الغلول ولا الصائل عند الوصول أقطع في الوحول ما يعجز عنه الفحول وأصابر الظلماء في الهواجر ولا أحول فإذا قضيت حق صاحبي وبلغت مآربي القيت حبلي على غاربي وذهبت في البوادي اكتسب من الحلال زادي فإن سمعت صوت حادي سلمت إليه قيادي وواصلت فيه سهادي وطلقت طيب رقادي ومددت إليه عنقي لبلوغ مرادي فأنا إن ضللت فالدليل هادي وإن زللت أخذ بيدي من إليه انقيادي وإن ظمئت فذكر الحبيب زادي
وأنا المسخر لكم بإشارة (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ) [النحل: 7] فلم أزل بين رحلة ومقام حتى أصل إلى ذلك المقام.
فقال (الحصان) أنا أحمل على كاهلي فأجتهد به في السير وأنطلق به كالطير أهجم هجوم الليل وأقتحم اقتحام السيل فإن كان طالباً أدرك في طلبه وإن كان مطلوباً قطعت عنه سببه وجعلت أسباب الردى عنه محتجبة فلا يدرك مني إلا الغبار ولا يسمع عني إلا الأخبار وإن كان الجمل هو الضابر المجرب فأنا السابق المقرب وإن كان هو المقتصد اللاحق فأنا المقرب السابق فإذا كان يوم اللقاء قدمت أقدام الواله وسبقت سبق نباله وذلك متخلف لثقل أحماله وإن أوثق سائسي قيدي وأمن قائدي كيدي أوثقت بشكالي لكيلا أحول على أشكالي وألجمت بلجامي كيلا أغفل عن قيامي وأنعلت الحديد أقدامي كيلا أكلّ عن إقدامي فأنا الموعود بالنجاة المعدود لنيل الجاه المشدود للسلامة المقصود للكرامة قد أجزل النعم عن إنعامه وأمضي بالعناية الأزلية أحكامه فإن الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة خلقت من الريح وألهمت التسبيح وما برح ظهري عزا وبطني كنزاً وصهوتي حرزاً فكم ركضت في ميدان السباق وما أبديت عجزاً وكم حززت رؤوس أهل النفاق حزاً وكم أخليت منهم الآفاق (هَلْ تُحِسّ مِنْهُمْ مّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) [مريم: 98] .

مناظرة بين السيف والقلم ابن الوردي

(فقال القلم) : بسم الله مجراها ومرساها. والنهار إذا جلاها. والليل إذا يغشاها. أما بعد حمد الله بارئ القلم. ومشرفه بالقسم. وجعله أول ما خلق. وجمل الورق بغصنه كما جمل الغصن بالورق. والصلاة على القائل: جفت الأقلام. فإن القلم قصب الباق. والكاتب بسبعة أقلام من طبقات الكتاب في السبع الطباق. جرى بالقضاء والقدر. وناب عن اللسان فيما نهى وأمر. طالما أربى على البيض والسمر في ضرابها وطعانها. وقاتل في البعد والصوارم في القرب ملء أجفانها. وماذا يشبه القلم في طاعة ناسه. ومشيه لهم على أم رأسه. (قال السيف) : بسم الله الخافض الرافع. وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع. أما بعد حمد الله الذي أنزل آية السيف. فعظم بها حرمة الجرح وآمن خيفة الحيف والصلاة على الذي نفذ بالسيف سطور الطورس. وخدمته الأقلام ماشية على الرؤوس. وعلى آله وصحبه الذين أرهفت سيوفهم. وبنيت بها على كسر الأعداء حروفهم. فإن السيف عظيم الدولة. شديد الصولة. محا أسطا البلاغة. وأساغ ممنوع الإساغة. من اعتمد على غيره
في قهر الأعداء تعب. وكيف لا وفي حده الحد بين الجد واللعب. فإن كان القلم شاهدا فالسيف قاضي. وإن اقتربت مجادلته بأمر مستقبل قطعه السيف بفعل ماضي. به ظهر الدين. وهو العدة لقمع المعتمدين. حملته دون القلم يد نبينا. فشرف بذلك في الأمم شرفا بينا. الجنة تحت ظلاله. ولاسيما حين يسل فترى ودق الدم يخرج من خلاله. زيتن بزينة الكواكب سماء غمده. وصدق القائل: السيف أصدق إنباء من ضده. لا يعبث به الحامل. ولا يتناوله كالقلم بأطراف الأنامل. ما هو كالقلم المشبه بقوم عروا عن لبوسهم. ثم نكسوا كما قيل على رؤوسهم. فكان السيف خلق من ماء دافق. أو كوكب راشق. مقدرا في السرد. فهو الجوهر الفرد. لا يشرى كالقلم بثمن بخس. ولا يبلى كما يبلى القلم بسواد وطمس. كم لقائمه المنتظر. من أثر. في عين أو عين في أثر. فهو في حراب القوم قوام الحرب. ولهذا جاء مطبوع الشكل داخل الضرب. (قال القلم) : أومن ينشأ في الحلية وهو الخصام غير مبين. يفاخر وهو القائم عن الشمال الجالس على اليمين. أنا المخصوص بالري وأنت المخصوص بالصدى. أنا آلة الحياة وأنت الردى. ما لنت إلا بعد دخول السعير. وما حددت إلا عن ذنب كبير. أنت تنفع في العمر ساعة. وأنا أفني العمر في الطاعة. أنت للرهب. وأنا للرغب. وإذا كان بصرك حديدا فبصري ما ذهب. أين
تقليدك من اجتهادي. وأين نجاسة دمك من تطهير مدادي. (قال السيف) : أمثلك يعير مثلي بالدماء. فطالما أمرت بعض فراخي وهي السكين. فأصبحت من النفاثات في عقدك يا مسكين. فأدخلت من الحياة جثمانك. وشقت أنفك وقطعت لسانك. ويك إن كنت للديوان فحاسب مهموم. أو للإنشاء فخادم لمخدوم. أو للبليغ فساحر مذموم. أو للفقيه فناقص في المعلوم. أو للشاعر فسائل محروم. أو للشاهد فخائف مسموم. أو للمعلم فللحي القيوم. وأما أنا فلي الوجه الأزهر. والحلية والجوهر. والهيبة إذا أشهر. والصعود على المنبر. شكلي الحسن علي. ولم لا حملك الحطب بدلي. ثم إني مملوك كمالك. فإنك كناسك. أسلك الطرائق. وأقطع العلائق. (قال القلم) : إما أنا فابن ماء السماء. وأليف الغدير وحليف الهواء. وأما أنت فابن النار والدخان. وباتر الأعمار وخوان الإخوان. تفصل ما لا يفصل. وتقطع ما أمر الله به أن يوصل. لا جرم شمر السيف وصقل قفاه. سقي ماء حميما فقطع معاه. يا غراب البين. ويا عدة الحين. ويا معتل العين. ويا ذا الوجهين. كم أفنيت وأعدمت. وأرملت وأيتمت. (قال السيف) : يا ابن الطين. ألست ضامرا وحرفت. ونكرت وعرفت. وسطرت هجوا وشتما. وخلدت عارا وذما أبشر بفرط روعتك. وشدة خيفتك. إذا قست بياض
صفيحتي بسواد صحيفتك. فألن خطابك فأنت قصير المدة. وأحسن جوابك فعندي حدة. وأقلل من غلطتك وجبهتك. واشتغل عن دم في وجهي بمدة في وجهك. وإلا فأدنى ضربة مني تروم أرومتك. فتستأصل أصلك وتجتث جرثومتك. فسقيا لمن
غاب بك عن غابك. ورعيا لمن هاب بك لسلخ إهابك. (فلما رأى القلم) السيف قد احتد. ألان له من خطابه ما اشتد. وقال: أما الأدب فيؤخذ عني. وأما اللطف فيكتسب مني. فإن لنت لنت. وإن أحسنت أحسنت. نحن أهل السمع والطاعة. ولهذا تجمع في الدواة الواحدة منا جماعة. وأما أنتم فأهل الحدة والخلاف. ولهذا لم يجمعوا بين سيفين في غلاف. (قال السيف) : أمكر ودعوى عفة. لأمر ما جدع قصير أنفه لو كنت كما زعمت ذا أدب. لما قابلت رأس الكاتب بعقدة الذنب. أنا ذو الصيت والصوت. وغراراي لسانا مشرفي يرتجل غرائب الموت. أنا من مارج من نار. والقلم من صلصال كالفخار. وإذا زعم القلم أنه مثلي أمرت من يدق رأسه بنعلي. (قال القلم) : صه فصاح السيف بلا سعادة كالأعزل. (قال السيف) : مه فقلم البليغ يغير حظ مغزل. (قال القلم) : أنا أزكى وأطهر. (قال السيف) : أنا أبهى وأبهر. فتلا (ذو القلم) لقلمه: إنا أعطيناك الكوثر. فتلا (صاحب السف) لسيفه: فصل لربك وانحر. فتلا (ذو القلم) لقلمه: إن شانئك هو الأبتر. (قال) : أما وكتابي المسطور. وبيتي المعمور. والتوراة والإنجيل. والقرآن ذي التبجيل. إن لم تكف عني غربك. وتبعد مني قربك. لأكتبنك من الصم البكم. ولأسطرن عليك بعلمي سجلا بهذا الحكم. (قال السيف) : أما ومتني المتين. وفتحي المبين. ولساني الرطبين. ووجهي الصلبين. إن لم تغب عن بياضي بسوادك. لأسخمن وجهك بمدادك. ولقد كسبت من الأسد في الغابة. توقيح العين والصلابة. مع أني ما ألوتك نصحا. أفنضرب عنكم الذكر صفحا. (قال القلم) : سلم إلي مع من سلم. إن كنت أعلى فأنا أعلم. وإن كنت أحلى فأنا أحلم. وإن كنت أقوى فأنا أقوم. أو كنت ألوى فأنا ألوم. أو كنت أطرى فأنا أطرب. أو كنت أعلى فأنا أغلب. أو كنت أعتى فأنا أتب. أو كنت أقضى فأنا أقضب. (قال السيف) : كيف لا أفضلك والمقر الفلاني شد أزري. (قال القلم) : كيف لا أفضلك وهو عز نصره ولي أمري.
(قال الحكم بين السيف والقلم) : فلما رأيت الحجتين ناهضتين. والبينتين بينتين متعارضتين. وعلمت أن لكل واحد منهما نسبة صحيحة إلى هذا المقر الكريم. ورواية مسندة عن حديثة القديم. لطفت الوسيلة. دققت الحيلة. حتى رددت القلم إلى كنه. وأغمدت السيف فنام ملء جفنه. وأخرت بينهما الترجيح. وسكت عما هو عندي الصحيح. إلى أن يحكم المقر بينهما بعلمه. سورة غضبها الوافر ولجاجهما المديد ببسيط حلمه. ويعاملهما بما وقر في صدره من الوقار وسكن في قبله من السكينة. وإذا كان في هذه المدينة مالكنا فلا يفتى ومالك في المدينة.


ابن الوردي

الحرقة للخرقة
إن حلب قد نزعت الزبدة ووقعت من ولاية التاجر الرياحي في خسر، وشدة قاض سلب الهجوع، وسكب الدموع، وأخلف السرب، وكدّر الشرب، بجرأته التي طمت وطمّت، وعاميته التي عمّت وغمّت، وفتنته التي بلغت الفراقد،وأسهرت ألف راقد، ووقاحته التي أذهبت الألباب، وأخافت النّطف في الأصلاب، فكم لطّخ من زاهد، وكم أسقط من شاهد، وكم أرعب بريئا، وكم قرّب جريئا، وكم سعى في تكفير سليم، وكم عاقب بعذاب أليم، وكم [1] توسط بها عند الألباب، حشر النائب على من قيل إنه حضر الخمر، وحمله على أن قرعه بالمقارع، حتى قضي الأمر، وامتنعت الأمراء من الشفاعة، وظنوا هم والنائب أن هذا امتثال لأمر الشرع وطاعة:/ [السريع]
يا حامل النائب في حكمه ... أن يقتل النفس التي حرّمت
غششته والله في دينه ... بشراك بالنار التي أضرمت
أسقط في يوم مشهود تسعة من أعيان الشهود، فو الله لو كانوا من غنم رباح، ما سمح بهذه العدة للذباح، وهذا مقت وأي مقت، ما سمعنا بمثله في وقت، أتسلم أرباب البيوت من هذا الرجل المبهوت، فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ
[2] ، من يذم هذا البزاز الجرىء على تخريق الخرقة: [السريع]
سحقا لقاض مالكي سطا ... بتسعة أكبر من فينا
وإن أعرناه لها سكتة ... ألحق بالتسعة تسعينا
سبب إسقاطه لهؤلاء النفر، أنه أقر عندهم أول مدته من السفر، بأن قرابغا [3] أعطاه ثلاثة عشر ألف دينار، ووكله ليشتري بها ما يرضاه من العقار، فلما مات قرابغا، عاش الوكيل وندم على إقراره عندهم، فبدرهم بالتنكيل، فهيهات هيهات، فهذا المحو عين الإثبات [4] ، لهذا أكبر الحال، وأسفت القلوب أنه أكل المال، أسقط التسعة قهرا، ونادى عليهم جهرا، وشاور على تطويفهم في الأسواق والجامع، لولا منعه من ذلك مانع، هذا من غير إحضار لهم ولا إعذار، ولا تقدم دعوى ولا إنذار، ولا تظلم من متظلم،/ ولا كلمة من متكلم، إلا سطوة وعتوا واستكبارا في الأرض وعلوّا وخوفا على الدرهم والدينار، بل مكر الليل والنهار، ولما ظهر زبدة [5] الذاهبة، التي تنثلم منها فاس [6] ، وتتباعد عنها دانية [7] ، وتنفر من قبحها تونس [8] ، ويحتجب حياء منهاابن الحاجب [1] ، ويستوحشها ابن يونس.
عقد مجلس بدار العدل لكشف الظلامة، وطي هذا الجور المنشور بغير علامة، فقلنا له سمّ لنا من شهد على الشهود، فأبى أن يسمّي، وقال قضى الله عليه: قضيت فيهم بمذهبي، وحكمت فيهم بعلمي، فقلنا: يا نائما على السّرى، الجرح لا يقبل إلا مفسّرا، وإن كان لك أن تجرحهم، فليس لك أن تذبحهم وتفضحهم يا قليل الفهم، من يساعدك على هذا الوهم، هذا محرم لم يبحه مبيح، ومحاسن الإسلام تأبى هذا القبيح. قال: إن لم تركنوا إليّ فاستفتوا المالكية في دمشق عليّ، فأخرنا اللوم، وطالعنا كتب القوم، فوجدنا في مشاهير كتبهم نقلا محققا، أن القاضي لا يقضي بعلمه مطلقا، وأنه إذا شهد عنده من يعلم عليه جرحه، رفع الأمر إلى من فوقه، وأبدى له شرحه [2] ، فكابر وتأوّل، واعتمد على الفجور وعوّل، وزاد في المدافعة، وخوّف بالشر والمرافعة، وأطلق لسانه في/ الأعيان ولم يقيّد، وقلّب رأسا لم يكن رأس سيّد، ولما بلغ المالكية بدمشق هذه الواقعة المستعظمة، أصغروا قدره عنها، وقالوا: كَبُرَتْ كَلِمَةً
[3] ، واستحلوا سبّه وشتمه، واستقلوا عقله وعلمه، وكتبوا إليه: أن يا مغلوب، لقد بغّضت مذهب مالك إلى القلوب، وقطعت المذاهب الأربعة عليه بالخطأ، وزالت بهجته عند الناس، وانكشف الغطاء، ثم من المفتين من لامه على ذلك وعنّف، ومنهم من علّق على تقبيح ذلك وصنّف، ثم سئلت بدمشق اليهود والنصارى، وإن كانوا عن الحق حيارى، هل يجوز في دينهم المنسوخ مثل هذا التخجيل، أم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، فأقسموا بالله جهد أيمانهم، إن ذلك لم يكن في أديانهم، وناهيك بخلل تستقبحه كل الملل، فقبح الله من أصبح بسهام الأغراض إلى مصون الأعراض في الرامين، وقال: من أحوج المسلمين إلى سؤال المغضوب عليهم والضالين: [الكامل]
أبرأ إلى الرحمن من بهتانه ... وفجوره وعتوّه المتزايد
من ذا يجيز قضاء قاض جاهل ... بالعلم في هذا الزمان الفاسد
وأما قول إمامنا الشافعي في أمه [1] : «لولا قضاة السوء لأجزت للقاضي أن يقضي بعلمه» :/ [المجتث]
قلنا له دع أمورا ... مستهجنات لمثلك
فقال أقضي بعلمي ... قلنا ستقضي بجهلك
ثم فسق مفتيا في الدين، وفضح خطيبا على رؤوس المسلمين، ومن بغضه هذا الخطيب، أمر من لطخ منبره بضد الطيب، الله أكبر آذى حتى الخطيب والمنبر، لقد بالغ في الختل، وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ
[2] : [البسيط]
من انتهى طيشه في المحرمات إلى ... هذا المقام عليه غضبة الباري [3]
ولست عن مالك أرضى نيابته ... عن خازن العلم أو عن خازن النار
هذا جزاء المنسلك تحت آراء عبد الملك، ومن البوم دليله، فالخراب مقيله: [السريع]
امتلأت من ذهب أكياسه ... وقلبه ممتلىء من دغل
ما هو إلا حيّة برقها ... بالسمّ هذا المغربي الزغلي [4]
لقد أوقع الناس في الفتنة في بحر عجاج، فدعوا عليه وعلى عبد الملك، ولولا عبد الملك ما استطال [5] هذا الحجاج، قاض يقول القول ثم ينكره، ويذم الشخص في المجلس ويشكره، ويحب آيات الردة والكفر، لحبه في الدنانير الصفر: [مجزوء الرمل]
حاكم يصدر منه ... خلف كل الناس حفر
يتمنى كفر شخص ... والرضى بالكفر كفر
ما أولى أحكامه بالانتقاض، وما أحقه بقول السحرة لفرعون: فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ
[6] ، ولولا العافية لتوهمت أنّ (ما) ههنا نافية: [الوافر]
ولو ولّوا قليل الفقه فيه ... مداراة ودين ما جزعنا
وكان يهون ما نلقى ولكن ... تعالوا فانظروا مع من وقعنا
ثم إنه على عامية نفسه وجهلها، ينتقص العلوم ويضع من أهلها: [البسيط]
الله الله لا تبقوه في حلب ... يا أهل مصر وفينا راقبوا الله
فدما يذمّ فنون العلم محتقرا ... بها ومن جهل الأشياء عاداها [1]
لقد عذب العذبة، وصدّق الكذبة، يستخف الأثقال، ويحكم بما لا يعلم ليقال: [المتقارب]
رأى نفسه أخرّت في العلوم ... فرام التقدّم بالجبروت
عديم الهبات عظيم الهنات ... قليل الثّبات كثير الثبوت
ستر الله هذه المدينة من هؤلاء الأدوان [2] ، ونزّه عنه مذهب مالك برحمة منه ورضوان: [البسيط]
قاض عن الناس غير راضي ... مباهت غالط مغالط
يكذب عن مالك كثيرا ... ويسقط الناس وهو ساقط
عامل أوساط الناس معاملة الأطراف، وأشرف أذاه على العذراء والأشراف، أتلف الأملاك والمكاتيب، بما اعتمده في حق الشهود/ من الأكاذيب، فكم صاحب مكتوب يبكي على حاله، كما أوتي كتابه في شماله: [الكامل]
تلفت مكاتيب الأنام بفعله ... وأبان عن طيش وكثرة مخرقه
يرمي الأكابر والأصاغر كاذبا ... بالكفر أو بالفسق أو بالزندقه [3]
هلّا قرأ هذا القاضي الجديد: وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ
[4] : [الوافر]
لقد آذى الشهود بغير حق ... فأيّ الناس ما رحم الشهودا
أيرضى المسلمون لهم بهذا ... وقد سرّ النصارى واليهودا
ولقد بلغنا وهو من العبر، أنّ جيراننا من أهل شيس [5] سرهم مبتدأ هذا الخبر: [مجزوء الرجز]
صاحب شيس سرّه ... فعال قاض أرعنا
فأحزن الله الذي ... أفرح فينا الأرمنا
أذهب حبّ الذهب ذهن ذهنه وأفنى، كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى
[1] : [البسيط]
أهل الثنايا أفيكم رجل ... يقول عن نفسه أنا ابن جلا [2]
من جور قاض غناه أفسده ... وكثرة المال تفسد الرجلا
مطالعته في البيت في عرض جريدة الصابون والزيت: [مخلع البسيط]
وتاجر قلّدوه حكما ... كلّ الرعايا عليه لا له
له فعال مدوّنات ... قد أغضبت صاحب الرساله
احتكر الأقوات في أوقات الغلا، فقال فيه بعض الفضلاء: [البسيط]
كيف التخلص من قاض مباحثه ... قطن وقمح وأصناف وصابون
قد جاء يحتكر الأقوات في حلب ... على غلا السعر والحكّار ملعون
كم نهته زوجته عن اللجاج، فتهددها بالضرب والإخراج: [المتقارب]
وقاض لنا لم يلن ... وزوجته لانت
فيا ليته لم يكن ... ويا ليتها كانت
إذا فرغ من مجلس قضائه، اشتغل بمعاقبة أهل بيته والغلظة على أقربائه، أن ينفد الأزمان، فاذا ارتفع ضجيج الحرم والغلمان، وأخذ الناس في لعنة هذا الميت، ويتذكرون ببلية أهل الدار محنة أهل البيت: [مجزوء الرجز]
وما رأيت من بلي ... بظالم لم يعدل
إلّا تذكّرت به ... بلوى الحسين بن عليّ
فيا ولاة الأمر، من يبسط نفسه للقبض على الجمر: [الرمل]
مغربيّ الخلق فظّ سلقط ... أيّ من جاهره أسقطه
قامت الحرب على ساق به ... يغفر الله لمن سلّطه
أبطل مسائل المعاملة والبيّنة، فبطل بذلك دولاب المدينة وأفسدت/ ذات البين، وسلط
المديون يشكو على رب الدين، وصار الطالب المطلوب، وهذا الفقه المقلوب، على أن في مذهب الشافعي الزاهي، إن مسألة العينة ليست من المناهي، وهي قوام العامة والجيش، ولكن لا ذوق لمن غلب عليه الطيش: [مجزوء الرجز]
وما قرا وثيقة إلا وقال باطله [1] ... وذا دليل أنّه ليس له معامله
ففي عزله عنّا أجر غير ممنون، وأي حاجة بالعقلاء إلى مجنون: [السريع]
لا وأخذ الرحمن مصرا ولا ... أزال عنها حسن ديباجه
ولّوا علينا قاضيا ثالثا ... ما كان للناس به حاجه
هذا مالكي متعصب، قد أسكره الذهب والمنصب، فلا يفرق بين الأرض والسماء، ولا يعرف عموم العامة من خصوص العلماء، حركاته وسكناته مكتوبة عليكم، فلا ندري أنشكوكم إلى الدهر، أم نشكو الدهر إليكم. قاض سمين الأموال، مهزول النوال: [المتقارب]
كثير الجنون مسيء الظنون ... عدو الفنون لظى محرق
فيصبغ أصبغ من بهته ... وأشهل في عينه أبلق [2]
لا يحترم أبا حنيفة، ولا الشافعي، ولا يحمد أحمد ولا الرافعي [3] ، قراد لا يلقط إلا دم الأوراك، وجراد لا يسقط إلا على أموال الأتراك، إذا وقع عنده، فقد وقع بين مخالب الأسود، وأنياب الأفاعي السود/: [الرمل]
أدركوا العلم وصونوا أهله ... عن ظلوم حاد عن تبجيله
إنما يعرف قدر العلم من ... سهرت عيناه في تحصيله
فقابلوا الفعل بفعله، واستعيذوا بالله يا أهل مصر، من شر ولاية مثله، وارموه من كنانة مصر بسهم قلما أخطأه، وعاجلوا إيضاحه بالإبهام، ترضى الفرقتان؛ المسبّحة والسبابة بسيرتكم الوسطى: [الرجز]
المالكيّ طائش ذو فوره ... له على أهل العلوم سوره [4]
دار على باب الجراح الدوره ... وما قرا في باب ستر العوره
مغربي الاخلاق، مذموم على الإطلاق، عار عن الدين، عدة للمعتدين، سيء الصنائع، ذخيرة سوء في الوقائع: [البسيط]
وقاضيا ماضيا في الشرّ مجتنبا ... للخير من سيئات الدهر محسوبا
يرى إباحة أعراض محرّمة ... متى ترى شكله المكروه مندوبا
غاية علمه إطالة السكوت، وقول الحاضرين له دائم الثبوت، سكناته غير متناهية، وإذا تكلم ففي داهية، الويل له إن لم يتب، ويجهل حتى أسماء الكتب، أذاه شامل، وشره كامل، ومنهاجه عسر.
لو كان حاوي الخصائص ما قال بالتذنيب، ما هو العزيز النهاية، وله بداية مدونة، من يحتقر بالمهذّب من أين له تهذيب، مقدام ظلوم، جاهل بجميع العلوم، لا يعرف في الفقه الطلاق من التطليق،/ ولا في النحو الإلغاء من التعليق، ولا في التفسير أسباب النزول، ولا في القرآات حجج، وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ
[1] ، ولا في اللغة القدح من الكأس، ولا في الأصلين؛ الجوهر الفرد، والجلي القياس، ولا في المنطق الضرب المنتج من العقيم، ولا في الحديث الصحيح من السقيم، ولا في العروض تفاعيل الدوائر، ولا في القوافي المتدارك من المتواتر، ولا في التصريف المثال من الأجوف، ولا في الطب أي الأمراض أخوف، وهو مع الجهل، وكونه غير أهل، يؤذي نجوم العلوم الطالعة والغاربة، ويعامل الناس بأخلاق المغاربة، ويتطاول على كل طائل، بمنصب هو الظل الزائل، حتى كأنه قدّم على جنس الإنس، أو قدم برأس البرنس: [السريع]
ومالكيّ جاهل باخل ... لا بارك الرحمن في عمره
جفنته أضيق من جفنه ... وقدره أصغر من قدره
جهل كثيف، وعقل سخيف، قد أغضب الجمّ الغفير، واجترأ على الإسقاط والتكفير: [الكامل]
يا أهل مصر وقاكم الله الأذى ... ولّيتم طرفا على الأوساط
صعب على الحرّ الخضوع لناقص ... وتحكّم الأسقاط في الأسفاط
فهلا إذا قضى الله حب المالكية، وليتم على المسلمين ذا نفس زكية: [البسيط]
والله لو أنّ حماماتكم وقعت ... على الرجال لما ولّيتم هذا
ضاري الطباع سرور الناس يحزنه ... ولا انشراح له إلّا إذا آذى
__________
يضرب إذا حكم، ويفتخر له ولم، ويرعد ويضطرب، ويبعد ويقترب، حتى كانه قتل عنترة، أو فتح قلعة مسترة [1] ، يتأوّه على الشرع من بعده، ويزيد في الشريعة سياسات من عنده، الويل له من هذه الأعمال، كيف يحتاج دين الله إلى إكمال، لقد وقع في عار، لا تغسله مياه الأنهار، قل للذي ما تأدب مع العلوم وأهلها، تهير لحظ البرايا عليه والنفرات، عاص يريد الشريعة نورا ويصبغه بالنيل للنهر الأسود ولو حكى ابن فرات [2] ، لما رأى خلو مجلسه، وقلة مؤنسه، وانقطاع الأعيان عن داره، وإهمال الخاصة له لصغر مقداره، قال له رأيه الفاسد إلى متى أنت مهجور كاسد، فازجر وانتهر، وقبّح حتى تشتهر، فآذى ونادى، وجرح وما داوى، فطفر الناس عليه بهذه الطفرة، وما زادهم عنه إلا نفرة، وكشفوا ظلته، وعرفوا علّته: [الكامل]
حال النّحاة على العموم تميّزت ... عندي لأنّ القوم أهل خصوص
من أجل قاض قد رموه بعلّة ... ودعوه بالمستثقل المنقوص
إذا جلس خلت غولة جالسة، وإذا تكلم مطيلسا، قلت جاء البرد والطيالسة [3] ، لا قراءة له ولا قرى [4] ، فليت العيون اكتحلت منه بأميال السرى،/ يحب من القرآن: أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا
[5] ، ومن الحديث: (أباهي بكم الأمم) [6] ، حتى بالسقط، ومن الفقه سقوط يد السارق بآفة، ومن النحو سقوط التنوين بأل والإضافة، ومن الشعر [7] : [الوافر]
وما للمرء خير في حياة ... إذا ما عدّ من سقط المتاع
[و] : [الرجز]
يحبّ من كلّ علم ... السين والقاف والطا
حاشا الرسالة منه ... ما خلقه بالموطّا
يتنفس على الناس الصعداء، ويؤذي الأشقياء والسعداء، لقي بعض الناس منه ما لقي،
وهو عازم على ما بقي: [الطويل]
لقد أصبح الباقون منه على شفا ... متى استنشدوا الشعر القديم يقولوا
يهون علينا أن تصاب جسومنا ... وتسلم أعراض لنا وعقول [1]
فالله يعصم منه أعراضنا العريضة، ويعجّل قسمة تركته، فقد عالت الفريضة: [السريع]
ابن الرباحيّ على جهله ... وجوره في حلب يحكم
إن لم يكن في حلب مسلم ... فمصر ما كان بها مسلم
المنصب الجديد لا يسده إلا الرجل السديد، لقد آذى مذهب مالك، من توسط لهذا العرّة بذلك: [مخلع البسيط]
من كان في علمه دخيلا ... فللولايات لا يليق
لا سيما منصب جديد ... فكفؤه عالم عتيق
وماذا أقول فيمن حمله جهله على أن قال في ابن السّفاح وابن العديم/ ما هو أهله، أحسن الله إليهما، ورضي عنهما، ولولا حظ نفسه، وظلمه حسه، لاكتسب من رئاستهما، واقتدى بعفّتهما عن الأموال والأعراض، وحسن سياستهما، لكنه أعمى البصر والبصيرة، سيّىء الظن، خبيث السريرة يؤذي الناس ويقول لا تؤذوني، وينادي مال قرابغا [2] في يده بالله خذوني: [مخلع البسيط]
بالله يا أولياء مصر ... خذوه من عندنا بستر
متى رأيتم وهل سمعتم ... بأن قاضي القضاة جمري [3]
يقضي عمره في الأسواق والأسفار، ومرافقة أبي حيّة من التجار، ما أقدره على التنقير، وما أسهل عليه الفسق والتكفير، فلا قوة لنا من جمرته [4] ولا حول، لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ
[5] : [الرجز]
يا قومنا إنّ الفساد قد غلب ... وخافت الأعيان سوء المنقلب
ومن نشا بين الحمير والجلب ... كيف يكون قاضيا على حلب [6]

كم دعي إلى بابك فما ارتاح إلى الباب، وتراه حرّان لعدم الرقة، فاذا قيل فلان قد كفر طاب، هو في العينة جسر الحديد، وبالبخل بعدا وليعش للتفاح، ومعارته الحلفة وشر سرمدا، فلا عاش هذا الأقرع الغاوي اللكام المرتب سفرا عن بائس، فان طول هذه القرينة المقام في حلب، فيا ضيعة الترقا [1] :/ [مجزوء الرمل]

هو في العلم آخر ... وهو في الظلم سابق
فهو للضيف حارم ... وهو في العرض دابق [2]
أيولّى على الناس من كان يخضع للحقير والمكّاس [3] ؟ وبعد تلك الخساسة، يرشح للرياسة، لا جرم أنّه كثر تلبيسه [4] ، وطال تعبيسه، فكأنما يفكر في غامض، أو تلمّظ بخل حامض: [مجزوء الرجز]
بعدا لقاض تاجر ... إثباتنا في سابه
شيخ الحقير بارق ... في عينه وقلبه
يحبس على الردة بمجرد الدعوى، ويقوّي شوكته على أهل التقوى، فقد ذلّل الفقهاء والأخيار، وجرّا عليهم السفهاء والأغيار: [مجزوء الرجز]
يحبس في الرّدة من ... شاء بغير شاهد
لا كان من قاض حكى ... الفقاع حد بارد
أراح الله من تعرّضه، وصان الأعراض عن تقرضه، فقد شقّ بحربه على الأكابر، وشق تعديه إلى المقابر: [السريع]
في حلب قاض على مالك ... قد افترى ما فيه توفيق
ومن تلكّا معه قال قم ... قد قيل لي إنّك زنديق
يقصد بذلك أهل الدين، ويلطخ به القراء المجودين، نسي جلوسه في السوق، وأصبح يثبت في الفسوق نقل من الذراع والمقصّ، إلى هذا المنصب الأعز الأخص، والله لقد هزلت، فسحقا للدنيا وما فعلت: [مجزوء الرجز]
قاض من السوق أتى ... معتاد بيع الأكسيه
ذا للوصايا ما يعي ... كيف يعي في الأقضيه

بعد الامتهان في الرحاب، يقال له باسم الله رئيس الاصحاب، وما مر دجنه، وافسد بهذه الكلمة ذهنه، ألا يغيب له طبق، وتعسا لجارح يبلبله الدبق، فو الله لولا كراهة السخافة، لآتينّ هنا بأفانين من حديث خرافة، ثم إنه مع تلك الأباطيل، يدعي العفّة عن أكل البراطيل [1] ، فليته تناول الحطام، وتعفف عن أعراض الأنام: [مجزوء الرمل]

طرف قدّمه ... دهره إذ سكرا
إن صحا الدهر له ... سترى ما سترا
أو ما علم هذا المشلول اليد، المفترق اللسان، أنّ العرض أثمن من المال عند الإنسان: [الكامل]
التاجر الخياط قاض عندنا ... ولديه تثبت ردّة وفسوق
ومن العجائب أن يخيط قلوبنا ... بكماره ولسانه مفتوق [2]
وكيف عادت حلب تسكن، وفيها هذا الألثغ الألكن: [مخلع البسيط]
يا ساكني مصر ما عهدنا ... منكم سوى رحمة وألفه
فكيف ولّيتموا علينا ... من لا تصحّ الصلاة خلفه
راؤه غين، ومنطقه شين، إذا سبّح الربّ، لا تدري أسبّح أم سبّ: [السريع]
الألثغ الطاغي تولّى القضا ... عدمت هذا الألثغ الطاغي
إن سبّح الباري حكى سبّة ... فقال سبحانك يا باغي
لا يفرّق بين المؤنث والمذكر إلا بالفرج، ولا يعرف العربية إلا باللجام والسرج: [مجزوء الهزج]
قليل الفقه لّحان ... له في حكمه خبط
قبيح الشّكل محتدّ ... فلا شكل ولا ضبط
لو عقل لاكتفى ببلغته، وصان المنصب عن عار لثغته: [المجتث]
وألثغ يتحرّى ... ويصبغ العرض صبغا
إن قيل هل أنت برّا ... يقل نعم أنا بغّا
من ألّم بشكله تألم، ولا سيما إذا تكلم، ولايته هتكة، وعزله مثل الحج إلى مكة: [الكامل]
أضحى يصول على الفصاح بلثغة ... منهوكة مهتوكة تستعظم

عجبي لهم كيف ارتضوه لمثلنا ... حكما أما سمعوه إذ يتكلم

سكر بخمر الولاية، إنّ في ذلك لآية، فصل الله اتصاله عنّا، وجعل بارز ضميره مستكنّا: [مخلع البسيط]
ولّيتم جاهلا جريّا ... ألثغ بالمسلمين ضاري
مقلقلا من بني رباح ... نحن به من بني خسار [1]
فقولوا له عنّي يا شرّ الحزبين، كم من حيّ قاض في البين وكم تقدم/ في الناس طرف، وكم [2] جاء مثلك ثم انصرف، هذا وقد أعلمتك أني لو رضيت الولاية لتقدمتك: [السريع]
قولوا له عنّي ولا تجزعوا ... من شرّه يا ساخن العين
لو كنت أرضى ما تقلدته ... جلست من فوقك باثنين
كم جراح بلا اجتراح، لقد جئت بغريب في الصحاح: [الوافر]
جرحت الأبرياء فأنت قاض ... على الأعراض بالأغراض ضاري
ألم تعلم بأنّ الله عدل ... ويعلم ما جرحتم بالنهار
ثم من أعظم ذنوبه، وأكبر عيوبه، أن هذا الفرد الظالم، حوله من المغاربة جمع غير سالم، وهم في السر يتوقعون قيام الحرب، ويطمعون أن مصر سيملكها أهل الغرب: [الكامل]
يا أهل مصر أهكذا وليتم ... حلبا لجلف مالكيّ المذهب
من دابه مراهنا أصحابه ... ويقول قد ظهرت جيوش المغرب
لا تكونوا فيه من الممترين، فقد ران على قلبه بحب بني مرّين [3] : [مخلع البسيط]
لقد بلينا بمالكيّ ... يقدح في الترك كلّ حين [4]
صلي في السّرّ وهو يدعو ... لصاحب المغرب المريني
أخبرني بذلك من لا يذكر، وحلف أنّي إن سمّيته أنكر، فاعزلوا عن أعمالكم هذا القرد، وإن غضب فغضب الأسير على القدّ، فانه يميل إلى الزيدية [5] ، ويتذكر الدولة
العبيدية [1] :/ [المجتث]
قال الرّباحيّ سرّا ... مصرا إليها إليها
كنّا بمصر وإنّا ... لعاملون عليها
لا عاش ولا بقي، ولقي من الخيبة ما يتّقي، فهذه الدولة مطاعة، إلى قيام الساعة، على رغم قاض إذا حكم جار، ولو على الجار، وإن غضب أو صال، فرّق الأوصال، عامي طرف، لا شرف له ذكر، ولا ذكر له شرف، يوقع العظيمة، ويعظم الوقيعة، ويشارع الخليفة، ويخالف الشريعة، يدع الإيثار، ويؤثر الدّعة، ويختار المرابع المذهّبة على المذاهب الأربعة، وإن تصعب لمالك، فلحظ نفسه في ذلك: [مجزوء الوافر]
لقد ولّيتم رجلا ... بخفض الناس يرتفع
ففرّق بيننا سفها ... وعند الله نجتمع
ومن أغرب ما يحكي الحاكي، أنه جمع العلماء في يوم باكي، فظنوا جمعهم لوليمة، فاذا هو جمع، فأخرج لهم سوطا مجدولا، يشبه سيفا مسلولا، وشاورهم على إعداده لعقوبة من وقع، فنهوه عن ذلك، وأمروه بالرفق فامتنع، فغادروا من عنده إلى الأوطان، مستعيذين بالله من الشيطان: [الكامل]
سوط يقلّ السيف عند عيانه ... وأراه بعض حوادث الأيام
ينوي به للمسلمين عقوبة ... وكذا تكون موائد الحكّام
فما قولك في طباع، تشبه ضراوة السباع، لا يرضيه إلا الدما، فلولو [2] عنده سما، لولو عارض الكتاب، وهذا يتعرض لجملة الكتّاب، فالحذار الحذار من فعله، والبدار البدار إلى عزله، فكم أرعب وآذى، والقاضي يعزل بدون هذا، نعم يعزل بمجرد الظّنة، فاخرجوا من حلب هذه النار تدخلوا الجنة، لقد غاظني عامي يعلو بنفسه، والعامة عمى، أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ
[3] ، فان شئتم يا نظّام الدولة أن يقوم وزن هذه البلاد، فكونوا في عروض عزله أسبابا [4] تدعو لكم الأوتاد: [المتقارب]

مديد الرحاب سريع الخلاف ... بسيط الجزاف خفيف طويل [1]

على جهله بضروب العروض ... لكل قبيح فعول فعول
فاقصدوا البحر ظلمة المديد جسّا وبترا، وأديروا عليه الدوائر بالفاصلة الكبرى، فقد عاد لباس حلب مخشوشنا، واتخذت نهرها سيفا، وجبلها جوشنا [2] فذبوا عن سهوة [3] الشهباء، ولبّوا فيها دعوة الأولياء، قبل أن ينطوي الجل، ويعقر الكل: [الكامل]
من قبل أن يمسوا ونصف منهم ... في الفاسقين ونصفهم كفّار
حاشاهم من ذا وذا لكنّ من ... عدم الرئاسة قال ما يختار
خذوه فاغسلوه، فانّا نخاف أن يقتلوه، واحسموا مادة هذا الكذاب المبين، إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ
[4] /، كم أسقط شاهدا وعدلا ضابط، فالعالم كلهم عليه ساخط، من كثرة ما يسقط خافت حلب أن يكتب جاحظها بالساقط، فاعتماده اعتماد من عدم الحياء، وسيعدم الحياة، وذم محتده ويده، فلا صلة كتاب الطهارة، ولا لكنه باب المياه، فأقدموا في عرضه وإن كان لا يقدح في زناد، وافصلوه عنا فقد ألبس، والفصل في النحو عماد، والغوا فعله المتعدي بفعلكم اللازم، وسكّنوا حركاته العارضة بدخول الجوازم، واسقطوا هذه الفضلة من البين، وانصبوه على التحذير لا على الإغراء، فشتّان بين النّصبين، وعاملوا هذه اللحنة في النحو بالمنع من التصريف، ونكّروا معرفته بنزع الولاية، فالولاية آلة التعريف [5] واخفضوا هذا العلم المنصوب على الذم، وادخلوا أفعاله الناقصة والمقاربة في باب كان وكاد، واحذفوه فما هو عمدة، ولا أحد ركني الإسناد، واصرفوه عنا فما له على معرفته ووزن فعله دليل، وركبوه من حلب تركيب سيبويه، فهي مدينة الخليل./


الصفدي

قد احتكم إلى يمينه السيف والقلم، وانطوى على نشر العلم والعلم، ونقص عند أقوامه زيد الخيل، وشاب من شجاعته عامر بن الطفيل، وعجز ابن عساكر عن حفظه، وغرق ابن نقطة في بحر لفظه، فهو من المناضلة إلى المفاصلة، ومن تدبير العوالي إلى تسطير الأمالي، ومن جلاد الفوارس إلى جدال المدارس، ومن ظهور السابقة العراب، إلى بطون الناطقة بالصواب عملاً بقول القائل:
أعز مكان في الدنا سرج سابح ... وخير جليس في الزمان كتاب
لأنه نجل والده الذي ما رفعنا راية رأيه في أمر ففسد، وفرع أصله الذي نشأ في خدمتنا الشريفة، والشبل في المخبر مثل الأسد، كم لوالده من يوم حرب أذكر الناس بيوم بدر، وكم له من ليلة علا فيها قدره " وما أدراك ما ليلة القدر ".
وقد اقتضت آراؤنا الشريفة تغيير إقطاعه ليقوى حزبه على الحرب وينتقي من يكون أمامه من أبناء الطعن والضرب، وتمرح به كمت الجياد في الأرسان وتشاهد في مقامات حربه مقاتل الفرسان وينظم في صفاته " صحاح " الجوهري إذا نثر من الدماء " قلائد العقيان "، فالفتوح تيسر للدين القيم بالحتوف، والجنة كمال قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت ظلال السيوف:
وليس لله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد
ودأب في الأصول فما للآمدي في مداه خطوه، ولا لابن خطيب الري ري إذا رقا من المنبر على ذروه.

وأكب على العربية حتى أطار ابن عصفور عن هذا الفن، وغدا الزجاجي يكسر قواريره على ضنه بما ظن. وحضر مآدب الأدب حتى افتقر صاحب الذخيرة وجعل صاحب " القلائد " مع الحصيري على حصيره. وكتب فروض المهارق، وأخمل بخطه الخمائل، وقد أحدقت بها زهر الحدائق. ونظم الشعر الذي ترقرق وانسجم. ولام الناس صاحب " لامية العرب " و" لامية العجم "

تقي السبكي
أما التفسير فيا إمساك ابن عطية، ووقوع الرازي معه في رزية.
وأما القراءات فيا بعد الداني، وبخل السخاوي بإتقان السبع المثاني.
وأما الحديث فيا هزيمة ابن عساكر، وعي الخطيب لما أن يذاكر.
وأما الأصول فيها كلال حد السيف، وعظمة فخر الدين كيف تحيفها الحيف.
وأما الفقه فيا وقوع الجويني في أول مهلك من نهاية المطلب، وجر الرافعي إلى الكسر بعد انتصاب علمه المذهب في المذهب.
وأما المنطق فيا إدبار دبيران وقذى عينه، وانبهار الأبهري وغطاء كشفه، بمينه.
وأما الخلاف فيا نسف جبال النسفي، وعمى العميدي، فإن إرشاده خفي.
وأما النحو فالفارسي ترجل له يطلب إعظامه، والزجاجي تكسر جمعه وما فاز بالسالمة.
وأما اللغة فالجوهري ما لصحاحه قيمة، والأزهري أظلمت لياليه البهيمة.
وأما الأدب فصاحب الذخيرة استعطى، وواضع اليتيمة تركها، وذهب إلى أهل يتمطى.
وأما الحفظ فما سد السلفي خلة ثغره، وكسر قلب الجوزي لما أكل الحزن لبه وخرج من قشره.
هذا إلى إتقان فنون يطول سردها، ويشهد الامتحان أنه في المجموع فردها، واطلاع على معارف أخر، وفوائد متى تكلم فيها قتل بحر زخر، وإذا مشى الناس في رقراق علم كان هو خائض اللجة. وإذا خبط الأنام عشواء سار هو في بياض المحجة.تقي السبكي
أما التفسير فيا إمساك ابن عطية، ووقوع الرازي معه في رزية.
وأما القراءات فيا بعد الداني، وبخل السخاوي بإتقان السبع المثاني.
وأما الحديث فيا هزيمة ابن عساكر، وعي الخطيب لما أن يذاكر.
وأما الأصول فيها كلال حد السيف، وعظمة فخر الدين كيف تحيفها الحيف.
وأما الفقه فيا وقوع الجويني في أول مهلك من نهاية المطلب، وجر الرافعي إلى الكسر بعد انتصاب علمه المذهب في المذهب.
وأما المنطق فيا إدبار دبيران وقذى عينه، وانبهار الأبهري وغطاء كشفه، بمينه.
وأما الخلاف فيا نسف جبال النسفي، وعمى العميدي، فإن إرشاده خفي.
وأما النحو فالفارسي ترجل له يطلب إعظامه، والزجاجي تكسر جمعه وما فاز بالسالمة.
وأما اللغة فالجوهري ما لصحاحه قيمة، والأزهري أظلمت لياليه البهيمة.
وأما الأدب فصاحب الذخيرة استعطى، وواضع اليتيمة تركها، وذهب إلى أهل يتمطى.
وأما الحفظ فما سد السلفي خلة ثغره، وكسر قلب الجوزي لما أكل الحزن لبه وخرج من قشره.
هذا إلى إتقان فنون يطول سردها، ويشهد الامتحان أنه في المجموع فردها، واطلاع على معارف أخر، وفوائد متى تكلم فيها قتل بحر زخر، وإذا مشى الناس في رقراق علم كان هو خائض اللجة. وإذا خبط الأنام عشواء سار هو في بياض المحجة.


مقامات الحريري

الصنعانية
ﺇﻻﻡ ﺗﺴﺘﻤﺮ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﻚ. ﻭﺗﺴﺘﻤﺮﺉ ﻣﺮﻋﻰ ﺑﻐﻴﻚ? ﻭﺣﺘﺎﻡ ﺗﺘﻨﺎﻫﻰ ﻓﻲ ﺯﻫﻮﻙ. ﻭﻻ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻋﻦ ﻟﻬﻮﻙ? ﺗﺒﺎﺭﺯ ﺑﻤﻌﺼﻴﺘﻚ. ﻣﺎﻟﻚ ﻧﺎﺻﻴﺘﻚ! ﻭﺗﺠﺘﺮﺉ ﺑﻘﺒﺢ ﺳﻴﺮﺗﻚ. ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺳﺮﻳﺮﺗﻚ! ﻭﺗﺘﻮﺍﺭﻯ ﻋﻦ ﻗﺮﻳﺒﻚ. ﻭﺃﻧﺖ ﺑﻤﺮﺃﻯ ﺭﻗﻴﺒﻚ! ﻭﺗﺴﺘﺨﻔﻲ ﻣﻦ ﻣﻤﻠﻮﻛﻚ ﻭﻣﺎ ﺗﺨﻔﻰ ﺧﺎﻓﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻴﻜﻚ! ﺃﺗﻈﻦ ﺃﻥ ﺳﺘﻨﻔﻌﻚ ﺣﺎﻟﻚ. ﺇﺫﺍ ﺁﻥ ﺍﺭﺗﺤﺎﻟﻚ? ﺃﻭ ﻳﻨﻘﺬﻙ ﻣﺎﻟﻚ. ﺣﻴﻦ ﺗﻮﺑﻘﻚ ﺃﻋﻤﺎﻟﻚ? ﺃﻭ ﻳﻐﻨﻲ ﻋﻨﻚ ﻧﺪﻣﻚ. ﺇﺫﺍ ﺯﻟﺖ ﻗﺪﻣﻚ? ﺃﻭ ﻳﻌﻄﻒ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻌﺸﺮﻙ. ﻳﻮﻡ ﻳﻀﻤﻚ ﻣﺤﺸﺮﻙ? ﻫﻼ ﺍﻧﺘﻬﺠﺖ ﻣﺤﺠﺔ ﺍﻫﺘﺪﺍﺋﻚ. ﻭﻋﺠﻠﺖ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﺩﺍﺋﻚ. ﻭﻓﻠﻠﺖ ﺷﺒﺎﺓ ﺍﻋﺘﺪﺍﺋﻚ. ﻭﻗﺪﻋﺖ ﻧﻔﺴﻚ ﻓﻬﻲ ﺃﻛﺒﺮ ﺃﻋﺪﺍﺋﻚ? ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺤﻤﺎﻡ ﻣﻴﻌﺎﺩﻙ. ﻓﻤﺎ ﺇﻋﺪﺍﺩﻙ? ﻭﺑﺎﻟﻤﺸﻴﺐ ﺇﻧﺬﺍﺭﻙ. ﻓﻤﺎ ﺃﻋﺬﺍﺭﻙ? ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻠﺤﺪ ﻣﻘﻴﻠﻚ. ﻓﻤﺎ ﻗﻴﻠﻚ? ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺼﻴﺮﻙ. ﻓﻤﻦ ﻧﺼﻴﺮﻙ? ﻃﺎﻟﻤﺎ ﺃﻳﻘﻈﻚ ﺍﻟﺪﻫﺮ ﻓﺘﻨﺎﻋﺴﺖ. ﻭﺟﺬﺑﻚ ﺍﻟﻮﻋﻆ ﻓﺘﻘﺎﻋﺴﺖ! ﻭﺗﺠﻠﺖ ﻟﻚ ﺍﻟﻌﺒﺮ ﻓﺘﻌﺎﻣﻴﺖ. ﻭﺣﺼﺤﺺ ﻟﻚ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﺘﻤﺎﺭﻳﺖ. ﻭﺃﺫﻛﺮﻙ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻓﺘﻨﺎﺳﻴﺖ. ﻭﺃﻣﻜﻨﻚ ﺃﻥ ﺗﺆﺍﺳﻲ ﻓﻤﺎ ﺁﺳﻴﺖ! ﺗﺆﺛﺮ ﻓﻠﺴﺎ ﺗﻮﻋﻴﻪ. ﻋﻠﻰ ﺫﻛﺮ ﺗﻌﻴﻪ. ﻭﺗﺨﺘﺎﺭ ﻗﺼﺮﺍ ﺗﻌﻠﻴﻪ. ﻋﻠﻰ ﺑﺮ ﺗﻮﻟﻴﻪ. ﻭﺗﺮﻏﺐ ﻋﻦ ﻫﺎﺩ ﺗﺴﺘﻬﺪﻳﻪ. ﺍﻟﻰ ﺯﺍﺩ ﺗﺴﺘﻬﺪﻳﻪ. ﻭﺗﻐﻠﺐ ﺣﺐ ﺛﻮﺏ ﺗﺸﺘﻬﻴﻪ. ﻋﻠﻰ ﺛﻮﺍﺏ ﺗﺸﺘﺮﻳﻪ. ﻳﻮﺍﻗﻴﺖ ﺍﻟﺼﻼﺕ. ﺃﻋﻠﻖ ﺑﻘﻠﺒﻚ ﻣﻦ ﻣﻮﺍﻗﻴﺖ ﺍﻟﺼﻼﺓ. ﻭﻣﻐﺎﻻﺓ ﺍﻟﺼﺪﻗﺎﺕ. ﺁﺛﺮ ﻋﻨﺪﻙ ﻣﻦ ﻣﻮﺍﻻﺓ ﺍﻟﺼﺪﻗﺎﺕ. ﻭﺻﺤﺎﻑ ﺍﻷﻟﻮﺍﻥ. ﺃﺷﻬﻰ ﺇﻟﻴﻚ ﻣﻦ ﺻﺤﺎﺋﻒ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ. ﻭﺩﻋﺎﺑﺔ ﺍﻷﻗﺮﺍﻥ. ﺁﻧﺲ ﻟﻚ ﻣﻦ ﺗﻼﻭﺓ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ! ﺗﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﻌﺮﻑ ﻭﺗﻨﺘﻬﻚ ﺣﻤﺎﻩ. ﻭﺗﺤﻤﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﻜﺮ ﻭﻻ ﺗﺘﺤﺎﻣﺎﻩ! ﻭﺗﺰﺣﺰﺡ ﻋﻦ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﺛﻢ ﺗﻐﺸﺎﻩ. ﻭﺗﺨﺸﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺃﺣﻖ ﺃﻥ ﺗﺨﺸﺎﻩ

الدمياطية

أرْعَى الجارَ. ولوْ جارَ. وأبذُلُ الوِصالَ. لمَنْ صالَ. وأحْتَمِلُ الخَليطَ. ولوْ أبْدى التّخليطَ. وأودّ الحَميمَ. ولو جرّعَني الحَميمَ. وأفضّلُ الشّفيقَ. على الشّقيقِ. وأفي للعَشيرِ. وإنْ لمْ يُكافئْ بالعَشيرِ. وأستَقِلّ الجَزيلَ. للنّزيلِ. وأغمُرُ الزّميلَ. بالجميلِ. وأنزّلُ سَميري. منزِلَةَ أميري. وأُحِلّ أنيسي. محَلّ رَئيسي. وأُودِعُ مَعارِفي. عَوارِفي. وأُولي مُرافِقي. مَرافقي. وأُلينُ مَقالي. للقالي. وأُديم تَسْآلي. عنِ السّالي. وأرْضى منَ الوَفاء. باللَّفاء. وأقْنَعُ منَ الَجزاء. بأقَلّ الأجزاء. ولا أتظلّمُ. حينَ أُظلَمُ. ولا أنْقَمُ. ولو لدَغَني الأرقَمُ. فقال لهُ صاحبُه: ويْكَ يا بُنيّ إنّما يُضَنّ بالضّنينِ.

ويُنافَسُ في الثّمينِ. لكِنْ أنا لا آتي. غيرَ المُؤاتي. ولا أسِمْ العاتي. بمُراعاتي. ولا أُصافي. مَنْ يأبى إنْصافي. ولا أُواخي. مَنْ يُلْغي الأواخي. ولا أُمالي. مَنْ يُخيّبُ آمالي. ولا أُبالي بمَنْ صرَمَ حِبالي. ولا أُداري. مَنْ جهِلَ مِقداري. ولا أُعطي زِمامي. مَنْ يُخْفِرُ ذِمامي. ولا أبْذُلُ وِدادي. لأضْدادي. ولا أدَعُ إيعادي. للمُعادي. ولا أغرِسُ الأيادي. في أرضِ الأعادي. ولا أسمَحُ بمُواساتي. لمَنْ يفْرَحُ بمَساءاتي. ولا أرى التِفاتي. الى مَن يشْمَتُ بوَفاتي. ولا أخُصّ بحِبائي. إلا أحبّائي. ولا أستَطِبّ لدائي. غيرَ أوِدّائي. ولا أمَلِّكُ خُلّتي. مَنْ لا يسُدّ خَلّتي. ولا أصَفّي نيّتي. لمَنْ يتمنّي منيّتي. ولا أُخْلِصُ دُعائي. لمَنْ لا يُفعِمُ وِعائي. ولا أُفرِغُ ثَنائي. على مَنْ


يفْرغُ إنائي. ومنْ حكمَ بأنْ أبذُلَ وتخْزُنَ. وألينَ وتخْشُنَ. وأذوبَ وتجْمُدَ. وأذْكو وتخْمُدَ؟ لا واللهِ بلْ نتَوازَنُ في المَقالِ. وزْنَ المِثْقالِ. ونَتحاذَى في الفِعالِ. حذْوَ النّعالِ. حتى نأَنَ التّغابُنَ. ونُكْفى التّضاغُنَ. وإلا فلِمَ أعُلّكَ وتُعلّني. وأُقلّكَ وتستَقلّني. وأجتَرِحُ لكَ وتجرَحُني. وأسْرَحُ إليْكَ وتُسرّحُني؟ وكيف يُجْتَلَبُ إنْصافٌ بضَيْمٍ. وأنّى تُشرِقُ شمْسٌ معَ غيْمٍ؟ ومتى أُصْحِبَ وُدٌ بعَسْفٍ. وأيّ حُرّ رضيَ بخُطّةِ خسْفٍ


الساوية

ما لكُمْ لا يَحْزُنُكمْ دفْنُ الأتْرابِ. ولا يهولُكُمْ هيْلُ التّرابِ؟ ولا تعْبأونَ بنَوازِلِ الأحْداثِ. ولا تستَعِدّونَ لنُزولِ الأجْداثِ؟ ولا تستعْبِرونَ لعَينٍ تدْمَعُ. ولا تعتَبرونَ بنَعْيٍ يُسمَعُ؟ ولا ترْتاعونَ لإلْفٍ
يُفقَدُ. ولا تلْتاعونَ لمناحَةٍ تُعْقَدُ؟ يشيِّعُ أحدُكُمْ نعْشَ الميْتِ. وقلْبُهُ تِلْقاءَ البيتِ. ويشهَدُ مُواراةَ نسيبِه. وفِكْرُهُ في استِخْلاصِ نصيبِه. ويُخَلّي بينَ وَدودِه ودُودِه. ثمّ يخْلو بمِزْمارِهِ وعودِهِ. طالَما أسِيتُمْ على انْثِلامِ الحَبّةِ. وتناسَيتُمُ اخْتِرامَ الأحبّةِ. واستَكَنْتُمْ لاعتِراضِ العُسرةِ. واستَهَنْتُمْ بانقِراضِ الأُسرَةِ. وضحِكْتُمْ عندَ الدّفْنِ. ولا ضحِكَكُمْ ساعةَ الزَّفْنِ. وتبخْتَرْتُمْ خلفَ الجنائِزِ. ولا تبخْتُرَكُمْ يومَ قبْضِ الجوائِزِ. وأعْرَضْتُمْ عنْ تعْديدِ النّوادِبِ. الى إعْدادِ المآدِبِ. وعنْ تحرُّقِ الثّواكِلِ. الى التّأنُّقِ في المآكِلِ. لا تُبالونَ بمَنْ هوَ بالٍ. ولا تُخْطِرونَ ذِكرَ الموتِ ببالٍ. حتى كأنّكُمْ قد علِقتُمْ منَ الحِمامِ. بذِمامٍ. أو حصَلْتُمْ منَ الزّمانِ.
على أمانٍ. أو وثِقْتُمْ بسلامةِ الذّاتِ. أو تحقّقْتُمْ مُسالَمَة هادِمِ اللّذّاتِ. كَلاّ ساء ما تتوهّمونَ. ثمّ كلاّ سوفَ تعلَمونَ!

الدمشقية

اللهُمّ يا مُحْيي الرُفاتِ. ويا دافِعَ الآفاتِ. ويا واقيَ المخافاتِ. ويا كريمَ المُكافاةِ. ويا موئِلَ العُفاةِ. ويا وليّ العفْوِ والمُعافاةِ. صلّ على محمّدٍ خاتِمِ أنبِيائِكَ. ومبلِّغ أنبائِكَ. وعلى مصابيحِ أسرتِه. ومفاتيحِ نُصرتِه. وأعِذْني منْ نزَغاتِ الشياطينِ. ونَزواتِ السّلاطينِ. وإعْناتِ الباغينَ. ومُعاناةِ الطّاغينَ. ومُعاداةِ العادينَ. وعُدْوانِ
المُعادينَ. وغلَبِ الغالِبينَ. وسلَبِ السّالِبينَ. وحِيَلِ المُحْتالينَ. وغِيَلِ المُغْتالينَ. وأجِرْني اللهُمّ منْ جَوْرِ المُجاوِرينَ. ومُجاوَرَةِ الجائِرينَ. وكُفّ عني أكُفّ الضّائِمِينَ. وأخرِجْني منْ ظُلُماتِ الظّالمينَ. وأدْخِلْني برحْمَتِكَ في عِبادِكَ الصّالِحينَ. اللهُمّ حُطْني في تُرْبَتي. وغُرْبَتي. وغيْبَتي. وأوبَتي. ونُجْعَتي. ورجْعَتي. وتصرُّفي. ومُنصَرَفي. وتقلّبي. ومُنقلَبي. واحْفَظْني في نفْسي. ونفائِسي. وعِرْضي. وعرَضي. وعدَدي. وعُدَدي. وسكَني. ومسْكَني. وحَوْلي. وحالي. وملي. ومآلي. ولا تُلحِقْ بي تغييراً. ولا تُسلّطْ عليّ مُغيراً. واجْعَلْ لي منْ لدُنْكَ سُلطاناً نَصيراً. اللهُمّ احرُسْني بعينِك.
وعونِكَ. واخْصُصْني بأمنِكَ. ومنّكَ. وتولّني باختِيارِكَ وخيرِكَ. ولا تكِلْني الى كِلاءَةِ غيرِك.
وهَبْ لي عافيَةً غيرَ عافِيَةٍ. وارْزُقْني رَفاهيَةً غيرَ واهيَةٍ. واكْفِني مَخاشيَ اللأوَاء. واكْنُفْني بغواشي الآلاء. ولا تُظْفِرْ بي أظفارَ الأعْداء. إنّك سميعُ الدُعاء. ثمّ أطرَقَ لا يُديرُ لحْظاً. ولا يُحيرُ لفْظاً. حتى قُلْنا: قد أبلَسَتْهُ خشيةٌ. أو أخرَسَتْهُ غشيَةٌ. ثمّ أقنعَ رأسَهُ. وصعّدَ أنفاسَهُ. وقال: أُقسِمُ بالسّماء ذاتِ الأبراجِ. والأرضِ ذاتِ الفِجاجِ. والماءِ الثَّجّاجِ. والسّراجِ الوهّاجِ. والبحْرِ العجّاجِ. والهواءِ والعَجاجِ. إنّها لَمِنْ أيمَنِ العُوَذِ. وأغْنى عنكُمْ منْ لابِسي الخُوَذِ. مَنْ درَسها عندَ ابتِسامِ الفلَقِ. لم يُشفِقْ منْ خطْبٍ الى الشّفَقِ. ومنْ ناجَى بها طَليعَةَ الغسَقِ. أمِنَ ليلَتَهُ منَ السّرَقِ.

التبريزية

فقالَ أبو زيدٍ: إنها ومُرسِلِ الرّياحِ. لأكْذَبُ منْ سَجاحِ! فقالتْ: بل هوَ ومَنْ طوّقَ الحَمامَةَ. وجنّحَ النّعامَةَ. لأكْذَبُ من أبي ثُمامَةَ. حينَ مَخْرَقَ باليَمامَةِ. فزفَرَ أبو زيدٍ زَفيرَ الشُّواظِ. واسْتَشاطَ استِشاطَةَ المُغْتاظِ. وقال لها: ويْلَكِ يا دَفارِ يا فَجارِ. يا غُصّةَ البعْلِ والجارِ! أتَعْمِدينَ في الخَلوَةِ لتَعْذيبي. وتُبدينَ في الحَفلَةِ تكْذيبي؟ وقد علِمْتِ أني حينَ بنَيتُ عليْكِ. ورنَوْتُ إليْكِ. ألفَيتُكِ أقْبَحَ من قِرْدَةٍ. وأيْبَسَ منْ قِدّةٍ. وأخشَنَ من لِيفَةٍ. وأنْتَنَ منْ جيفَةٍ. وأثقَلَ منْ هَيضَةٍ. وأقذَرَ منْ حيضَةٍ. وأبرَزَ من قِشرَةٍ. وأبْرَدَ من قِرّةٍ. وأحمَقَ من رِجلَةٍ. وأوسَعَ منْ دِجلَةَ! فستَرْتُ عَوارَكِ. ولمْ أُبْدِ عارَكِ. على أنهُ لوْ حبَتْكِ
شيرينُ بجَمالِها. وزُبَيدَةُ بمالِها. وبِلْقيسُ بعَرْشِها. وبُورانُ بفَرْشِها. والزّبّاء بمُلْكِها. ورابِعَةُ بنُسكِها. وخِندِفُ بفَخْرِها. والخنْساءُ بشِعْرِها في صخرِها. لأنِفْتُ أن تكوني قَعيدَةَ رَحْلي. وطَروقَةَ فحْلي! قال: فتذمّرَتِ المرأةُ وتنمّرَتْ. وحسَرَتْ عنْ ساعِدِها وشمّرَتْ. وقالتْ لهُ: يا ألأمَ منْ مادِرٍ. وأشْأمَ منْ قاشِرٍ. وأجْبَنَ منْ صافِرٍ. وأطْيَشَ منْ طامِرٍ! أتَرْميني بشَنارِكَ. وتَفْري
عِرْضي بشِفارِكَ؟ وأنتَ تعْلَمُ أنكَ أحقَرُ منْ قُلامَةٍ. وأعْيَبُ منْ بَغْلةِ أبي دُلامَةَ. وأفضَحُ منْ حَبْقَةٍ. في حلْقَةٍ. وأحْيَرُ منْ بَقّةٍ. في حُقّةٍ! وهَبْكَ الحَسَنَ في وعْظِهِ ولفْظِهِ. والشّعْبيَّ في عِلْمِهِ وحِفْظِهِ. والخَليلَ في عَروضِهِ ونحوِهِ. وجَريراً في غزَلِهِ وهجْوِهِ. وقُسّاً
في فَصاحَتِهِ وخِطابَتِهِ. وعبْدَ الحَميدِ في بَلاغَتِهِ وكِتابَتِهِ. وأبا عَمْرٍو في قِراءتِهِ وإعْرابِهِ. وابنَ قُرَيبٍ في رِوايَتِهِ عنْ أعْرابِهِ. أتظُنّني أرْضاكَ إماماً لمِحْرابي. وحُساماً لقِرابي؟ لا واللهِ ولا بَوّاباً لِبابي. ولا عَصاً لجِرابي! فقالَ لهُما القاضي: أراكُما شَنّاً وطَبقةَ. وحِدَأةً وبُندُقَةً

القهقرية

الإنسانُ. صَنيعةُ الإحسانِ. وربُّ الجَميلِ. فِعْلُ النّدْبِ. وشيمَةُ الحُرّ. ذخيرَةُ الحمْدِ. وكسْبُ الشُكْرِ. استِثْمارُ السّعادةِ. وعُنوانُ الكرَمِ. تباشيرُ البِشْرِ. واستِعْمالُ المُداراةِ يوجِبُ المُصافاةَ. وعقْدُ المحبّةِ يقتَضي النُصْحَ. وصِدْقُ الحديثِ. حِليةُ اللّسانِ. وفصاحَةُ المنطِقِ. سحرُ الألْبابِ.
وشرَكُ الهوى. آفَةُ النّفوسِ. وملَلُ الخلائقِ. شَينُ الخلائقِ. وسوءُ الطّمعِ. يُبايِنُ الورَعَ. والتِزامُ الحَزامَةِ. زِمامُ السّلامَةِ. وتطلُّبُ المثالِبِ. شرُّ المَعايِبِ. وتتبُّعُ العثَراتِ. يُدْحِضُ المودّاتِ. وخُلوصُ النيّةِ. خُلاصةُ العطيّةِ. وتهنئةُ النّوالِ. ثمَنُ السّؤالِ. وتكلُّفُ الكُلَفِ. يسهِّلُ الخَلَفَ. وتيقُّنُ المَعونَةِ. يُسَنّي المؤونَةَ. وفضْلُ الصّدْرِ. سعَةُ الصّدرِ. وزينَةُ الرُعاةِ. مقْتُ السُعاةِ. وجَزاءُ المدائِحِ. بثُّ المَنائِحِ. ومهْرُ الوسائِلِ. تشفيعُ المسائِلِ. ومجلَبَةُ الغَوايةِ. استِغْراقُ الغايةِ. وتجاوزُ الحدّ. يُكِلّ الحدَّ.


الرسالة الجدية ابن زيدون

(( يامولاي وسيدي الذي ودادي له ، واعتمادي عليه ، واعتدادي به ، ومن أبقاه الله تعالى ماضي حد العزم ، واري زند الأمل ، ثابت عهد النعمة . إن سلبتني أعزك الله لباس إنعامك ، وعطلتني من حُلي إيناسك ، وأضمأتني إلى برود إسعافك ، نفضت بي كف حِياطتك ، وغضضت عني طرف حمايتك ؛ بعد أن نظر الأعمى إلى تأملي لك ، وسمع الأصم ثنائي عليك ، وأحس الجمادُ بإستِحمادي إليك ؛ فلا غرو ، وقد يغص بالماء شاربه ، ويقتل الدواء المستشفي به ، ويؤتى الحذِر من مأمنِه ، وتكون منيتهُ المتمنى في أُمنِيته ، والحينُ قد يسبق حِرص الحريص .
كلُ المصائب قد تمر على الفتى وتـهونُ غيرَ شمـــاتـةِ الأعداءِ
وإني لأتجلد ؛ وأري الشامتين أني لريب الدهر لا أتضعضع ؛ فأقول : هل أنا إلا يدٌ أدماها
سِوارها ، وجبينٌ عض به إكليله ، ومشرفيٌ ألصقه بالأرضِ صاقله ،
وسمهريٌ عرضه على النارِ مثقفه ، وعبدٌ ذهببه سيده مذهب الذي يقول :
فقسا ليزدجروا ومن يكُ حازماً فليقسُ أحيــاناً على من يرحمُ
هذا العتب محمود عواقبه ، وهذه النبوة غَمرةٌ ثم تنجلي ، وهذه النكبة سحابةٌ صيفٍ عن قليلٍ تنقشع . ولن يريبني من سيدي أن أبطأ سيبُه ، أو تأخر غيرَ ضنين غَناؤه ، فأبطأُ الدلاءِ فَيضاً أملَؤُها ، وأثقلُ السحاب مَشياً أحفُلها ، وأنفعُ الحيا ما صادف جَدبا ، وألذُ الشراب ما أصابَ غَلِيلا ، ومع اليومِ غَدٌ ، ولكلِ أجلٍ كتاب ؛ له الحمدُ على اهتبالِه ، ولا عَتبَ عليه في إغفالِه .
فإن يَكُنِ الفِعلُ الذي ساءَ واحداً فأفعـالُه اللاتي سَرَرن أُلُـــوفُ
وأعود فأقول : ما هذا الذنب الذي لم يسعه عفوُك ، والجهلُ الذي لم يأتِ مِن ورائِه حِلمُك ، والتطاوُل الذي لم يستغرقه تَطوُلُك ، والتحامُل الذي لم يَفِ به احتِمالُك ؛
ولا أخلو من أن أكونَ بريئاً فأين العدل ! أو مُسِيئاً فأين الفضل ؟!
إلا يَكن ذنبٌ فَعَدلُكَ واسعٌ أوكانَ لي ذنبٌ ففضلُك أوسعُ
حَنَانيَك ! قد بَلغ السيلُ الزُّبىَ ، ونالني ماحَسبي به وكَفَى . وما أراني إلا لو أني أُمرت بالسجود لآدمَ فأبيت واستكبرت ، وقال لي نوح : ( اركب مَعَنا ) ، فقلتُ: ( سَآوِي إلى جَبَلٍ يَعصِمُني مِن الماءِ ) ، وأمرت بِبناء صَرحِ لعلي أطَّلِعُ إلى إلهِ مُوسى ، وعكفتُ على العِجل، واعتديتُ في السبت ، وتَعاطيت فَعقَرت ، وشربت من النَّهر الذي ابتُلي به جُيوشُ طالوت ، وقُدتُ الفِيلَ لأبرهَة ، وعاهدت قُريشاً على ما في الصَّحيفة ، وتأولتُ في بَيعَة العقَبة ، ونفرتُ إلى العِير ببَدر ، وانصرفت بُثُلث النّاس يومَ أُحُد ، وتخلفتُ عن صَلاة العَصر في بني قُريظة ، وجئتُ بالإفك على عائِشةَ الصِّدِّيقة ، وأَنِفتُ من إمارة أُسامة ، وزَعمتُ أن بيعَةَ أبى بَكر كانت فلتةً ، ومِن أدلة القُرآنِ عَلى خِلافةِ أبى بكرٍ ، ورَويتُ رُمحِي مِن كتِيبةِ خَالِد ، ومزقتُ الأدِيم الذي باركت يدُ الله عليه ، وضَحّيت بالأشمط الذي عُنوانُ السُّجودِ به ، وبذلت لقَطام :
ثلاثةَ آلافِ وعَبـــداً وقينةً وضَربَ عليٍّ بالحُسامِ المسممِ وكتبتُ إلى عمر بنِ سعد : أن جَعجِع بالحُسين ، وتمثلت عندما بلغني من وقعة الحَرة :
لَيتَ أشياخِي ببَدرٍ عَلِمُوا جَزَع الخَزرَج مِن وَقع الأَسَل
ورجمتُ الكعبة ، وصلبتُ العائِذَ على الثَّنِية – لكان فيما جَرى علىَّ ما يحتمل أن يسمى نَكالاً ، ويدعَى ولو عَلَى المَجازِ عِقاباً .
وحَسبُكَ من حادِثٍ بامرِئٍ تَرَى حاسِدِيـه له راحِمِينا
فكيفَ ولا ذنبَ إلا نمِيمَةٌ أهداها كاشحٌ ، ونبأ جاءَ به فاسِق ، وهم الهمازون المشاءون بِنَميم ،
والواشُون الذين لا يلبثون أن يَصدعُوا العَصا ، والغُواةُ الذين لا يَتركون أدِيماً صحيحاً ، والسُّعاةُ الذين ذكَرهم الأحنفُ بنُ قيس ، فقال : ماظَنُّك بقومٍ الصِّدقُ محمودٌ إلا منهم ! حلَفتُ فلَم أترُك لنفسِكَ رِيبةً وليسَ وراءَ اللهِ للمرءِ مّذهَـــبُ
... ولا أزمعتُ مع ضمانٍ تكلفت به الثقة عنك ، وعهدٍ أخَذَه حُسنُ الظن عليك ؛ ففيم عَبِث الجفاء بِأزمتي ، وعاثَ العُقوقُ في مَواتي ، وتمكنَ الضَّياع من رسائلي ! ولِمَ ضاقت مذاهِبي وأكْدَت مَطالِبي ؟ وعلامَ رضيتُ من المركَب بالتعليق ، بل من الغنِيمة بالإياب ! وأَنَّي غَلَبَني المغلب ، وفَخَر علىَّ العاجزُ الضعيف ، ولطمتني غيرُ ذاتِ سِوار ! ومالَكَ لم تَمنَع مني قَبلَ أن أُفتَرَس ، وتُدركَني ولمّا أُمَزق ؟ أم كيف لا تتضرم جَوانحُ الأكفاء حَسداً لي على الخُصوصِ بك ،
وتتقطع أنفاسُ النُّظَراء مُنافَسةٌ في الكَرامة عليك ، وقد زانني اسمُ خِدمَك
وزهاني وَسمُ نِعمتك ، وأبلَيتُ البَلاء الجميلَ في سِماطِك ، وقُمتُ المَقام المحمودَ على بِساطِك .
أَلستُ المُوالي فيكَ غرَّ قصائدٍ هيَ الأنجُم افتادَت مع الليل أنجُمَا
ثنــــــــــــاءً يُظنُ الروضُ منـه منـــــوّراً ضُحى، ويُخال ُالوَشي فيــــــــه مُنمنَمَا
وهل لَبِس الصبَاحُ إلا بُرداً طرزتُهُ بفضائِلِك ، وتفلدَتِ الجوزاءُ إلا عِقداً فصلتُهُ بمآثِرِك ، واستملى الربيع إلا ثناءً ملأتهُ من مَحاسِنِك ، وبَث المِسكُ إلا حديثاً أذعتُه في َحامِدك ! وما يوم حَليمةَ بِسر . وإن كنتُ لم أكسُك سَليباً ، ولا حَليتك عطلاً ، ولا وسمتك غفلاً ؛ بل وجدتُ آخراً وجِصاً فبنيت ، ومكانَ القول ذا سَعةٍ فقُلت : حاشا لكَ أن أعَد من العاملةِ النّاصِبة ، وأكونَ كالذُّلة المنصوبةِ تُضيءُ للنّاس وهي تحترق ! فلك المَثَل الأعلى ، وهو بكَ – وبي فيكَ – أولى . ولَعَمرُكَ مَاجَهِلتُ أن صَريحَ الرأيِ لأن أتحولَ إذ بلغتني الشمس ، وأنا ببابي المَنزل ، وأصفح عن المطامع
التي تُقطع أعناقَ الرجال ، فلا استوطيء العَجز ، ولا أطمئن إلى الغُرور ؛ ومن الأمثال المضروبة : خامري أمّ عامر ؛وإني مع المعرفة أنّ الجلأ سِباء ، والنُّقلةَ مُثلة .
ومَن يَغتَرِب عن قَومِه لَم يَزَل يَرَى مَصارعَ مَظلــومٍ ومَجَـــــــرًى ومَسحَباً
وتُدفَن منه الصّالحاتُ وإنْ يُسيءْ يكنْ ما أساء النَّار في رأسِ كَبكَبا
وإني مع المعرفة بأن الجلاء سباء ، والنقلة مثلة ، لعارفٌ بأنّ الأدب الوطنُ الذي لا يُخشى فِراقه ، والخليط الذي لا يُتوقع زيالُه ، والنَّسِيب الذي لا يُجفى ، والجمالَ الذي لا يخفى . ثم ما قِرانُ السعد للكواكب أَبهَى أثرا ، ولا أَسنَى خَطَرا ، من اقتران غني النّفس به ، وانتظامها معه ؛ فإنّ الحائزَ لهما ، الضاربَ بسَهمٍ فيها وقليلٌ ما هُم أينما تَوَجه وَرَدَ مَنهَلَ بِر ، وحَطَّ في جَناب قَبول ، وضوحِك قبلَ إنزالِ رحلهِ ، وأعطىَ حُكم الصِّبىِّ على أهله .
فقبل له : أهلاً وسَهلاً ومَرحباً فهذا مَبِيتٌ صالحٌ ومَقِيـــلُ
غير أن الوطن محبوب ، والمنشأ مألوف ، واللبيب يحِن إلى وَطَنِه ، حَنينَ النّجِيبِ إلى عَطنَه ، والكريمَ لا يجفُو أرضاً فيها قَوابلُه ، ولا ينسى بَلَداً فيها مَراضعُهُ قال الأول :
أحَبُ بلادِ الله ما بين مَنعـجٍ إلىَّ وسَلمىَ أن يَصُوبَ سَحابُها
بلادٌ بها عَق الشبابُ تَمائِمي وأولُ أرضٍ مَسَّ مَنَّجِلدِي تُرابُها
هذا إلى مُغالاتي لفقد جِوارك ، ومُنافستي بلَحظةٍ مِن قُربك ، واعتقادي أن الطمع في غيرك طَبَع ، والغنى من سواك عناءٌ وكُلُ الصيد في جوف الفراء ، والبَذل منك أعور ، والعِوَض صفاء .
وإذا نظرتُ إلى أميري زادَني ضَنَّاً به نَظَري إلى الأمَــراءِ
وفي كل شجرةٍ نار ، واستجمد المرخُ والعَفَار ، فما هذه البَراءة ممن يتولاك ، والميل عمن يميل عنك ! وهلاَ كان هواكَ فيمن هَواهُ فيك ؟ ، ورِضاكَ لمن رضاه لك ؟!
يا من يَعِزُ علينا أن نُفارقهم وجداننا كل شيء بَعدكُم عَدَمُ
أُعيذُك ونفسي من أن أَشيم خلَّبا ، وأَستمطر جَهاماً ، وأكدِم في غير مَكدَم ، وأشكو شَكوَى الجَريح إلى العِقبان والرخَم ؛ فما أبسستُ لكَ إلا لتدر ، وحركتُ لك الحِوار إلا لتحن ، ونبهتُك إلا لِأَنام ، وسريتُ إليكَ إلا لأحمدَ السُّرى لديك . وإنكَ إن شئتَ عَقد أمرٍ تيسر ، ومتى أعذَرتَ في فَكِّ أسرِي لم يتعذر ، وعِلمُك محيطٌ بأن المعروفَ ثَمَرة والنِّعمةَ ، والشفاعة زَكاةُ للمروءة ، وفضلَ الجاهِ – تَعودُ - به صَدَقة .
وإذا امرُؤٌ أهَدى إليكَ صَنِيعةً مِن جاهِه فكأنـها مِن مالِــــه
لعلي أن ألقي العَصا بذراك ، ويستقر بي النّوى في ظِلك ، وأَستأنف التأدبَ بأدبِك والاحتمالَ على مَذهَبك ، فلا أُوجِد للحاسِد مَجالَ لحَظَة من هذه الشكوى ، بصنيعةٍ تُصيبُ منها مكانَ المَصنع ، وتستودِعها أحفَظَ مُستودَع ، حَسبما أنت خَلقٌ له ، وأنا منك حَرِىٌ به ؛ وذلك بيدِه ، وَهّينٌ عليه . ولمّا توالت غُرَرُ هذا النثر واتسقت دُررُه ، فَهز عِطفَ غُلوائه ، وجر ذيل خُيلائِه ، عارضَه بالنظم مُباهِياً ؛ بل كايَدَه مُداهياً ، حين أشفق أن يستعطِفك استعطافهُ ، وتميلَ بنفسك ألطافُه ، فاستحسن العائدَةَ منه ، واعتد بالفائدة له ، فمازال يستكدُ الذِّهنَ العليل ، والخاطرَ الكَلِيل ، حتى زَف إليك عَروساً مجلوّةً في أثوابها ، منصوصةً بِحَليِها ومَلابسِها ، وهي :
الهوَى في طلوعِ تلك النّجـومِ والمُنَى في هُبـــوبِ ذاكَ النَّسيـمِ
سَرنا عَيشنا الرفيـــــقُ الحَـــواشي لو يَـومُ السُّـرورُ للمستــــــــدِيـمِ
وَطَرٌ ما انـقضَى إلى أن تقــضى زمنٌ ما ذمـامُـه بالـذَّمـيــمِ
إذ ختـامُ الرِّضا المسوغ مِسـكٌ ومِزاجُ الـوِصال من تَـسـنيــمِ
وعَريضِ الدلال غَص جَنَى الصب وَة نشـوانَ من سُـلافِ النَّعيــمِ
طالما نـافر الهَوَى منـــه عِـزٌ لم يَطُل عَهــدُ جِيـدِه بالتّمـيـمِ
زارَ مستخِفياً ، وهيهاتَ أن يخـفى في سَنَـــا البدرِ في الظلام البَهـيمِ
فوَشَى الحَلىُ إذ مَشى ، وهفَا الطَيـ بُ إلى حُسنِ كـاشحٍ بالنميـــمِ
إلى أن قال :
وثنـاء أرسلتُـه سلوة الظـا عِنِ عن شوقـه ولهو المُقيـمِ
وودادٌ يُغيـرُ الـدهر ما شـا ءَ ، ويَبقى بقَاءَ عهدِ الكَريمِ
فهو رَيحانة الجَليـس ولا فَخـ رَ ، ومنه مِزاجُ كـأسِ النَّديمِ
لَم تَزَلْ مُغِياً على هَفوة الجـانِي مُصيخاً إلى اعتذارِ المُليــمِ
ومتى نبدأ الصِّنيعةـَ يُوليــ ـكَ تمـامُ الخِصالٍ بالتتميمِ
ها كَها أعزَّك اللهُ يَبسطها الأمَل ، ويَقبِضها الخَجَل ، لها ذَنْب التقصير ، وحُرمة الإخلاص ، فهَبْ ذَنباً لحُرمة ، واشفَع نعمةً بنِعمة ؛ ليتأتى لك الإحسانُ مِن جهاتِه ،وتَسُلك إلى الفضلِ طُرُقاتِه ؛ إن شاء الله تعالى )).
حسبي فقد بعدت في الغي أشواطي ... وطال في اللهو إيغالي وإفراطي
أنفقت في اللهو عمري غير متعظ ... وجدت فيه بوفري غيرمحتاط
فكيف أخلص من بحر الذنوب وقد ... غرقت فيه على بعد من الشاطئ
يا رب مالي ما أرجو رضاك به ... إلا اعترافي بأني المذنب الخاطي

الرسالة الهزلية

أما بعد ، أيها المصاب بعقله ، المورط بجهله ، البين سقطه ، الفاحش غلطه ، العاثر في ذيل اغتراره ، الاعمى عن شمس نهاره ،الساقط سقوط الذباب على الشراب ، المتهافت تهافت الفراش في الشهاب ، فان العجب أكبر ، ومعرفة المرء نفسه اصوب ، وانك راسلتني مستهديا من صلتي ما صفرت منه ايدي أمثالك ، متصديا من خلّتي ما قُرعت دونه أنوف أشكالك ، مرسلا خليلتك مرتادة ، مستعملا عشيقتك قوادة ، كاذبا نفسك انك ستنزل عنها الي ، وتخلف بعدها علي
ولست بأول ذي همة ** دعته لما ليس بالنائل
ولا شك أنها قلتك اذ لم تضن بك، وملتك اذ لم تغر عليك ، فإنها اعذرت في السفارة لك ، وما قصرت في النيابة عنك ، زاعمة ان المروءة لفظ انت معناه ، والانسانية اسم انت جسمه وهيولاه ، قاطعة انك انفردت بالجمال ، واستاثرت بالكمال ، واستعليت في مراتب الجلال ، واستوليت على محاسن الخلال ، حتى خلت ان يوسف ـ عليه السلام ـ حاسنك فغضضت منه ، وان امراة العزيز رأتك فسلت عنه ، وأن قارون أصاب بعض ما كنزت ، والنّطِفَ عثر على فضل ما ركزت ، وكسرى حمل غاشيتك ، وقيصر رعى ماشيتك ، والسكندر قتل دارا في طاعتك ، وأردشير جاهد ملوك الطوائف لخروجهم عن جماعتك ، والضحاك استدعى مسالمتك ، وجذيمة الابرش تمنى منادمتك ، وشيرين قد نافست بوران فيك ، وبلقيس غايرت الزباء عليك ، وان مالك بن نويرة انما ردف لك ، وعروة بن جعفر إنما رحل اليك ، وكليب بن ربيعة انما حمى المرعى بعزتك ، وجساسا انما قتله بانفتك ، ومهلهلا انما طلب ثأره بهمتك ، والسموءل انما وفى عن عهدك ، والاحنف انما احتبى في بردك ، وحاتما انما جاد بوفرك ، ولقى الاضياف ببشرك ، وزيد بن مهلهل انما ركب بفخذيك ، والسليك ابن السلكه انما عدا على رجليك ، وعامر بن مالك انما لاعب الاسنة بيديك ، وقيس بن زهير انما استعان بدهائك ، واياس بن معاوية انمآستضاء بمصباح ذكائك ، وسحبان انما تكلم بلسانك ، وعمرو بن الاهتم انما سحر ببيانك ، وان الصلح بين بكر وتغلب تم برسالتك ، والحمالات بين عبس وذبيان اسندت الى كفالتك ، وان احتال هرم بن سنان لعلقمة وعامر حتى رضيا كان عن اشارتك، وجوابه لعمر ـ وقد سأله عن ايهما كان ينفر ـ وقع عن ارادتك ، وان الحجاج تقلد ولاية العراق بجدك ، وقتيبة فتح ما وراء النهر بسعدك ، والمهلب اوهن شوكة الازارقة بأيدك ، وفرق ذات بينهم بكيدك ، وأن هرمس اعطي بلينوس ما اخذ منك ، وافلاطون اورد على ارسطاطاليس ما نقل عنك ، وبطليموس سوى الاسطرلاب بتدبيرك ، وصور الكرة على تقديرك ، وبقراط علم العلل والمراض بلط حسك ، وجالينوس عرف طبائع الحشائش بدقة حدسك ، وكلاهما قلدك في العلاج ، وسألك عن المزاج ، واستوصفك تركيب الاعضاء ، واستشارك في الداء والدواء ، وانك نهجت لابي معشر طريق القضاء ، وأظهرت جابربن حيان على سر الكيمياء ، وأعطيت النظّام أصلا أدرك به الحقائق ، وجعلت للكندي رسما استخرج به الدقائق ، وإن صناعة الالحان اختراعك ، وتاليف الاوتار والانقار توليدك وابتداعك ، وان عبدالحميد بن يحيى بارى اقلامك ، وسهل بن هارون مدون كلامك ، وعمرو بن بحر مستمليك ، ومالك بن انس مستفتيك ، وانك للذي أقام البراهين ، ووضع القوانين ، وحد الماهية ، وبين الكيفية والكمية ، وناظر في الجوهر والعَرَض ، وميز الصحة من المرض ، وفك المعمّى ، وفصل بين الأسم والمسمى ، وصرف وقسم ، وعدل وقوّم ، وصف الاسماء والافعال ، وبوب الظرف والحال ، وبنى وأعرب ، ونفى وتعجب ، ووصل وقطع ، وثنى وجمع ،وأظهر وأضمر ، واستفهم وأخبر ، وأهمل وقيد ، وأرسل وأسند ، وبحث ونظر ، وتصفح الاديان ، ورجّح بين مذهبي ماني وغيلان ، وأشار بذبح الجعد ، وقتل بشار بن برد ، وأنك لو شأت خرقت العادات ، وخالفت المعهودات ، فأحلت البحار عذبة ، وأعدت السّلام رطبة ، ونقلت غدا فصار امسا ، وزدت في العناصر فكانت خمسا ، وأنك المقول فيه :
((كلّ الصيد في جوف الفرا)) .
و : ليس على الله بمستنكرِ أن يجمع العالم في واحد والمعنيّ بقول ابي تمام :
فلو صورت نفسك لم تزدها ** على ما فيك من كرم الطباعِ
والمراد بقول ابي الطيب :
ذكر الأنام لنا فكان قصيدة ** كنت البديع الفرد من أبياتها
فكدمت في غير مكدم ، واستسمنت ذا ورم ، ونفخت في غير ضرم ، ولم تجد لرمح مهزا ، ولا لشفرة محزا ،
بل رضيت من الغنيمة بالأياب ، وتمنت الرجوع بخفي حنين ، لأني قلت :
* لقد هان من بالت عليه الثعالب *
وأنشدت :
على أنها الايام قد صرن كلها ** عجائب ، حتى ليس فيها عجائب
ونخرت وكفرت ، وعبست وبسرت ، وأبدأت وأعدت ، وأبرقتُ وأرعدت .
و :
* هممت ولم أفعل وكدت وليتني*
ولولا ان للجوار ذمة ، وللضيافة حرمة ، لكان الجواب في قذال الدّمُستقِ ، والنعل حاضرة ، ان عادت العقرب ،والعقوبة ممكنة ان أصر المذنب .وهبها لم تلاحظك بعين كليلة عن عيوبك ، ملؤها حبيبها ، حسنٌ فيها من تود ، وكانت انما حلّتك بحُلاك ، ووسمتك بسيماك ، ولم تعرك شهادة ، ولا تكلفت لك زيادة ، بل صدقت سن بكرها فيما ذكرتهُ عنكَ ، ووضعتِ الهِناءَ مواضع النقبِ بما نسَبتهُ اليك ، ولم تكن كاذبةً فيما أثنت به عليك ، فالمعيدي تسمع به خير من ان تراه . هجين القذال ، ارعن السبال ، طويل العنق والعلاوةِ ، مُفرط الحمق والغباوة ، جافي الطبع ، سيئ الاجابة والسمع ، بغيض الهيئة ، سخيف الذهاب والجيئة ، ظاهر الوسواس ، منتن الانفاس ، كثير المعايب ، مشهور المثالب ، كلامكَ تمتمة ، وحديثُك غمغمة ، وبينك فهفهة ، وضحكك قهقهة ، ومشيُك هرولة ، وغناك مسألة ، ودينُك زندقة ، وعلمُك مخرقةمَساوٍ لو قسمن على الغواني لما أمهرن الا بالطلاق حتى ان باقلا موصوفٌ بالبلاغة اذا قرن بك ، وهبنّقة مستحق لاسم العقل اذا اضيف اليك ، وطويسا مأثور عن يمن الطائر اذا قيس عليك ، فوجودك عدم ، والاغتباط بك ندم ، والخيبة منك ظفر ، والجنة معك سقر .
كيف رأيت لؤمك لكرمي كِفاء ، وَضِعَتُكَ لشرفي وفاء ، واني جهلت ان الاشياء انما تنجذب الى أشكالها ، والطير إنما تقع على الافها ، وهلا علمت ان الشرق والغرب لا يجتمعان ، و شعرت ان المؤمن والكافر لا يتقاربان ، وقلت : الخبيث والطيب لا يستويان ، وتمثلت :
ايها المنكح الثريا سهيلا ** عمرك الله كيف يلتقيان
وذكتَ اني عِلقٌ لا يباع فيمن زاد ، وطائرٌ لا يصيده من اراد ، وغرض لا يصيبه الا من اجاد ، ما احسبك الا كنت قد تهيأت للتهنئة ، وترشحت للترفئة ، ولولا ان جرح العجماء جبار ، للقيت من الكواعب ما لاقى يسار،فما هم الا بدون ما هممت به ، ولا تعرض الا لايسر ما تعرضت .
اين ادعاؤكك رواية الاشعار ، وتعاطيك حفظ السير والاخبار ، اما ثاب لك قول الشاعر :
بنو دارم اكفاؤهم ال مسمع وتنكح في اكفائها الحبطاتُ وهلا عشّيت ولم تغتر! وما اشك انك تكون وافد البراجم ، أو ترجع بصحبة المتلمس ، او افعل بك ما فعله عقيل بن علفة بالجهني حين اتاه خاطبا ، فدهن استه بزيت ، وأدناه من قرية النمل .ومتى كثر تلاقينا ، واتصل ترائينا ، فدعوني اليك ما دعا ابنة الخس الى عبدها من طول السواد ، وقرب الوساد !
وهل فقَدتُ الاراقم فانكح في جنبٍ ، او عَضَلَني همام بن مرة فاقول : زوج من عود ، خير من قعود !
ولعمري لو بلغت هذا المبلغ ، لارتفعت ، عن هذه الحِطة ، ولا رضيت بهذه الخطة ، فالنار ولا العار ،
والمنية ولا الدنية ، والحرة تجوع ولا تاكل بثدييها فكيف وفي ابناء قومي منكح وفتيان هِزّان الطوال الغرانقة ما كنت لاتخطى المسك الى الرماد ، ولا امتطي الثور بعد الجواد ، فانما يتيمم من لم يجد ماء ، ويرعى الهشيمَ ، من عدِمَ الجميم ، ويركب الصعب من لا ذلول له ، ولعلك انما غرك من علمت صبوتي اليه ،
وشَهِدت مساعفتي له ، من أقمار العصر ، وريحان المصر ، اللذين همُ الكواكب عُلُوّ هممٍ ، والرياضُ طيب شيم من تلقى منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري فحن قدح ليس منها ، ما انت وهم ؟ واين تقع منهم ؟ وهل انت الا واو عمرو فيهم ، وكالوشيظة في العظم بينهم !
وان كنت إنما بلغت قعر تابوتك ، وتجافيت عن بعض قوتك ، وعطرت اردانك ، وجررت هميانك ، واختلت في مشيتك ، وحذفت فضول لحيتك ، واصلحت شاربك ، ومططت حاجبك ، ورفعت خط عذارك ، واستانفت عقد ازارك ، رجاء الاكتنان فيهم ، وطمعا في الاعتداد منهم ، فظننت عجزا ، واخطات استك الحفرة .
والله لو كساك محرق البردين ، وحلّتك مارية بالقرطين ، وقلدك عمرو الصمصامة ، وحملك الحارث على النعامة ، ما شككت فيك ، ولا سترت اباك ، ولا كنتَ الا ذاك .
وهبك ساميتهم في ذروة المجد والحسب ، وجاريتهم في غاية الظرف والادب ، اليس تأوي الى بيت قعيدته لكاع ، اذا كلهم عزب خالي الذراع !
واين من انفرد به ممن لا اغلب الا على الاقل الاخس منه ! وكم بين من يعتمدني بالقوة الظاهرة ، والشهوة الوافرة ، والنفس المصروفة الي ، واللذة الموقوفة علي ، وبين اخر قد نضب غديره ، ونزحت بيره ، وذهب نشاطه ، ولم يبقى الا ضراطه !
وهل يجتمع لي فيك الا الحشف وسوء الكيلة ، ويقترن علي فيك بك الا الغدة والموت في بيت سلولية !
تعالى الله يا سلم بن عمرو أذل الحرص اعناق الرجال ما كان اخلفك بان تقدر بذراعك ، وتربع علي ضلعك ، ولاتكن براقش الدالة على اهلها ، وعنز السوء المستثيرة لحتفها ، فما اراك الا سقط العشاء بك على سرحان ، وبك لا بظبي أعفر ، أعذرت ان اغنيت شيا ، وأسمعت لو ناديت حيا
إن العصا قرعت لذي الحلم ** والشيئ تحقره وقد ينمي
وإن بادرت بالندامة ، ورجعت على نفسك بالملامة ، كنت قد اشتريت العافية لك بالعافية منك ، وان قلت :
(( جعجعة بلا طحن ))، و ((رب صلف تحت الراعدة ))، وانشدت :
لا يؤيسنك من مخدرة ** قول تغلظه وان جرحا فعدت لما نهيت عنه ، وراجعت ما استعفيت منه ، بعث من يزعجك الى الخضراء دفعا ، ويستحثك نحوها وكزا وصفعا .
فاذا صرت اليها عبث أكاروها بك ، وتسلط نواطيرها عليك ، فمن قرعة معوجة تقوم في قفاك ،
ومن فجلة منتنة يرمى بها تحت خصاك ، ذلك بما قدمت يداك ، لتذوق وبال امرك ، وترى ميزان قدرك
فمن جهلت نفسه قدره ** راى غيره منه ما لا يرى.


ذم الدنيا

ما اغتررتُ بمَيْنها، ولا أوثقتْني بخداعها، ولا أوبقَتْني بمَتاعها، رأيت قُصاراها الفناء، فقلتُ فيم أقاسي العناء، وكم يا نفس البقاء، وإلام هذا الشقاء، لم لا أعتبر بمن سلف، وأطَّرِح هذه الكُلَف، وأنظر إلى عِراص الحِراص، وآثار ذوي الإكثار، ودور الصدور، ومنازل أهل المنازل، ورِباع أولي الباع، وذوي الأتباع، الذي صعَّروا الخدود، فصُرِّعوا في اللحود، وجاروا عن الحدود، فجاوروا الدود، جهلوا فلهِجوا بالحُطام، ورضعوا فضرعوا بالفطام، عَمُوا فما أنعموا النظر، ومرقوا فما رمقوا العِبَر، خُوِّلوا فتخيَّلوا المقام، ومُوِّلوا فأمَّلوا الدوام، تعادَوْا على رائقها، فتداعَوا ببوائقها، منحتْهم، وبنوائبها امتحنتْهم، ونطحتْهم، وبأنيابها طحنتْهم، لبسوا فأبلسوا، وسُلبوا ما أُلبسوا، نهوا وأمروا، ولهوا وعمَروا، بلغوا وغلبوا، وجلبوا وخلبوا، برَّتْ بهم ولطفت، ثم كرَّت عليهم وعطفتْ، أعارت فأبهجت، ثم أبارت فأنهجت، ترنَّمت فأطاحت نغماتُها، ثم تنّمرتْ فأحاطت نقماتُها، كم نكست من سكَّنتْ، وكمنت لمن مكَّنت، كم وهبت ثم نهبت، وأتعبت من أعتبت، وأخمدت من أخدمت، ولكمت من أكرمت، وما رحمت من حرمت، بل أغرمت وأرغمت، فغفلوا حتى أفلوا، وطلعوا حتى عطلوا، وطلبوا حتى بطلوا، فعادت أموالهم وبالا، ولم تُغن عنهم قِبالا

ابن مكانس

هل من فتى ظريف. معاشر لطيف. يسمع من مقالي. ما يرخص اللآلي. أمنحه وصيه. ساريةً سرية. تنير في الدياجي. كلمة السراج. رشيقة الألفاظ. تسهل للحفاظ. جادت بها القريحة. في معرض النصيحة. أنا الشفيق الناصح. أنا المجد المازح. إن تبتغ الكرامة وتطلب السلامة. أسلك مع الناس الأدب. ترى من الدهر العجب.
لن لهم الخطايا. واعتمد الآدابا. تنل بها الطلابا. وتسحر الألبابا. ولا تطاول بنشب. ولا تفاخر بنسب. فالمرء ابن اليوم. والعقل زين القوم. ما أروض السياسة. لصاحب الرئاسة. إن شئت تلغى محسنا. فلا تقل يوماً أنا. ألعز في الأمانة. والكيس في الفطانه. ألقصد باب البركه. والخرق داعي الهلكه. لا تغضب الجليسا. لا توحش الأنيسا. لا تصحب الخسيسا. لا تسخط الرئيسا. لا تكثر العتابا. تنفر الأصحابا. فكثرة المعاتبه. تدعو إلى المجانبة. وإن حللت مجلسا. بين سراةٍ رؤوسا. إقصد رضا الجماعة. وكن غلام الطاعة. ودارهم باللطف. وأحذر وبال السخف. واختصر السؤالا. وقلل المقالا. ولا تكن معربدا. ولا بغيضاً نكدا. لا تحمل الطعاما. والنقل والمداما. فذاك في الوليمة. شناعةٌ عظيمه. لا يرتضيها آدمي. غير مقل عادم. وقل من الكلام. ما لاق بالمدام. كرائق الأشعار. وطيب الأخبار. وأترك كلام السفلة. والنكت المبتذلة. إياك والتطفيلا. شؤمه الوبيلا. ولا تكن مبذولا. ولا تكن ملولا. ألبخل لا تألفه. والخل لا تصدفه. ولا تقل لمن تحب. ضيف الكرام يصطحب. ولا تكن ملحاحا. وأجتنب المزاحا. فكثرة المجون. نوعٌ من الجنون. فالشؤم في اللجاج. والحر لا يداجي. وهذه الوصية. للأنفس الأبية. أختارها لنفسي. وإخوتي وجنسي. فهاكها وصيه تصحبها التحية. تحملها الكرام. إليك والسلام.

المقالة الأولى

يا أرباب القوة والطاقة. انظروا بعين الإفاقة. إلى أهل الفاقة. ويا ركبان الناقة. رفقا بضعفاء الساقة. ويا حملة الأوزار وخزنة المال المستعار. لا تجروا ذيل الافتخار على أرباب الافتقار. فقلوبهم خير من قلوبكم. ومطلوبهم أعز من مطلوبكم شغلكم التجول بالأسواق. عن تنسم قبول الأشواق. وألهاكم حب الرزق عن الرزاق. ويا عمار الخراب وشاب الشراب لا تعمروا هذه القرية الحلجاء. ولا تسكنوا هذه المهلكة الفيحاء. لا تتخذوا الدنيا الفانية سوقا. إن الباطل كان زهوقا

المقالة الثانية

ابن آدم عجن من الصلصال. ثم تاه بشرائف الخصال. وما درى أن الخصال الحميدة من مواهب الرحمان. لا من مكاسب الإنسان. ما العقل إلا عطية من عطاياه. وما النفس إلا مطية من مطاياه. فإن شاء زمها بزمام الهدى. وإن شاء تركها سدى. فمن يستطيع لنفسه خفضا أو رفعا. قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا

المقالة الثالثة

ألعاقل قصي مرامي النظر. فسيح موامي العبر. علي مرام الخطر. يقرأ مكتوب أسرار الغد من عنوان اليوم. ويقطف ثمار الغيب من صنوان النوم. يرى موعود الله ناجزا. ومكنونه بارزا. فكن يقظا حاذرا. ومثل الغيب حاضرا. وإذا ملكت فاذكر القادر وقدرته. وإذا بغمت فاذكر الصائد وقترته. واعلم أن مسرات الأيام مقرونة بالغم. وحلاوة الدنيا معجونة بالسم. والمح الدهر بعين الذكاء. وإذا ضحكت فاجهش للبكاء. وإياك أن تقنع من العلوم بالقشور. ومن الرق المنشور بالدوائر والعشور. أولئك قوم نزلوا هذه الثنية. وغفلوا عن المرحلة الثانية. وشغلوا بالدنيا الدنية. فهم في مهابط الغي سافلون. وفي مباذل العيش رافلون. يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون

المقالة الرابعة

يا من يسعى لقاعد ويسهر لراقد. ويا من يحرس لراصد ويزرع لحاصد. ويبخل لباذل. ويجمع لآكل. تبني الإيوان وعن قليل ينهدم ركناك. وتبسط الرواق وفي الجدث سكناك. قلب كقلوب الكفار وحرص كحرص الفار. ينقب بالأظفار ولا يبقى على المأدوم والقفار. قل لي إذا وقعت الواقعة. وقرعت القارعة. وأزف لك الرحيل. واجتمع الطبيب والعليل. واختلف الغسال والغسيل. والعائد يغمز عينيه والطبيب يقلب كفيه. حتى إذا انقطع نفسك. وخفي جرسك. أينفعك حينئذ حلال أصبته. أم حرام غضبته. أم نشب حرشته. أو ولد حضنته أو ربع أسسته أو نبع غرسته. أو حطام حرسته أو قفر حرثته. أو وفر أورثته. كلا لا ينفعك فيء قد غنمته. ولا يضرك شيء عدمته. ولا ينجيك إلا خير أمضيته. أو خصم أرضيته. فانتبه يا نائم. واستقم يا هائم. لقد تهت في بادية لا يبلغك ندائي. وترديت في هاوية لا يبلغها ردائي. تغيم هواؤك وسيصحي. حين لا ينفعك نصحي. ولا تعص الله في أولاد سوء إذا حضرك الموت غابوا. وما حزنوا لما أصيبوا بل فرحوا بما أصابوا. وإن تدعهم لا يسمعوا دعاءك ولو سمعوا ما استجابوا

رسالة

بن أبي الجد في وصف مطر بعد قحط:
قال: لله تعالى في عباده أسرار، لا تدركها الأفكار، وأحكام، لا تنالها الأوهام. تختلف والعدل متفق، وتفترق والفضل مجتمع متسق. ففي منحها نفائس المأمول، وفي محنها مداوس العقول. وفي أثناء فوائدها حدائق الإنعام رائقه، وبين أرجاء سرائرها بوارق الإعذار والإنذار خافقه. وربما تفتحت كمائم النوائب، عن زهرات المواهب. وانسكبت غمائم الرزايا، بنفحات العطايا. وصدع ليل اليأس صبح الرجاء، وخلع عامل البأس وإلى الرخاء. ذلك تقدير اللطيف الخبير، وتدبير العزيز القدير!
ولما ساءت بتثبط الغيث الظنون، وانقبض من تبسط الشك اليقين، واسترابت حياض الوهاد، بعهود العهاد، وتأهبت رياض النجاد، لبرود الحداد، واكتحلت أجفان الأزهار، بإثمد النقع المثار، وتعطلت أجياد الأنوار، من حلى الديمة المدرار، أرسل الله بين يدي رحمته ريحا بليلة الجناح، مخيلة النجاح، سريعة الإلقاح، فنظمت عقود السحاب، نظم السخاب، وأحكمت برود الغمام، رائقة الأعلام. وحين ضربت تلك المخيلة في الأفق قبابها، ومدت على الأرض أطنابها، لم تلبث أن انهتك رواقها، وانبتك وشيكا نطاقها، وانبرت مدامعها تبكي بأجفان المشتاق، غداة الفراق، وتحكي بنان الكرام، عند أريحية المدام، فاستغربت الرياض ضحكا ببكائها، واهتز رفات النبات طربا لتغريد مكائها، واكتسب ظهور الأرض من بيض إنائها، خضر ملائها. فكأن صنعاء قد نشرت على بسيطها بساطا مفوفا، وأهدت إليها من زخارف بزها ومطارف وشيها ألطافا وتحفا. وخيل للعيون أن زواهر النجوم، قد طلعت من مواقع التخوم، ومباسم الحسان، قد وصلت بافتزاز الغيظان. فيا برد موقعها على القلوب والأكباد! ويا خلوص ريها إلى غلل النفوس الصواد! كأنما استعارت أنفاس الأحباب، أو ترشفت شنب الثنايا العذاب، أو تحملت ماء الوصال، إلى نار البلبال. أو سرت على أنداء الأسحار وريحان الآصال. لقد تبين للصنع الجليل، من خلال ديمها تنفس ونصول، وتمكن للشكر الجميل، ومن ظلال نعمها معرس ومقيل. فالحمد لله على ذلك ما انسكب قطر، وانصدع فجر؛ وتوقد قبس، وتردد نفس؛ وهو الكفيل تعالى بإتمام النعمى، وصلة أسباب الحياة والحيا بعزته! وقال الوزير أبو عمرو الباجي في مثل ذلك: إن لله تعالى قضايا واقعة بالعدل، وعطايا جامعة للفضل؛ ونعم يبسطها إذا شاء إنعاما وترفيها، ويقبضها متى أراد إلهاما وتنبيها؛ ويجعلها لقوم صلاحا وخيرا، ولآخرين فسادا وطيرا. " وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد " ..
.ثم أرسل الله الرياح من كنائنها، وأخرجها من خزائنها؛ قجرت ذيولها، وأجرت خيولها؛ خافقة بنودها، متلاحقة جنودها؛ فاثارت الغمام، وقادته بغير زمام؛ وأنشأت بحرية من السحاب، ذات أتراب وأصحاب؛ كثيرا عددها، غزيرا مددها، فبشرت بالقطر كل شائم، وانذرت بالورد كل حائم، والريح تنثها، والبرق يحثها، كأنه قضيب من ذهب، أو لسان من لهب؛ وللسحاب من ضوء البرق هاد، ومن صوت الرعد حاد؛ والريح توسع بلحمتها سداها، وتسرع في حياكتها يداها. فلما التحم فتقها، والتأم رتقها؛ وامتدت أشطانها، واتسعت أعطانها؛ وانفسحت أجنابها، وانسدلت أطنابها؛ وتهدل خملها، وتمخض حملها؛ ومدت على آفاق السماء نطاقها، وزرت على أعناق الجبال أطواقها، كأنها بناء على الجو مقبوب، أو طبق على الأرض مكبوب؛ تمشي من الثقل هونا، وتستدعى من الريح عونا؛ ومخايلها تقوى، وعارضها أحوى. فلما أذن الله لها بالانحدار، وأنزل منه الودق بمقدار، أرسلت الريح خيوط القطر من رود السحائب، وأسبلتها إسبال الذوائب، فدرت من خلف مصرور، ونثرت طلها نثر الدرور. ثم انخرق جيبها وانبثق سيبها؛ وصار الخيط حبلا،والطل وبلا. فالسحاب يتعلق، والبرق يتألق، والرعد يرتجس، والقطر ينبجس، والنقط تترامى طباقا، وتتبارى اتساقا، فيردف السابق المصلي، ويتصل التابع بالمولى، كما يقع من المنخل البر، وينتثر من النظام الدر، فجيوب السماء تسقطه، وأكف الغدران تلقطه؛ والأرض قد فتحت أفواها، وجرعت أمواها، حتى أخذت ريها من المطر، وبلغت منه غاية الوطر، خفى من الرعد تسبيحه، وطفئت من البرق مصابيحه، وحسرت الماء نقابها، وولت المطر أعقابها؛ وحكت في ردها طلق السابق، وهرب الآبق.

ومن رسالة لمحمد بن شرف القيرواني:

برئ عليل البرى، وأثرى فقير الثرى، وتاريخ ذلك انصرام ناجر، وقد بلغت القلوب الحناجر، محمارة أحمرت لها خضرة السماء، واغبرت مرآة الماء، حتى انهل طالع وسمي، وتلاه تابع ولى، دنا فأسف، ووكف فما كف. فما فتئ مسكوبا قطره، محجوبا شمسه وبدره، وجليب عروس الشمس، معتذرة عن مغيبها بالأمس، فعندها مزق عن الدقعاء صحيح إهابها، واختزن در البر في أصداف ترابها. فما مرت أيام إلا والقيعان مسندسه، والآكام مطوسه.
لابن الأثير الجزري جاء منها: وكان بين يدي شمعة تعم مجلسي بالإيناس، وتغني بوجودها عن كثرة الجلاس، وكانت الريح تتلاعب بشعبها، وتدور على قطب لهبها؛ فطورا تقيمه فيصير أنمله، وطورا تميله فيصير سلسله؛ وتارة تجوفه فيصير مدهنه، وتارة تجعله ذا ورقات فيمثل سوسنه؛ وآونة تنشره فيبسط منديلا، وآونة تلقه على رأسها فيستدير إكليلا.

ومن رسالة أخرى له:

وكانت الريح تتلاعب بلهبها لدى الخادم فتشكله أشكالا، فتارة تبرزه نجما، وتارة تبرزه هلالا، ولربما سطع طورا كالجلنارة في تضاعيف أوراقها، وطورا كالأصابع في انضمامها وافتراقها
أفنون الآداب كثيرة الشعوب، متباينة الأسلوب؛ طالما تلاعب الأديب بفنونها بين جد ومجون، وكيف لا والحديث ذو شجون. وكنت بحمد الله ممن هو قادر على إبراز ملح الأدب، وعلى إظهار لطائف لغة العرب؛ فتمثل في خاطري المفاخرة بين الشمعدان والقنديل، ولا بد من إبراز المفاخرة بينهما في أحسن تمثيل؛ لأنهما آلتا نور، ونديما سرور؛ طالما مزقا جلباب الدجى بأضوائهما، وحسما مادة الظلمة بأنوارهما؛ وطلعا في سماء المجالس بدورا، وأخجلا نور الرياض لما أصدر من جوهرهما نورا. سما كل واحد منهما إلى أنه الأصل،وأن بمدحه يحسن الفضل والوصل؛ وأنه الجوهرة اليتيمة، والبدرة التي ليست لها قيمة؛ سارت بمحاسنه ركائب الركبان، ونظمت في جيد مجده قلائد العقيان.
فأحببت أن أنظمهما في ميدان المناظرة ليبرز كل واحد منهما خصائصه الواضحة، ويظهر نقائص صاحبه الفاضحة؛ وليتسم غارب الاستحقاق بالفضيلة، ويؤكد في تقرير فضائله الراجحة دليله؛ مع أنه لا تقبل الدعاوى إلا بالبرهان، ولعمري لقد قيل قدما:
من تحلى بغير ما هو فيه ... فضحته شواهد الامتحان.
فأتلع الشمعدان جيدة للمطاولة، وعرض سمهريه اللجيني للمناضلة،وقال: استنت الفصال حتى القرعى لست بنديم الملوك في المجالس، كلا ولا الروضة الغناء للمجالس! طالما أحدقت بي عساكر النظار، ووقفت في استحسان هياكلي رؤية الأبصار؛ وحملت على الرؤوس إذا علقت بآذانك، وجليت كجلاء المرهفات إذا اسود وجهك في دخانك.
فنضنض لسان القنديل ونضنضة الصل، وارتفع ارتفاع البازي المطل. وقال: إن كان فخرك بمجالسة السلاطين، فافتخاري بمجالسة أهل الدين!، طالما طلعت في أفق المحراب نجما ازداد علا، وازدانت الأماكن المقدسة بشموس أنواري حلا؛ جمع شكلي مجموع العناصر، فعلى مثلي تعقد الخناصر؛ يحسبني الرائي جوهرة العقد الثمين، إذا رأى اصفرار لونك كصفرة الحزين؛ ولقد علوتك في المجالس زمانا، ومن صبر على حر المشقة ارتفع مكانا.
فنظر إليه الشمعدان مغضبا، وهم بأن يكون عن جوابه منكبا. وقال: أين ثمنك من ثمني، ومسكنك من مسكني؟ صفائحي صفحات الإبريز، فلذا سموت عليك بالتبريز؛ تنزه العيون في حمائلي الذهبية، وتسر النفوس ببزوغ أنواري الشمسية؛ ولا يملكني إلا من أوطنته السعدة مهادها، وقربت له الرياسة جيادها؛ ولقد نفعت في الصحة والسقم، وازدادت قيمتي إذا نقصت في القيم؛ وإن انفصمت عراك فلا تشعب، ولا تعاد إلى سبك نار فتصب وتقلب؛ لست من فرسان مناظرتي، ولا من قرناء مفاخرتي.
فالتفت القنديل التفات الضرغام، وفوق إلى قرينه سهام الملام. وقال: أنت عندي كثعاله، ولا محاله؛ طالك العنقود، فأبرزت أنواع الحقود؛ وأين الثريا من يد المتناول؟ أم أين السها من كف المتطاول؟ تالله إنك في صرفك بصفرك مغلوط! لقد خصصت بالعلو وخصصت بالهبوط. ترى باطني من ظاهري مشرقا، وتخالني لخزائن الأنوار مطلقا؛ فحديث سيادتي مسلسل، وتاج فضائلي بجوهر العلو مكلل.
فلحظه الشمعدان بطرف طرفه، وأرسل في ميدان المناظرة عنان طرفه. وقال: إن افتخارك بالعلو غير مفيد، وميزة اختصاصك به ليس له أبهة مزيد؛ طالما على القتام وانحطت الفرسان، ومكث الجمر وسما الدخان؛ ولقد صيرتك كنظر المشنوق حاله، وكضوء السها ذباله؛ وأنت الخليق بما قيل: وقلب بلا لب، وأذن بلا سمع وسلاسلك تشعر بعقلك، وعلوك يبني على غلو إسقاط كمثلك؛ عادلت التبر كفة بكفه، ووزنته إذا كان فيه خفه؛ فأصخ لمفاخري الجليله، واستمع مناقبي الجميلة. أطارد جيوش الظلماء برمحي، وأمزق أثواب الديجور بصبحي؛ وجمع عاملي بين طلع النخل، وحلاوة النحل، يتلو سورة النور لساني، ويقوى في مصادمة عساكر الليل البهيم جناني؛ أسامر المليك خلوه، ويستجلى من محاسني أحسن جلوه.
ولله در القائل:
انظر إلى شمعدان شكله عجب ... كروضة روضت أزهارها السحب.
يطارد الليل رمح فيه ورق ... سنانه لهب من دونه الذهب.
فمثل هذه المناقب تتلى، ومثل هذه المحاسن تظهر وتجلى.
فأضرم نار تبيينه، في أحشاء قرينه. فعندها قال القنديل:
لقد أطلت الافتخار بمحاسن غيرك، لما وقفت في المناظرة ركائب سيرك؛ فاشكر اليد البيضاء من شمعك، واحرص على معرفة قيمتك ووضعك؛ وأما افتخارك بتلاوة سورة النور، فأنا أحق بها منك إذ محلي الجوامع، والفرقان فارق بيني وبينك مع أنه ليس بيننا جامع؛ ففضيلتي فيه بينه،وآية نورى في سورة النور مبينة؛ فاقطع مواد اللجاجة، واقرأ الآية المشتملة على الزجاجة؛ يظهر لك من هو الأعلى، ومن بالفتخار الأولى؛ تخالني درة علقت في الهواء، أو كوكبا من بعض كواكب الجوزاء.
ولله در القائل:
قنديلنا فاق بأنواره ... نور رياض لم تزل مزهره.
ذبالة فيه إذا أوقدت ... حكت بحسن الوضع نيلوفره.
لا يحمل الأقذاء خاطري، ولا يغتم مشاهدي وناظري؛ فأنا خلاصة السبك، والتبر الذي لا يفتقر إلى الحك؛ اشتقاق اسمك من النحوس، ومن جرمك تقام هياكل الفلوس؛ لقد عرضت نفسك للمنية، وانعكست عليك مواد الأمنية؛ مع أن الحق أوضح من لبة الصباح، وأسطع من ضوء المصباح؛ والآن غضصت بريقك، وخفيت لوامع بروقك؛ فهذه الشهباء والحلبة، وهذه ميادين المناظلة رحبه.
فحار الشمعدان في الجواب، وجعل ما بداه أولا فصل الخطاب.
فقال القنديل: لا بد من الإقرار بأن قدح المعلى، وأن عليك بالتقديم الأولى؛ وأن مقامي العالي، ونوري المتوالي.
فقال الشمعدان: لا منازعة فيما جاء به الكتاب من تفضيلك، وكونك الكوكب الدري الذي قصر عن بلوغك باع مثيلك.
فجنح الشمعدان للسلم، وترفع عن استيطان مواطن الإثم؛ وشرع يبدي شعائر الخضوع، وينشر أعلام الأوبة عما قال والرجوع؛ قال: لولا حمية النفوس، ما تجملت بمفاخرنا صفحات الطروس؛ ولولا القال والقيل، ما ضمنا معرض التمثيل؛ ولكن أين صفاءك من كدري، وأين نظرك من نظري؛ خصك الله بنوره، وذكرك في فرقانه وزبوره.
فعندها تهلك أسارير القنديل، وتبسم فرحا بالتعظيم والتبجيل. وقال: حيث رجعنا إلى شرع الإنصاف، وإظهار محاسن الأوصاف؛ ففضلك لا يبارى، ووصفك لا يجارى؛ يحسبك الرائي خميلة نور تفتحت أزهارها، وحديقو نرجس أطردت أنهارها؛ تسر بك النفوس، وتدار على نضارتك الكؤوس؛ وإن اللائق بحالنا طي بساط المنافسة، وإخماد شرر المقابسة؛ واستغفار فيما فرض من كلامنا، والرجوع إلى الله في إصلاح أقوالنا وأفعالنا.
ونقول: الأصل فيما نقلناه عدمه، فقد حف كل واحد منا في إبراز معايبة قلمه. ونسأل الله أن تدوم لنا نعمه، ويتعاهدنا في المساء والصباح كرمه! بمنه وجوده وكرمه! آمين!

ابن برد الأصغر الأندلسي:

اليوم يوم بكت أمطاره، وضحكت أزهاره؛ وتقنعت شمسه، وتعطر نسيمه؛ وعندما بلل هزج، وساق غنج؛ وسلافتان: سلافة أخوان، وسلافة دنان؛ قد تشاكلتا في الطباع، وازدوجنا في إثارة السرور. فأخرق إلينا سرادق الدجن تجد مرأي لم يحسن إلا لك ولا يتم إلا بك.
ومن كلامه أيضا: لم نلتق منذ عرينا مركب اللهو، وأخلينا ربع الأنس، وقصصنا جناح الطرب، وعبسنا في وجوه اللذات. فإن رأيت أن تخف إلى مجلس قد نسخت فيه الرياحين بالدواويين، والمجامر والمحابر، والأطباق، بالأوراق، وتنازع المدام، بتنازع الكلام؛ واستماع الأوتار، باستماع الأخبار؛ وسجع البلابل، بسجع الرسائل؛ كان أشحذ لذهنك، وأرشد لرأيك

القرطبي

فارقت مولاي حين أخذت للسفر عدة الحزم، وشددت عقدة العزم؛ وانتظمت مع السفر في سلك، وركبنا على اسم الله ظهر الفلك، في شان عظيم الشان، أحدقت به النطق إحداق الحيازم، وأمسكته لإمساك الأبازم؛ ثم تتبع خلله فسد، ورخوه فشد؛ حذرا على ألواحه من الإنخاع،واتصلت بعرانيسه اتصال الجلود بالأضلاع؛ ثم جلببت جلبابا من القار، ومخ في المتنين ولبفقار؛ فامتاز بأغرب ميسم، وعاد كالغراب الأعصم؛ قد حسن منه المخبر، وكأن الكافور قد قرن فيه بالعنبر، له من التماسيح أجنابها، ومن الخطاطيف أذنابها؛ واستقلت رجله بفراشها، استقلال السهام برياشها؛ وقد مد قليعه ذراعيه متلقيا من وفد الرياح مصافحه، ومستهديا منها منافخة. تقلد الحكم عليها إشتيام ذو تيقظ واستبصار، واستدلال على الأعماق والأقصار؛ يستدل باختلاف المياه إذا جرى، ويهتدي بالنجوم إذا سرى؛ قد جعل السماء مرآة ينظر فيها، ويحذر من دجن يوافيها؛ فإذا أصدأها الظلام بحنادسه، وصقلها الضياء بمداوسه، يسبح الله فيمصبحه وممساه، ويبسمل في مجراه ومرساه، ويذكر ربا يحفظه ولا ينساه. قد اتخذ فيه مولتيه، من أنجد النواتية؛ مشمرين الأثواب، مدبرين بالصواب؛ يفهمون عنه بالإيماء، ويتصرفون له تصرف الأفعال للأسماء؛ ويترنمون عند الجذب والدفع، والحط والرفع: بهيمنة تبعثهم على النشاط. والجمام، وتؤديهم في عملهم بالتمام. فخرجنا ونفح الريح نسيم، ووجه البحر وسيم؛ وراحة الريح تصافح عبابه مصافحة الخل، وتطوي جناحه طي السجل؛ وتجول من لججه أبرادا، وتصوغ منحبكه أزرادا: كأنما ترسم في أديم رقشا، أو تفتح في فصوص نقشا. قلما توسطنا ثبج البحر، وصرنا منه بين السحر والنحر؛ صحت الريح من سكرها، وطارت من وكرها؛ فسمعنا من ددوي البحر زئرا، ومن جبال الشاني صفيرا؛ ورأيناه يزبد ويضطرب، كأنه بكأس الجنوب قد شرب؛ واستقبلنا منه وجه باسر، وطارت من أمواجه عقبان كواسر؛ يضطرب ويصطفق، ويختلف ولا يتفق؛ كأن الجو يأخذ بنواصيها، ويجدبها من أقاصيها؛ والشاني تلعب به أكف الموج، ويفحص منها بكلكله فوجا بعد فوج؛ ويجوب منها ما بين أنجاد وأغوار، وخنادق وأسوار؛ والبحر تحتتنا كأرض تميد بأهلها، وتتزلزل بوعرها وسهلها؛ ونحن قعود، دود على عود؛ قد نبت بنا من القلق أمكنتنا، وخرست من الفرق ألستنا؛ والرش يكتفنا من كل جانب، ويسيل من أثوابنا سيل المذانب. فشممنا ريح الموت وظننا التلف والفوت؛ وبقينا في هم ناصب، وعذاب واصب؛ حتى انتهينا إلى كنف الجون،وصرنا منه فيكن وصون؛ وهدأ من البحر ما استشرى، وتنادينا بالبشرى؛ ووطئنا من الأرض جددا، ولبسنا أثواب الحياة جددا! ومن رسالة لأبي عامر بن عقال الأندلسي عفا الله عنه جاء منها: وكان جوازه، أيده الله على بحر ساكن، قد ذل بعد استصعابه، وسهل بعد أن رأى الشامخ من هضابه؛ وصار حيه ميتا، وهديره صمتا؛ وجباله لا ترى بها عوجا ولا أمتا، وضعف بعد تعاطيه، وعقد السلم بين موجه وشاطيه. فعبر آمنا من لهواته، ممتلكا لصهواته؛ على جواد يقطع البحر سبحا، ويكاد يسبق الريح لمحا؛ لا يحمل لجاما ولا سراجا، ولا يعرف غير اللجة سرجا؛ فلله هو من جواد، له جسم وليس له فؤدا؛ يخترق الهواء ولا يرهبه، ويركض في الماء ولا يشربه! ومن رسالة للأستاذ ابن العميد في مثل ذلك جاء منها: وكأن العشاريات وقد رديت بالقار، وحليت باللجين والنضار؛ عرائس منشورة الذوائب، مخضوبة الحواجب؛ موشحة المناكب، مقلدة الترائب؛ متوجة المفارق، مكللة العواتق، فضية الحلل والقراطق؛ أو طواويس أبرزت رقابها، ونشرت أجنحتها وأذنابها؛ وكأنها إذا حدت في اللحاق، وتنافست في السباق؛ نوافر نعام، أو حوافل أنعام، أو عقارب شالت بالإبر، أو دهم الخيل واضحة الحجول والغرر؛ وكأن المجاذيف طير تنفض خوافيها، أو حبائب تعانق حبائب بأيديها.
الباب السابع
الاسد له عينان حمراوان مثل وهج الشرر، كأنما نقرتا بالمناقير في عرض حجر؛ لونه ورد، وزئيره رعد؛ هامته عظيمه، وجبهته شتيمه؛ نابه شديد؛ وشره عتيد؛لا يهاب إذا الليل عسعس، ولا يجبن إذا الصبح تنفس

وله على لسان محبوس:

قد حكمت بسجن الأشباح، وهي سجون الأرواح، فامنن على ما شئت منهما بالسراح. فالحبس نزاع الأرواح، والعقلة أخت القتلة، وكلاهما فقد، ومهر للخطوب ونقد، وإنما بينهما نفس متصاعد، وأجل متباعد، فالحق منهما ما أجلت، بما عجلت، وقد أخرنا طلب الدين، الى يوم الدين.
وعلى لسان محبوس أيضاً: لان لنا القوم وخشنت، ورقوا وغلظت، فأصلحت نقمتك ما أبْطرته نعمة سواك، وأدبت غلظتك من يُسحب عن هوى غير هواك، فإطلاق بامتنان، وتسريح بإحسان، أو نزل من حميم، وتصلية جحيم

الوصف

القرآن
حبل اللَّه الممدود ، وعَهده المعهود ، وظلُه العميم ، وصرَاطه المستقيم ، وحجَّتُه الكبرى ، ومحجّته الوسطَى ، وهو الواضح سبيلُه ، الراشدُ دليلُه ، الذي سَنِ استضاءَ بمصابيحه أبْصَر ونَجَا ، ومَنْ أعرض عنه ضَلَّ وهَوَى ؛ فضائل القرآن لا تُسْتقصى في ألفِ قرن ، حجّة اللّه وعهْده ، ووعيدُه ووعده ، به يعلمُ الجاهلُ ، ويعملُ العامِلُ ، ويتنبَّه الساهي ، ويتذكَّر اللاهي ، بَشِيرُ الثواب ، ونَذِيرُ العقابِ ، وشفاءُ الصدور ، وجَلاءُ الأمورِ ؛ من فضائله أنه يُقْرَأُ دائماً ، ويُكتَبُ ، ويُمْلَى ، ولا يَملّ . ما أهْون الدنيا على مَنْ جعل القرآن إمامه ، وتصوَّر الموتَ أمامه ، طوبى لمن جعل القرآن مصباح قلبه ، ومفتاح لُبِّه . من حقّ القرآن حِفْظُ ترتيبه ، وحسْنُ ترتيله .
والعلمُ دواء للقلوب العليلة ، ومِشْحَذٌ للأذهان الكليلة ، ونورٌ في الظلمة ، وأُنْسٌ في الوَحْشَةِ ، وصاحبٌ في الوَحْدَة ، وسَمِيرٌ في الْخَلْوةِ ، ووصْلَةٌ في المجلس ، ومادَّةٌ للعقل وتَلْقيحٌ للفهم ، ونَافٍ للعِيّ المُزْرِي بأهْلِ الأحْسَابِ ، المقصِّرِ بذوي الألباب ؛ أنطق اللّه سبحانه أهله بالبيان الذي جعله صفةً لكلامه في تنزيله ، وأيدَ به رُسُلهُ إيضاحاً للمشكلات ، وفصْلاً بين الشبهات : شَرَّفَ به الوضيعَ ، وأعزَّ به الذليلَ ، وسوَّدَ به المَسُود ، من تحلَى بغيره فهو معطَّلُ ، ومن تَعَطَّل منه فهو مغفّل ، لا تُبْلِيه الأيام ، ولا تَخْتَرِمُه الدهور ،
قد نُعيَ سليل من سُلالة النبوة ، وفَرْعٌ من شجرة الرسالة ، وعُضوٌ من أعضاء الرسول ، وجزءٌ من أجزاء الوصِيَ والبَتُول . كتبت وليتني ما كتبت وأنا ناعِي الفضل من أقطاره ، وداعي المجدِ إلى شَق ثوبِهِ وصِدَاره ، ومخبر أنَّ شمس الكرم وَاجِبة ، والمآثر مودِّعة ، وبقايا النبوَة مرتفعة ، وآمالَ الإمامة منقطعة ، والدينَ منخذِلٌ واجم ، وللتقوى دَمْعَان هامٍ وساجم . كتابي وقد شلَّتْ يمينُ الدَهْر ، وفُقئت عينُ المجد ، وقَصُرَ باعُ الفضْل ، وكُسِفَت شمسُ المساعي ، وخُسِفَ قمر المعالي ، وتجدَدَ في بيت الرسالة رُزْء جَدَدَ المصائب ، واستعادَ النوائب ؛ كل هذا لفقْدِ من حَط الكرمُ برَبْعِه ، ثم أدرج في بُرْدِه ، وامتزج المجدُ به ، فدفِنَ بدَفْنِه ، إنها لمصيبةٌ عمتْ بَيْتَ الرسالة ، وغضت طَرْف الإمامة ، وتحيفت جانبَ الوَحْي المنزَل ، وذكَرت بموت النبي المرسل . كتبت والدهرُ ينعيمهجَتَه والمجدُ يَنْدُب بَهْجَته ، ومهابط الوَحْي والرسالة تُحْني ظهورَها أَسفا ، ومآقي الإمامة والوصية والرسالة تُذْري دموعَها لهفاً ؛ وذلك أن حادثَ قضاء اللّه استأثر بفَرْعِ النبوة ، وعنصر الدين والمروءة
فلان كريم الطَرَفين ، شريف الجانِبَين ، قد ركَّبَ الله دَوحَتَه في قرارةِ المَجْدِ ، وغَرَسَ نَبْعَتُه في محلّ الفضل . أَصلٌ شريف ، وعِرْق كريمِ ، ومَغْرِس عظيم ، ومغْرز صميم . المجد لسانُ أوصافه ، والشرفُ نَسبُ أسلافه . نسبٌ فخم ، وشرفٌ ضخم . يستوفي شرفَ الأرومة بكرم الأبوَّة والأمومةْ ، وشرف الخؤُولة والعمومة . ما أَتَتْه المحاسِنُ عن كلالة ، ولا ظَفر بالهدى عن ضلالة ، بل تناول المجدَ كابراً عن كابر ، وأخذ الفخْرَ عن أسِرَةٍ ومنابر : الكامل :
شرفٌ تَنفل كابراً عن كابر . . . كالرمح أُنبوبا على أُنوبِ
اسْتَقى عِرْقَه من مَنْبع النبوّة ، ورضعتْ شجَرَتُه من ثَدْي الرسالة ، وتهدّلَت أغصانُهعن نَبْعَة الإمامة ، وتبحبَحَت أطْرافُه في عَرصَةِ الشّرَفِ والسيادة ، وتفقَّأت بيضته عن سلالةِ الطهارة ، قد جذَبَ القرآن بضَبْعه ، وشقَّ الوَحْيُ عن بصره وسَمْعِه ، مختار من أكْرَم المناسب ، منتَخَب من أشْرَف العناصر ، مرْتضًى من أعلى المحاتد ، مُؤْثَر من أعظم العشائر ، قد وَرِث الشرفَ جامعاً عن جَامِع ، وشهد له نداءُ الصوامع ، هو من مُضر في سُوَيداء قَلْبِها ، ومن هاشم في سَوَاد طَرْفها ، ومن الرسالة في مهِبْطِ وَحيها ، ومن الإمامة في موقف عزَها ، ينزع إلى المحامِدِ بنفس وعِرْق ، ويحن إلى المكارم بوراثة وخلق ؛ يتناسب أصلُه وفَرْعُه ، ويتناصف نَخرُه وطَبْعُه ، وهو الطِّيب أصلُه وفَرعُه ، الزَّاكي بذره وزَرْعُه ، يجمع إلى عز النصاب ، مَزِيَّةَ الآداب ، لا غَزو أن يجريَ الجوادُ على عِرْقِه ، وتلوح مخايل الليثِ في شِبْله ، ويكون النجيبُ فَرْعاً مشيداً لأصله . له معِ نباهة شَرَفِهِ ، نزاهة سَلَفِه ، ومع كرم أرومته وحَزْمه ، مزيةُ أدبه وعلمه ، لن تخلف ثمرة غرْس ارْتِيدَ لها من المنابت أزْكاها ، ومن المغارس أطْيبها وأغذاها وأنماها ، قد جمع شرفَ الأخلاق ، إلى شرفِ الأعراق ، وكرمَ الآداب ، إلى كرم الأنساب ؛ له في المجد أول وآخِر ، وفي الكرم تليدٌ وطَارِف ، وفي الفضل حديثٌ وقديمٌ ؛ لا غَرْوَ أنْ يغمر فضلُه ، وهو نَجْلُ الصِّيد الأكارم ، أو يغزر علمه وهو فَيْضُ البحور الخضارم ، دَوْحَةٌ رسب عِرْقُها ، وسَمَق فَرْعها ، وطاب عُودُها ، واعتدل عمودُها ، وتفيَّأتْ ظِلالُها ، وتهدَلَتْ ثمارُها ، وتفرَعَتْ أغصانُها ، وبرد مَقيلُها . مَجْدٌ يلحظ الجوْزَاء من عَال ، ويطولُ النجمَ كل مَطَال . شَرَفٌ تضع له الأفلاكُ خدودَها وجِبَاهَها ، وتَلْثِمُ النجومُ أرضَه بأفواهِها وشِفاهِها . نسبُ المجدِ به عَرِيق ، وَرَوْضُ الشرفِ به أنيق . ولسانُ الثناء بفَضْله نَطوق . فَلَكُ المجدِ عليه يَدُور ، ويدُ العُلاَ إليه تُشِير . محله شاهق ، ومَجْدُه بَاسِق
ليلة من حسنات الدهر ، هواؤها صحيح ، ونسيمُها عليل ، ليلة كبُرْدِ الشباب ، وبَرْدِ الشراب . ليلة من ليالي الشباب ، فِضيَة الأديم ، مِسكِيّة النسيم . ليلة هي لمْعَةُ العمر ، وغُرةُ الدهر . ليلة مِسْكيّة الأديم ، كافورية النجوم . ليلة رَقَد الدّهر عنها ، وطلعتسعودُها ، وغابت عُذالُها . ليلة كالمسك منظَرُها ومَخْبَرُها . ليلة هي باكورةُ العُمْر ، وبِكْرُ الدهر : ليلة ظلماتها أنوار ، وطِوال أوقاتها قِصَار .
الفواكه والثمار
كَرْم نُسْلِفه الماء القَرَاح ، ويَقْضِينا أُمَهات الرّاح . عنقود كالثريَّا ، وعِنَبٌ كمخازن البلّور ، وضروبِ النُور ، وأوعيةِ السرور . أمّهات الرحيق ، في مخازن العَقِيق . نَخْل نُسْلِفه الماء ، ويقضينا العسل . رُطَب كأنها شُهْدة بالعقيق مقَنَّعة ، بالعِقْيان مُقَمَّعة . رُمَان كأنه صُرَر الياقوت الأحمر . سَفرجل يَجْمَع طيباً ، ومنظراً حسناً عجيباً ، كأنه زِئبر الخزّ الأغبر ، على الديباج الأصفر . تفَّاحٌ نَفَّاحٌ ، يجمع وَصْفَ العاشق الوَجِل ، والمعشوق الْخَجِل ، له نسيمُ العبير ، وطَعْمُ الكرّ ، رسولُ المحب ، وشبيه الحبيب . تِين كأنه سُفر مضمومة على عَسَل . مشمش كأنه الشَّهد في بَيَادِق الذهب .
ماء كالزُّجاج الأزرق ، غدير كعين الشمس ، مَوَارِد كالمَبَارِد ، وماء كلسان الشمعة ، في صفاءِ الدَمْعَة ، يسبح في الرَّضْرَاض ، سَبْحَ النضْناض ، ماء أزرق كعين السِّنَّور ، صاف كقضيب البلور ، ماء إذا مسَّتْه يَدُ النسيم حكى سَلاَسِلَ الفضّة ، ماء إذا صافحته رَاحة الريح ، لبسَ الدِّرْع كالمسيح ، كأنّ الغَدِيرَ بترابِ الماء رداء مُصندل ، بركة كأنها مرآة السماء ، بركة مَفْرُوزةٌ بالخضرة ، كأنّها مِرآة مجلوّة ، على ديباجة خضراء ، بركة ماء كأنها مِرآةُ الصَّناعِ ، غدير ترقرقت فيه دموعُ السحائب ، وتواترَتْ عليه أنفاسُ الرياح الغرائب ماء زرق حِمامُه ، طامية أرجاؤه ، يَبُوحُ بأسْرَاره صفاؤه ، وتلوحُ في قراره حَصْبَاؤه ، ماء كأنما يفقده مَنْ يَشْهده ، يتسَلْسَلُ كالزرافين ، ويرضع أولاد الرَّياحين ، انحلَّ عقدُ السماء ، ووَهَى عقد الأنْوَاء ، انحلَّ سلكُ القطر عن دُرِّ البَحْر ، أسْعَد السحابُ جفونَ العُشَاق ، وأكُفَّ الأجواد ، وانحلَّ خَيْطُ السماء ، وانقطع شِرْيَانُ الغَمامِ ، سحابة يتجلَّى عليها ماءُ البحر ، وتفضُ علينا عقودَ الدّر ، سحابٌ حكى المحبَّ في انسكاب دموعِه ، والتهاب النارِ بين ضُلُوعه ، سحابة تحدو من الغيوم جمالاً ، وتمدُّ من الأمطار حِبالاً ، سحابة ترسلُ الأمطارَ أمواجاً ، والأمواجَ أفواجاً ، تحللت عقد السماء بالدِّيمة الهَطْلاء ، غيث أجشُّ يروي الهِضَابَ والآكام ، ويُحيي النبات والسَّوَام ، غيث كغزارة فضلِكَ ، وسلاسة طبعك ، وسلامة عقدك ، وصفاء وُدِّك ، وَبْل كالنبل ، سحابهٌ يضْحَكُ من بُكائها الرَوْض ، وتَخْضَر من سَوَادها الأرض ، سحابة لا تجف جفونُها ولا يَخفّ أنينها ،ديمة رَوَّت أديمَ الثرى ، ونبهت عيونَ النوْرِ من الْكَرى ، سحابة ركبت أعْنَاق الرياح ، وسَحَتْ كأَفْوَاه الجراح ، مطر كأفْواه القِرَب ، ووَحل إلى الركب ، أنْدِية مَنَّ اللّه معها على البيوت بالثبُوت ، وعلى السقوف بالوُقُوف ، أقْبل السَّيلُ يَنْحَدِرُ انحداراً ، ويحمل أحجاراً وأشجاراً ، كأن به جِنة ، أو في أحشائه أجِنَّة .
وبعض ما مرّ من هذه الألفاظ محلول نظام ما تقدّم إنشاده .
ولهم في مقدمات المطر
لبست السماءُ جلبَابها ، وسحبت السحائِبُ أذيالها ، قد احتجبت الشمسُ في سُرَادق الغَيم ، ولبس الجوُّ مُطْرَفَهُ الأدكَنَ ، باحت الريحُ بأَسْرارِ النَّدَى ، وضربت خيمَة الغمام ، ورشّ جيش النسيم ، وابتلّ جناحُ الهواء ، واغرورقت مُقْلة السماء ، وبَشَرَ النسيم بالندى ، واستعدت الأرضُ للقطر ، هبّت شمائل الجنائِب ، لتأليف شمل السحائب . تألّفت أشتاتُ الغيوم ، وأسبلت السُّتُور على النجوم .
وفي الرعد والبرق
قام خطيبُ الرَّعْدِ ، ونبض عِرْق البَرْقِ ، سحابة ارتجزت رَوَاعدها ، وأذهبت ببروقها مطاردها ، نطقَ لسانُ الرعد ، وخفق قَلْبُ البرق ، فالرعْدُ ذو صَخَبٍ ، والبَرْقُ ذو لَهَبٍ ، ابتسم البَرْقُ عن قهقهة الرعد ، زأرت أسْد الرعد ، ولمعت سيوف البَرْقِ ، رعدت سيوفُ الغمائم ، وبَرَقَتْ ، وانحلّت عَزَاليُ السماء فطبقت ، هَدَرت رَوَاعِدها ، وقربت أبَاعدها ، وصدقت مَوَاعدها ، كأن البرق قلب مَشُوق ، بين التهاب وخُفُوق
الحسد
دَبت عقارِبُ الحسَدَة ، وكمنت أفاعِيهم بكل مَرْصَدٍ . فلان مَعْجُون من طِينَةِ الحسد والمُنَافَسَة ، مضروبٌ في قالب الضَيق والمناقشة . قد وكلَ بي لَحظاً ينتضِلُ بأَسهُمِ الحسد . فلان جَسدٌ كلُه حسد ، وعقد كلُه حِقْد . الحاسدُ يَعمَى عن محاسن الصُبح ، بعين تُدْرِكُ حقائقَ القُبْحِ
التقى والزهد
فلان عَذْب المَشْرب ، عَفّ المَطْلَب ، نَقيّ الساحة من المآثم ، بَرِيء الذمة من الجرائم ، إذا رضي لم يَقُلْ غيرَ الصدق ، وإذا سخِط لم يتجاوَزْ جانِبَ الحق ، يرجعُ إلى نفسٍ أمَّارة بالخير ، بعيدةٍ من الشر ، مدلولة على سبيل البِر ؛ اعْرَض عن زِبْرجِ الدنيا وخُدَعها ، وأقبل على اكتساب نِعَم الآخرة ومُنَعِها . كَفَ كَفَه عن زُخْرف الدنيا ونَضْرَتها ، وغَضَّ طَرْفَه عن متاعها وزَهْرتها ، وأعرض عَنهَا وقد تعرَضتْ له بزينتها ، وصدَ عنها وقد تصدَّت له في حِلْيتها .
فلانٌ ليس ممن يَقِف في ظل الطمع ، فيُسِف إلى حَضيض الطَّبَع ، نَقيّ الصحيفة ، عَلي عن الفضيحة ، عَف الإزار ، طاهر من الأَوْزَار ، قد عاد لإصلاح المعاد ، وإعداد الزاد
السكاكين
سكّين كأنَّ القدرَ سائقُها ، أو الأجَل سابقها ، مُرْهَفَة الصَدْرِ ، مُخْطَفة الخصْر ، يجولُ عليها فِرند العِتْق ، ويموج فيها ماء الْجَوهر ؛ كأنّ المنية تبرق من حدها ، والأجل يَلْمع من متنها ، رَكبَتْ في نِصَاب آبنوس ، كأنَ الحَدَق نفضَت عليه صِبْغَها ، وحَبّ القلوب كستهْ لباسها . أخذ لها حديدها الناصح بخط من الروم ، وضرب لها نصابها الحالِك بسهم من الزنج ، فكأنها ليل من تحتِ نَهار ، أو مجمر أبْدَى سَنَا نَار ، ذات غِرار ماضٍ ، وذبَاب قاض . سكيِن ذات مِنْسَر بازِيّ ، وجَوْهر هوائي ، ونِصَاب زنجي ، إن أُرضِيت أولت مَتْناً كالدهان ؛ وان أُسْخِطَتْ اتَقَتْ بنابِ الأُفعوان . سكين أحْسَنُ من التلاَقْ ، وأقْطَع من الفراقْ ، تفعل فِعْلَ الأعْدَاء ، وتنفعُ نَفْعَ الأصدقاء . هي أمْضَى من القَضَاء ، وأنْفَذُ من القَدَر المتَاح ، وأقْطَعُ من ظُبَةِ السيف الحُسام ، وألمع من البَرْقِ في الغَمام . جمعت حُسْن المنظر ، وكَرَمَ المخْبَر ، وتملَكتْ عِنان القلب والبصر ، ولم يُحْوجهَا عتْقُ الْجَوهَر إلى إمهاء الحجر
الأمكنة والأزمنة
بلدة كأنها صورةُ جنَة الخلد ، منقوشة في عَرْضِ الأرض . بلدةٌ كأن محاسنَ الدنيا مجموعةٌ فيها ، ومحصورة في نواحيها . بلدة كأن ترابَها عنبر ، وحَصباءها عقيق ، وهواءها نسيم ، وماءها رَحِيق . بلدةٌ معشوقة السُّكْنَى ، رَحْبَةُ المَثْوى ، كوكبُها يقظان ، وجَوّها عُريان ، وحَصَاها جَوْهر ، ونسيمُها مُعَطّر ، وترابها مِسْك أذفر ، ويومها غداةٌ ، وليلهاسَحر ، وطعامها هنيّ ، وشرابها مَرِيّ . بلدة واسعةُ الرقعة ، طيبة البقعة ، كأنّ محاسن الدنيا عليها مفروشة ، وصورة الجنة فيها منقوشة ، واسطة البلاد وسرّتها ، ووجهها وغرّتها .
ولهم في ضد ذلك : بلد مُتَضايِقُ الحدود والأفنية ، متراكب المنازلِ والأبنية . بلد حرُّها مؤذٍ ، وماؤها غير مغذ . بلدة وَسخة السماء ، رَمِدة الهواء ، جوها غبار ، وأرضها خَبَارٌ ، وماؤُها طين ، وترابُها سِرْجِين ، وحيطانها نزوز ، وتشرينها تموز ، فكم في شمسها من محترق ، وفي ظلها من غَرق . بلدة ضيقة الديار ، سيئة الجوار ، حيطانها أخْصَاص ، وبيوتها أقفاص ، وحُشُوشها مسايل ، وطرقها مَزَابل .
ولهم في صفات الحصون والقلاع : حصن كأنه على مَرْقَب النجم ، يحسر دونه الناظر ، ويقصر عنه العُقابُ الكاسِرُ يكادُ مَنْ علاَه يغرق في حوض الغمام . حصن انتطق بالجوزاء ، وناجَتْ أبراجُه بُرُوجَ السماء . قلعة حلَّقت بالجو تُناجِي السماء بأسرارها . قلعة بَعُدَ في السماء مُرْتَقاها ، حتى تساوى ثَرَاها مع ثريّاها . قلعة تتوشح بالغيوم ، وتتَحلَّى بالنجوم . قلعة عالية على المرتقى ، صمَّاء عن الرقى ، قد جاوزت الجوزاء سَمْناً ، وعزلتِ السماك الأعْزل سَمْكاً ، هي متناهية في الحصانة ، موثوقة بالوثاقةِ ، ممتنعة على الطلب والطالب ، منصوبة على أضيق المسالك وأوعر المناصب ، لم تزدْها الأيامُ إلا نبوّ أعطاف ، واستصعاب جوانب وأطراف ، قد ملّ الوُلاةُ حِصَارها ، ففارقوها عن طموح منها وشِمَاسٍ ، وسئمت الجيوشُ ظلَّها ، فغادَرَتْها بعد قنوطٍ ويأسٍ ، فهي حِمًى لا يُرَاغ ، ومَعْقِل لا يُستطاع ، كأَنَّ الأيام صالحَتها على الإعفاء من الحوادث والليالي عاهَدتها على التسليم من القوارع . قلعة تَحْوي من الرَِّفْعَةِ قَدراً لا تستهان مواقعه ، وتلوي في المنعة جيداً لا تستلان أخادِعه ، ليس للوَهم قبل القدوم إليها مَسْرَى ، ولا للفكْرِ قبل الخَطْو نحوها مَجْرى .
ولهم في صفات القصور والدور : قصر كأن شُرُفَاته بين النَّسْر والعَيُّوق ، كأنهيُسَامِي الفَرْقَد ، وقد اكتسَتْ له الشِّعرى العَبور ثوبَ الغيور . قصر طال مَبْنَاه ، وطاب مَغناه ؟ كأنه في الحَصَانة جبلٌ مَنيع ، وفي الحسن رَبيع مَرِيع . شُرُفَات كالعذارى شَدَدْن مناطقها ، وتوجّن بالأكاليل مفَارِقَها . قَصْرٌ أقرّت له القصورُ بالقُصور ، كأنه سَحَاب في بحو السماء . دار قَوْرَاء تُوسِع العينَ قُرة ، والنفس مسرّة . كأنَّ بانيها استسلف الجنّة فعُجِّلت له . دار تخجل منها الدور ، وتتقاصَرُ عنها القصور ، إن مات صاحبُها مغفوراً له فقد انتقل مِن جنة إلى جنة . دار قد اقترن اليُمْن بيمناها ، واليُسْر بيُسْراها ، الجسومُ منها في حَضَر ، والعيون على سَفَر . دار هي دائرة الميامن ، ودَارَة المحاسن . دارٌ دارَ بالسعد نجمُها ، وفاز بالحسن سَهْمها ، دار يخدمها الدهر ، ويأويها البَدْرُ ، ويكنفها النَّصر ، هي مَرْتَع النواظر ، ومتنفَّس الخواطر . دارٌ قد أخذت أدواتِ الجِنَان ، وضحكت عن العَبْقَريّ الحِسان
الديار الخالية
دارٌ لبِسَت البِلى ، وتعطلت من الحُلى . دار قد صارت من أهلها خالية ، بعد ما كانَتْ بهم حَالية . دار قد أنفَد البين سكانَها ، وأقعد حيطانها ، شاهد اليأس منها ينطِقُ ، وحَبْلُ الرجاءِ فيها يقصر كأنّ غفرانها يُطوئ وخرابَها يُنْشر ، أركانُها قيام وقعود ، وحيطانها ركَّعٌ وهُجود
لثلج والبرد والأيام الشتوية
ألقى الشتاءُ كَلْكَله ، وأحلّ بنا أثقاله . مدّ الشتاء أرِواقه ، وألقى أوراقه ، وحلّ نِطَاقه . ضرب الشتاء بجِرَانه ، واستقلّ بأركانه ، وأناخ بنوازله ، وأَرْسَى بكلاكله ، وكلح بوجهه ، وكشّر عن أنيابه . قد عادت هامات ، الجبال شِيبَاً ، ولبست من الثلج بُرداً قَشِيباً . شابت مفارق البروج لتراكم الثلوج ، ألمّ الشيب بها وابيضَّت لِمَمُها . قد صار البردُ حجاباً ، والثلج حجازاً . بَرْد يغير الألوان ، وينشف الأبدان . بردُ يُقَضْقِض الأعضاء ، وينفض الأحشاء . برد يُجْمد إلريقَ في الأشداق ، والدمعَ في الآماق . بَرْد حال بين الكلب وهَرِيره ، والأسَد وزئيره ، والطير وصَفِيره ، والماء وخرِيره . نحن بين لثق ، ورثق ، وزلق ، يوم كأنَّ الأرضَ شابَتْ لهَوْلِه . يوم فضّي الْجِلْبَاب ، مِسْكِيّ النقاب ، عبوس قَمْطَرير ، كشّر عن ناب الزمهرير ، وفرش الأرض بالقوارير . يوم أخذت الشَّمال زِمامه ، وكسا الصِّرُ ثيابه . يوم كأنّ الدنيا فيه كافُورة ، والسماء بلّورة . يوم أرضه كالقوارير اللامعة ، وهواؤه كالزنانير اللاسعة . يوم أَرضه كالزجاج ، وسماؤه كأطراف الزِّجَاج . يوم يثقل فيهالخفيف إذا هجم ، ويخفّ الثقيل إذا هجَر ، نحن فيه بين أطباق البَرْد فما نستغيث إلا بحرِّ الراح ، وسَوْرَة الأقداح . ليس للبرد كالبُرْد ، والخَمْرِ ، والجَمْرِ . إذا كَلِبَ الشتاء ، فترياق سمومه الصَلاء ، ودَرَقُ سيوفِه الطِّلاء .
نقيض ذلك من كلامهم في وصف القيظ وشدة الحرّ
قوِي سلطان الحَرّ ، وبُسِطَ بساط الجَمر . حَر الصيف ، كحدِّ السيف . أوقدت الشمس نارَها ، وأذكت أُوارها . حرّ يلفح حرّ الوجه . حَرٌ يشبه قَلْبَ الصَّبِّ ، ويُذيب دماغ الضّبِّ . هاجرة كأنها من قلوب العشّاق ، إذا اشتعلت فيها نارُ الفراق . هاجرة تحكي نارَ الهَجْر ، وتذيب قَلبَ الصخر . كأن البسيطة من وَقدة الحرّ ، بساط من الجمر . حَرٌ تهرب له الحِرْباء من الشمس ، قد صهَرَت الهاجرةُ الأبدان ، وركبت الجنادبُ العيدان . حرّ يُنْضِج الجلود ، ويُذيب الجلمود . أيام كأيام الفُرْقة امتداداً ، وحرّ كحرّ الوَجد اشتداداً . حرٌّ لا يطيبُ معه عيش ، ولا ينفع معه ثلج ولا خيش . حمارة القيظِ ، تغلي كدم ذي الغيظ . آبَ آبٌ يَجِيش مِرْجَلُه ، ويَثُور قَسطَلُه . هاجرة كقلب المهجور ، أو التنور المَسْجور . هاجرة كالجحيم الجاحم ، تجرّ أذيالَ السمائم
بدا حاجِبُ الشمس ، ولمعَتْ في أجنحَة الطيرِ ، وكشفَتْ قِناعَها ، ونثرتْ شُعاعَها ، وارتفع سُرادِقُها ، وأضاءتْ مشارِقُها ، وانتشر جناحُ الضوء في أفق الجو . طَنّبَ شعاعُ الشمس في الآفاق ، وذهبَتْ أطراف الجدران . أينع النهار وارتفع . استوى شَبَابُ النهار ، وعلا رونق الضحى ، وبلغت الشمسُ كبد السماء . انتعل كل شيء ظله ، وقام قائمُ الهاجِرَة ، ورمَت الشمس بجَمَراتِ الظهر . اصفرَتْ غِلاَلَةُ الشمسِ ، وصارت كأنها الدينارُ يلمعُ في قرارِ الماء ، ونفضَتْ تِبراً على الأصيل ، وشَدَّتْ رَحْلَها للرحيل ، وتصوّبَتْالشمسُ للمغيب ، وتضيّفَتْ للغروب فأَذِن جَنْبُها للوُجوب . شاب النهارُ ، وأقبل شبابُ الليلِ ، ووقفت الشمسُ للعيان ، وشافَهَ الليلُ لسان النهارِ . الشمسُ قد أشرقَتْ بروجُها ، وجنحت للغروب ، وشافَهتْ دَرج الوجوبِ . الجوُ في أطمارٍ مُنْهَجَةٍ من أَصائله ، وشفوت مورَّسَة من غَلاَئله . استتر وَجْهُ الشمسِ بالنِّقَاب ، وتوارَتْ بالحجابِ . كان هذا الأمرُ من مطلع الفلق ، إلى مجتمع الغَسَق . فلانٌ يركبُ في مقدمة الصُبح ، ويرجع في ساقة الشفق ، ومن حين تفتحُ الشمس جَفْنَها ، إلى أن تغمض طَرْفها ، ومن حين تسكنُ الطيرُ أوكارَها ، إلى حينِ ينزلُ السَّرَاةُ مِنْ أكوارِه
ليلة من غُصَص الصَّدْرِ ، ونِقَم الدهْرِ . ليلةُ همومٍ وغموم ، كما شاء الحسود ، وساءَالوَدود . ليلة قصّ جناحُها ، وضَلَّ صباحُها . ليل ثابتُ الأطناب ، طامي الغوارب ، طَامح الأمواج ، وافي الذّوائب . ليال ليست لها أسْحَار ، وظلمات لا تتخلّلها أنوار
ذَوَى غُصْنُ شبابه . بَدَت في رأسه طلائع المشيب ، أخذ الشيب بعِنَان شبابه ، غزاه الشَّيْب بجيوشه ، طَرَّز الشيبُ شبابَهُ ، أَقْمَرَ ليلُ شبابه ، أَلجمه بلجامه ، وقاده بزِمامه ، علاه غبارُ وقائع الدهرِ . وزن هذا لابن المعتز : الكامل :
هذا غبارُ وقائعِ الدهرِ بينا هو راقد في ليل الشباب ، أيقظه صبحُ المشيب . طوى مراحلَ الشباب ، وأنفق عمره بغير حساب . جاوز من الشباب مَرَاحل ، ووردَ من الشَّيبِ مَنَاهل . فَلَّ الدهرُ شبَا شبابه ، ومَحا محاسنَ رُوَائه . قضى باكورة الشباب ، وأنْفَقَ نَضَارَةَ الزمان . أَخْلَق بُرْدَة الصِّبا ، ونهاه النهي عن الهوى . طار غرابُ شبابه . انتهى شبابه ، وشاب أترابه . استبدل بالأدهم الأبْلَقَ ، وبالغراب العَقْعق 0 انتهى إلى أَشُدِّ الكهل ، واستعاض من حَلَك الغراب بقادمةِ النَّسر . افترّ عن نَابِ القارح ، وقرع نَاجِذَ الحلم ، وارتاضَ بلِجام الدَّهرِ ، وأدرك عصر الْحُنكة وأوان المسكة . جمع قوَّة الشباب إلى وَقَار المشيب . أسفر صبحالمشيب ، وعَلَتْه أبهة الكِبَر . خرج عن حد الحداثة ؛ وارتفع عن غِرَّةِ الغَرَارة . نَفَض حِبَرَةَ الصبا ، ووَلى داعية الحجا . لما قام له الشيب مقام النصيح ، عدل عن علائق الحداثة بتَوْبة نَصُوح . الشيب حِلية العقل وشِيمة الوقار . الشيب زبدةٌ مخَضَتها الأيام ، وفِضّة سبكتها التجارب . سرى في طريق الرشد بمصباح الشيب . عصى شياطين الشباب ، وأطاع ملائكة الشَّيْب . الشيخ يقول عن عيِان ، والشاب عن سَماع . في الشيب استحكام الوَقَار وتناهي الجلال ، ومِيسَم التجرِبة ، وشاهد الحنكة . في الشيب مقدَّمَة الموت والهَرَم ، والمؤْذِن بالخَرَف ، والقائد للموت . الشيبُ رسول المنية . الشيب عنوَان الفساد . والموتُ ساحل ، والشيبُ سفينة تقرب من الساحل . صفا فلان على طول العمر ، صفاء التِّبْر على شغب الجمر . لقد تناهت به الأيامُ تهذيباً وتحليماً ، وتناهت به السّن تجريبَاً وتحنيكاً . قد وعظه الشَّيْبُ بوَخْطِه ، وخَبطه السنُّ بابنه وسِبطه ، قد تضاعفت عقودُ عمره ، وأخذت الأيام من جسمه . وجَد مَسّ الكبر ، ولحقه ضَعْفُ الشيخوخة ، وأساء إليه أثر السنّ ، واعتراض الوهن . هو من ذوي الأسنان العالية ، والصحبَة للأيام الخالية . هو هِمُّ هَرِم ، قد أخذ الزمانُ من عَقْله ، كما أخذ من عمره . ثَلَمَه الدهر ثَلْمَ الإناء ، وتركه كذِي الغارب المنكوب ، والسَّنام المجبوب
محبسه، ثم انقطع عنه: إن استدعينا حضورك أيدك الله، عرضناك للعناء، وإن تاركناك أعناك على البعد والجفاء. والأولى بك أن ترد أمر ترددك إلى هوى مودتك، فإنه ينشطك على المواصلة والطلب، وتتهم مشورة الرأي في مقام الخطار، فإنه يثبطك عن التعب أو العطب. فإن فرسان الوغى، وأهل الصبابة والهوى، لو لم ينزلوا من قلل عقولهم قليلاً، لم يجدلوا قتيلاً، ولا وجدوا إلى قضاء وطر سبيلاً. وقد زرع أيده الله زرعاً ما يقوم بسقيه، غير سعيه؛ ولا ينشيه، إلا تردده وتمشيه. فإن راعاه رعاه، وإن جنى عليه بجفاه حُرمَ جناه.



الفصل الأول: في السماء وزينتها

أيقظتني ليلة دواعي الهموم، فنظرت نظرة في النجوم فإذا السماء كأنها روضة مزهرة، أو صرح كنَّسُ جواريه مسفرة، أو غدير تطفو عليه الفواقع، أو بنفسج نور أقاحه لامع، أو مسح ألقي عليه دررُ غواص، أو ستر به لعين كل نجم وصواص، أو جمر في خلال رماد، أو كما قال من أجاد:
بساط زمرد نثرت عليه ... دنانير تخالطها دراهم
ونهر المجرة يجري في سندسها، ويسري ليسقي ذابل نرجسها، وياله من نهر صفا ماؤه، وعقد على الأفق لواؤه، ينقلب القلب إليه، ويقف طِرف الطرف عليه، ويقبل نحوه الدبران، وينصب على شطه الميزان، ويحوم حوله النسران، ويعوم فيه الحوت والسرطان
والثريا كأكرة أو كجام ... أو بنان أو طائر أو وشاح
أو باقة من نرجس، أو كأس يدار في المجلس، أو شمع يتوقد، أو شمس من عسجد، أو شذر منضود، أو كرم أو عنقود، أو عقد لؤلؤ حسن الاتساق، أو أقراط خَود ترتعد فرقاً من الفراق:
وسهيل كوجنة الحب في اللو ... ن وقلب المحب في الخفقان
أو كمصباح تلعب به أيدي الرياح، أوظامئ يريد أن يرد، أو فارس في حمي الحمى مجتهد، أو مُشوق يتبع الآثار، أو غريب لا يزور ولا يزار، أو غريق يدعي قوة السباحة، أو ماجد أنف من الذل فألف السباحة، أو مغاضب يدعى فلا يجيب، أو محب يغض الطرف ويفتحه خوف الرقيب، والجوزاء النيرة كالشجرة المنورة:
كأنها منطقة من ذهب ... قد عقدت على قباء أزرق
والفرقدان الهاديان المرشدان:
كأنهما إلفان قال كلاهما ... لشخص أخيه: قل فإني سامع
والذراع يذرع شقة الأفق، والجبهة تسجد على مفارق الطرق، والعيوق يعوق عن السير إذا سار، والعوا أعينها نشاوى قد تغشاها خمار، والسماك معتقل رمحه، والنثرة منتظمة كالسُبحة، والنعائم تحدوها النعامى، وزهرة الزهرة تضيء بين الخزامى،

(1/4)


وبهرام يُخجل البهرمان، والإكليل ليس يكل من مسايرة الأظعان، والمقدم لا يتأخر عن الإعناق والإيجاف، والصرفة قد همت مع العسكر بالانصراف:

تمر بوادياً ليلاً وتطوى ... نهاراً مثل ما طوي الإزار
فكم بصقالها صدي البرايا ... وما يصدى لها أبداً غرار
فبينما أنا أسرح في درر الدراري نظري، وأروّض في رياضها جواد فكري. وأقدس من هي مسخرات بأمره، وأنزه من هدى خلقه بها في بره وبحره، إذ هب نسيم السحر يروي عن أهل نجد أطيب الخبر، فعطر الكون بعرفه، وملك الرق برقته ولطفه، وأهدى الروح إلى الأرواح، وأطرب السمع بأحاديثه الصحاح:
فهو حياة لكل حي ... كأن أنفاسه نفوس
فاستبشرت بوروده، وحصلت على الفائدة من وفوده، وسرّ بمناجاته سرّي، وقلت له والدموع تجري:
أعد ذكر من حل الغضا يا محدثي ... وإن أضرموه بالأضالع والصدر
ولا تنس سكان العقيق وإن هم ... على وجنتي أجرَوه في مدة الهجر

(1/5)


فلما أتمت الإنشاء، والانشاد وشرعت في طلب الإسعاف والإسعاد؛ تبسم الفجر ضاحكاً من شرقه، ونصب أعلامه على منازل أفقه، فانطوى نشر الليل، وكف من غمره الذيل، وارتفعت الحجب، وتأججت نار الشهب، واقتنص بازي الضوء غراب الظلام، وفضّ كافور النور عن الغسق مسك الختام:

وشردّ الصبح عنا الليل فاتضحت ... سطوره البيض في ألواحه السود
وفلت جيوش الدجا، وحرك النهار منه ما سجا، وجنح جنحه إلى الرحيل، وتلا لسان حال التحويل: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ}

الفصل الثاني: في الشمس والقمر

بكرت يوماً بعد أداء الفرض، أتفكر في خلق السموات والأرض، فلمحت المشرق بالنظر، وإذا قرن الغزالة قد ظهر، كأنه جذوة نار، أو قطعة من دينار، أو كأس سُتر بعضه بالحباب، أو حسناء غطت وجهها بنقاب، ثم كشفت أستارها، وألقت على الأفق أنوارها، وبرزت كأنها كرة في ميدان، أو مجَنّ دولاب ضمخ بالزعفران، أو مرآة لم

(1/6)


تصقل ولم تطرق، أو وجه المليحة في خمار أزرق، أو سبيكة زجاج منتفخة الجوانب، أو بُودقة يحرك فيها ذهب ذائب.

وكأنها عند انبساط شعاعها ... تبر يذوب على فروع المشرق
فقلت أهلاً بالجارية، التي في طلعتها ما يغني عن الجارية، والعين التي تغار منها العين، والجونة التي وضح منها الجبين، والسراج الوهاج التي تبرجت بها الأبراج، أنت المخصوصة بالشرف والرفعة، أنت واسطة عقد الكواكب السبعة، أنت للحكمة برهان، وللفلك معيار وميزان، أنت الناطقة في صمتها، التي قصر البليغ عن وصفها ونعتها، أنت ملك مقدم، أنت النير الأعظم، أنت يوح التي تغدو في مصالح العالم وتروح، أنت ذكاء التي ذكت نارها، أنت الضحى التي علا منارها، أنت الشمس، التي بها تعرف الأوقات الخمس، بك ينشر الظل ويطوى، ويشتد النبات بعد ضعفه ويقوى، ويستدل على طريق الصواب، ويعلم عدد السنين والحساب، لما سفرت رافلة في الحلل المعصفرة، حيت آية الليل وجعلت آية النهار مبصرة، وناهيك بها منزلة، وحسبك أن صفاتك في الكتاب منزلة، ثم تمشت على بساطها وخطرت

(1/7)


في وشيها ورياطها، وسبحت في فلكها مرشدة إلى الحقائق، مظهرة أسرار الساعات والدرج والدقائق.

تسمو إلى كبد السماء كأنها ... تبغي هناك دفاع أمر معضل
واستمرت سائرة يحدوها مر النسيم {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}.
فلم يزل فكري يصاحبها، وطرفي يرعاها ويراقبها:
حتى إذا بلغت إلى حيث انتهت ... وقفت كوقفة سائلٍ عن منزل
ثم انثنت تبغي الخدورَ كأنها ... طيرٌ هفا لمخافة من أجدل
فلما حجبت عن العيون شخصها، وخطف المغرب من يد المشرق قرصها، واكتحلت جفون الأفق بالنار، وطرد زنجي الليل رومي النهار، بزغ الهلال، بأمر ذي الجلال، كأنه قوس
موتور، أو زورق منحدر في بحر الدَيجور، أو شطرُ سِوار، أو منجلٌ معدّ لحصاد الأعمار، أو
خنجر مرهفُ النصلَين، أو نونٌ مرسومة الشأفة: الأصل من لُجين، شفة كأس مائلة، أو مخلب
عقاب صائلة، أو قطعة من قيد، أو فخ نصب للصيد، أو حرف جيم، أو عرجون قديم، أو حاجب شيخ أدركه الشمط،

(1/8)


أو نعل من حافر أدهم الدجا سقط، أو ذباب سيف خرج من جفنه، أو راكع يعبد من لا يحدث أمر إلا بإذنه. وفي معناه من قصيدة

وترى الهلال يلوح في أفق السما ... يبدو كقوس بالمنى يرميني
أو شبه فخ أو كدملج غادة ... وكجانب المراّة العرجون
وجبين حب بالعمامة قد زها ... وكوجه خود بالنقاب مصون
وكتاب فيل أو قلامة أنمل ... وكزورق وكحاجب مقرون
أو كالسوار أزيل منه البعض أو ... قربوس سرج مذهب أو نون
وكشأفة الكأس المخبأ بعضه ... ضمن الشفاه ومنجل مسنون
هو منجل الأعمار للحصد الذي ... يُفني أولي التزيين والتحسين
وإذا مضى سبع تراه كأنه ... نصف لتعويذ بدا لعيون
وإذا تكامل صار جاماً صافيا ... كأنه من لؤلؤ مكنون

(1/9)


أو غادة قد أسفرت عن وجهها ... غنيت عن التحسين والتزيين

هذا هو المشهور في تشبيهه ... قدماً وذلك جمعه يكفيني
فقلت: مرحباً بمن ثياب مناوئه رثاث قر عيناً ستعود قمراً بعد ثلاث. ثم تصير بدراً، إن في ذلك لذكرى:
وإذا رأيت من الهلال نموه ... أيقنت أن سيكون بدراً كاملاً
أنت الزمهرير الذي ليس له في نضارته نظير، أنت الزبرقان الذي له في كل شهر مهرجان. أيها القمر كم محب طاب له فيك السمر، أيها الواضح الباهر، ما أنت إلا مثل سائر، أيها البدر الكامل، الذي فضله للبرية شامل، لا تأس على ما فاتك من الدرج، ولا يكن في صدرك من الغزالة حرج:
فقد تخمد الشمس الصباح بضوئها ... تفاوتت الأنوار والكل رائق
منازلك معروفة، ومحاسنك موصوفة، وشرفك باذخ، وقدمك راسخ، وآياتك ظاهرة، وسفارتك سافرة، وكم أوضحت من طريق، وهديت الرفيق إلى الفريق، وذكرت محبوباً

(1/10)


لمحبوبه، وبلغت طالباً غاية مطلوبه، أحسن بضوء ذبالتك وحسبي مثالاً بهالتك، جعلك الباري في السموات نورا، وكان أمر الله قدرا مقدورا. فسبحان من جلا بمحياك حندس الغسق، وأقسم بك في قوله: {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ}، قدرك أثيث أثيل، ومحبك نبيه نبيل، ووجهك يابثينة الحسن جميل:

على رسل فما لك من مجار ... إلى رتب العلاء ولا رسيل
فتبارك أسم من ألبسكما أحسن الحبر، وتعالى جد من جعلكما مصباحين لأهل النظر، ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر.
ثم لم يبرح يسري وأنا لا أبرح، وينجلي وأنا أشاهد وجهه الأصبح، إلى أن غاب واختفى، وحسبنا الله وكفى.

الفصل الثالث: في السحاب والمطر

إن الله تعالى حكم دائم النفوذ، وحكيم يهدي شفاء النجاة لمن به يلوذ. وله أسرار معناها دقيق، لا يفهمه إلا أرباب التحقيق. أمسك الغيث عن عباده في عام، فخاض كل منهم في بحر دمعه وعام. وساءت الظنون بضن السحاب، واشتاق النبات إلى سماع وقع الرباب. وظمئت الحياض، وعبست وجوه الرياض. واستدت العيون بالنقع المثار، وتعطلت

(1/11)


من حلى المزن أجياد الأزهار. وذهلت العقول لفقد الصوب عن الصواب، وقص جناح السرور وطارت الألباب. وطوي بساط الإنبساط ووقع القول في هياط ومياط. وطالت عهود العهاد، وتأهبت الأرض للبس أثواب الحداد:

وأصابت نبت الربا فاصل عين شمس ... أورثته مذلة واصفرارا
كلما جال طرفها ترك النا ... س سكارى وما هم بسكارى
فبينما هم يجرون أذيال الكآبة، ويرفعون الدعاء إلى مواطن الإجابة، تداركهم الله بالطف الخفي، وانثال عليهم المن الحفي، ونظر الله عليهم بعين حكمته، وحرك ساكن الرخاء لتجري بنعمته، وهو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته، فمدت أعناقها، وجدت إعناقها وركضت عادياتها، وجرت على أحسن عاداتها، وسدلت من أرديتها الأردان، وارخت العنان في طلب العنان:
ورياح تبشر الأرض بالقطر ... كذيل الغلالة المبلول
ووجوه البقاع تنتظر الغيث ... انتظار المحب رد الرسول
فأقلت سحاباً ثقالاً، يستهل كرماً ونوالاً، مشكي الإهاب، خصيب الجناب، فسيح الرحاب، صادق الوعود، متلاحق الوفود، كثير الأعوان والجنود، يؤذن بالموارد الطامية، وشفاء

(1/12)


الشفاه الظامية، وإثراء فقير الثرى، وإجراء دمعه أسفاً على ما جرى:

أكب على الآفاق إكباب مطرق ... يفكر، أو كالنادم الملتهف
ومد جناحيه إلى الأرض جانحاً ... وراح عليها كالغراب المرفرف
والرعد يزجره ويسوقه بين يديه، فإذا قصر صاح به وزمجر عليه، تارة يترنم كالحمام، وطوراً يزأر كالأسد الضرغام:
وكأن صوت الرعد خلف سحابة ... حاد إذا ونت النجائب صاحا
والبرق يلمع ويلمع، ويمنح ثم يمنع، كأنه ثغر أشنب، أو قبس يلتهب، أوحسام يمان، أو
فؤاد جبان، أو سلاسل من ذهب، أو أشهب مال جله حين وثب أو أنامل بعض الحساب، أو حية تتلوى، أو كف خضيب يمد ويقبض، أو خود تعرض بعد أن تتعرض:
ترى الأرض منه وقد فضضت ... ووجه السماء وقد ذهبا
وقوس الغمام للجو نطاق، لا بل تاج على مفارق الآفاق، يزهو بلجَينه وعسجده، ويفخر بياقوته وزبرجده:

(1/13)


كأذيال خود أقبلت في غلائل ... مصبغة والبعض أقصر من بعض

فلما تراكمت السحائب، واجتمعت حولها الكتائب، واتسع صدرها، واستحكم أمرها، وحلق بالجو ناهضها واعترض في الأفق عارضها، ونصبت راياتها، وانتهت غاياتها، وآن رحيلها وتفريق شملها، وحان وضعها وفصال حملها، أجرت مدامعها، وردت ودائعها، وحلت نطاقها، وفكت أزرار أطواقها، وحثت الركائب، وأسبلت الذوائب، وسمحت بطلها وطشها، وسكنت رهج الغبراء برشها، وأروت الحرة برذاذها وهطلها، وأذهبت الحرقة بديمها ووبلها، وآثرت بجودها وجودها، ونثرت على بساط الأرض جواهر عقودها. أبو هلال العسكري:
تخال بها مسكاً وبالقطر لؤلؤاً ... وبالروض ياقوتاً وبالوحل عنبراً
كم أبدت إحساناً وبراً، وبردت من كبد حرى، وأسدت معروفاً، وأغاثت ملهوفاً، وساقت إنعاماً، وسقت حرثاً وأنعاماً، وكفت هماً حين وكفت، وقرطت اّذان الأغصان وشنفت، وأنشرت أمواتاً، وأخرجت حباً ونباتاً، ونشرت مطرفاً بعد الطي {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} وكم نقعت غليلاً، ونفعت عليلاً،

(1/14)


وملأت حياضاً، ونورت رياضاً، وأذلت دراً مصوناً، وشرحت صدوراً، وأقرت عيوناً، وألبست الحدائق بروداً عليها طلاوة، وأهدت للزهر قطراً ظاهر الحلاوة:

ترى فواقعه في الأرض لائحة ... مثل الدراهم تبدو ثم تستتر
فأمسى الناس في عيشة راضية، يرفلون في حلل الرفاهية، أمرعوا بعد الضنك والشظف، وأخصبوا بعد الجدب والطفف، وأصبح محل المحل دارساً، ووجه الأمل يضحك بعد أن كان عابساً، وأخذت الأرض زخرفها بعد أن كان زرعها يهيج، واهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، فثغورها مبتسمة، وفرائد قلائدها منتظمة، ونمارقها مدبجة، ورؤوس
أشجارها متوجة، وغدرانها طافحة، ومخايل السعادة عليها لائحة، وألسنة أهلها مشتغلة بشكر علام الغيوب، وقلوبهم مطمئنة بذكره {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
يبدئ ويعيد، ويمتحن العبيد، ثم يفتح لهم أبواب جوده الوافر وفضله المديد. {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}.

الفصل الرابع: في الليل والنهار

أرقت ذات ليلة في مهادي، فسمعت طارقاً ينادي في النادي

(1/15)


عتاب بن ورقاء الشاعر:

إن الليالي للأنام مناهل ... تطوي وتنشر بينها الأعمار
فقصارهن مع الهموم طويلة ... وطوالهن مع السرور قصار
فقمت من مضجعي، وقد بل ردني مدمعي، متحيراً في أمري، متأسفاً على ما فات من عمري، وقلت: أيها الطارق في ظلمة الليل الغاسق، هل لك في المنادمة؟ فقال: كم نديم سفك المنى، دمه. ثم سلم وجلس، وما تنفس وما نبس. فقلت: يا من شنف السمع بدُره، اذكر لي شيئاً في طول الليل وقصره. فقال:
وليل كواكبه لا تسير ... ولا هو منها يطيق البراحا
كيوم القيامة في طوله ... على من يراقب فيه الصباحا
مقيم ليس يبرح، وعاجز لا يظعن ولا ينزح، برد نجومه لا يذوب وغائب ضوئه ليس يؤوب، لا يبلى جديد مسحه، ولا يجنح إلى الحركة ساكن جنحه، عليله ما يرجى صلاحه، وصباحه، لا يلوح مصباحه، قطع الطريق على السحر، وعذب أجفان المحبين بالسهر:
حدثوني عن النهار حديثاً ... أوصفوه، فقد نسيت النهارا
كأنه صريع راح، أو طائر مقصوص الجناح، أو أسير يخبط

(1/16)


في قيده، أو بحر منع الجزر عن مده، أوكسير ليس له على النهوض اقتدار، أو ضرير يئس طرفه من رؤية النهار:

أو هائم غمر بقطع الفلا ... قد حار لا يدري بمن يهتدي؟
أو جيش زنج بالثرى قد ثوى ... أو دارة حيث انتهت تبتدي
واعلم أيها البصير الناقد، أنه يطول على المهجور الفاقد، ويقصر على المسرور الراقد
أبو سام رحمه الله:
ليلي كما شاءت فإن لم تزر ... طال، وإن زارت فليلي قصير
فقلت: إيه أيها الإمام، أسمعني شيئاً في وصف الأيام. فقال ابن الرومي رحمه الله:
لله أيام تقضت لنا ... ما كان أحلاها وأهناها
مرت فلم يبق لنا بعدها ... شيء سوى أن نتمناها
حيث الوقت معين، دماء الشيبة معين، ونشر البشر فائح، ونور الهناء لائح، والحبيب مجيب، والرقيب غير قريب، وغصن الصبار طيب، ومطرف اللهو قشيب، والعيش غض
والدهر غضيض الطرف، وسعاد السعد ممنوعة من الصرف:
والشمل مجتمع، والجمع مشتمل ... على الجميل وحسن الخلق والخلق

(1/17)


أيا أخا الأدب، إلى كم ذا الحرص والدأب، الأيام نجمها غرار، ومدعي الوفاء منها غدار، كثيرة الملال، سريعة الزوال، تفرق الحبائب، وتسترجع المواهب، ذمامها ذميم ومسالمها سليم. تحل العقود، ولا تحفظ العهود، تكدر الصافي من الشراب، وتعد الظامئ بورود السراب، لقد سقط من تمسك بعراها، وتعب من قصد الراحة من ذراها. قال التهامي رحمه الله تعالى:

ومكلف الأيام ضد طباعها ... متطلب في الماء جذوة نار
ثم قال: مضت الجهمة والشفق، والفحمة والغسق والقطع والسدفة، والبهرة والزلفة وآن لنسمات السحر أن تتبختر، ولعيون الفجر أن تتفجر. وقام للوداع، فقلت زودني بأنعم المتاع.
فقال: دع إزار الأوزار، واتق من لا تدركه الأبصار، وسبحه بالعشي والإبكار {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ}.

الفصل الخامس: في أقسام العام

حضر فصول العام مجلس الأدب في يوم بلغ منه الأريب نهاية الأدب، بمشهد من ذوي البلاغة، ومتقني صناعة

(1/18)


الصياغة. فقام كل منهم يعرب عن نفسه، ويفتخر على أبناء جنسه، فقال الربيع:

أنا شاب الزمان، وروح الحيوان، وإنسان عين الإنسان، أما حياة النفوس، وزينة عروس الغروس، ونزهة الأبصار، ومنطق الأطيار. عرف أوقاتي ناسم، وأيامي أعياد ومواسم، فيها يظهر النبات، وتنشر الأموات، وترد الودائع، وتتحرك الطبائع، ويمرح جَنيب الجنوب، وينزح وجيب القلوب، وتفيض عيون الأنهار، ويعتدل الليل والنهار. كم لي عقد منظوم، وطراز وشي مرقوم، وحلة فاخرة، وحلية ظاهرة، ونجم سعد يدني راعيه من الأمل، وشمس حسن تنشدنا بأبعد ما بين برج الجدي والحمل. عساكري منصورة، وأسلحتي مشهورة: فمن سيف غصن مجوهر، ودرع بنفسج مشهّر، ومغفر شقيق أحمر، وترس بهار يبهر، وسهم آس يرشق فينشق ورمح سوسن سنانه أزرق، تحرسها آيات، وتكنفها ألوية ورايات. بي تحمر من الورد خدوده، وتهتز من البان قدوده، ويخضر عذار الريحان، وينتبه من النرجس طرفه الوسنان، وتخرج الخبايا من الزوايا، ويفتر ثغر الأقحوان قائلاً: أنا ابن جلا وطلاع الثنايا:

(1/19)


إن هذا الربيع شيء عجيب ... تضحك الأرض من بكاء السماء

ذهب حيثما ذهبنا ودر ... حيث درنا وفضة في الفضاء
وقال الصيف: أنا الخل الموافق، والصديق الصادق، والطيب الحاذق. أجتهد في مصلحة الأصحاب وأرفع عنهم كلفة حمل الثياب، وأخفف أثقالهم، وأوفر أموالهم، وأكفيهم المؤونة وأجزل لهم المعونة، وأغنيهم عن شراء الفرا، وأحقق عندهم أن كل الصيد في جوف الفرا، نصرت بالصبا، وأوتيت الحكمة في زمن الصبا. بي تتضح الجادة، وتنضح من الفواكة المادة، ويزهو البسر والرطب، وينصلح مزاج العنب، ويقوى قلب النور، ويلين عطف التين والموز، وينعقد حب الرمان، فيقمع الصفراء ويسكن الخفقان، وتخضب وجنات التفاح ويذهب عرف السفرجل مع هبوب الرياح، وتسود عيون الزيتون، وتخلق تيجان النارنج والليمون، مواعدي منقودة، وموائدي ممدودة. الخير موجود في مقامي، والرزق مقسوم في أيامي. الفقير ينصاع بملء مده وصاعه، والغني يرتع في ربع ملكه وأقطاعه. والوحش
تأتي زرافات ووحدانا، والطير تغدو خماصاً وتروح بطانا.

(1/20)


ابن حبيب رحمه الله تعالى:

مصيف له ظل مديد على الورى ... ومن حلا طعماً وحلل أخلاطا
يعالج أنواع الفواكه مبدياً ... لصحتها حفظاً يعجز بقراطا
وقال الخريف: أنا سائق الغيوم، وكاسر جيش الغموم، وهازم أحزاب السموم، وحادي نجائب السحائب، وحاسر نقاب المناقب. انا أصد الصدى وأجود بالندى، وأظهر كل معنى جلي، وأسمو بالوسمي والولي، في أيامي تقطف الثمار وتصفو الأنهار من الأكدار، ويترقرق دمع العيون، ويتلون ورق الغصون، طوراً يحاكي البقم وتارة يشبه الأرقم، وحيناً يبدو في حلته الذهبية، فينجذب إلى خلته القلوب الأبية. وفيها يكفى الناس هم الهوام، ويتساوى في لذة الماء الخاص والعام، وتقدم الأطيار مطربة بنشيشها، رافلة في الملابس المجددة من ريشها، وتعصفر بنت العنقود، وتوثق في سجن الدن بالقيود، على أنها لم تجترح إثماً، ولم تعاقب إلا عدواناً وظلماً. بي تطيب الأوقات، وتحصل اللذات، وترق النسمات وترمى حصى الجمرات، وتسكن حرارة القلوب، وتكثر أنواع المطموم والمشروب. كم لي من شجرة

(1/21)


أكلها دائم، وحملها للنفع المتعدي لازم، وورقها على الدوام غير زائل، وقدود أغصانها تخجل كل رمح ذابل ابن حبيب رحمه الله.

إن فصل الخريف وافى إلينا ... يتهادى في حلة كالعروس
غيره كان للعيون ربيعاً ... وهو ما بيننا ربيع النفوس
وقال الشتاء: أنا شيخ الجماعة، ورب البضاعة، والمقابل بالسمع والطاعة. أجمع شمل الأصحاب وأسدل عليهم الحجاب، وأتحفهم بالطعام والشراب. ومن ليس له بي طاقة أغلق من دونه الباب. أميل إلى المطيع، القادر المستطيع، المعتضد بالبرود والفرا المستمسك من الدثار بأوثق العرا، المرتقب قدومي وموافاتي، المتأهب للسبعة المشهورة من كافاتي. ومن يعش عن ذكري ولم يمتثل أمري، أرجفته بصوت الرعد، وأنجزت له من سيف البرق صادق الوعد، وسرت إليه بعساكر السحاب، ولم أقنع من الغنيمة بالإياب. معروفي معروف، ونيل نيلي موصوف، وثمار إحساني دانية القطوف. كم لي من وابل طويل المدى وجود وافر الجدا، وقطر حلا مذاقه، وغيث قيد العفاة إطلاقه، وديمة تطرب السمع
بصوتها،

(1/22)


وحيا يحيي الأرض بعد موتها، أيامي وجيزة، وأوقاتي عزيزة، ومجالسي معمورة بذوي السيادة، مغمورة بالخير والمير والسعادة. نقلها يأتي من أنواعه بالعجب، ومناقلها تسمح بذهب اللهب، وراحتها تنعش الأرواح، وسقاتها بجفونهم السقيمة تفتن العقول الصحاح. إن ردتها وجدت مالاً ممدودا، وإن زرتها شاهدت لها بنين شهودا:

وإذا رميت بفضل كاسك في الهوى ... عادت عليك من الدقيق عقودا
يا صاحب العودين لا تهملهما ... حرك لنا عوداً وحرق عودا
فلما نظم كل منهم سلك مقاله، وفرغ من الكلام على شرح حاله، أخذ الجماعة من الطرف ما يأخذ السكر، وتجاذبوا أطرف مطارف الثناء والشكر، وظهرت أسرار السرور، وأنشرت صدور الصدور، وهبت قبول الإقبال، وأنشد لسان الحال:
وماذا يعيب المرء في مدح نفسه ... إذا لم يكن في قوله بكذوب؟
ثم انفض المجلس وحل النطاق، وتفرق شمل أهله وآخر الصحبة الفراق.
السادس: في البحر والنهر
هزتني رياح الأمل البسيط، إلى امتطاء ثبج البحر المحيط. فأتيت سفينة يطيب للسفر مثواها، وركبت فيها {بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا}، موقناً بأن المقدور صائر، معرضاً عن قول الشاعر:
لا أركب البحر أخشى ... علي منه المعاطب
طين أنا وهو ماء ... والطين في الماء ذائب
يالها سفينة، على الأموال أمينة، ذات دسر وألواح، تجري مع الرياح، وتطير بغير جناح، وتعتاض عن الحادي بالملاح. تخوض وتلعب، وترد ولا تشرب. لها قلاع كالقلاع وشراع يحجب الشعاع، وسكينة وسكان ومكانة وإمكان، وجؤجؤ وفقار، وأضلاع محكمة بالقار وجسم عار من الفؤاد، وهو في عين الماء بمنزلة السواد، بعيدة ما بين السحر والنحر، من أحسن الجواري المنشآت في البحر. معقود بنواصيها الخير كالخيل لا تمل من سير النهار ولا من سرى الليل:
ما رأى الناس من قصور على الما ... ء سواها تسير سير القداح

(1/24)


كأنها وعل ينحط من شاهق، أو عرباض سابق يحثه سائق، أو عقرب شائلة، أو عقاب صائلة. أوغراب أعصم، أو تمساح أو أرقم، أو ظليم ثفر في الظلام، أو جواد فر مستنكفاً من صحبة الأنام. حاكمها عادل في حكمه، عارف بنقض أمرها وبرمه، يهتدي بالنجوم، ويبتدئ باسم الحي القيوم، يبرز من نواتيها في جنود، يشمل إحسانهم أهلها أيقاظاً وهم رقود. يتأنفون فيما يعمرون، ويفعلون ما يؤمرون:

يكثرون الصياح حتى كأن الس ... فن تجري من خوف ذاك الصياح
فبينما نحن من البحر في قاموسه، كتب الجو حروف الغيم في طروسه، وثارت ريح عاصف، يتبعها رعد قاصف. فمالت بنا الفلك واضطربت، ودنت شفتها من رشف الماء واقتربت، واستمرت ترفع وتخفض، وتقرب وترفض، وتعلو على الأوتاد، وتهيم في كل واد، وتحوم وتحول، وتجود وتجول، وتضرم في الكبود نار ناجر، إلى أن بلغت القلوب الحناجر:
ألا فارجه واخشه إنه ... هو البحر فيه الغنى والغرق
ثم نظر إلينا من لا تخفى عليه السرائر، وأمر الجارية بحمل العبيد إلى بعض الجزائر، فلم ندر إلا

(1/25)


ونحن تجاه جزيرة، تسر النفوس بمحاسنها الغزيرة، فانحدرت ماضياً إلى بينها، نائياً عن السفينة وساكنيها، فوجدتها مخضرة الأفنان، مخضلة الكثبان، بها من الياقوت ما يرجع خاسئاً مناويه، ومن الأشجار ما يحمل الفواكه والأفاويه. وبين رياضها نهر شديد الخصر، أرضه ذهب وحصباؤه درر، وأمواجه عكن وداراته سرر:

عذب إذا ما عب منه ناهل ... فكأنه من ريق خود ينهل
لين الأديم، مزاجه من تسنيم، يصقله الصبا ويفركه النسيم، فكأنه دروع موضونة، أو مبارد مسنونة، أو دمع يتسلسل، أو أفاع تتململ، أو ذوب فضة يسيل، أو صفحة سيف صقيل، أو لوح بلور مرقوم، أو رحيق بالمسك مختوم:
وكأن الطيور إذ وردته ... من صفاء به تزق فراخا
إن مالت إليه الغصون فالشخوص ترقص في الخيال، وإن كرعت منه الظباء فالغيد يرشفن من ثغور أترابهن الزلال. وإن أشرقت عليه النجوم خلت الفلك يدور في أرجائه، وإن تجلى له البدر حسبته قلباً خافقاً بين أحشائه. قال مؤيد الدين الطغرائي:
والشمس إن وافته رأد الضحى ... حسناء في مرآته ناظره

(1/26)


أنموذج الماء الذي جاءنا ال ... وعد بأن نسقاه في الآخره

فلبثت فيها مدة، مفكراً فيما رأيت من الفرج بعد الشدة، مؤمناً بالقدر خيره وشره، وحلوه ومره، واقفاً على شكر من تجري الفلك في البحر بأمره:
ربما تجزع النفوس لأمر ... ولها فرجة كحل العقال
ولم أزل بها في أحسن حال، وأرغد عيش وأنعم بال، إلى أن حرك الله مني ما كان ساكناً، وأدخلني مصر بمشيئته آمناً.

الفصل السابع: في المعقل والدار

عرض لي فكر أثار العزيمة، إلى مشاهدة الآثار القديمة، فأعددت الزاد، وسرت أجوب البلاد، وأصل العنق بالوخد والزميل وأكتحل من إثمد الفلاة بميل بعد ميل. فبينما أنا أترامى لنيل المرام، لاح لي بناء على أيهم خشام فتوجهت مسرعاً للوقوف عليه، واجتهدت إلى أن توصلت إليه، فرأيت معقلاً يسبي العقول، ويجر على السحاب فضل الذيول، رفيع الذرا رحيب الذرا رأسه فوق الثريا، وأسه تحت الثرى، صهوته عالية وثغوره حالية، ومهور عرائسه غالية، الجوزاء لخصره منطقة والزهرة في أذنه

(1/27)


كالشنف معلقة، يباهي الأفلاك ويسمو إلى السماك، ويعلو على الزواهر، ويخجل الشمس بنوره الباهر، ويعوق العيوق، وينادم القمر عند الصبوح والغبوق:

إذا ما سرى برق بدا من خلاله ... كما لاحت العذراء من خلل الحجب
سوره منعطف كالسوار، وأبراجه تدهش بتبريجها الأبصار، وشرفاته تلمع كالمشرفية، وخبايا صياصيه عن الأوهام خفية. ممنعة مصادره وموارده، متسعة معالمه ومعاهده، لايرى الوعل أعلى طوره، ولا يبلغ الطرف منتهاه لعجزه وقصوره، عروقه مؤتزرة بالتخوم، وفروعه متوجة بالنجوم، وبنيانه مرصوص، وخواتمه مرصعة بجواهر الفصوص، لايتصل الفناء بفنائه، وتظهر العزة على من يرجو تملك أرجائه. عقوده محكمة، وأحجاره مهندمة، وأركانه مشيدة، وملابسه مع القدم جديدة، وقواعده مرفوعة، وأقوال ديكته في السماء مسموعة.
له عقاب عُقاب الجو حائمة ... من فوقها فهي تخفى في خوافيها
وبوسطه دار دار بها فلك السعود، وأورق لطالب كنزها عود الوعود، وسحت عيون ساحتها ورفع في العقار فرش

(1/28)


عقرها وباحتها، وتوقفت الكواكب لمراقبة عجائبها وغرائبها، وسال لعاب الشمس من الحيرة في ملاعبها. أنيقة المباني، مأهولة بأهلة المعاني، تنشرح الصدور في قاعاتها وبقاعها، وتخبر محاسنها بصنائع أهلها وحذق صناعها:

إذا فتحت أبوابها خلت أنها ... تقول بترحيب لداخلها: أهلاً
رحبة الأكناف، بديعة الأوصاف، تدل على أنها كانت منزل الأشراف، ومقر قرى الأضياف، ومقعد الوفود، ومحل الكرم والجود. تحار الأعين في وشي أزاهيرها، وتقصر الألسن عن تقريظ مقاصيرها. مياه بركها غزيرة، وجدرانها بالتمكين جديرة، وأشجارها لم
تزل مورقة مثمرة، ولياليها لا تبرح بالسنا على مر السنين مقمرة:
تتقابل الأنوار في جنباتها ... فالليل فيها كالنهار المشمس
كم بها من صدر مجلس مشروح، وسقف مرفوع وباب مفتوح، وبهو بالبهاء تراه أثرى، وإيوان يكسر بسهام قوسه جيش إيوان كسرى، وحدائق لم تنبت بالتراب، ولا جادتها أيدي السحاب، وتصاوير تحرك العارف بسكونها، وتفتن الألباب بحمرة خدودها وسواد عيونها، وتبعث الخواطر بمعانيها ومغانيها، ويكاد ماء الذهب يقطر من أعاليها، قد جل عن الترخيم رخامها، وتوفرت من المحاسن أقسامها، وابيضت

(1/29)


وجوه مرمرها، وزادت بهجة جباهها وطررها، وتخلقت أثواب ساجها واجتمع شمل أبنوسها وعاجها، وعلت رتبة أرائكها، وغلت قيمة سبائكها، فلو ساجلها الروض لذهب مع الرياح عرفه ولو كحل بنورها الأعمى لارتد إليه طرفه:

ديار عليها من بشاشة أهلها ... بقايا تسر النفس أنساً ومنظرا
فلما أحاط علمي بغوره ونجده، وبلغ رائد فكري منه غاية قصده، أدخلته في زمرة عقائل المعاقل، ونظمته في سلك ما أتكلم عليه في المحافل، وسألته عن بانيه وساكنيه فلم يجب. ثم قال بلسان الحال: كل منهم بغمام الرغام قد حجب. فحققت أن الدهر يديل كل مصون، وتلوث: {كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} وخرجت منه معتبراً، وظلت في طريقي متذكراً:
قلت يوماً لدار قوم تناءوا ... أين سكانك الكرام لدينا؟
فأجابت هنا أقاموا قليلاً ... ثم ساروا، ولست أعلم أينا؟

الفصل الثامن: في الأشجار والثمار

لما صدئت مرآة الجنان، قصدت لجلائها الجنان، فطرقت الباب فقيل: من؟ فقلت: فتى لا يدري من له فتن؟ ففتح

(1/30)


الوصيد ودنا المراد من المريد، فدخلت إليها، وما كدت أن أقدم عليها. فإذا جنة عالية، قطوفها دانية، وطلحها منضود، وظلها ممدود، وأعلام أشجارها مرفوعة، وفاكهتها كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة.

ربع الربيع بها فحالت كفه ... حللاً بها عقد الهموم يحلل
تجوس المياه خلال ديارها، وتشرق بآفاقها أنوار نوارها، وتحدق الحدق بفنون أفنانها، وتغني الوُرق على عيدانها، وتميد أدواحها على مذهب الأنماط، وتميس من الحلي في أحلى الشنوف والأقراط:
كأن غصونها سقيت رحيقاً ... فمالت مثل شُراب الرحيق
نزهة النواظر، وشرك الخواطر. كم لرقيق نسيمها من رقيق، قلبه مقيد ودمعه طليق، بها الأشجار لا تحصى، وثمار لا تعد ولا تستقصى، فمنها نخيل، مُتحفها غير بخيل، جُماره:
جسم لطيف اللمس لكنه ... قد لف في ثوب من الصوف
وطلعه:
كصدر فتاة ناهد شق قلبها ... سماع فشقت عنه ثوباً ممسكا
وبلحه:
مكاحل من زمرد خرطت ... مقمعات الرؤوس بالذهب

(1/31)


وبُسره:

كأنما خوصه عليه ... زبرجد مثمر عقيقا
ورطبه:
إهليلج من لجين ... مسمر بالنضار
وتمره:
يشف مثل كؤوس ... مملوءة من عُقار
وكروم كريمة، منافعها عميمة:
كأنما عنقودها ... زنج جنوا في سرقة
فأصبحت رؤوسهم ... على الذرا معلقة
أو الثريا عند الصباح، أو أوعية نور ملئت من الراح:
كم درة فيها وكم جزعة ... صحيحة التدوير لم تثقب
وتفاح سرى نشره وفاح، كأنه خمر جمد، أو جمر ما خمد، أو در جُمع معه ياقوت، أو وجنة من هي للقلوب في الدنيا قوت، نصفه من بهار، ونصفه من جلنار:
كأن الهوى قد ضم من بعد فرقة ... به خد معشوق إلى خد عاشق
وسفرجل جل قدراً، وأطلع من زهره زهراً:
يحكي نهود الغانيات وتحتها ... سرر لهن حشين مسكاً أذفرا
ينوب طعمه عن الراح، ويُهدي عطر الخود الرداح:

(1/32)


له ريح محبوب وقسوة قلبه ... ولون محب حلة السقم قد كسي

وموز من نضار، كأنه أنياب فيلة صغار، أو طفل قماطه معصفر، أولفات زبد عجنت بسكر:
أو مغرم أنحله وصفره ... بعد الذي بوصله ما ظفره
وتين ممزق الجلباب، كدر القشر صافي اللباب:
كأنه رب نعمة سلبت ... فعاد بعد الجديد في خلق
ورمان بديع النظام، يبسم عن مثل حب الغمام، كأنه نهود الحسان، أو حقاق صندل حشيت بالمرجان:
حقاق كأمثال الكرات تضمنت ... شذور عقيق في غشاء حرير
في شجره جلنار أشرق وأنار:
يحكي فصوص بلخش ... في قبة من زبرجد
وإجاص أسود العين، لا يعتريه شيب ولا شين، كأنه كرات من العنبر، أو طليعة من الزنج تنتظر العسكر:
وإذا ما قشرته ففصوص ... صبغتها بمائها الظلماء
وخوخ ذو لونين، في بياضه وحمرته جلاء للعين:
كوجنة غادة خافت رقيباً ... فغطتها بمحمر البنان
وكمثرى لطيف الذات، حسن الصفات، في غاية اللطف والرقة، يذوب من الراحة ولا
يحمل المشقة:
كأنه في شكله ولونه ... وطعمه قوالب من سكر

(1/33)


ومشمش تقمص بالشفق، وتدرع بالورق، ككرات من العقيان، أو بنادق ضمخت بالزعفران:

وكأنما الأفلاك من طرب به ... نثرت كواكبها على الأغصان
وتوت خمري اللون، ليس له صبر على الصون مزمل بدمائه، لم يبق فيه غير ذمائه:
يكاد بأن يفنى إذا ما لمسته ... فأرحمه من سائر الثمرات
وعُناب نقي الإهاب، كأنه قلوب الأطيار، أو خرز ركب من النضار:
أقراط ياقوت تحركها الصبا ... أو أنمل بالأرجوان مطرفة
وفستق شريق كأنه عند التحقيق والتحديق:
زبرجدة ملفوفة في حريرة ... مضمنة دراً مغشى بياقوت
أو مسرور تبسم، أو مأسور فتح فاه ليتكلم:
والقلب ما بين قشريه يلوح لنا ... كألسن الطير، من بين المناقير
ولوز قلوبه مؤتلفة، وأثوابه مختلفة، لطيف المعاني، له بها جنة من الجاني كأنه خز بزه رفيع، أو عذار جديد شرط الخليع:
أو سندس أخضر من تحته صدف ... أحسن به صدفاً في ضمنه درر

(1/34)


وجوز جسمه من العرعر، وقميصه من الزمرد الأخضر، صحيح التدوير، يسقط على الخبارلا على الخبير:

والجوز مقشور يروق كأنه ... لوناً وشكلاً مصطكى ممضوغ
وصنوبر يقري الضيف، لا يعرف رحلة الشتاء والصيف، كأنه طيور على ذرا القصب، أو كافور ضمخ بالمسك المنتخب:
عقد لآل مشرق لونه ... في جوف أدراع من العود
وأترج حسن ذرعاً وزرعاً، وطاب أصلاً وفرعاً، فيه روح وريحان، وهو للأغصان بمنزلة التيجان:
أباريق من الذهب المصفى ... وقد سقطت عراها بالعراء
ونارنج بهيج، طيب زهره أريج، كأنه مصابيح، تهزها أيدي الريح، أو عذراء صبغت بالورس إزارها، أو وجنه عاشق أضرم الوجد نارها:
أو جذوة حملتها كف قابسها ... لكنها جذوة معدومة اللهب
وليمون كأنه بنادق من لجين، أودعت غلفاً من العين مخافة العين:
يشبهه بيض الدجاج وقد ... لطخه العابث بالزعفران
وزيتون شجرته ميمونة، وأسرار أنواره مكنونة:

(1/35)


بدا لنا كأعين ... شهل وذات دعج

مخضره زبرجد ... مسوده من سبج
وخرنوب كقرن ظبي معطوف، أو هلال عاجله الخسوف:
وكأنه مذ لاح في أوراقه ... أصداف در ضمنها مرجان
ونبق جلبابه معصفر كأنه كهربا أصفر:
أو عدة من شنوف ... قد علقت بالغصون
وزعرور كالياقوت، مسك نكهته مفتوت:
جلاجل مخضوبة عندماً ... أو خرز أخرطت من عقيق
وبأرضها الباقلاء الذي فاح نشره، وصدق خَبر خُبره يبرز له من الكمائم، نور يحكي بلق الحمائم، كأنه لؤلؤ يقق، متلفع بمروط السرق أو خواتم من فضة، أو مخالب جوارح منقضة:
فصوص زمرد في غلف در ... بأقماع حكت تقلم ظفر
والخشخاش الذي تضيء بنوره الأغباش. أعلام تميل مع الرياح، أو أكاليل على رؤوس الرماح:
حبلى تضم أُطيفالاً إذا درجوا ... رأيت شملهم المنظوم منشورا
والكتان الذي رقت حواشي شققه وراقت محاسن

(1/36)


أخضره وأزرقه، وامتدت رياطه وحبره، وتبلبلت أصداغه وطُرره:

إذا درجت فيه الرياح تتابعت ... ذوائبه حتى يقال غدير
وفيها من النبات ما يطول إليه بناني، ويقصر عن حصر وصف بعضه لساني. يسقى بماء
واحد، ويبطل قول المعترض والجاحد، ولعمري لقد بلغتني ما أملته من جلاء قلبي المعمود، وأذكرتني ما لم أكن ناسياً من فنائها وبقاء جنة الخلود، فإنها - وإن طاب جناها، وأوقفت النفوس على حلي من سناها - مؤذنة بالتلاشي والرحيل، {قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ}.
فلما قضيت منها وطري ثنيت عنها عنان نظري، ومضيت ذاكراً محاسن صفتها وموصوفها، شاكراً سرو سرورها وعرف معروفها:
وعذراً فإني في الثناء مقصر ... وقولي بالتقصير يبسط لي عذرا

الفصل التاسع: في الروض والأزهار

جد بي الوجد في إبان الربيع، إلى رؤية الغيث بمنازل الربيع. فسرت أحدق في جوانب الحدائق، وصحبني من الشوق وسائق، يتلوهن حاد وسائق. فإذا أنا بروضة أريضة، عيون أزهارها مريضة، قد فاح أرجها،

(1/37)


وأضاءت سرجها، وبرز إبريزها، وحسن تطريزها، وأبدت من زينتها ما هو باللطف منعوت، ونثرت على الزمرد أصناف الدر والياقوت، وتحلت بما يروق إنسان كل إنسان وتجلت في رفرف خضر وعبقري حسان، أعلن السحاب أسرارها وهتك النسيم أستارها:

كأن تفتحها بالضحى ... عذارى تحلل أزرارها
حكت الخنساء لا في الحزن بل في الحسن والفخر. ولها عيون تجري على الديباج لا على الصخر، يضوع عرفها في الآفاق ولا يضيع، ويبهر الطرف من صنع صنائعها كل زهر رفيع. تنهار جداولها وأنهارها، ويضحك في وجه من أم بابها وأملها، ثغر نوارها:
وما غربت نجوم الليل لكن ... نقلن من السماء إلى الرياض
فمن ورد أحمر الإهاب، عندمي الخضاب:
كالشمس شكلاً ونشر المسك رائحة ... واللؤلؤ الرطب في تفريجه عرق
ملك جليل، مخصوص بالتبجيل، رفيع الجناب، خفيف الركاب. الرياحين جنده، والشوك سنانه وسلاحه، والعقبان والمرجان قلبه وجناحه:
مداهن من يواقيت مركبة ... على الزبرجد في أجوافها ذهب

(1/38)


ومنه الأبيض المذهب المفضض:

كأن وجوهه لما توافت ... بدور في مطالعها سعود
بياض في جوانبه احمرار ... كما احمرت من الخجل الخدود
ومن نرجس باسم، عرفه ناسم:
كأنما صفرته ... على بياض يقق
أعشار جزء ذهبت ... من ورق في ورق
له عيون هدبها من لجين، وحدقها من خالص العين، قامت من الزبرجد على ساق، فهامت بها قلوب العشاق:
وأحسن مافي الوجوه العيون ... وأشبه الشيء بها النرجس
ومن ياسمين يجلو البصر، كأنه أقراط من الدرر، يحفظ الذمام، ولا يمل من طول المقام. ثغوره ضاحكة، وحسنه آمن من المشاركة:
والطرق الحمر في جوانبه ... كخد عذراء مسه عض
ومن نسرين، جوهر عقده ثمين، درر على زبرجد، أو حقاق ورق فيها برادة عسجد:
ما إن رأينا قط من قبله ... زمرداً يثمر بلورا
ومن خلاف، ليس في طيب عرفه خلاف، حكي القدود باهتزازه، ويصل وعده بانجازه. كأنه ثمل من الراح وهو

(1/39)


يومئ برأسه نحوه، وكأن غصونه أحست برحلة الشتاء، فقلبت فروها:

والبان تحسبه سنانيراً رأت ... بعض الكلاب فنفشت أذنابها
ومن بنفسج حسن لباسه، وطابت انفاسه:
كأنه وضعاف القضب تحمله ... أوائل النار في أطراف كبريت
وفصوص فيروزج نضيدة، أو آثار قرص بخد خريدة، أو حروف لازوردية، أو بقايا نقش في راحة ندية:
أو أعين زرق كحلن بأثمد
ومن زعفران معطر الجيب والأردان:
كأنه ألسن الحيات قد شدخت ... رؤوسها فاكتست من حمرة العلق
أو بصيص رماد، أو ألفات كتبت بالذهب لا بالمداد:
يتفرى عن قانيات حسان ... مثل هدب معصفر من رداء
ومن لينوفر يألف المياه، طمعاً في دوام الحياه، صفره السقام وعذبه، وغربه الأمل وغربه:
كأنه ودروع الماء تشمله ... تحت الشماع أكاليل الطواويس
أو طرف باهت من الفراق يفرق، أو سابح ضعيف يعوم ويغرق. يخفى بالليل ويظهر بالنهار، ويتكلم في الماء بألسنة من النار:

(1/40)


يحب الشمس لا يبغي سواها ... ويلحظها بمقلة مستهام

إذا غابت تكنفها اشتياقاً ... فنام لكي يراها في المنام
ومن آس ما لجرح محبه آس. يرعى العهود، ولا يميل إلى الصدور. كأنه بقية خضاب في
كف رداح، أو نضال ساهم أعدت للكفاح:
حكى لونه أصداغ ريم معذر ... وصورته آذان خيل نوافر
ومن ريحان يقول: إن وقت الري حان. كأنه وشم يد مطرفة. أو حلة مخضرة مفوفة، أو أطواق الحمام، أو سلاسل سوالف الغلام:
له حسن العوارض حين تبدو ... وفيه لين أعطاف القوام
ومن منثور، منظوم جوهره منثور. عطافه مؤتلفة، وألوانه مختلفة. أبيضه وأحمره كثغر الجيب وخده، وأصفره كوجه من مني بإعراضه وصده، يبخل بشذاه نهاراً ويجود به ليلا، وإلام يتستر وهو متهتك في حب ليلى؟
كأنه عاشق يطوي صبابته ... صبحاً وينشرها في ظلمة الغسق
ومن سوسن، تعالى الله ما أحسن. قائم على سوقه، ينتظر إياب معشوقه. من أزرق بهي الملبوس، وأبيض تميل إلى ضوء صبحه النفوس:
كأنه ملاعق من ورق ... قد خط فيها نقط من عنبر

(1/41)


ومن خزامى، قدره لا يسامى. يسكن المنازل العلية، ويرفل في حلته اللازوردية. يا لها حلة فاخرة، وحلية باهية باهرة:

لو حواها الطاووس أصبح لاشك ... مهنا بملك طير الهواء
ومن أقحوان، جمع في مفرده القمران.
كشمسة من لجين في زبرجدة ... قد أشرقت حول مسمار من الذهب
ومن آذريون، أظهر القطر سره المكنون:
كأنه أغصانه فيروزج بهج ... من فوقه ذهب في وسطه سبج
أو مسك في جام من ذهب، أو فحم أحاط به اللهب:
تراه عيوناً بالنهار نواظراً ... وعند غروب الشمس أزرار ديباج
ومن بهار، يبهر بحسنه الأبصار:
كسواعد من سندس وأكفها ... من فضة حملت كؤوس عقار
ومن شقيق، أين منه المرجان والعقيق؟
كأنه وجنات أربع جمعت ... وكل واحدة في صحنها خال
ومن ومن ومن، إشارة فتى بالعجز عن الحصر قمن.
فلما تأملت محاسن هذه الروض الأنيق، ونظرت إلى ما فيها من النبات بعين الحقيقة، شكرت أيادي صانعها، ولجأت إليه وأثنيت على صائغها، وإن كنت لا أحصى ثناء عليه،

(1/42)


وقلت تعظيماً لأمره: {وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ}. وانشرح صدري بالوقوف على مغانيها، وجاد فكري حيث جال في معانيها، وامتلأ قلبي من نورها نوراً، وانقلبت إلى أهلي مسروراً.

الفصل الثاني عشر: في الشمعة والنار
جلست مع بعض الأصحاب، في ليلة حالكة الجلباب، ماؤها جامد، وهواؤها بارد، وطلها متناثر، والماشي بها في ذيله عاثر. نجري ذكر أهل البراعة، ونعد مناقب فرسان أهل اليراعة، ونورد أخبار أرباب اللسن، ونروي عنهم كل حديث حسن:
قوم بهم شرف الزمان، كلامهم ... شرك النفوس وعقلة الأحداق
أشخاص صرفت، ولكن ذكرهم ... أبداً على مرّ الليالي باقي
فبينا نحن نجول في ميدان المحاضرة، ونحقق النظر في

الفصل الثاني عشر: في الشمعة والنار

جلست مع بعض الأصحاب، في ليلة حالكة الجلباب، ماؤها جامد، وهواؤها بارد، وطلها متناثر، والماشي بها في ذيله عاثر. نجري ذكر أهل البراعة، ونعد مناقب فرسان أهل اليراعة، ونورد أخبار أرباب اللسن، ونروي عنهم كل حديث حسن:
قوم بهم شرف الزمان، كلامهم ... شرك النفوس وعقلة الأحداق
أشخاص صرفت، ولكن ذكرهم ... أبداً على مرّ الليالي باقي
فبينا نحن نجول في ميدان المحاضرة، ونحقق النظر في

(1/54)


وجوهها الناضرة، والليل قد روق، وشراب المنادمة مروق، لمحت في المجلس شمعة، وقفت في الخدمة وأجرت الدمعة، جسمها نحيل، ومحيّاها جميل، قامتها قويمة، ودرّة تاجها يتيمة. تحرقها أنفاسها، ويوبقها نبراسها. كاسية عارية، تخجل بضوئها الجارية:

مفتولة مجدولة ... تحكي لنا قد الأسل
كأنها عمر الفتى ... والنار فيها كالأجل
أو نبل نصله ذهب، أو حية لسانها لهب، أو وردة على قضيب، أو محب أسهره بعد الحبيب، أو لينوفرة، أو سبيكة معصفرة، أو غرة في وجه أدهم السدف، أو كوكب أرخى ذؤابته ثم وقف:
أو ضرة خلقت للشمس حاسدة ... فكلما حجبت قامت تحاكيها
يخوض في لجة الدمع طرفها القريح، وتلعب بلهب قلبها الجريح يد الريح، فتطلعه نجماً، وترسله سهماً، وتحركه لساناً، وتنشره طيلساناً، وتضربه ديناراً، وتصيره جلناراً، وتصوره سوسناً، وتصوغه إكليلاً تبره ذو سناً، وتعطفه كالهلال السافر، وتنصبه أذن جواد نافر، وترفعه كالسنان، وتقيمه أنملة في بنان، وتبسطه كالمنديل، وتميله سلسلة قنديل، وتخطه ألفاً مستقيماً، وترسمه نوناً أو جيماً.

(1/55)


واستمرت مولعة بشخصها، ساعيةً في نقضها ونقصها، حتى فني عمرها، وانفصل أمرها، وانحل عقدها، وعز على الجماعة فقدها:

وقد فارق الناس الأحبة قبلنا ... وأعيا دواء الموت كل طبيب
وكان في المجلس كانون، يلقي فيه العود بغير قانون، يضم ناراً ذات لهب، له شرر شذره من ذهب، همتها علية، ومرآتها جلية. تعلو على الرماح في المواكب، وتزاحم الكواكب بالمناكب. فاكهتها في الشتاء محبوبة، وأعلامها للاصطلاء منصوبة، وهي بقضيب
الأبنوس لا بجزل الغضا مشبوبة:
كلما رفرف النسيم عليها ... رقصت في غلالةٍ حمراء
كأنها سبجُ على مرجان، أو زنجية بكفها كرة عقيان، أو شمس محجوبة بالغمام، أو ورد تبسم من خلال الكمام:
أو أشقرُ مطهم ... يموج تحت العثير
أو غادة قد ضمخت ... وجنتها بالعنبر
يهتم بها أقوام، هم واسطة عقد الأنام، كريمةُ أحسابهم، مفتوحة للوفود أبوابهم، يمتطون ذروة كل محبوك القرا ويبسطون موائد الفوائد والقرى:
إذا ضل عنهم ضيفهم رفعوا له ... من النار في الظلماء ألويةً حمرا

(1/56)


فلم تزل تضطرم، وتستعر وتحتدم، إلى أن خمد لظى جمرها، وغاض ماء شررها وشرها، واضطجعت في مهادها، تحكي تحت غطاء رمادها:

دماً جرى من فواختٍ ذبحت ... عليه من ريشهن منشور
فراقني ما شاهدت من حالهما، وأمعنت النظر في منقلبهما ومآلهما، وقمت من شكر المنعم بأداء الفرض، وقلت بلسان التعظيم: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}
ثم إن الصحب مالوا إلى الكرى، وطال عليهم - مع كونهم جلوساً - شقة السرى، فوثبنا لاقتفاء أثر ما تقر عين الهاجع، وسألنا الحي القيوم أن يجعلنا من الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع.

الفصل الثالث عشر: في مدح العشق وذمه


الفراق

اجترى واجترح، وأذهب المسرة والفرح، وضيق رحب الفضا، وقلب القلب على جمر الغضا، وأورث الكمد، وأذاب جليد الجلد، وجاب. وجال، ونثر عقود الاحتمال، وأوجد الوجد والهيام وأحوج الصب إلى العبث بالأقلام:
كتبت وعندي من فراقك لوعة ... تزيد بكائي أو تقل هجوعي
فلو أبصرت عيناك حالي كاتباً ... إذاً كنت ترثي في الهوى لخضوعي
أخط وداعي الشوق يملي، وكلما ... تعديت سطراً رملته دموعي
يا لها لوعة أسعرت وقد الضلوع، ومالت إلى الصبر فأذوت منه الأصول والفروع وصبابة صبت النفس إليها، ووقفت لامتثال الأمر طائعة بين يديها، وغراماً يلازم غريم الفؤاد، ويتكلم من الدموع بألسنة حداد، وشوقاً إلى تلك الليالي المستنيرة، والأيام التي تطول الشرح في وصف محاسنها وإن كانت قصيرة:
حيث اللقا والنوى حل ومرتحل ... والدهر يقضي لنا من وصلك الغرضا
لئن تعوضت عني غير مكترث ... فعنك، ما دمت حياً، لم أجد عوضاً
إلى الله أشكو جور أحباب، لا شك في ظلمهم ولا ارتياب:
لم الله أن يوم النوى، أضعف بناء جسدي بالهوى فهوى، وأحال صبغة حالي، وسقاني كأس بعد مذاقها غير حالي، فعدت ذا سكر دائم، وعناء تحل دونه عقد العزائم. القلب مأوى الهموم، والطرف موكل برعي النجوم، والكآبة في الخاطر خاطرة، والعين إلى نحو الطريق ناظرة، وأسياف الضنى تجرح الجوارح، وسهام الجوى تجنح إلى الجوانح. لا أعرف لذة الوسن، ولا أمل من السير في حزن الحزن. ولا أرد الماء النمير إلا ويلفحه من كبدي حر السعير. إن مر الفكر في خلدي شرحت له صدراً، وإن دعاني الذكر الجميل مرة لبيته عشراً. ولولا رجاء العود والإياب، لانفصمت من قوى حياة العليل عرا الأسباب، فتباً لأيام الصد والقطيعة، وسقياً لأوقات كانت على رغم العدا مطيعة، حيث الأوطان عامرة، ووجوه الأوطار ناضرة، وأغصان العيش مائدة، وصلة الأحباب عائدة:
وسعاد تسعدنا بروضات الرضا ... ويعمنا منها سنا وسناء
الشمس
مظهرة للدّاء، مثقّلة للهواء، مبلاة للثوب، جالبة للهب.
وقال آخر: الشمس تشحب اللون، وتغيّر العرق، وترخى البدن، وتثير المرّة.
إذا احتجمت فيها، أمرضتك؛ وإن أطلت النوم فيها، أفلجتك؛ وإن قربت منها، صرت زنجيّا، وإن بعدت عنها، صرت صقلّيّا.
القمر
إنه يهدم العمر، ويقترب الأجل، ويحلّ الدّين، ويقرض الكتّان، ويشجب اللون، ويفسد اللحم، ويفضح الطارق، ويدلّ السارق.
دار لعبت بها أيدى الزمن، وفرّقت بين الساكن والسّكن. كانت مقاصير جنّة، فأضحت وهى ملاعب جنّه. ولقد عميت أخبار قطّانها، وعفّت آثارها آثار وطّانها، حتى شابهت إحداهما في الجفا، الأخرى في العفا. وكنت أظن أنها لا تسقى بعدهم بغمام، ولا يرفع عنها جلباب ظلام؛ غير أن السحاب بكاهم وأجرى بها سوافح دموعه، والليل شقّ عليهم جيوبه فظهر الصّباح من خلال صدوعه»
الاسد له عينان حمراوان مثل وهج الشرر، كأنما نقرتا بالمناقير في عرض حجر؛ لونه ورد، وزئيره رعد؛ هامته عظيمه، وجبهته شتيمه؛ نابه شديد؛ وشره عتيد؛ إذا استقبلته قلت: وإذا استدبرته قلت: أفرع؛ لا يهاب إذا الليل عسعس، ولا يجبن إذا الصبح تنفس؛
الفهد كأنما ينظر من جمره، ويسمع من صخره، ويطأ من كل برتن على شفره؛ وله إهاب قد جبل من ضدين: بياض وسواد، وصور على أشكال العيون فتطلعت إلى انتزاع الأرواح من الأجساد؛ وهو يبلغ المدى الأقصى في أدنى وثباته، ويسبق الفريسة ولا يقبضها إلا عند التفاته
إشارة النسيم
فأول ما سمعت همهمة النسيم. يترنم بصوته الرخيم. يقول بلسان حاله. مفصحاً عن سقمه وانتحاله: أنا لين الأعطاف. هين الانعطاف. سريع الائتلاف. يعترف بلطفي ذوو الألطاف. ولولا وجودي في الجو لجاف. ولا تظن أن اختلاف أهوائي. سبب إغوائي. بل اختلف في الفصول الأربع. لما هو أصلح لك وأنفع. فأهب في الربيع شمالاً فألقح الأشجار. وأعدل فصل الليل والنهار. وأهب في الصيف صباً فأنمي الثمار. وأصفي الأشجار. وأهب في الخريف جنوباً فتأخذ كل ثمرة حد طيبها. وتستوفي حق تركيبها. وأهب في الشتاء دبوراً ليخف عن كل شجرة حملها. ويجف ورقها ويبقى أصلها. فأنا الذي تنمو بي الثمار. وتزهو بي الأزهار.

(4/118)


وتسلسل بي الأنهار. وتلقح الأشجار.


إشارة الورد

ثم سمعت إشارة الشحارير بأفنانها. والأزاهير في تلون ألوانها. إذ قام الورد يخبر عن طيب وروده. ويعرف بعرفه عن شهوده. ويقول أنا الضيف الوارد بين الشتاء والصيف. أزور زيادة الطيف. فاغتنموا وقتي فالوقت سيف. فأنا الزائر وأنت المزور. والطمع في بقائي زور. ثم من علامة الدهر المكدور. والعيش الممرور. أنني حيث ما نبت دائر الأشواك تزاحمني. وتجاورني. فأنا بين الأدغال مطروح. وبنبال شوكي مجروح. وهذا دمي على ما عندي يلوح. فهذا حالي وأنا أشرف الوراد. وألطف الأوراد. فمن ذا الذي سلم من الأنكاد. ومن صبر على مرارة الدنيا فقد بلغ المراد. فبينما أنا أرفل في حلل النضارة. إذ اقتطفتني أيدي النظارة. فأسلمتني من بين الأزاهير. إلى ضيق القوارير. فيذاب جسدي. وتحرق كبدي. ويمزق جلدي. ويقطر دمعي الندي. فلا يقام بأودي:
فإن غبت جسماً كنت بالروح حاضراً ... فقربي سواء إن تأملت والبعد
وبالله من أضحى من الناس قائلاً ... كأنك ماء الورد إذ ذهب الورد
إشارة الباز
فنادى الباز. وهو في ميدان البراز. ويحك لقد صغر جرمك. وكبر جرمك. وقد أقلقت بتغريدك الطير. وإطلاق لسانك يجلب إليك الضير. وما يفضي بك إلى خير. أوَ ما علمت أن ما يهلك الإنسان إلا عثرات اللسان. فلولا لقلقة لسانك. ما أخذت من بين أقرانك. وحبست في ضيق الأقفاص. وسد عليك باب الخلاص. وهل ذلك إلا ما جناه عليك لسانك. فافتضح به بيانك. فلو اهتديت بسمتي. واقتديت بصمتي. لبرئت من الملامة. وعلمت أن الصمت رفيق السلامة. ألم ترني لزمت الصموت. وألفت
السكوت. فكان الصمت جمالي. ولزوم الأدب كمالي. أقتنصت من البرية جبراً. وجلبت إلى بلاد الغربة قهراً. فلا بالسريرة بحت. ولا على الأطلال نحت. بل دأبت حين غربت. وقربت حين جربت. وامتنحت حين امتحنت. وعند الامتحان. يكرم المرء أو يهان. فلما رأى مؤدبي تخليط الوقت. خاف علي من المقت. فكم بصري بكمة: لا تمدن عينيك. وعقد لساني بعقدة: لا تحرك به لسانك. وقيدني بقيد: لا تمش في الأرض مرحاً. فأنا في وثاقي لا أتألم. ومما ألاقي لا أتكلم. فلما كممت وأدبت. وجربت وهذبت. استصلحني مؤدبي لإرسالي إلى الصيد. وزال عني ذلك القيد. فأطلقت وأرسلت. فما رفعت الكمة عن عيني. حتى أصلحت ما بينه وبيني فوجدت الملوك خدامي. وأكفهم تحت أقدامي:
أمسكت عن فضل الكلام لساني ... وكففت عن نظر الدنا لساني
ما ذاك إلا أن قرب منيتي ... لزخارف اللذات قد أنساني
أدبت آداب الملوك وعلمت ... روحي هناك ضنائع الإحسان
أرسلت من كف الملوك مجرداً ... وجعلت ما أبغيه نصب عياني
حتى ظفرت ونلت ما أملته ... ثم استجبت إليه حين دعاني
هذا لعمري رسم كل مكلف ... بوظائف التسليم للإيمان

إشارة الحمام

(قال) : فبينما أنا مستغرق في لذة كلامه. معتبر بحكمه

(4/128)


وأحكامه. إذ رأيت أمامه حمامة. قد جعلت طوق العبودية في عنقها علامة. فقلت لها: حدثيني عن ذوقك وشوقك. وأوضحي لي ما الحكمة في تطويس طوقك. فقالت: أنا المطوقة بطوق الأمانة. المقلدة بتقليد الصيانة. ندبت لحمل الرسائل. وتبليغ الوسائل للسائل. ولكني أخبرك عن القصة الصحيحة. فإن الدين النصيحة. ما كل طائر أمين. ولا كل حالف يصدق في اليمين. ولا كل سالك من أصحاب اليمين. وإنما المخصوص بحمل الأمانة جنسي. فيشترى بالتحريج. ويعرف الطريق بالتدريج. فأقول: حملوني فأحمل كتب الأسرار. ولطائف الرسائل والأخبار. فأطير وعقلي مستطير. خائفاً من جارح جارح. حاذراً من سائح سابح. جازعاً من صائد ذابح. فأهاجر. وأكابد الظمأ في الهواجر. وأطوي على الطوى في المحاجر. فلو رأيت حبة قمح مع شدة جوعي رجعت عنها. فأرتفع خشية من كمين فخ مدفون. أو شرك يعيقني عن تبليغ الرسالة. فأنقلب بصفقة المغبون. فإذا وصلت. وفي مأمني حصلت. أديت ما حملت. وعملت ما علمت. فهنالك طوقت. وبالبشارة خلقت. وأنقلب إلى شكر الله على ما وفقت.


أيا ربي وصلتم أو هجرتم ... فعبدكم على حفظ الأمانة

مقيم لا يزحزحه عذول ... ولا يثني معنفه عنانه
حملت لأجلكم ما ليس تقوى ال ... جبال الشم تحمله رزانة

(4/129)


وحفظ العهد وفاه حر ... وطوقه فتى إلا وزانه


إشارة الخطاف

(قال) : فبينما نحن نتذاكر أوصاف الأشراف. وأشراف الأوصاف. إذ نظرت إلى خطاف. وهو بالبيت قد طاف. فقلت: ما لي أراك للبيت لازماً. وعلى مؤانسة الإنس عازماً. فلو كنت في أمرك حازماً. لما فارقت أبناء جنسك. ورضيت في البيوت بحبسك. ثم إنك لا تنزل إلا في المنازل العامرة. والمساكن التي هي بأهلها عامرة. فقال: يا كثيف الطبع. يا ثقيل السمع. إسمع ترجمة حالي. وكيف عن الطير ارتحالي. إنما فارقت أمثالي. وعاشرت غير أشكالي. واستوطنت السقوف. دون الشعاب والكهوف. لفضيلة الغربة. ولزوماً لآداب الصحبة. صحبت من ليس مني لأكون غريباً. وجاورت خيراً مني لأحرز بينهم نصيباً. فأعيش عيش الغرباء. وأفوز بحصبة الأدباء. والغريب مرحوم في غربته. ملطوف به في صحبته. فقصدت المنازل غير مضر بالنازل. أبتني بيتي من حافات الأنهار. وأكتسب قوتي من ساحات القفار. فلست للجار كمن جار. ولا لأهل الدار كالغدار. بل أحسن جواري مع جاري. وليس منهم رسم جاري. أكثر سوادهم. ولا أستطعم زادهم. فزهدي فيما في أيديهم. هو الذي حببني إليهم. فلو شاركتهم في قوتهم لما بقيت معهم في بيوتهم. فأنا شريكهم في أنديتهم. لا في أغذيتهم. مزاحمهم

(4/130)


في أوقاتهم. لا في أقواتهم. مكتسب من أخلاقهم. لا من أرزاقهم. منتهب من حالهم. لا من مالهم. مقتبس من برهم لا من برهم. راغب في حبهم. لا في حبهم. مقتدياً بقوله: ازهد في الدنيا يحبك الله. وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس. قال فقلت: لله درك لقد عشت سعيداً. وسرت سيراً حميداً. ووفقت أمراً رشيداً. وقلت قولاً سديداً. فلا أطلب على موعظتك مزيداً.


إشارة البوم

(قال) : فناداني البوم. وهو منفرد في الخراب مهموم. أيها الصديق الصادق. والخل الرافق. لا تكن بمقالة الخطاف واثقاً. ولا لفعله موافقاً. فإنه إن سلم من شبه زادهم. فما سلم من نزه فرحهم وأعيادهم. وتكثير سوادهم. وقد علمت أن من كثر سواد قوم فهو منهم. ولو صحبهم ساعة كان مسؤولاً عنهم. وقد فهمت أن مبتدأ التفريط من آفات التخليط. والخلطة غلطة. وأول السيل نقطة. واعلم أن السلامة في العزلة. فمن وليها فلا يخاف عزلة. فهلا استسن بسنتي. وتأسى بوحدتي. واعتزل المنازل والنازل. وزهد في المأكل والآكل. ألا تراني لا أشاركهم في منازلهم. ولا أجالسهم في مجالسهم. ولا أساكنهم في مساكنهم. ولا أزاحمهم في أماكنهم. بل اخترت الداثر من الجدران. ورضيت بالخراب عن العمران. فسلمت من الأنكاد. وأمنت شر الحساد. ولم أزل عن الأحباب وحيداً.

(4/131)


ومن القرناء فريداً. وعن الأتراب بعيداً شريداً. فمن كان مسكنه التراب. كيف يساكن الأتراب. من علم بأن العمر وإن طاب قصير. وأن كلاً إلى الفناء يصير. بات على خشن الحصير. وأفطر على قرص الشعير. ورضي من الدنيا باليسير. وعلم أن فريقاً في الجنة وفريقاً في السعير. أنا نظرت إلى الدنيا وخرابها. وإلى الآخرة واقترابها. وإلى القيامة وحسابها. وإلى النفس واكتسابها. فشغلني التفكر في حالي عن منزلي الخالي. وأذهلني ما علي وما لي. وأذهبني عن أهلي ومالي. وأهمني صحتي واعتلالي. عن القصور العوالي. فجلا اليقين عن بصر بصيرتي كل شبهة. فعلمت أن لا فرصة تدوم ولا نزهة. وأنه كل شيء هالك إلا وجهه. فعرفت من هو. وما عرفت ما هو. وحيث كنت فلا أرى إلا هو. فإذا نطقت فلا أقول إلا هو. (قال) : فأخذت موعظته بمجامع قلبي. وخلعت عني ملابس عجبي.

إشارة الديك
(قال) : فقلت: تالله لقد فاز أهل الخلوات. وامتاز أهل الصلوات. ومنع من الجوار أهل الغفلات. فعند ذلك نادى الديك. كم أناديك. وأنت في تعاميك وتغاشيك. جعلت الأذان لي وظيفة. أوقظ به من كان نائماً كالجيفة. وأبشر الذين يدعون ربهم تضرعاً وخيفة. وفي إشارة لطيفة. أصفق بجناحي بشراً للقيام. وأعلن بالصياح تنبيهاً للنيام. فتصفيق الجناح. بشرى بالنجاح. وترديد الصياح. دعاء للفلاح. لا أخل بوظيفتي ليلاً ولا نهاراً. ولا أغفل عن

(4/133)


وردي سراً ولا إجهاراً. قسمت وظائف الطاعات. على جميع الساعات. فما تمر ساعة. إلا ولي فيها وظيفة طاعة. فبي تعرف المواقيت. ولا تغلو قيمتي ولو اشتريت باليواقيت. فهذا حالي. مع قيامي على عيالي. وإشفاقي على أطفالي. فأنا بين الدجاج. أقنع بالأجاج. ولا أختص دونهم بحبة. ولا أتجرع دونهم بشربة. وهذه حقيقة المحبة. إن رأيت حبة دعوتهم إليها. ودللتهم عليها. فمن شأني الإيثار. إذا حصل القتار. ثم إني طوع لأهل الدار. أصبر لهم على سوء الجوار. يذبحون أفراخي. وأنا لهم كالخل المؤاخي. وينتهبون أتباعي. وأنا في نفعهم ساعي. فهذه شيمة أوصافي. وسجية إنصافي. والله لي كافي:

بذكر الله يدفع كل خوف ... ويدنو الخير ممن يرتجيه
ولكن أين من يصغي ويدري ... معاني ما أقول ومن يعيه

إشارة البط

(قال) : فنادى البط. وهو في الماء ينغط. وقال: يا من بدني همته انحط. لا أنت مع الطير فترقى. ولا تسلم من الضير فتبقى. فأنت كالميت لا أرضاً تقطع ولا لزومك في مكان واحد ينفع. سقوط نفسك ألقاك على المزابل. ووقوفك عند الطل حجبك عن الوابل. وما ربح في المتاجر من لم يقطع المراحل. ولا يظفر بالجواهر من هو واقف بالساحل. فلو ثبت تمكينك. وقوي يقينك لطرت في الهواء. ومشيت على الماء. ألم ترني كيف ملكت هواي. فملكت


عالمي الماء والهواء. فأنا في البر سائح وفي البحر سابح. وفي الهواء سارح. وقد جعلت البحر مركز عزي. ومعدن كنزي. فأغوص في صفاء تلاليه. فأجتلي جواهر لآليه. وأطلع فيه على حكمه ومعانيه. ولا يعرف ذلك إلا من يعانيه. فمن وقف على ساحله. لم يظفر إلا بزبده وأجاجه. ومن لم يحذر من دواخله ولجاجه. غرق في متلاطم لججه وأمواجه. فالسعيد من ركب قارب قرباته. ورفع قلوع تضرعاته. متعرضاً لنسمات نفحاته. ماداً لبان رجائه بجذباته. ثم قطع كثائف ظلماته. فوصل إلى مجمع بحري ذاته وصفاته. فهنالك يقع على عين حياته فيرد من عذبه وفراته:

يا طالباً للمعالي ... مهر المعالي غالي
قدم فأول نقد ... معجل الآجال
ما استعذب الموت إلا ... من ذاق ذوق الرجال
حماه دون الوصال ... حماة حد النصال
كذا القصور العوالي ... حفت بسمر العوالي
والشهد دون جناه ... لدغ كحد النبال
قد طاف حول حماه ... ذوو الجدود العوالي
وصابروا في هواه ... عليه مر النكال
صاموا وبالذكر قاموا ... في مظلمات الليالي
إن كنت بطال فاترك ... منازل الأبطال
إشارة النحل
(قال) : فنادت النحلة: يا لها من نحلة. ما صح في روايتها رحلة. فالعارف من ظهر معناه. وقبل دعواه. وعلم صفاء سره من نجواه. ومن محا حقيقة دعواه. ثبتت حقيقة معناه. فلا تقل قولاً يبطله فعلك. ولا ترب فرعاً ينقضه أصلك. ألا تراني لما طاب مطعمي وصفا مشربي. طيف رفعت رتبتي. وعلا منصبي. وكمل أدبي. لولا أني أكلت الحلال. ولزمت أشرف الخلال. حتى صرت كالخلال. أسلك سبل ربي ذللاً. وأشكر من نهمه فصولاً وجملاً. أبتغي المباح. الذي ليس على أكله من جناح. فأجعل في الجبال بيوتي. ومن مباح الأشجار قوتي. أبتني بيوتاً يعجز كل صانع عن تأسيسها. ويتحير إقليدس في حل شكل تسديسها. ثم أسقط على الزهر والثمر. فلا آكل ثمرة. ولا أهشم زهرة. بل أتناول منها شيئاً على هيئة الطل. فأتغدى به قانعة وإن قل. ثم أعود إلى عشي. وقد صفا كدر عيشي. فأشتغل في وكري بفكري وذكري. وأخلص لمولاي شكري. ولا أفتر عن الذكر. ولا أغفل عن الشكر. قد أنتج علمي وعملي. شمعي وعسلي. فالشمع ثمرة العلم المنقول. والعسل ثمرة العمل المقبول. فالشمع للضياء والعسل للشفاء. فإذا أتاني قاصد يستضيء بضيائي. وإن أتاني عليل يستشفي بشفائي. فلا أذيقه حلاوة نفعي. حتى أجرعه مرارة لسعي. ولا أنيله شهدي. إلا بعد مكابدة جهدي. فإن اقتنصه

(4/136)


مني قهراً. أحامي عنه جهراً. وأدافع عنه بروحي. وأقول يا روح روحي. ثم أقول لمن جناني. واستخرجني من جناني. أنت يا جاني علي جاني. فإن كنت للرموز تعاني. فقد رمزت لك في معاني. إنك لا تصل إلى وصالي. حتى تصبر على حد نصالي:

اصبر على مر هجري ... إن رمت مني وصالا
واترك لأجل هواي ... من صد جهلاً وصالا
ومت إذا شئت تحيا ... واستعجل الآجالا
إن كنت معنى تمعنى ... فقد ضربت مثالا
فإن فهمت رموزي ... إقدم وإلا فلالا

إشارة الشمع

(قال) : فسمع النحل استغاثة شمعه. فأصغى إليه بسمعه. فإذا هو يحترق بالنار. ويبكي بأدمع غزار. ويقول: أيها النحل أما يكفيني. أن رميت منك ببيني. وفرق الدهر ما بينك وبيني. فأنت في الوجود أبي. وفي الاتحاد سببي. فأفردت عنك بتحريقي. أنا والعسل شقيقي. وهو أخي ورفيقي. فبينما نحن مجتمعان. وفي قرارنا ملتئمان. إذ فرقت بيننا يد النار ورمتنا ببعد الدار. وشط ما بيننا المزار. فأفردت عنه وأفرد عني. وبنت منه وبان مني. ثم سلطت علي النار. ولم أكن من أهل الأوزار. فكبدي تحترق. وجسدي تحت رق. وأهل المعرفة يستضيئون بنور إشراقي. فأنا في إشراق وإحراق(


ودمع مهراق. قائم في الخدمة على ساق. أحمل ضرري وضيري. وأحرق نفسي لأشرق على غيري. فأنا معذب بشري. وغيري متمتع بخيري. فكيف ألام على اصفراري. ودموعي الجواري. ثم تقصدني الأوباش. من الفراش. يريدون إطفائي. وإذهاب أضوائي. فأحرقه مكافأة لفعله. ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله. فلو ملئت الأرض فراشاً لكنت منهم بأمان. ولو ملئت أوباشاً لما أطفئوا نور الإيمان. يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الرحمان. وهذا رمز لمن تمعناه بيان:

قد أتى يا نور عيني ... منك نور أي نور
فهداي وضلالي ... بك يا كل سروري
لم يطق كل عذول ... فيك يرميني بزوري
وكذا كل هواء ... لم يطق إطفاء نوري

إشارة الغراب

(قال) : فبينما أنا في نشوة هذا العتاب. ولذة هذا الشراب. إذ سمعت صوت غراب. ينعق بتفريق الأتراب. وينوح نوح المصاب. ويبوح ما يجده من أليم العذاب. وقد لبس من الحداد جلباب. ورضي من بين العباد بتسويد الثياب. فقلت: أيها النادب لقد كدرت ما كان صافياً. ومررت ما كان حلواً شافياً. فما لك لم تزل في البكور ساعياً. وعلى الربوع ناعياً. وإلى البين داعياً. إن رأيت شملاً

(4/138)


مجتمعاً أنذرته بشتاته. وإن شاهدت قصراً عالياً بشرت بدروس عرصاته. فأنت لدى الخليط المعاشر أشأم من قاشر. وعند اللبيب الحاذر ألأم من جاذر. فناداني بلسان زجره الفصيح. وأشار بعنوان حاله الصريح ويحك أنت لا تفرق بين الحسن والقبيح. وقد تساوى لديك العدو والنصيح. لا بالكناية تفهم ولا بالتصريح. كأن المواعظ في أذنيك ريح وكلام المواعظ في سمع هواك كالنبيح. أما تذكر رحيلك من هذا الفيح الفسيح. إلى ظلمة القبر وضيق الضريح. أما بلغك ما جرى على أبيك آدم وهو ينادي على نفسه ويصيح. أما تعتبر بنوح نوح. وهو يبكي وينوح. على دار ليس بها أحد مستريح. أما تقتدي بصبر الذبيح. أما يكفيك ما تم على داود حتى بكى بقلبه القريح. أما تهتدي بزهد المسيح. أي جمع لم يتفرق. أي شمل لم يتمزق. أي صفو لم يتكدر. أي حلو لم يتمرر. أي أمل لم يقطعه الأجل. أي تدبير لم يبطله التقدير. أي بشير لم يعقبه نذير. أي يسير ما عاد عسير. أي حال ما حال. أي مقيم ما زال. أي مال عن صاحبه ما مال. أين ذوو العمر الطويل. أين ذوو المال الجزيل. أين ذوو الوجه الجميل. أما قرضهم الموت جيلاً بعد جيل. أما سوى في الثرى بين العبد الذليل والمولى الجليل. أما هتف بالمتمتع في دنياه قل: متاع الدنيا قليل. فكيف تلومني على نواحي. وتستشئم بصياحي. في مسائي وصباحي. ولو علمت أيها


(4/139)


اللاحي. بما فيه صلاحك وصلاحي لاتشحت بوشاحي. ووافقتني في سواد جناحي. وأجبتني بالنواح. من سائر النواحي. لكن ألهاك لهوك. وحجبك عجبك وزهوك. وها أنا أعرف النازل. بخراب المنازل. وأحذر الآكل غصة المآكل. وأبشر الراحل. بقرب المراحل. وصديقك من صدقك. لا من صدقك. ومن عذلك لا من عذرك. ومن بصرك لا من نصرك. ومن وعظك. فقد أيقظك ومن أنذرك فقد حذرك. ولقد أنذرتك بسوادي. وحذرتك بتردادي. وأسمعتك ندائي في النادي. ولكن لا حياة لمن تنادي:

أنوح على ذهاب العمر مني ... وحقي أن أنوح وأن أنادي
وأندب كلما عاينت ركباً ... حدا بهم لوشك المبين حادي
يعنفني الجهول إذا رآني ... وقد ألبست أثواب الحداد
فقلت له اتعظ بلسان حالي ... فإني قد نصحتك باجتهادي
وها أنا كالخطيب وليس بدعاً ... على الخطباء أثواب السواد
ألم ترني إذا عاينت ربعاً ... أنادي بالنوى في كل وادي
أنوع على الطلول فلم يجبني ... بساحتها سوى خرس الجماد
وأكثر في نواحيها نواحي ... من البين المفتت للفؤاد
تيقظ يا ثقيل السمع وافهم ... إشارة ما تشير به الغوادي
فما من شاهد في الكون إلا ... عليه من شهود الغيب بادي
فكم من رائح فيها وغاد ... ينادي من دنو أو بعاد

(4/140)


لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن أنادي


إشارة الهدهد

(قال) : فلما كدر علي الغراب وقتي. وحذرني مقتي. انصرفت من حضرتي. إلى خلوة فكرتي. فهتف بي هاتف من سماء فطرتي. أيها السامع منطق الطير. المتأسف على فوات الخير. تالله لو صغت الضمائر. لنفذت البصائر. واهتدى السائر. وما ضل الحائر. ولو طابت الخواطر. لبانت الأمائر. ولو شرحت السرائر. لظهرت البشائر. ولو انشرحت الصدور. لظهر لك النور. ولو ارتفعت الستور. لانكشف المستور. ولو طهرت القلوب. لظهرت سرائر الغيوب. ولو خلعت ثياب الإعجاب. لرفع لك الحجاب. ولو غبت عن عالم العيب. لشاهدت عالم الغيب. ولو قطعت العلائق. لانكشفت لك الحقائق. ولو خالفت العادة. لما انقطعت عنك المادة. ولو تجردت عن الإرادة. لوصلت إلى رتبة السيادة. ولو ملت عن هواك لمال بك إليه. ولو فارقت أباك لجمعك عليه. ولو بعد عنك لوجدت الزلفى لديه. ولكنك مسجون في سجن طبعك. مقيد بقيد مألوفك. متشاغل بشواغل نفسك. متعلق بحبال خيال حسك. قد أزمنتك برودة عزمك وأحرقتك حرارة حرصك. وأثقلتك تخمة بطرك. واستعمتك عفونة رعونتك. وبرسمتك وساوس شهوتك. فأنت بارد الهمة. مقعد العزمة. جامد الفكرة. فاسد الفطرة. كثير

(4/141)


الحيرة. قد انعكس ذوق فهمك. فرأيت الحسن قبيحاً. والقبيح حسناً. ألا ترى إلى الهدهد حين حسنت سيرته. وصت سريرته. كيف نفذت بصيرته. فتراه يشاهد بالنظر. ما تحجبه الأرض عن سائر البشر. فيرى في بطنها الماء الثجاج. كما تراه أنت في الزجاج. ويقول بصحة ذوقه وصدقه: هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج. ويقول: أنا الذي أوتيت مع صغر الجثمان. ما لم يؤته سليمان. فإن كنت ممن يقبل نصحي. فحسن سيرتك. وأصف سريرتك. وطيب أخلاقك. وراقب خلاقك. وتأدب بأحسن الآداب. ولو أنها من الدواب. فإنه من لم يأخذ إشارته من صرير الباب وطنين الذباب. ونبيح الكلاب. وحشرات التراب. ويفهم ما يشير به مسير السحاب. ولمع السراب. وضياء الضباب. فليس من ذوي الألباب.


إشارة الكلب

(قال) : فبينما أنا مستغرق في لذة الخطاب. منصت للجواب. إذ ناداني كلب على الباب. يلقط من المزابل ما يسقط من اللباب. فقال: يا من هو من وراء الحجاب. يا محجوباً عن المسبب بالأسباب. يا مسبلاً ثياب الإعجاب. تأدب بآدابي. فإن فعل الجميل دابي. وسس نفسك بسياستي. واسمع ما أقول لك من فراستي. وما عليك من خساستي. فإني إن كنت في الصورة حقيراً. تجدني في المعنى فقيراً. لا أزال واقفاً على أبواب سادتي. غير راغب في سيادتي. فلا

(4/142)


أتغير عن عادتي. ولا أقطع عنهم مادتي. أطرد فأعود. وأضرب ولست بالحقود. وأنا حافظ للود باق على العهود. أقوم إذا كان الأنام رقود. وأصوم والخوان ممدود. وليس لي مال معدود. ولا سماط ممدود. ولا رباط معهود. ولا مقام محمود. إن أعطيت شكرت. وإن منعت صبرت. لا أرى في الآفاق شاكياً. ولا على ما فات باكياً. إن مرضت فلا أعاد. وإن مت فلا أحمل على أعواد. وإن غبت فلا يقال ليته عاد. وإن فقدت فلا تبكيني الأولاد. وإن سافرت فلا أستصحب الزاد. لا مال لي يورث. ولا عقار فيحرث. إن فقدت فلا يبكى علي. وإن وجدت فلا ينظر إلي. وأنا مع ذلك أحوم حول حماهم. وأدوم على وفاهم. عاكف على مزابلهم. قانع بطلهم دون وابلهم. فإن أعجبك خلالي فتمسك بأذيالي. وتعلق بحبالي. وإن أردت وفاقي. فتخلق بأخلاقي:

وتعلم حفظ المودة مني ... وتمسك إلى العلى بحبالي
أنا كلب حقير قدر ولكن ... لي قلب خال من الإدغال
أحفظ الجار في الجوار ودأبي ... أن أحامي عليهم في الليالي
وتراني في كل عسر ويسر ... صابراً شاكراً على كل حال
لا يبالى علي إن مت جوعاً ... أو سقتني الأيام مر النكال
لا يراني الإله أشكو لخلق ... إذ على الله في الأمور اتكالي
أحمل الضيم فيه صوناً لعرضي ... وفراراً من مر ذل السؤال

(4/143)


فخلالي على خساسة قدري ... في المعالي يفقن كل خلال


إشارة الجمل

فقال الجمل: أيها الراغب في السلوك. إلى منازل الملوك. إن كنت تعلمت من الكلب زهداً وفقراً. فتعلم مني جلداً وصبراً. فإن من توسد الفقر. وجب عليه معانقة الصبر. فإن الفقير الصابر. معدود من الأكابر. ها أنا أحمل الأحمال الثقال. وأقطع المراحل الطوال. وأكابد الأهوال. وأصبر على مر النكال. ولا يعتريني في ذلك ملال. ولا أصول صولة الأرذال. بل أنقاد للطفل الصغير. ولو شئت لاستصعبت على الأمير الكبير. فأنا الذلول. الذي للأثقال حمول. وفي الأحمال ذمول. ولست بالخائن ولا بالملول. ولا بالصائل عن المصول. ولا بالمائل عن القفول. أقطع في الوحول. ما تعجز عنه الصناديد الفول. وأصابر في ظمأ الهواجر وفي الحاجر لا أحول. فإذا قضيت حق صاحبي. وبلغت مأربي. ألقيت حبلي على غاربي. وذهبت في البوادي. أكتسب من المباح زادي. وإن سمعت صوت الحادي. سلمت إليه قيادي. وأوصلت فيه سهادي. ومددت عنقي لبلوغ مرادي. فإن ضللت فالدليل هادي. وإن زللت أخذ بيدي من إليه انقيادي. فأنا المسخر لكم بإشارة وتحمل أثقالكم. فلا أزال بين رحلة ومقام. حتى أصل إلى ذلك المقام.

(4/144)


إشارة الفرس

فقال الفرس: أيها الفقير الصابر. الطالب سبل المآثر. تعلم مني حسن الأدب. وصدق الطلب. لبلوغ الأرب. ها أنا أحمل مباهلي. على كاهلي. فأجتهد في السير. وأنطلق به كالطير. أهجم هجوم الليل. وأقتحم اقتحام السيل. فإذا كان طالباً أدرك بي طلبه. وبلغ بي أربه. وإن كان مطلوباً قطعت عن طالبه سببه. وجعلت أسباب الردى عنه محجبة. فلا يدرك مني إلا الغبار. ولا يسمع عني إلا الأخبار. فإن كان الجمل هو الصابر المجرب. فأنا الشاكر المقرب. وإن كان هو المقتصد اللاحق. فأنا المجتهد السابق. فإذا كان يوم اللقا. وأوان الملتقى. أقدمت إقدام الواله. وسبقت ضرب نباله. وذاك متخلف لثقل أحماله. معاق لتفتيش ما في رحاله. ورأيت ثم حقوقاً لا يستوفيها إلا كل موف. وطريقاً ر يقطعها إلا كل مخف. فلذلك شمرت عن ساق. وتضمرت ليوم السباق. وقلت لمن أسكره الطيش فما أفاق. وغره العيش الذي قد راق: ما عندكم ينفد وما عند الله باق. فيا من هو عن المراد مردود. وفي الطراد مطرود. هلا نظرت إلى الوجود. وفهمت المقصود. وأقمت على نفسك الحدود. وأوثقت جوارحك بالقيود. وذكرت الأجل المحدود. والنفس المعدود. وخشيت اليوم الموعود. ها أنا لما أوثق سائسي قيدي. أمن قائدي كيدي. فكم أكل سائقي من صيدي.

(4/145)


وكم لي على مسابقي من أيدي. أوثقت بشكالي. كيلا أصول على أشكالي. وأخذت بعناني. كيلا أذهب إلى غير ما عناني. وألجمت بلجامي. لئلا يفسد علي نظامي. وألزمت بحزامي. خشية من غفلتي عن قيامي. ونعلت بالحديد أقدامي. كيلا أكل عند إقدامي. فأنا الموعود بالنجاة. المعدود للجاه. المشدود للسلامة. المقصود بالكرامة. والخير معقود بنواصي إلى يوم القيامة. خلقت من الريح. وألهمت التقديس والتسبيح. وما برح ظهري عزاً. وبطني كنزاً. وصحبتي حرزاً. وكم حززت أهل النفاق حزاً. فكم أخليت منهم الآفاق فهل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً. (فجاوبته) تالله لقد حويت من الخلال أجملها. ومن الفعال أكملها.

إشارة العنكبوت
فقالت العنكبوت: إن كان بيتي أوهن البيوت. وحبلي مبتوت. فإن فضلي عليك في سجل الذكر مثبوت. أما أنا فما لأحد علي منة. ولا لأم علي حنة. من حين أولد أنسج لنفسي أبيات. في جميع الأوقات. فأول ما أقصد زاوية البيت. وإن كان خراباً فهو أحسن ما أويت. فأقصد الزوايا. لما فيها من الخبايا ولما في سرها من النكت الخفايا. فألقي لعابي على حافلتها. حذراً من الخلطة وآفاتها. ثم أفرد من طافا غزلي خيطاً دقيقاً. منكساً في الهواء رقيقاً. فأتعلق به مسبلة يدي. ممسكة برجلي. فيظن الغر بتلك الحالة. أنني ميت لا محالة. فتمر الذبابة فأختطفها بحبائل كيدي. وأودعها شبكة صيدي. وأنت أيها الغدارة. التي بزخرفها غرارة. إنما جعلت زينة لناقصات العقول. ولهو للصبيان الذين ليس لهم معقول. وقد حرمت على الرجال الفحول. لأن حسنك عن قريب يحول. وما لك في الحقيقة محصول. ولا إلى الطريقة وصول. فيا ويح محروم حرم السؤال:
أيها المعجب فخراً ... بمقاصير البيوت
فارض في الدنيا بثوب ... ومن العيش بقوت
واتخذ بيتاً ضعيفاً ... مثل بيت العنكبوت
إشارة النملة
فقالت النملة: إذا ما رماك الدهر بمرمى فنم له. وتعلم مني قوة الاستعداد. وتحصيل الزاد. ليوم المعاد. وانظر إلى غرة عزمي. وصحة حزمي. وتأكل كيف شدت يد القدرة للخدمة وسطي. فأول ما فتحت عيني من العدم. رأيتني واقفة على القدم. لأكون من جملة الخدم. ثم كلفت بجمع المؤونة. بتيسير المعونة. ثم أعطيت قوة الشم من بعد الفراسخ. ما لا يدركه العالم الراسخ. فأدبر ما أذخره من الحب لقوتي. في بيوتي. فيلهمني فالق الحب والنوى. أن أقسم الحبة نصفين بالسوى. فإن كانت الحبة كزبرة. فلها حكمة مدبرة. وهو أن أفلقها أربع فلق فإنها إذا انفلقت نصفين نبتت. وإن قطعت أربعاً انقطعت. وإن خفت عليها في الشتاء عفونة الأرض أن تضرها. أخرجتها في يوم شامس فتجففه الشمس بحرها. فلا يزال ذلك دابي. وأنت تظن أنه أردى بي. وتعتقده في نقصاً. وانهماكاً على الدنيا وحرصاً. كلا كلا لو علمت حقيقة أمري. لأقمت في ذلك عذري. ولارتفع عندك قدري. فكل نملة تجتهد في سيرها. وتحصيل خيرها. لنفع غيرها. متعرضة للهلاك. ومصايد الأشراك. فإما أن تهلك عطشاً أو جوعاً. أو تقع في مفازة فلا تجد رجوعاً. تختطفها ذبابة. أو تطأها دابة. فتلقي ما في أيديها بين
أيديهن. فتقسمه بالسوية عليهن من غير خصوص. ولا حظ منقوص.
صفة نزهة على نهر سرقسطة
قال علي بن ظافر: ذكر صاحب قلائد العقيان ما هذا معناه: إن المستعين بالله أحمد بن أحمد بن المؤتمن بن هود الجذامي صاحب سرقسطة والثغور ركب نهر سرقسطة يوما لتفقد بعض معاقله. المنتظمة بجيد ساحله. وهو نهر رق ماؤه وراق. وأزرى على نيل مصر ودجلة والعراق. وقد اكتنفته البساتين من جانبيه وألقت ظلالها عليه. فما تطاد عين الشمس أن تنظر إليه. هذا على اتساع عرضه. وبعد سطح الماء من أرضه. وقد توسط زورقه زوارق حاشيته توسط البدر للهالة
وأحاكت به إحاطة الطفاوة للغزالة. وقد أعدوا من مكايد الصيد ما استخرج ذخائر الماء. وأخاف حتى حوت السماء. وأهلة الهالات طالعة من الموج في سحاب. وقانصة من بنات الماء كل طائرة كالشهاب. فلا ترى إلا صيودا كصيد الصوارم. وقدود اللهاذم. فقال الوزير أبو الفضل بن حسادي والطرب قد استهواه. وبديع ذلك المرأى استرق هواه:
منهم

عصاي أركزها لصلاتي. وأعدها لعداتي. وأسوق بها دابتي. وأقوى بها على سفري. واعتمد عليها في مشيتي يتسع خطوي. وأثب بها على النهر، وتؤمنني العثر. وألقي عليها كسائي. فيقيني الحر. ويجنبني القر. وتدني إلي ما بعد عني. وهي محمل سفرتي. وعلاقة أدواتي. أفزع بها الأبواب وألقي بها عقور الكلاب. وتنوب عن الرمح الطعان. وعن السيف عند منازلة الأقران. ورثتها عن أبي وسأورثها ابني من بعدي وأهش بها على غنمي. ولي فيها مآرب أخرى.

مناظرة السفينة والوابور للمرحوم السيد عبد الله النديم المتوفى سنة 1314هـ"
شمرت "السفينة" عن الذراع وسحبت طرفها ونشرت الشراع واعتدلت ومالت وابتدأت وقالت:
حمداً لمن أسبغ على عباده جزيل الإنعام وسخر لهم من فضله السفن والأنعام وجعلهما مطيتين لحمل الأرزاق والأثقال وحافظين للذخائر عند السفر والانتقال وامتن بهما على عباده وهو عليم بما يصنعون فقال تعالى: (وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) [المؤمنون: 22] وصلاةً وسلاماً على من أسفرت أسفاره عن عظيم أخلاقه فانفتح بتوجهاته الشريفة باب السياحة بعد إغلاقه وآله وأصحابه الذين تحملوا في الغزوات مشاق البرد والحر واقتحموا في نضر دينه عقبات البحر والبر "وبعد" فإن المخترعات في الدنيا كثيرة وقد صارت سهلة بعد أن كانت خطيرة ولكن من المعلوم لكل عاقل عارف بأحوال الأوائل ناقل أن شكلي أول غريب ابتدع وأحسن عظيم اختراع ما تقدمني سوى الحيوان والكواكب وضروريات الزرع وبعض آلات المعاطب وكان البحر قبلي ظلمة ما طلع له فجر وانشرح لها صدر بل غرضاً ما أصابه سهم ومعنى ما ترقى لهم وهم حتى أمر الله نبيه نوحاً بصنعي وعلمه تركيب ضلوعي عند جمعي فبذل في جهده وباشر عملي وحده وكلما مر عليه ملأٌ من قومه سخروا منه قال: (إِن تَسْخَرُواْ مِنّا فَإِنّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) [هود: 38] فقال تعالى: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الّذِينَ ظَلَمُوَاْ إِنّهُمْ مّغْرَقُونَ) [هود: 37] فاستمر حتى أتم عمله وحقق رجاءه وأمله وأنزلني البحر عروساً وأطاب بي نفوساً فتلقاني البحر على رأسه وجريت بين روحه وأنفاسه وصار كل غريب حاضر لدي وكلما تلاطم البحر ضربته بيدي لا ترهبني منه الأمواج ولا تردني عنه الأبراج أحمل الذخائر والأرزاق وأجمع الأحباب والعشاق ومع ذلك فإن أصلي معدن الثمر ونزهة الأرقاء عند السمر فمن له أب كأبي ومن قبلي صنعه نبي فمجدي شامخ ومجد غيري متهدم والفضل كل الفضل للمتقدم.
فالتهبت أحشاء (الوابور) بفحم الحجر وصعدت أنفاسه مشوبة بشرر وزمجر وكفر وصاح وصفر وجرى حتى خرج عن "الشريط" وقال السكوت على هذا من التفريط ثم كر بعجله وجال وابتدأ رداً عليه فقال:
الحمد لله خالق كل شيء موجود الذي يشرفني بالذكر قبل الوجود حيث امتن على عباده بخلق عليها يحملون ثم قال: (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل: 8] ويستأنس لي بقوله: (وَخَلَقْنَا لَهُمْ مّن مّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) [يس: 42] ولا يغفل عن ذكري إلا الجاهلون والصلاة والسلام على من تكلم بالمغيبات من غير شك ولا التباس المنزل عليه (وَأَنزْلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنّاسِ) [الحديد: 25] وأصحابه الذين اتخذوا من معدني دروعاً وتيجاناً وقاتلوا بها حتى أظهروا ديناً وأرضوا ديّاناً "وبعد" فالوقوف عند حد النفس إنصاف والخروج عنه قبيح الأوصاف: الفخر لا يكون إلا عن كبر أو غباوة وهو أول داع للحرب والعداوة فكم أثار حرباً وأضرم ناراً وكم هدم قصراً وأباد داراً ولكن شر أهر ذا ناب وكوة فتحت بها أبواب فإني ما كنت أظن أن السفينة الحقيرة المسكينة تخرج من الأجراف وهي ترفع في وجهي المجداف ولكن قد يلقى الإنسان ضد أمله والمرء مجزي بعمله ومن سل سيف البغي قتل به وأهم أمريك الذي أنت به فانتبه فقابل أعداءك بأرداء الحجارة وإياك أعني فاسمعي بإجارة فإنك وإن كنت أول عمل للخلق وصناعة نبي بوحي الحق إلا أنك حمالة الحطب قريبة العطب إن هبت عليك نسمات هلك من فيك ومات وإن كتبت لك سلامة فلا حباً ولا كرامة وإن كسر ضلعك فار علا فيك الماء وفار: بم تفتخرين وأنت مكتفة بالحبال وخدمتك ينادون بالوبال إن سلكت طرق الأمن ارتجفت القلوب وإن ساعدتك الصبا أهلكتك الجنوب تغرقين إن زاد عليك "طرد" وتهلكين إن نزل عليك "شرد" فإن أبيت السير سحبوك على وجهك وإن كلوا تركوك وباتوا على قلبك ما أقبح أصوات الأوباش حين يصعدون لسحب القماش وما أفظع تلك الضجة إذا "شحطت" وسط اللجة كم عقت محباً عن حبيبه وأحرمت تاجراً من نصيبه وكم جعلوك مطية للفساد وآلة لهلاك العباد فإن كنت ذكرت في الكتاب صراحة فقد ذكرت ضمناً وإن ظهرت قبلي لفظاً فقد كنت معنى ما تأخر لتاجر عندي سبب ولا حرم من صاحبني بلوغ أرب طريقك معوج وطريقي مستقيم لا يملني صحيح ولا يسأمني سقيم فسحبت السفينة "المداري" وقالت له "باري باري" كم تعرض وتصرح "وأصفح وأصلح" ولكن مهلاً يا أبا لهب فقد خرجت عن الأدب ولابد ما "أرسي" على برّك وأحرقك بلهيب جمرك حصرت بين "عجل وقضيب" ووقفت في جحيم ولهيب وتغذّيت "بالخشب والفحم" وتفكهت "بالزيت والشحم" وتولعت "بالمشاقة والكهنه" وتحليت "بالهباب والدهنة" وتمكن الغيظ فيك وانحبس حتى صار فيك "نفس" وجئت تقول إني حمالة الحطب وأنت حمال النار واللهب وإني قريبة العطب وأنت أبو البلايا والكرب إن جريت فضحت عرضك وإن وقفت تأكل بعضك وإن صدمك شيء هلكت ووقفت وما سلكت وإن كسر "ذراعك" وقعت وقليل إن طلعت وإن دخن أنفك تعمى صورتك وإن ظمئت يوماً طقت "ما سورتك" تجري في الخلاء والقفار وتقول النار ولا العار ما أوسخ رجالك وأضيق مجالك يا مفرق الأحباب ومفزع الركاب غريقي أرجى من غريقك وبحري أنجا من طريقك كم هرست من إنسان وطحنت من حيوان وخلفت راكباً وتركته حيران وكم جعل رجالك الناس مسخرة إذا لم يجدوا معهم "تذكرة" وكم أضعت على تاجر فلوسه إذا فقدت منه "بوليسة" أعلى غير "الشريط" تجري فضلاً عن لجي وبحري أدخل نفسك في "مخزن الوفر" (وفضك من النفخ والصفر) تفتخر على أغصان الطعوم "وأنت حديد يا مشوم" ولئن سرت على "عجل" فقلوب أهلك في وجل أما علمت أن العجلة من الشيطان وأن الباغي جزاؤه النيران شغلت بالأكل والتمشي ففاتك الرفق والتأني.
وبالجملة فإني سابقة هذا الميدان ولا ينتطح في ذلك عنزان.
فتحرك الوابور تحرك ناقد وتنهّد تنهد حاقد وقطع (قطره) وأبا (شحناً) وقال أسمع جعجعة ولا أرى طحناً أبعوض تطن في أذن فيل وصورة تعد في التماثيل ولكني أبيت مخاطبتك وعفت وكرهت وجهك المدهون "بالزفت" فإن حالك حال الحيران وصباحك صباح "القطران" وكيف أفاخر امرأة عقلها في "مؤخرتها" وهلاكها في تمزيق مئزرها تقاد بحبل طويل وتنقاد لأدنى "عويل" يديرها (شاغول) وفكرها مشغول تتبع هواها في السير ولها جناح كالطير أمية فيها (قارية) ويد عاجزة لها (باريه) ثالثة العيزين في ذل (الوتد) (وَامْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ {4} فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مّسَدٍ) [المسد: 4 5] .



🛐☪

البلاغة
الخبر
الإنشاء
طلبي
الأمر قم لتقم عليك بالقيام قياما
دعاء رب اهدني تهديد اعملوا ماشىتم تعجيز فأتوا بسورة تسوية اصبروا أو لا تصبروا تمني ليل انجلي تعجب انظر كيف ضربوا لك الأمثال
النهي
دعاء لا تزغ قلبي تهديد لا تدرس تمني لا تغربي تيئيس لا تعتذروا إيناس لا تحزن
الاستفهام
التمني
النداء
غير طلبي المدح والذم القسم التعجب الرجاء
القصر
إلا إنما لا بل لكن تقديم المؤخر
عصفة على موصوف لا بطل إلا زيد موصوف على صفة ما زيد إلا بطل
الوصل بالواو الأبرار ..لا وشكرا
الفصل بدل أمدكم ..توكيد أمهلهم...جواب سؤال ناشئ وما أبرى نفسي إن النفس لأمارة بالسوء

البيان

التشبيه
أركان 4
أنواع غير تمثيلي زيد كالأسد تمثيلي ابتسامة هند كانفتاح الورد
المجاز
عقلي اسناد المعاني
المصدر جد جده...الزمان نهاره صائم..المكان نهر جار...السبب بنى الأمير قصرا...المفعولية حجابا مستورا...الفاعلية عيشة راضية
مرسل غير تشبيه...في الألفاظ
اعتبار ما كان أكلت الحليب اعتبار ما يكون أشعل نارا كلية شربت البحر جزئية عتق رقبة سببية لك يد علي مسببية السارق يأكل نارا حالية نزلت بالقوم محلية ذهب المعهد
مجاورة طعنت ثوبه
الاستعارة تشبيه
تصريحية حذف المشبه جاء الأسد بسيفه...مكنية المشبه به جاء زيد يزأر
مطلقة..مرشحة قرينة ملائم المشبه به أتى الأسد بسيفه يزأر مجردة مشبه بسيفه راكبا فرسه
أ ‌- استعارة الموت للضلال لاشتراكهما في عدم الانتفاع، وهي عنادية لعدم امكان اجتماع الموت مع الضلال الذي لا يكون إلا في الحي لأنّ الضالّ حيّ.
ب ‌- استعارة الإحياء للهداية لاشتراكهما في ثبوت الانتفاع، وهي وفاقيّة لإمكان اجتماع الإحياء والهداية
الكناية
لا يمنتع المعنى الحقيقي
عن صفة زيد نظيف اليد موصوف اجتنبوا أم الخبائث نسبة الكرم في ثيابه
البديع
الجناس
تام الساعة ساعة
سيف ضيف_حقيبة قبيحة_ماء سماء_بر بر
غفار غفر الله لها_فما فمن_ذاهبة ذا هبة_مجال سجود مجالس جود_كل في فلك
طباق إيجاب ليل نهار. سلب أَفَمَن يخلق كمن لا يخلق
المقابلة العلم نور
التورية أجدادك عظام
السجع فرق واسع وبون شاسع
التفريق
السحب تعطي وتبكي ... وأنت تعطي وتضحك
الجمع مع التفريق
الناس محاسبون فمن ناج ومن هالك
التوشيع
الجديدان الليل والنهار
الاشتقاق
وعلا فسموه علي الحاجبا
صاعد كيف يرقى في المعالي ويصعد
السلب والايجاب
أغر لا يمنع الراجين ما طلبوا ... ويمنع الجار من ضيم ومن ح
المشاكلة
وجزاء سيئة سيئة مثلها
التعطيف
فلا تعجل على أحد بظلم ... فإن الظلم مرتعه وخيم
التصحيف
فاخش فاحش فعلك
الازدواج
من جد وجد
السجع
فرق واسع وبون شاسع
الموازنة
الدين عال والحق منتصر والخير آت
الارصاد
(وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب)
لزوم ما لا يلزم
الخطل العطل
رد العجز على الصدر
(وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه).
سريع الى ابن العم يلطم وجهه ولــــيس إلى داعي الندى بسريع
الاكتفاء
قالت بنات العم يا سلمى وإن كــان فقيراً معدماً قالت وإن
التشطير
تدبير معتصم بالله منتقم لله مــرتغب في الله مرتقب
التسميط
فنحن في جزل، والروم في وجل والبــــــرّ في شغل، والبحر في خجل
الافتنان
فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم
الطي والنشر
آرائهم ووجــوهم وسيوفهم في الحادثات إذا دجون نــجوم
منها معالـم للهدى ومصابح تجلو الدجى والأخريات رجـوم
الجمع
انّ الشباب والفراغ والجده مفسدة للـمرء أيَّ مــفسدة
القول بالموجب
وقــــالوا قد صفت مـــنّا قلوب لـقد صدقوا ولكن عن ودادي
.التسبييغ
فلم أستطعها غير أن قد بدا لنا ... عشية راحت وجهها والمعاصم
معاصم لم تضرب على البهم بالضحى ... عصاها ووجه لم تلحه النسائم
الاطراد
أقيس بن مسعود بن قيس بن خالد ... وأنت الذي ترجو بقاءك وائل
العكس
لئن جاء في موكب من نداك ... فكتب الملوك ملوك الكتب
التوزيع
الحروف متصلة أو منقطة أو غير تكرار حرف في كلمات متتابعة
النسخ
تغيير الالفاظ فقط. عكس المعاني
الاقتباس
فلم يكن إلا كلمح البصر أو هو أقرب أنا أنبئكم بتأويله، وأميز صحيح القول من عليله
إذا ما ادلهمّت خطوب الهوى يكاد سنا برقه يذهب
ان كنت أزمعت على هجرنا من غير ما جرمٍ فصبرٌ جميل
وإذا ما شئت عيشاً بينهم خالق الناس بخلقٍ حسنِ
التلميح
وحسنّوا لك هجري فليفعلوا ما أرادوا فانّهم أهل بدر
التشبيه
لحسّيان جدك كالورد عقليان الجهل كالموت حسي وعقلي الطبيب الجاهل موت عقلي حسي العلم نور
التشبيه المفرد
ـ مطلقين كانا، نحو: (طالخدّ كالورد).
ب ـ أم مقيّدين، نحو: (العلم في الصغر كالنقش في الحج
ينقسم التشبيه عند وصف شيء معين بشيء آخر إلى عدة أنواع تبعاً لوجود أركانه من عدمها، وهي:
التشبيه التام: وهو التشبيه الذي بشتمل على جميع أركان التشبيه. مثال: باسم حادّ النظر كالصقر، أو سليم سريعٌ كالفهد، أو شعرها كالليل في سواده.
التشبيه المؤكد: هو التشبيه الذي غاب عنه أداته، مثل باسم فهدٌ في السرعة.
التشبيه المجمل:هو التشبيه الذي غاب عنه وجه الشبه، مثل سليمٌ كالفهد.
التشبيه البليغ:هو التشبيه الذي غاب عنه وجه الشبه وأداته، مثل العلم نور، أو قفز معاذ قفزة حصان.
كما يطلق على التشبيه الذي يحتوي أداة التشبيه تشبيهاً مرسلاً، والشبيه الذي يبيّن وجه الشبه تشبيهاً مفصّلاً.
التشبيه المركب
تشبيه مركّب بمركّب، كقوله:
كان سهيلاً والنجوم ورائه صفوف صلاة قام فيها إمامها
3 - تشبيه مفرد بمركّب، كقولها:
أغرّ أبلج تأتمّ الــهداة بـــه كـــأنه علـــــم فــي رأسه نار
4 ـ تشبيه مركّب بمفرد، كقوله:
وأسنانه البيض فــي فـمه تلوح لدى الضحوك كالاقحوان
في هذا النوع من التشبيه يتم تشبيه صورة بصورة أخرى وينقسم إلى:
التشبيه التمثيلي: وهو وصف حالة أو هيئة بحالة أو هيئة أخرى، مثل قوله تعالى: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ) [البقرة: 261]، وفي الآية شبه اللله أجر من تصدق في سبيل الله بأمواله، كالسنبلة الواحدة التي تنبت حبات عديدة، ووجه الشبه هو المضاعفة.
التشبيه الضمني: وهو التشبيه الذي يصف حالة دون ذكر أداة التشبيه، بل يترك كلمات تدل عليها كقول الشاعر: (من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ).
التشبيه المقلوب: وهو نوع في المديح والوصف، وهو أن يتم قلب المشبه بالمشبه به، فيشبه الأقل بالأكثر كقول الشاعر: (وبدا الصّباحُ كٲنَّ غُرَّتَهُّ الخليفة حين يُمتدحُ).
ـ التشبيه الملفوف: بأن يجتمع مشبّهان أو أكثر معاً، ومشبه بهما أو أكثر معاً أيضاً، كقوله:
ليــــــل وبــــــــدر وغصــــن شعــــــر ووجـــــــه وقــــــــدّ
2 - التشبيه المفروق: بأن يجتمع كل مشبّه مع ما شبّه به، كقوله:
انما النفس كالزجاجة والعلــ ـــــــم سراج وحكمـة الله زيت
3 - تشبيه التسوية، بأن يتعدّد المشبّه دون المشبّه به، كقوله:
صــــــدغ الحبيـــب وحـالي كـــــــــلاهمــــــا كــــالليالــــــي
4 - تشبيه الجمع، بأن يتعدّد المشبه به دون المشبه، كقوله:
كأنمـــــا يبسم عـــن لـؤلؤ مـــــُنضّد أو بَــــــرَد أو اُقـــــاح

البديع

التورية
التورية، وتسمّى ايهاماً وتخييلاً أيضاً، وهي أن يكون للّفظ معنيان: قريب وبعيد، فيذكره المتكلّم ويريد به المعنى البعيد، الذي هو خلاف الظاهر، ويأتي بقرينة لا يفهمها السامع غير الفطن، فيتوهّم انّه أراد المعنى القريب، نحو قوله تعالى: (وهو الّذي يتوفّاكم باللّيل ويعلم ما جرحتم بالنهار)(1) أراد من (جرحتم): ارتكاب الذنوب، وكقوله:
أبيات شعرك كالقصور ولا قصور بها يعوق ومن العجائب لفظها حرّ ومعناها رقيق
فللرقيق معنيان: قريب وهو العبد. وبعيد: وهو من الرقة، والشاعر أراد الثاني، لكن الظاهر من مقابلته للحرّ إرادة العبد.
مجردة
هذه أختي
مرشحة
كأن للمجاورة اقتسمنا فقلبي جارهم والدمع جاري
فالتورية في كلمة جاري ومعناها القريب من المجاورة والقرينة جاره والمعنى البعيد
منسكب وهو مراد الشاعر وقد ذكر ملائم المعنى القريب في صدر البيت وهو المجاور
مبينة
ذكرت والكأس في كفي لياليكم فالكأس في راحة والقلب في تعب
فقوله راحة له معنيان : القريب هو الإسترخاء والبعيد هو راحة اليد وقد ذكر مايلائمه
وهو قوله كفي في الصدر
الإستخدام
الإستخدام: وهو أن يكون للّفظ معنيان فيطلقه المتكلّم ويريد به أحد المعنيين، ثم يذكر ضميره ويريد به المعنى الآخر، نحو قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)(2) أراد بالشهر أوّلاً: الهلال، ثمّ أعاد الضمير عليه وهو يريد أيّام الشهر المبارك، وكقوله:
إذا نزل السماء بأرض قوم ق رعينـــاه وإن كـــانوا غضابا
أراد بالسماء: المطر، وبضميره في (رعيناه) النبات.
الإستطراد
الإستطراد: وهو أن يشرع المتكلّم في موضوع، ثم يخرج منه قبل تمامه إلى موضوع آخر، ثم يرجع إلى موضوعه الأول، كقوله:
وانّا لقوم لا نرى القتل سبّة ق إذا ما رأته عامر وسلول
يقرّب حبّ الموت آجالنا لنـا ق وتـــكرهه آجالهم فتـطول
أراد مدح قومه، ثم خرج قبل تمام كلامه إلى ذم عامر وسلول، ثم رجع في الشطر الثالث إلى ما بدأ به في الشطر الأول.
الإفتنان
الإفتنان: وهو الجمع بين فنّين من الكلام، كالمدح والذم، والتهنئة والتعزية، والغَزَل والحماسة، وأمثالها، كقوله: (عينه كالذئب لكن سنّه كالاقحوان... ).
وقوله: (فقلبي ضاحك والعين تبكي...).
وقوله:
فوددت تقبيل السيوف لأنها ق لمعت كبارق ثغرك المتبسم
الطباق
الطباق: ويسمّى بالمطابقة وبالتطبيق وبالتطابق وبالتكافؤ وبالتضاد أيضاً، وهو: الجمع بين لفظين متقابلين في المعنى، ويكون على قسمين:
1 ـ طباق الايجاب: وهو ما لم يختلف فيه اللّفظان المتقابلان ايجاباً وسلباً، نحو قوله تعالى: (وانّه هو أضحك وأبكي)(3) وقوله سبحانه: (تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء)(4).
2 ـ طباق السلب: وهو ما اختلف فيه اللفظان المتقابلان ايجاباً وسلباً فمثبت مرّة ومنفي اُخرى، نحو قوله تعالى: (فلا تخشون الناس واخشون)(5) وقوله سبحانه: (هل يستوي الّذي يعلمون والّذين لا يعلمون)(6).
المقابلة
المقابلة: وهي أن يؤتى بمعنيين أو معان متوافقة، ثم يؤتى بمقابلها على الترتيب، قال تعالى: (فأمّا من أعطى واتّقى وصدّق بالحسنى فسنُيسِّرهُ لليُسرى وأما من بخل واستغنى وكذّب بالحسنى فسنيسّره للعسرى)(7) ونحو قوله:
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا ق واقبـــح الكفــــرَ والإفلاس بالرجل
مراعاة النظير
مراعاة النظير: وتسمّى بالتوافق والإئتلاف والتناسب أيضاً وهو: الجمع بين أمرين أو أمور متناسبة، كقوله تعالى: (اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانو مهتدين)(8).
ومنها: ما بني على المناسبة في (المعنى) وذلك بأن يختم الكلام بما بدأ به من حيث المعنى، كقوله تعالى: (لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللّطيف الخبير)(9). فاللطيف يناسب عدم ادراك الابصار، والخبير يناسب ادراكه للأبصار.
ومنها: ما بني على المناسبة في (اللفظ) وذلك بأن يؤتى بلفظ يناسب معناه أحد الطرفين ولفظه الطرف الآخر، كقوله تعالى: (الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان)(10) فالنجم لفظه يناسب الشمس والقمر، ومعناه - وهو النبات الذي لا ساق له ـ يناسب الشجر.
الإرصاد
الإرصاد، ويسمّى التسهيم أيضاً وهو: أن يذكر قبل تمام الكلام - شعراً كان أو نثرا ـ ما يدل عليه إذا عُرف الرويّ، كقوله تعالى: (وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)(11) فإنّ (يظلمون) معلوم من السياق، وكقول الشاعر:
احلّت دمي من غير جرم وحرّمت ق بــلا سبب عـــند اللقاء كلامي
فـــليس الــــذي حـــلّلته بمــــحلّل ق ولـــيس الــذي حــرَّمته بحرام
فإن (بحرام) معلوم من السياق.
أو يدل عليه بلا حاجة إلى معرفة الرويّ، نحو قوله تعالى: (ولكلّ أمّة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)(12).
الإدماج
الإدماج: وهو أن يدمج في كلام سيق لمعنى، معنى آخر غير مصرّح به، كقوله:
وليل طويل لم أنم فيه لحظة ق أعد ذنوب الدهر وهو مديد
فإنه أدمج تعداد ذنوب الدهر بين ما قصده من طول الليل.
المذهب الكلامي
المذهب الكلامي: وهو أن يؤتى لصحة الكلام بدليل مسلّم عند المخاطب، وذلك بترتيب المقدمات المستلزمات للمطلوب كقوله تعالى: (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم)(13) فإن المسلّم عند منكر البعث ان اعادة الموتى أهون من خلق السماوات والارض، ولذا جعله تعالى دليلاً على البعث.
حسن التعليل
حسن التعليل: وهو أن يأتي البليغ بعلة طريفة لمعلول علّته شيء آخر، كقوله:
مـا بـه قتلُ أعاديه ولـكن ق يتقي إخلاف ما ترجو الذئابُ
فإنه أنكر كون قتل أعاديه للغلبة وقطع جذور الفساد، وادعى له سبباً آخر، وهو: أن لا يخلف رجاء الذئاب التي تطمع في شبع بطونها.
التجريد
التجريد: وهو أن ينتزع المتكلّم من أمر ذي صفة أمراً آخر مثله في تلك الصفة، وذلك لأجل المبالغة في كمالها في ذي الصفة المنتزع منه، حتى كأنه قد صار منها، بحيث يمكن أن ينتزع منه موصوف آخر، وهو على أقسام:
1 ـ أن يكون بواسطة (الباء التجريدية) نحو: (شربت بمائها عسلاً مصفّى...). فكأن حلاوة ماء تلك العين الموصوفة وصلت إلى حدّ يمكن انتزاع العسل منها حين الشرب.
2 ـ أن يكون بواسطة (من التجريدية) كقوله:
لي منك أعداء ومنه أحبة ق تـــالله أيّكمــــا إلـــيّ حبيب
فكأنه بلغ المخاطب إلى حدّ من العداوة يمكن أن ينتزع منه أعداء، وكذلك بلغ غيره من المحبّة بحيث ينتزع منه أحبة.
3 ـ أن لا يكون بواسطة، كقوله: (وسألت بحراً إذ سألته) جرّد منه بحراً من العلم، حتى أنه سأل البحر المنتزع منه إذ سأله.
4 ـ أن يكون بطريق الكناية، كقوله: (... ولا يشرب كأساً بكف من بخلا) أي: أنه يشربها بكفّ الجواد، جرّد منه جواداً يشرب هو بكفّه، وحيث أنّه لا يشرب إلاّ بكف نفسه، فهو إذن ذلك الكريم.
5 ـ أن يكون المخاطب هو نفسه، كقوله:
لا خيل عـندك تـهديها ولا مـال ق فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
فإنّه انتزع وجرّد من نفسه شخصاً آخر وخاطبه فسمي لذلك تجريداً، وهو كثير في كلام الشعراء.
المشاكلة
المشاكلة: وهي أن يستعير المتكلّم لشيء لفظاً لايصح اطلاقه على المستعار له إلاّ مجازاً، وانما يستعير له هذا اللفظ لوقوعه في سياق ما يصح له، كما في الدعاء: (غيِّر سوء حالنا بحسن حالك)(14) فإن الله تعالى لا حال له، وانما استعير له الحال بمناسبة سياق (حالنا) وكقوله تعالى: (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك)(15) فإن الله تعالى لا نفس له، وإنما عبّر بها للمشاكلة، وكقوله:
قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه ق قلت اطبخوا لي جبة وقميصاً
أي: خيّطوا لي جبّة وقميصاً، فأبدل الخياطة بلفظ الطبخ لوقوعها في سياق طبخ الطعام.
المزاوجة
المزاوج: وهي المشابهة وذلك بأن يزاوج المتكلّم ويشابه بين أمرين في الشرط والجزاء، فيرتب على كل منهما مثل ما رتب على الآخر، كقوله:
إذا قــال قولاً فأكّد فيه ق تجانبت عنه وأكّدت فيه
رتب التأكيد على كل من قول المتكلّم وتجانب السامع.
الطي والنشر
الطي والنشر، ويسمّى اللّف والنشر أيضاً، وهو: أن يذكر أموراً متعددة، ثم يذكر ما لكل واحد منها من الصفات المسوق لها الكلام، من غير تعيين، اعتماداً على ذهن السامع في إرجاع كل صفة إلى موصوفها، وهو على قسمين:
1 ـ أن يكون النشر فيه على ترتيب الطي، ويسمّى باللّف والنشر المرتّب كقوله:
آرائهم ووجــوهم وسيوفهم ق في الحادثات إذا دجون نــجوم
منها معالـم للهدى ومصابح ق تجلو الدجى والأخريات رجـوم
فالآراء معالم للهدى، والوجوه مصابح للدجى، والسيوف رجوم.
2 ـ أن يكون النشر فيه على خلاف ترتيب الطي، ويسمّى باللّف والنشر المشوّش، نحو قوله تعالى: (فمحونا آية اللّيل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربّكم ولتعلموا عدد السنين والحساب)(16) فابتغاء الفضل في النهار وهو الثاني، والعلم بالحساب لوجود القمر في اللّيل وهو الأول، فكان على خلاف الترتيب.
الجمع
الجمع: وهو أن يجمع المتكلّم بين أمرين أو أكثر في حكم واحد، كقوله تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)(17) وقوله سبحانه: (إنَّما الخمرُ والميسرُ ولأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه)(18)، وكقوله:
انّ الشباب والفراغ والجده ق مفسدة للـمرء أيَّ مــفسدة
التفريق
التفريق: وهو أن يفرق بين أمرين من نوع واحد في الحكم، كقوله تعالى: (وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح اُجاج)(19).
التقسيم
التقسيم: وهو أن يأتي بمتعدّد ثم يحكم على كل واحد منها بحكم، كقوله تعالى: (كذَّبتْ ثمود وعاد بالقارعة فأمّا ثمود فاُهلكوا بالطاغية وأما عاد فاُهلكوا بريح صرصر عاتية)(20).
وقد يطلق التقسيم على أمرين آخرين:
1 ـ على استيفاء أقسام الشيء، كقوله تعالى: (يهب لمن يشاء اُناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوّجهم ذكراناً واناثاً ويجعل من يشاء عقيماً)(21) فإنّ الامر لا يخلو من هذه الاقسام الأربعة.
2 ـ على استيفاء خصوصيات حال الشيء، كقوله تعالى: (فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم)(22).
الجمع والتفريق
الجمع والتفريق وهو أن يجمع بين أمرين في شيء واحد، ثم يفرق بينهما في ما يختص بكل واحد منهما، كقوله:
قلب الحبيب وصخر الصم من حجر ق لكـــن ذا نــابع والقلـــب مغلوف
الجمع والتقسيم
الجمع والتقسيم: وهو أن يجمع بين متعّدد ثم يقسّم ما جمع، أو يقسم أولاً ثم يجمع، فالأول كقوله:
حتــى أقـام على أرباض خرشنة ق تشقى به الــروم والصلبان والـبيع
للرق مـا نسلوا والقتل ما ولدوا ق والنهب ما جمعوا والنار ما زرعوا
والثاني كقوله:
قــوم إذا حـاربوا ضروا عدوهم ق أو حاولوا النفع في أشياعهم نفـعوا
سجية تلك فــيهم غــير مــحدثة ق انّ الخلائق فــاعلــم شرّهــا الـــبدعُ
الجمع مع التفريق والتقسيم
الجمع مع التفريق والتقسيم: وهو أن يجمع بين أمرين في شيء واحد ثمّ يفرّق بينهما بما يخصّ كلّ منهما ثمّ يقسّم ما جمع، نحو قوله تعالى: (يوم يأتي لاتكلّم نفس إلاّ بإذنه فمنهم شقيّ وسعيد، فأمّا الّذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق، خالدين فيها ما دامت السماوات والارض إلاّ ما شاء ربّك انّ ربك فعّال لما يريد، وأمّا الّذين سُعدوا ففي الجنّة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلاّ ما شاء ربّك عطاءاً غير مجذوذ)(23) جمع الانفس في عدم التكلّم ثمّ فرّق بينها بأن بعضها شقيّ وبعضها سعيد، ثم قسّم الشقي والسعيد إلى ما لهم هناك في الآخرة من الثواب والعقاب.
المبالغة
المبالغة: وهي الإفراط في الشيء، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ التبليغ، وهو أن يكون الإدعاء ممكناً عقلاً وعادة، كقوله:
جـــــــــــــاء رجـــــــــــال البلد ق مــليكمـــهم كـــــــــــــالفرقـــــــد
فإن مجيْ جميع رجال البلد ممكن عقلاً وعادة.
أباد عسكرنا ما دب أو درجـــا ق في أرض نجد وما فرد لهم برجا
فإن الإبادة ممكنة عقلاً، مستحيلة عادة.
2 ـ الغلو، وهو أن يكون الإدعاء مستحيلاً عقلاً وعادة، كقول الغالي:
ان الوصــــي هـو الإله وأنما ق آياتــــــه احياء عظــــــم رمــــيم
فإن الوهية علي (عليه السلام) مستحيلة عقلاً وعادة.
المغايرة
المغايرة: وهي ـ أن، يمدح المتكلّم شيئاً ثم يذمّه، أو بالعكس، كقوله:
جـــزى الله الــحوادث منجيات ق وأخـــزاها حــــوادث مـــاحــقات
فإن الحادثة قد ترفع الشخص وقد تضعه.
تأكيد المدح
تأكيد المدح بما يشبه الذمّ، وهو على ثلاثة أقسام:
1 ـ أن يأتي بمستــثـــنـــى فيه معنى المــــدح معمولاً لفعل فيـــه معنى الذمّ، نحو قوله تعالى: (وما تنقم منّا إلاّ أن آمنّا بأيات ربنا)(24).
2 ـ أن يستثني صفة مدح من صفة ذمّ منفية عن الشيء، نحو قوله:
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم ق بــهنّ فلول من قـراع الكـــتائب
3 ـ أن يثبت صفة مدح لشيء ثمّ يأتي بعدها بأداة استثناء أو استدراك يعقبها بصفة مدح اُخرى، نحو قوله:
فتى كملت أوصـــافه غيـــر أنّه ق جواد فما يبقى مــن المال باقياً
ونحو قوله في مثال الإستدراك:
وجوه كاظهار الـرياض نضارة ق ولكــنها يــوم الهيـــاج صخــور
تأكيد الذمّ
تأكيد الذم بما يشبه المدح، وهو على قسمين:
1 ـ أن يثبت صفة ذمّ لشيء ثمّ يأتي بعدها بأداة استثناء أو استدراك يعقبها بصفة ذمّ اُخرى كقوله: (كله ذم سوى أنّ محياه قبيح(.
2 ـ أن يستثني صفة ذمّ من صفة مدح منفية عن الشيء، كقوله:
خلا مــــن الفضل غـــير أنّي ق أراه فـــي الحُمـــق لا يجــــــارى
التوجيه
التوجيه: وهو أن يؤتى بكلام يحتمل أمرين متضادين كالذمّ والمدح، والدعاء له وعليه، كقوله - في خيّاط اسمه عمرو، وكان أعور -:
خــــاط لــي عمــــــرو قبــاءأً ق لـيــت عينيــــــــــه ســـــــــــواء
قلت شعــراً لــــــيس يــــدري ق أمـــــــــديــــــــــح أم هجــــــــاء
والفرق بين التوجيه والتورية: أن التورية لا تكون إلا فيما له معنيان بأصل الوضع، بخلاف التوجيه.
نفي الشيء بإيجابه
نفي الشيء بإيجابه: وهو أن ينفعي شيئاً عن شخص فيوهم اثباته له في الجملة، نحو قوله تعالى: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله)(25).
وكقوله للخليفة:
لم يُشغَلَنْك عن الجهاد مكاسب ق تــــرجو ولا لــــهو ولا أولاد
فإنه يوهم اشغال المكسب له في الجملة - كما في الأولاد - مع أنه لا كسب للخليفة.
القول بالموجب
القول بالموجب: وهو أن يحمل كلام الغير على خلاف مراده، كقوله:
وقــــالوا قد صفت مـــنّا قلوب ق لـقد صدقوا ولكن عن ودادي
فإنهم أرادوا الخلوص له، فحمله الشاعر على الخلوّ من وداده.
ائتلاف اللّفظ والمعنى
ائتلاف اللفظ والمعنى: وهو أن يُختار للمعنى المقصود ألفاظ تؤديه بكمال الوضوح، كقوله ـ في الذمّ ـ:
ولو أن برغوثاً على ظهر قملـــــة ق تـــكرّ علـــى صفيّ تميم لـــــــــولّت
وكقوله في المدح:
اذا مـــــا غضبنا غضبة مــــضرية ق هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما
التفريع
التفريع: وهو جعل الشيء فرعاً لغيره وذلك بأن يُثبت لمتعلّق أمر حكماً بعد أن يُشتبه لمتعلّق آخر على نحو يُشعر بالتفريع، كقوله:
طبّــــــــــــه يــــــــنفي الــــــمرض ق فقهــــــه ينفــــــــــي البــــــــــدع
فله الله طبيباً وفقيهاً متّبع
الإستتباع
الإستتباع: وهو الوصف بأمر على وجه يستتبع الوصف بأمر آخر، مدحاً أو ذماً، مدحاً كقوله:
سمح البديهة لــيس يــمسك لفظه ق فـــــــــــكأنما ألفاظه مـــــــــن ماله
وذمّاً، كقوله ـ في قاضٍ ردّ شهادته برؤية هلال شوال ـ:
أتــــــــــــــرى القاضــــي أعمــى ق أم تــــــــــــــــراه يــــــــتعامـــــــــى
سرق العيـــــــــد كــــــــــــأنّ الـــ ق عـــــــــــيد أمــــــوال اليتــــــامــــى
السلب والإيجاب
السلب والإيجاب: وهو أن يسلب صفة مدح أو ذم عن الجميع ليثبتها لمن قصد، فالمدح كقوله:
كـــــــل شخص لقـــيت فيــه هنـات ق غـــــــير سلمى فخلقها من فضائل
والذم، كقوله: (لا أرى في واحد ما فيه من جمع الرذائل).
ويسمّى السلب والإيجاب: الرجوع أيضاً بمعنى العود على الكلام السابق بالنقض لنكتة، كقوله:
وما ضاع شعري عندكم حين قلته ق بلــى وأبيكم ضـــاع فــــهو يضوع
الإبداع
الإبداع: وهو أن يكون الكلام مشتملاً على جملة من المحسنات البديعية، كقوله تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي مائك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقُضي الامر واستوت على الجوديّ وقيل بُعداً للقوم الظالمين)(26).
قيل: أنّه يوجد في هذه الآية الكريمة اثنان وعشرون نوعاً من أنواع البديع اشيرها إليها في المفصّلات.
وكقوله:
فضحتَ الحيا والبحر جوداً فقد بكى الـ ق حــيا مـــن حـــــياء منك والتطم البحر
الأسلوب الحكيم
الأسلوب الحكيم: وهو اجابة المخاطب بغير ما سأل، تنبيهاً على كون الاليق هو السؤال عمّا وقع عنه الجواب، كقوله تعالى: (يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للناس والحجّ)(27) فإنهم لّما لم يكونوا يدركون سبب اختلاف أشكال الهلال، اجيبوا بما ينبغي السؤال عنه، وهو فائدة اختلاف الأهلّة.
وكقوله:
قـــــلت: ثقلتُ إذ أتيتُ مـراراً ق قـــــــال: ثقّلتَ كـاهلي بالأيادي
قلت: طوّلتُ، قال أوليتَ طَولاً ق قلت: أبرمتُ، قال: حبل ودادي
تشابه الأطراف
تشابه الأطراف: وهو أن يكون بدء الكلام وختامه متشابهين لفظاً أو معنى:
الأول: وهو التشابه في اللــّفــــظ كقوله تعالى: (مثل نــــوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنّها كوكبٌ درّيّ)(28).
الثاني: وهو التشابه في المعنى كقوله:
سم زعــــاف قـولـه وفعاله ق عند البصير كمثل طعم العلقم
فإن العلقم يناسب السمّ في المذاق.
العكس
العكس: وهو أن يكون الكلام المشتمل على جزئين أو أكثر، في فقرتين، فيقدم ما أخّره في الفترة الأولى، ويؤخّر ما قدّمه، كقوله تعالى: (لا هنّ حلّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ)(29) وكقوله:
في هواكم يا سادتي متُّ وجداً ق مـتُّ وَجداً يا سادتي في هـواكمُ
الهزل
الهزل: وهو أن يأتي بهزل يراد به الجدّ، كقوله:
إذا ما جاهلي أتاك مـــفاخراً ق فقل: عَدّ عن ذا كيف أكلك العنب
الاطراد
الاطراد: وهو أن يأتي باسم من يقصده واسم آبائه على ترتيب تسلسلهم في الولادة بلا تكلّف في السبك، كقوله:
إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم ق بعتيبة بن الحــارث بـن شهاب
ومنه قوله (صـــلى الله عليه وآله وسلم): الكريم ابن الـــكريـــم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم(30).
تجاهل العارف
تجاهل العارف: وهو أن يرى المتكلّم نفسه جاهلاً، مع أنه عالم، وذلك لنكتة كقوله: (أمنزل الأحباب ما لك موحشاً(...؟
أما إذا وقع مثل ذلك في كلام الله سبحانه، كقوله تعالى: (وما تلك بيمينك ياموسى)(31) أو في كلام أوليائه، فلا يسمّى بتجاهل العارف، بل يسمّى حينئذ: ايراد الكلام في صورة الإستفهام لغاية.
الجناس
الجناس: وهو تشابه لفظين، مع اختلافهما في المعنى، وهو قسمان:
1 ـ لفظي.
2 ـ معنوي.
أقسام الجناس اللفظي
الجناس اللفظي على أقسام:
1 ـ الجناس التام: وهو ما اتفق فيه اللفظان المتجانسان في أمور أربعة:
نوع الحروف، وعددها، وهيئتها، وترتيبها مع اختلاف المعنى، كقوله تعالى: (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة)(1) فالمراد بالساعة الاولى: يوم القيامة، وبالساعة الثانية: جزء من الزمان.
2 ـ الجناس غير التام: وهو ما اختلف اللفظان في أحد الأمور الأربعة المذكورة (النوع والعدد والهيئة والترتيب).
فالإختلاف في عدد الحرف، نحو: (دوام الحال محال).
وفي نوعه: كقوله تعالى: (ذلك بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحقّ وبما كنتم تمرحون)(2).
وفي هيئته: نحو: (الجَدّ في الجِدّ والحرمان في الكسل).
وفي ترتيبه: نحو: (رحم الله من فكّ كفّه وكفّ فكّه).
3 ـ الجناس المطلق: وهو توافق اللفظين في الحروف وترتيبها، بدون أن يجمعهما اشتقاق، نحو: (غِفار، غفر الله لها).
وإن جمعهما اشتقاق سمي جناس الإشتقاق، نحو قوله تعالى: (لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد)(3).
4 ـ الجناس المذيّل: وهو ما يكون الإختلاف بأكثر من حرفين في آخره، كقوله:
يمدون من أيد عواص عواصم تـــصول بأسياف قواض قواضب
5 ـ الجناس المطرّف: وهو ما يكون الإختلاف بزيادة حرفين في أوله، كقوله:
وكــــم غرر مـــن برّه ولطائف لشكري على تلك اللطائف طائف
6 ـ الجناس المضارع: وهو ما يكون باختلاف اللفظين في حرفين، مع قرب مخرجهما، كقوله تعالى: (وهم ينهون عنه وينئون عنه)(4).
7 ـ الجناس اللاحق: وهو ما يكون باختلاف اللفظين في حرفين، مع بعد مخرجهما، كقوله تعالى: (ويل لكلّ هُمَزةٍ لُمَزةٍ)(5).
8 ـ الجناس التلفّظي: وهو ما اختلف ركناه خطاً مع اتحادهما في التلفّظ، كقوله:
اعــــذب خـــلق الله نطقاً وفمـاً إن لم يـــــكن أحق بالحُسن فمن
فالاول تنوين، والثاني نون.
9 ـ الجناس المحرّف: وهو ما اختلف اللفظان في هيئات الحروف من حيث الحركات، نحو: (جُبة البُرد جُنّة البَرد).
10 ـ الجناس المصحّف: وهو ما اختلف اللّفظان من حيث التنقيط، بحيث لو زالت النُقَط لم يتميّز أحدهما عن الآخر، ككتاب كتبه أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية: (غَرّك عزُّك فَصار قصار ذلك ذُلّك، فاخش فاحش فعلك، فعلّك تهدى بهذي)(6).
11 ـ الجناس المركّب: وهو ما اختلف اللفظان من حيث التركيب والإفراد، كقوله:
إذا ملك لم يكن ذا هبة فــدعه فــدولته ذاهبة
فالاول مركب بمعنى: صاحب هبة، والثاني: مفرد وهو اسم الفاعل:
12 ـ الجناس الملفّق: وهو ما كان اللّفظان كلاهما مركّباً، كقوله:
فلم تضع الأعادي قدر شأني ولا قــــــــالوا فلان قد رشاني
الاول: مركّب من (قدر) ومن (شأني) والثاني: مركّب من (قد) ومن (رشاني).
13 ـ جناس القلب: وهو ما اختلف فيه اللفظان في ترتيب الحروف، نحو: (رحم الله امرءاً مسك ما بين فكّيه وأطلق ما بين كفيّه).
14 ـ الجناس المستوى: وهو من جناس القلب، ويسمّى أيضاً: (مالا يستحيل بالإنعكاس) وهو ما لايختلف لو قريء من حرفه الاخير إلى الأوّل معكوساً ومقلوباً، وانّما يحصل بـــعـــيــنـــــه، نحو قوله تعالى: (كلّ فــــي فلك)(7) وقوله سبحانه: (ربّك فكبّر)(8) فإنّه ينعكس بعينه، ونحو قوله:
مودّته تدوم لكلّ هولٍ وهل كـــلٌ مودّته تدوم
وكذا قوله: (أرانا الإله هلالاً أناراً).
أقسام الجناس المعنوي
الجناس المعنوي قسمان:
1 ـ جناس الإضمار: وهو أن يأتي بلفظ يحضر في ذهنك لفظاً آخر، واللفظ الآخر يُراد به غير معناه بدلالة السياق، كقوله:
فهو إذا رأته عين الرائي أبــو معاذ أو أخو الخنساء
فإن المراد بأبي معاذ: (جبل) وبأخ الخنساء: (صخر) وليس بمراد، وانما المراد: ذم المقصود بأنه كالصخر.
2 ـ جناس الاشارة: وهو ما ذكر فيه أحد اللفظين وأشير للآخر بما يدلّ عليه، كقوله:
ياحمزة اسمح بــــــوصل وامـــــنن علينا بقـــــــــرب
في ثغرك اسمك أضحــى مــــــــــصحّفاً وبقلـــــــــبي
أراد (الخمرة) و(الجمرة) إذ هما مصحفا حمزة.
التصحيف
التصحيف: وهو التشابه بين كلمتين أو أكثر خطّأً، والفارق النقط، كـ(التحلّي) و(التخلّي) و(التجلي).
الازدواج
الازدواج: وهو تجانس اللفظين المجاورين، نحو: (من لجّ ولج) و(من جدّ وجد).
السجع
السجع: هو توافق الفاصلتين أو الفواصل في الحرف الاخير- والفاصلة في النثر كالقافية في الشعر- وموطن السجع النثر، وأحسنه ما تساوت فقراته، كقوله تعالى: (في سدر مخضود وطلح منضود وظلّ ممدود)(9) وإن لم تتساو فقراته فالاحسن ما طالت فقرته الثانية نحو قوله تعالى: (والنجم إذا هوى، ما ضلّ صاحبكم وما غوى)(10) أو طالت فقرته الثالثة، نحو قوله تعالى: (خذوه فغلّوه، ثمّ الجحيم صلّوه، ثمّ في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه)(11) ولا يحسن العكس بأن تطول الفقرة الاولى دون الثانية، أو الثانية دون الثالثة، لأن السامع ينتظر بقيتها، فإذا انقطع كان كالمبتور.
التشطير
التشطير: وهو جعل كل من شطري البيت مسجوعاً سجعة مخالفة للسجعة الّتي في الشطر الآخر، وهذا يكون على القول بعد اختصاص السجع بالنثر، كقوله:
تدبير معتصم بالله منتقم لله مــرتغب في الله مرتقب
فالشطر الاوّل سجعته مبنيّة على الميم والثاني على الباء.
الموازنة
الموازنة: وهي تساوي الفاصلتين في الوزن فقط لا في التقفية، نحو قوله تعالى: (ونمارق مصفوقة، وزرابيّ مبثوثة)(12) فإن كلمة (مصفوفة) متفقة مع كلمة (مبثوثة) في الوزن، لا في التقفية.
الترصيع
الترصيع: وهو توازن الألفاظ مع توافق الاعجاز، أو تقاربها، ومثال التوافق قوله تعالى: (إنّ الأبرار لفي نعيم وإن الفجّار لفي جحيم)(13).
ومثال التقارب قوله تعالى: (وآتيناهما الكتاب المستبين، وهديناهما الصراط المستقيم)(14).
التشريع
التشريع: ويسمّى (التوشيح) و(ذا القافيتين) أيضاً، وهو بناء البيت على قافيتين أو أكثر، يصح الوقوف على كلّ واحد منها، كقوله:
يا خــــــاطب الدنيا الدنية انها شرك الـــردى وقرارة الأكدار
دار إذا ما أضحكت في يومها أبـــــكت غداً تبّاً لها مــــن دار
فيصح الوقوف على (الردى) و)غدا) فتنقلب الأبيات من (بحر الكامل) وتكون من (مجزوء الكامل) وتقرأ هكذا:
ياخـــــاطب النيــــا الدنـــــــــــ ـــــــيّة انها شَرَك الــــــــــردى
دار إذا مـــــــــــــــا أضحكت فــــــــــــــــــي يومها أبكت غداً
لزوم ما لا لزم
لزوم ما لايلزم: ويسمّى الالزام والتضمين والتشديد والإعنات أيضاً، وهو أن يجيء قبل حرف الرويّ - في فاصلتين وأكثر أو بيتين وأكثر - بحرف لا يتوقّف السجع عليه، كقوله تعالى: (فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر)(15).
وكقوله:
أصالة الرأي صانتني عن الخطل وحليــة الفضل زانتني لدى العَطَل
فالراء في الآية واللام في الشعر، حروف الروي، وقد جيء قبل الراء بالهاء وقبل اللام بالطاء، وهو غير لازم لتحقّق السجع بدون ذلك.
ردّ العجز على الصدر
ردّ العجز على الصدر: وهو ان يعاد ما بدأ به الاخير، كقوله تعالى: (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه)(16).
وقوله:
سريع الى ابن العم يلطم وجهه ولــــيس إلى داعي الندى بسريع
ما لا يستحيل بالانعكاس
مالا يستحيل بالإنعكاس، ويسمّى: القلب المستوي كما مرّ في جناس القلب، وهو: أن يقرأ عكساً كما يقرأ طرداً: (دام علاء العماد). ونحو: (كن كما أمكنك) فإنه إذا قرئ عكساً من الاخير الى الاوّل كان أيضاً: (دام علاء العماد) و(كن كما أمكنك).
المواربة
المواربة: وهي أن يجعل المتكلّم كلامه بحيث يمكن تغييره بتصحيف ونحوه، كما يحكى عن أبي نؤاس أنّه كتب على باب قصر هارون العباسي البيت التالي:
لقد ضاع شعري على بابكم مـــــا ضاع عقد على خالصة
فلما أنكر عليه هارون ذلك، محى هلال العين، فصار البيت كالتالي:
لقد ضاء شعري على بابكم كمـــا ضاء عِقد على خالصه
ائتلاف اللّفظ مع اللّفظ
ائتلاف اللّفظ مع اللّفظ: وهو أن يؤتى في العبارة بألفاظ من واد واحد في الأنس والغرابة ونحوهما، نحو: (ما لكم تكاكأتم عليّ... افرنقعوا) جمع بين غريبين (تكاكأتم) و(افرنقعوا).
التسميط
التسميط: وهو أن يجعل الشاعر بيته على أربعة أقسام، كقوله:
فنحن في جزل، والروم في وجل والبــــــرّ في شغل، والبحر في خجل
الإنسجام
الإنسجام: ويسمّى (السهولة) أيضاً، وهو سلامة الألفاظ والمعاني مع جزالتهما وتناسبهما، كقوله تعالى: (كلٌّ في فلك يسبحون)(17) وكقوله:
ما وهب الله لامرىء هبة أفضلَ مـن عقله ومن أدبه
هما كمال الفتى فـإن فقدا ففقــــــده للحياة أليق بــــه
الاكتفاء
الإكتفاء: وهو أن يحذف بعض الكلام لدلاله العقل عليه، كقوله:
قالت بنات العم يا سلمى وإن كــان فقيراً معدماً قالت وإن
أي: وإن كان فقيراً معدماً.
التطريز
التطريز: وهو أن يكون صدر الكلام مشتملاً على ثلاثة أسماء مختلفة المعاني، ويكون العجز صفة مكررة بلفظ واحد، كقوله:
وتسقيني وتشرب من رحيق خليق أن يُلقّب بـــــالخلوق
كـــأن الكأس فـي يدها وفيها عقيق في عقيق في عقيق


ناظراه فيما جنى ناظراه ... أو دعاني أمت بما أودعاني

في مصر من القضاة قاض وله ... في أكل مواريث اليتامى وله3
إن رمت عدالة فقل مجتهدًا ... من عد له دراهمًا عدله
يا سيدا حاز رقى ... بما حباني وأولى
أحسنت برًّا فقل لي ... أحسنت في الشكر أولا
حار في سقمي من بعدهم ... كل من في الحي داوى أورقا4
بعدهم لا طل وادي المنحنى ... وكذا بأن الحمى لا أورقا
قمرًا نراه أم مليحًا أمردا ... ولحاظه بين الجوانح أم ردى
كن كيف شئت عن الهوى لا أنتهي ... حتى تعود لِيَ الحياة وأنت هي
فكن رجلا رجله في الثرى ... وهامة همته في الثريا
فما السلاف ازدهتني بل سوالفه ... ولا الشمول دهتني بل شمائل
وإذا ما رياح جودك هبت ... صار قول العذول فيها هباء
فلم تضع الأعادي قدر شاني ... ولا قالوا فلان قد رشاني
فتنفست صعدًا وقالت ما الهوى ... إلا الهوان فزال عنه النون
أشكو وأشكر فعله ... فاعجب لشاك منه شاكر
طرفي وطرف النجم فيك ... كلاهما ساه وساهر
إن البكاء هو الشفا ... ء من الجوى بين الجوانح
يذكرنا أخبار معن بجوده ... وننشي له لفظا فينشي لنا معنى
درى أننا نصغي إلى الحسن دائمًا ... فأبدى لنا ذاك الحديث وساقه
أسقمته مقلتاه ... قلت لا بل شفتاه
أبا العباس لا تحسب بأني ... بشيء من حلى الأشعار عاري
فلي طبع كسلسال معين ... زلال من ذرى الإحجار جاري3
إذا ما كبت الأدوار زندًا ... فلي زند على الأدوار وارى4
ربَ خودٍ عرفتُ في عرفاتِ ... سلبتني بحسنها حسناتي
ورمتْ بالجمارِ جمرةَ قلبي ... أيُ قلبٍ يقوى على الجمراتِ
حرمتْ حين أحرمتْ نومَ عيني ... واستباحتِ جمايَ باللحظاتِ
وأفاضتْ مع الحجيجِ، ففاضتْ ... من دموعي سوابقُ العبراتِ
لم أنلْ من منى منى النفسِ، حتى ... خفتُ بالخيفِ أن تكونَ وفاتي
والذي أشعرَ القلو ... بَ غراماً وما شعرْ
حرتُ لما أحارني ... ما بعينيكَ من حورْ
رجعوا منكَ لائمينَ وكلٌ ... راحَ من عندكم حزيناً حريب
تركنا بعاثإً يومَ ذلكَ منهمُ ... وسلمى على رغمٍ شباعاً سباعها
رأيتُ أنَّ الشيبَ جا ... نبه البشاشةُ والبشارة
أمضى وأرهفُ في القلو ... بِ من الخناجرِ في الحناجرِ
تكشفتْ عن مغانيه مغانمه ... وصرحتْ عن معاليهِ معانيهِ
عفاءً على هذا الزمانِ. فإنهُ ... زمانُ عقوقٍ لا زمانُ حقوقِ
فكلُّ رفيقٍ فيهِ غيرُ موافقٍ ... وكلُّ صديقٍ فيه غيرُ صدوقِ
فقد صار هذا البين للفقد آيةً ... فلا عجب إلاّ إذا عاش عاشقُ
ترى المنى والمنايا عنه صادرةً ... إن فاضَ في أملٍ أو غاضَ في أجلِ
ذهبٌ حيثما ذهبنا، ودرّ ... حيث درنا، وفضةُ في الفضاءِ
عكس الجمل
فردّ شعورهن السودَ بيضاً ... وردّ وجوههن البيضَ سودا
وكان يعرض عني حين أبصره ... فصرتُ أعرضُ عنه حين يبصرني
فلولا دموعي كتمتُ الهوى ... ولولا الهوى لم تكن لي دموعُ
ريحانهم ذهبٌ على دررٍ ... وشرابهم دررٌ على ذهبِ
فكأنّ ما في الجفن من كأسٍ جرى ... وكأن ما في الكأسِ من أجفاني
فقصارهنَّ مع الهموم طويلةٌ ... وطوالهنَّ مع السرور قصارُ
وإذا طلبت لديهمُ ما لم أنل ... أدركتُ من جدواك ما لم أطلبِ
الدَّهْر معتذر وَالسيف منتظر ... وأرضهم لَك مصطاف ومرتبع)
(للسبي مَا نكحوا وَالْقَتْل مَا ولدُوا ... والنهب مَا جمعُوا وَالنَّار مَا زرعوا)
فَلم يخل من نصر لَهُ من لَهُ يَد ... وَلم يخل من شكر لَهُ من لَهُ فَم)
وَلم يخل من أَسْمَائِهِ عود مِنْبَر ... وَلم يخل دِينَار وَلم يخل دِرْهَم) // من الطَّوِيل //
قَلِيل عائدي سقم فُؤَادِي ... كثير حاسدي صَعب مرامي)
(عليل الْجِسْم مُمْتَنع الْقيام ... شَدِيد السكر من غير المدام) // من الوافر //

بِمصْر مُلُوك لَهُم مَا لَهُ ... وَلَكنهُمْ مَا لَهُم همه)

(فأجود من جودهم بخله ... وَأحمد من حمدهم ذمه)
(وأشرف من عيشهم مَوته ... وأنفع من وجدهم عَدمه)
عَرَبِيّ لِسَانه فلسفي ... رَأْيه فارسية أعياده

العزلة بدون عين العلم زلة وبدون زاء الزهد علة.

مأْفون وبالباء عوض الفاء، مَصون ولكن بابتدال وسطه بدخول الحاء، يأْتيه الذِّكْر مفتوح الذال والكاف، ويَضُمُّه الصُّقْعُ مفتوح الرّأْس والفاء بدل القاف
فالنفس بعقود التذرُّع حالية، ولقعود التعذّر حائلة، ومن الودائع المُعجزة مالية، وإلى الدواعي المزعجة مائلة، وفي بحار الحمد راسية، وفي رحاب المدح سائرة، تجمح إلى مواصلة القمر، وتُحجم عن مصاولة القرم، لتكفّ بإظفار الأمل، وتفك بأظفار الألم، فهل كامل يُعني، ومالك يُعين، ومقتصِد يدني، ومتصدِّق يُدين، فالرغبة إلى الشهُب، من الغُربة في الشبه، رغبة مَن قصد بالإلهام، مواقع السحاب الهام، وورد شريعة الإفهام، لظما الإبهام، وتعرّض لمعان دقَّتْ عن الأفهام، ورقّت فترقّت عن الأوها




تطبيق عام على أنواع التشبيه

اشتريت ثوبا أحمر كالورد - في هذه الجملة تشبيه مرسل مفصل - المشبه ثوبا، والمشبه به الورد، وهما حسيان مفردان، والأداة الكاف، ووجه الشبه: الحمرة في كل - والغرض منه بيان حال المشبه.
... ما الدهر إلا الربيع المستنير إذا أتى الربيع أتاك النور والنور
... فالأرض ياقوتة والجو لؤلؤة والنبت فيروزج والماء بلور
«الأرض ياقوتة «تشبيه بليغ مجمل المشبه الارض، والمشبه به ياقوته - وهما حسيان مفردان، ووجه الشبه محذوف، وهو الخضرة في كل، والاداة محذوفة والغرض منه تحسينه «والجو لؤلؤة، والنبت فيروزج «والماء بلور» كذلك وفي البيت كله تشبيه مفروق - لأنه أتى بمشبه ومشبه به، وآخر وآخر.
... العمر والانسان والدنيا همو كالظل في الاقبال والادبار
فيه تشبيه تسوية مرسل مفصل، المشبه العمر والانسان والدنيا، والمشبه به الظل والمشبه بعضه حسي، وبعضه ع قلي والمشبه به حسي، والكاف الاداة، ووجه الشبه الاقبال والادبار، والغرض تقرير حاله في نفس السامع.
... كم نعمة مرت بنا وكأنها فرس يهرول أو قسيم ساري
في البيت: تشبيه جمع مرسل مجمل، والمشبه نعمة، والمشبه به فرس يهرول، أو نسيم ساري، وهما حسيان، وكأن الاداة ووجه الشبه السرعة في كل، والغرض منه بيان مقدار حاله.
ليل وبدر وغصن شعر ووجه وقد
فيه تشبيه بليغ مجمل ملفوف، المشبه شعر وهو حسي، والمشبه به ليل، وهو عقلي، والاداة محذوفة، ووجه الشبه السواد في كل - والغرض منه بيان مقدار حاله، وفي الثاني - المشبه وجه، والمشبه به بدر، وهما حسيان، ووجه الشبه الحسن في كل، والاداة محذوفة - والغرض تحسينه، وفي الثالث المشبه قد، والمشبه به غصن، وهما حسيان، ووجه الشبه الاعتدال في كل، والاداة محذوفة، والغرض بيان مقداره - هذا.
وان شئت فقل هذا (تشبيه مقلوب) بجعل المشبه به مشبها، والمشبه مشبها به لغرض المبالغة، بأن تجعل الليل مشبها، والشعر مشبها به.
وقد لاح في الصبح الثريا كما ترى كعنقود ملاحية حين نورا
فيه تشبيه تمثيل مرسل مجمل، المشبه هيئة الثريا الحاصلة من اجتماع أجرام مشرقة مستديرة منيرة - والمشبه به هيئة عنقود العنب المنور، والجامع الهيئة
الحاصلة من اجتماع اجرام منيرة مستديرة في كل - والأداة الكاف، والغرض منه بيان حاله


حل الشعر

اقبل معاذير من يأتيك معتذرا ... ان بر عندك فيما قال أو فجرا
فقد اطاعك من يرضيك ظاهره ... وقد اجلك من يعصيك مستترا
الاعتراف. يزيل الاقتراف. والاعتذار. يوجب الاغتفار كان العذر كذبا ام صدقا. وباطلا ام حقا. وقد هابك من استتر. ولم يذنب اليك من اعتذر. والكريم من يغلب الثقة بصديقه. على الشك في تحقيقه
ولا تيأس فان اليأس كفر ... لعل الله يغني عن قليل
ولا تظنن بربك ظن سوء ... فان الله اولى بالجميل
رايت العسر يتبعه يسار ... وقيل الله اصدق كل قيل
انك تجزع من غصة الدهر. ولا تلبس لباس الصبر على العسر. حتى كأنك لم تدر عليك الادوار. ولم يؤدبك الليل والنهار. ولم تمر بعينك واذنك الاخبار والاثار. حتى كأنك لا ترجع من الصبر إلى افضل العدة. ولا تنظر في كتاب الفرج بعد الشدة. اما تعلم انك ان اعسرت شهرا فقد ايسرت دهرا. وان مارست الشدة اياما. فقد لابست النعمة اعواما. فكما لم تدم مدة السراء. لم تدم مدة الضراء. وكما لم تلبث نوبة المنحة. لا تلبث نوبة المحنة. فلا تيأس من روح الله فالياس كفر. ومع العسر يسر. وكأني بالله قد كشف ضرك وبلواك. واغناك وأقناك. واعطاك مناك. فلا تكن من الظانين بالله ظن السوء فانه تعالى اولى بالجميل. ولا تكن من القانطين فانه عز ذكره يفرج عما قليل. وقوله جل جلاله اصدق قيل. وانتظر يا سيدي الخروج من الضيق إلى السعة. ومن الانزعاج إلى الدعة. وابشر بعيشة راضية. ونعمة كافية
كفى حزنا ان المروآت عطلت ... وان ذوي الآداب في الناس ضيع
وان الملوك ليس يحظى لديهم ... من الناس الا من يغنى ويصفع
طنابيرهم معمورة باداتها ... ومسجدهم خال من الناس بلقع
فيا ليتني أصبحت فيهم مغنيا ... ولم أك أشقى بالذي كنت أجمع
كفى حزنا أن قد ضيعت المروة. وعطلت الفتوة. وضاع ذوو الآداب. لقلة الطلاب. واكثر الملوك ساهون لاهون. وبالمغنين وبالصفاعة مباهون. فمجالس انسهم معمورة وبالملاهي مغموره ومساجدهم مهجورة. فياليتني كنت مغنيا لهم فانال المنى. وادرك بالغناء الغني. ولم أك اشقى بجمع العلوم واتقان المعلوم. ولبس ثوب المحروم
زمان عز فيه الجود حتى ... لصار الجود في أعلى البروج
مضى الاحرار فانقرضوا بادوا ... وخلفني الزمان على علوج
وقالوا قد لزمت البيت جدا ... فقلت لفقد فائدة الخروج
عاتبتني يا سيدي فديتك على لزوم البيت. وقلت ان الحي إذا لم يخرج منه كالميت. كانك لا تعلم ان الخروج إذا كان غير مفيد. كانت العزلة خير قعيد. ولا سيما في هذا الزمان الذي عز فيه جود ذوي الثراء. حتى صار في أعلى بروج السماء. ومضى الاحرار فلم يبق منهم نافخ نار. ولا رافع منار. وبقيت في اعلاج. اعيت خبيئتهم على كل علاج. فهم يصونون فلوسهم. ويبتذلون نفوسهم. افتلومني على بغضهم. والاستمرار على نقصهم ورفضهم. وما اشك انك ان عرفتهم عذرتني. كما عذلتني. ان شاء الله
ن التسليم والسلوة لحزماء الرجال، وإن الجزع والهلع لربات الحجال.
عقده أبو تمام فقال:
ونحن خلقنا للتجلدِ والأسى ... وتلكَ الغواني للبكا والمآت
فعاجوا فأثنوا بالذي أنتَ أهله ... ولو سكتوا أثنتْ عليكَ الحقائب
فنثره بعض الكتاب فقال: لو أمسك لساني عن شكرك لنطق علي أثر برك.
من ورائي يكون مثل عدوّي ... وإذا يلقني يقبل عيني
ا
إذا ما التقينا سرّني منه ظاهر ... وإن غاب عني ساءني منه باطن
فمن ذلك قول بعضهم
إنّ العيون لتبدي في نواظرها ... ما في القلوب من البغضاء والأحن
وقال آخر
تريك أعينهم ما في صدورهم ... إن الصدور يؤدّي سرّها النظر

تظلّ في نفسك البغضاء كامنة ... والقلب يضمرها والعين تبديها


كفى بجسمي نحولاً أنني رجل ... لولا مخاطبتي إياك لم ترني

فعد بها لا عدمتها أبداً ... خيرُ صِلاتِ الكريم أعودها
لولا مفارقة الأحباب ما وجدت ... لها المنايا إلى أرواحنا سبلا
فَعُدْ بها لا عدمتُها أبداً ... خيرُ صلاتِ الكريمِ أعودُها
صبراً بني إسحاق عنه تكرُّماً ... إنَّ العظيمَ على العظيم صبَورُ
يمَّمْتُ شاسعَ دارهم عن نيِّةٍ ... إنَّ المحبَّ لمن يحبُّ يزورُ
لو كان سُكنايَ فيهِ منقصةً ... لم يكن الدرُّ ساكنَ الصدفِ
غير اختيارٍ قبلتُ برَّكَ بي ... والجوعُ يُرضي الأسُودَ بالجيفِ
إذا قيل: رِفقاً، قال: للحلم موضعٌ ... وحلمُ الفتى في غير موضعه جهل
يفنى الكلامُ ولا يحيطُ بوصفكم ... أيحيطُ ما يفنى بما لا ينفدُ
ودهرٌ ناسُهُ ناسٌ صِغارٌ ... وإن كانت لهم جُثث ضِخامُ
خليلُك أنتَ، لا مَنْ قُلتَ خِلّي ... وإن كثر التجمُّل والكلامُ
وشبَهُ الشيء منجذبٌ إليه ... وأشبهنا بدنيانا الطغامُ
وزاركَ بي دون الملوك تحرُّجٌ ... إذا عَنَّ بحرٌ لم يجزْ لي التيممُ
وأصبح شعري منهما في مكانه ... وفي عنق الحسناء يُستحسن العقدُ
أبو العتاهية:
وإذا الجبان رأى الأسنة شرعا ... عاف الثبات فإن تفرّد أقدما
قال المتنبي:
وإذا ما خلا الجبان بأرض ... طلب الطعن وحده والنزالا
لأبي الهندي الرياحي:
لا تغبطن ذليلا في معيشته ... فالموت أهون من عيش على مضض
لا يوجع الصخرَ نحتُ المرء جانبَه ... ولا من الذل ذو لبّ بممتعض
قال المتنبي:
ذل من يغبط الذليل بعيش ... رب عيش أخف منه الحمام
من يهن يسهل الهوان عليه ... ما لجرج بميت إيلام

الخراساني

يلين بعزمي كلُّ صَعب أرُومُه ... وهل خَطْبُ دهر لا يُهَوِّنه صبري
قال المتنبي:
قد هوّن الصبر عندي كل نازلة ... ولَيَّن العزمُ حدّ المرْكَب الخشن
الفزاري
ومن لؤم طبع الجاهلين اجتنابهم ... ورودَ المنايا وهي أريٌ مذاقها
قال المتنبي:
يرى الجبناءُ حبَّ الموتِ جهلا ... وتلك خديعة الطبع اللئيم
زريق
رأيت الغنى عند الأراذل محنة ... على الناس مثلَ الفقرِ عند الأفاضل
قال المتنبي:
والغنى في يد اللئيم قبيح ... مثل قبح الكريم في الإملاق
بشار
ويموت راعى الضأن عند تمامه ... موتَ الطبيب الفيلسوف العالم
قال المتنبي:
يموت راعي الضأن في جهله ... ميتة جالينوس في طبه
ومن ذلك قوله:
دهرٌ علا قدر الوضيع به ... وغدا الشريف يحطه شرفه
كالبحر يرسبُ فيه لؤلؤهُ ... سفلاً وتعلو فوقه جيفه
أخذه غيره فقال:
قلْ للذي بصروف الدهر عيرنا ... هلْ عاند الدهر إلاَّ من له خطرُ
أما ترى البحر تعلو فوقه جيفٌ ... وتستقرُّ بأقصى قعرهِ الدررُ
وقال آخر:
عجباً للزمان، يمنع حراً ... ما لديه، ويمنحُ المال نذلا
فهو مثلُ الميزان يرفعُ ما خ ... فَّ وتهوي به الرزانةُ سفلا
ومنه:
يا دهرُ، صافيتَ اللئام ولم تزلْ ... أبداً لأبناء الكرامِ معاندا
فغدوتَ كالميزان، ترفعُ ناقصاً ... أبداً وتخفض لا محالةَ زائدا

وقال أبو تمام:

وإذا طلبتُ لديهمُ ما لم أنلْ ... أدركتُ من جدواك ما لمْ أطلب
أخذه ابن حيوس، فقال:
ولقد دعوتُ ندى الكرامِ فلم يجب ... فلأشكرنَّ ندىً أجاب وما دعي
وللأسود:
إذا المرءُ أعيا خيرهُ في شبابهِ ... فلا ترجُ منهُ الخير عند مشيبه
أخذه الآخر فقال:
إذا المرءُ أعيته المروءةُ ناشئاً ... فمطلبها كهلاً عليه شديدُ
ومن ذلك قول بعضهم:
ولم أرَ كالمعروفِ أما مذاقه ... فحلوٌ، وأما وجههُ فجميلُ
أخذه الآخر فقال:
وماليَ مالٌ غيرُ درعٍ حصينةٍ ... وأخضرَ من ماءِ الحديدِ صقيلُ
وأحمرَ كالديباجِ، أما سماؤهُ ... فريإن وأما أرضهُ فمحولُ
أخذه يزيد بن الطثرية فقال:
عقيليةٌ، أما ملاثُ إزارها ... فدعصٌ وأما خصرها فنحيل

وَإِن قتل الْهوى رجلا ... فَإِنِّي ذَلِك الرجل) // من

مَتى مَا تَسمعي بِقتيِل أَرض ... أُصيبَ فإنني ذَاك القتيلُ
تجْرِي محبتها فِي قَلبِ وَامقها ... جَرَىَ السَّلامَة أَعْضَاء منتكس) // الْبَسِيط /
لَقدْ جَرى الحُبُّ مِني ... مَجرَى دَمي فِي عروقي) // المجتث // وَأَخذه أَبُو الطّيب فَقَالَ
(جَرَى حُبها مَجرَى دَمى فِي مَفاصلي ... فأصبحَ لي عَنْ كلِّ شُغلٍ بهَا شغل) // الطَّوِيل //
وَقَالَ أَبُو الْفرج بن هندو
(فَتمشتْ فِي قْلبيَ المْهمومِ ... كتَمشَّي الدِّرياقِ فِي المسموم) /
إِنْ كُنتَ مِن جهَل حَقي غَيْرَ معتذرٍ ... وكنتَ عنْ ردِّ مدحي غيرَ مُنقلب)
(فأعطِني ثمنَ الطِّرسِ الَّذِي كُتبتْ ... فِيهِ القصيدةُ أوْ كَفَّارَة الْكَذِب
إِن لم تكن صِلةٌ مِنْكُم لذِي أدبِ ... فأجرةُ الْخط أَو كفارةُ الْكَذِب)
(مَدحتكمْ كذبا فجَازيتنِي ... بُخلاً لقد أنصفتَ يَا مطلب) // السَّرِيع //
لَم تُخْطِ فِي أمرِي الصَّوابَ مَوفَّقاً ... هَذَا جزَاءُ الشَّاعِر الْكذَّاب
فَقلتُ مَا قُوبلتْ بالمنعِ عنْ خَطإٍ ... إِلَّا لِكثرةِ مَا فِيهَا من الْكَذِب) // الْبَسِيط //
وكانَ الإثمُ فِي الهجوِ ... فصارَ الإثمُ فِي الْمَدْح
وَكانوا يَهربونَ مِنَ الأهاجِي ... فصاروا يَهربونَ مِنَ المديح) // الوافر //

تُصافحُ مَنْ لاقَيتَه ذَا عَدَاوَة ... صفاحا وعني بينَ عَيْنَيْك مُنْزَوِي)

وَقَالَ المتنبي فِي مَعْنَاهُ
(تُخفِي العداوةَ وَهِي غيرُ خفيةٍ ... نَظرُ العدوُّ بِمَا أسرّ يبوح) // الْكَامِل //
وَقَالَ غَيره
(عَيناكَ قد دلَّتا عينيَّ مِنْك على ... أَشْيَاء لَوْلَا هما مَا كنتُ أدُّرِيها)
(والعينُ تعلمُ من عَيْنَيْ محدِّثِها ... إِن كَانَ من حِزْبِها أَو من أعاديها
إنّ عينَ الْمَرْء عُنوانُ قلبهِ ... تُخِّبرُ عَن أسرارِه شَاءَ أمْ أبىَ) // الطَّوِيل //
تُريكَ أعينُهُم مَا فِي صُدُورهمْ ... إِن الصُّدور يُؤَدِّي غَيبَها الْبَصَر) // الْبَسِيط //
وَقَول الْمُعْتَمد بن عباد صَاحب الأندلس
(تَمَيَّزُ البغضَ فِي الألفاظِ إِن نطقوا ... وتعرفُ الحقدَّ فِي الألحاظِ إِن نظرُوا) // الْبَسِيط //
و
المدنَفانِ من البريَّة كلهَا ... جسمي وطَرفٌ بابليٌّ أحْوَرُ)
(والمُشرقاتُ النَّيرات ثَلَاثَة ... الشَّمْس والقمرُ المنيرُ وجَعْفَرُ)
شَيْئَانِ حَدِّث بالقَساوة عَنْهُمَا ... قلْبُ الْفَتى يهواهُ قلبِي وَالْحجر)
(وثلاثةٌ بالجودِ حدِّث عنُهُم ... البحرُ وَالْملك الْمُعظم والمطر)
ثلاثةٌ مَا اجتمعْنَ فِي رَجُلٍ ... إلاَّ وأسلمنهُ إِلَى الأجَلِ)
(ذُلُّ اغترابٍ وفاقَة وَهوى ... وكُلها سائقٌ على عجلِ
فِي وَجه إنسانة كلفت بهَا ... أَرْبَعَة مَا اجْتَمعْنَ فِي أحَدِ)
(الوَجهُ بَدر والصدغ غَالِيَة ... والريق خمر والثغر من برد
أَيْن المفر وَلَا مفَرَّ لهاربٍ ... ولكَ البسيطانِ الثرَي والماءُ) // الْكَامِل //
(فَلَو كُنْتُ فوقَ الرّيح ثمَّ طَلَبتني ... لَكُنْت كمن ضَاقَتْ عَلَيْهِ المذاهِبُ) // الطَّوِيل //
(كَأَن بلادَ الله كفَّاكَ إِن يَسِرْ ... بهَا هاربٌ تجمعْ عَلَيْهِ الأنامِلُ)
تُرِيدُ مُهَذّباً لَا عيب فِيهِ ... وهلْ عُودٌ يفوحُ بِلَا دُخان) //
وَلكُل حُسْنٍ آفةٌ مَوجودة ... إِنَّ السِّرَاجَ على سناهُ يدخَّنُ) /
كيفَ تَرْجُو مِنْهُ صفواً ... وَهْوَ مِنْ طين ومَاء) // من مجزوء الرمل //
(ومنْ يكُ أصلهُ مَاء وطيناً ... بعيدٌ من جِبلَّتهِ الصفاءُ) /
أَلَيس المرءُ من ماءٍ وَطينٍ ... وأيُّ صفا لهاتيك الجبلة
تردى ثِيَاب الْمَوْت حْمراً فَمَا أتىَ ... لَهَا الليلُ إِلَّا وَهِي من سندس خُضْرُ
بأنَّا نوردُ الراياتِ بيضًا ... ونصدرهن حمرا قد روينَا
فالصبح يَشْمت بِي فيقبلُ ضَاحِكا ... والليلُ يَرثي لي فيدير عَابِسا) /
ثمانيةٌ لم تَفْتَرِق مُذْ جمعتها ... فَلَا افْتَرَقت مَا ذبَّ عَن ناظرٍ شَفْرُ)
(ضَميرُك وَالتَّقوى وكفك والندى ... ولفظك وَالْمعْنَى وسيفك والنصر

إنّ الرياحَ إذا اشتدتْ عواصفها ... فما تضرُّ سوى العالي من الشجرِ

إنَّ الغصون العاليا ... ت يهزها مرُّ النسيمْ

كالبحر يرسبُ فيه لؤلؤهُ ... سفلاً وتعلو فوقه جيفه

أما ترى البحر تعلو فوقه جيفٌ ... وتستقرُّ بأقصى قعرهِ الدررُ
فهو مثلُ الميزان يرفعُ ما خ ... فَّ وتهوي به الرزانةُ سفلا
فغدوتَ كالميزان، ترفعُ ناقصاً ... أبداً وتخفض لا محالةَ زائدا
هو بالمال جوادٌ ... وهو بالعرض شحيحُ
هو المرءُ أما ماله فمحللٌ ... لعافٍ، وأما عرضهُ فمحرمُ
إذا المرءُ أعيا خيرهُ في شبابهِ ... فلا ترجُ منهُ الخير عند مشيبه
إذا المرءُ أعيته المروءةُ ناشئاً ... فمطلبها كهلاً عليه شديدُ



بحور

المنسرح
واكبدا قد تقطعت كَبِدِي ... وأحرقته لواعج الكمد)
(مَا مَاتَ حَيّ لمَيت أسفا ... أعذر من وَالِد على ولد)
(يَا رَحْمَة الله جاوري جدثا ... دفنت فِيهِ حشاشتي بيَدي)
(ونورى ظلمَة الْقُبُور على ... من لم يصل ظلمه إِلَى أحد)
(أَي حسام اخذت رونقه ... وَأي روح نزعت من جَسَدِي)
(يَا قمرا اجحف الخسوف بِهِ ... قبل طُلُوع السوَاء فِي الْعدَد)
(اي حشى لم يذب لَهُ اسفا ... وَأي عين عَلَيْهِ لم تَجِد)
(لَا صَبر لي بعده وَلَا جلد ... فجعت بِالصبرِ فِيهِ وَالْجَلد)
(يَا لوعة لَا يزَال لاعجها ... يقْدَح نَار الاسى على كَبِدِي) //
فارقتنا ولم تعد ... وكنت عندي بمنزل الولد
فكيف ننفك عن هواك وقد ... كنت لنا عدة من العدد
تطرد عنا الأذى وتحرسنا ... بالغيب من حية ومن جرد
وتخرج الفأر من مكامنها ... ما بين مفتوحها إلى السدد
يلقاك في البيت منهم مدد ... وأنت تلقاهم بلا مدد
لا عدد كان منك منفلتا ... منهم ولا واحد من العدد
لا ترهب الصيف عند هاجرة ... ولا تهاب الشتاء في الجمد
وكان يجري ولا سداد لهم ... أمرك في بيتنا على سدد
حتى اعتقدت الأذى لجيرتنا ... ولم تكن للأذى بمعتقد
وحمت حول الردى لظلمهم ... ومن يحم حول حوضه يرد
وكان قلبي عليك مرتعدا ... وأنت تنساب غير مرتعد
تدخل برج الحمام متئدا ... وتبلع الفرخ غير متئد
وتطرح الريش في الطريق لهم ... وتبلع اللحم بلع مزدرد
أطعمك ألغي لحمها فرأى ... قتلك أربابها من الرشد
حتى إذا داوموك واجتهدوا ... وساعد النصر كيد مجتهد
كادوك دهرا فما وقعت وكم ... أفلت من كيدهم ولم تكد
فحين أخفرت وانهمكت وكا ... شفت وأسرفت غير مقتصد
صادوك غيظا عليك وانتقموا ... منك وزادوا من يصد يصد
ثم شفوا بالحديد أنفسهم ... منك ولم يرعووا على أحد
فلم تزل للحمام مرتصداً ... حتى سقيت الحمام بالرصد
لم يرحموا صوتك الضعيف كما ... لم ترث منها لصوتها الغرد
أذاقك الموت ربهن كما ... أذقت أفراخه يدا بيد
كأن حبلا حوى بجودته ... جيدك للخنق كان من مسد
كأن عيني تراك مضطربا ... فيه وفي فيك رغوة الزبد
وقد طلبت الخلاص منه فلم ... تقدر على حيلة ولم تجد
فما سمعنا بمثل موتك إذ مت ولا مثل عيشك النكد
فجدت بالنفس والبخيل بها ... أنت ومن لم يجدبها يجد
عشت حريصا يقوده طمع ... ومت ذا قاتل بلا قود
يا من لذيذ الفراخ أوقعه ... ويحك هلا قنعت بالغدد
ألم تخف وثبة الزمان كما ... وثبت في البرج وثبة الأسد
عاقبة الظلم لا تنام وإن ... تأخرت مدة من المدد
أردت أن تأكل الفراخ ولا ... يأكلك الدهر أكل مضطهد
هذا بعيد من القياس وما ... أعزه في الدنو والبعد
لا بارك الله في الطعام إذا ... كان هلاك النفوس في المعد
كم دخلت لقمة حشا شره ... فأخرجت روحه من الجسد
ما كان أغناك عن تسورك ال ... برج ولو كان جنة الخلد
قد كنت في نعمة وفي دعة ... من العزيز المهيمن الصمد
تأكل من فأر بيتنا رغدا ... فأين بالشاكرين للرغد
وكنت بددت شملهم زمنا فاجتمعوا بعد ذلك البدد
فلم يبقوا لنا على سبدٍ في جوف أبياتنا ولا لبد
وفتتوا الخبز في السلال وكم ... تفتتت للعيال من كبد
وفرغوا قعرها وما تركوا ... ما علقته يد على وتد
ومزقوا من ثيابنا جددا ... فكلنا في المصائب الجدد

الخفيف

لست أنسى الأحباب ما دمتُ حيّاً ... إذا نَوَرا للنوى مكاناً قصيّاً
وتلَوا آيةَ الدموع فخرّوا ... خِيفة البينِ سُجّداً وبُكيّا
فبذكراهم تسحّ دموعي ... كلما اشتقت بُكرةً وعشيّا
وأناجي الإله من فرط حزني ... كمناجاة عَبْدِه زكريّا
واختفى نورُهم فناديت ربي ... في ظلام الدجى نداءً خفيّا
وَهَنَ العظم بالبِعاد فهَبْ لي ... ربَّ بالقرب من لِدنك وليّا
واستجب في الهوى دعائي فإني ... لم أكن بالدعاء رَبِّ شقيّا
قد فرى قلبي الفراقُ وحقاً ... كان يومُ الفراق شيئاً فرّيا
ليتني متّ قبل هذا وأني ... كنتُ نِسياً يوم النوى منسيّا
لم يك الهجر باختياري ولكن ... كان أمراً مقدّراً مقضيّا
يا خليليَّ خلّياني وعشقي ... أنا أولى بنار وَجْدي صلّيا
إن لي في الفراق دمعاً مُطيعاً ... وفؤاداً صبّاً وصبراً عَصيّا
أنا في هجرهم وَصَلْتُ سُهادي ... فصِلاني أو اهجُراني مليّا
أنا في عاذلي وقلبي وحبّي ... حائرٌ أيّهم أشد عِتيّا
أنا شيخ الغرام مَنْ يتّبعني ... أهدِهِ في الهوى صراطاً سويّا
أنا مَيْتُ الهوى ويومَ أراهم ... ذلك اليومُ يومَ أُبعث حيّا
أنا لو لم أعش بمقْدَمِ مولى ... هو مولى الوجود لم أك شيّا
الفتى الباسطُ الجميلَ جمال ال ... دين من زار من نداه النديّا
سيّد مرتضى الخلائق أضحى ... راضياً عندّ ربّه مرضيّا
صادق الوعد بالوفاء ضمين ... كالذي كان وَعْدُه مأتيّا
أوحدٌ في الصفات لم يجعل الله ل ... هـ قطّ في السموّ سَميّا
لا يُرى في الصدور أرحبَ صدراً ... منه إذ تحضر الصدور جثيّا
ما جد أولياؤه في رشادٍ ... وعِداه فسوِف يَلقَون غَيّا
وفتى بالسّماح صبّ رشيد ... أوتي العلَم حين صبيّا
بلَبَان الكمال غُذّيَ طفلاً ... ونشا يافعاً غلاماً زكيّا
لم يزل منذ كان برأ تقياً ... وافياً كافياً وكان تقيّا
جعل الله في ادّخار المعالي ... لعلاه لسانَ صدْق عليّا
كم عديم الثراء أثنى عليه ... وانثنى واجداً أثاثاً وريّا
وأولو الفضل حينَ أمّوا قِراهُ ... أكلوا روقَه هنيّاً مريّا

عندنا اليومَ في الحياةِ نظامٌ ... قد حَوى كلَّ باطلٍ ومحالِ

- حيثُ يسعى الفقيرُ سعيَ أجيرٍ ... لغنيِ مستأثرٍ بالغلالِ
- فتَرى المكثرينَ في طيبِ عيشٍ ... أرغدتهُ لهم يدُ الإِقلالِ
- وتَرى الغائصينَ في البحرِ أمسى ... لسواهمْ ما أخرجوا من لآلي
- وتَرى المُعْسِرينَ في كلِّ أرضٍ ... كعبيدٍ والموسرينَ موالي
- أكثرُ الناسِ يكدحونَ لقومٍ ... قعدوا في قُصورهمْ والعلالي
- واحدٌ في النعيمِ يلهو وألفٌ ... في شقاءٍ وأبؤسٍ واعتلالِ


شيءٍ يبلَى، وحبُّك باقي ... علم اللهُ عِلْمَ ما أنا لاقِي

كنتُ يوم الفراق جَلْداً وإلاَّ ... فلماذا بقيت يوم الفراقِ؟
ليت أنّى وقت العناق أتاني ... أجَلٌ ضمَّني بِضَمّ العناقِ
ليس موتُ العُشّاق أمراً بديعاً ... كم مَضَى هكذا من العُشّاقِ

المتقارب

لزِمتُ السِّفارَ وجُبتُ القِفارَ ... وعِفْتُ النِّفارَ لأجْني الفرَحْ
وخُضتُ السّيولَ ورُضتُ الخيولَ ... لجَرّ ذُيولِ الصّبى والمَرَحْ
ومِطتُ الوَقارَ وبعْتُ العَقارَ ... لحَسْوِ العُقارِ ورشْفِ القدَحْ
ولولا الطِّماحُ الى شُربِ راحٍ ... لما كانَ باحَ فَمي بالمُلَحْ
ولا كان ساقَ دَهائي الرّفاقَ ... لأرضِ العِراقِ بحمْلِ السُّبَحْ
فلا تغضَبَنّ ولا تصخَبَنّ ... ولا تعتُبَنّ فعُذْري وضَحْ
ولا تعجَبَنّ لشيْخٍ أبَنّ ... بمغْنًى أغَنّ ودَنٍّ طفَحْ
فإنّ المُدامَ تُقوّي العِظامَ ... وتَشْفي السَّقامَ وتنْفي التّرَحْ
وأصْفى السّرورِ إذا ما الوَقورُ ... أماطَ سُتورَ الحَيا واطّرَحْ
وأحْلى الغَرام إذا المُستهامَ ... أزالَ اكتِتامَ الهَوى وافتضَحْ
فبُحْ بهَواكَ وبرّدْ حَشاكَ ... فزَنْدُ أساكَ بهِ قدْ قدَحْ
وداوِ الكُلومَ وسلِّ الهُمومَ ... ببِنْتِ الكُروم التي تُقترَحْ
وخُصّ الغَبوقَ بساقٍ يسوقُ ... بَلاءَ المَشوقِ إذا ما طمَحْ
وشادٍ يُشيدُ بصوتٍ تَميدُ ... جِبالُ الحديدِ لهُ إنْ صدَحْ
وعاصِ النّصيحَ الذي لا يُبيحُ ... وِصالَ المليحِ إذا ما سمَحْ
وجُلْ في المِحالِ ولوْ بالمُحالِ ... ودعْ ما يُقالُ وخُذْ ما صلَحْ
وفارِقْ أباكَ إذا ما أباكَ ... ومُدَّ الشّباكَ وصِدْ مَنْ سنَحْ
وصافِ الخَليلَ ونافِ البَخيلَ ... وأوْلِ الجَميلَ ووالِ المِنَحْ
ولُذْ بالمَتابِ أمام الذّهابِ ... فمَنْ دقّ بابَ كريمٍ فتَحْ

المتدارك

يا باكي الدارِ بكاظمةٍ ... وبكاءُ الدّارِ من الكَمَدِ
أَفنيتَ الدَّمْعَ على حجرٍ ... وأَضعت الصبر على وَتَدِ
فاذخَرْه مخافَةً نازِلةٍ ... أَأَمنتَ اليومَ صُروفَ غَد
هي عينُك لو لم تَجْن لما ... عاقبتَ جفونك بالسَّهد
فأَتيتَ الماء تحاوله ... والماء مُنْيَةُ كلِّ صَدِ
فالوَيْلُ لنفسك إِن وردتْ ... والويل لها إِنْ لم ترد
أَقبلتَ فقلت أُقبّلهُ ... ولو أنّ الموت على الرَّصَد
فرشفت مُجاجَةَ مُبْتَسَمٍ ... أَشهى وأَلَذَّ من الشَّهد
يا أَين الصبرُ فأَنْشُدَه ... وعساي أُدَلُّ على الجَلَد
ظَعَنَ الأَحبابُ وعندهم ... قلبي سَلبوه ولم يَعُد
وبراني السُّقْم بهم فبق ... يتُ بلا قلبٍ ولا جسد
احَتْ والأنجمُ لم تَغِبِ ... وسوادُ الظُّلمةِ لم يَشِبِ
نارٌ بالمَنْدَلِ موقَدةٌ ... إِن أَعْوَزَ وَقدٌ من حطبِ
بَعُدَت طلباً لِتَمَنُّعِها ... ودنت للنّاظرِ من كَثَبِ
ودُوَيْنَ المَوْقِدِ مَلْحَمَةٌ ... وحروبٌُ تُؤْذِنُ بالحَرَبِ
وقِراعُ البَيْضِ بحدّ البِي ... ضِ وسُمْرٍ تلمَعُ كالشُّهُبِ
وبذاك الوادِ طويلُ الْها ... دِ لذيذُ المَبْسِمِ ذو شَنَبِ
ضافِي الشَّعْرِ شَتيتُ الثَّغْ ... رِ صقيلُ النَّحْرِ بلا نَدَبِ
يحكي الشَّمسَ غَداةَ الشَّرْ ... قِ وعندَ الغربِ ولم تَغِبِ
وجَنَى رَشَفاتِ مُقَبَّلِها ... كالشُّهْدِ وراحٍ ذي حَبَبِ
فعليه أسِيتُ ومنه ظَمِي ... تُ وعيشيَ بعدُ فلم يَطِبِ
وسُعادُ الهّمِ هُناك وثَ ... مَّ عَشِيَّةَ لم َأنفِذْ أَرَبي
عِشنا زمناً وحواسدُنا ... ينشُرْنَ صحائفَ من كذِبِ
فوعَتْ قوالَ زَخارِفهِ ... نَّ فجُذَّ الحبلُ بلا سببِ
وأخي باتَ يحذِّرُني ... حَدَثاناً يصدُرُ عن نُوَبِ
أَأخافُ الذُّلَّ وأخشى القُ ... لَّ وظنّيَ حَلَّ فلم يَخِبِ
بنصير الدِّينِ ربيبِ الَّدوْ ... لةِ فخرِ الأُمَّةِ والعَرَبِ
الليثِ الغيثِ البحرِ الغَمْ ... رِ الطَّوْدِ الجَوْدِ فتى الحَسَبِ
إن قالَ وَفَى أو صالَ نَفَى ... أو نالَ كفَى فِعْلَ السُّحُبِ
يَنْمِيهِ سعيدُ إلى فئةٍ ... بُرَءاءِ العِيصِ من الرِّيَبِ
وزراء العصرِ إِذا كتبوا ... جاؤُوا بعجائبَ من خُطَبِ
يزهو الدَّسْتُ إِذا جَلَسُوا ... بسَناءٍ ليس بمُحْتَجِبِ
احَ
ذَرَتِ السِّتون بُرادَتها ... في مسكِ عِذارِك فاشتهبَا
فخُذن في شُكرِ الكَبرةِ ما ... جاءَ الإصباحُ وما ذَهَبا
فيها أحرزت مَعارف ما ... أبليتَ لجدّته الحِقَبا
والخمرُ إذا عَتِقت وُصفت ... أغلى ثمناً منها عِنَبا
وبقيّة عمرِ المرءِ له ... إن كانَ بها طبّاً دَرِبا
يَبني فيها بإنابته ... ما هدَّمه أيامَ صِبا
ويُنبّه عَين تُقًى هَجعت ... ويُعمِّر بيتَ حِجًى خَربا
ويُحبِّر فيها الشِّعر على ... وزنٍ هَزِج يُدعَى الخَببا
وَحْشٍ في العُرب منازلُهُ ... مجهولِ الأصلِ إذا نُسبا
سَهل التقطيع ولكنْ لم ... يُنْطِقْ باريكَ به العَربا
نَكِرتْه فلم يَضربْ وَتِداً ... في الحيِّ ولم يَمدُد سَببا

صبٌّ بالهجرِ تُهدِّدُه ... قد ذاب جوًى من يُنجِدهُ

والسُّقم بَراهُ وأنحلَه ... فلِذا ملَّتْهُ عُوَّدُهُ
سهرانُ الطرفِ له رقّتْ ... في الليل نجومٌ تُسهدُهُ
وغدا يشكو من فرطِ جوًى ... يا ليلُ الصبُّ متى غَدُهُ
حتى مَ بزَورٍ تُوعده ... أقيامُ الساعةِ موعدُهُ
يهواهُ الصَّبُ فيشغلُه ... أسَفٌ للبيْن يردِّدُهُ
قمرٌ في القلبِ منازلُه ... فعجيبٌ منه تباعدُهُ
ريحانُ العارضِ فيه حوَى ... خطًّا ياقوتُ مجوِّدُهُ
في الحسنِ فريدٌ بل ملكٌ ... فتعالَى الخالقُ موجِدُهُ
طِفلٌ لحديث السحرِ غدَا ... عن بابل طرفٍ يُسنِدُهُ
رَشأٌ اللَّيثُ بمُقلتِه ... يسطو للغاب يُقيِّدُهُ
يرنو للحظِ فيحسبه ... للقتل دعاهُ مهنَّدُهُ
بالله أُعيذُك يا أملِي ... من قتلِ شجٍ تتعمَّدُهُ
وارْفُقْ بالقلبِ فإنَّ به ... جمراً قد زاد توقُّدُهُ
واسمحْ بالغمضِ لعل بأنْ ... في النومِ خيالُك يُسعِدُهُ
في قيْدِك قد أمسَى دَنِفاً ... هلاَّ في ذاك تُخلِّدُهُ
.
حتّامَ تنوحُ على الدِّمَن ... وتسائِلُهنّ عن السّكَن
وتروح أخا شجنَيْن فمن ... بادٍ للنّاس ومكتمن
يسقيكَ سُلافتَها رشأٌ ... خلِقَتْ عيناه من الفتن
وكأنّ بأعلاه قمراً ... في جُنحِ ظلامٍ في غُصنِ
وكأنّ لواحظَ مقلتِه ... نحِلتْ أطراف ظُبَى الحسَن
ملِكٍ هطلتْ كفّاهُ لنا ... بحَيا الجَوْدِ الحوذِ الهُتُن
في سنّ البدر وسُنّتِه ... وسناه ومنظرِه الحسَنِ
يعطيك ولا يمنّ وقد ... يحمي بالمَنّ حِمَى المنَن
ندْبٍ، ندْسٍ، حلوٍ، شرس ... شهمٍ، فطِنٍ، ليْنٍ، خشِنِ
لو للأيّام شمائلُه ... لم تجْنِ عليكَ ولم تخُنِ
ولوَ انّ البحرَ كنائِلِه ... لم يدْن مداه على السفُنِ

المديد

وصلاة الله واصلة ... لك ما غيث السما انهملا
مع سلام لا يزال على ... ربعك المعمور متصلا
والرضا عن صاحبيك فكم ... مهجة في الله قد بذلا
وهما الصديق سيدنا ... وكذا الفاروق من عدلا
ثم ذي النورين خير فتى ... بجلابيب الحيا اشتملا
وعليّ باب كل هدى ... منك للأحباب قد وصلا
وكذا الأصحاب أجمعهم ... مع جميع الآل خير ملا
وبهم يرجو الاغاثة من ... كربه عبد غدا وجلا
مصطفى الويسيّ مرتجياً ... بهم أن يحسن العملا
ويرى عقبى الأمور إلى ... فرج آلت وما انخذلا
.
.الوافر
عتابٌ منك مقبولُ ... على العينين محمولُ
ترفّقْ أيه الجاني ... فعقلي فيك معقولُ
وفي العشّاقِ معذورٌ ... وفي العشّاق معذولُ
أسُلْوانٌ ولي قلبٌ ... له في الحبّ تأويلُ
بمَنْ في خدِّه وردٌ ... وفي عينيه تكحيلُ
وجيشُ الوجدِ منصورٌ ... وجيشُ الصّبرِ مخذولُ
الوافر
أراك يغرّك الأمل ... ويقطع دونه الأجل
وحالك في تنقله ... كمثل الفيء ينتقل
فديتك كيف لا تبكي ... وأنت غدا سترتحل
ورأسك بعد حلكته ... غدا بالشيب تشتعل
أرى زمن الصبا ولى ... وجاء الشيب والكسل
فهل لشبابنا رد ... وهل في رده حيل
نعم سيعود إن عادت ... عليك الأعصر الأول
وفي الأيام معتبر ... لها في أهلها دول
فقوم قد علوا فيها ... وأقوام بها سفلوا
وكم صرعت محبيها ... ولا بيض ولا أسل
وكم باتوا على فرش ... عليها تضرب الكلل
أباد الدهر جمعهم ... وجوزوا بالذي عملوا

المجتث

اسْمَعْ مَقالةَ شاكٍ ... مِن زَحمة العُوَّادِ
جارَ الطَّبيبُ عليه ... لا زال حِلف السُّهاد
بطعنةٍ قد تعدَّتْ ... إلى صميم الفؤاد
حَشْوُ المَضاجِعِ منها ... باللَّيْلِ شوكُ القَتادِ

حيِّ العُذَيْبَ وأهلَهْ ... وارْبَعْ لديهِ وقُلْ لَهْ

لا زال فيكَ شِفاءٌ ... لكلِّ قلبٍ مُدَلَّهْ
وابْلِغْ، هُدِيتَ، سلامي ... شموسَه والأهِلَّهْ
وخُصَّ بالعَذْبِ منهُ ... واقصُر عليه أَجَلَّه
مَنْ مِلَّتي في هواه ... والسَّتْرُ أحسنُ مِلَّهْ
نظرتُه وفؤادي ... لم يعرف الحبَّ قبله
له من الظّبي جِيدٌ ... زانَ العُقودَ ومُقلَهْ
وقَدُّهُ غصنُ بانٍ ... ورِدْفُهُ دِعْصُ رَمْلَهْ
كأَنَّ جمرةَ خدَّيْ ... هِ في فؤاديَ شُعلَهْ
صبحت معهد أنسي ... أروم ترويح نفسي
فحين وافيت قالوا : ... قد فارق الشيخ أمس
فأظلم اليوم عندي ... وكدت في الحال أمسي
فيا مسرة قلبي ... ويا هلالي وشمسي
أتستجيز فراقي ... من دون تزويد أنس

ماذا تقولُ الظِّباءُ ... أَفُرْقَةٌ أَم لقاءُ

أَم عَهْدُها بسُلَيْمى ... وفي البيانِ شِفاءُ
مرَّت بنا سانحات ... وقد دنا الإمساءُ
فما أَحارَتْ جَواباً ... وطال فيها العَناءُ

يَا مِحْنَةَ الدَّهْر كُفِّي ... إِنْ لَمْ تكُفِّي فخفيِّ)

(مَا آنَ أَنْ تَرحَمِينَا ... مِنْ طول هَذَا التَّشفّي)
(فَلَا عُلومِيَ تُجْدِي ... ولاَ صناعَة كفيِّ)
(ثَورٌ ينَال الثريَّا ... وعَالِمٌ متحفيِّ)
(ذَهَبْتُ أطلبُ بخْتِي ... فَقيل لي قد توفّي

أفٍّ لظلّ زَمانِي ... وعيشيَ المنكودِ)

(فارَقتُ أَهلِي وإلفي ... وصاحبي ووَدُودي)
(وَمن هَويتُ جفاني ... مطاوعاً لِحَسودي)
(يَا ربّ موتا وَإِلَّا ... فراحةً من صدو

الرمل

إنما الدنيا فناء ... ليس للدنيا ثبوت
إنما الدنيا كبيت ... نسجته العنكبوت
كل ما فيها لعمري ... عن قليل سيفوت
ولقد يكفيك منها ... أيها العاقل قوت
خلوة الإنسان خيرٌ ... من جليس السوء عنده
وجليس الخير خيرٌ ... من جلوس المرء وحده

المقتضب

الوُشاةُ، قد صَدَقُوا ... في الَّذي به نطقوا
إِنني، بكم كلِفٌ، ... مُدْنَفُ الحَشا، قَلِقُ
بِنْتُمُ، ففارقَني ... قلبيَ الشَّجِي الفَرِقُ
والرَّفيقُ، بعدَكمُ، ... لي السُّهادُ والأَرَقُ
ناظرٌ، به دُفَعٌ ... من حَشاً، به حُرَقُ
هل عليكُمُ حَرَجٌ؟ ... أو ينالكُمْ فَرَقُ؟
لو وَصَلْتُمُ كَمِداً ... قلبُه به عُلَقُ

المقتضب

إن قتلتِ فاتئدي ... لا تُعَذِّبي كَبدي
وانظري جَوىً وهوىً ... سٌلِّطا على جسدي
لا تهدّدي بغَدٍ ... فالمماتُ بعد غدِ
كلما طلبتُ رِضاً ... بالوصال لم أَجِدِ
ما أَرَى صدودكُمُ ... ينتهي إلى أَمدِ
إنني بذلتُ دَمي ... ما عليكِ من قَوَدِ
إن بخلتِ أن تصلي ... فاسمحي بأن تعدي
مُذْ عَلِقْتُ حُبَّكُمُ ... لم أَمِلْ إلى أَحَدِ
ما جرى صدودُكمُ ... قبل ذاك في خَلَدِي
فارحمي قتيلَ ضَناً ... في هواكِ واقتصدي
المتقارب
مدامعُهُ تُغرِقُ ... وأنفاسُه تُحرِقُ
وما ذاك أعجوبةٌ ... كذا كلّ من يعشَقُ
بنفسي شهيّ الدّلا ... لِ إن مرّ بي يُطرِقُ
فأُغضي له هيبةً ... وقلبي جوى يخفِقُ
بوجهٍ كشمسِ الضُحى ... أساريرُه تبْرُقُ
أكادُ لإشراقِه ... إذا ما بدا أصعَقُ
إلامَ أداري الجوى ... وأمحَضُ مَن يمذُقُ

المتقارب

وَكم لي على بلدتي ... بكاء ومستعبر)
(فَفِي حلب عدتي ... وعزي والمفخر)
(وَفِي منبج من رِضَاهُ ... أنفس مَا أذخر)
(وَمن حبها زلفة ... بهَا يكرم الْمَحْشَر)
(وأصبيه كالفراخ ... أكبرهم أَصْغَر)
(يخيل لي أَمرهم ... كَأَنَّهُمْ حضر)

سامح أخاك إذا خلط ... منه الإصابة بالغلط

وتجاف عن تعنيفه ... إن زاغ يوماً أو قسط
واحفظ صنيعك عنده ... شكر الصنيعة أو غمط
وأطعه إن عاصى وهن ... إن عز وأدن إذا شحط
واقن الوفاء ولو أخ ... ل بما استرطت وما اشترط
واعلم بأنك إن طلب ... ت مهذبا رمت الشطط
من ذا الذي ماساء قط ... ومن له الحسنى فقط
المتقارب
بقاء الخلائق رهن الفناء وقصر التداني وشيك التنائي
هو الرزء ألوى بعزم القلوب مصابا وأودى بحسن العزاء
فهيهات فيه غناء الزفير وهيهات منه انتصار البكاء
وأنى يدافع سقم بسقم وكيف يعالج داء بداء
فتلك مآقي جفون رواء مفجرة من قلوب ظماء
فلا صدر إلا حريق بنار ولا جفن إلا غريق بماء
وجيب القلوب وشق الجيوب وشجو النحيب ولهف النداء
فمن مقلة شرقت بالدموع ومن وجنة شرقت بالدماء
فحاشى لرزئك أن يقتضيه عويل الرجال ولطم النساء
المتقارب.
‫إلى الله أشكو أسى ... عراني كوقع الأسل‬
‫على رجل أروع ... يرى منه فضل الوجل‬
‫شهاب خبا وقده ... وعارض غيث أفل‬
‫شكت دولتي فقده ... وكان يزين الدول‬
.
أرى الناس أحدوثة ... فكونوا حديثا حسن
كان لم يكن ما أتى ... وما قد مضى لم يكن
إذا وطن رابنى ... فكل بلاد وطن
إذا عزّ يوما أخوك ... في بعض أمر فهن

ذاتُ غديرٍ خِلْتُهُ ... صَرْحَ زُجَاج مُرِّدا

ثم انثنى مُنْعَطِفاً ... مرتعشاً مُرَدَّدا
خافَ من الريح وقد ... هَبَّت به فارْتَعَدا
كأنما يد الصَّبَا ... مَدَّت عليه زَرَدَا

عذّبتَ قلبي ببُخلِك ... فامنُنْ عليّ بوصلكْ

يا علّتي وشقائي ... ماذا لقيت لأجلك
بحُسنِ وجهك إلا ... أمّنْتني قُبحَ فعلك
أرجو انعطافَك لكن ... أخاف من طول مَطلِك
نَهاك أهلك عني ... من أجل أهلِك أهلِك
إني أبثّكَ سيّدي ... ما ليس يحملُه بشرْ
محَن كتِبنَ بمَفرِقي ... وافى بهنّ ليَ القدر
عُلِّقتُ ألوَدَ لم أكن ... أدري لعَمرُك ما الخبر
أبصرتُه في يلمَّقٍ ... كالغُصنِ أثمرَ بالقمَر
فسطا عليّ بجورِه ... أكذا الكريمُ إذا قدَر
يا أملحَ الناس وجهاً ... جاوزتَ في الحسن حدّكْ
للغصن منك انعطاف ... يكاد يُشبه قدّك
قد كان قلبيَ عندي ... والآن أصبح عندك
وكنتُ من قبلُ حراً ... فها أنا صرتُ عبدَك

لو قلت لي أي شيء ... تهوى لقلت خلاصي

الناس طراً أفاعٍ ... فلات حين مناص
نسوا الشريعة حتى ... تجاهروا بالمعاصي
فشرّهم في ازدياد ... وخيرُهم في انتقاص
حتى يوافوا المنايا ... فيؤخذوا بالنواصي
يا ويحَهم لو أعدّوا ... لهول يوم القصاص
رُبّ ليلٍ سوادُه ... كسواد الذوائبِ
صارمي فيه حاجبي ... والرّديني كاتبي
سرت فيه كأنّني ... بعض زُهْر الكواكب
راكباً عزمة الهوى ... أي طِرْف وراكب
ونهار بياضه ... كبياض التّرائب
اجعلْ صديقك نفسك ... وجوفَ بيتك حِلْسَك
واقنع بخبزٍ وملح ... واجعل كتابَك أنسك
واقطع رجاءك إلا ... ممن يصرِّفُ نفسك
تعشْ سليماً كريماً ... حتى توافيَ رمسك

سقياً لأيامي بها ... وعيشِنا المنصرم

أيام غصني أخضر ... ولمّتي كالحمم
حتى تولى الليلُ في ... خميسه المنهزمِ
وأقبل الصباح في ... جحفله العرَمرَمِ
كأنه لما بدا ... يشرق تحت الظلم
وجه الأمير ابن الأمي ... ر الأكرم ابن الأكرم
جُبارة ابنِ كامل ... كهفِ الندى والكرم
العارض الذي إذا ... أخلف صوبَ الدّيم
سرت سحابُ جوده ... من غيثه المنسجم
وأمطرت من الحيا ... نهراً لكلّ معدم
الفارس الذي إذا ... أسرج كلّ شيظم
وسلّ كلّ مرهف ... وسلّ كلّ لهذم
واضطرمت نار الوغى ... وفرّ حامي الحرم
وافى على طاوي الحشا ... عبْلِ الشوا مسوّم
من الهلال مسرَج ... من الثريا ملجَم
تراه إن صاحب بهم ... تحت وطيس قد حَمي
تراكبوا من خوفه ... بعضاً على بعضِهمِ

يا خليليّ لقلب ... نيل من كل الجهات

ليم أن هام بريَّا ... وبِلَيْلَى والبنات
وبأن صادته أسْمَا ... بين بيض خفرات
بلحاظ ساحرات ... وجفون فاترات
داء الزمان وأهله ... داء يعزّ له العلاج
أطلعت في ظلماته ... ودّا كما سطع السراج
لصحابة أعيا ثقا ... في من قناتهم اعوجاج
كالدر ما لم تختبر ... فإذا اختبرت فهم زجاج
كم عابدٍ في صَوْمَعَهْ ... أَخليتُ منها مَوضِعَهْ
وخدَعْتُه من بعدِ أَنْ ... قد ظنَّ أن لن أَخدعه
صارعتُه فأَرَيْتُه ... قبلَ التَّصادُمِ مَصرَعَهْ
وسلبتُهُ أحوالَهُ ... وأَخذتُ أَنْفِسَ ما معه
وتركتُه في حَيرَةٍ ... وحبسْتُ عنه أَدْمُعَه
وأَتى الصُّدودُ فبزَّهُ ... ثوبَ الوِصال وخلَّعَهْ
واجتاحَ حبلَ رجائه ... من بعد ذاكَ وقطَّعه
فتقبَّلوا نُصحي لكم ... واستفرغوا فيه السَّعَهْ
فعدُوُّكم لا يستري ... حُ فجانِبوا معه الدَّعَهْ
قد فكَّ عنّي كلَّ أغلالهِ ... وحطَّ عنّي كلَّ أَثقاله
وجادَ بالفضل الذي لم يزل ... يخُصُّ مَن شاءَ بأَفضالهِ
وقابلتْنا بعدَ ما أَعرَضَتْ ... واحتجبَتْ أَوجُهُ إقبالهِ
وانقرضت دولة أعدائهِ ... وعاودَ الملك إلى آلهِ
وصارَ مَن أَوحَشَهُ يأْسُهُ ... مُبتهجاً في أُنْسِ آماله
كبِدَ الحسودُ تقطَّعي ... قد باتَ مَن أهوى معي
عادتْ حِبالُ وِداده ... موصولةً فتقطَّعي
ونثرتُ يومَ وِصالهِ ... مخزونَ ما أبقى معي
ما كان لي من شافعٍ ... إلاّ الغليل وأدمُعي
قابلتُ قِبلة عِزِّه ... بتذَلُّلي وتخضُّعي
فأجابني بتلطُّفٍ ... وتعطُّفٍ يا مُدَّعي
إنَّ المُحِبَّ جوابُهُ ... خَلعُ العِذارِ إذا دُعي
ممَوْلايَ دعوة خادمٍ ... أَهملتَه بعد احتفالِكْ
إِن كان عن سببٍ فلا ... يَذهَبْ بِحِلْمك واحتمالكْ
أَو كان عن مَلَلٍ فما ... يخشى وَلِيُّكَ من مَلالكْ
إِن خفتُ دهري بعدما ... أَعلقتُ حبلي في حبالك
ومدحتُك المَدْح الذي ... عَبَّرْتُ فيه عن فَعالكْ
فالجوُّ مسدود الهوا ... والأَرضُ ضَيّقة المسالك

يا مُؤْنسي بذكره ... وموحشي بهجرهِ

ومن فؤادي مُوقَفٌ ... لنهيهِ وأمرهِ
انظرْ إلى معذَّبٍ ... عادمِ حُسْنِ صَبْرِهِ
غادره جَوْرُ الهَوَى ... مُوَكَّلاً بفكرهِ
وسُقْمُهُ لعاذليهِ ... قائمٌ بعذرهِ
ملك الشوقُ مهجتي ... حبَّذَا من تملَّكا
قد رماني بحبّهِ ... ونَهَاني عن البُكا
إنما راحةُ المحبِّ ... إذا أنّ أَو شَكا
ما أَرى للسُّلُوِّ عنه ... وإن جارَ مَسْلَكا

لَمُلما نائمٌ، إذا وَثَبْ ... يرقُصُ من غير طرَبْ؟

وإنّما رقصتُهُ ... تُظهرُ للغير الحَرَبْ
مُعاشرٌ، لكنَّه ... يُكثر من سوء الأدبْ
يُؤخَذُ في تهمته ... مَنْ لم يكن له الطَّلَبْ
وعينُه إذا أَصا ... بَ قِرْنَه ينوي الهربْ
يُقْدِمُ، والشَّمسُ لها ... صُبَابةٌ من اللهبْ
يرحَلُ، والكَيّالُ يَهْ ... دِي، والقَفِيرُ ينقلِبْ
قِفْ قليلاً لأَسْأَلَكْ ... مَنْ مِنَ الأُفْقِ أَنزلَكْ
صِرتَ في الأَرض ماشياً ... بعد ما كنت في الفلَكْ
أَيُّها البدر، بالذي ... لمُحاقي قد أكمَلَكْ
أَيُّ شرع أَباح طر ... فك إِتلاف ما ملَكْ
لامُ عِذارٍ بدا ... عرّض بي للرَّدى
أَسودَ كالكفر في ... أَبيضَ مثل الهدى
يا فرقد اللّيل لِمْ ... أَرعيتني الفرقدا
اليومَ تجفو فهل ... تجفو التَّجافي غدا
حميلةٌ سيفها قد ... سُقيَ المُرْقِدا
فالحَيفُ والحَتْف إِن ... أُغمد أَو جُرّدا
أَيها السيّاف هيا ... لا تَدَعْ في البيت شَيّا
داوِ قرناً صرا تُرْساً ... للدّبابيس مُهَيّا
كم نصحناك وقلنا ... إِنتبه ما دُمتَ حيّا
كلُّ نَحْسٍ أَنت فيه ... من حِراف ابن ثريّا
أَسيرُ حُزْنٍ كَلِفُ ... نِضْوُ سَقامٍ دَنِفُ
لم يَخْلُ جَفْنُ عينه ... من عبراتٍ تَكِف
قد فعل الحبُّ به ... أَكثرَ ممّا أَصف
بين ضلوعي كَبِدٌ ... حَرّى وقلبٌ يَجِف
والنفسُ بالذُّلِّ لكمْ ... مُقِرَّةٌ تعترف
كأَنّ قلبي كُرةٌ ... يخطَفها مُخْتَطِف

يا قوتَ نَفسٍ شَرِبَتْ ... أشجانَها مع اللبَنْ

يا مُلبسي ثوبَ الضَّنا ... وسالبي طِيبَ الوَسَنْ
يا حَسَنَ الوجهِ الذي ... يدينُ بالفِعل الحَسَن
يَفديك عَبدٌ طائعٌ ... مُلِّكْتَه بلا ثمن
وحَقِّ مَن أسكن في ... قلبي هَواك فَسَكَن
لا حُلتُ عن حُسن الوفا ... ما صَحِبَتْ رُوحي البدن
يا واقفاً متحيِّراً ... في الماء من خوف الغرَقْ
أَجِرِ الغريقَ بدمعه ... ففؤادُه يشكو الحُرَق
مَنْ قال إنَّكَ مالكٌ ... رِقّ القلوب فقد صدق
الشَّعرُ أسودُ حالكٌ ... والثَّغْرُ مُبيَضٌّ يقَق
وكأنَّ طُرَّةَ رأْسِه ... ليلٌ أكَبَّ على قَلَق
هل في الورى أحدٌ رأى ... شمساً تبدَّت في غسق
ي لائمي في حبِّه ... ما اخترتُ ذاكَ بل اتَّفق
لا يأْمَنُ الإنسانُ في ... شُرْبِ الزُّلال من الشَّرَق

اكفف ملامك محسناً ... أو مُجملاً متطولا

أعَلَى الحماقة لمتني ... قد كنت مثلك أولا
فدخلت مصر وأرضها ... والشام ثم الموصلا
وقرى الجزيرة لم أدع ... فيها لحى منزلا
إلا حللت فِناءه ... بالعقل كي أتمولا
وإذا التعاقل حرفةٌ ... فعزمت أن أتحولا


جاء غلامي وشكا ... أمر كميتي وبكى

وقال لي لا ش؟ ... ك برذونك قد تشبكا
قد سقته اليوم فما ... مشى ولا تحركا
فقلت من غيظي له ... مجاوباً لما حكى
تريد أن تخدعني ... وأنت أصل المشتكى
ابن الحلاويّ أنا ... خلّ الرياء والبكا
لسعيد شويهةٌ ... سلّها الضرّ والتلف
قد تغنّت وأبصرت ... رجلاً حاملاً علف:
بأبي من بكفّه ... برء دائي من الدنف
فأتاها مطمّعاً ... فأتته لتعتلف
فتولّى فأقبلت ... تتغنّى من الأسف:
ليته لم يك وقف ... عذب القلب وانصرف

أيا مَن يدّعي الفَهْمْ ... الى كمْ يا أخا الوَهْمْ

تُعبّي الذّنْبَ والذمّ ... وتُخْطي الخَطأ الجَمّ
أمَا بانَ لكَ العيْبْ ... أمَا أنْذرَكَ الشّيبْ
وما في نُصحِهِ ريْبْ ... ولا سمْعُكَ قدْ صمّ
أمَا نادَى بكَ الموتْ ... أمَا أسْمَعَك الصّوْتْ
أما تخشَى من الفَوْتْ ... فتَحْتاطَ وتهتمْ
فكمْ تسدَرُ في السهْوْ ... وتختالُ من الزهْوْ
وتنْصَبُّ الى اللهوْ ... كأنّ الموتَ ما عَمّ
وحَتّام تَجافيكْ ... وإبْطاءُ تلافيكْ
طِباعاً جمْعتْ فيكْ ... عُيوباً شمْلُها انْضَمّ
إذا أسخَطْتَ موْلاكْ ... فَما تقْلَقُ منْ ذاكْ
وإنْ أخفَقَ مسعاكْ ... تلظّيتَ منَ الهمّ
وإنْ لاحَ لكَ النّقشْ ... منَ الأصفَرِ تهتَشّ
وإن مرّ بك النّعشْ ... تغامَمْتَ ولا غمّ
تُعاصي النّاصِحَ البَرّ ... وتعْتاصُ وتَزْوَرّ
وتنْقادُ لمَنْ غَرّ ... ومنْ مانَ ومنْ نَمّ
وتسعى في هَوى النّفسْ ... وتحْتالُ على الفَلْسْ
وتنسَى ظُلمةَ الرّمسْ ... ولا تَذكُرُ ما ثَمّ
ولوْ لاحظَكَ الحظّ ... لما طاحَ بكَ اللّحْظْ
ولا كُنتَ إذا الوَعظْ ... جَلا الأحزانَ تغْتَمّ
ستُذْري الدّمَ لا الدّمْعْ ... إذا عايَنْتَ لا جمْعْ
يَقي في عَرصَةِ الجمعْ ... ولا خالَ ولا عمّ
اكأني بكَ تنحطّ ... الى اللحْدِ وتنْغطّ
وقد أسلمَك الرّهطْ ... الى أضيَقَ منْ سمّ
هُناك الجسمُ ممدودْ ... ليستأكِلَهُ الدّودْ
الى أن ينخَرَ العودْ ... ويُمسي العظمُ قد رمّ
ومنْ بعْدُ فلا بُدّ ... منَ العرْضِ إذا اعتُدّ
صِراطٌ جَسْرُهُ مُدّ ... على النارِ لمَنْ أمّ
فكمْ من مُرشدٍ ضلّ ... ومنْ ذي عِزةٍ ذَلّ
وكم من عالِمٍ زلّ ... وقال الخطْبُ قد طمّ
فبادِرْ أيّها الغُمْرْ ... لِما يحْلو بهِ المُرّ
فقد كادَ يهي العُمرْ ... وما أقلعْتَ عن ذمّ
ولا ترْكَنْ الى الدهرْ ... وإنْ لانَ وإن سرّ
وخفّضْ منْ تراقيكْ ... فإنّ الموتَ لاقِيكْ
وسارٍ في تراقيكْ ... وما ينكُلُ إنْ همّ
وجانِبْ صعَرَ الخدّ ... إذا ساعدَكَ الجدّ
وزُمّ اللفْظَ إنْ ندّ ... فَما أسعَدَ مَنْ زمّ
ونفِّسْ عن أخي البثّ ... وصدّقْهُ إذا نثّ
ورُمّ العمَلَ الرثّ ... فقد أفلحَ مَنْ رمّ
ورِشْ مَن ريشُهُ انحصّ ... بما عمّ وما خصّ
ولا تأسَ على النّقصْ ... ولا تحرِصْ على اللَّمّ
وعادِ الخُلُقَ الرّذْلْ ... وعوّدْ كفّكَ البذْلْ
ولا تستمِعِ العذلْ ... ونزّهْها عنِ الضمّ
وزوّدْ نفسَكَ الخيرْ ... ودعْ ما يُعقِبُ الضّيرْ
وهيّئ مركبَ السّيرْ ... وخَفْ منْ لُجّةِ اليمّ
بِذا أُوصيتُ يا صاحْ ... وقد بُحتُ كمَن باحْ
فطوبى لفتًى راحْ ... بآدابيَ يأتَمّ
إني امرُؤٌ أُبدِعَ بي ... بعدَ الوَجى والتّعَبِ
وشُقّتي شاسِعةٌ ... يقْصُرُ عنها خَبَبي
وما معي خرْدَلَةٌ ... مطبوعةٌ منْ ذهَبِ
فحيلَتي مُنسَدّةٌ ... وحَيرَتي تلعَبُ بي
إنِ ارتَحَلْتُ راجِلاً ... خِفْتُ دَواعي العطَبِ
وإنْ تخلّفْتُ عنِ الرُفْ ... قَةِ ضاقَ مذْهَبي
فزَفْرَتي في صُعُدٍ ... وعَبْرتي في صبَبِ
وأنتُمُ مُنتجَعُ الرّا ... جي ومرْمَى الطّلَبِ
لُهاكُمُ منهَلّةٌ ... ولا انْهِلالَ السُحُبِ
وجارُكُمْ في حرَمٍ ... ووَفْرُكُمْ في حرَبِ
ما لاذَ مُرْتاعٌ بكُمْ ... فخافَ نابَ النُوَبِ
ولا استَدَرّ آمِلٌ ... حِباءكُمْ فما حُبي
فانعَطِفوا في قِصّتي ... وأحسِنوا مُنقلَبي
فلوْ بلوْتُمْ عيشَتي ... في مطْعمي ومَشرَبي
لساءكُمْ ضُرّي الذي ... أسلَمَني للكُرَبِ
ولوْ خبَرْتُمْ حسَبي ... ونسَبي ومذْهَبي
وما حوَتْ معرِفَتي ... منَ العُلومِ الُّخَبِ
لما اعتَرَتْكُمْ شُبهَةٌ ... في أنّ دائي أدَبي
فلَيْتَ أنّي لمْ أكُنْ ... أُرضِعْتُ ثَدْيَ الأدَبِ
فقد دَهاني شُؤمُه ... وعَقّني فيهِ أبي
سامِحْ أخاكَ إذا خلَطْ ... منهُ الإصابَةَ بالغلَطْ
وتجافَ عنْ تعْنيفِه ... إنْ زاغَ يوماً أو قسَطْ
واحفَظْ صَنيعَكَ عندَه ... شكرَ الصّنيعَةَ أم غمَطْ
وأطِعْهُ إنْ عاصَى وهُنْ ... إنْ عَزّ وادْنُ إذا شحَطْ
واقْنَ الوَفاءَ ولَوْ أخ ... لّ بما اشترَطْتَ وما شرَطْ
واعْلَمْ بأنّكَ إن طلبْ ... تَ مهذَّباً رُمتَ الشّطَطْ
منْ ذا الذي ما ساء ق ... طُّ ومنْ لهُ الحُسْنى فقطْ
أوَمَا تَرى المَحْبوبَ وال ... مَكروهَ لُزّا في نمَطْ
كالشّوْكِ يبْدو في الغُصو ... نِ معَ الجَنيّ المُلتَقَطْ
ولَذاذَةُ العُمرِ الطّوي ... لِ يَشوبُها نغَصُ الشّمَطْ
ولوِ انتقَدْتَ بَني الزّما ... نِ وجَدتَ أكثرَهُم سقَطْ
رُضْتُ البَلاغَةَ والبَرا ... عَةَ والشّجاعَةَ والخِطَطْ
فوجَدتُ أحسنَ ما يُرى ... سبْرَ العُلومِ معاً فقطْ
خلِّ ادّكارَ الأرْبُعِ ... والمعْهَدِ المُرتَبَعِ
والظّاعِنِ المودِّعِ ... وعدِّ عنْهُ ودَعِ
وانْدُبْ زَماناً سلَفا ... سوّدْتَ فيهِ الصُّحُفا
ولمْ تزَلْ مُعتكِفا ... على القبيحِ الشّنِعِ
كمْ ليلَةٍ أودَعْتَها ... مآثِماً أبْدَعْتَها
لشَهوَةٍ أطَعْتَها ... في مرْقَدٍ ومَضْجَعِ
وكمْ خُطًى حثَثْتَها ... في خِزْيَةٍ أحْدَثْتَها
وتوْبَةٍ نكَثْتَها ... لمَلْعَبٍ ومرْتَعِ
وكمْ تجرّأتَ على ... ربّ السّمَواتِ العُلى
ولمْ تُراقِبْهُ ولا ... صدَقْتَ في ما تدّعي
وكمْ غمَصْتَ بِرّهُ ... وكمْ أمِنْتَ مكْرَهُ
وكمْ نبَذْتَ أمرَهُ ... نبْذَ الحِذا المرقَّعِ
وكمْ ركَضْتَ في اللّعِبْ ... وفُهْتَ عمْداً بالكَذِبْ
ولمْ تُراعِ ما يجِبْ ... منْ عهْدِهِ المتّبَعِ
فالْبَسْ شِعارَ النّدمِ ... واسكُبْ شآبيبَ الدّمِ
قبلَ زَوالِ القدَمِ ... وقبلَ سوء المصْرَعِ
واخضَعْ خُضوعَ المُعترِفْ ... ولُذْ مَلاذَ المُقترِفْ
واعْصِ هَواكَ وانحَرِفْ ... عنْهُ انحِرافَ المُقلِعِ
إلامَ تسْهو وتَني ... ومُعظَمُ العُمرِ فَني
في ما يضُرّ المُقْتَني ... ولسْتَ بالمُرْتَدِعِ
أمَا ترَى الشّيبَ وخَطْ ... وخَطّ في الرّأسِ خِطَطْ
ومنْ يلُحْ وخْطُ الشّمَطْ ... بفَودِهِ فقدْ نُعي
ويْحَكِ يا نفسِ احْرِصي ... على ارْتِيادِ المَخلَصِ
وطاوِعي وأخْلِصي ... واسْتَمِعي النُّصْحَ وعي
واعتَبِرِي بمَنْ مضى ... من القُرونِ وانْقَضى
واخْشَيْ مُفاجاةَ القَضا ... وحاذِري أنْ تُخْدَعي
وانتَهِجي سُبْلَ الهُدى ... وادّكِري وشْكَ الرّدى
وأنّ مثْواكِ غدا ... في قعْرِ لحْدٍ بلْقَعِ
آهاً لهُ بيْتِ البِلَى ... والمنزِلِ القفْرِ الخَلا
وموْرِدِ السّفْرِ الأُلى ... واللاّحِقِ المُتّبِعِ
بيْتٌ يُرَى مَنْ أُودِعَهْ ... قد ضمّهُ واسْتُودِعَهْ
بعْدَ الفَضاء والسّعَهْ ... قِيدَ ثَلاثِ أذْرُعِ
لا فرْقَ أنْ يحُلّهُ ... داهِيَةٌ أو أبْلَهُ
أو مُعْسِرٌ أو منْ لهُ ... مُلكٌ كمُلْكِ تُبّعِ
وبعْدَهُ العَرْضُ الذي ... يحْوي الحَييَّ والبَذي
والمُبتَدي والمُحتَذي ... ومَنْ رعى ومنْ رُعي
فَيا مَفازَ المتّقي ... ورِبْحَ عبْدٍ قد وُقِي
سوءَ الحِسابِ الموبِقِ ... وهوْلَ يومِ الفزَعِ
ويا خَسارَ مَنْ بغَى ... ومنْ تعدّى وطَغى
وشَبّ نيرانَ الوَغى ... لمَطْعَمٍ أو مطْمَعِ
يا مَنْ عليْهِ المتّكَلْ ... قدْ زادَ ما بي منْ وجَلْ
لِما اجتَرَحْتُ من زلَلْ ... في عُمْري المُضَيَّعِ
فاغْفِرْ لعَبْدٍ مُجتَرِمْ ... وارْحَمْ بُكاهُ المُنسجِمْ
فأنتَ أوْلى منْ رَحِمْ ... وخيْرُ مَدْعُوٍّ دُعِي

يَا أَبَا الْفضل لَا تَنمْ ... وقعَ الذئبُ فِي الغنمْ)

(إنَّ حَمَّادَ عَجرَدٍ ... إِن رَأى غفَلةً هجمْ)
(بَينَ فَخذَيهِ حربةٌ ... فِي غِلاَف منَ الأدمْ)
(إِنْ خَلاَ الْبَيْتُ سَاعَةً ... مَجْمَجَ المِيمَ بالقَلَمْ)
نجب الأعمار بنا تثب ... ما أسرع ما تصل النجب
والشمس تطير بأجنحة ... والليل تطارده الشهب
والدهر يجد بفعل الجد ... فليس يليق بك اللعب
ما القصد سواك فخل ... هواك وكن رجلاً فلك الطلب
العرش لأجلك مرتفع ... والفرش لأجلك منتصب
والجو لأجلك منخرق ... والريح تمور بها السحب
والزهر لجهلك مبتسم ... والغيم لغمرك ينتحب
وكان سماء الدنيا البحر ... وحب كواكبها حبب
وكان الشمس سفينته ... وشراع ذوائبها ذهب
سل دهرك أين قرون ... الأرض تجبك: بأنهم ذهبوا
ساروا عنا سيراً عجلا ... فكان مسيرهم الخبب
واستوحشت الأوطان لهم ... لما أنست بهم الترب
ما أفصحهم ولقد صمتوا ... ما أبعدهم ولقد قربوا
يا لاعب جد بفعل الجد ... فليس الأمر به لعب
واهجر دنياك وزخرفها ... فجميع مناصبها نصب
فكأنك والأيام وقد ... فتحت باباً فيها النوب
وبقيت غريب الدار فلا ... رسل يأتيك ولا كتب
وسلاك الأهل ومن الصحب ... كأنهم لك ما صحبوا
فإذا نقر الناقور وصاح ... ويومئذ يوم عجب
فيصيخ السمع ويجسو الجمع ... ويجري الدمع وينسكب
وجميع الناس قد اجتمعوا ... ثم افترقوا ولهم رتب
ذا مرتفع ذا منخفض ... ذا منجزم ذا منتصب
فهناك المكسب والخسران ... وثم الراحة والتعب




ابن الوردي

ذمَّ المنازلَ بعدَ منزلةَ اللِّوى
والعيشَ بعدَ أولئكَ الأقوامِ

اعتزلِ الناسَ ومِلْ

عنهمْ بنفسٍ صادقهْ
صارَ الرباطُ كاسمِهِ
والخانقاهُ خانقَهْ
والناسُ قد تصنَّعوا
وليسَ فيهمْ بارقَهْ
إلا قليلاً قال عن
دنياهُ أنتِ طالقَهْ

ذهبَ الصدقُ وإخلاصُ العملْ

ما بقيْ إلا رياءٌ وكسلْ
غرَّكَ التقصيرُ مِنْ ثوبي فإنْ
قُصِّرَ الثوبُ فقدْ طالَ الأملْ
إنْ تأملتَ فزيِّي منهمُ
غيرَ أَنَّ القلبَ مغناهُ طللْ
إنما الصوفيُّ صافي القلبِ مِنْ
كلِّ غشٍّ فإذا قالَ فعلْ
رَفَعَ الكلَّ عنِ الكلِّ وَمَنْ
كَلَّ في الدنيا تحامى كُلَّ كُلْ
ذَلَّ للهِ فعزَّتْ نفسُهُ
كلُّ مَنْ عزَّ بغيرِ اللهِ ذَلْ
فَهْوَ إنْ يعلُ فباللهِ علا
وَهْوَ إنْ ينزلْ فبالحقِّ نَزَلْ
كسرَ النفسَ فصمَّتْ واتقى
زخرف الدنيا وخيلاً وخَوَلْ
بَذَلَ الروحَ ولولا عزُّ ما
رامَ ما هانَ عليه ما بذلْ
عرفَ المربوبَ بالربِّ فلم
يخشَ إلا ربَّه عزَّ وجلْ
ليتني في جسم هذا شعرةٌ
صَغُرت أو طعنةٌ فيما انتعلْ
بل مرامي لحظةٌ أو لفظةٌ
مِنْ وليِّ اللهِ مِنْ قبلِ الأجلْ
هؤلاءِ القومُ يا قومُ مَضَوا
ما تبقى منهمُ إلا الأقلْ
فإلى اللهِ تعالى أشتكي
ما بقلبي مِنْ فتورٍ وخبلْ
لو تقنَّعتُ أتى رزقي على
رغمِهِ لكنْ خُلقنا مِنْ عجلْ
كم رياءٍ كم مراءٍ كم خطا
كم عدوٍّ كم حسودٍ لا يملْ
ليس يخلو المرءُ عن ضدٍّ ولو
حاولَ العزلةَ في رأسِ جبلْ
لا أرى الدنيا وإنْ طابتْ لمن
ذاقَها إلا كسمٍّ في عَسَلْ
أين كسرى وهِرَقْلٌ أين مَنْ
ملك الأرضَ وولَّى وعزلْ
أينَ مَنْ شادوا وسادوا وبَنَوا
هَلَكَ الكلُّ وَلَمْ تغنِ القللْ
لو سألتَ الأرضَ عنهمْ أنشدَتْ
أصبحَ الملعبُ قفراً والطللْ

يا صاحِ حقَّ لكَ التخوفْ

وقلةُ السعيِ والتطوفْ
لا تقربَنْ بعدها رباطاً
قَدْ حُرِّقتْ خرقةُ التصوفْ

فيا لها من هيئة

تنسي الخلاف والطرب
تغييرها رياضة
تعرب عن أصل الأدب

زائرةٌ زارتْ بلا موعدٍ

أفدي بما أملكُهُ سَيْرَها
فقلتُ ما ذا وَقْتُهُ فارجعي
وعاوديني ليلةً غَيْرَها

مِنْ كلِّ فظٍّ أعجمِي

غثِّ الكلامِ مذمَّمِ
إنْ نَبَّهَتْهُ مروءةٌ
فتقولُ عجمتُهُ نَمِ

وأقسمُ ما ذاكَ منهم سُدى

فأفهامُهم فوقَ أفهامِنا
ولو قلتُ ما سرُّ ذا أنشدوا
جماجمُنَا تحتَ أقدامِنا

وقوفي على بابهمْ رفعةٌ

ويا طولَ طرديَ إنْ لمْ أقفْ
ولو لم تكنْ ليَ فَرْعيَّةٌ
إليهمْ بأصلٍ لقالوا انصرفْ

ساقٍ يسوقُ إلى السياق محبةً

ويرى شفاءَ حريقِه برحيقِه
السكْرُ كلُّ السكرِ في كاساتِهِ
والسرُّ كلُّ السرِّ في إبريقِهِ

معذَّرٌ عشْتُ بتقبيلهِ

فمتُّ مِنْ عشقي وَمَنْ عاشَ ماتْ
فثغرُهُ والشَّعرُ في خدِّهِ
هذا سنيناتٌ وهذا نباتْ

دعِ الكأسَ مِنْ نقشِها

فصافٍ بصافٍ أحبْ
إذا ذهبتْ بالطلا
فقد طُليتْ بالذهبْ

هكذا كنْ محبةً واحتفالاً

واعصِ فينا الوشاةَ والعذَّالا
لكَ منّا تكتُّمٌ واستتارٌ
ولنا منكَ أن تطيلَ السؤالا
إنَّ لله في الوجودِ وجوهاً
تركَتْ حسنَها لهُ والجمالا
فاعلموا أنَّ في الزوايا خبايا
وافهموا أنَّ في السويدا رجالا
أقحموا النفسَ في مهالكِ زهدٍ
يفترسْنَ الأرْواحَ والأموالا
قصدوا هدمَ سورِها فبَنَوْه
وأتوا كي يقصِّروهُ فطالا
أنفسٌ أكرمُ النُّفوسِ على الل
هِ وأقوى حَوْلاً وأقوَمُ حالا
فهي تمشي مَشْيَ العروسِ اختيالا
وتهادى على الزمانِ دلالا
نحنُ قومٌ يعيشُ مَنْ ماتَ فينا
مستهاماً ويبلغُ الآمالا
عشْ على حبنا ومتْ في هوانا
هكذا هكذا وإلاّ فلا لا

لو انَّ الشافعيَّ رآك نادى

نصرتَ طريقتي ونشرْتَ علمي
نهضتَ بحجةِ الإملاءِ عني
فداكَ أبي كما أحييت أمي

أعوذُ باللهِ ربي

من شرِّ طاعونِ النسبْ
بارودُهُ المستعلي
قدْ طارَ في الأقطارْ
فتَّاش دهاشاتِهِ
ساعي لصارخٍ ما رثي
ولا فدى بدخيره
دولابَهُ الطيارُ
يدخل إلى الدارِ ويحلف
ما يخرج إلاَّ بأهلها
معي كتاب القاضي
بكل من في الدارْ

إذا ما هجاني ناقصٌ لا أُجيبُهُ

فإنِّيَ إنْ جاوبتُهُ فلِيَ الذَّنْبُ
أُنزِّهُ نفسي عن مساواةِ سفْلةٍ
ومنْ ذا يعضُّ الكلبَ إنْ عضَّهُ الكلبُ

كم أسدٍ رُوِّع بالشبلِ

فيها وحافٍ فاقَ ذا نعلِ
وكم سريٍّ بحره زاخرٌ
وكم فضيلٍ فازَ بالفضلِ

دخلتُ يوماً دارَهُ

فقالَ لي شخصٌ جثا
ذَكِّرْهُ لي فقلتْ مَنْ
يذكِّر المؤنثا

خالطْ أولي العلمِ تكنْ عالماً

فربُّنا قَدْ رفعَ الوَحْيَا
واقتدِ بالموتى على أنَّهُ
لا بدَّ للحيِّ من الأحْيا

ليس الفتى كلُّ الفتى عندنا

إلا الذي يَنهى عنِ الفحشِ
يأتي إلى الإسلامِ مِنْ بابِهِ
ويتبعُ الحقَّ بلا غشِّ

بريَّةٌ بحريَّةٌ حَزْنيةٌ

سهيلةٌ منثورُها منثورُها
متكاملٌ فيها السرورُ لمن بها
يوماً أقامَ كما تكاملَ سورُها
وخلَتْ قلوبُ قصورِها فاستضحكتْ
إذْ عاشَ شاكرُها وماتَ كفورُها
مَنْ حَلَّ فيها نالَ وَصْلَ حبيبها
وشفى كليمَ الروحِ منهُ طورُها
ما تلك إلاّ جنَّةُ الدنيا وها
ولدانُها جُلِيَتْ عليكَ وحورُها
فمضيَّةٌ وسنيَّةٌ ونديَّةٌ
أرجاؤُها ورياضُها وقصورُها
لما بكى فقدَ الهمومِ سحابُها
ضحكتْ وقدْ عاشَ السرورَ زهورُها
فالأرضُ منها سندسٌ وخلالَهُ
سُلَّتْ سيوفٌ والسيوفُ نهورُها
هيَ دارُ مملكةِ الرضى فلأجلِ ذا
قد أُسْبِلَتْ دونَ الهمومِ ستورُها
جُمعتْ فنونُ الطيبِ في أفنانِها
وعلا على المِسْكِ الذَّكيِّ عبيرُها
تحكي دُماها غيدُها البيضُ الألى
بلحاظهن فتونُها وفتورُها
ما سلسلٌ عذبٌ سقاه وابل
وهناً فويقَ حصى بروقِ غديرها
فنفى بتفريكٍ وصقلٍ مذهبٍ
عنه القذى ريحُ الصّبا ومرورُها
بألذَّ طعماً مِنْ مَراشفهنَّ إذ
تَبْسَمْنَ عَن دُرٍّ يضيءُ بدورُها

تلكَ الثغورُ ودمعُ عاشِقهنّ قد

حاكَتْ عقوداً تحتويه نحورُها
كمْ كان فيها للفرنجِ كواعبٌ
كانتْ إناثاً واللحاظُ ذكورُها
ومهفهفٍ يَسقي السلافَ كأنما
مِنْ مقلتيهِ ووجنتيهِ يديرُها
هلْ نارُها في كاسِها أم كاسُها
في نارِها وعلى المنازلِ نورُها
تصفيقُ عاصيها المطيعِ مرقِّصٌ
أغصانَها لمَّا شَدَتْهُ طيورُها
فربوعُها محروسةٌ وسفوحُها
مأنوسةٌ لا ينطوي منشورُها
فاعجبْ لأرضٍ كالسماءِ منيرةٍ
أضحتْ تلوح شموسُها وبدورُها
فتبَسَّمَتْ وتَنَسَّمَتْ أرجاؤُها
أرجاً فما الغصنُ النضيرُ نظيرُها
سابَقْتُ بالبيضاءِ في ميدانها
شقراءَ جلِّق فاستكنَّ ضميرُها

أنا لو كنتُ مُقِلاًّ

ما اصطلى الناسُ بناري
خَلُصَ العالمُ جمعاً
مِنْ يميني ويساري

مَنْ كان مرتحلاً بقلب محبِّهِ

يوماً فإنك راحل بجميعي
وأنا الذي ترك الوداع تعمُّداً
مَنْ ذا يطيق مرارة التوديعِ

كانوا معاني المغاني حينَ ينشدُهُمْ

شادٍ يجاوبُهُ حُسْنٌ وإحسانُ
ما أنتَ حينَ تُغنِّي في منازلهم
إلا نسيم الصبا والقومُ أغصانُ

جبرتِ يا عائدتي بالصلَهْ

فتممي الإحسانَ تنفي الولَهْ
وهذه قد حُسبتْ زورةً
لمْ أَنْتِ يا لعبةُ مستعجلهْ

أنا في الحبِّ قانعٌ باليسير

بخيالٍ يزورُ أو وَعدِ زورِ
ما لهندٍ إذا طلبتُ رضاها
فاجأتني بنفثةِ المصدور
ألِعَيْبٍ كرْهِتني أمْ لريبٍ
أمْ لشيبٍ قالت لهذا الأخيرِ
أنا بدرٌ وقد بدا الصبحُ في رأ
سِكَ والصبحُ طاردٌ للبدورِ
يا نهارَ المشيبِ مَنْ لي وهيها
تَ بليل الشبيبةِ الديجوري
قلت إنَّ المشيبَ نورٌ فقالت
أشتهي نُورَةً لذاكَ النورِ
قلت لا فضلَ في سوادِ الشعورِ
عندنا غيرُ لونِ نقْسِ الوزيرِ
سارَ بين الأنامِ فيكِ وفيهِ
من مديحي ديوانُ شعرٍ كبيرِ
لكِ وجهٌ أغرُّ باهٍ فريدٌ
مثلُ دهرِ الوزير بينَ الدهورِ
ليسَ شغلي إلاّ هواكِ ومدحي
فيهِ هذانِ روضتي وغديري
وإذا ضاقَ منْ تجنِّيك صدري
فمديحي لهُ شفاءُ الصدورِ
كلُّ شيءٍ سينقضي غيرَ حبي
لكِ والمدحِ للوزيرِ الكبيرِ
كم جرتْ أدمعي لهجرِكِ تحكي
مِنْ عطايا الوزير سيلَ البحورِ
أنا لولا هواكِ صنتُ دموعي
صونَ دينِ الوزيرِ عنْ محظورِ
مدمعي فيكِ والندى منم يديه
أخْجَلا مُسْبَلَ الغمامِ الغزيرِ
وإذا كنتُ في هواك مسيئاً
فمديحُ الوزيرِ كالتكفيرِ
لا وطولِ القيامِ فيك ووجدي
ما لطَوْلِ الوزيرِ مِنْ تقصيرِ
كيفَ أسطيعُ لثمَ ثغرِكِ يا هنْ
دُ ودأبُ الوزير سدُّ الثغورِ
فأديري عليَّ كأسَ مُدامٍ
مثلَ أخلاقِهِ بلا تكديرِ
ليسَ لي عنْ هواكِ أقسمْتُ صبرٌ
لا ولا عَنْ مديحه المبرورِ
بي إلى وصلِكِ افتقارٌ كما بال
ناسِ فقرٌ إلى بقاءِ الوزيرِ
ليَ جفنٌ وللوزير لواءٌ
دُعيا بالسفاح والمنصورِ
أنعِمي بالوصالِ جادكِ غيثٌ
كنوالٍ من راحتيهِ غزيرِ
ربَّ ليلٍ سهرتُ فيكِ إلى أنْ
لاحَ فجرٌ كنورِهِ أيَّ نور
أثْقَلَتْني ردفاكِ والجودُ منهُ
أنا لا أستطيعُ حملَ الطورِ
لا تذلي على هواكِ عنادي
للأعادي أما الوزيرُ نصيري
فيكِ وجدي يا هندُ وجدٌ عظيمٌ
مثلُ وجدِ الوزيرِ بالتبذير
وإذا كانَ في ودادكِ نقصٌ
فبمدحِ الوزير تمَّ سروري
لكِ طرفٌ يروي روايةَ مكحو
لٍ وإحسانُهُ عنِ ابنِ كثيرِ
فَهْوَ طرفٌ فتورُهُ ذو فتونٍ
أنا أفدي الوزيرَ مِنْ ذا الفتورِ

وإذا ما نشرتِ شعركِ دَلاً

فَهْوَ حاكي لوائهِ المنشورِ
وإذا ما فتحتِ جفنَكِ المكْ
سورَ هِمْنا بسيفِهِ المنصورِ
وإذا بسمْتِ عن ثغرِكِ المنْ
ظومِ أغرى بلفظه المنثورِ
وإذا ما هزَزْتِ لي قَدَّكِ المنْ
صوبَ قلنا كرمحِهِ المجرورِ
ويكَ يا قلبَها بعلمِ وفاءٍ
منهُ إنَّ الوفاءَ أحصنُ سورِ
واستفدْ يا زمانُ عطفاً ولطفاً
في هواها من خلقِهِ المشكورِ
أنا لو كنتُ حازماً في هواها
حزمَهُ في الحروبِ جادَتْ أموري
حبُّها فاعلٌ بقلبيَ أفعا
لَ يديهِ في مالِهِ المذخورِ
قسماً إنَّ ريقَها ونداه
ينشرُ الميْتَ قَبْلَ يومِ النشورِ
ليسَ أحلى من وصلها غيرَ مدحي
طَوْلَ هذا الوزير لولا قصوري
هاكها أيُّها الوزيرُ عروساً
أنتَ كفءٌ لحسنها الموفورِ
فهْي بكرٌ عذراءُ في ظلِّكَ الممْ
دودِ تجلى بسمعِكَ المقصورِ
كلُّ بيتٍ فيهِ نسيبٌ ومدحٌ
مستجادٌ منْ مستكنِّ ضميري
كرَّرتْ لي مخالصاً فيك تحكي
سُكَّراً يُسْتلذُّ بالتكريرِ
عمدةٌ للذي يريدُ مديحاً
كلُّ بيتٍ منها يُعَدُّ بدورِ
طابعٌ تُطْبَعُ البدورُ عليها
فهْي للناظمينِ كالدستورِ
مهرُها منكَ خالصٌ من ودادٍ
إنَّ مهرَ الفاني أخسُّ المهورِ
واكتسابُ الغنى بنظمٍ ونثرٍ
فيه نقصٌ للفاضلِ المشهورِ
أنا لفظي درُّ النحورِ ومثلي
لم يبعْ بالحطامِ درَّ النحورِ
إنَّ فقرَ النفوسِ ذلٌّ وشَيْنٌ
وغنى النفسِ عزُّ كلِّ فقيرِ
كم غنيٍّ أضحى نظيرَ عديمٍ
وفقيرٍ أمسى عديمَ نظيرِ
فعلى وجهِكَ الوسيمِ سلامي
وإلى بابِكَ الكريمِ حضوري

سلِّمْ إلى اللهِ فكلُّ الذي

ساءَكَ أو سرَّكَ مِنْ عندِهِ
إنَّ الذي الوحشةُ في دارِهِ
تؤنسُهُ الرحمةُ في لحدِهِ

فقلتُ وقد أنكرتُ منه مقالةً

وغرتُ لها ويلاه مِنْ سوءِ حالِها
ألا طالَ ما كانت أسرةُ ملكِها
مكللةً بالدرِّ قبلَ زَوالِها
وكم خفقَتْ فيها البنودُ وَكَمْ حَوَتْ
ملوكاً ترى الجوزاءَ تحتَ نعالِها
معظّمةٌ في الملَّتين بحسنِها
مكرَّمةُ في الدولتين بمالِها
ألمْ تحترمْ فيها حبيباً نزيلَها
وما أنتَ لو أنصفتني من رِجالِها
وسافرتُ إذْ نافرتُ في الحال منشداً
وعينايَ كلٌّ أُسعدت بسجالِها
قفا نبكِ مِنْ ذكرى حبيبٍ ومنزلِ
لقد هزلَتْ حتى بدا مِن هزالِها

فلا تكُ في الدنيا مضافاً وكنْ بها

مضافاً إليهِ إنْ قدرتَ عليهِ
فكلُّ مضافٍ للعواملِ عرضةٌ
وقد خُصَّ بالخفضِ المضافُ إليه

شوقٌ وتَوْقٌ إلى منْ فيضُ نائلِهِ

في منزلي وفؤادي في منازِلِه

لا تحرصنَّ على فضل ولا أدبِ

فقدْ يضرُّ الفتى علمٌ وتحقيقُ
ولا تعدَّ منَ العقّالِ بينهمُ
فإنَّ كلَّ قليلِ العقلِ مرزوقُ
والحظُّ أنفعُ منْ حظٍّ تزوقُهُ
فما يفيدُ قليلَ الحظِّ تزويقُ
والعلمُ يحسبُ منْ رزقِ الفتى ولهُ
بكلِّ متَّسعٍ في الفضلِ تضييقُ
أهلُ الفضائلِ والآدابِ قدْ كسدوا
والجاهلونَ فقد قامتْ لهمْ سوقُ
والناسُ أعداءُ مَنْ سارتْ فضائلُهُ
فإنْ تعمَّقَ قالوا عنهُ زنديقُ

كَمْ مِنْ صديقٍ صدوقِ الودِّ تحسبُهُ

في راحةٍ ولديهِ الهمُّ والنَّكَدُ
لا تغبطنَّ بني الدنيا بنعمتهم
فراحةُ القلبِ لم يظفَر بها أحدُ

لقد غفلَتْ صروفُ الدهر عني

وبتُّ منَ الحوادثِ في أمانِ
وكدتُ أنالُ في الشرفِ الثريا
وها أنا في الترابِ كما تراني

جاءتْكَ في طيفِ خيالٍ حكَتْ

طيفَ خيالٍ هزَّ أَعطافَهْ
مصريةٌ في نورِ شاميةٍ
يا حينَ ذي الشمعةِ طوَّافَهْ

قلْ لمنْ لامَ لكوني

في مكانٍ غيرِ طائلْ
هكذا الفاضلُ مثلي
عندَ قسمِ الرزقِ فاضلْ

سألتُ منِ الناهي عن البدعِ التي

يظلُّ لها المنطيقُ وَهْوَ صموتُ
هوَ ابنُ الزَّمَلْكاني الهمامُ الذي له
تُقى وفنونٌ جمَّة وقنوتُ
إمامٌ متى يذكرْهُ في العلمِ ذاكرٌ
تقرُّ لهُ في المعضلاتِ رتوتُ
أولو الفضل والآدابِ والعلمِ والحجا
لديْهِ إذا جدَّ الجدالِ سُكوتُ
وما تنفعُ الآدابُ والعلمُ والحجا
وصاحبُها عندَ الكمالِ يموتُ

يا منْ أعارَ الليثَ حسنَ اللقا

وَكَمْ أعارَ السُّحُبَ الهطْلا
بعضُكَ في الجودِ ككل الورى
فاعجبْ لبعضٍ يعدلُ الكلا

طولُ المقامِ بدارِ الحرثِ برَّحَ بي

فالحزمُ رجعايَ عن قصدي وعن طلبي
أفنيتُ عمري بلا علمٍ علمتُ ولا
خيرٍ عملتُ ولا مالٍ ولا أدبِ
إنَّ الضياعَ ضياعٌ للزمانِ وَمَنْ
يلِ المناصبَ لا ينفكَ ذا نَصَبِ
والعجزُ أوجبَ لي سلبَ الخمول ولو
شلْتُ الحمول مع الركبانِ لم أجبِ
رضيتُ راحةَ روحي فاحتُقِرْتُ ولو
تعبتُ نلتُ رخيمَ العيش في التعبِ
ومذْ صحبْتُ سوى جنسي ضنيتُ به
والشَّمعُ لولا جوارُ النارِ لم يذبِ
أَمِرْيَةٌ بعدَ تجريبي فلستُ وإنْ
رامتْ مطامعٌ تجري بي بمنقلبِ
أمْ هلْ أشكُّ وقدْ جربتهم زمناً
وعفْتُ أكرمَهم رمياً فلا وأبي
كمْ ذا أصاحبُ ذا جهلٍ أُساءُ بهِ
ترى السلامةَ منهُ خيرُ مكتسَبِ
ممَّنْ أراهُ صديقاً في اليسارِ وَلَوْ
مالَ الزمانُ تولى مسعدَ النوَبِ
فسمعُهُ عنْ مقالِ الصدقِ في صممٍ
وقلبُهُ عن فعالِ الجدِّ في لعبِ
إنْ أبكِ يضحكْ وإنْ أعقلْ يجنَّ وإنْ
أقرَّ يعبثْ وإنْ أحضرْ لهُ يغبِ
وليس يكشفُ عني ما أكابدُهُ
وما أقاسيهِ مِنْ هَمٍّ ومنْ وصبِ
إلا إمامُ الهدى قاضي القضاة وَمَنْ
أحيا العلومَ وأعلى رتبةَ الأدبِ
شيخُ الأنامِ وحيدُ العصرِ جامعُ أش
تاتِ الفنونِ بلا مَيْن ولا كذبِ
لو لم تكمِّلْ به العليا مراتبَها
ما قيلَ عنهُ كمالُ الدينِ ذو الرتبِ
ابن الأفاضلِ والغرِّ الأماثلِ وال
شهبِ الكواملِ ردءُ الناسِ في الشَغَبِ
زينُ المدارسِ جلابُ النفائسِ غ
لاَّبُ المنافس معطي القاصدِ الجدبِ
محيي الثغور ندىً مجني الكفور ردىً
مولي الشكورِ هدىً كفَّاهُ كالسُّحُبِ
يا كاملَ الفضلِ جمَّ البذلِ وافرَه
جوداً مديدَ القوافي غيرَ مقتضبِ
إني أحبُّ مقامي في حماكَ وَمَنْ
يكنْ ببابِكَ يا ذا الفضلِ لم يَخِبِ
فليتني مثلُ بعضِ الخاملينَ ولا
تكونُ توليةُ الأحكامِ مِنْ سببي
فالحكمُ مَتْعَبَةٌ للقلبِ مَغْضَبَةٌ
للربِّ مَجْلَبَةٌ للذنبِ فاجتنبِ
وإن تكنْ رتبتي في البرِّ عاليةٌ
فالكونُ عندَكَ لي أعلى من الرتَبِ
فانظرْ إليَّ وجُدْ عطفاً عليَّ عسى
رزقٌ يعين على سكنايَ في حلبِ
والبرُّ أوسعُ رزقاً غيرَ أنِّيَ في
قلبي منَ العلمِ والتحصيلِ والطلبِ
وفي المدارسِ لي حقٌّ فما بُنِيَتْ
إلا لمثليَ في حجرِ العلومِ رُبي
أهلُ الإفادةِ والفتوى أنا ومعي
خطُّ الشيوخِ بهذا فامتحنْ كتبي
وإنَّ في عمرٍ عدلاً ومعرفةً
فكيفَ يُصْرَفُ عن هذا بلا سببِ
قالوا فلمْ تطلبِ العزلَ الذي هربَتْ
منهُ القضاةُ قديماً غايةَ الهربِ
فقلتُ نحنُ قضاةَ البرِّ مهملةُ
أقدارُنا فَهْيَ كالأوقاصِ في النصبِ
مَنْ كان منَّا جريَّاً أكرموه وول
وه المناصبَ بالخطْباتِ والخطبِ
ومتقي اللهِ منَّا مهملٌ حرجٌ
مروَّعُ القلبِ محمولٌ على الكربِ
لا يعرفونَ لهُ قدراً وعفتُهُ
يخشَونَ إعداءها للناسِ كالجربِ
إنْ دامَ هذا وحاشاهُ يدومُ بنا
فارقْتُ زيي إلى ما ليسَ يجملُ بي
وقلتُ يا فقهُ فقتُ المثْلَ فيكَ فلِمْ
خصصتني بمكانٍ ما ارتضاهُ غبي
وكيفَ يا نحوُ نحوَ الخفضِ تعطفني
وَقَدْ نصبْتَ قسيَ الجزمِ في نصَبي
ترى بقولي زيدٌ ضاربٌ مثلاً
عمراً أردتَ تجازيني على كذبي
ويا أُصولُ إلى كم ذا أصولُ ومِنْ
غيرِ الدعاوى ومني الصدقُ في طلبي
ويا بديعَ المعاني والبيان خذي
غيري فقدْ أخذَتْني حرفةُ الأدبِ
يا سيدي يا كمال الدينِ خذْ بيدي
من القضاءِ فما لي فيهِ مِنْ أربِ
البرُّ يصلحُ للشيخِ الكبيرِ ومن
رمى سهاماً إلى العليا فلم يُصبِ
أما الذي عُرفَتْ بالفهمِ فطرتُهُ
فإنَّهُ في مقامِ البرِّ لم يطبِ
لا زلتَ عوناً لأهلِ العلمِ تكنفهم
ما لاحَ برقٌ وناحَ الورقُ في القضبِ

لو كنتَ محتاجاً إلى درهمٍ

لكانَ بالمدَّاح لي أُسوَهْ
وكانَ مَنْ لا يعطني أهجهُ
فالحمدُ للهِ على الثروهْ

فحقَّ لمثلي أن يقولَ لمثلها

فديناكَ منْ ربعٍ وإن زدتنا كربَا
وكيفَ عرفنا رسمَ مَنْ لم يدعْ لنا
فؤاداً لعرفانِ الرسومِ ولا لُبّا
كأنَّ نجومَ الليلِ خافتْ مغارَهُ
فمدَّتْ عليها مِنْ عجاجتِهِ حجبا

يا حاسدَ الناسِ على مالِهمْ

إليكَ عنّي يا مُعَنَّى إليكْ
فلو تساوى الناسُ في رزقهمْ
لم تعْطَ معشارَ الذي في يديكْ

أصلحَ اللهُ دمشقاً

وحماها عَنْ مسبَّهْ
نفسُها خسَّتْ إلى أنْ
تقتلَ الناسُ بحبَّهْ

ودَّعْتُها ويدي اليمينُ لأدمعي

ويدي اليسارُ لضمَّةٍ وعناقِ
قالت ألا تخشى الفضيحةَ قلت لا
يومُ الوداعِ فضيحةُ العشّاقِ

ديارُ مصرَ هي الدنيا وساكنُها

همُ الأنامُ فقابلْها بتقبيلِ
يا مِنْ يباهي ببغدادَ ودِجْلَتها
مصرُ مقدمةٌ والشرحُ للنيلِ

ورأيتُ قبرَ البحتريِّ بها

وشهدتُ بهجةَ مشهدِ النورِ
ودعوت عندَ المستجابِ وفي
سفح المُصلَّى خارجَ السورِ
مليح ردفه والساق منه ... كبنيان القصور على الثلوج
خذوا من خده القاني نصيباً ... فقد عزم الغريب على الخروج

جاءنا مكتتماً ملتثما ... فدعوناه لأكل وعجبنا

مد في السفرة كفا ترفا ... فحسبنا أن في السفرة جبنا

جنبتني وأخي تكاليف القضا ... وشفيتنا في الدهر من خطرين

يا حي عالم دهرنا أحييتنا ... فلك التحكم في دم الأخوين
قلت وقد عانقته ... عندي من الصبح فلق
قال وهل يحسدنا ... قلت نعم قال انفلق

جبرت يا عائدتي بالصله ... فتممي الإحسان تنفي الوله

وهذه قد حسبت زورة ... مالك بالفيئة مستعجله

بالله يا معشر أصحابي ... اغتنموا علمي وآدابي

فالشيب قد حل برأسي وقد ... أقسم لا يرحل إلا بي

رامت وصالي فقلت لي شغل ... عن كل خود تريد تلقاني

قالت كأن الخدود كاسدة ... قلت كثيراً لقلة القاني

لا تقصد القاضي إذا أدبرت ... دنياك واقصد من جواد كريم

كيف ترجي الرزق من عند من ... يفتي بأن الفلس مال عظيم

وكنت إذا رأيت ولو عجوزاً ... يبادر بالقيام على الحراره

فأصبح لا يقوم لبدر تم ... كأن النحس قد ولي الوزاره
أنت ظبيي أنت مسكي ... أنت دري أنت غصني
في التفات وثناء ... وثنايا وتثني
لما شتت عيني ولم ... ترفق لتوديع الفتى
أدنيتها من خده ... والنار فاكهة الشتا

من كان مردوداً بعيب فقد ... ردتني الغيد بعيبين

الرأس واللحية شابا معاً ... عاقبني الدهر بشيبين
لا حبذا شيب برأسي ولا ... شيب بقلبي، أقذيا عيني
ما كنت بالتائب من صبوتي ... أصلاً فقد تبت بشيئين

دهرنا أمسى ضنينا ... باللقا حتى ضنينا

يا ليالي الوصل عودي ... واجمعينا أجمعينا

أنتم أحباي وقد ... فعلتم فعل العدا

حتى تركتم خبري ... في العالمين مبتدا
سبحان من سخر لي حاسدي ... يحدث لي في غيبتي ذكرا
__________
لا أكره الغيبة من حاسد ... يفيدني الشهرة والأجرا
وتاجر شاهدت عشاقه ... والحرب فيما بينهم ثائر
قال: علام اقتتلوا هكذا؟ ... قلت: على عينك يا تاجر
إني عدمت صديقاً ... قد كان يعرف قدري
دعني لقلبي ودمعي ... عليه أحرق وأذري
حاكمٌ يصدُر منه ... خلْفَ كل الناس حَفْرُ
يتمنّى كُفْرَ شخص ... والرضا بالكفر كُفْرُ
وقوله:
امتلأت من ذهب أكياسه ... وقلبه ممتلئٌ من دَغَلْ
ما هو إلا حيّةٌ بَزْقُها ... بالسمّ، هذا المغربي الزَّغَلْ
وقوله:
قاض عن الناش غير راضٍ ... مباهتٌ غالظٌ مخالط
يكذب عن مالك كثيراً ... ويُسقط الناس وهو ساقط
وقوله:
تلِفَت مكاتيب الأنام بفعله ... وأبان عن عكس وكَثرة مَخْرَقهْ
ورمى الأكابر والأصاغر كاذباً ... بالكفر أو بالفسق أو الزندقه
وقوله:
لا واخذ الرحمنُ مصراً ولا ... أزال عنها حُسنَ ديباجه
ولّوا علينا قاضياً ثالثاً ... ما كان للناس به حاجه
وقوله:
كثير الجنون مسيء الظنون ... عدوّ الفنون لظىً محرقُ
فيصبغُ أصبغ من بهته ... وأشهبُ في عينه أبلق
وقوله:
إن الرياحيْ على جَهْله ... وجَوْره في حلب يحكُم
إنْ لم يكن في حلب مُسْلم ... فمصر ما كان بها مسلم
وقوله:
يحبّ مِنْ كل علم ... السين والقاف والطا
حاشى الرسالة منه ... ما خُلقُه بالمَوطّا
وقوله:
بالله يا أولياء مصر ... خذوه من عندنا بستر
متى رأيتم وهل سمعتم ... بأنّ قاضي القضاة جَمْري

وقوله:

يحبس في الردّة مَن ... شاء بغير شاهد
لا كان من قاض حكى ... الفقاع حَدّ بارد
وقوله:
في حلب قاضٍ على مالك ... قد اجترا ما فيه توفيق
ومن تلكّا معه قال نعم ... قد قيل لي إنك زنديق
وقوله:
قاضٍ من السوق أتى ... معتادُ بيع الأكسيهْ
ذا الموصّى يا مايعي ... كيف يعي للأقضيه
وقوله:
يا ساكني مصر ما عهدنا ... منكم سوى رحمة وأُلفه
فكيف ولّيتم علينا ... من لا تصح الصلاة خلفه
وقوله:
الألثغ الطاغي تولّى القضا ... عدمت هذا الألثغ الطاغي
إن سبّح الباري حكى سبّه ... فقال: سبحانك يا باغي
وقوله:
ولّيتم جاهلاً جريئاً ... ألثغ بالمسلمين ضار
مقلقلاً من بني رُبَاح ... نحن له من بني خُسار
وقوله:
كم أسقط شاهداً وعدْلاً ضابِطْ ... فالعالم كلهم عليه ساخط
من كثرة ما يُسقط خافت حلب ... أن يكتب ظاء حظها بالساقط
كان والله عفيفاً نزهاً ... وله عرض عريض ما اتهم
وهو لا يدري مداراة الورى ... ومداراة الورى أمر مهم
أشكو إلى الرحمن لؤلؤ فندش ... أضحى يصادر سادة وصدورا
نثر الجنوب بل القلوب بسوطه ... فمتى أشاهد لؤلؤاً منثورا
سلام على نفسك الزاكية ... وشكراً لهمتك العالية
أزهراً أم الزهر أهديتها ... لعبد مدامعه جارية
كتاب يفوح شذى نشره ... فلي منه رائحة جائيه
وسعد معاديه عن مركز ال؟ ... سعادة يلجا إلى زاويه
إذا حمل الجدي في نطحه ... ففاس إلى رأسه دانيه
وقابلني حين قبلته ... من الطيب ما أرخص الغاليه
وفكهني في جنى غرسه ... ولا سيما بيت ما النافيه
تردد عيني به لا سدى ... ولكنها تطلب العافيه
فمهديه أفديه من سيد ... أياديه رائقة راقيه
لعل الخليل بداني به ... ليجعلها كلمة باقيه
فيا جابراً دم معاذاً فكم ... بعثت لمحلي من ساريه
لأقلامك الرفع تبنى بها ... على الفتح أفعالها الماضيه
ولو لم يكن قد سبا نورها ... لما حمل الخادم الغاشيه
فإن أهلك الناس جهل بهم ... فأنت من الفرقة الناجيه
فكم باب نصر تبوأته ... فأذهاننا منه كالجابيه
رضي بك عن دهره ساخط ... فلا زلت في عيشة راضيه
وإني لفي خجل منك إذ ... أجبتك في الوزن والقافيه
فعفوا وصفحاً ولا تنتقد ... ويا بحر مالك والساقيه
ليهنك أنك عين الزما ... ن فليت على عينه الواقيه
رأيت في الفقه سؤالاً حسنا ... فرعاً على أصلين قد تفرعا
قابض شيء برضا مالكه ... ويضمن القيمة والمثل معا
هنيت عاماً مقبلاً مقبلا ... عليك بالسعد وعيش حلا
مولاي يا من قلبه راحم ... وهو أحق الناس أن يعدلا
؟ محبتي موجبة للثوى ... وحاجتي تقضي بأن ارحلا
حسبت في أيامكم رفعة ... وما خشيت الدهر أن أنزلا
وقلت من يرضى خمولي إذن ... فكنت أنت المحسن المجملا
فليتكم أبقيتموني كما ... قد كنت من قبلكم الأولا
أتقنت باب البيع والصرف في ال؟ ... شهبا وما دافع باب الولا
ثم متى أغفلتني بعد ذا ... شرعت في التفليس مستبدلا
ما أنس لا أنس رسولاً أتى ... بنقلتي لا أعدم المرسلا
قلت رسولي رمت جري إلى ... منبج ماذا أنت مِن أو إلى
قال آنا من قلت لا إن مِنْ ... للابتدا أنت كذا؟ قال: لا
أنا إلى قلت إلى نعمة ... واحدة الآلاء عند الملا
أين هي النعمة في قاطع ... بقربه ما حق أن يوصلا
فقال ما سميتني هات قل ... واحذر عن التعليل أن تذهلا
قلت له جئت بنفي عن ال؟ ... جنس فحق أن نسميك لا
قلت انصرف قال انصرافي على ... مذهب أهل النحو لن يجملا
فالعدل والتعريف عندي ولي ... منزلة في النحو لن تجهلا
قال أضفناك إلى منبج ... فحق أن تصرف مسترسلا
قلت بلادي ربعها عامر ... ومنبج ربعها قد خلا
قال اسمك المعدول عن عامر ... قضى عن العامر أن تعدلا

(برغمي أَن بَيتكُمْ يضام ... وَيبعد عَنْكُم القَاضِي الإِمَام)

(سراج للعلوم إضاء دهراً ... على الدُّنْيَا لغيبته ظلام)
(تعطلت المكارم والمعالي ... وَمَات الْعلم وارتفع الطغام)
(عجبت لفكرتي سمحت بنظم ... أيسعدني على شَيْخي نظام)
(وأرثيه رثاء مُسْتَقِيمًا ... ويمكنني القوافي وَالْكَلَام)
(وَلَو أنصفنه لقضيت نحبي ... فَفِي عنقِي لَهُ نعم جسام)
(حَشا أُذُنِي درا ساقطته ... عيوني يَوْم حم لَهُ الْحمام)
(لقد لؤم الْحمام فَإِن رَضِينَا ... بِمَا يجنى فَنحْن إِذا لئام)
(أَلا يَا عامنا لَا كنت عَاما ... فمثلك مَا مضى فِي الدَّهْر عَام)
أتفجعنا بكناني مصر ... وَكَانَ بِهِ لساكنها اعتصام)
(وتفتك بِابْن جملَة فِي دمشق ... وبعلوها لمصرعه القتام)
وَكَانَ ابْن المرحل حِين يبكي ... لخوف الله تبتسم الشَّام)
(وَحبر حماة تَجْعَلهُ ختاماً ... أذاب قُلُوبنَا هَذَا الختام)
(وَلما قَامَ ناعيه استطارت ... عقول النَّاس واضطرب الْأَنَام)
(وَلَو يبْقى سلونا من سواهُ ... فَإِن بِمَوْتِهِ مَاتَ الْكِرَام)
(أألهو بعدهمْ وَأقر عينا ... حَلَال اللَّهْو بعدهمْ حرَام)
(فيا قَاضِي الْقُضَاة دُعَاء صب ... برغمي أَن يغيرك الرغام)
(وَيَا شرف الْفَتَاوَى والدعاوى ... على الدُّنْيَا لغيبتك السَّلَام)
(وَيَا ابْن الْبَارِزِيّ إِذا بَرَزْنَا ... بِثَوْب الْحزن فِيك فَلَا نلام)
(سقى قبراً حللت بِهِ غمام ... من الأجفان إِن بخل الْغَمَام)
(إِلَى من ترحل الطلاب يَوْمًا ... وَهل يُرْجَى لذِي نقص تَمام)
(وَمن للمشكلات وللفتاوى ... وَفضل الْأَمْرَانِ عظم الْخِصَام)
(وَكَانَ خَليفَة فِي كل فن ... وعينا للخليفة لَا تنام)
(أَلا يَا بَابه لَا زَالَت قصدا ... لأهل الْعلم يغشاك الزحام)
(فَإِن حفيد شيخ الْعَصْر بَاقٍ ... يقل بِهِ على الدَّهْر الملام)
(أنجم الدّين مثلك من تسلى ... إِذا فدحت من النوب الْعِظَام)
(وَفِي بقياك عَن ماضٍ عزاء ... قيامك بعده نعم الْقيام)
(إِذا ولى لبيتكم إِمَام ... عديم الْمثل يخلفه إِمَام
(وَفِي خير الْأَنَام لكم عزاء ... وَلَيْسَ لساكن الدُّنْيَا دوَام)
(أَنا تلميذ بَيتكُمْ قَدِيما ... بكم فخري إِذا افتخر الْأَنَام)
(وَإِن كُنْتُم بِخَير كنت فِيهِ ... ويرضيني رضاكم وَالسَّلَام)
(لكم مني الدُّعَاء بِكُل أَرض ... وَنشر الذّكر مَا ناح الْحمام)
من هُوَ فَخر الدّين عُثْمَان فِي ... مراحم الله وإحسانه)
(مَاتَ غَرِيبا خَائفًا نازحاً ... عَن أنس أهليه وأوطانه)
(وَبَعض هذي فِيهِ مَا يرتجى ... لَهُ بِهِ رَحْمَة ديانه)
(فَقل لشانيه ترفق فَفِي ... شَأْنك مَا يُغْنِيك عَن شَأْنه)



(مَا أَسَاءَ الدَّهْر حَتَّى أحسنا ... رق فاستدرك حزنا بهنا)

(بَيْنَمَا البأساء غمت من هُنَا ... وَإِذا النعماء عَمت من هُنَا)
(فَبِحَق أَن يُسمى محزنا ... وبصدق حِين يدعى محسنا)
(فلئن أوحشنا بدر السما ... فَلَقَد آنسنا شمس السنا)
(علما أبدله من علم ... ظَاهر الْأَعْرَاب مَرْفُوع الْبَنَّا)
(فجزى الله بِخَير من نأى ... وَوُقِيَ من كل ضير من دنا)
ألؤلؤ قد طلمت النَّاس لَكِن ... بِقدر طلوعك اتّفق النُّزُول)
(كَبرت فَكنت فِي تَاج فَلَمَّا ... صغرت سحقت سنة كل لولو)


يعرف من تقبله أَرْضنَا ... من لزم الْأَوْسَط من فعله)

(لَا تقبل المسرف فِي جوره ... كلا وَلَا المسرف فِي عدله)


عجائب عامنا عظمت وجلت ... أعاماً كَانَ أم مِائَتَيْنِ عَاما)

(تصول على الْمُلُوك صيال قَاض ... قَلِيل الدّين فِي مَال الْيَتَامَى)


الصفدي

ان اللطافة لم تزل
عند الأكابر فاشيه
أرأيت عمرك في الورى
طرفاً رقيق الحاشيه

أفي كل يوم منك عتب يسوءني

كجلمود صخر حطه السيل من عل
وترمي على طول المدى متجنيا
بسهميك في اعشار قلب مقتل
فأمسي بليل طال جنح ظلامه
علي بأنواع الهموم ليبتلي
وأغدو كأن القلب من وقدة الجوى
إذا جاش فيه حميه غلي مرجل
تطير شظاياه بصدر كأنما
بأرجائه القوى انا بيش عنصل
وسالت دموعي من همومي ولوعتي
على النحر حتى بل دمعي محملي
إذا عاين الأصحاب ما بي من الجوى
يقولون لا تهلك أسى وتجمل
ترفق ولا تجزع على فائت الوفا
فما عند رسم دارس من معول
ولي فيك ود باقي كذا قد شددته
بأمراس كتان إلى صم جندل
ولي خطرات فيك منها جوانحي
صبحن سلافا من رحيق مفلفل
كأن أمانيها كؤوس مدامة
غدا ونمير الماء غير محلل
سلوت غوايات الشبيبة والصبا
وليس فؤادي عن هواها بمنسل
وأجلو محيا الود فيك لأهله
متى ما ترق العين فيك تسهل
فكر على جيش الخيانة عائدا
بمنجرد قيد الأوابد هيكل
تجد خفرات الإنس مني كواعبا
ترائبها مصقولة كالسجنجل
وخل الجفا وارجع إلى معهد الوفا
وإن كنت قد أزمعت صرمى فأجمل

سيوف اجفانه المرضى سفكن دمى

ولم يطق دفعها حيلى ولا حيلي
لولا السقام الذي فيها لما فتكت
وربما صحت الأجسام بالعلل

يا عاقلاً غافلاً عما يراد به

لا تغترر واجتنب تلبيس إبليسا
تدنى سراعَ الخطا للهو مبتكرا
ولم تخف من ركوب العار تدنيسا

زدوا مهجتي ضرا على الضر في الهوى

ولا تأسفوا يوما على مدمعي الجاري
فما أقدر الأجفان فيكم على البكا
وأصبر أحشائي على حرق النار

إذا أنشبت الدهر ظفراً ونابا

وصال على الحر منا ونابا
صبرنا ولم نشك أحداثه
لأنا نعاف التشكي ونابا

يا رب إن لم ألق منك الرضا

عمري وحاشا فضلك الغامر
فعند حفرِ القبرِ لا تنسن
يا حسنه نقدا على الحافرِ

إذا الدهر أعطاك المنى من ولايةٍ

فلا تتخذها حرفةً لمعاشِ
ولا تفتحن باب الهدايا وعدها
مطار فراشٍ لا مطارفَ راشِ

إن عيني مذ غاب شخصك عنها

يأمر السهد في كراها وينهى
بدموع كأنهنَّ العوادي
لا تسل ما جرى على الخد منها

دع الإخوان إن لم تلق منهم

صفاء واستعن واستغن بالله
أليس المرء من ماء وطين
وأي صفا لهاتيك الجبله

يقول إذ لم يقض لي حاجة

وقمت عنه وأنا مبلس
اصبر عقبى الصبر محمودة
لت فلم قد عسر المجلس

إذا ملك الإنسان ثوب قناعةٍ

ترشف كأس العز في الناس سائغه
ولم يخش من فقرٍ رمته سهامه
لأن عليه نعمة الصبر سابغه

قد أنزل الدهر حظي بالحضيض إلى

أن اغتديت بما ألقاه منه لقى
يضوع عر ف اصطباري إذ يضيعني
والعود يزداد طيباً كلما احترقا

لا واعتدال قوامك المهزوز

وصقال هذا خدك الإبريزي
وكمال سر أودعته يد البها
في خط هذا صدغك المرموز
وفتور طرفك انه يسبي الورى
أجفانه بحلاوة التلويز
ورضاب فيك فإنما هو قهوة
تحلو لقلبي ساعة التمزيز
ما كنت إذ نفثت جفونك في الحشا
لتشف عن عيني حروف حروزي

إن غاب من أحببته عن مجلسي

ليذوب قلبي الصب من حسراته
أحضرت لي ورداً وكأس مدامة
وشربت ريقته على وجناته

وشاح من أحببته قال لي

وهو الذي في قوله قد صدق
قد ضاع مني الخصر لما انثنى
أما تراني دائماً في قلق

قضت لي أن لا أشتكي الدهر همتي

ولو ساورتني أسده والاساودُ
وأن لا أنال الرزق في دار ذلةٍ
ولو أنني في هالة البدر قاعدُ

ما هذه الدنيا وإن اقبلت

عليك أو ولت بدار المقام
فحام لما سامَ فيها البقا
دار به صرف المنايا وحام

روى حسنه عن عارض فوق خده

ومبسمه معنى يروق ويبهج
بأخضر يعلو أحمرا فوق أبيض
فقلت لهم هذا الحديث المدبج

سلكت من الهوى حظا توعر

فتعثيري به أضحى مكرر
ولم أر في المحبة مثل قلبي
قتيلاً وهو للبلوى مصبر

ما أبصر الناس صبري

على عنائي وكربي
الصمت دأب لساني
وقد تكلم قلبي

إذا انثنى سلب الألباب عطفه

البادي التأود لا الخطيه السلب
ولو بدا فبدور الأفق في خجل
ترخي على وجهها من سحبها نقب
يا برق لا تبتسم من ثغره عجبا
قد فات معناك منه الظلم والشنب

لا تتعجب إن عدمت الصفا

واصبر لأمر ليس منه وزر
فلجةُ الأفق إذا ما صفت
في اليوم يرميها الدجا بالكدر

صديقك مهما جنى غطه

ولا تخف شيئاً إذا أحسنا
وكن كالظلام مع النار إذ
يوارى الأوار ويبدي السنا

لا يعرف الدهر أحياء وأمواتا

أخانهم أمل في النفس أم واتى
فنزه النفس عن مالٍ وعن أملٍ
قد أتعباها ولا تجزع لما فاتا
فما لمن تتقاضاه منيته
إلا إلى ذلك الميقات ما قاتا

بكيت على نفسي لنوح حمائم

وجدت لها عندي هدية هاد
تنوب إذا ناحت على الأيك في الدجا
مناب رشاد في منابر شاد

ايا من يلوم الصب في ترك صبره

على أغيد أزرى محياه بالبدر
حلا كل ما فيه وما ينبغي له
يقابل هاتيك الحلاوةَ بالصبر

اصبر إذا جزمت منك الخطوب علاً

وسكنت عطف عز كان مهزوزا
قد يرفع الدهر من كسر الخمول فتىً
ويقتضى نصبه في الحال تمييزا

لو يعلم الدهر مني أن مصطبري

يغتال صرف الليالي ثم يفترس
كانت جياد الرزايا كلما اطردت
تحوم حور بوعي ثم تنعكس

صبري الذي اقتسمته غربةٌ ونوى

كأنما لهما في ذاك ميراث
وكل يومٍ على ما فيه من هرم
يلقى صروف الليالي وهي أحداث

أدعوك يا موجد الأشياء من عدم

وصانع العالم العلوي والأرضي
إذا عرضت بيوم الحضر لي عملاً
فلا تقدر له طولاً على عرضي

وصاحب لما أتاه الغنى

تاه ونفس المرء طماحه
وقيل هل أبصرت منه يداً
تشكرها قلت ولا راحه

يا ساحباً ذيل الصبا في الهوى

أبليته في الغي وهو القشيب
فاغسل بدمع العين ثوب التقى
ونقه من قبل عصر المشيب

وقائلة فيم اجتهادك للغنى

وقد رقدت للحظ منك عيون
فقلت لها والله ما لي حاجة
لتحصيل دنيا والأمور تهون
فلو وجدت كفي لبرأت ساحتي
وكنت أريك الجود كيف يكون

صاح إن لم أجد في كسب مال

هات قل لي بالله كيف أجود
وإذا لم أسد خلة حر
هات قل لي بالله كيف أسود

لا تسأل الناس فإني امرؤٌ

ما طاب لي عرفٌ من العرف
واقنع ولا ت جمع حطاماً فكم
في الدهر للدينار من صرف

لزمت بيتي مثل ما قيل لي

ولم أعاند حادث الدهرِ
وليس لي درعٌ ترد الردى
استغفر الله سوى الصبر
علماً بأن البؤس رهن الرخا
وغايةُ العمر إلى اليسر
فقد يسل الشيف من غمده
ويخرج الدر من البحر
وتبرز الصهباء من دنها
ويرجع النور إلى البدر

احرص على سبق المدى في العلا

واجهد على أن ترتقى غايته
وحصل العلم كما ينبغي
ولا تدع فائدةً فائته

بالله لا تأس على فائتٍ

مضى ولا تيئس من اللطف
فقد يجئ الدهر مع قسوةٍ
فيه بيومٍ لين العطفِ

يا قلب لا تسأل السلوان عاطفةً

بالصبر ينتصر العاني وينتصف
ولا ترومن من ريم الحمى بدلاً
فسوف تنكسف البلوى وتنكشف

يقول الفكر لي دنست ثوب الش

شباب وفي غداة الشيب تتعب
وتغسله بدمعك كل وقتٍ
وما ينقى لأن الطبع أغلب

يقول الزمان ولم نستمع

لمن طلب الرزق أو أمله
أنا حرب من جد في كسبه
ومن يتقنع تعصبت له

رب يومٍ تقابل الورد فيه

بين روضٍ وبين خد تضرج
كل شيءٍ ومثله لكن الأح
سن ما كان بالعذار مسيج

ولي شبابي والآمال مقبلةٌ

فالشيب قد راع والإمهال قد راعى
وما انجلى ليل همى في مدى هممي
ببارق الشيب لما عاد لماعا

تقدم الأجل المحتومُ لي وخطا

وكيف لا ومشيب الرأس قد وخطا
بدا فأي خطا يسعى بها قدمي
إلى ارتكاب ضلال واتباع خطا

غزالٌ من الأتراك شق قباءه

فروجاً يحاكى حسنه قمر الدجا
فوا حسدا ذاك القبا إذ رأيته
على ذلك القد المليح تفرجا

هو الرزق إن وافاك سعياً فهينٌ

وإن تاته في عيصةٍ فعويص
على أن من ألقاه نال منال من
يغور على تحصيله ويغوص

تحير الدمع يوم بينٍ

في جفن أحوى أغن أحور
كأنه فيه عقد در
فقلت هذا سيفٌ مجوهر

أقول لمن قد رام مني تجلدا

وحقك في ترك التصبر لي عذر
ومن ذاق ذاك المبسم العذب أو رأى
حلاوة فيه ما يطيب له الصبر

في أهل مصرٍ معانٍ

من لطفهم تستفاد
نرد السيادة فيهم
لما رعوا الجار سادوا

تجنب ولاة الأمر لا تقربنهم

إذا كنت ما ترضى ملابس إذلال
وإن خفت لوما في سؤال امرئ فكم
ملام سؤال في ملامس وال

لا تجمع الدينار واسمح به

ولا تقل كن في حمى كنفي
ما الدهر نحوي فينحو الهدى
ويمنع الجمع من الصرف

تطلبت رزقي بالقناعة في الورى

ولم أبتذل من أجل قوتي قوتي
ومذ خفت ضيق السبل في طلب الغنى
رتعت بأمن في مروت مروتي

قسما بناضر قدك اللدن القوي

م الأهيف المتعطف الريان
وبجفني الدامي القريح الهامع ال
هامي الملث الهاطل الهتان
ما لي على ذل الجفا صبرٌ ولا
جلدٌ يطاوعني على السلوان

أقول لهم قد رق عيشي والصبا

وعقلي وكاساتي وصوت الذي غنى
فقال الذي أهوى وخصري نسيته
فقلت له والله قد جئت في المعنى

يا مالكي إياك تأتي بدعةً

في الشرع ينكرها عليك العائب
كف اللواحظ عن فؤادٍ خافقٍ
لا يقطع المسنون ما هو واجبُ

ما زلت أشكو حين وفر في الضنى

قسمي وأسلمني إلى البلوى وفر
حتى تأثر من شكاية لوعتي
لي قلبه فرأيت نقشاً في حجر

كم من خبير في الدفاتر ورخا

فقد المواسي في الشدائد والرخا
قد خان من أملته لما أتت
محن تسيخ لها الجبال وما سخا

وقف القضيب لقده لما مشى

وجرت دموع العين في تحصيله
رشأٌ كساهُ الحسن منه حله
جاءت بجملتها على تفصيله

أملت أن تتعطفوا بوصالكم

فرأيت من هجرانكم ما لا يرى
وعلمت أن بعادكم لا بد أن
يجرى له دمعي دما وكذا جرى

إن أنت أصبحت رب أمرٍ

فلا تعرهُ لباسَ باسِ
وإن تمادت بك الأماني
لا تعرها من قياس ياس

حرص العذول على أسلو وحرضا

فغضضت عنه وفي الحشا جمر الغضا
يا جيرة جاروا وقد عدلوا إلى
بعدي وما عندي لهم إلا الرضا
أنسيتم أنسي وحاشا ودكم
أو عهدكم أن ينقضي أو ينقضا
يا موقف التوديع إن مدامعي
نضبت وفاضت ان ترى ذاك الفضا

وحقك لم أسمع وعذري واضحٌ

ملام فتىً في صحةٍ وفراغ
وأين إذا ما كنت في الحكم منصفاً
مطال بلاغي من مطالب لاغٍ

أمير حسنٍ خطا والرمح في يده

فهز في قتله العشاق رمحين
أقطعته مهجتي فازور من غضبٍ
وقال زدني البكا نقداً من العين

متى تصنع المعروف ترق إلى العلا

وتلق سعوداً في ازدياد صعود
وإن تغرس الإحسان تجن الثمار من
مغار سعودٍ لا مغارس عود

دع الإخوان إن لم تلق منهم

صفاءً واستعن واستغن بالله
أليس المرء من طينٍ وماءٍ
وأي صفا لهاتيك الجبله

لم ألق في كرم الطباع كمقلتي

في حب من نظرت له متباهيه
غصب الكرى منها وقالت لا ترع
وخذ الدموع فإنها لك جاريه

أفدي حبيباً له قدرٌ على وغلا

على لكن له لطفٌ بمغرمه
أهاب تقبيله طوراً ويغلبني
وجدي فأجعل كفيه فدا فمه
وطالما عطفته رقةٌ فغدا
يبيحني لثم خديه ومبسمه
تكرماً منه قد نلت المرادَ به
فلا خلا الدهر يوماً من تكرمه

سافر تنل رتب المفاخر والعلا

كالدر سار فصار في التيجان
وكذا هلال الأفق لو ترك السرى
ما فارقته معرةُ النقصان

أتاني وقد أودى السهادُ بناظري

يمزق جنح الليل بارقُ فيهِ
فقلت له يا طيب الأصل هكذا
أخذت الكرى مني وعيني فيه

وظبي من الأتراك يبخل بالوفا

ألم تر عينيه بذاك تضيق
بخديه ورد ذو بياضٍ وحمرةٌ
حمى ما عليه للعذار طريق

إني لأعجب من دهرٍ منيتُ به

على أحشاؤه بالحقد تضطرم
مقطبٍ وجهه إلا إذا طلبت
نفسي صديق وفاءٍ ظل يبتسم

دهم ليل تسعى وشهب نهارٍ

ولها في مسارح العمر مرعى
أثرت في الفؤاد بالهم قنعا
وأثارت في الفود بالشيب نقعا

ممدح الوصف قد أضحى ندى يده

يلقى مناي بإسعاد وإسعاف
ما للأماني إذا أرسلتها وشكت
ظما المقاصيد إلا جواده الصافي
ولا لها إن عراها حر هاجرة
من المطالب إلا ظله الضافي
لما كفاني الذي أخشاه من زمني
تيسرت لي قوافي الفاء في الكافي

أيا من ينادي في الشدائد صاحبا

أتطلب ريا من سراب السرابخ
فديتك هل عند الأصم إجابة
ولو كنت ترقى في صواري الصوارخ

كم لحظةٍ كررتها في لحظه

كالبرقِ في الإيماء والإيماض
يا صارم الأجفانِ لا تنكر على
نظرٍ أكرره فإنك ماض

كم زارني والثريا يلوها قمرٌ

والليل منسدلُ الأذيال والطنب
كأسود وله كف خواتمها
در تحمل مرآةً من الذهب

قنعت بالعود إلى منزلي

وذاك دأب المرء في خيبته
كالحجر الملقى إلى صاعد
ليس له هم سوى عودته

لا تدعي من بعدها ودي فقد

فضحتك عندي محنة الأيام
والله ما أنصفت في حكم الهوى
أنا في الحمام وأنت في الحمام

قد قلت لما قيل دمعك هكذا

يجري ولم يظفر بوصل يؤثر
دمع يكون على المحاجر سعيه
بالله قل لي كيف لا يتعثر

يا لابس الغي على غرة

شبت صحيح الرأي بالريبِ
فانزعه في عصرِ الصبا طائعاً
من قبل أن ينزعَ بالشيبِ

جر النسيم على الغدير ذيوله

فغدا لسان الحال منه يقول
مثل البغي إذا خلت من اجرةٍ
طرفي يحل وأسفلي مبلولُ

إن جفن الحبيب أصبح يشكو

رمداً أثخن الحشا بالجراح
فخذوا لي الأمان إني قتيلٌ
في هواه إذ بات شاكي السلاح

أصبحت ترقى في العلا والعدى

تعثر في ذيل الردى والهلاك
وتفترى القول ومن ذا الذي
يسمع من هذيانها في علاك

وحق الهوى ما حلت عن سنن الوفا

ولم ينقلب مني إلى سلوة قلب
وما أنا غرا بالصبابة والهوى
فأنكر دمعي إن جرى وأنا صب

أقول له أما ترثي لخدي

وتسمع في دموعي ما تقولُ
وتبصر ما جرى منه عليه
لأجلك قال ذا شرحٌ يطولُ

تشفعت للبين المشت بكم عسى

يعود هزيم الوصل عودة منصور
على أن جاه الحظ أكرم شافع
ولو صح لم يحتج إلى بنت منظور
وما هو إلا الحظ يعترض المنى
ولولاه كان الدهر أطوع مأمور

ولرب ليلٍ مات من غبنٍ ولم

يظفر بصبح في الدجا متنفس
والبدر في تلو الثريا قد حكى
خوداً يحييها النديم بنرجس
والبرق يلمع في السحاب كأنه
ضوءٌ تشعشع من مدام الأكؤس
والأفق إيوانٌ تشعث بالصبا
ولذاك يخدم بالجواري الكنس
وكأنما المريخ شعلة شمعةٍ
سباني خدٌّ من فتىً كان نائماً ... فقال عذولٌ شره دون خيره
أتهوى ولم تدر العيون فقلت: دع ... ومن لم يمت بالسيف مات بغيره
أتاني كتاب فيه أن محبتي ... تلاشت كما قيل أي تلاشي
فيا قبح ما قد ضم جانب طرسه ... فضائح واش في فضاء حواشي
أهكذا جبل الإسلام ينهدم ... وهكذا سيفه المسلول ينثلم
وهكذا مجده الراسي قواعده ... تنحط منه أعاليه وتنحطم
وهكذا البدر في أعلى منازله ... وسعده قد محت أنواره الظلم
وهكذا البحر يمشي وهو ذو يبس ... من بعد ما كان في عرنينه شمم
وهكذا كل ميت حل في جدث ... بكى له الفاقدان العلم والكرم
وقد نعى العدل منه سيرة كرمت ... يحفها الزاهران الحلم والنعم
والورق تملي لنا في وصفه خطباً ... يقلها المنبران البان والسلم
ولو أراد الأعادي كتمها اعترفت ... بفضلها الشاهدان العرب والعجم
وكم لجباه الراغبين لديه من ... مجال سجود في مجالس جود
وأين إذا كان الفراق معاندي ... مطالع ناءٍ من مطال عناء
وقوله:
إذا جرح العشاق قالوا أقمت في ... مدارج راحٍ أم مدار جراح
تنوب إذا ناحت على الأيك في الدجى ... مناب رشاد في منابر شاد
وقوله:
وإن تغرس الإحسان تجن الثمار من ... مغار سعود لا مغارس عو
وأيام أنسٍ تقضت بكم ... كأحلام عان بأحلى معان
فلم تضع الأعادي قدر شاني ... ولا قالوا فلان قد رشاني
أنت الأمير وإن لم تؤت منشوراً ... والملك بعدك أن لم تؤتمن شورى


كتابك نورٌ صُنته بجفوني ... وتاجُ علاً أعددتهُ لجبيني

أتاني فلا والله ما احتجتُ بعده ... إلى أن تُقر الحادثاتُ عُيوني
ونفسَ من ضيقٍ برحبة مالك ... أكابدُه من لوعةٍ وحنين
فما الطرف إذا أبصرتهُ بمسهد ... ولا القلبُ إذ عاينته بحزين
تغازلين ألفاظهُ في سطوره ... بسحر معانٍ من لواحظ عينِ
أنظر في منثوره مُتنزهاً ... فأشهدَ سجع الورق فوق غُصونِ
غدوت أمين الدين بالفضل باديا ... وفزتَ بسبق في العلاء مُبين
بعثتَ مثالاً ما ظفرتُ بمثله ... وحسبك من حسنٍ بغير قرين
فما كل حسن مثله بمكمل ... ولا كل در مثله بثمين
بضائعه تجلو علينا محاسناً ... ولستَ على هذا أشتاتَ الفضائل دوني
أضعتُ أنا فضلي واصبحَ حافظاً ... وكيفَ يضيع الفضل عند أمين

تعزَّ يا باهر السناء ... وطيّبَ الأصل والثّناء

واصبر لتحظى بخير حظّ ... من غير حضًّ يومَ اللقاء
واثبت لفقدِ الكمال يا منْ ... كماله خافق اللواء
أكرم به من أخٍ كريم ... قد فاق في الفهم والذكاء
مكمل الذات قد تجلّى ... بالحلم والعلم والوفاء
يُمناه كم قد برت يَراعاً ... كأنّه السيف في المضاء
ووشعت طرسها ووشت ... بالزهر من أحرف الهجاء
غلطت فيما أراه حقاً ... إذ ليس والزهرُ بالسواء
لأن زهر الرياض يذوي ... وذا يُرى دائَم الرِّواء
فما له ابن الوحيد ثانٍ ... في صحّه الوضع والصفاء
إعرابه ساد في البرايا ... إذا شاد محكم البناء
طار ابن عصفورَ منه خوفاً ... لما تعرى منه الكسائي
وكان غصناً رطباً ثناه ال ... ردى إلى روضة البقاء
وراح غضاً خفيف حملٍ ... من الخطايا يوم الجزاء
وليس مثل الذي رثاه ... عنيت نفسي ذاتَ الشقاء
ستون عاماً كانت أمامي ... لم أدرِ حتى غدت ورائي
وأثقلت بالذنوب ظهري ... وأسمعتني داعي الفناء
دع ذا فخطبي به جسيم ... جلّ وعد بي إلى الرثاء
كان جميلَ الصفات فرداً ... في الجهر منه وفي الخفاء
وجملةً الأمر فيه أني ... أقولُ قولاً بلا رياء
إن فراق الكمالِ صعبٌ ... حتى على البدر في السماء


عساكَ ترقُّ يا ظبيَ الصَّريم ... على صبٍّ من البَلوى سقيم

وجدتُ هدى على نارٍ تبدّت ... بطور حشايَ من قلبي الكَليم
فإنْ أشكُ الغرامَ نفرتَ عُجباً ... فكيف تميلُ معَ مَرِّ النسيم
وخطَّ عذارك المسكيُّ لاماً ... بكهف الخدِّ يبدو كالرَّقيم
فذاك اخضرَّ لما احمرَّ هذا ... فأبصرنا نعيماً في جحيم
وأعجبُ كيف يبسُم فيك ثغرٌ ... ثَناياه منَ الدُّرِّ اليتيم
وهَبْ أنّ القضيب حكاك قدّاً ... فهل للغُصن مثلك جيدُ ريمِ
ولكن مثل ما حَكتِ الغوادي ... كريمَ الدين في الفضل العميم
فتى فاق الوَرى قَدْراً وفَضلاً ... وأين الليث من ظبي الصريم
ودبّر مُلْك مصرٍ فازدهارها ... وأسفرَها عن الوجه الوسيم
وحاطَ يراعُه شاماً ومِصراً ... فكان على صراطٍ مستقيم
تُصرِّف كفُّه رِزقَ البرايا ... بأمر الخالق الرَّبِّ الرحيم
إذا رسمتْ أناملُه سُطوراً ... تحارُ لذلك الدُّرّ النَّظيم
فأين ابنُ العميد إذا رآه ... يخطّ بنانه وابن العديم
وأين كفاءة الوزراء منهُ ... إذا ما قام في الأمر العظيم
له بأسٌ تخافُ الأُسْدُ منه ... ولُطفٌ ليسَ يُعهَدُ من حليم
أيا مَن سادَ أهلَ الأرض طُرّاً ... وأحيا ميّتَ الجود الرَّميم
لقد وحشْتَ مصر وساكنيها ... فما تفترُّ عن ثغرٍ بسيم
ستدخلها وأنتَ قرير عينٍ ... فتلفيها على العهْد القديم
أتيتُكَ إذْ سَبَرتُ الناسَ طُرّاً ... فلمْ أرَ غيرَ ذي نظرٍ سَقيمِ
وليس لما أروم سواك كُفوٌ ... لأنّ الدهر قد أضحى غريمي
وقلتُ لمقصدي أبشِر بنُحجٍ ... إذا كان القُدومُ على كريم
وحَسبي المَدح فيكَ عُلوَّ شانٍ ... وفخراً بين غادٍ أو مُقيمِ
فلا بَرِحَتْ بك الأيام تُزهى ... ونحن ببرد ظلِّك في نعيم
توالى النصر الذي قد تغالى ... في مليكٍ أرضى الإله تعالى
وحمى الملك والممالك والدي ... ن وقاد الجيوش والأبطالا
الأمير المهيب أرغون ذو البا ... س الذي عزمه يدك الجبالا
سار منجلق إلى لدّ لما ... أن بغى بيبغا ورام القتالا
لم يسر خيفةً وكيف يخاف الل ... يثُ يوماً إذا تراءى الغزالا
خاف سفكَ الدماء في رجب الفر ... د، وسفكُ الدماء كان ضلالاً
وتأتي في لدّ يرجو لقاهم ... بثبات لا يعرف الترحال
فهو فيها ليثٌ بغاب سلاحٍ ... كان بيضاً بُترا ومسرا طوالاً
وهم عاجزون لم يتنحوا ... عن مكانه فيه أقاموا كُسالى
فتخلى الشيطان عن كل غاوٍ ... وانثنى خائباً وولى القذالا
من يخون الإيمان كيف يلقى ... بدرهُ في دجى النفاق كمالاً
نكث العهد مائلاً لفجور ... هو عندي لو استحى ما استحالا
أضعفَ الرعبُ قلبهم فتولوا ... خوراً ثم زلزلوا زلزلا
ثم باتوا ما أصبحوا مثل ظلٍ ... نسختهُ أيدي الضياء فزالا
قطعوا البيد لا يُديرون وجهاً ... ليردّوا الغضنفر الرئبالا
تركوا المال مائلاً لسواهم ... وأضاعوا الحريم والأموالا
أمطرتهم قسيهُ وبل نبل ... ملأت سائر الوهاد وبالا
ما استقروا في منزل قطّ إلا ... وبهم قد نبا وضاق مجالا
شبعوا غربة وفقراً وذلا ... وهواناً وروعة وسؤالا
وأتوا خاضعين ذلاً وعجزاً ... يحملون القيود والأغلالا
بوجوه قد سودتها المعاصي ... نحو وجهٍ من نوره يتلالا
ثم حُزت رؤوسهم بسيوف ... ليس يدري المضاءُ منها كلالا
فاشتفي المسلمون منهم وقرت ... أعينٌ ما رأت زماناً خيالا
إن رباً أعطاك نصراً عزيزاً ... وكسا وجهكَ الجميل جمالاً
هو يُوليك ما تحاول منه ... في المعالي وتبلغ الآمالا
أوحشت منك جلق فهي تشكو ... فيك شوقاً تراه داء عُضالا
أنت باهيت حسنها بمحيّا ... جعل البدرَ من حياء هلالا
ثم كاثرت شهبها بالأيادي ... فلما جُودك الأكف نوالا
وكستها أخلاقُك الغر لطفاً ... منه مادَ القضيب لطفاً ومالا
وهي ذاقت من حكمك الفصل عدلاً ... صار في قامة الرماح اعتدالا
فلك الله حافظ حيثما كن ... ت لتُفني من العدا الآجالا



كمال الدين محمد إعزيه فيه:

مضى من كان للدنيا جمالاً ... فعزوا في مصيبته الكمالا
كمال الدين لا تجزع وسلم ... لأمر شاءهُ الباري تعالى
أبوكَ مضى ولم نعرف نظيراً ... لهُ فيما حواهُ ولا مثالا
تعالى في مناصبه ولكن ... تواضع عند ذاك وما تعالى
وكان له إلى الفقراء ميلٌ ... أنا لهم به جاهاً ومالاً
فما عرفوا سؤالاً منه إذ لم ... يكن من غيره لهمُ سوى لا
فما يوماً نوى لا في نداهم ... وبرهم وأولاهم نوالا
وما مالاً على أحد رآه ... عليه الدهرُ قد أخنى ومالا
وكم والى أخا ضعف وفقر ... وأولاه المبرة ثم والى
بود ما تغير قط يوماً ... على من يصطفيه ولا استحالا
ولطفٍ كالنسيم أتى رياضاً ... فهب على أزاهرها شمالاً
وعمر مدة يروي حديث ال ... رسول وكأن ذاك له اشتغالا
وكم من سيرة للمصطفى قد ... تأنق في كتابتها وطالا
أبرزها كخودٍ في حلي ... تهاوت في تثنيها دلالا
وما بالي بصربٍ أو بعزل ... ولم يشغل له في ذاك بالاً
توكل في الأمورِ على إله ... يدبر شأنه حالاً فحالا
تولى السر في حلبٍ زماناً ... فما احتاجت جلاداً أو جدالاً
وأغني الجيش عن حركات غزو ... لما ركبوا السهولة والجبالا
ووفرهم فما هزوا رماحاً ... ورفعهم فما سلوا نصالا
وكم قد ساس في سيس أموراً ... رأى تكفورها فيها الخبالا
فينظر يقظة خيلاً ورجلاً ... وتغروه مهابتهم خيالاً
برأي كالحسام الغضب ماض ... أفادته تجاربه صقالاً
وخط لو رآه الزهر غضاً ... لجود تحت أحرفه مثالا
ونثر تكرعُ الأسماع فيه ... على ظمأ فترشفه زلالا
وكم نظم ترقرق في انسجام ... فلولا الطرس يمسكه لسالا
فل نر مثل هاتيك السجايا ... ولا أزهى ولا أزكى خلالا
أفاض الله من كرم عليه ... مدى الأيام رحمه سجالاً

ملتُ بعدَ البرهان للتقليد ... في انسكاب الدموع فوق الخدود

ما أنا واثقاً بتسفاح دمعي ... خان صبري الأمينُ بعد الرشيد
كيف لا تسفح الدموعُ على من ... كان للطالبين خير مفيد
قال لما احتواه طاعونُ مصر ... كم قتيل كما قتلتُ شهيدِ
فهو في قبره مع الحُور يلهو ... ببياض الطلى وورد الخدود
ما تملت جفونهُ ببدور ... قبلها في براقع وعقود
يا عذولي على تعذر صبري ... في مُصاب عدمتُه في الوجود
كان إن قام في الأنام خطيباً ... علم الناس كيف نثر الفريد
ثم أجرى الدموع خوفاً ولو ... أن قلوب العُصاةِ من جلمود
بكلام مثل السهام مصيبا ... تٍ تشقّ القلوبَ قبل الجلود
حزنَ مستعمل الكلام اختياراً ... وتجنبن ظلمة التعقيد
ما على زهده وفضل تقاه ... علومس قد حازها من مزيد
أيها الذاهبُ الذي نحن فيه ... في لظى وهو في جنان الخلود
لا ترع في المعاد حيث وجوه ... الناس فيه ما بين بيض وسود
لك في موقف القيامة وجهّ ... يخجل البدر في ليالي السعود
وثناءً كأنما ضُربَ العن ... بر فيه بماء وردٍ وعود
قنتعت أنفسُ البرية إذ غبت بع ... يش مُعجل التنكيد
فسقى الله تربة أنت فيها ... كل يوم مضي سحائب جُود
أرأيتم مَنْ دَرَأ النُّوَبَا ... وأتى قُرَباً ونفى رِيَبا
فبدا عَلَماً وسَما كَرَماً ... ونَما قدَماً ولقد غَلَبا
بتُقى وهُدى ونَدى وَجَدا ... فغدا وشَدا وجَبى وحَبا
أبدى سَنَناً أحيا سُنناً ... حلّى زمناً عند الأُرَبَا
هذاك سُيرغتْمشْ سَكَبت ... أيامُ أماراته السُّحُبا
وأزال الجَدْبَ إلى خَصْبٍ ... والضَّنْكَ إلى رَغَدٍ قَلَبا
بإعانةِ جبّارٍ بَرٍّ ... ذي العرش وقد بذل النَّشَبا
ملك فَطنٌ ركن لسنٌ ... حَسَن بَسَنٌ ربّى الأدبا
ملكُ الكبرا ملكُ الأمرا ... ملكُ العُلما ملكُ الأُدبا
بحرٌ طامٍ طَوْدٌ سامٍ ... غَيثٌ هامٍ حامي الغُرَبا
بسياسته وحَماستِهِ ... وسَماحته جَلّى الكُرَبَا
وصيانته وديانته ... وأمانته حاز الرُّتبا
أبهى أصلاً أسنى نَسْلاً ... أحظى خَصْلاً بذّ العربا
نِعمَ المأوى مصرٌ لمّا ... شَملت قَوْماً قيلاً نُجُبا
فنَمت نَوْراً وسَمت نُوراً ... وعَلَت دوراً وأرت طَرَبا
نسقَت دوراً زسقت درراً ... ووعَت غُرَراً وحَوت أرَبا
وخْطَاء به افتخرت ونَمَت ... وسَمَت وزَرَت وحوت أدبا
خّذْ دُرّ ثنا ثم اجْنِ جنى ... منها ومُنىً فتعي طلبا
من كان عَنَى نَسبي علناً ... فارابُ لنا نِعْمتَ نَسَبا
كنوُّنِ أباً لحنيفة ثُمْ ... مَ قوام الدين بَدا لَقَبا
عِش في رجبٍ تَرَ مِنْ عجبٍ ... من منتجب عجب



العماد الكاتب


البحر : خفيف تام

إن ودي هو الدواء وشربي ** من ولاء يجري بماء الصفاء )
( بركات الإشفاق منك أعادتني ** بعد الإشفاء حلف الشفاء )
( وجدير بمن يواليك أن يصبح ** بين الورى من السعداء )
( أنت فألي في اليسر والشكر والصحة ** والوجد والغنى والثراء )
( ورجائي ما زال يعبق طيبا ** أرج النجح منه في الأرجاء )
( فتقبل واقبل مديحي وعذري ** قبل الله في علاك دعائي
البحر : طويل
أيا يوسف الإحسان والحسن خير من ** حوى الفضل والإفضال والنهى والأمرا
ومن للهدى وجه النجاح برأيه ** تجلى وثغر النصر من عزمه افترا
حمى حوزة الدين الحنيف بحوزه ** من الخالق الحسنى ومن خلقه الشكرا
أبوه أبى إلا العلاء وعمه ** بمعروفه عم الورى البدو والحضرا
وطال الملوك شيركوه بطوله ** وما شاركوه في العلى فحوى الفخرا
بنو الأصفر الإفرنج لاقوا ببيضه ** وسمر عواليه مناياهم حمرا
وما ابيض يوم النصر واخضر روضه ** من الخصب حتى اسود بالنقع واغبرا
رأى النصر في تقوى الإله وكل من ** تقوى بتقوى الله لا يعدم النصرا
ولما رأى الدنيا بعين ملالة ** أغذ من الأولى مسيرا إلى الأخرى
وقام صلاح الدين بالملك كافلا ** وكيف ترى شمس الضحى تخلف البدرا
الوافر
وزائرة وليس بها حياء ** وليس تزور إلا في النهار
ولو رهبت لدى الإقدام جوري ** لما رغبت جهارا في جواري
أتت والقلب في وهج اشتياق ** لتظهر ما أواري من أواري
ولو عرفت لظى سطوات عزمي ** لكانت من سطاي على حذار
تقيم فحين تبصر من أناتي ** ثبات الطود تسرع في الفرار
تفارقني على غير اغتسال ** فلم أحلل لزورتها إزاري
أيا شمس الملوك بقيت شمسا ** تنير على الممالك والديار
يجد إلى العلى أبدا بدارا ** فلا عبر الأذى منه بد
لئن حمي المزاج فغير بدع ** فنار ذكاك تقذف بالشرار
أحماك استعارت لفح نار ** لعزمك لم تزل ذات استعار
البحر : متقارب
أيا من له همة في العلى ** لذروتها أبدا فارعه
ومن كفه ديمة ما تزال ** بالعرف هامية هامعه
وللفضل في سوق أفضاله ** بضائع نافقة نافعه
وهل كابن عصرون في عصرنا ** إمام أدلته قاطعه
فخير فوائده جمة ** وبحر موارده واسعه
أيا شرف الدين شرفتني ** بإهداء رائقة رائعه
أطعت أوامرك الساميات ** وما برحت همتي طائعه
أرى كل جارحة لي تودد ** لو أنها أذن سامعه
وأما الشتاء وكافاته ** وكفك عن كفه الرابعه
فنفسي تطيق إذا لم تكن ** بميسور سيدنا قانعه

أين الفؤاد أَراحِلٌ في إثرهم ... أم سائلٌ ما بين دمع سائل

وأغنَّ أغنى طَرْفُه في سِحرِه ... ورُضابُه في سكره عن بابل
مَن وجهُهُ حَسنٌ وليس بمحسنٍ ... والقدُّ مُعتدِلٌ وليس بعادل
متلوِّنٌ كمدامِعي متعفِّفٌ ... كضمائري متعذِّرٌ كوسائلي
أوَما رأيتَ البحر يغرَقُ دره ... ويخلّص الأزباد نحو الساحلِ

ساحر طرفهُ وساجٍ وإنّي ... لتمنّيه ساهِرُ الطّرف ساجم

قرّبَ الطيفُ وصلَهُ وهو ناءٍ ... وأتاني مستيقظاً وهو نائم
ومن الأكرمين كلُّ نديمٍ ... لستُ من قربه مدى الدهر نادم
ما فقدنا السرور إلاّ هِدانا ... كلُّ هادٍ لما بنى الهمُّ هادِم
يوم النوى ليس من عمري بمحسوب ... ولا الفراق إلى عيشي بمنسوب
لم أنس أنسى بكم والشمل مجتمع ... وعيشتي ذات تطريز وتذهيب
أرجو إيابي إليكم ظافراً عجلاً ... فقد ظفرت بنجم الدين أيوب
غداً يشبان في الكفار نار وغى ... بلفحها يصبح الشبان كالشيب
ويستقر بمصر يوسف وبه ... تقر بعد التنائي عين يعقوب
ويلتقي يوسف فيها باخوته ... والله يجمعهم من غير تثريب
فأرجوا الإله فعن قرب بنصرته ... سيكشف الله بلوى كل مكروب
بلغت بالجد مالا يبلغ البشر ... ونلت ما عجزت عن نيله القدر
إسكندر ذكروا أخبار حكمته ... ونحن فيك رأينا كل ما ذكروا
ورستم خبرونا عن شجاعته ... وصار فيك عياناً ذلك الخبر
يستعظمون الذي أدركته عجباً ... وذاك في جنب ما ترجوه محتقر
نار قلبي لضيف طيفك تبدو ... كل ليل فيهتدي ويزور
كيف يصحو من سكره مستهام ... مزجت كأسه الحسان الحور
أورثته سقاماً الحدق النجل ... وأهدت له النحول الخصور
ولكم عودة إلى مصر بالنصر ... على ذكرها تمر العصور
فاستردوا حق المامة ممن ... خان فيها فانه مستعير
هل عايد زمن الوصال المنقضي ... أم عايد لي في الصبابة ممرضى
لا اشتكى إلا الغرام فإنه بلوى ... على من السماء بها قضى
(1173) لهفى على زمن الشباب فإنني ... بسوى التأسف عنه لم أتعرض
يا حسن أيام الصبى وكأنها ... أيام مولانا الأمام المستضي
قسم السعادة والشقاوة ربنا ... في الخلق بين محبه والمبغض
أصفى ظلام العدل بعد تقلص ... وبنى أساس العدل بعد تقوض
جامع الشمل بعد طول الفراق ... للمحبين كافل بالتلاقي
ولعل الأيام تسمح بالوصل ... وتقضى لبانه المشتاق
يا إخلائي الكرام المضاهين ... بطيب العروق طيب العراق
يا صبورا على الصبابة بعدى ... لك طول البقاء ما أنا باق
فأجرني من النوى بالتلاقي ... وأرث لي لا لقيت ما أنا لاق

وعلى غناء المشرفية في الطلا ... والمهام رقص عوالي المرأن

وكأن بين النقع لمع حديدها نار ... تألق من خلال دخان
غطى العجاج به نجزم سمائه ... لتنوب عنها أنجم الخرصان
ولوا وقلب شجاعهم في صدره ... كالسيف يرعد في يمين جبان
يمتاح من قلب القلوب دماها ... بالسمر منح الماء بالأشطان
فمن العراق إلى الشام إلى ذرى ... مصر إلى قوص إلى أسوان
لم تله عما في البلاد وإنما الهاك ... فرض الغزو عن همذان
أذعنت لله المهيمن أذعنت ... لك أوجه الأملاك بالإذعان
سير لو أن الوحي تنزل أنزلت ... في شأنها سور في القرآن

وكتيبة مثل الرياض كأنما ... راياتها منشورة أزهار

وكأنما خض البيارق للقنا ... ورق وهامات العداة ثمار
وكمايم الأغمار عن زهر الظبا ... فتقت فكل صقيلة نوار
وعلى شعاع الشمس لمع حديدها ... يبدو كما يعلوا الجبين نضار
عبيتها بعزيمة مشفوعة بالنصر ... منك تعينها الأقدار
أهلا بجلق والعراق مراقبوا ... حالي وطرف رجائهم نظار
وقطعت أبواب الملوك إليكم ... ليكون منك إلى النجاح بدار
بادرت نحوك بالرجاء مؤملا ... والصفو تهجر دونه الأكدار
إذا رضيتم بمكروهي فذاك رضا ... لا أبتغى غير ما تبغون لي غرضا
وإن رأيتم شفاء القلب في مرضي ... فإنني مستطيب ذلك المرضا
أنتم أشرتم بتعذيبي فصرت له ... مستعذبا أستلذ الهم والمضضا
إن رممتم عوضا في محبتكم فحاشى ... لله أن أبغي بكم عوضا
الله عيش يقضي عندكم ومضى ... وكان مثل سحاب برقه ومضا
قد أظلم الأفق في عيني بغيبتكم ... فإن أذنتم لشخص في الحضور أضا
ما كنت أعهد منكم ذا الجفاء ولا ... حسبت أن ودادي عندكم رفضا
أرسلت سهم عتاب قد جعلت له ... قلبي وإن لم تكن عينته غرضا
لا تنسبوني إلى إيثار بعدكم ... فلست أرضى إذا فارقتكم عوضا
وزايرة وليس بها حياء ... فليس تزور إلا في النهار
ولو عرفت لظي سطوات عزمي ... لكانت من سطاي على حذار
أحماك استعارت لفح نار ... لعزمك لم تزل ذات استعار
وما أحمى مزاجك غير لطف ... ليوقد ناره عند الغوار
ولفح العارض السارى دليل ... من الغيث الملث على انهمار
وما إن حم ليث الغاب إلا ... لخلقك سالب لب العقار
ورثت من سلفي رقى لطاعته ... وذلك الرق للأسلاف أحساب
ما كان لولا الرضا والسخط منه ... لنا خصب ومحل وأحداء وأحداب
قد قلت لولا التقى ما غير صارمه ... للعمر والرزق مناع ووهاب
معمد بعمود الصبح بينهم ... له من الشهب أوقاد وأطناب
أبشر بفتح أمير المؤمنين أنني ... وصيته في جميع الأرض جواب
ما كان يخطر في بال تصوره ... واستصعب الفتح لما أغلق الباب
وحام عنه الملوك الأقدمون وقد ... مضت على الناس أحقاب وأحقاب
نصر أعاد صلاح الدين رونقه ... إيجازه مبلغ في القول إسهاب
نفى من القدس صلبانا كما نفيت ... من بيت مكة أزلام وأنصاب
سائل الركب عَنْكُم ... وَأَنْتُم فِي فُؤَادِي
وقف عَلَيْكُم طريقي ... فِي حبكم وتلادي
تصبري فِي انتقاص ... ولوعتي فِي ازدياد
قَالُوا مرادك مَاذَا ... فَقلت انتم مرادى
مَا بالكم لم تلبوا ... وَقد سَمِعْتُمْ أنادي
وَكم لكم من أياد ... لم أُنْسُهَا وأياد
يَا مالكي الرّقّ رقوا ... فقد ملكتم قيادى
صددتم الْورْد عني ... علما بِأَنِّي صَاد
سِرْتُمْ بقلبي وسرى ... وراحتي ورقادى
مَا هَكَذَا لَو عَرَفْتُمْ ... يكون شَرط الوداد .
يَا سَاكِني مصر لَا وَالله مالكم
شوقي الَّذِي لذعت قلبِي لواعجه
أَصبَحت أطلب طرق الصَّبْر أسلكها
هَيْهَات قد خفيت عني مناهجه
إِنِّي لمن كرب يَوْم الْبَين فِي شغل
لَعَلَّ رَبِّي بِيَوْم الْوَصْل فارجه
فِي الْقلب نَار هموم زَاد مضرمها
وَالْعين بَحر دموع فاض مائجه
مَا قلت أَن فُؤَادِي قر ساكنه
إِلَّا وبالذكر مِنْكُم ثار هائجه
مَتى ترى يتسنى لي لقاؤكم
وتزهدني كَمَا أَهْوى مباهجه
الْقلب عنْدكُمْ قد ظلّ مقتضيا
دين الْوِصَال أما تقضي حَوَائِجه

معروف الرصافي

ميت الأحياء وحي الأموات
تيقظ فما أنت بالخالد ... ولا صرف دهرك بالراقد
فخلد بسعيك مجداً يدوم ... دوام النجوم بلا جاحد
وابق لك الذكر بالصالحات ... وخل النزوع إلى الفاسد
ورد ما يناديك عنه الصدور ... إلا در درك من وارد
وسر بين قومك في سيرة ... تميت الحقود من الحاقد
فإن فتى الدهر من يدعي ... فتأتي أعاديه بالشاهد
ولا تك مرمى بداء السكون ... فتصبح كالحجر الجامد
وكن رجلاً في العلى حولاً ... تفنن في سيرة الراشد
إذا اطردت حركات الحياة ... وجاءت علي نسق واحد
ولم تتنوع أفانينها ... ودامت بوجه لها بارد
ولم تتجدد لها شملة ... من السعي للشرف الخالد
فما هي إلا حياة السوام ... تجول من العيش في ناقد
وما يرتجى من حياة امرء ... كماءٍ على سبخة راكد
وليس له في غضون الحياة ... سوى النفس النازل الصاعد
يغض على الجهل أجفانه ... ويرضى من العيش بالكاسد
كأكل الطعام ولبس الثياب ... وامرار وقت بلا عائد
فذاك هو الميت في قومه ... وإن كان في المجلس الحاشد
وما المرء إلا فتى يفتدى ... إلى العلم في شرك صائد
سعى للمعارف فاحتازها ... وصاد الأنيس مع الآبد
وطالع أوجه أقمارها ... بعين بصير لها ناقد
فأبدى الحقائق من طيها ... وألقى القيود على الشارد
إذا هو أصبح نادى البدار ... وشمر للسعي عن ساعد
فكان المجلي في شأوه ... بعزم يشق على الحاسد
وإن بات بات على يقظة ... بطرف لنجم العلى راصد
وأحدث مجداً طريفاً له ... واضرب عن مجده التالد
وما الحمق إلا هو الاتكال ... على شرف جاء من والد
فذاك هو الحي حي الفخار ... وإن لحدته يد اللاحد
الرصافي
بناء محيط بالتعاسة والشقا ... لظلم بريء او عقوبة معتدي
زر السجن في بغداد زورة راحم ... لتشهد للانكاد افجع مشهد
محل به تهفو القلوب من الاسى ... فإن زرته فاربط على القلب باليد
مرّبع سور قد أحاط بمثله ... محيط بأعلى منه شيد بقرمد
وقد وصلوا ما بين ثان وثالث ... بمعقود سقف بالصخور مشيد
وفي ثالث الاسوار تشجيك ساحة ... تمور بتيار من الخسف مزبد
ومن وسط السور الشمالي تنتهي ... إليها بمسدود الرتاجين موصد
هي الساحة النكراء فيها تلاعبت ... مخازيق ضيم تخلط الجد بالدد
ثلاثون متراً في جدار يحيطها ... بسمك زهاء العشر في الجو مصعد
توأصلت الاحزأن في جنباتها ... بحيث متى يبل الاسى يتجدد
تصعد من جوف المراحيض فوقها ... بخار إذا تمرر به الريح تفسد
هناك يود المرء لو قاء نفسه ... وأطلقها من اسر عيش منكد
فقف وسطها وانظرحواليك دائراً ... إلى حجر قامت على كل مقعد
مقابر بالاحياء غصت لحودها ... بخمس مئتين انف ساو بازيد
وقد عميت منها النوافذ والكوى ... فلم تكتحل من ضوء شمس بمرود
تظن إذا صدر النهار دخلتها ... كانك في قطع من الليل اسود
فلو كان للعباد فيها أقامة ... لصلوا بها ظهراً صلاة التهجد
يزور هبوب الريح الا فناءها ... فلم تحظ من وصل النسيم بموعد
تضيق بها الانفاس حتى كانما ... على كل حيزوم صفائح جلمد
وحتى كان القوم شدت رقابهم ... بحبل اختناق محكم القتل محصد
بها كل مخطوط الخشام مذلل ... متى قيد مجروراً إلى الضيم ينقد
يبيت بها والهم ملءاهابه ... بليلة متبول الحشا غير مقصد
يمييت بمكذوب العزاء نهاره ... ويحيى الليالي غير نوم مشرد
ينوء باعباء الهوان مقيداً ... ويكفيه أن لو كان غير مقيد
وتقذفهم تلك القبور بضغطها ... عليهم لحر الساحة المتوقد
فيرفع بعض من حصير ظلالة ... ويجلس فيها جلسة المتعبد
وليست تقيه الحر الا تعلة ... لنفس خلت من صبرها المتبدد
وبالثوب بعض يستظل وبعضهم ... بنسج لعاب الشمس في القيظ يرتدي
فمن كان منهم بالحصير مظللا ... يعدونه رب الطراف الممدد
ترأهم نهار الصيف سفعا كانهم ... اثافي أصلاها الطهاة بموقد
وجوه عليها للشحوب ملامح ... (تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد)
وقد عمهم قيد التعاسة موثقاً ... فلم يتميز مطلق عن مقيد
فسيدهم في عيشه مثل خادم ... وخادمهم في ذلة مثل سيد
يخوضون في مستنقع من روائج ... خبائث مهما يزدد الحر تزدد
تدور رؤوس القوم من شم نتنها ... فمن يك منهم عادم الشم يحسد
ترأهم سكأرى في العذاب ومأهم ... سكأرى ولكن من عذاب مشدد
وتحسبهم دوداً يعيش بحمأة ... وما هو من دود بها متولد
الا رب حر شاهد الحكم جائزاً ... يقود بنا قود الذلول المعبد
فقال ولم يجهز ونحن بمنتدى ... به غير مأمون الوشابة ينتدي
على أي حكم املاية حكمة ... ببغداد ضاع الحق من غير منشد


الساعة

وخرساَء لم ينطق بحرفٍ لسانها ... سوى صوت عرق نابض بحشاها
حكت لهجة التمتام لفظاً ولم تكن ... لتُفصح إلاَّ بالزمان لُغاها
لها ضربانٌ في الحشا قد حكت به ... فؤاداً تغشاه الهوى وحكاها
جزت حركات الدهر في ضربانها ... وبانت مواقيت الورى بعماها
على وجهها خُطت علائم تهتدي ... بها الناس في أوقاتها لمناها
مشت بين آنات الزمان تقيسه ... وما هو إلاَّ مشيها وخُطاها
بها يتقاضى الناس ما يوعدونه ... ويرشد ضُلاّل الزمان هداها
غدت كأَخي الإيمان تأكل في عاً ... وما أكلها إلاَّ التواءٌ مِعاها
تدور عليها عقرب دور حائر ... بتيهاَء غُمت في الظلام صُواها
تريك مكان الشمس في دورانها ... إذا حجبت عنك الغيوم ضياها
فأعجب بها مصحوبةً جاء صنعها ... نتيجة أفكار الورى وحجاها
بَنتها النهى في الغابرين بسيطةً ... فتمَّ على مرّ الزمان بناها
تنادي بني اليام في نقراتها ... أن اسعوا بجدّ بالغين مداها
ولا تهملوا الأوقات فهي بواترٌ ... تقطع أوصال الحياة شباها


عمر ابو ريشة

خطُ أخـتي لم أكن أجهـله =إن أخـتي دائماً تــكـــتب لي
حـدثتني أمس عن أهلي وعن =مضض الشوق وبُعد المـنزل
ما عـساها اليوم لي قــائلة؟= أيُّ شيءٍ يا تـرى لم تـــقـلِ
وفضضـت الطرس ..لم أعـثر على= غـير سطرٍ واحدٍ ..مختزلِ
وتهجيت بجهدٍ بعـضــه= إن أختي كتبت في عـجل
فـــيه شيءٌ...عـن عليٍ مـبهــمٌ= ربـما بعـد قليل ينجلي
وتــوقفتُ ..ولـم أتممْ..وبـي =رعــــشاتُ الخائف المـبتهل
وتــرآءى لي عـليٌّ كاسياً =مــــن خـيوط الفجر أسنى حُلَلِ
مـرِحَ اللفـتةِ مزهو الخطى= سلس اللهــــجة حلو الخجل
تسأل البسمةُ في مرشفه =عـن مواعيد انسكاب القُبَلِ
طـلعةٌ استقـــبل الدنــيا بها= نــاعم البال بعـيد المأمل
كم أتى يشــرح لي أحلامه= وأمـانيه على المسـتقـبل
قـال لي في كـبرياء إنـــه= يعــرف الدرب لعـيش أفـضل
إنه يكره أغلالي التي= أوهـنت عزمي وأدمت أرجلي
سوف يعطي في غـدٍ قريته =خبرة العـلم وجهـد العمل
وسـيبني بيـته في غايةٍ =تـترامى فـوق سـفح الجبل
وسأعتز به في غـده =وأراه مثلاً للرجل
عدت للطرس الذي ليس به= غير سطرٍ .. واحدٍ .. مختزلِ
و تجالدت .. لعلي واجد= فيه ما يبعد عـني وجـلي
وإذا أقفل معناه على= وهمي الضارع ..كل الســبل
غرقت عيناي في أحرفه= وتهاوى مِزقاً عن أنمــلي
قـلبُ أختي ..لم أكن أجهله= إن أخـتي دائماً تحـسن لي
ما لها تنحرني نحـراً على= قولـها ..مات ابنها.. مات علي

النتشة

إنّي وإيــــــــــاك في كل دربٍ == وفي كل خطبٍ وفي كل شـــأْنِ
فآهـــــــــات قلبك لحن جروحي == وفي عشق روحك..روحي تغنّي
وإن ضاق صدرك ثارت شجوني == وإن ســـــال دمعك أسهدتُ عيني
*****
أخِي يا ابن جرحي وأرضي وديني == إلام أجـافيــــك أو تجْفُ عني!
أيــــا صحبة البؤس دهرا .. وعمرا == قضينــــاه بين الأسى والتمنّي!
ألست ترى البغْي يهوى دِمـــــانا == ويُطبق من حولنــا الأخشبين؟(2)
إلام تحـــــــــــاصر أشواقَ قلبي == وتملأ دربي بوحـــل التجنّي؟!
وتهوى الحيـــــــــــــاة نعيمـا بذلٍ == لأهوي إلى حيث يرجون مني؟!
وتنكـــــــــأ جرحا وتسقيه جمـــــرا == وحولي الثعالـــب من كل لونِ!
*****
أخَيّ فأَمسكْ لسانــــــــــــك عنيّ == وطهّرْ جَنانك من سوء ظنِّ (3)
فإما بسطـــــــــــتَ يديك لسوءٍ == فإنــي فديتك بالروح .. إنّي
وإما رفعت سلاحك عَــــــــــدْوا == فمـــا كنت أقْـلبُ ظَهر المِجنِّ
فإني انتسبت وإني اعتصمــتُ == بحبلٍ متين وعهــــدٍ وديْنِ
فمني الوفاء لأهلٍ فــديتُ == وفي الله أمضي .. فحسبي وعوني
*****
أيا عدّتي في الزمان العصيبِ == ويا سلوتي في غياهب سجني
ويا صحبتي في ليالي النحيب == وبرْد الخيام ..وخوفي وأمني
أمدُ يديَّ .. فأصــغِ إلــيَّ == ولا تلقِ بـــــــالاً لعادٍ يُمَنّي
أمدّ يديّ .. فأقبـــــل إليّ == وعدْ للمسيـــــرة من غير مَنِّ
أمدّ يديّ لنمضي ســويـــــا == كأنّيَ أنتَ .. وأنتَ كأنّـــــــي
لنحيي عهودا..ونغدو جنودا == لأرض الجدود.. فهل تسمَعَنّي؟


من أي دمعٍ .. أي جرحٍ .. أي آهْ = من أيِّ نجمٍ قد تبعثر في علاهْ

من أي بحرٍ قد تسجّر قَـطره = من أي بركان تلعثمت الشـفاهْ؟
من أي طوفانٍ تناثر خـافقي = لا.. لا تسل عن محنتي فالقلب تاه
***
غاب العماد .. فأي موجٍ هزني = بل أي إعصارٍ يجلجل في مداه
غاب الرفيق .. فأي ركنٍ ألتجي = بل أي شِعب أبتغي فيه النجاة؟
من أي ثغر مشرقٍ متبسمِ = من أي روح أستقي شهد الحياة؟
في حلكة .. ضاق الأبي بليلها = والناس تهجع في مواخير الشياه؟
والجرح ينزف ما له من بلسم = والآه تنثر خلفها مليون آهْ
صدع الأبي بملء فيه مزمجراً = الله أكبر فوق أغلال الطغاةْ
واستل سيفاً للروابي ليثُها = من روح أحمد قد سرتْ فيه الحياةْ
ومضى لأمر الله فيه مجاهداً = يبغي الشهادة أو مقامات الكماهْ
***
وبليلة فيها النجوم تكدرت = والليل أرخى صمته والبدر تاهْ
والكون للظلمات أغضى جفنه = والكوكب الدريّ لم ينضب ضياهْ
بكت السماء وماجت الدنيا أسى = في أضلعي .. فالليل مزقه البغاة!
والكوكب الدري .. بُدّد نوره = بسحابة .. والليث ألجِم في شراهْ
فطوته أسوار الظلام بجبّها = والقيد .. كبل ساعديه وعضّ فاه
وغدا العمادُ لدى الذئاب فريسة = تلهو .. تمزق لا تبالي في صباه

مـنْ لقلبـي كلما القلب شكا = غصّــة الدهر وحـــرّ الأنـفــس ِ

كلما هفهـف نســْـم فبكــــى = عبهـري َ النســْم في الأنــدلــس ِ
وإذا رفرف طيــر وحكــى = قصـة النســر وزهـْو النـورس
باتت الروح تناجي الفلكــا = وتنادي في الجوار الكنّــس
وتنادي والمدى قد حلكـــا = حاضرات ما بها من مؤنس!
*****
يا رحابـــا كانت الدنيــا لهــــا = زاهـــراتٍ في الزمــان الأول ِ
عامرات ساطعات ظِـلـُـهـــــا = مَشرق النور ونبع الأمــــل
وعلـــومٌ وفنــون ..روْضهــا = نُضرة العــيش الرغيـــد الأمثـل
أين غابت؟كيف بادت؟ إنهــا = رحلة النور المطل الآفـــــل
لاتلومـن ّ الفــؤاد الـمُولَهــا = إنهــا الجرح الذي لم يدمـل
هل يعود الروض أُنْسا وبهى = وظلام الليل .. هلاّ ينجلي ؟

أيها الجاثـمون فوق ترابـــي === أيها الشاربون نخـــب الرقــــاب ِ

أيها العابثـون في كــل وادي === أيها الساكنون عــرش الســراب ِ
أيها السارقون فجـر بــلادي === لن أداجي .. ولن يطول جوابــي
***
هدِموا بيتي ... حرِّقوا كبدي === صادروا أرضي وارتعوا كالذئاب ِ
كبلوني ... أو مزقوا جسدي === واشربوا رعفي وانهشوا كالكلاب
قتلـوا شعبي دمروا بلـــدي === أمطرونا بوابــل ٍ مــن حــــراب
لن تنالوا من عزمتي وإبائي === لن تعـيشوا فـي تلتـي وهـضـــابي
إنني صامد برغم جـــراحي == إننــي صابــر برغـــم عذابـــي
وهنا راسخ مُقام َ عسيــبٍ == شوكـة ٌ بـل زيتونــة فـي التـــرابِ
***
فانا الشعب المستضام ُأنا جـر == ح ُ السنيـن المرّوعــاتِ الغضــــابِ
وأنا الآه والدم النـزْفُ غدرا == أنــا مسروق الصبـا والشبـــابِ
وأنا البحر دمعـُه بل أنا الرعـْ == د ُ صـداه ُ مجـلجــل ٌ بعـــذابـــي
لم أزل نـاضرا برغم الليالي == شامخا رغم النازفـات الخـضـــابِ
ماضيا رغم العاصفات العواتي == رافـع الرأس فـوق هــام الســـحابِ
***
يا طغاة التاريـخ مهلا فانــي === لحـروف الزمــان خيـر كـتـــــابِ
ياشـَتات َالقرود ويلٌ لكم من === غضبتـي ويــل ٌ مـن أوار حسابــــي
يوم لا يغني عنكمُ الكيد شيئا === ويفيــض التنــور نــار عبابـــــي
ذاك يـوم مثل ثمــودٍ وعــادٍ === هـو َ آت ٍ حتمــا لكـــم بالتبـــــــابِ
(*): من ديوان ترانيم السحر.. صدر في القدس عام 1983
وقد أنشدها المنشد السوري أبو راتب وآخرون تحت عنوان "لن أداجي"فصل

نشيد الزحوف

أتينا أتينا زحوف الضيــاءْ = أتينـا نحقق وعْد السمـاءْ
لنهدم عهدا.. ونبنيَ مجـدا = تطل به دعوة الأنبيـاءْ
أتينا مواكبَ كالموج غضبى = لظاها النزيفُ وسيلُ الدمـاءْ
تكاد تهز الجبــال الـرواس ِ= وتوشك أن تلهبنّ الفضـاءْ
وفينا من العزم صَلْد الصخور= ومن بارقات الصفاح المضاءْ
*****
تخذنا الرســـول لنا قـدوة = وسرنا بهدي كتاب الســمـاءْ
وقمنـا نرد جيــوش العُـداةِ = غيوث السّرى ورياح الفنـــاءْ
فكنا الضرام َ يدك اللئـــامَ = ينادي الكرام َ الفداءَ الفــــداءْ
*****
غدا سوف يشرق فينا الصباحُ = نديّ الأمانـي بهيّ الضيــاءْ
وتزهوالخلائق في كل سـاح ٍ = وتشدو بعذب الأغاني الوِضاءْ
فيا كون.. ردد بألحاننــا = نشيد الزحوف سنى..وسنـــاءْ
أتينا.. أتينا .. بكل الإبــاء = فقف يامدى واشهدي ياســماءْ


المن أي دمعٍ .. أي جرحٍ .. أي آهْ = من أيِّ نجمٍ قد تبعثر في علاهْ

من أي بحرٍ قد تسجّر قَـطره = من أي بركان تلعثمت الشـفاهْ؟
غاب العماد .. فأي موجٍ هزني = بل أي إعصارٍ يجلجل في مداه
غاب الرفيق .. فأي ركنٍ ألتجي = بل أي شِعب أبتغي فيه النجاة؟
من أي ثغر مشرقٍ متبسمِ = من أي روح أستقي شهد الحياة؟
ماذا أقول .. لأدمعي إذ هزها = عصف الحنين وسعّرت قلبي لظاه
ماذا أقول إذا العيون بدا لها = طيف الحبيب .. وقد دهاها ما دهاه
طال الفراق .. فهل لنا من خلسةٍ = عبر المطارق والسلاسل والفلاه؟
كنتَ الرفيق ولي الرحيقَ وصحبتي = كنت الأحبة كلَّهم .. كنت الحياه
عامان مرّا والنوى في ناره = يذوي فؤادي في الضلوع فيا أساه
وجوانحي .. ثكلى برجع أنينها = وبمهجتي طامي العباب بألف آه
خلف بحر الزمان (*)
ويمضي نهارٌ ... ويأتي نهار ْ
وترقص في دمعتـي ّ َ الخطوبْ
بلحن الأنين ِ
كناع ٍ حزين ِ
وتروي فصولا طوالا طوال ..
طواها الزمان ْ.. طواها المكان ْ..
وقصة حب .. كشمس الأصيل ِ
على شاطئ .. خلف بحر الزمان ْ
وخلف السدود ... رسمنا الحدود
بدفقة حب .. وريشة عود ..
وحلما زرعناه بين النخيل
كطهر النسيم ْ
هناك التقينا
هناك .. عبرنا حدود الزمان ِ
نقشنا على الرمل
أبهى الرسوم
نقشنا الثريا .. وكل النجوم ْ
هناك ملكنا حصاد القرون ِ
وروح الغمام ِ
وكنا مع الطل عند البكور ِ
يهفهف ُ .. مثل ارتعاش الغدير ِ
نصب الحنين ..
ونشدو مع الديك لحن الحياة
ومعنى الوجودْ
هناك التقينا .. لعبنا طربنا ..
وقـِـلنـا على الرمل وقت الهجير
بحضن النخيل ..
وطاب اللقاء ُ... بحب نعيشُ
وشوق يجيشُ ... صباح مساءْ ..
نقشت اسمها في جبين الدهور ِ
رسمت العيون بلون السماء ْ
نسجت الشفاه بعطر الورود ِ
ورصعت بالبدر ِ
زهر الخدود ..
سكبت اسمها في جذور النخيل ِ
وعبر الرمال ْ..
هناك ارتشفنا رحيق البقاء ِ
غديرا ... سرت منه روح الوجودْ
هناك قطعنا بكل العهود
هناك الفناء.. هناك الخلود ْ
وبمضي نهار ٌ ... ويأتـي نهار
وتعبث في خافقيـْنا التتار
تدوس الزهور
تروّع في الفجر كل الطيور..
ويغرب في مقلتينا النهار ْ!
وتمحو الرسوم .. وكل النجوم ..
ولوحة حبي
تخربش فيها بكل يراع ْ!

وترخى القلوع ُ

ويقتنص الموج ُ
صبا ندوب ْ
وثلج ٌ أحاط َ
وثلج ٌ يذوب ْ !
*****
وتاه الشراع ... وما من شعاع..
وماج الضباب ُ ... وضاق الأثير ْ..
ويوم ٌ على إثر يوم تدور
بقلبي الكسير ْ
نواعير أمسي .. بحبـِّي الطهورْ..
ويحفر في شاطئيْه القبور
غراب ُ المســاء
وينعق ينعق لحن الفنـاء
فيا للدهور ْ..!
*****
وتاه الشراع ْ..
وكل الدروب ِ ضياع ٌ ضياعْ
ولوحة حبي .. غدت كالمشاع ْ
حوت في الحواشي ... رسوم َ الوحوش ِ
وبين السطور ِ.. نقوش الضباع ْ!
ومن كل لون ٍ ... ومن كل فن ٍٍ
وفي كل سوق ٍ
تباع ُ.. تـُرَد ُ .... تـرد.. تباع ْ !
*****
ويمضي نهار ... ويأتي نهار ْ
ونزرع في الوحل ِ ... ألف َ انتصار ْ..
ونجنـِي الشنار ْ
وعارٌ يــُزَف ُ ... بمليون عار ْ !
وننسى الثلوج َ ...وننسى الضبابْ
ونرجو الشراع ... ببحر السراب ْ !
نداعب في الموج حسْن الصفاء
ونغضي الجفون َ ...ونحني الذقون
وحتى البطون
وتـُسحق ُ فينا بقايا البقاء ْ..!
*****
ويمضي نهار .... ويأتي نهارْ
وقلبي تجرع َ من كل نارْ
وصال التتار ... وجال التتار ْ
وجاسوا وداسوا بكل الورود ِ
وكل العهود ْ..
وقلبي حريقْ
ولوحة حبي كطفل غريق ْ
وحولي السدود ..وريح شرود ..
وتعبث بالطفل كل القرودْ..
وحبي الدفين ْ... يبث الأنين
ويهتف في ّ صباح َ مساء ْ
إلام الحبيب ... ينادي الحبيب ْ
إلام الرمال ُ.... ستبكي النخيل ْ
ويرثي الصباح َ ... شحوب ُ الأصيل ْ؟
*****
حنانيك حبي
سأنسج من لحن جرحي الحزين
خيوط َ الشراع ْ
وأسكب من آه قلبـِي الملوع
ألف شعاع ْ ..
سأكتب إسمك فوق الصخور ِ
وشم الجبال ..
بلون الربيع ِ ... وطهر الرضيع ِ
سأهديك والحب ُ ... أبهى وشاح ْ
وتشدو الطيور ُ .... وتزهو الزهور ُ
وديك الصباح ْ
وتهتف من خافقينا السماء
وكل الوجود ْ
على الرمل عشنا ... وكان اللقاء
كطير غرود ْ
*****
هناك التقينا ... لعبنا طربنا
هناك ارتشفنا رحيق البقاء ِ
غديرا سرت منه روح الوجود ْ
هناك قطعنا بكل العهود ْ
هناك الفناء ..هناك الخلود ْ
هناك الفناء .. هناك الخلود ْ

من أي دمعٍ .. أي جرحٍ .. أي آهْ = من أيِّ نجمٍ قد تبعثر في علاهْ

من أي بحرٍ قد تسجّر قَـطره = من أي بركان تلعثمت الشـفاهْ؟
غاب العماد .. فأي موجٍ هزني = بل أي إعصارٍ يجلجل في مداه
غاب الرفيق .. فأي ركنٍ ألتجي = بل أي شِعب أبتغي فيه النجاة؟
من أي ثغر مشرقٍ متبسمِ = من أي روح أستقي شهد الحياة؟
ماذا أقول .. لأدمعي إذ هزها = عصف الحنين وسعّرت قلبي لظاه
ماذا أقول إذا العيون بدا لها = طيف الحبيب .. وقد دهاها ما دهاه
طال الفراق .. فهل لنا من خلسةٍ = عبر المطارق والسلاسل والفلاه؟
كنتَ الرفيق ولي الرحيقَ وصحبتي = كنت الأحبة كلَّهم .. كنت الحياه
عامان مرّا والنوى في ناره = يذوي فؤادي في الضلوع فيا أساه
وجوانحي .. ثكلى برجع أنينها = وبمهجتي طامي العباب بألف آه
أين الأحبة .. أينَ .. أينَ أراهمُ = فالشوق أفنى في مآقينا الحياة
هل نلتقي بعد النوى وتلوعي = يا ليت أنّي كنت قرباناً فداه
إن كانت الآهات تعصف ريحها = ما كانت الذكرى تَرَدّدُ في الشفاه
فلظى الخيانة ما خبا في خافقي = ممن شروا أحرارها في بعض جاهْ
أعمادُ غبت .. وما دريت بأنهم = باعوك مثل قضيتي .. وا حسرتاهْ !

دمعة أندلسية شعر أبو المعتصم بالله يوسف النتشة


في ذكرى سقوط الأندلس في 2-1- 1492م


مـنْ لقلبـي كلما القلب شكا = غصّــة الدهر وحـــرّ الأنـفــس ِ

كلما هفهـف نســْـم فبكــــى = عبهـري َ النســْم في الأنــدلــس ِ
وإذا رفرف طيــر وحكــى = قصـة النســر وزهـْو النـورس
باتت الروح تناجي الفلكــا = وتنادي في الجوار الكنّــس
وتنادي والمدى قد حلكـــا = حاضرات ما بها من مؤنس!
*****
يا رحابـــا كانت الدنيــا لهــــا = زاهـــراتٍ في الزمــان الأول ِ
عامرات ساطعات ظِـلـُـهـــــا = مَشرق النور ونبع الأمــــل
وعلـــومٌ وفنــون ..روْضهــا = نُضرة العــيش الرغيـــد الأمثـل
أين غابت؟كيف بادت؟ إنهــا = رحلة النور المطل الآفـــــل
لاتلومـن ّ الفــؤاد الـمُولَهــا = إنهــا الجرح الذي لم يدمـل
هل يعود الروض أُنْسا وبهى = وظلام الليل .. هلاّ ينجلي ؟
*****

إلى القدس هيا نشد الرحال

ندوس القيود نخوض المحال
و نمحوا عن الأرض فجارها
بعصف الجبال و سيل النضال
بعزم الأسود و قصف الرعود
ونار الحديد و نـور الهـلال

فهلا سمعتـم أيـا إخوتـي

حنين التراب و ندب الرمـال
و نوح المـآذن فـي لوعـة
و آه الحصى و أنين التـلال
و شعبي الشريد يسيل دمـا
و مسرى الرسول يأن اشتعال

إلـيّ إلـيّ أسـود الـفـدا

فما عاد يجدي مقال و قـال
لقد حان يوم انتفاض الأسير
و دقت طبول الفدا و النضال
ونادت ربا القـدس أبطالهـا
فأيـن علـي و أيـن بـلال

فإما نسر في طريـق الإلـه

ننل عزة فوق شـم الجبـال
و لا بد بالنور يومـا نعـود
و لا بد للقيد مـن أن يـزال
و تعلو المـآذن فـي عـزة
لتعزف لحنا طوتـه الليـال

بكت بيروت فالدنيا غماما == وأدبر نورها .. فالكون هامــا

وأغطش ليلُـها في كل شِــعبٍ == بهيــــم ٌ ينثر الموت الزؤاما
فشُـقت أرضهـا تطوي الضحايا == وأطبقت السما تلقي الرِجامــــا
وماج البحر والطوفان رعدا == يصبّ الهـول ينـثـره ُ ركــاما

***

عروس ُ الشرق ..أغنية العذارى == تولول .. ترتدي السود القتامـا!
فأين قصائد ٌ فاضت هيامــا == وأين عمائـمٌ ذابت غرامـــا؟
وأين مدافع بالأمس دوّت == تبث المــوت ..تقتلع الخياما ؟(1)

***


عروس َ الشرق عذرا فالليالي == تسير بأضلعي عامــا فعامــا

أأبكي اليوم لؤلؤة العــذارى == أم ابكي القدس َ.. أم أبكي الشآما؟
فتل الزعتر المذبوح يذكـي == شغاف القلب يلهبه ضرامــا
وتدْمُرُ والمآذن في حـــماةٍ == وحمصٌ ..لم تنم فيّ احتدامــــــا
فما زالت تموج بكل جنح == غـِضاب الريح..تدفعني انتقامــــــا

شكا التاريخ يا بيروت مثلي == زنادقة النيــاشين اللئامـــا

فذا السفاح من ذبح الرعايــا == عقيداً قـد منحنـاه الوسامــــا !
وذاك رفيقه السمسار أمســى == لواء .. وارتقى فينــا المقامــا !

عروس َ الشرق ..لا تبكي فإني == أذوب لدمعك الهامــي اغتمامــا

فنار الوجد تعتصر المآقي == ونار القيـد تنخــرُ بي العظامـــا
فكيف أرى الذئاب قد استباحوا == ضفائر شعرك الســاجي انتقامــا؟
أوار الصمت يسري في ضلوعي == وتحرقني الجموع غدت عقــاما!
فنوحك قد بكت منه الرواسي == وهز الأرض.. والسبع العظامــا!

وأما العـرْب في زمــن الأماني == فنزف الجرح ..ينشيهـــم هياما !

غثــاء ٌ في متاهــات البيــادي == هشيم ُ الريح ِ في بــِدد ٍ ترامــى
غدوا صما ..وبكما ..بل وعميــا == وأمسى العيش في دمهــمْ حرامـــا
وقال العرْب .. يا بيروت إنـا == سنشعل مجلس الأمــن اضطرامــا
ونعلن للورى أنـا غضبنــا == لأن عدونــا خفـرَ الذمامــا
ونعقد ألــف مؤتمر .. وإنــــا == سنرسل للأشــقّاء السلاما
ونعلنها ضروسا بالقوافي == ونملأ آخر الدنيـــا كلامـــا
وندعو الله أن يجلي الأعادي == ونعرب عن تضـــامننا ختامــا !

*** بيروت لا ترْجي السكارى == ومن طربوا لنوْحـِـك والندامـــى

ولا تبغي الحيــاة بظل قـفـْر ٍ == فمن يرجو لدى الميـْـت المراما ؟
سأحمل صوتك الدامي هديــرا == يلطخ شجـُوه من قــد تعــامى
وأحشاءُ الأرامـل واليتــامى == ستحرق نارُها الصــم َ النيــاما
وينكشف الزمان على محــولٍ == عجاف ٍ .. حينما يلقي اللثــاما

*** َ الشرق حسبك في النزال ِ == من الأحرار ِ من صلّــى وصاما

ليوث ٌ من جبال النور هبّــوا == بحبل اللـــه واعتصموا اعتصاما
تخطوا بالمنى سود الدياجي == وشَــدّوا للقراصنة اللجــاما
فما وهنوا لشـرق أو لغــرب ٍ == وما أحنـوْا لغير اللــه هـامــــا
إذا ما حرة صاحـت بقفــــر ٍ == غدوا للثأر معتصمــا هُـمامـا
وإن داس العدو لهم بأرض == رموا - بالله - بأسهُـمُ حِـمامـا
بهـم ْ سـيبـَدَد ُ الطغيان ُ فامضي == لنصر اللـه ..لا تخشيْ صـِداما
فلن يحنوا لطاغية جباهــا == ولـن يبقوا لخــوّان مُـقامـا
تموتــي يا ابنة المجد التليـــدِ == لن تموتي في الحنايــا والوريـــدِ
لن تموتـي ما جرتْ فينا دمـــاءٌ == دافقــات ٌ مــن حفيـــد ٍ لحفيــــدِ
أنت نزْفٌ سال في أغوار قلبـي == أنـت لحـنٌ لنشيجــي ونشـيــــدي

*** للأطلال والآهاتُ حــرّى == عـلّ في الأطلال صمْتا لرعودي

جئتها.. قلبي على متـْن شجونــي == وعيـوني حلقتْ خلـف الحـــدودِ
فإذا بالـدار قد أمست حطامــــاً == وإذا بالنـهر يجــري بالصديــــدِ
وإذا الأشلاء شَعْـــثٌ وركـــامٌ == وإذا الأبـرار في حـَـر القيــــــودِ!

أيها الآماد ماذا عـلّ وجـدي == ينـْبيء الأيــام عن أشقــى ثمــــودِ؟

سامها الجزار خسفا وانتقاما == فاق في الايـغال أحقــاد اليهــــودِ
ألهـب َ الأنحـاء فتـكا ودمــــارا == وأتى منها على حبـــل الوريــــدِ!
ويلـه إنْ أطبقتْ جندٌ غضابٌ == تطلــب الثـأرَ شبــولٌ من أســــودِ

فاصبري يا أيهـا الثكلى فإنـا = قد خططنا بالد ّمــا عهْــد العـهـــود

واشهدي يا أرض من ربْعٍ وقفـرٍ == مـن نواعيـــر ٍ وعـطــــر وورودِ
كنـت ِ للأحرار دارا ً ومنــــاراً == لا تميــد ُ الأرض إلا أن تميـــدي
كنت فخرا كنت قطرا كنت عطرا == فأعيدي سـيرة المجــد أعيـــدي

ها أرى الشلال من نزْف الضحايا == قد سرى في كل غـوْرٍ ونجـــودِ

يروينّ القفر يحيي كـل جــــدْب == يبعثنّ العــزم في كـل صعيــــدِ
فإذا بالزهـــر فــوّاح نــــديّ == باســـق يهفــو إلى الفجـر الوليــدِ
وإذا الآسـاد لبــّتْ .. كـل ّ فـــج ٍ == مـن عزيز .. وتليــد ٍ من تليـــــد
فارتعـي يا أيهـا الغـراء زهــْـوا == في سماوات المعالــي والخلـــود



يا بني العرب إنما الضعف عارٌ إي وربي سلوا الشعوب القويّة

كم ضعيف بكى ونادى فراحت لبكاه تقهقه المدفعية
لغة النار والحديد هي الفصحى وحظ الضعيف منها المنيّة
هاهي الحرب أشعلوها فرحماك إلهي بالأمة العربية
يا بني الفاتحين حتّام نبقى في ركودٍ أين النفوس الأبية
غيرنا حقق الأماني وبتنا لم نحقق لنا ولا أمنية
فمن الغبنِ أن نعيش عبيدًا أين ذاك الإباء ؟ أين الحمية ؟
قم معي نبكِ مجدنا ونسحُّ الدمع حزنًا ونندب القوميّة
قم معي نسأل الطلول عساها تشفِ بالرد غلة روحيّة
عن بني العربِ يوم سادوا وشادوا مجدهم بالسيوف والسمهريّة
وعن ابن الخطاب من حكمه العدل وسعدٌ بوقعة القادسيّة



احمد مطر

الثور فر من حظيرة البقر، الثور فر ،
فثارت العجول في الحظيرة ،
تبكي فرار قائد المسيرة ،
وشكلت على الأثر ،
محكمة ومؤتمر ،
فقائل قال : قضاء وقدر ،
وقائل : لقد كفر
وقائل : إلى سقـر ،
وبعضهم قال امنحوه فرصة أخيرة ،
لعله يعود للحظيرة ؛
وفي ختام المؤتمر ،
تقاسموا مربطه، وجمدوا شعيره
وبعد عام وقعت حادثة مثيرة
لم يرجع الثور ، ولكن ذهبت وراءه الحظيرة

جسَّ الطبيبُ خافقـي

وقـالَ لي :
هلْ ها هُنـا الألَـمْ ؟
قُلتُ له: نعَـمْ
فَشـقَّ بالمِشـرَطِ جيبَ معطَفـي
وأخـرَجَ القَلَــمْ!
هَـزَّ الطّبيبُ رأسَـهُ .. ومالَ وابتَسـمْ
وَقالَ لـي :
ليسَ سـوى قَلَـمْ
فقُلتُ : لا يا سَيّـدي
هـذا يَـدٌ .. وَفَـمْ
رَصـاصــةٌ .. وَدَمْ
وَتُهمـةٌ سـافِرةٌ .. تَمشي بِلا قَـدَمْ !

يدرس في الكلية الطبيه

تأكد المخبر ُ من ميوله ُ الحزبيه
وقام بأعتقاله
حين رأه ُ مرة ً
يقرأ عن تكُّون الخليه
وبعد يوم واحد
أفرج عن جثته
بحالة ٍ أمنية
في راسه رفسة بندقيه
في صدره قبلة بندقيه
في ظهره صورة بندقيه
لكنني
حين سألت حارس الرعية
عن أمره ِ
أخبرني
أن وفاة صاحبي قد حدثت
بالسكتة ُ القلبيه

بالتّمـادي

يُصـبِحُ اللّصُّ بأوربّـا
مُديراً للنـوادي .
وبأمريكـا
زعيمـاً للعصاباتِ وأوكارِ الفسـادِ .
و بإ و طا نـي التي
مِـنْ شرعها قَطْـعُ الأيادي
يُصبِـحُ اللّصُّ
.. رئيساً للبـلادِ !
الله أعلم
أيُّها الناسُ اتَّقوا نارَ جهنَّمْ
لا تُسيئوا الظنَّ بالوالي
فسوءُ الظّـنِّ في الشَّرْعِ مُحَرّمْ
أيّها الناسُ أنا في كُلِّ أحوالي
سعيدُ ومُنَعَّـمْ
ليسَ لي في الدربِ سفَّاحٌ
ولا في البيتِ مأتَـمْ
ودَمِي غير مُبَاحٍ وفمي غير مُكَمَّـمْ
فإذا لم أتكلَّمْ
لا تُشِيعوا أنَّ للوالي يداً في حَبْسِ صوتي
بل أنا يا ناسُ أَبْكَـمْ
قلتُ ما أعلمُه عن حالتي
واللهُ أعلمْ !


شكوى باطلة

بيني و بين قاتلي حكاية طريفة
فقبل أن يطعنني
حلفني بالكعبة الشريفة
أن أطعن السيف أنا بجثتي
فهو عجوز طاعن و كفه ضعيفة
حلفني أن أحبس الدماء
عن ثيابه النظيفة
فهو عجوز مؤمن
سوف يصلي بعدما يفرغ من
تأدية الوظيفة
شكوته لحضرة الخليفة
فرد شكواي
لأن حجتي سخيفة

سبعون طعنة هنا موصولة النزف

تبدي ولا تخفي
تغتال خوف الموت في الخوف
سميتها قصائدي
وسمّها يا قارئي : حتفي !
وسمّني منتحرا بخنجر الحرف
لأنني في زمن الزيف
والعيش بالمزمار والدُفّ
كشفت صدري دفترا
وفوقه
كتبت هذا الشعر بالسيف !!
التوقيع :أحمد مطر
*********
قُــُبلة بوليسية

عندي كلام رائع لا أستطيع قوله

أخاف أن يزداد طيني بلّة!
لأن أبجديتي
في رأي حامي عزتي
لا تحتوي غير حروف العلة !
فحيث سرت مُخبر
يلقي علي ظله
يلصق بي كالنملة
يبحث في حقيبتي
يسبح في محبرتي
يطلع لي في الحلم كل ليله !
حتى اذا قبّلت -يوما- زوجتي
أشعر أن الدوله
قد وضعت لي مخبرا في القُبله
يقيس حجم رغبتي
يطبع بصمة لها عن شفتي
يرصد وعي الغفله
حتى اذا ما قلت يوما جمله
يعلن عن ادانتي
ويطرح الأدله
**
لا تسخروا مني فحتى القبله
تعد في أوطاننا
حادثة
تمس أمن الدولة !!!

أذكر ذات مرة

أن فمي كان به لسان
وكان يا ما كان
يشكو غياب العدل والحرية
ويعلن احتقاره
للشرطة السرية
لكنه حين شكا
أجرى له السلطان جراحة رسمية
من بعدما أثبت بالأدلة القطعية
أن لساني في فمي
زائدة دودية !!
لا تسألوا
كيف اختفت لا فتتي الشعرية
لا تسألوا
فهذه الأوطان تعتقل الفأس
اذا ما حلت الأوثان
وهذه الأوطان
تودع الملاك دوما
عندما تستقبل الشيطان
وهذه الأوطان
اذا أتاها ظالم
تذبح كل طائر مغرد
وزهرية برية
لأنها تخشى على شعوره
من منظر الحرية !!!
حلفتكم بالله !
ألا تلمسوا أوتاري الصوتية
يا ناس اني صامت
والحمد لله اذ لم أُعتقل
بتهمة الكتمان
فالشاعر الشريف في أوطاننا
يُدان أو يُدان !!!
يا سادتي
تلك هي القضية !

اثنان لا سواكما , و الأرض ملك لكما

لو سار كل منكما بخطوه الطويل
لما التقت خطاكما الا خلال جيل
فكيف ضاقت بكما فكنتما القاتل و القتيل؟
قابيل ....يا قابيل
لو لم يجئ ذكركما في محكم التنزيل
لقلت :مستحيل!
من زرع الفتنة ما بينكما ..
ولم تكن في الأرض اسرائيل؟!

الغربُ يبكي خيفـةً

إذا صَنعتُ لُعبـةً
مِـن عُلبـةِ الثُقابِ.
وَهْـوَ الّذي يصنـعُ لي
مِـن جَسَـدي مِشنَقَـةً
حِبالُها أعصابـي!
والغَـربُ يرتاعُ إذا
إذعتُ، يومـاً، أَنّـهُ
مَـزّقَ لي جلبابـي.
وهـوَ الّذي يهيبُ بي
أنْ أستَحي مِنْ أدبـي
وأنْ أُذيـعَ فرحـتي
ومُنتهى إعجابـي..
إنْ مارسَ اغتصـابي!
والغربُ يلتـاعُ إذا
عَبـدتُ ربّـاً واحِـداً
في هـدأةِ المِحـرابِ.
وَهْـوَ الذي يعجِـنُ لي
مِـنْ شَعَـراتِ ذيلِـهِ
ومِـنْ تُرابِ نَعلِـهِ
ألفـاً مِـنَ الأربابِ
ينصُبُهـمْ فـوقَ ذُرا
مَزابِـلِ الألقابِ
لِكي أكـونَ عَبـدَهُـمْ
وَكَـيْ أؤدّي عِنـدَهُـمْ
شعائرَ الذُبابِ!
وَهْـوَ.. وَهُـمْ
سيَضرِبونني إذا
أعلنتُ عن إضـرابي.
وإنْ ذَكَـرتُ عِنـدَهُـمْ
رائِحـةَ الأزهـارِ والأعشـابِ
سيصلبونني علـى
لائحـةِ الإرهـابِ!

النملة قالت للفيل:

قُم دلكني..
ومقابل ذلك ضحكني
وإذا لم أضحك عوضني
بالتقبيل وبالتمويل
وإذا لم أقنع ..قدم لي
كُل صباح ألف قتيل !
ضحك الفيل
فشاطت غضباً :
تسخر مني يا برميل
ما لمضحك فيما قد قيل؟
غيري أصغر ..لكن طلبت أكثر مني
غيرك أكبر ...لكن لبّى وهو ذليل
أي دليل؟
أكبر منك بلاد العرب
وأصغر مني إسرائيل ...

المعجزاتُ كلُّها في بدنــــي..

حيٌّ أنا...
لكنَّ جلدي كفنـــــي...
أسيرٌ حيثُ أشتهي ...
لكنني أسيــــرْ...
نصفُ دمي بلازمــــا ..
ونصفهُ خفيــــر
مع الشهيقِ دائمــــاً يدخلني
ويرسل التقرير في الزفيــــر
وكل ذنبي أنني
آمنتُ بالشعر وما آمنتُ بالشعير
في زمن الحمير

حين أموتْ

وتقوم بتأبيني السلطة ْ
ويشيّع جثماني الشرطة ْ
لا تحسبْ الطاغوت ْ
قد كـرمني
بل حاصرني بالجبروت ْ
وتتبّعني حتى آخر نقطة
كي لا أشعر أني حرٌ
حتى وأنــا في التابوت ْ!!!

شعب أمريكا غبي

كــف عن هذا الهراء...!
لا تدع للحقد
أن يبلغ حد الافتـــراء...!
قل بهذا الشعب ما شئت
ولكن لا تقل عنه غبيا...!
أيقولون غبيا
للغباء؟!!

قـرأَ الألثَـغُ منشـوراً ممتلئاً نقـدا

أبـدى للحاكِـمِ ما أبـدى :
الحاكِـمُ علّمنـا درسـاً ..
أنَّ الحُريـةَ لا تُهـدى
بلْ .. تُستجـدى !
فانعَـمْ يا شَعـبُ بما أجـدى .
أنتَ بفضـلِ الحاكِـمِ حُـرٌّ
أن تختارَ الشيءَ
وأنْ تختـارَ الشيءَ الضِـدّا ..
أن تُصبِـحَ عبـداً للحاكِـمِ
أو تُصبِـحَ للحاكِـمِ عَبـدا
**
جُـنَّ الألثـغُ ..
كانَ الألثـغُ مشغوفاً بالحاكِـمِ جِـدَا
بصَـقَ الألثـغُ في المنشـورِ، وأرعَـدَ رَعْـدا :
يا أولادَ الكلـبِ كفاكُـمْ حِقْـدا
حاكِمُنـا وَغْـدٌ وسيبقى وَغْـدا
يَعني وَرْدا !
**
وُجِـدَ الألثـغُ
مدهوسـاً بالصُّـدفَـةِ ..عَـمْـدا

عزف على القانون

( أحمد مطر )


يشتمني ويدعي أن سكوتي معلن عن ضعفه ،

يلطمني ويدعي أن فمي قام بلطم كفه ،
يطعنني ويدعي أن دمي لوث حد سيفه ،
فأخرج القانون من متحفه ،
وأمسح الغبار عن جبينه ،
أطلب بعض عطفه ،
لكنه يهرب نحو قاتلي وينحني في صفه ،
يقول حبري ودمي : " لا تندهش ،
من يملك القانون في أوطاننا ، هو الذي يملك حق عزفه "

الدُّودَةُ قالتْ للأرضْ :

إنّي أدميتُكِ بالعَضْ.
زلزَلتِ الأرضُ مُقهقِهةً :
عَضّي بالطُّولِ وبالعَرضْ .
مِنْ صُنْعي هيكَلُكِ الغَضْ
ودِماؤكِ من قلبي المَحض
ورضايَ بعضِّكِ إحسانٌ
ورضاكِ بإحساني فَرضْ .
إنّي قَد أوجدْتُكِ حتّى
تنتَزِعي من جَسَدي الموتى
ولَكِ الدّفعُ .. ومنكِ القبضْ .
**
الأرضُ انطَرَحَتْ بِسُموٍّ
والدُّودَةُ قامَتْ في خَفضْ
وأنا الواقِفُ وَسْطَ العَرضْ
أسألُ نفسي في استغرابٍ :
من ذ ا يتعلّمُ مِن بعضْ ؟
الأرضُ، تُرى، أمْ أمريكا ؟
الدودَةُ .. أمْ دُوَلُ الرّفضْ ؟

شعرتُ هذا اليوم بالصدمة

فعندما رأيتُ جاري قادماً
رفعتُ كفي نحوهُ مسلماً
مكتفياً بالصمت والبسمة
لأنني أعلم أن الصمت في أوطاننا .. حكمهْ
لكنهُ رد عليَّ قائلاً :
عليكم السلام والرحمة
ورغم هذا لم تسجل ضده تهمه .
الحمد لله على النعمة
من قال ماتت عندنا
حُريّة الكلْمةْ ؟!

لي صديقٌ بتَرَ الوالي ذِراعَهْ

عندما امتدّتْ إلى مائدةِ الشّبعانِ
أيّامَ المَجاعَةْ .
فمضى يشكو إلى النّاسِ
ولكِنْ
أعلَنَ المِذياعُ فوراً
أنَّ شكواهُ إشاعَةْ .
فازدَراهُ النّاسُ، وانفضّوا
ولمْ يحتمِلوا حتّى سَماعَهْ .
وصَديقي مِثْلُهُمْ .. كذّبَ شكواهُ
وأبدى بالبياناتِ اقتناعَهْ !
**
لُعِنَ الشّعبُ الَّذي
يَنفي وجودَ اللهِ
إن لم تُثبتِ اللهَ بياناتُ الإذاعَةْ !

في ساعة الولادة

امسكني الطبيب بالمقلوب
لكنني صرخت فوق العادة
رفضت أن أجيء للحياة بالمقلوب
فردني حرا ا إلى والدتي
قال لها تقبلي العزاء يا سيدتي
هذا فتى موهوب
مصيره في صمته مكتوب
و قبل أن يغادر العيادة
قبلني ثم بكى و وقع الشهادة .

فكرت بأن أكتب شعراً

لا يهدر وقت الرقباء
لا يتعب قلب الخلفاء
لا تخشى من أن تنشره
كل وكالات الأنباء
ويكون بلا أدنى خوف
في حوزة كل القراء
هيأت لذلك أقلامي
ووضعت الأوراق أمامي
وحشدت جميع الآراء
ثم.. بكل رباطة جأش
أودعت الصفحة إمضائي
وتركت الصفحة بيضاء!
راجعت النص بإمعان
فبدت لي عدة أخطاء
قمت بحك بياض الصفحة..
واستغنيت عن الإمضاء!

منذ ثلاثين سنة ،

لم نر أي بيد ق في رقعة الشطرنج يفدي وطنه ،
ولم تطن طلقة واحدة وسط حروف الطنطنة ،
والكل خاض حربه بخطبة ذرية، ولم يغادر مسكنه ،
وكلما حيا على جهاده، أحيا العد ا مستوطنة ،
منذ ثلاثين سنة ،
والكل يمشي ملكا تحت أيادي الشيطنة ،
يبدأ في ميسرة قاصية وينتهي في ميمنة ،
الفيل يبني قلعة، والرخ يبني سلطنة ،
ويدخل الوزير في ماخوره، فيخرج الحصان فوق المئذنة ،
منذ ثلاثين سنة ،
نسخر من عدونا لشركه ونحن نحيي وثنه ،
ونشجب الإكثار من سلاحه ونحن نعطي ثمنه ،
فإن تكن سبعا عجائب ا لدنى، فنحن صرنا الثامنة ،
بعد ثلاثين سنة

الأعادي ،

يتسلون بتطويع السكاكين ،
وتطبيع الميادين ،
وتقطيع بلادي ،
وسلاطين بلادي
يتسلون بتضييع الملايين ،
وتجويع المساكين ،
وتقطيع الأيادي ،
ويفوزون إذا ما أخطئوا الحكم بأجر ا لا جتها د ،
عجبا، كيف اكتشفتم آية القطع، ولم تكتشفوا رغم العوادي
آية واحدة من كل آيات الجهاد

المعجزات كلها في بدني ،

حي أنا لكن جلدي كفني ،
أسير حيث أشتهي لكنني أسير ،
نصف دمي بلازما، ونصفه خبير ،
مع الشهيق دائما يدخلني، ويرسل التقرير في الزفير ،
وكل ذنبي أنني آمنت بالشعر، وما آمنت بالشعير ،
في زمن الحمير

منذ سنين،

يترنح رقاص الساعة،
يضرب هامته بيسار، يضرب هامته بيمين،
والمسكين، لا أحد يسكن أوجاعه،
لو يدرك رقاص الساعة، أن الباعة
يعتقدون بأن الدمع رنين،
وبأن استمرار الرقص دليل الطاعة،
لتوقف في أول ساعة،
عن تطويل زمان البؤس، وكشّف عن سكين،
يا رقاص الساعة،
دعنا نقلب تاريخ الأوقات بهذي القاعة،
وندجن عصر التدجين،
ونؤكد إفلاس الباعة،
قف وتأمل وضعك ساعة،
لا ترقص، قتلتك الطاعة،
قتلتك الطاعة.

قالَ الدّليلُ في حَذَرْ :

أُنظُرْ .. وَخُذْ مِنهُ العِبَرْ
أُنظرْ .. فهذا أسَدٌ
لهُ ملامِحُ البَشَرْ .
قَدْ قُدَّ مِنْ أقسى حَجَرْ .
أضخَمُ ألفَ مرّةٍ مِنكَ
وَحَبلُ صَبْرِهِ
أَطوَلُ مِنْ حَبلِ الدّهَرْ .
لكنّهُ لم يُعْتَبَرْ .
كانَ يدُسُّ أنْفَهُ في كُلِّ شيءٍ
فانكَسَرْ .
هلْ أنتَ أقوى يا مَطَرْ ؟
كانَ ( أبو الهَولِ ) أمامي
أَثَراً مُنتَصِباً .
سألتُ :
هلْ ظلَّ لِمَنْ كَسّرَ أنفَهُ ..أَثَرْ ؟!

هلْ مِنَ الحِكمةِ

أنْ أهتِكَ عِرْضَ الكَلِمَةْ
بِهِجاءِ الأنظِمَةْ ؟
كِلْمَتي لو شَتَمَتْ حُكّامَنا
تَرجِعُ لي مشتومةً لا شاتِمهْ !
كيفَ أمضي في انتقامي
دُونَ َتلويثِ كلامي ؟
فِكرةٌ تَهتِفُ بي :
إ بصُقْ عليهِمْ.
آهِ ..حتّى هذه الفِكرةُ تَبدو ظالِمَهْ
فأنا أخْسَرُ - بالبَصْقِ -لُعابي
وَيَفوزونَ بحَمْلِ الأوسِمَةْ

ها هوَ ذا ( يَزيدْ )

صباحَ يومِ عيدْ
يُخَضِّبُ الكعبة بالدماءِ من جديدْ.
إنّي أرى مُصَفَّحاتٍ حَوْلَها
تقذفُها بالنارِ والحديدْ .
وطائراتٍ فوقَها
تقذفُ بالمزيدْ
هذا ( جُهَيْمانُ )
يُسَوِّى رأسَهُ الدامي
ويدعو للعُلا صَحْبَهْ
يُقسِمُ بالكعبَةْ
أن يَتركَ الكِلْمةَ رُعباً خالِداً
للملكِ السَعيدْ

حدّث الصياد أسراب الحمام

قال: عندي قفصٌ أسلاكه ريش نعام
سقفه من ذهب
و الأرض شمعٌ و رخام.
فيه أرجوحة ضوء مذهلة و زهورٌ بالندى مغتسلة.
فيه ماءٌ و طعامٌ و منام
فادخلي فيه و عيشي في سلام .
قالت الأسراب : لكن به حرية معتقلة.
أيها الصياد شكراً…
تصبح الجنة ناراً حين تغدو مقفلة !
ثم طارت حرةً ،
لكن أسراب الأنام حينما حدثها بالسوء صياد النظام
دخلت في قفص الإذعان حتى الموت…
من أجل وسام

وضعوني في إناءْ

ثُمّ قالوا لي : تأقلَمْ
وأنا لَستُ بماءْ
أنا من طينِ السّماءْ
وإذا ضاقَ إنائي بنموّي
..يتحطّمْ !
**
خَيَّروني
بَيْنَ مَوتٍ وَبَقاءْ
بينَ أن أرقُصَ فوقَ الحَبْلِ
أو أرقُصَ تحتَ الحبلِ
فاخترتُ البقاءْ
قُلتُ : أُعدَمْ.
فاخنقوا بالحبلِ صوتَ الَببَّغاءْ
وأمِدّوني بصمتٍ أَبَديٍّ يتكلّمْ !

ر صفوا البلدة , يوما

بالبلاط
ثم لما و ضعوا فيه الملا ط
منعوا أي نشاط
فا لتزمنا الدور
حتى يتأتى للملا ط
زمن كاف لكي يلصق جدا
با لبلا ط.

قَلَمي رايةُ حُكْمي

وبِلادي وَرَقَهْ
وجماهيري ملايينُ الحُروف المارقةْ
وحُدودي مُطْلَقَهْ.
ها أنا أسْتَنشِقُ الكَوْنَ ..
لبِستُ الأرضَ نعْلاً
والسّماواتِ قَميصاً
ووضعْتُ الشّمسَ في عُروةِ ثوبي
زَنْبَقَهْ !
أَنَا سُلْطانُ السّلاطينِ
وأنتمْ خَدَمٌ للخَدَمِ
فاطلُبوا من قَدمي الصّفحَ
وبُوسُوا قَدَمي
يا سلاطينَ البِلادِ الضّيقَةْ

جلدُ حِذائي يابِسٌ

بطنُ حِذائي ضيّقٌ
لونُ حِذائي قاتِمْ .
أشعُرُ بي كأنّني ألبَسُ قلبَ الحاكِمْ !
يعلو صريرُ كعْبِهِ :
قُلْ غيرَها يا ظالِمْ .
ليسَ لِهذا الشيءِ قلبٌ مطلَقاً
أمّا أنا .. فليسَ لي جرائمْ .
بأيِّ شِرعَةٍ إذَنْ
يُمدَحُ باسمي،
وَأنَا أستقبِلُ الشّتائِمْ ؟!


بينَ بينْ .

واقِفٌ، والموتُ يَعدو نَحْوَهُ
مِنْ جِهَتينْ .
فالمَدافِعْ
سَوفَ تُرديهِ إذا ظلَّ يُدافِعْ
والمَدافِعْ
سوفَ تُرديهِ إذا شاءَ التّراجُعْ
واقِفٌ، والمَوتُ في طَرْفَةِ عينْ.
أينَ يمضي ؟
المَدى أضيَقُ مِن كِلْمَةِ أينْ
ماتَ مكتوفَ اليدينْ .
مَنحو جُثّتَهُ عضويّةَ الحِزْبِ
فَناحَت أُمُّهُ : و ا حَرَّ قلبي
قَتَلَ الحاكِمُ طِفْلي
مَرّتينْ !

ربِّ اشفني مِن مَرضِ الكِتابَةْ

أو أعطِني مَناعَةً
لأتّقي مَباضِعَ الرَّقابَةْ .
فكُلُّ حَرفٍ مِن حروفي وَرَمٌ
وكُلُّ مِبضَعٍ لَهُ في جسَدي إصابَةْ .
فَصاحِبُ الجَنابَةْ
حتّى إذا ناصَْرتُهُ ..لا أتّقي عِقابَهْ !
**
كَتبتُ يَومَ ضَعفِهِ :
( نَكْرَهُ ما أصَابَهْ
ونكْرهُ ارتِجافَهُ، ونَكرهُ انتِحابَهْ )
وبَعدَ أن عبّرتُ عَن مشاعِري
تَمرّغَتْ في دفتَري
ذُبابتانِ داخَتا مِنْ شِدّةِ الصّبابَةْ
وطارَتا
فطارَ رأسي، فَجْأةً، تَحتَ يَدِ الرّقابَةْ
إذ أصبَحَ انتِحابُهُ : ( انتخابَهْ ) !
مُتّهَمٌ دوماً أنا
حتّى إذا ما داعَبَتْ ذُبابَةٌ ذُبابَهْ
أدفعُ رأسي ثَمَناً
لهذهِ الدُّعابَةْ !

قالت خيبر:

شبران… و لا تطلب أكثر.
لا تطمع في وطنٍ أكبر.
هذا يكفي…
الشرطة في الشبر الأيمن
و المسلخ في الشبر الأيسر.
إنا أعطيناك "المخفر" !
فتفرغ لحماسٍ و انحر.
إن القتل على أيديك سيغدو أيسر

وقفت في زنزانتي

اُقُلُبُ الأفكار
أنا السجين ها هنا
أ م ذلك الحارسُ بالجوار ؟
بيني وبين حارسي جدار ،
وفتحة في ذلك الجدار ،
يرى الظلام من ورائها و ا ر قب النهار ،
لحارسي ولي أنا صغار ،
وزوجة ودار ،
لكنه مثلي هنا، جاء به وجاء بي قرار ،
وبيننا الجدار ،
يوشك أن ينهار
حدثني الجدار
فقال لي : إ نّ ترثي له
قد جاء باختيارهِ
وجئت بالإجبار
وقبل ا ن ينهار فيما بيننا
حدثني عن أسدٍ
سجانهُ حمار

بُلبُلٌ غَرَّدَ،

أصغَتْ وَردَةٌ .
قالتْ لهُ :
أسمعُ في لحنِكَ لونا !
وردةٌ فاحتْ،
تملّى بُلبُلٌ ..
قالَ لها : ألمَحُ في عِطرِكِ لحنا !
لونُ ألحانٍ .. وألحانُ عبيرْ ؟!
نَظرٌ مُصغٍ .. وإصغاءٌ بصيرْ ؟!
هلُ جُننّا ؟!
قالتِ ألا نسامُ : كلاّ .. لم تجُنّا
أنتُما نِصفاكُما شكلاً ومعنى
وكلا النّصفينِ للآخرِ حَنّا
إنّما لم تُدرِكا سِرَّ المصيرْ .
شاعِرٌ كان هُنا، يوماً، فغنّى
ثُمّ أردَتْهُ رصاصاتُ الخَفيرْ
رفْرَفَ اللّحنُ معَ الرّوحِ
وذابتْ قَطَراتُ الدَمِ في مجرى الغديرْ .
مُنذُ ذاكَ اليومِ
صارتْ قطَراتُ الدَّمِ تُجنى
والأغانيُّ تطيرْ

هل إذا بئس كما

قد عسى لا إنما
من إلى في ربما
هكذا سلمك الله قل الشعر
لتبقى سالما
هكذا لن تشهق الأرض
و لن تهوي السما
هكذا لن تصبح الأوراق أكفانا
و لا الحبر دما
هكذا وضح معانيك
دواليك دواليك
لكي يعطيك واليك فما
وطني يا أيها الأرمد
ترعاك السما
أصبح الوالي هو الكحال
فابشر بالعمى

أيقظُوني عندما يمتلكُ الشعبُ زِمامَهْ .

عندما ينبسِطُ العدلُ بلا حَدٍّ أمامهْ .
عندما ينطقُ بالحقِ ولا يَخشى المَلامَةْ .
عندما لا يستحي منْ لُبْسِ ثوبِ ألا ستقامةْ
ويرى كلَ كُنوزِ الأرضِ
لا تَعْدِلُ في الميزانِ مثقالَ كَرامهْ .
_ سوفَ تستيقظُ .. لكنْ
ما الذي يَدعوكَ للنَّومِ إلى يومِ القِيامَةْ ؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة